فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله تعالى: {وآتوا اليتامى أموالهم، ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب، ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا، وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء} [النساء: 3]

باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 12 - 13] .

( باب قول الله تعالى) ولأبي ذر: عز وجل بدل قوله تعالى: ( { وآتوا} ) وأعطوا ( { اليتامى أموالهم} ) إليهم إذا بلغوا الحلم كاملة موفرة ( { ولا تتبدلوا الخبيث} ) من أموالهم الحرام عليكم ( { بالطيب} ) الحلال من أموالكم، وقال سعيد بن جبير والزهري: لا تعطوا هزيلاً وتأخذوا سمينًا، وقال السدي؛ كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم ويجعل مكانها الشاة المهزولة ويقول: شاة بشاة، ويأخذ الدراهم الجيدة ويطرح مكانها الزائف ويقول: درهم بدرهم فنهوا عن ذلك ( { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} ) أي مع أموالكم ( { إنه} ) أي أكل أموالهم ( { كان حوبًا} ) إثمًا ( { كبيرًا} ) عظيمًا ( { وإن خفتم ألاّ تقسطوا} ) أن لا تعدلوا ( { في} ) نكاح ( { اليتامى فانكحوا ما طاب} ) حلّ ( { لكم من النساء} ) [النساء: 2، 3] سواهن، وفي رواية أبي ذر: بعد قوله { إلى أموالكم} إلى قوله: { فانكحوا ما طاب لكم} .


[ قــ :2638 ... غــ : 2763 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: "كَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} قَالَتْ: هِيَ الْيَتِيمَةُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا، فَيَرْغَبُ فِي جَمَالِهَا وَمَالِهَا، وَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ نِسَائِهَا، فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ اسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} [النساء: 127] قَالَتْ: فَبَيَّنَ اللَّهُ فِي هَذِهِ أَنَّ الْيَتِيمَةَ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ وَمَالٍ رَغِبُوا فِي نِكَاحِهَا وَلَمْ يُلْحِقُوهَا بِسُنَّتِهَا بِإِكْمَالِ الصَّدَاقِ، فَإِذَا كَانَتْ مَرْغُوبَةً عَنْهَا فِي قِلَّةِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ تَرَكُوهَا وَالْتَمَسُوا غَيْرَهَا مِنَ النِّسَاءِ.
قَالَ فَكَمَا يَتْرُكُونَهَا حِينَ يَرْغَبُونَ عَنْهَا فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَنْكِحُوهَا إِذَا رَغِبُوا فِيهَا إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهَا الأَوْفَى مِنَ الصَّدَاقِ وَيُعْطُوهَا حَقَّهَا".

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه ( قال: كان عروة بن الزبير) بن العوّام ( يحدّث أنه سأل عائشة -رضي الله عنها-) عن هذه الآية ( { وإن} ) ولأبي ذر: فإن بالفاء بدل الواو لفظ التلاوة ( { خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء} ) [النساء: 3] .
سقط قوله: { من النساء} لأبي ذر.
( قال) أي عروة مخبرًا عن عائشة ولأبي ذر عن المستملي قالت عائشة: ( هي اليتيمة في حجر وليها) الذي يلي مالها ( فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن يتزوجها بأدنى من سنة نسائها) أي بأقل من مهر مثلها من قراباتها ( فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا) أي يعدلوا ( لهنّ في إكمال الصداق) بيان للإلحاق بسنّتها ( وأمر بنكاح من سواهن) سوى اليتامى ( من النساء.
قالت عائشة: ثم استفتى الناس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد)
أي بعد نزول قوله تعالى: { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى} الآية ( فأنزل الله عز وجل: { ويستفتونك} ) أي يطلبون منك الفتوى ولأبي ذر: يستفتونك بحذف الواو ( { في النساء قل الله يفتيكم فيهن} ) [النساء: 127] .
( قالت) عائشة ( فبيّن الله) عز وجل ( في هذه) ولأبي ذر: في هذه الآية ( أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال رغبوا في نكاحها ولم) وللكشميهني: أو لم ( يلحقوها بسنّتها) بمهر مثلها من قراباتها ( بكمال الصداق فإذا كانت) أي اليتيمة ( مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها والتمسوا غيرها من النساء قال فكما يتركونها حين يرغبون عنها) لقلة مالها وجمالها ( فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها) لمالها وجمالها ( إلاّ أن يقسطوا لها) لذات الجمال والمال المرغوب فيها ( الأوفى من الصداق ويعطوها حقها) كاملاً.

وهذا الحديث سبق في باب شركة اليتيم وأهل الميراث، وتأتي إن شاء الله تعالى بقية مباحثه في التفسير وغيره.


باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا * لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 6 و7] حَسِيبًا يَعْنِي كَافِيًا.

( باب قول الله تعالى) ولأبي ذر: عز وجل ( {وابتلوا اليتامى}) أي اختبروهم في عقولهم وأديانهم وحفظهم أموالهم ( {حتى إذا بلغوا النكاح}) يعني الحلم بأن يروا في منامهم ما ينزل به الماء الدافق أو يستكملوا خمس عشرة سنة ( {فإن آنستم}) أبصرتم ( {منهم رشدًا}) أي صلاحًا في دينهم وحفظًا لأمواله ( {فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها}) يا معاشر الأولياء والأوصياء ( {إسرافًا}) بغير حق ( {وبدارًا}) ومبادرة وانتصبا على الحال أي مسرفين ومبادرين ( {أن يكبروا}) أي حذارًا من أن يكبروا أي يبلغوا فيلزمكم تسليم المال إليهم ثم بيّن ما يحل لهم فقال: ( {ومن كان غنيًا فليستعفف}) فليمتنع عن مال اليتيم فلا يرزؤه قليلاً ولا كثيرًا ( {ومن كان فقيرًا}) إلى مال اليتيم وهو يحفظه ويتعهده ( {فليأكل بالمعروف}) بأجرة عمله ( {فإذا دفعتم}) أيها الأوصياء ( {إليهم}) إلى اليتامى ( {أموالهم فأشهدوا عليهم}) بعد بلوغهم الحلم وإيناس الرشد، والأمر للندب خوف الإنكار ( {وكفى بالله حسيبًا للرجال نصيب}) حظ ( {مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصبب مما ترك الوالدان والأقربون مما قلّ منه}) من المال ( {أو كثر}) أي الجميع فيه سواء في حكم الله يستوون في أصل الوراثة وإن تفاوتوا بحسب ما فرض الله لكلٍّ منهم بما يدلي به إلى الميت من قرابة أو زوج أو ولاء فإنه لحُمة كلُحمة النسب ( {نصيبًا مفروضًا}) أي مقدّرًا.
[النساء: 6 و7] .
وقال المؤلّف مفسرًا لقوله: ( حسيبًا يعني كافيًا}) وسقط لأبي ذر لفظة يعني وقال غيره: محاسبًا ومجازيًّا وشاهدًا به، وقد كان المشركون لا يورثون النساء ولا الصغار شيئًا فأنزل الله ذلك إبطالاً لفعلهم ثم بيّن تعالى مقادير ما لكلٍّ بقوله سبحانه وتعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأُنثيين} [النساء: 11] إلى آخرها.
وسياق {وابتلوا اليتامى} إلى آخر قوله: {مفروضًا} ثابت في رواية الأصيلي وكريمة.
وقال أبو ذر في روايته بعد قوله: {فادفعوا إليهم أموالهم} إلى قوله: {مما قلّ منه أو كثر نصيبًا مفروضًا} كذا في الفرع.
وقال في الفتح بعد قوله رشدًا.


باب وَمَا لِلْوَصِيِّ أَنْ يَعْمَلَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَمَا يَأْكُلُ مِنْهُ بِقَدْرِ عُمَالَتِهِ
( باب وما للوصي) سقط لأبي ذر لفظ باب ولفظ ما فصار وللوصي ( أن يعمل في مال اليتيم وما يأكل منه بقدر عمالته) بضم العين وتخفيف الميم أي بقدر حق سعيه وأجرة مثله، ومذهب
الشافعية أن يأخذ أقل الأمرين من أجرته ونفقته ولا يجب ردّه على الصحيح، وقال سعيد بن جبير ومجاهد: إذا أكل ثم أيسر قضى.
وعن ابن عباس إن كان ذهبًا أو فضة لم يجز له أن يأخذ منه شيئًا إلا على سبيل القرض وإن كان غير ذلك جاز بقدر الحاجة.


[ قــ :638 ... غــ : 764 ]
- حَدَّثَنَا هَارُونُ بن الأشعَثِ حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ عُمَرَ تَصَدَّقَ بِمَالٍ لَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَكَانَ يُقَالُ لَهُ ثَمْغٌ، وَكَانَ نَخْلاً- فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي اسْتَفَدْتُ مَالاً وَهُوَ عِنْدِي نَفِيسٌ فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ، لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ، وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ.
فَتَصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ، فَصَدَقَتُهُ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي الرِّقَابِ وَالْمَسَاكِينِ وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَلِذِي الْقُرْبَى، وَلاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يُوكِلَ صَدِيقَهُ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ بِهِ".

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد ( هارون بن الأشعث) بالشين المعجمة والعين المهملة والمثلثة الهمداني الكوفي ثم البخاري ولم يخرج عنه المؤلّف سوى هذا.
وسقط لغير أبي ذر ابن الأشعث قال: ( حدّثنا أبو سعيد) بكسر العين عبد الرحمن بن عبد الله الحافظ ( مولى بني هاشم) قال: ( حدّثنا صخر بن جويرية) بصاد مهملة مفتوحة فخاء معجمة ساكنة وجويرية بالجيم مصغرًا البصري ( عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن) أباه ( عمر) بن الخطاب ( تصدّق بمال له) أي بأرض له فهو من إطلاق العام على الخاص ( على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي زمنه ( وكان يقال له) للمال ( ثمغ) بمثلثة مفتوحة فميم ساكنة فغين معجمة، وحكى المنذري فتح الميم أرض تلقاء المدينة كانت لعمر ( وكان نخلاً فقال عمر: يا رسول الله إني استنفدت مالاً وهو عندي نفيس) أي جيد ( فأردت أن أتصدق به، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( تصدق بأصله) بالجزم على الأمر ( لا يباع ولا يوهب ولا يورث) هذا حكم الوقف ويخرج به التمليك المحض ( ولكن ينفق ثمره فتصدّق به عمر فصدقته ذلك) المذكور ولأبي ذر عن الكشميهني تلك ( في سبيل الله) الغزاة الذين لا رزق لهم في الفيء ( وفي الرقاب) وفي الصرف في فكّ الرقاب ( والمساكين) الذين لا يملكون ما يقع موقعًا من كفايتهم ( والضيف) الذي ينزل بالقوم للقرى ( وابن السببل) المسافر ( ولذي القربى) الشامل لجهة الأب والأم ( ولا جناح) أي ولا إثم ( على من وليه) ولي التحدّث إليه ( أن يأكل منه بالمعروف) بقدر أجرة عمله ( أو يؤكل صديقه) بضم الياء وكسر الكاف وصديقه نصب به أي يطعم صديقه منه حال كونه ( غير متموّل به) أي بالمال الذي تصدّق به عمر وهو الأرض.
قاله الكرماني.

ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن المقصود جواز أخذ الأجرة من مال اليتيم لقول عمر: ولا جناح على من وليه أن يأكل منه بالمعروف.