فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب عزم الإمام على الناس فيما يطيقون

باب عَزْمِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ فِيمَا يُطِيقُونَ
( باب عزم الإمام على الناس فيما يطيقون) أي أن وجوب طاعة الإمام على الناس محله فيما لهم به طاقة فالجار والمجرور متعلق بمحله المحذوف من اللفظ.


[ قــ :2832 ... غــ : 2964 ]
- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ -رضي الله عنه-: "لَقَدْ أَتَانِي الْيَوْمَ رَجُلٌ فَسَأَلَنِي عَنْ أَمْرٍ مَا دَرَيْتُ مَا أَرُدُّ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلاً مُؤْدِيًا نَشِيطًا يَخْرُجُ مَعَ أُمَرَائِنَا فِي الْمَغَازِي، فَيَعْزِمُ عَلَيْنَا فِي أَشْيَاءَ لاَ نُحْصِيهَا.
فَقُلْتُ لَهُ: وَاللَّهِ لا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ، إِلاَّ أَنَّا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَسَى أَنْ لاَ يَعْزِمَ عَلَيْنَا فِي أَمْرٍ إِلاَّ مَرَّةً حَتَّى نَفْعَلَهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَنْ يَزَالَ بِخَيْرٍ مَا اتَّقَى اللَّهَ.
وَإِذَا شَكَّ فِي نَفْسِهِ شَىْءٌ سَأَلَ رَجُلاً فَشَفَاهُ مِنْهُ، وَأَوْشَكَ أَنْ لاَ تَجِدُوهُ.
وَالَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، مَا أَذْكُرُ مَا غَبَرَ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ كَالثَّغْبِ شُرِبَ صَفْوُهُ، وَبَقِيَ كَدَرُهُ".

وبه قال: ( حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم العبسي الكوفي قال: ( حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد الرازي ( عن منصور) هو ابن المعتمر ( عن أبي وائل) شقيق بن سلمة ( قال: قال عبد الله) بن مسعود ( رضي الله عنه: لقد أتاني اليوم رجل) لم يعرف اسمه ( فسألني عن أمر ما دريت) بفتح الدال والراء ( ما أردّ عليه) في موضع نصب مفعول دريت ( فقال: أرأيت رجلاً مؤديًا) أي أخبرني ففيه أمران إطلاق الرؤية وإرادة الإخبار وإطلاق الاستفهام وإرادة الأمر كأنه قال: أخبرني عن أمر هذا الرجل ومؤديًا بضم الميم وسكون الهمزة وكسر الدال المثناة التحتية أي قويًا من آدى الرجل قوي، وقيل: مؤديًا كامل الأداة أي السلاح، ومنه: عليه أداة الحرب وأداة كل شيء آلته وما يحتاج إليه.
وفي هامش الفرع مما نسب إلى أبي يعني ذا أداة وسلاح، وقال النضر المؤدي القادر على السفر، وقيل المتهيئ المعدّ لذلك أداته ولا يجوز حذف الهمزة منه لئلا يصير من أودى إذا هلك ( نشيطًا) بنون مفتوحة ومعجمة مكسورة من النشاط وهو الذي ينشط له ويخف إليه ويؤثر فعله ( يخرج) بالمثناة التحتية وسكون الخاء أي الرجل ( مع أمرائنا في المغازي) فيه التفات وإلاّ فكان يقول مع أمرائه ليوافق رجلاً، وضبط الحافظ ابن حجر نخرج بالنون وقال كذا في الرواية ثم قال: أو المراد بقوله رجلاً أحدنا أو هو محذوف الصفة أي رجلاً منا وفيه حينئذ التفات ( فيعزم علينا) الأمير أي يشد علينا ( في أشياء لا نحصيها) بضم النون لا نطيقها أو لا ندري أطاعة هي أم معصية أيجب على هذا الرجل طاعة الأمير أم لا.
قال عبد الله بن مسعود ( فقلت له) : أي للرجل ( والله ما أدري ما أقول لك) سبب توقفه أن الإمام إذا عين طائفة للجهاد أو لغيره من المهمات تعينوا وصار ذلك فرض عين عليهم، فلو استفتى أحدهم عليه وادّعى أنه كلفه ما لا طاقة له به بالتشهي أشكلت الفتيا حينئذ لأنّا إن قلنا بوجوب طاعة الإمام عارضنا فساد الزمان، وإن قلنا بجواز الامتناع فقد يفضي ذلك إلى الفتنة فالصواب التوقف، لكن الظاهر أن ابن مسعود بعد أن توقف أفتاه بوجوب الطاعة بشرط أن يكون المأمور به موافقًا للتقوى كما علم ذلك من قوله ( إلا أنّا كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعسى أن لا يعزم علينا في أمر إلا مرة) إذ لولا صحة الاستثناء لما أوجبه الرسول ( حتى نفعله) غاية لقوله أو للعزم الذي يتعلق به المستثنى وهو مرة ( وإن أحدكم لن يزال بخير ما اتقى الله) عز وجل ( وإذا شك في نفسه شيء) مما تردد فيه أنه جائز أم لا وهو من باب القلب أي شك نفسه في شيء ( سأل) الشاكّ ( رجلاً) عالمًا ( فشفاه منه) بأن أزال مرض تردده عنه بإجابته له بالحق فلا يقدم
المرء على ما يشك فيه حتى يسأل عنه من عنده علم ( وأوشك) بفتح الهمزة والشين أي كاد ( أن لا تجدوه) في الدنيا لذهاب الصحابة -رضي الله عنهم- فتفقدوا من يفتي بالحق ويشفي القلوب عن الشبه والشكوك ( والذي لا إله إلا هو ما أذكر ما غبر) بفتح الغين المعجمة والموحدة أي ما بقي أو مضى ( من الدنيا إلاّ كالثغب) بفتح المثلثة وإسكان الغين المعجمة وقد تفتح آخره موحدة الماء المستنقع في الموضع المطمئن ( شرب صفوه وبقي كدره) شبه ببقاء غدير ذهب صفوه وبقي كدره.