فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار، والشروط التي يتعارفها الناس بينهم، وإذا قال: مائة إلا واحدة أو ثنتين

باب مَا يَجُوزُ مِنَ الاِشْتِرَاطِ وَالثُّنْيَا فِي الإِقْرَارِ، وَالشُّرُوطِ الَّتِي يَتَعَارَفُهَا النَّاسُ بَيْنَهُمْ.
وَإِذَا قَالَ مِائَةٌ إِلاَّ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ
وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: قَالَ رَجُلٌ لِكَرِيِّهِ: أَدْخِلْ رِكَابَكَ، فَإِنْ لَمْ أَرْحَلْ مَعَكَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا فَلَكَ مِائَةُ دِرْهَمٍ، فَلَمْ يَخْرُجْ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: مَنْ شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ طَائِعًا غَيْرَ مُكْرَهٍ فَهْوَ
عَلَيْهِ.
.

     وَقَالَ  أَيُّوبُ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: إِنَّ رَجُلاً بَاعَ طَعَامًا.
قَالَ: إِنْ لَمْ آتِكَ الأَرْبِعَاءَ فَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بَيْعٌ، فَلَمْ يَجِئْ.
فَقَالَ شُرَيْحٌ لِلْمُشْتَرِي: أَنْتَ أَخْلَفْتَ، فَقَضَى عَلَيْهِ.

( باب) بيان ( ما يجوز من الاشتراط والثنيا) بضم المثلثة وسكون النون بعدها تحتية مقصورًا الاستثناء ( في الإقرار و) بيان ( الشروط التي يتعارفها) ولأبي ذر عن الكشميهني يتعارفه ( الناس بينهم) كشرط نقل المبيع من مكان البائع فإنه جائز لأنه تصريح بمقتضى العقد أو شرط قطع الثمار أو تبقيتها بعد الصلاح، أو شرط أن يعمل فيه البائع عملاً معلومًا كأن باع ثوبًا بشرط أن يخيطه في أضعف الأقوال وهو في المعنى بيع وإجارة يوزع المسمى عليهما باعتبار القيمة، وقيل يبطل الشرط ويصح البيع بما يقابل المبيع من المسمى والأصح بطلانهما لاشتمال البيع على شرط عمل فيما لم يملكه بعد ( وإذا قال) لفلان عليّ ( مائة إلا واحدة أو اثنتين) بكسر المثلثة وهذا استثناء قليل من كثير لا خلاف فيه فيصحّ ويلزمه في قوله إلاّ واحدة تسعة وتسعون درهمًا وفي قوله الاثنتين ثمانية وتسعون.

( وقال ابن عون) بفتح العين المهملة وبعد الواو الساكنة نون عبد الله بن أرطبان البصري مما وصله سعيد بن منصور عن هشيم عنه ( عن ابن سيرين) محمد ( قال رجل) ولأبي ذر عن الكشميهني قال الرجل بالتعريف ( لكريه) بفتح الكاف وكسر الراء وتشديد التحتية بوزن فعيل المكاري، وقال الجوهري: يطلق على المكري وعلى المكتري أيضًا ( أدخل) بهمزة مفتوحة فدال مهملة ساكنة فحاء معجمة مكسورة أمر من الإدخال، ولأبي ذر عن الكشميهني: ارحل بهمزة مكسورة فراء ساكنة فحاء مهملة مفتوحة ( ركابك) بكسر الراء منصوب بأدخل الإبل التي يسار عليها الواحدة راحلة لا واحد لها من لفظها أي أدخلها فناءك لأرحل معك يوم كذا وكذا ( فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم فلم يخرج) أي لم يرحل معه ( فقال شريح) القاضي: ( من شرط على نفسه) شيئًا حال كونه ( طائعًا) مختارًا ( غير مكره) عليه ( فهو) أي الشرط الذي شرطه ( عليه) أي يلزمه، وقال الجمهور: هي عدة فلا يلزم الوفاء بها.

( وقال أيوب) السختياني مما وصله سعيد بن منصور ( عن ابن سيرين) محمد ( أن رجلاً باع طعامًا) لآخر ( وقال) المشتري للبائع ( إن لم آتك الأربعاء) بكسر الموحدة أي يوم الأربعاء ( فليس بيني وبينك بيع فلم يجيء) أي المشتري، ( فقال شريح) القاضي: ( للمشتري) عند التحكيم إليه ( أنت أخلفت) الميعاد ( فقضى عليه) برفع البيع وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد، وقال مالك والشافعي: يصح البيع ويبطل الشرط.


[ قــ :2611 ... غــ : 2736 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا، مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ».
[الحديث 2736 - طرفاه في: 6410، 7392] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي قال: ( حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( إن لله تسعة وتسعين اسمًا) بالنصب على التمييز وليس فيه نفي غيرها وقد نقل ابن العربي إن لله ألف اسم قال وهذا قليل فيها ولو كان البحر مدادًا لأسماء ربي لنفد البحر قبل أن تنفد أسماء ربي ولو جئنا بسبعة أبحر مثله مدادًا.

وفي الحديث "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتبك أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك" وإنما خص هذه لشهرتها.
ولما كانت معرفة أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية إنما تعلم من طريق الوحي والسُّنّة، ولم يكن لنا أن نتصرف فيها بما لم يهتدِ إليه مبلغ علمنا ومنتهى عقولنا، وقد منعنا عن إطلاق ما لم يرد به التوقيف في ذلك وإن جوّزه العقل وحكم به القياس كان الخطأ في ذلك غيرهن والمخطئ فيه غير معذور والنقصان عنه كالزيادة فيه غير مرضي، وكان الاحتمال في رسم الخط واقعًا باشتباه تسعة وتسعين في زلّة الكاتب وهفوة القلم بسبعة وسبعين أو سبعة وتسعين أو تسعة وسبعين فينشأ الاختلاف في المسموع من المسطور أكده حسمًا للمادة وإرشادًا إلى الاحتياط بقوله:
( مائة) بالنصب على البدلية ( إلا) اسمًا ( واحدًا) ولأبي ذر إلا واحدة بالتأنيث ذهابًا إلى معنى التسمية أو الصفة أو الكلمة ( من أحصاها) علمًا وإيمانًا أو عدًّا لها حتى يستوفيها فلا يقتصر على بعضها بل يثني على الله ويدعوه بجميعها أو من عقلها وأحاط بمعانيها أو حفظها ( دخل الجنة) .

وبقية مباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في محالها، وكأن المؤلّف أورده ليستدل به على أن الكلام إنما يتم بآخره فإذا كان فيه استثناء أو شرط عمل به وأخذ ذلك من قوله مائة إلا واحدًا وهو في الاستثناء مسلم فلو قال في البيع: بعث من هذه الصبرة مائة صاع إلا صاعًا صح وعمل به وكان بائعًا لتسعة وتسعين صاعًا، وكذا في الإقرار كما مرّ ولا يؤخذ بأوّل كلامه ويلغى آخره، لكن في استنباط ذلك من هذا الحديث نظر لأن قوله: مائة إلا واحدًا إنما ذكر تأكيدًا لما تقدم فلم يستفد به فائدة مستأنفة حتى يستنبط منه هذا الحكم لحصول هذا المقصود بقوله تسعة وتسعين اسمًا.
وأما الشروط فليست صورة الحديث قاله الوليّ بن العراقي.

وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في التوحيد والترمذي في الدعوات والنسائي في النعوت وابن ماجة في الدعاء.