فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13]

باب قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] .
وَقَولُهُ: { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] .

وَمَا يُنْهَى عَنْ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ.
الشُّعُوبُ: النَّسَبُ الْبَعِيدُ، وَالْقَبَائِلُ دُونَ ذَلِكَ.

( باب المناقب) وفي بعض النسخ: كتاب، والأوّل أوجه لأن الظاهر من صنيع المؤلّف رحمه الله أنه أراد أحاديث الأنبياء على الإطلاق ليعم ويكون هذا الباب من جملة أحاديث الأنبياء.
وفي القاموس المنقبة المفخرة، وقال التبريزي: المناقب المكارم وأحدها منقبة كأنها تنقب الصخرة من عظمها وتنقب قلب الحسود، وفي أساس البلاغة: وذو مناقب وهي المخابر والمآثر ( قول الله تعالى) : بالرفع والجرّ كذا في الفرع وأصله، وفي بعض الأصول: وقول الله بالجر عطفًا على سابقه وزيادة الواو ( { يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى} [الحجرات: 13] ) آدم وحواء أو خلقنا كل واحد منكم من أب وأم فلا وجه للتفاخر بالنسب ( { وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا} [الحجرات: 13] ) ليعرف بعضكم بعضًا للتفاخر بالآباء والقبائل ( { إن أكرمكم عند الله أتقاكم} ) [الحجرات: 13] فالمناقب: إنما هي بالعمل بطاعة الله أو الكف عن معصيته.

وفي حديث ابن عمر: طاف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم فتح مكة على ناقته القصواء يستلم الأركان بمحجن في يده فما وجد لها مناخًا في المسجد حتى نزل على أيدي الرجال فخرج بها إلى بطن المسيل فأنيخت ثم إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطبهم على راحلته فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: "يا أيها الناس قد أذهب الله عنكم عبية الجاهلية وتعظيمها بآياتها فالناس رجلان رجل تقيّ كريم على الله، والآخر فاجر شقي هين على الله إن الله تعالى يقول: { يا أيها الناس إنّا خلقناكم
من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}
[الحجرات: 13] ثم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم".
رواه ابن أبي حاتم وسقط لأبي ذر: وجعلناكم إلى آخره وقال بعد وأنثى الآية.

( وقوله) عز وجل ( { واتقوا الله الذي تساءلون به} [النساء: 1] ) أي يسأل بعضكم بعضًا فيقول أسألك بالله ( { والأرحام} ) بالنصب عطفًا على لفظ الجلالة أي: واتقوا الأرحام لا تقطعوها، وقيل: إنه من عطف الخاص على العام لأن معنى اتقوا الله اتقوا مخالفته وقطع الأرحام مندرج في ذلك، وقرأ حمزة بالخفض عطفًا على الضمير المجرور في به من غير إعادة الجار، وهذا لا يجيزه البصريون وفيه مباحث ذكرتها في مجموعي في القراءات الأربع عشرة، والأرحام جمع رحم وذو الرحم الأقارب يطلق على كل من جمع بينه وبين الآخر نسب ( { إن الله كان عليكم رقيبًا} ) [النساء: 1] جار مجرى التعليل ( وما ينهى) بضم أوّله وسكون ثانيه وفتح ثالثه ( عن دعوى الجاهلية) كالنياحة وانتساب الشخص إلى غير أبيه، وترجم المؤلّف له في باب يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى ( الشعوب) بضم الشين المعجمة جمع شعب بفتحها قال مجاهد فيما أخرجه الطبري عنه ( النسب: البعيد) مثل مضر وربيعة ( والقبائل دون ذلك) مثل قريش وتميم، وفي نسخة، والقبائل البطون.


[ قــ :3330 ... غــ : 3489 ]
- حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْكَاهِلِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ "عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ رضي الله عنهما: { وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13] قَالَ: الشُّعُوبُ الْقَبَائِلُ الْعِظَامُ.
وَالْقَبَائِلُ: الْبُطُونُ".

وبه قال: ( حدّثنا خالد بن يزيد) أبو الهيثم المقري ( الكاهلي) الكوفي من أفراده قال: ( حدّثنا أبو بكر) هو ابن عياش بن سالم الحناط بالحاء المهملة والنون الكوفي ( عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي ( عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) في قوله تعالى: ( { وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا} [الحجرات: 13] ) ثبت قوله: { لتعارفوا} في رواية أبي ذر ( قال: الشعوب القبائل العظام والقبائل البطون) فالشعب الجمع العظيم المنتسبون إلى أصل واحد وهو يجمع القبائل، والقبيلة تجمع العمائر، والعمارة تجمع البطون، والبطن تجمع الأفخاذ، والفخذ تجمع الفصائل، فخزيمة شعب، وكنانة قبيلة، وقريش عمارة، وقصي بطن، وهاشم فخذ، وعباس فصيلة.
وقيل: الشعوب بطون العجم، والقبائل بطون العرب.




[ قــ :3331 ... غــ : 3490 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَتْقَاهُمْ.
قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ.
قَالَ: فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المثقلة بندار العبدي البصري قال: ( حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان ( عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري أنه ( قال: حدّثني)
بالإفراد ( سعيد بن أبي سعيد عن أبيه) أبي سعيد كيسان المقبري ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه
( قال: قيل يا رسول الله من كرم الناس؟) عند الله عز وجل ( قال) :
أكرمهم ( أتقاهم) لله تعالى ( قالوا: ليس عن هذا نسألك؟ قال) ( فيوسف نبي الله) كذا أورده هنا مختصرًا، وفي باب قول الله تعالى: { لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين} [يوسف: 7] قال: فأكرم الناس يوسف نبيّ الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله الحديث.

فأطلق عليه لفظ أكرم الناس لكونه رابع نبي على نسق واحد ولم يقع ذلك لغيره اجتمع له الشرف في نسبه من وجهين.

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله أتقاهم.




[ قــ :333 ... غــ : 3491 ]
- حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا كُلَيْبُ بْنُ وَائِلٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي رَبِيبَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْنَبُ ابْنَةُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: "قُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكَانَ مِنْ مُضَرَ؟ قَالَتْ: فَمِمَّنْ كَانَ إِلاَّ مِنْ مُضَرَ؟ مِنْ بَنِي النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ".
[الحديث: 3491 - طرفه في: 349] .

وبه قال: ( حدّثنا قيس بن حفص) الدارمي مولاهم البصر قال: ( حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: ( حدّثنا كليب بن وائل) بضم الكاف وفتح اللام ووائل بالهمز وفي اليونينية بتركه التابعي الكوفي المدني الأصل ( قال: حدّثتني) بالإفراد وتاء التأنيث ( ربيبة) ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زينب ابنة) ولأبي ذر: بنت ( أبي سلمة) وأمها أم سلمة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( قال) كليب: ( قلت لها أرأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أخبريني عنه ( أكان من مضر؟) بهمزة الاستفهام ( قالت: فممن كان) استفهام إنكاري أي لم يكن ( إلا من مضر) هو ابن نزار بن معد بن عدنان ( من بني النضر) بفتح النون وسكون المعجمة ( ابن كنانة) بكسر الكاف ابن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر، وهذا بيان له لأن مضر قبائل وهذا بطن منه، واسم النضر قيس وسمي بالنضر لنضارته وجماله وإشراق وجهه.




[ قــ :3333 ... غــ : 349 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا كُلَيْبٌ حَدَّثَتْنِي رَبِيبَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَأَظُنُّهَا زَيْنَبَ- قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُقَيَّرِ وَالْمُزَفَّتِ.
وَقُلْتُ لَهَا: أَخْبِرِينِي، النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّنْ كَانَ، مِنْ مُضَرَ كَانَ؟ قَالَتْ: فَمِمَّنْ كَانَ إِلاَّ مِنْ مُضَرَ؟ كَانَ مِنْ وَلَدِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ.

وبه قال: ( حدّثنا موسى) هو ابن إسماعيل التبوذكي قال: ( حدّثنا عبد الواحد) قال: ( حدّثنا كليب) قال: ( حدّثتني ربيبة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وعبد الواحد شيخ موسى وقيس بن حفص ( وأظنها زينب قالت:) ( نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) الانتباذ في ( الدباء) القرع ( و) في ( الحنتم) وهي جرار مدهونة خضر كان يجعل فيها الخمر ( والمقير) المطلي بالقار وهو الزفت ( والمزفت) وفيه تكرار على ما لا يخفى، ومن ثم قال الحافظ أبو ذر صوابه والنقير بالنون بدل الميم.
قال كليب: ( وقلت لها) أي
لزينب ( أخبريني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممن كان من مضر كان؟) أي من أي قبيلة ( قالت: فممن) بزيادة فاء
الجواب، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ممن ( كان إلا من مضر) استثناء منقطع أي: لكن كان من مضر أو من محذوف أي لم يكن إلاّ من مضر أو الهمزة محذوفة من كان، وممن كلمة مستقلة أو الاستفهام للإنكار ( كان من ولد النضر بن كنانة) .
وروى أحمد وابن سعد من حديث الاشعث بن قيس الكندي قال: قلت يا رسول الله إنّا نزعم أنك منا يعني من اليمن فقال: "نحن من بني النضر بن كنانة".




[ قــ :3335 ... غــ : 3493 ]
- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ: خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا، وَتَجِدُونَ خَيْرَ النَّاسِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً».
[الحديث 3493 - طرفاه في: 3496، 3588] .

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه قال: (أخبرنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن عمارة) بن القعقاع (عن أبي زرعة) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(تجدون الناس معادن) زاد الطيالسي في الخير والشر (خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) بضم القاف، ولأبي ذر بكسرها أي في الدين، ووجه الثشبيه اشتمال المعادن على جواهر مختلفة من نفيس وخسيس وكذلك الناس، فمن كان شريفًا في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شرفًا، وفي قوله إشارة إلى أن الشرف الإسلامي لا يتم إلا بالتفقه في الدين.




[ قــ :3335 ... غــ : 3494 ]
- «وَتَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ: الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ، وَيَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ».
[الحديث 3494 - طرفاه في: 6058، 7179] .

( وتجدون خير الناس) أي من خيرهم ( في هذا الشأن) في الولاية خلافة أو إمارة ( أشدهم له كراهية) لما فيه من صعوبة العمل بالعدل، وحمل الناس على رفع الظلم وما يترتب عليه من مطالبة الله تعالى للقائم بذلك من حقوقه وحقوق عباده وكلراهية نصب على التمييز وأشدهم مفعول ثان لتجدون ( وتجدون شر الناس ذا الوجهن) بنصب مفعول ثانٍ لتجدون هو المنافق ( الذي يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجهٍ) قال الله تعالى: { مذبذبينَ بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء} [النساء: 143] .

فإن قلت: هذا يقتضي الذم على ترك طريقة المؤمنين وطريقة الكفار والذم على ترك طريقة الكفار غير جائز.
أجيب: بأن طريقة الكفار وإن كانت خبيثة إلا أن طريقة النفاق أخبث منها ولذا ذم المنانقين في تسع عشرة آية.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل بتمامه وفي الأدب بقصة ذي الوجهين.