فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام

باب حَدِيثِ الْخَضِرِ مَعَ مُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ -
( حديث الخضر) ولأبي ذر باب حديث الخضر ( مع موسى عليهما السلام) .


[ قــ :3245 ... غــ : 3400 ]
- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ: «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ خَضِرٌ، فَمَرَّ بِهِمَا أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ، فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنِّي تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ شَأْنَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ قَالَ: لاَ.
فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى
مُوسَى: بَلَى عَبْدُنَا خَضِرٌ، فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَيْهِ، فَجُعِلَ لَهُ الْحُوتُ آيَةً، وَقِيلَ لَهُ: إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ، فَكَانَ يَتْبَعُ الْحُوتَ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ لِمُوسَى فَتَاهُ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ.
فَقَالَ مُوسَى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغي، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، فَوَجَدَا خَضِرًا، فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا الَّذِي قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ».

وبه قال: ( حدّثنا عمرو بن محمد) بفتح العين ابن بكير الناقد قال: ( حدّثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثني) بالإفراد ( أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف ( عن صالح) هو ابن كيسان ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( أن عبيد الله بن عبد الله) بضم عين الأول ابن عتبة ( أخبره عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- ( أنه تمارى) أي تنازع وتجادل ( هو والحرّ بن قيس الفزاري) بفتح الفاء ( في صاحب موسى) الذي ذهب إليه وقال له هل أتبعك ( قال ابن عباس: هو خضر) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين ( فمرّ بهما) بالحر وابن عباس ( أبي بن كعب) الأنصاري ( فدعاه ابن عباس فقال: إني تماريت) تجادلت ( أنا وصاحبي هذا) الحر بن قيس ( في صاحب موسى الذي سأل السبيل) الطريق ( إلى لقيه) بضم اللام وكسر القاف وتشديد التحتية ( هل سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يذكر شأنه؟ قال) أبي: ( نعم سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر يذكر شأنه ( يقول) :
( بينما) بالميم ( موسى في ملإ) بالقصر جماعة ( من بني إسرائيل) أولاد يعقوب ( جاءه رجل فقال: هل تعلم أحدًا أعلم منك؟ قال: لا.
فأوحى الله)
عز وجل ( إلى موسى) عليه السلام ( بلى عبدنا خضر) أي أعلم منك بشيء مخصوص ( فسأل موسى) ربه ( السبيل إليه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: إلى لقيه ( فجعل) بضم الجيم مبنيًّا للمفعول ( له الحوت آية) علامة على لقيه ( وقيل له إذا فقدت الحوت) بفتح الفاء والقاف أي إذا غاب عن عينك ( فارجع فإنك ستلقاه) فأخذ حوتًا فجعله في مكتل ثم انطلق معه بفتاه وقال له إذا فقدت الحوت فأخبرني ( فكان يتبع الحوت) بسكون الفوقية ولأبي الوقت والأصيلي يتبع أثر الحوث ( في البحر) أي ينتظر فقدانه فلما أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما فاضطرب الحوت في المكتل فسقط في البحر ( فقال لموسى فتاه) يوشع بن نون ( أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت) أي فإني نسيت أن أخبرك بخبر الحوت ( وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) نسبه للشيطان تأدبًا مع الرب تعالى لأن نسبة النقص للنفس والشيطان أليق بمقام الأدب ( فقال موسى) عليه السلام: ( ذلك) الذي ذكرته ( ما كنا نبغي) بالتحتية بعد الغين ولغير أبي ذر نبغ نطلب إذ هو علامة على لقي الخضر ( فارتدّا) رجعا ( على آثارهما) يقصان ( قصصًا) حتى انتهيا إلى الصخرة ( فوجدا خضرًا) نائمًا مسجى ثوبًا في جزيرة من جزائر البحر ( فكان من شأنهما الذي قص الله) عز وجل ( في كتابه) في سورة الكهف.

وهذا الحديث قد سبق في باب ما ذكر في ذهاب موسى إلى الخضر من كتاب العلم.




[ قــ :346 ... غــ : 3401 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ: «قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ لَيْسَ هُوَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَرُ، فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا.
فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: بَلَى، لِيَ عَبْدٌ بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ.
قَالَ: أَىْ رَبِّ وَمَنْ لِي بِهِ؟ -وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: أَىْ رَبِّ وَكَيْفَ لِي بِهِ؟ - قَالَ: تَأْخُذُ حُوتًا فَتَجْعَلُهُ فِي مِكْتَلٍ، حَيْثُمَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَهْوَ ثَمَّ -وَرُبَّمَا قَالَ: فَهْوَ ثَمَّهْ- وَأَخَذَ حُوتًا فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ ثُمَّ انْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ حَتَّى إذا أَتَيَا الصَّخْرَةَ وَضَعَا رُءُوسَهُمَا، فَرَقَدَ مُوسَى، وَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فَخَرَجَ فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ، فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا، فَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنِ الْحُوتِ جِرْيَةَ الْمَاءِ فَصَارَ مِثْلَ الطَّاقِ -فَقَالَ: هَكَذَا مِثْلُ الطَّاقِ- فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمَهُمَا، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَالَ لِفَتَاهُ.
آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا.
وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ.
قَالَ لَهُ فَتَاهُ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ، وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا، فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا وَلَهُمَا عَجَبًا.
قَالَ لَهُ مُوسَى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا -رَجَعَا يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا- حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ، فَسَلَّمَ مُوسَى، فَرَدَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ قَالَ: أَنَا مُوسَى، قَالَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا.
قَالَ: يَا مُوسَى إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ اللَّهُ لاَ تَعْلَمُهُ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لاَ أَعْلَمُهُ.
قَالَ: هَلْ أَتَّبِعُكَ؟ قَالَ: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} -إِلَى قَوْلِهِ- {إِمْرًا}.
فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ كَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ، فَعَرَفُوا الْخَضِرَ فَحَمَلُوهُ بِغَيْرِ نَوْلٍ.
فَلَمَّا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ جَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَنَقَرَ فِي الْبَحْرِ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ، قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: يَا مُوسَى، مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلاَّ مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ بِمِنْقَارِهِ مِنَ الْبَحْرِ، إِذْ أَخَذَ الْفَأْسَ فَنَزَعَ لَوْحًا، قَالَ: فَلَمْ يَفْجَأْ مُوسَى إِلاَّ وَقَدْ قَلَعَ لَوْحًا بِالْقَدُّومِ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: مَا صَنَعْتَ؟ قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا.
قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا؟ قَالَ: لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ، وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا.
فَكَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا.
فَلَمَّا خَرَجَا مِنَ الْبَحْرِ مَرُّوا بِغُلاَمٍ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ فَقَلَعَهُ بِيَدِهِ هَكَذَا -وَأَوْمَأَ سُفْيَانُ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ كَأَنَّهُ يَقْطِفُ شَيْئًا- فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ؟ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا.
قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا؟ قَالَ: إِنْ سَأَلْتُكَ
عَنْ شَىْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي، قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا.
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ مَائِلاً -أَوْمَأَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ سُفْيَانُ كَأَنَّهُ يَمْسَحُ شَيْئًا إِلَى فَوْقُ، فَلَمْ أَسْمَعْ سُفْيَانَ يَذْكُرُ "مَائِلاً" إِلاَّ مَرَّةً- قَالَ: قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا وَلَمْ يُضَيِّفُونَا، عَمَدْتَ إِلَى حَائِطِهِمْ، لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا.
قَالَ: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ، سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا.
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ فَقَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا.
قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَوْ كَانَ صَبَرَ يُقَصُّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا.
.
وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ.
ثُمَّ قَالَ لِي سُفْيَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ.
قِيلَ لِسُفْيَانَ: حَفِظْتَهُ قَبْلَ أَنْ تَسْمَعَهُ مِنْ عَمْرٍو أَوْ تَحَفَّظْتَهُ مِنْ إِنْسَانٍ؟ فَقَالَ: مِمَّنْ أَتَحَفَّظُهُ، وَرَوَاهُ أَحَدٌ عَنْ عَمْرٍو غَيْرِي؟ سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ".

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو بن دينار) المكي (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن جبير) بضم الجيم مصغرًا الكوفي (قال: قلت لابن عباس أن نوفًا) بفتح النون وسكون الواو وتنوين الفاء ابن فضالة بفتح الفاء والضاد المعجمة أبا يزيد القاص (البكالي) بكسر الموحدة وتخفيف اللام والكاف على الصواب، ونقل عن المهلب والصدفي وأبي الحسن بن سراج نسبة إلى بكال من حمير وضبطه أكثر المحدّثنين فما قاله عياض البكالي بفتح الموحدة وتشديد الكاف قال: وكذا قيدناه عن أبي بحر وابن أبي جعفر عن العذري وقاله أبو ذر نسبة إلى بكال بن دعمى (يزعم أن موسى صاحب الخضر) الذي قص الله عنهما في سورة الكهف (ليس هو موسى بني إسرائيل إنما هو موسى آخر) يسمى موسى بن ميشا بن إفراثيم بن يوسف بن يعقوب وموسى الثاني منوّن للفرق (فقال) ابن عباس: (كذب عدوّ الله) نوف فيما زعم قاله مبالغة في الإنكار والزجر وكان في شدة غضبه لا أنه يعتقد ذلك (حدّثنا أبي بن كعب عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل فسئل أيّ الناس أعلم) أي منهم (فقال) بحسب اعتقاده (أنا) أعلم الناس وهذا أبلغ من قوله في الرواية السابقة هل تعلم أحدًا أعلم منك: قال: لا.
فإنه نفى هناك علمه وفي هذه الرواية على البت (فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه) فيقول نحو الله أعلم (فقال) الله (له: بلى لي عبد) هو خضر (بمجمع البحرين) ملتقى بحري فارس والروم مما يلي المشرق (هو أعلم منك) أي بشيء مخصوص (قال) موسى (أي) أي يا (رب ومن لي به)؟ أي ومن يتكفل لي برؤيته (وربما قال سفيان) بن عيينة (أي رب وكيف لي به)؟ أي وكيف يتهيأ لي أن أظفر به (قال) تعالى: {تأخذ حوتًا) مملوحًا (فتجعله في مكتل) بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الفوقية زنبيل (حيثما فقدت الحوت) بفتح القاف (فهو) أي الخضر (ثم) بفتح المثلثة
وتشديد الميم (وربما قال فهو ثمه) بزيادة هاء السكت الساكنة أي هناك (وأخذ) بالواو موسى (حوتا) مملوحًا (فجعله في مكتل) كما أمر (ثم انطلق هو وفتاه يوشع بن نون) بالصرف كنوح (حتى أتيا) ولأبي ذر حتى إذا أتيا (الصخرة) التي عند ساحل مجمع البحرين ويقال ثمة عين تسمى بعين الحياة "وضعا رؤوسهما فرقد موسى واضطرب الحوت" أي تحرك لأنه أصابه من ماء عين الحياة (فخرج) من المكتل (فسقط في البحر فاتخذ سبيله) طريقه (في البحر سربًا) مسلكًا (فأمسك الله) عز وجل (عن الحوت جرية الماء فصار) عليه (مثل الطاق) وفي نسخة في مثل الطاق (فقال: هكذا مثل الطاق) أي مثل عقد البناء قال الكرماني: معجزة لموسى والخضر (فانطلقا) موسى وفتاه (يمشيان بقية ليلتهما ويومهما) بنصب اليوم (حتى إذا كان من الغد قال) موسى (لفتاه) يوشع: (آتنا غداءنا) طعامنا الذي نأكله أوّل النهار (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا) تعبًا (ولم يجد موسى النصب حتى جاوز حيث أمره الله) تعالى (قال له فتاه) يوشع: (أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت) أن أخبرك بحياته وانتضاب الماء مثل الطاق وغيره (وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) لها بهر العقل من عظيم القدرة (واتخذ سبيله في البحر) سبيلاً (عجبًا) مفعول ثان لاتخذ وهو كونه كالسرب (فكان للحوت) أي لدخول الحوت في الماء (سربًا) مسلكًا (ولهما) لموسى وفتاه (عجبًا) فإنه جمد الماء أو صار صخرًا (قال له موسى ذلك) الذي ذكرته (ما كنا نبغي فارتدّا على آثارهما) يقصان (قصصًا) أي (رجعا) في الطريق الذي جاءا فيه (يقصان آثارهما) قصصًا أي يتبعان آثار مسيرهما اتباعًا (حتى انتهيا إلى الصخرة) فذهبا يلتمسان الخضر (فإذا رجل) نائم (مسجى بثوب) أي مغطى كله به (فسلم موسى) أي عليه (فردّ عليه) الخضر السلام (فقال): أي الخضر (وأنى) وكيف (بأرضك السلام) وفي رواية وهل بأرضي من سلام قال الخضر: من أنت؟ (قال أنا موسى.
قال) الخضر: (موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم) موسى بني إسرائيل قال ما شأنك قال (أتيتك لتعلمني مما علمت رشدًا) مفعول ثان لتعلمني ولم يرد أن يعلمه شيئًا من أمر الدين إذ الأنبياء لا يجعلون ما يتعلق بدينهم الذي تعبدت به أمتهم (قال يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه) جميعه (وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه) جميعه.

وهذا التقدير واجب دافع لمن استدلّ بقوله: إني على علم الخ بأن نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اختص بجمع الشريعة، والحقيقة ولم يكن لغيره من الأنبياء إلا أحدهما لأنه يلزم منه خلو بعض أولي العزم غير نبينا من الحقيقة وإخلاء الخضر عن علم الشريعة ولا يخفى ما فيه، ويأتي إن شاء الله تعالى مزيد لذلك في سورة الكهف من التفسير، ولا ريب أن العالم بالعلم الخاص لا يكون أعلم ممن له العلم العام وهو حكم الشرائع والتكاليف فإن ضرورة الناس تدعوهم إلى ذلك.

(قال) موسى للخضر (هل أتبعك؟ قال: إنك لن تستطيع معي صبرًا) لأن موسى لا يصبر على ترك الإنكار إذا رأى ما يخالف الشرع (وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا)؟ أي: وكيف تصبر وأنت نبي على ما أتولى من أمور ظواهرها مناكير وبواطنها لم يحط بها خبرك.
وخبرًا تمييز أو مصدر لأن لم تحط به بمعنى لم تخبره (إلى قوله أمرًا) أي ولا أعصى لك أمرًا وفي اليونينية إمرًا
بكسر الهمزة وكانت مفتوحة فكشطها مصححًا عليها (فانطلقا) موسى والخضر (يمشيان على ساحل البحر) ومعهما يوشع (فمرّت بهما سفينة كلموهم) بغير فاء (أن يحملوهم فعرفوا) أي أصحاب السفينة (الخضر فحملوه) وموسى وفتاه (بغير نول) بفتح النون أجرة (فلما ركبا) موسى والخضر (في السفينة جاء عصفور) بضم العين وحكي فتحها "فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة أو نقرتين" قال له (الخضر: يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله) أي من معلومه (إلا مثل ما نقص هذا العصفور بمنقاره من البحر) ولفظ النقص هنا ليس على ظاهره وإنما معناه إن علمي وعلمك بالنسبة إلى علم الله تعالى كنسبة ما نقره هذا العصفور إلى ماء البحر فهو على التقريب إلى الأفهام (إذ أخذ) الخضر (الفأس) بالهمز (فنزع لوحًا) من ألواح السفينة (فلم) وفي الفرع كأصله قال: فلم (يفجأ موسى) عليه السلام بعد أن صارت السفينة في لجة البحر (إلا وقد قلع) الخضر (لوحًا) من السفينة (بالقدوم) بفتح القاف وتشديد الدال في الفرع وأصله وضبطه الصغاني بالفتح والتخفيف فقال له (موسى): منكرًا عليه بلسان الشرع (ما صنعت)؟ هؤلاء (قوم حملونا) في سفينتهم (بغير نول) أجرة (عمدت) بفتح الميم (إلى سفينتهم فحرقتها لتغرق أهلها) فإن خرقها سبب لدخول الماء فيها المفضي إلى غرق أهلها وقال لتغرق أهلها ولم يقل لتغرقنا.
قال السفاقسي: فنسي نفسه واشتغل بغيره في حالة يقول فيها المرء: نفسي نفسي، واللام في لتغرق للعلة أو للصيرورة (لقد جئت شيئًا إمرًا) عظيمًا.
(قال) الخضر مذكرًا لموسى بما سبق من الشرط (ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرًا) استفهام على سبيل الإنكار (قال) موسى للخضر: (لا تؤاخذني بما نسيت) يعني وصيته بأن لا يعترض عليه وهو اعتذار بالنسيان أو أراد بالنسيان الترك أي لا تؤاخذني بما تركت (ولا ترهقني) أي لا تغشني (من أمري عسرًا) مفعول ثان لترهق (فكانت الأولى) وفي الكهف قال أي أبي، وقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "وكانت الأولى" (من موسى نسيانًا فلما خرجا) أي موسى والخضر (من البحر مروا) موسى والخضر ويوشع (بغلام) وضيء الوجه اسمه جيسون بالجيم المفتوحة والتحتية الساكنة والسين المهملة المضمومة وبعد الواو نون (يلعب مع الصبيان فأخذ الخضر برأسه فقلعه بيده وهكذا وأومأ سفيان) بن عيينة (بأطراف أصابعه) كأنه يقطف بها شيئًا (فقال له موسى): منكرًا عليه أشد من الأولى (أقتلت نفسًا زكية) بتشديد الياء من غير ألف وهي قراءة ابن عامر والكوفيين أي طاهرة من الذنوب قاله لأنه لم يرها أذنبت أو صغيرة لم تبلغ الحلم (بغير نفس) متعلق بقتلت (لقد جئت شيئًا نكرًا) منكرًا (قال) الخضر لموسى: (ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا.
قال) موسى: (إن سألتك عن شيء بعدها) بعد هذه المرة (فلا تصاحبني) وفارقني (وقد بلغت من لدني عذرًا) متعلق ببلغت، ولدني بضم الدال وتشديد النون ادخلوا نون الوقاية على لدن لتقيها من الكسر محافظة على سكونها (فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية) أنطاكية أو غيرها (استطعما أهلها) واستضافوهم (فأبوا أن يضيفوهما)، مفعول به واستطعما جواب إذا وتكرير أهلها قيل للتأكيد وقيل للتأسيس (فوجدا فيها) في القرية (جدارًا يريد أن ينقض) مفعول الإرادة أي (مائلاً) وهذا من مجاز كلام العرب لأن الجدار لا إرادة له فالمعفى أنه دنا من
السقوط (أومأ) الخضر (بيده هكذا وأشار سفيان) بن عيينة (كأنه يمسح شيئًا إلى فوق) بالضم.

قال علي بن عبد الله المديني (فلم أسمع سفيان يذكر مائلاً إلاّ مرة):
(قال) موسى (قوم أتيناهم) فاستطعمناهم واستضفناهم (فلم يطعمونا ولم يضيفونا عمدت) بفتح الميم في اليونينية ليس إلا (إلى حائطهم) المائل فأقمته (لو شئت لاتخذت) بهمزة وصل وتشديد التاء وفتح الخاء وهي قراءة غير المكي والبصري (عليه أجرًا) جعلاً (قال) الخضر: (هذا فراق بيني وبينك) أي الفراق الموعود بقوله فلا تصاحبني أو الاعتراض الثالث أو الوقت أي هذا الاعتراض سبب فراقنا أو هذا الوقت وقته (سأنبئك) سأخبرك (بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا) لكونه منكرًا من حيث الظاهر.

(قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وددنا) بكسر الدال الأولى وسكون الثانية (أن موسى كان صبر فقص الله علينا من خبرهما) ولأبوي ذر والوقت: فقص بضم القاف مبنيًا للمفعول.
(قال سفيان) بن عيينة في روايته (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرحم الله موسى لو كان صبر يقص) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي لقص (علينا من أمرهما) وفي التفسير من طريق الحميد عن سفيان: وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما.

(قال) في التفسير قال سعيد بن جبير وسقط قوله قال من اليونينية وثبت في فرعها (وقرأ ابن عباس أمامهم) بدل قراءة العامة وراءهم (ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبًا وأما الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين) قال ابن المديني: (ثم قال لي سفيان: سمعته منه) أي من عمرو بن دينار (مرتين وحفظته منه.
قيل لسفيان حفظته قبل أن تسمعه من عمرو) أي ابن دينار (أو تحفظته من إنسان)؟ قال الكرماني الشك من علي بن عبد الله.
يعني قيل لسفيان حفظته أو تحفظته من إنسان قبل أن تسمعه من عمرو؟ (فقال): سفيان: (ممن أتحفظه.
ورواه) أي أرواه (أحد من عمرو غيري) فحذف همزة الاستفهام (سمعته منه) من عمرو (مرتين أو ثلاثًا وحفظته منه).

وهذا الحديث سبق في باب ما يستحب للعالم إذا سئل من كتاب العلم.




[ قــ :347 ... غــ : 340 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الأَصْبَهَانِيُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِرُ لأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ، فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ مِنْ خَلْفِهِ خَضْرَاءَ»: قَالَ الحَمَوِي: قَالَ مُحَمَّدُ بْنِ يُوسُفَ بْنِ مَطَر الفَرْبَرِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنِ خَشرَم عَنْ سُفْيَانَ بطوله.

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن سعيد) بكسر العين ( الأصبهاني) بفتح الهمزة والموحدة وفي نسخة ابن الأصبهاني قال: ( أخبرنا ابن المبارك) عبد الله ( عن معمر) هو ابن راشد ( عن همام بن منبه) بكسر الموحدة المشددة ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( إنما سمي الخضر) بفتح الراء وفي اليونينية وبالضم في فرعها خضرًا ( أنه) ولأبي الوقت وابن عساكر والأصيلي لأنه أي الخضر ( جلس على فروة بيضاء) ليس فيها نبات، والفروة بفتح الفاء وسكون الراء جلدة وجه الأرض ( فإذا هي) أي الفروة البيضاء ( تهتز من خلفه خضراء) بعد أن كانت جرداء.
وعن مجاهد قيل له الخضر لأنه كان إذا صلّى اخضرّ ما حوله، واسمه بليا بفتح الموحدة وسكون اللام وبعد التحتية ألف مقصورًا ابن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح.
قال في الفتح: فعلى هذا فمولده قبل إبراهيم الخليل لأنه يكون ابن عمر جد إبراهيم.
وعند الدارقطني في الإفراد من طريق مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس هو ابن آدم لصلبه وهو ضعيف منقطع، وعند أبي حاتم في المعمرين أنه ابن قابيل بن آدم، وعن ابن لهيعة كان ابن فرعون نفسه، وقيل ابن بنت فرعون، وقيل كان أخا إلياس.
وعند السهيلي عن قوم أنه كان من الملائكة وليس من بني آدم واختلف في نبوته فقيل نبي واحتج بعضهم لنبوته بقوله: وما فعلته عن أمري.

وأجيب: باحتمال الإيحاء إلى نبي من أنبياء ذلك الزمان أن يأمر الخضر بذلك، والأكثرون كما قاله النووي على حياته بين أظهرنا واتفق عليه سادات الصوفية كابن أدهم وبشر الحافي ومعروف الكرخي وسري السقطي والجنيد، وبه قال عمر بن عبد العزيز، والذي جزم به البخاري أنه غير موجود، وبه قال إبراهيم الحربي وأبو بكر بن العربي وطائفة من المحدثين، وعمدتهم الحديث المشهور أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال في آخر حياته: "لا يبقى على وجه الأرض بعد مائة سنة ممن هو عليها اليوم أحد".
وأجيب بأنه كان حينئذٍ على وجه البحر أو هو مخصوص من الحديث إلى غير ذلك مما سبق أوائل هذا المجموع.

( قال الحموي) بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم المضمومة وبعد الواو المكسورة تحتية عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي بفتح المهملة والراء ( قال محمد بن يوسف بن مطر الفربري) : بفتح الفاء والراء ( حدّثنا علي بن خشرم) بفتح الخاء وسكون الشين المعجمتين وبعد الراء المفتوحة ميم المروزي ( عن سفيان) بن عيينة فذكر حديث الخضر وموسى ( بطوله) وفي الونينية علامة السقوط على قوله الحموي.


باب
هذ ( باب) بالتنوين.


[ قــ :348 ... غــ : 3403 ]
- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ، فَبَدَّلُوا فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ وَقَالُوا حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ».
[الحديث 3403 - طرفاه في: 4479، 4641] .

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا ( إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي المروزي وقيل البخاري قال: ( حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني ( عن معمر) هو ابن راشد الأزدي مولاهم البصري ( عن همام بن منبه) بكسر الموحدة المشددة الصنعاني أخي وهب ( أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( قيل لبني إسرائيل) لما خرجوا من التيه مع يوشع بن نون بعد أربعين سنة وفتح الله عليهم بيت المقدس ( ادخلوا الباب) باب القرية وكان قبل القبلة حال كونهم ( سجدًا) منحنين ركوعًا أو خضوعًا شكرًا على تيسير الدخول ( وقولوا حطة) بالرفع أي مسألتنا حطة: وعند ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال قيل لهم قولوا مغفرة ( فبدلوا) فغيروا السجود بالزحف ( فدخلوا يزحفون) بفتح الحاء المهملة ( على أستاههم) بفتح الهمزة وسكون السين المهملة أي أوراكهم ( وقالوا) بدل حطة ( حبة في شعرة) بسكون العين فخالفوا في القول والفعل، فقالوا كلامًا مهملاً غرضهم به المخالفة لما أمروا به من الكلام المستلزم للاستغفار، وحط العقوبة عنهم فعاقبهم الله بالطاعون حتى هلك منهم سبعون ألفًا في ساعة واحدة، وقيل أربعة وعشرون ألفًا.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير، ومسلم في أواخر صحيحه، والترمذي في التفسير.




[ قــ :349 ... غــ : 3404 ]
- حَدَّثَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ وَخِلاَسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلاً حَيِيًّا سِتِّيرًا لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَىْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا: مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ إِلاَّ مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ: إِمَّا بَرَصٌ وَإِمَّا أُدْرَةٌ، وَإِمَّا آفَةٌ.
وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا لِمُوسَى، فَخَلاَ يَوْمًا وَحْدَهُ فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى الْحَجَرِ ثُمَّ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا، وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ وَطَلَبَ الْحَجَرَ.

فَجَعَلَ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ، ثَوْبِي حَجَرُ.
حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَثَرِ ضَرْبِهِ ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا، فَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: 69] .

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع ( إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه ( قال: حدّثنا) ولأبوي الوقت وذر أخبرنا ( روح بن عبادة) بفتح الراء وعبادة بضم العين وتخفيف الموحدة البصري قال: ( حدّثنا عوف) بفتح العين المهملة وبعد الواو الساكنة فاء ابن أبي جميلة المعروف بالأعرابي ( عن الحسن) البصري ( ومحمد) أي ابن سيرين ( وخلاس) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام آخره مهملة ابن عمرو البصري ثلاثتهم ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) ولم يسمع الحسن من أبي هريرة عند الحفاظ، وما وقع في بعض الروايات مما يخالف ذلك فمحكوم بوهمه عندهم وأما
خلاس فقال أبو داود عن أحمد أنه لم يسمع من أبي هريرة، وأما محمد بن سيرين فسماعه ثابت من أبي هريرة أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إن موسى) عليه الصلاة والسلام ( كان رجلاً حَيِيًّا) بفتح الحاء المهملة وكسر التحتية وتشديد الثانية أي كثير الحياء ( ستيرًا) بكسر السين المهملة والفوقية المشددة أي من شأنه وإرادته حب الستر ( لا يُرى) بضم أوله وفتح ثانيه ( من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا ما يستتر) موسى ( هذا التستر إلا من عيب بجلده إما برص) ولغير أبي ذر برص بالجر ( وإما أدرة) بفتح الهمزة وفي الفرع وأصله وسكون الدال وفيهما أيضًا بفتحهما.
وقال في الفتح بضم الهمزة وسكون الدال على المشهور وبفتحتين أيضًا فيما حكاه الطحاوي عن بعض مشايخه ورجح الأول وبالرفع لأبي ذر وبالجر لغيره وهو نفخ في الخصيتين ( وإما آفة) من عطف العام على الخاص ( وإن الله) عز وجل ( أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى) ولأبي ذر عن المستملي: بموسى بالموحدة بدل اللام ( فخلا) موسى ( يومًا وحده) ليغتسل ( فوضع ثيابه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ثيابًا أي له ( على الحجر) الذي كان ثم ( ثم اغتسل) وفي رواية علي بن زيد عن أنس عند أحمد في هذا الحديث أن موسى كان إذا أراد أن يدخل الماء لم يلق ثوبه حتى يواري عورته في الماء ( فلما فرغ) من غسله ( أقبل إلى ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا) بالعين المهملة مضى مسرعًا ( بثوبه) بالتوحيد على إرادة الجنس ( فأخذ موسى عصاه) التي كانت إحدى آياته ( وطلب الحجر فجعل يقول ثوبي حجر ثوبي حجر) مرتين أي اعطني ثوبي يا حجر ( حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه) حال كونه ( عريانًا) حال كونه ( أحسن ما خلق الله وأبرأه) تعالى ( مما يقولون وقام الحجر فأخذ) موسى ( ثوبه) ولأبوي ذر والوقت: بثوبه ( فلبسه وطفق) بكسر الفاء أي جعل ( بالحجر) يضرب ( ضربًا بعصاه فوالله إن بالحجر لندبًا) بفتح النون والمهملة أي أثرًا ( من أثر ضربه ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا) بالشك من الراوي.

وفي الغسل في باب: من اغتسل عريانًا قال أبو هريرة: والله إنه لندب بالحجر ستة أو سبعة بالشك أيضًا وفيه أن قوله: فوالله الخ من قول أبي هريرة، وفي رواية حبيب بن سالم عن أبي هريرة عند ابن مردويه الجزم بست ضربات قال النووي: فيه معجزتان ظاهرتان لموسى عليه السلام: مشي الحجر بثوبه وحصول الندب في الحجر بضربه وفيه حصول التمييز في الجماد.

( فذلك) أي ما ذكر من أذى بني إسرائيل موسى ( قوله) عز وجل: ( { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى} ) بنسبة العيب في بدنه ( { فبرّأه الله مما قالوا} ) بإبراز جسده لقومه حتى رأوه وعلموا فساد اعتقادهم ( { وكان عند الله وجيهًا} ) [الأحزاب: 69] كريمًا ذا جاه.

وقال ابن عباس: كان حظيًّا عند الله لا يسأل شيئًا إلا أعطاه.
وقال الحسن: كان مجاب الدعوة، وقيل كان محببًا مقبولاً.




[ قــ :350 ... غــ : 3405 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: سَمِعْتُ
عَبْدَ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: «قَسَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَسْمًا، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ.
فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ، فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن الأعمش) سليمان بن مهران أنه ( قال: سمعت أبا وائل) شقيق بن سلمة ( قال: سمعت عبد الله) يعني ابن مسعود ( -رضي الله عنه- قال: قسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قسمًا) بفتح القاف وسكون السين يوم حنين فآثر ناسًا في القسمة أعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وعيينة بن حصن مثل ذلك وأعطى أناسًا من أشراف العرب فآثرهم يومئذٍ على غيرهم ( فقال رجل) : هو معتب بن قشير المنافق ( إن هذه) القسمة ( لقسمة ما أريد بها وجه الله) ، زاد في الجهاد ما عدل فيها ( فأتيت) أي قال ابن مسعود فأتيت ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرته) بقول الرجل ( فغضب) عليه الصلاة والسلام ( حتى رأيت الغضب) أي أثره ( في وجهه) الشريف ( ثم قال) :
( يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا) الذي أوذيت به ( فصبر) .

وهذا الحديث سبق في الجهاد في باب: ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعطي المؤلّفة قلوبهم.