فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب المكاتب، ونجومه في كل سنة نجم

كتاب المكاتب
( بسم الله الرحمن الرحيم) .
( كتاب المكاتب) بضم الميم وفتح المثناة الفوقية الرقيق الذي يكاتبه مولاه على مال يؤديه إليه فإذا أدّاه عتق فإن عجز ردّ إلى الرقّ وبكسر التاء السيد الذي تقع منه المكاتبة والكتابة بكسر الكاف عقد عتق بلفظها بعوض منجم بنجمين فأكثر وهي خارجة عن قواعد المعاملات عند من يقول إن العبد لا يملك لدورانها بين السيد ورقيقه ولأنها بيع ماله بماله وكانت الكتابة متعارفة قبل الإسلام، فأقرّها الشارع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال الروياني: إنها إسلامية لم تكن في الجاهلية والأول هو الصحيح وأول من كوتب في الإسلام بريرة ومن الرجال سلمان وهي لازمة من جهة السيد إلا إن عجز العبد وجائزة له على الراجح، ولغير أبي ذر كما في الفتح كتاب المكاتب بدل قوله في المكاتب والبسملة ثابتة للكل.


باب إِثْمِ مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ ( باب إثم من قذف مملوكه) لم يذكر فيه حديثًا أصلاً ولعله بيض له ليثبت فيه ما ورد في معناه فلم يقدر له ذلك.
نعم ترجم في كتاب الحدود وقذف العبد وساق فيه حديث من قذف مملوكه وهو بريء مما قال جلد يوم القيامة، وقد سقطت هذه الترجمة عند أبي ذر والنسفيّ وهو الأولى لما لا يخفى.

الْمُكَاتَبِ وَنُجُومِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ نَجْمٌ
وَقَوْلِهِ: { وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] .
.

     وَقَالَ  رَوْحٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.

قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ عَلَىَّ إِذَا عَلِمْتُ لَهُ مَالاً أَنْ أُكَاتِبَهُ؟ قَالَ: مَا أُرَاهُ إِلاَّ وَاجِبًا.
.

     وَقَالَ هُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ.

قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَتَأْثُرُهُ عَنْ أَحَدٍ؟
قَالَ: لاَ.
ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنَّ مُوسَى بْنَ أَنَسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ سِيرِينَ سَأَلَ أَنَسًا الْمُكَاتَبَةَ -وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ- فَأَبَى، فَانْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ -رضي الله عنه-، فَقَالَ: كَاتِبْهُ، فَأَبَى، فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ وَيَتْلُو عُمَرُ: { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} ، فَكَاتَبَهُ".

( باب المكاتب) بفتح التاء ( ونجومه) بالجر عطفًا على سابقه وبالرفع على الاستئناف ( في كل سنة نجم) رفع بالابتداء وخبره الجار والمجرور والجملة في موضع رفع على الخبرية وسقط للنسفي قوله نجم فالجار والمجرور في موضع نصب على الحال من قوله ونجومه ونجم الكتاب هو القدر المعين الذي يؤدّيه المكاتب في وقت معين، وأصله أن العرب كانوا يبنون أمورهم في المعاملة على طلوع النجم لأنهم لا يعرفون الحساب فيقول أحدهم: إذا طلع النجم الفلاني أدّيت حقك فسميت الأوقات نجومًا بذلك ثم سمي المؤدى في الوقت نجمًا، ( وقوله) تعالى بالجر عطفًا على السابق ( { والذين يبتغون الكتاب} ) المكاتبة وهو أن يقول الرجل لمملوكه كاتبتك على ألف مثلاً منجمًا إذا أدّيته فأنت حر ويبين عدد النجوم وقسط كل نجم وهو إما أن يكون من الكتاب لأن السيد كتب على نفسه عتقه إذا وفى بالمال أو لأنه مما يكتب لتأجيله أو من الكتب بمعنى الجمع لأن العوض فيه يكون منجمًا بنجوم يضم بعضها إلى بعض ( { مما ملكلت أيمانكم} ) عبدًا أو أمة والموصول بصلته مبتدأ خبره ( { فكاتبوهم} ) أو مفعول بمضمر هذا تفسيره والفاء لتضمن معنى الشرط واشترط الشافعي التأجيل وقومًا مع التسمية بناء على أن الكتابة من الضم وأقل ما يحصل به الضم نجمان، ولأنه أمكن لتحصيل القدرة على الأداء وجوّز الحنفية والمالكية الكتابة حالاً ومؤجلاً ومنجمًا وغير منجم لأن الله تعالى لم يذكر التنجيم.

وأجيب: بأن هذا احتجاج ضعيف لأن المطلق لا يعم مع أن العجز عن الأداء في الحال يمنع صحتها كما في السلم فيما لا يوجد عند المحل ( { إن علمتم فيهم خيرًا} ) أمانة وقدرة على أداء المال بالاحترام كما فسّره بهما إمامنا الشافعي -رحمه الله- وفسّره ابن عباس بالقدرة على الكسب والشافعي ضم إليها الأمانة لأنه قد يضيع ما يكسبه فلا يعتق، وفي المراسيل لأبي داود عن يحيى بن أبي كثير قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا} قال: إن علمتم فيهم حرفة ولا ترسلوهم كلاًّ على الناس، وقيل المراد الصلاح في الدين، وقيل المال وهما ضعيفان ولو فقد الشرطان لم تستحب لكن لا تكره لأن الخير شرط الأمر فلا يلزم من عدمه عدم الجواز.
وقال ابن القطان: يكره والصحيح الأول ( { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} ) [النور: 33] أمر للموالي أن يبذلوا لهم شيئًا من أموالهم وفي معناه حط شيء من مال الكتابة وهو للوجوب عند الأكثر ويكفي أقل ما يتموّل، وذكر ابن السكن الماوردي من طريق ابن إسحاق عن خاله عبد الله بن صبيح عن أبيه وكان جدّ ابن إسحاق أبا أمه قال: كنت مملوكًا لحاطب فسألته الكتابة فأبى ففيّ أنزلت { والذين يبتغون الكتاب} الآية.
قال ابن السكن: لم أر له ذكرًا إلا في هذا الحديث وصبيح ضبطه في فتح الباري بفتح الصاد المهملة ولم يضبطه في الإصابة، لكنه ذكره عقب صبيح بالتصغير والد أبي الضحى

مسلم بن صبيح والأمر في قوله فكاتبوهم للندب وبه قطع جماهير العلماء لأن الكتابة معارضة تتضمن الإرفاق فلا تجب كغيرها إذا طلبها الملوك وإلاّ لبطل أثر الملك واحتكم المماليك على المالكين.

( وقال روح) : بمهملتين أولاهما مفتوحة بينهما واو ساكنة ابن عبادة مما وصله إسماعيل القاضي في أحكام القرآن وعبد الرزاق والشافعي من وجهين آخرين ( عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز المكي قال: ( قلت لعطاء) هو ابن أبي رباح ( أواجب عليّ) إذا طلب مني مملوكي الكتابة ( إذا علمت له مالاً أن أكاتبه؟ قال: ما أراه) بضم الهمزة ولأبي ذر ما أراه بفتحها ( إلا واجبًا.
وقال عمرو بن دينار)
بفتح العين ( قلت لعطاء تأثره) ولأبي ذر: أتأثره بهمزة الاستفهام أي أترويه ( عن أحد قال) عطاء ( لا) أرويه عن أحد وظاهر هذا أنه من رواية عمرو بن دينار عن عطاء قال الحافظ ابن حجر: وليس كذلك بل وقع في هذه الرواية تحريف لزم منه الخطأ، والصواب ما رأيته في الأصل المعتمد من رواية النسفيّ عن البخاري بلفظ وقاله أي الوجوب عمرو بن دينار وفاعل قلت لعطاء تأثره ابن جريج لا عمرو، وحينئذٍ فيكون قوله، وقال عمرو بن دينار معترضًا بين قوله ما أراه إلا
واجبًا وبين قوله قلت لعطاء تأثره، ويؤيد ذلك ما أخرجه عبد الرزاق والشافعي ومن طريقه البيهقي كما رأيته في المعرفة له عن عبد الله بن الحرث كلاهما عن ابن جريج ولفظه قال: قلت لعطاء أواجب عليّ إذا علمت أن فيه خيرًا أن أكاتبه؟ قال: ما أراه إلا واجبًا وقالها عمرو بن دينار، وقلت لعطاء أتأثرها عن أحد.
قال: لا.
قال ابن جريج:
( ثم أخبرني) أي عطاء ( أن موسى بن أنس) أي ابن مالك الأنصاري قاضي البصرة ( أخبره أن سيرين) بكسر السين المهملة أبا عمرة والد محمد بن سيرين الفقيه المشهور وكان من سبي عين التمر قرب الكوفة فاشتراه أنس في خلافة أبي بكر وذكره ابن حبان في ثقات التابعين ( سأل أنسًا) هو ابن مالك الأنصاري ( المكاتبة وكان كثير المال فأبى) أي امتنع أن يكاتبه ( فانطلق) سيرين ( إلى عمر) بن الخطاب ( -رضي الله عنه-) فذكر له ذلك ( فقال) عمر لأنس: ( كاتبه فأبى فضربه بالدرة) بكسر الدال وتشديد الراء آلة يضرب بها ( ويتلو عمر) -رضي الله عنه- ( { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا} ) فأدّاه اجتهاده إلى أن الأمر في الآية للوجوب وأنس إلى الندب ( فكاتبه) وقرأت في باب تعجيل الكتابة من المعرفة للبيهقي عن أنس بن سيرين عن أبيه قال: اتبني أنس بن مالك على عشرين ألف درهم فأتيته بكتابته فأبى أن يقبلها مني إلا نجومًا فأتيت عمر بن الخطاب فذكرت ذلك له فقال: أراد أنس الميراث وكتب إلى أنس أن أقبلها من الرجل فقبلها.

وقال الربيع، قال الشافعي: روي عن عمر بن الخطاب أن مكاتبًا لأنس جاءه فقال: إني أتيت بمكاتبتي إلى أنس فأبى أن يقبلها فقال: أنس يريد الميراث ثم أمر أنسًا أن يقبلها أحسبه قال فأبى فقال آخذها فأضعها في بيت المال فقبلها أنس، وروى ابن أبي شيبة من طريق عبيد الله بن أبي بكر بن

أنس قال: هذه مكاتبة أنس عندنا هذا ما كاتب أنس غلامه سيرين كاتبه على كذا وكذا ألفًا وعلى غلامين يعملان مثل عمله.


[ قــ :2448 ... غــ : 2560 ]
- وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: "إِنَّ بَرِيرَةَ دَخَلَتْ عَلَيْهَا تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا وَعَلَيْهَا خَمْسَةُ أَوَاقٍ نُجِّمَتْ عَلَيْهَا فِي خَمْسِ سِنِينَ؛ فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ -وَنَفِسَتْ فِيهَا- أَرَأَيْتِ إِنْ عَدَدْتُ لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً أَيَبِيعُكِ أَهْلُكِ فَأُعْتِقَكِ فَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي؟ فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا فَعَرَضَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: لاَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَنَا الْوَلاَءُ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ.
ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهْوَ بَاطِلٌ، شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ".

( وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله الذهلي في الزهريات عن أبي صالح كاتب الليث عن الليث قال: ( حدّثني) بالإفراد ( يونس) بن يزيد ( عن ابن شهاب) الزهري لكن قال في الفتح المحفوظ رواية الليث له عن شهاب نفسه بغير واسطة أنه قال: ( قال عروة) بن الزبير: ( قالت عائشة -رضي الله عنها-: إن بريرة) بفتح الموحدة وكانت تخدم عائشة قبل أن تشتريها فلما كاتبها أهلها ( دخلت عليها تستعينها في) شأن ( كتابتها وعليها خمسة أواق) كجوار ولأبي ذر خمس أواقي بإسقاط تاء التأنيث من خمس إثبات التحتية في أواقي ( نجمت) بضم النون مبنيًّا للمفعول صفة لأواقي أي وزعت وفرقت ( عليها في خمس سنين) المشهور ما في رواية هشام بن عروة الآتية إن شاء الله تعالى بعد بابين أنها كاتبت على تسع أواق في كل عام أوقية، ومن ثم جزم الإسماعيلي أن هذه الرواية المعلقة غلط لكن جمع بينهما بأن التسع أصل والخمس كانت بقيت عليها، وبه جزم القرطبي والمحب الطبري، وعورض بأن في رواية قتيبة، ولم تكن أدت من كتابتها شيئًا.

وأجيب: بأنها كانت حصلت أربع الأواقي قبل أن تستعين بعائشة ثم جاءتها وقد بقي عليها خمس أواق أو الخمس هي التي كانت استحقت عليها بحلول نجومها من جملة التسع الأواقي المذكورة في حديث هشام، ويؤيده قوله في رواية عمرة عن عائشة السابقة في أبواب المساجد فقال أهلها إن شئت أعطيت ما تبقى.

( فقالت لها عائشة ونفست) بكسر الفاء أي رغبت ( فيها) والجملة حالة ( أرأيت) أي أخبرينى ( إن عددت) الخمس الأواقي ( لهم عدة واحدة أيبيعك أهلك فأعتقك) بضم الهمزة والنصب أي بأن مضمرة بعد الفاء ( فيكون) نصب عطفًا على السابق ( ولاؤك لي فذهبت بريرة إلى أهلها فعرضت ذلك) الذي قالت عائشة ( عليهم فقالوا: لا) نبيعك ( إلا أن يكون لنا الولاء.
قالت عائشة: فدخلت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكرت ذلك)
الذي قالوه ( له فقال لها) أي لعائشة ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :

( اشتريها فأعتقيها) بهمزة قطع ( فإنما الولاء لمن أعتق ثم قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في الشروط في الناس فحمد الله وأثنى عليه يحتمل أنه أراد بقام ضد قعد فيكون دليلاً للخطبة من قيام، ويحتمل أن يكون المراد بقام إيجاد الفعل كقولهم قام بوظيفته والمعنى قام بأمر الخطبة ( فقال: ما بال) ما حال ( رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله) أي في حكم الله الذي كتبه على عباده وشرعه لهم ( من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله) عز وجل ( فهو باطل شرط الله) الذي شرطه وجعله شرعًا ( أحق) أي هو الحق ( وأوثق) بالمثلثة أي أقوى وما سواه واهٍ فأفعل التفضيل فيهما ليس على بابه.

وهذا الحديث قد سبق في كتاب الصلاة في باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد، وأورده في عدة مواضع بوجوه مختلفة وطرق متباينة، وقد أفرد بعض الأئمة فوائده فزادت على ثلاثمائة.