فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إسلام أبي ذر الغفاري رضي الله عنه

باب إِسْلاَمُ أَبِي ذَرٍّ الغِفارِيُّ -رضي الله عنه-
( باب إسلام أبي ذر) جندب بن جنادة ( الغفاري -رضي الله عنه-) وسقط الباب لأبي ذر.


[ قــ :3682 ... غــ : 3861 ]
- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: «لَمَّا بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لأَخِيهِ: ارْكَبْ إِلَى هَذَا الْوَادِي فَاعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ، وَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ ائْتِنِي.
فَانْطَلَقَ الأَخُ حَتَّى قَدِمَهُ وَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَبِي ذَرٍّ فَقَالَ لَهُ: رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ، وَكَلاَمًا مَا هُوَ بِالشِّعْرِ.
فَقَالَ: مَا شَفَيْتَنِي مِمَّا أَرَدْتُ.
فَتَزَوَّدَ وَحَمَلَ شَنَّةً لَهُ فِيهَا مَاءٌ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَأَتَى الْمَسْجِدَ، فَالْتَمَسَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَكَرِهَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ، حَتَّى أَدْرَكَهُ بَعْضُ اللَّيْلِ، فَرَآهُ عَلِيٌّ فَعَرَفَ أَنَّهُ غَرِيبٌ، فَلَمَّا رَآهُ تَبِعَهُ، فَلَمْ يَسْأَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَىْءٍ حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ احْتَمَلَ قِرْبَتَهُ وَزَادَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَظَلَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلاَ يَرَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَمْسَى فَعَادَ إِلَى مَضْجَعِهِ، فَمَرَّ بِهِ عَلِيٌّ فَقَالَ: أَمَا نَالَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَهُ؟ فَأَقَامَهُ، فَذَهَبَ بِهِ مَعَهُ، لاَ يَسْأَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَىْءٍ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمَ الثَّالِثِ فَعَادَ عَلِيٌّ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَقَامَ مَعَهُ ثُمَّ قَالَ: أَلاَ تُحَدِّثُنِي مَا الَّذِي أَقْدَمَكَ؟ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتَنِي عَهْدًا وَمِيثَاقًا لَتُرْشِدَنَّنِي فَعَلْتُ.
فَفَعَلَ، فَأَخْبَرَهُ، قَالَ: فَإِنَّهُ حَقٌّ، وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَاتْبَعْنِي، فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ شَيْئًا أَخَافُ عَلَيْكَ قُمْتُ كَأَنِّي أُرِيقُ الْمَاءَ، فَإِنْ مَضَيْتُ فَاتْبَعْنِي حَتَّى تَدْخُلَ مَدْخَلِي، فَفَعَلَ، فَانْطَلَقَ يَقْفُوهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَدَخَلَ مَعَهُ فَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ وَأَسْلَمَ مَكَانَهُ.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَأَخْبِرْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي.
قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ.
فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
ثُمَّ قَامَ الْقَوْمُ فَضَرَبُوهُ حَتَّى أَوْجَعُوهُ.
وَأَتَى الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ قَالَ: وَيْلَكُمْ، أَلَسْتُمْ
تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ غِفَارٍ، وَأَنَّ طَرِيقَ تِجَارِكُمْ إِلَى الشَّامِ؟ فَأَنْقَذَهُ مِنْهُمْ.
ثُمَّ عَادَ مِنَ الْغَدِ لِمِثْلِهَا فَضَرَبُوهُ وَثَارُوا إِلَيْهِ، فَأَكَبَّ الْعَبَّاسُ عَلَيْهِ».

وبه قال: ( حدّثني) بالتوحيد ( عمرو بن عباس) بفتح العين أبو عثمان البصري قال: ( حدّثنا عبد الرحمن بن مهدي) الحافظ أبو سعيد البصري اللؤلؤي قال: ( حدّثنا المثنى) بضم الميم وفتح المثلثة والنون المشدّدة ابن عمران الضبعي ( عن أبي جمرة) بالجيم والراء نصر بن عمران ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه ( قال) :
( لما بلغ أبا ذر مبعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لأخيه) أنيس بضم الهمزة مصغرًا ( اركب) وسر ( إلى هذا الوادي) وادي مكة ( فاعلم) بهمزة وصل ( لي علم) بكسر العين وسكون اللام ( هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء واسمع من قوله ثم ائتني فانطلق الأخ) أنيس المذكور ولأبي ذر عن الكشميهني فانطلق الآخر بفتح الخاء المعجمة بدل قوله الأخ ( حتى قدمه) أي وادي مكة ( وسمع من قوله) الذي يسلب الأرواح -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( ثم رجع إلى) أخيه ( أبي ذر فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلامًا) نصب بتقدير وسمعته يقول: كلامًا أو عطفًا على ضمير رأيته من باب قوله.

علفتها تبنًا وماءً باردًا
أو ضمن الرؤية معنى الأخذ أي أخذت منه كلامًا ( ما هو بالشعر) زاد مسلم ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلم يلتئم عليها والله أنه لصادق ( فقال) له أبو ذر: ( ما شفيتني) بالشين المعجمة والفاء ( مما أردت فتزوّد وحمل شنة) بفتح المعجمة والنون المشددة قربة خلقة ( له فيها ماء) وسار ( حتى قدم مكة فأتى المسجد فالتمس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي طلبه ( ولا يعرفه وكره أن يسأل عنه) قريشًا فيؤذونه ( حتى أدركه بعض الليل فرآه) ولأبي ذر اضطجع وللأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت فاضطجع فرآه ( علي) -رضي الله عنه- ( فعرف أنه غريب) وفي رواية أبي قتيبة السابقة في قصة زمزم فقال: كأن الرجل غريب قلت نعم ( فلما رآه تبعه) ولأبي قتيبة قال علي له: انطلق إلى المنزل قال: فانطلقت معه ( فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح ثم احتمل) أبو ذر ( قربته وزاده إلى المسجد وظل ذلك اليوم) فيه ( ولا يراه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى أمسى فعاد إلى مضجعه) بكسر الجيم ولأبي ذر مضجعه بفتحها ( فمر به علي فقال: أما نال) بالنون أي ما آن ( للرجل أن يعلم منزله) أي أن يكون له منزل معين يسكنه أو أراد دعوته إلى منزله وأضاف المنزل إليه بملابسة إضافته له فيه ( فأقامه) من مضجعه ( فذهب به معه لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى إذا كان يوم الثالث فعاد) ولأبي ذر عن الكشميهني: فغدا، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: قعد ( عليّ على مثل ذلك) الفعل من أخذه إلى منزله ( فأقام معه) وسقط من اليونينية وغيرها قوله على التي بعد عليّ ( ثم قال) له عليّ ( ألا تحدثني) بالرفع ( ما الذي أقدمك) هنا ( قال) أبو ذر: ( إن أعطيتني عهدًا وميثاقًا لترشدنني) إلى مقصودي ولأبي ذر عن الكشميهني لترشدني بنون واحدة مشددة ( فعلت
ففعل)
عليّ ما ذكره له من العهد والميثاق ( فأخبره) أبو ذر عن مقصده ولأبي ذر فأخبرته بتاء المتكلم قبل الضمير وفيه التفات ( قال) له عليّ ( فإنه حق وهو رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر ( فإذا أصبحت فاتبعني) بتشديد الفوقية لأبي ذر وبتخفيفها ساكنة لغيره ( فإني إن رأيت شيئًا أخاف عليك قمت كأني أريق الماء) ولأبي قتيبة: قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي ولعله قالهما جميعًا ( فإن مضيت فاتبعني) بتشديد الفوقية لأبي ذر وبتخفيفها لغيره ( حتى تدخل مدخلي ففعل) أبو ذر ذلك ( فانطلق يقفوه) أي يتبعه ( حتى دخل على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودخل) أبو ذر ( معه فسمع من قوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( وأسلم مكانه فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( ارجع إلى قومك) غفار ( فأخبرهم) بشأني لعل الله أن ينفعهم بك ( حتى يأتيك أمري) ولأبي قتيبة قال لي: يا أبا ذر اكتم هذا الأمر وارجع إلى بلدك فإذا بلغك ظهورنا فأقبل وإنما أمره بالكتمان خوفًا عليه من قريش ( قال) أبو ذر ( والذي نفسي بيده لأصرخن بها) لأرفعن بكلمة التوحيد صوتي ( بين ظهرانيهم) بفتح النون أي في جمعهم ( فخرج حتى أتى المسجد) الحرام ( فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ثم قام القوم) قريش ( فضربوه حتى أضجعوه) على الأرض ( وأتى العباس) بن عبد المطلب -رضي الله عنه- ( فأكب عليه قال) ولأبي ذر: ثم قال: ( ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار وأن طريق تجاركم إلى الشام) عليهم ( فأنقذه منهم) بالقاف والذال المعجمة أي خلصه من المشركين ( ثم عاد من الغد لمثلها فضربوه وثاروا إليه) بالمثلثة ( فأكبّ العباس عليه) فأنقذه منهم ورجع إلى قومه فأسلم أخوه أنيس وأمه وكثير من قومه.

وهذا الحديث قد مرّ في قصة زمزم في مناقب قريش.