فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها، إذا كان لها زوج فهو جائز، إذا لم تكن سفيهة، فإذا كانت سفيهة لم يجز

باب هِبَةِ الْمَرْأَةِ لِغَيْرِ زَوْجِهَا، وَعِتْقُهَا إِذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ فَهْوَ جَائِزٌ إِذَا لَمْ تَكُنْ سَفِيهَةً فَإِذَا كَانَتْ سَفِيهَةً لَمْ يَجُزْ قَالَ تَعَالَى: { وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ} [النساء: 5]
( باب) حكم ( هبة المرأة لغير زوجها و) حكم ( عتقها) جاريتها وفي نسخة بالفرع وأصله وعتقها بالرفع على الاستئناف ( إذا كان لها زوج) ليست إذا للشرط بل هي للظرف لأن الكلام فيما إذا كان لها زوج وقت الهبة والعتق أما إذا لم يكن لها زوج فلا نزاع في جوازه ( فهو) أي ما ذكر من الهبة والعتق ( جائز إذا لم تكن سفيهة فإذا كانت سفيهة لم يجز.
قال الله تعالى)
.

ولأبي ذر وقال الله تعالى: { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} [النساء: 5] وهذا مذهب الجمهور وعن مالك لا يجوز لها أن تعطي بغير إذن زوجها ولو كانت رشيدة إلا من الثلث قياسًا على الوصية.


[ قــ :2478 ... غــ : 2590 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَسْمَاءَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِي مَالٌ إِلاَّ مَا أَدْخَلَ عَلَىَّ الزُّبَيْرُ، فَأَتَصَدَّقُ؟ قَالَ: تَصَدَّقِي، وَلاَ تُوعِي فَيُوعَى عَلَيْكِ".

وبه قال: ( حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد ( عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز ( عن ابن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام عبد الله بن عبيد الله ( عن عباد بن عبد الله) بتشديد الموحدة بعد العين المفتوحة ابن الزبير بن العوّام ( عن) جدّتها لأبيه ( أسماء) بنت أبي بكر الصديق ( -رضي الله عنها-) وعن أبيها أنها ( قالت: قلت يا رسول الله ما لي مال إلاّ ما أدخل عليّ) بتشديد الياء زوجي ( الزبير) بن العوّام وصيره ملكًا لها ( فأتصدق) بحذف أداة الاستفهام وللمستملي كما في الفتح أفاتصدق بإثباتها ( قال) عليه الصلاة والسلام:

( تصدقي ولا توعي) بضم أوله وكسر العين من الإيعاء ( فيوعى عليك) بفتح العين أي لا تجمعي في الوعاء وتبخلي بالنفقة فتجازي بمثل ذلك.

وقد روى أيوب هذا الحديث عن ابن أبي مليكة عن عائشة بغير واسطة أخرجه أبو داود والترمذي وصححه والنسائي، وصرح أيوب عن ابن أبي مليكة بتحديث عائشة له بذلك فيحمل على أنه سمعه من عباد عنها ثم حدّثته به.

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله تصدقي فإنه يدل على أن المرأة التي لها زوج لها أن تتصدق بغير إذن زوجها والمراد من الهبة في الترجمة معناها اللغوي وهو يتناول الصدقة وقد تقدم الحديث في أوانل كتاب الزكاة.




[ قــ :479 ... غــ : 591 ]
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَنْفِقِي، وَلاَ تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ، وَلاَ تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ».

وبه قال: ( حدّثنا عبيد الله) بضم العين ابن سعيد اليشكري السرخسي قال: ( حدّثنا عبد الله بن نمير) بضم النون وفتح الميم قال: ( حدّثنا هشام بن عروة) بن الزبير ( عن) بنت عمه ( فاطمة) بنت المنذر بن الزبير بن العوّام ( عن) جدّتهما لأبيهما ( أسماء) بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) لها:
( أنفقي) بهمزة قطع وكسر الفاء ( ولا تحصي) بضم أوله وكسر الصاد من الإحصاء ( فيحصي الله عليك ولا توعي فيوعي الله عليك) بنصب المضارع الواقع بعد الفاء في جواب النهي فيهما والإحصاء مجاز عن التضييق لأن العود مستلزم له ويحتمل أن يكون من الحصر الذي هو بمعنى المنع وقال الخطابي: لا توعي أي لا تخبئي الشيء في الوعاء أي أن مادة الرزق متصلة باتصال النفقة منقطعة بانقطاعها فلا تمنعي فضلها فتحرمي مادتها وكذلك لا تحصي فإنها إنما تحصى للتبقية والذخر فيحصى عليك بقطع البركة ومنع الزيادة وقد يكون مرجع الإحصاء إلى المحاسبة عليه والمناقشة في الآخرة.




[ قــ :480 ... غــ : 59 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ -رضي الله عنها- أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً وَلَمْ تَسْتَأْذِنِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ قَالَتْ: أَشَعَرْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَتِي؟ قَالَ: أَوَفَعَلْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ.
قَالَ: أَمَا إِنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتِيهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكِ".


وَقَالَ بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ كُرَيْبٍ: "إِنَّ مَيْمُونَةَ أَعْتَقَتْ ... ".
[الحديث 59 - أطرافه في: 594] .

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومى ( عن الليث) بن سعد الإمام ( عن يزيد) بن أبي حبيب ( عن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف ابن عبد الله الأشجّ ( عن كريب مولى ابن عباس) -رضي الله عنهما- ( أن ميمونة بنت الحرث) أم المؤمنن الهلالية ( -رضي الله عنها- أخبرته أنها أعتقت وليدة) أي أمة وللنسائي أنها كانت لها جارية سوداء قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على اسمها، ( ولم تستأذن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت: أشعرت) أي أعلمت ( يا رسول الله أني أعتقت وليدتي قال) : عليه الصلاة والسلام:
( أوفعلت) ؟ بفتح الواو والهمزة للاستفهام أي أوفعلت العتق ( قالت نعم) فعلته ( قال) ( أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم ( إنك) بكسر الهمزة في الفرع وأصله على أن أما استفتاحية بمعنى ألا وفي بعض الأصول أنك بفتح الهمزة على أن أما بمعنى حقًّا ( لو أعطيتها) أي الوليدة ( أخوالك) من بني هلال.
قال العيني: ووقع في رواية الأصيلي أخواتك بالتاء بدل اللام قال عياض: ولعله أصح من رواية أخوالك بدليل رواية مالك في الموطأ فلو أعطيتها أختيك ولا تعارض، فيحتمل أنه عليه الصلاة والسلام قال ذلك كله.
( كان) إعطاؤك لهم ( أعظم لأجرك) من عتقها.
ومفهومه أن الهبة لذوي الرحم أفضل من العتق كما قاله ابن بطال، وليس ذلك على إطلاقه بل يختلف باختلاف الأحوال، وقد وقع في رواية النسائي بيان وجه الأفضلية في إعطاء الأخوال وهو احتياجهم إلى من يخدمهم ولفظه: أفلا فديت بها بنت أختك من رعاية الغنم، على أنه ليس في حديث الباب نص على أن صلة الرحم أفضل من العتق لأنها واقعة عين.

فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة؟ أجيب: بأنها أعتقت قبل أن تستأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكانت رشيدة فلم يستدرك ذلك عليها بل أرشدها إلى ما هو الأولى فلو كان لا ينفذ لها تصرف في مالها لأبطله قال في الفتح.

وفي هذا الحديث ثلاثة من التابعين على نسق واحد ونصف رجاله الأول مصريون والأُخر مدنيون، وأخرجه مسلم في الزكاة والنسائي في العتق.

( وقال بكر بن مضر) بفتح الموحدة وسكون الكاف ومضر بضم الميم وفتح الضاد المعجمة ابن محمد بن حكيم المصري مما وصله المؤلّف في الأدب المفرد وبرّ الوالدين له ( عن عمرو) بفتح العين ابن الحرث ( عن بكير) المذكور ( عن كربب) مولى ابن عباس ( أن ميمونة أعتقت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أعتقته بضمير النصب الراجع لكريب.
قال في الفتح: وهو غلط فاحش، وفي هذا التعليق موافقة عمرو بن الحرث ليزيد بن أبي حبيب على قوله عن كريب قال: وقد خالفهما محمد بن إسحاق فرواه عن بكير فقال: عن سليمان بن يسار بدل كريب أخرجه أبو داود والنسائي

من طريقه قال الدارقطني: ورواية يزيد وعمرو أصح ورواية بكر بن مضر له عن عمرو عن بكير عن كريب أن ميمونة صورتها صورة الإرسال لكونه ذكر قصة ما أدركها، لكن قد رواه ابن وهب عن عمرو بن الحرث فقال: فيه عن كريب عن ميمونة أخرجه مسلم والنسائي من طريقه.




[ قــ :481 ... غــ : 593 ]
- حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
[الحديث 593 - أطرافه في: 637، 661، 688، 879، 405، 4141، 4690، 4749، 4750، 4757، 51، 666، 6679، 7369، 7370، 7500، 7545] .

وبه قال: ( حدّثنا حبان بن موسى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة المروزي قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: ( أخبرنا يونس) بن يزيد ( عن الزهري) محمد بن مسلم ( عن عروة) بن الزبير ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت) :
( كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه فأيتهنّ) أي أيّ امرأة منهن ( خرج سهمها) الذي باسمها ( خرج) عليه الصلاة والسلام ( بها معه) في صحبته ( وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها غير أن سودة بنت زمعة) أم المؤمنين ( وهبت يومها وليلتها لعائشة) -رضي الله عنها- ( زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونها ( تبتغى) تطلب ( بدلك رضا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله وهبت لعائشة إذ لو قلنا أن الهبة كانت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم تقع المطابقة قاله الكرماني.
وقال ابن بطال: إن هذا الحديث ليس من هذا الباب لأن للسفيهة أن تهب يومها لضرّتها وإنما السفه في إفساد مال الخاصّة.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الشهادات وأبو داود في النكاح والنسائي في النكاح في عِشرة النساء.


باب بِمَنْ يُبْدَأُ بِالْهَدِيَّةِ
هذا ( باب) بالتنوين يذكر فيه ( بمن يبدأ بالهدية) قال في الفتح: أي عند التعارض في أصل الاستحقاق.


[ قــ :481 ... غــ : 594 ]
- حَدَّثَنَا.

     وَقَالَ  بَكْرٌ عَنْ عَمْرٍو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: "أنَّ مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً لَهَا، فَقَالَ لَهَا: وَلَوْ وَصَلْتِ بَعْضَ أَخْوَالِكِ كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكِ".


( وقال بكر) هو ابن مضر ( عن عمرو) هو ابن الحرث مما وصله المؤلّف في الأدب المفرد وبرّ الوالدين له ( عن بكير) بضم الموحدة وفح الكاف ابن عبد الله الأشج ( عن كريب) زاد في رواية غير أبي ذر مولى ابن عباس ( أن ميمونة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعتقت وليدة) أمة ( لها) لم تسم ( فقال لها) أي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما ثبت في الرواية السابقة، بل ثبت في النسخة المقروءة على الميدومي كنسخ غيرها.

( ولو) بالواو في اليونينية وفي نسخة لو ( وصلت بعض أخوالك) من بني هلال ( كان أعظم لأجرك) من عتقها.
وفي حديث سليمان بن عامر الضبي عند الترمذي والنسائي وصححه ابنا خزيمة وحبان مرفوعًا "الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم صدقة صلة" والحق أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال كما سبق تقريره قريبًا.