فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة

باب هِجْرَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ».

وَقَالَ أَبُو مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ».

(باب هجرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بإذن الله عز وجل له في ذلك بقوله تعالى: { وقل رب أدخلني مدخل صدق} [الإسراء: 80] بعد بيعة العقبة بشهرين وبضعة عشر يومًا (وأصحابه) أبي بكر وعامر بن فهيرة وصاحبين له من مكة (إلى المدينة) وكان قد هاجر بين العقبتين جماعة ابن أم مكتوم وغيره وسقط باب لأبي ذر.

(وقال عبد الله بن زيد) مما وصله في غزوة حنين (وأبو هريرة) مما سبق موصولاً فى مناقب الأنصار (-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال: (لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار) قاله جوابًا لقولهم أنه أحب الإقامة بموطنه بمكة أي لولا الهجرة لكنت أنصاريًا صرفًا، فلم يمنعني مانع من المقام بمكة لكنني اتصفت بصفة الهجرة والمهاجر لا يقيم بالبلد التي هاجر منها مستوطنًا فلتطمئن قلوبكم بعدم التحول عنكم.

(وقال أبو موسى) عبد الله بن قيس (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلي) بفتح الواو والهاء ظني (إلى أنها اليمامة) مدينة من اليمن على مرحلتين من الطائف (أو هجر) بفتح الهاء والجيم بلد معروف من البحرين وهي مساكن عبد القيس أو هي قرية بقرب المدينة وصوب في الفتح الأول ولأبي ذر أو الهجر بأداة التعريف (فإذا هي المدينة يثرب) بالمثلثة وهذا وصله في الصلاة.


[ قــ :3718 ... غــ : 3897 ]
- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ: "عُدْنَا خَبَّابًا فَقَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْخُذْ
مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ نَمِرَةً، فَكُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ بَدَا رَأْسُهُ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ وَنَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْئًا مِنْ إِذْخِرٍ.
وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ يَهْدِبُهَا".

وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: سمعت أبا وائل) بالهمز شقيق بن سلمة حال كونه (يقول: عدنا خبابًا) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة الأولى ابن الأرتّ بالفوقية المشددة في مرض (فقال: هاجرنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي إلى المدينة بإذنه وإلاّ فلم يصحبه عليه الصلاة والسلام غير أبي بكر وعامر بن فهيرة حال كوننا (نريد وجه الله) لا الدنيا (فوقع أجرنا على الله) فضلاً منه تعالى (فمنا من مضى) مات (لم يأخذ من أجره) من الغنائم التي أخذها من أدرك زمن الفتوح (شيئًا) بل ادخر الله تعالى له أجره موفرًا في الآخرة (منهم مصعب بن عمير) بضم العين مصغرًا ابن هاشم بن عبد مناف (قتل يوم أُحُد) قتله ابن قميئة (وترك نمرة) كساء مخططًا (فكنا) لما كفناه (إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه وإذا غطينا) بها (رجليه بدا) بغير همزة (رأسه فأمرنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نغطي رأسه) بطرفها (ونجعل على رجليه شيئًا من إذخر) بذال وخاء معجمتين حشيش مكة ذي الريح الطيب (ومنا من أينعت له ثمرته) نضجت وطابت (فهو يهدبها) بكسر الدال المهملة مصححًا عليها في الفرع وأصله ويجوز الضم والفتح أي يجتنيها.
وهذا الحديث مرّ في باب إذا لم يجد كفنًا إلا ما يواري به رأسه من كتاب الجنائز.




[ قــ :3719 ... غــ : 3898 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - هُوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-».

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا حماد هو ابن زيد) أي ابن درهم وسقط لفظ هو لأبي ذر ( عن يحيى) بن سعيد الأنصاري ( عن محمد بن إبراهيم) بن الحرث التيمي ( عن علقمة بن وقاص) الليثي أنه ( قال: سمعت عمر) بن الخطاب ( -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراه) بضم الهمزة أي أظنه كذا في هامش اليونينية مخرجًا له بعد قوله -رضي الله عنه- بعطفة بالحمرة خفية وزاد في الفرع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( يقول) :
( الأعمال بالنية) بالإفراد على الأصل لاتحاد محلها الذي هو القلب وحذف وإنما والجمع المحلى بأل يفيد الاستغراق وهو مستلزم للحصر المثبت للحكم المذكور ونفيه عن غيره فلا عمل إلاّ بنية ( فمن كانت هجرته إلى دنيا) بغير تنوين ( يصيبها أو) إلى ( امرأة يتزوجها) نيّة وقصدًا ( فهجرته إلى ما هاجر إليه) من الدنيا والمرأة حكمًا وشرعًا أو هجرته إليهما قبيحة غير صحيحة أو غير مقبولة
فلا نصيب له في الآخرة، والذي دعاهم لهذا التقدير اتحاد الشرط والجزاء ولا بد من تغايرهما.

وأجاب بعضهم: بأنه إذا اتحد مثل ذلك يكون المراد به المبالغة في التحقير كهذه أو التعظيم كقوله: ( ومن كانت هجرته إلى) طاعة ( الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقطت التصلية لأبي ذر وأعاد المجرور ظاهرًا لا مضمرًا إذ لم يقل فهجرته إليهما لقصد الاستلذاذ بذكر الله ورسوله بخلاف الدنيا والمرأة فإن إبهامهما أولى.
وقد اشتهر أن سبب هذا الحديث قصة مهاجر أم قيس وأنه خطبها فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر فهاجر فتزوجها فكان يسمى مهاجر أم قيس.
رواه الطبراني في معجمه الكبير بإسناد رجاله ثقات.

ومباحث الحديث سبقت أول الكتاب والله المستعان.




[ قــ :370 ... غــ : 3899 ]
- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ الْمَكِّيِّ "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- كَانَ يَقُولُ: لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ".
[الحديث 3899 - أطرافه في: 4309، 4310، 4311] .

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( إسحاق بن يزيد) من الزيادة هو إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الأموي مولاهم الفراديسي ( الدمشقي) قال: ( حدّثنا يحيى بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي أبو عبد الرحمن قاضي دمشق ( قال: حدّثني) بالإفراد ( أبو عمرو) عبد الرحمن ( الأوزاعي عن عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ( ابن أبي لبابة) بضم اللام وفتح الموحدتين بينهما ألف مخففًا الأسدي الكوفي سكن الشام ( عن مجاهد بن جبر المكي أن عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( -رضي الله عنهما- كان يقول: لا هجرة بعد الفتح) .




[ قــ :371 ... غــ : 3900 ]
- قَالَ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ: وَحَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: زُرْتُ عَائِشَةَ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ، فَسَأَلْنَاهَا عَنِ الْهِجْرَةِ فَقَالَتْ: لاَ هِجْرَةَ الْيَوْمَ، كَانَ الْمُؤْمِنُونَ يَفِرُّ أَحَدُهُمْ بِدِينِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَخَافَةَ أَنْ يُفْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ الإِسْلاَمَ، وَالْيَوْمَ يَعْبُدُ رَبَّهُ حَيْثُ شَاءَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ".

( وحدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: قال يحيى بن حمزة وحدّثني ( الأوزاعي) عبد الرحمن ( عن عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء والموحدة أنه ( قال: زرت عائشة) -رضي الله عنها- وكانت مجاورة في جبل ثبير إذ ذاك ( مع عبيد بن عمير الليثي) بالمثلثة ( فسألناها) ولأبي ذر: وسألتها ( عن الهجرة فقالت: لا هجرة اليوم) أي بعد الفتح ( كان المؤمنون) قبل الفتح ( يفر أحدهم) من مكة ( بدينه إلى الله تعالى وإلى رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إلى المدينة وسقطت التصلية لأبي ذر ( مخافة أن يفتن عليه) أي على دينه فكانت واجبة لذلك ولتعلم الشرائع والأحكام وقتال الكفار ( فأما اليوم) بعد الفتح ( فقد أظهر الله الإسلام) وفشت الشرائع والأحكام ( واليوم) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني والمؤمن بدل قوله
واليوم ( يعبد ربه حيث شاء) فالحكم يدور مع علته.
قال الماوردي: إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار إسلام فالإقامة فيها أفضل من الرحلة لما يترجى من دخول غيره في الإسلام ( ولكن جهاد) في الكفار ( ونية) أي وثواب نيّة في الجهاد أو الهجرة نعم ما دام في الدنيا دار كفر فالهجرة منها واجبة على من أسلم وخاف أن يفتن فى دينه.




[ قــ :37 ... غــ : 3901 ]
- حَدَّثَنِي زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ هِشَامٌ: فَأَخْبَرَنِي أَبِي "عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ سَعْدًا قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَىَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ".

وَقَالَ أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ: "مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا نَبِيَّكَ وَأَخْرَجُوهُ مِنْ قُرَيْشٍ".

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( زكريا بن يحيى) البلخي قال: ( حدّثنا ابن نمير) عبد الله الهمداني ( قال هشام: فأخبرني) بالإفراد ( أبي) عروة ( عن عائشة -رضي الله عنها- أن سعدًا) بسكون العين ابن معاذ الأنصاري ( قال) : في قريش يوم بني قريظة وكان قد أصيب يوم الخندق في الأكحل ( اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إليّ أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر ( وأخرجوه) من مكة ( اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم) .

( وقال أبان بن يزيد) العطار ( حدّثنا هشام عن أبيه) عروة أنه قال: ( أخبرتني) بالإفراد ( عائشة) -رضي الله عنها- بالحديث المذكور وقال فيه: ( من قوم كذبوا نبيك وأخرجوه) كابن نمير.

وزاد ( من قريش) فأفصح بتعيين القوم وقريش هم المخرجون له عليه الصلاة والسلام لا بنو قريظة.
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في المقدمة: رواية أبان بن يزيد عن هشام لم أقف على من وصلها.




[ قــ :373 ... غــ : 390 ]
- حَدَّثَنِي مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا رَوْحٌ بن عُبادةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَمَكُثَ بِمَكَّةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُوحَى إِلَيْهِ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ".

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ولغير أبي ذر حدّثنا بالجمع ( مطر بن الفضل) المروزي قال:
( حدّثنا روح بن عبادة) بضم العين وتخفيف الموحدة وثبت ابن عبادة لأبي ذر قال: ( حدّثنا هشام) أي ابن حسان القهدوسي بضم القاف وسكون الهاء آخره سين مهملة قال: ( حدّثنا عكرمة) مولى ابن عباس ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الموحدة وكسر العين ( لأربعين سنة فمكث) بضم الكاف ( بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه) فيها منها مدة فترة
الوحي ومدة الرؤيا الصالحة ( ثم أمر بالهجرة) من مكة إلى المدينة ( فهاجر عشر سنين ومات) بها ( وهو ابن ثلاث وستين) سنة.
وثبت قوله سنة بعد قوله ثلاث عشرة للحموي والكشميهني.




[ قــ :374 ... غــ : 3903 ]
- حَدَّثَنِي مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ؛ وَتُوُفِّيَ وَهْوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ".

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( مطر بن الفضل) سقط ابن الفضل لأبي ذر قال: ( حدّثنا روح بن عبادة) وسقط لأبي ذر أيضًا ابن عبادة قال: ( حدّثنا زكريا بن إسحاق) المكي ثقة لكنه رمي بالقدر قال: ( حدّثنا عمرو بن دينار عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه ( قال مكث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمكة ثلاث عشرة) سنة من مجيء جبريل له بالوحي ( وتوفي) بالمدينة ( وهو ابن ثلاث وستين) سنة.




[ قــ :375 ... غــ : 3904 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عبد اللَّهِ عَنْ عُبَيْدٍ -يَعْنِي ابْنَ حُنَيْنٍ- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ.
فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ.

     وَقَالَ : فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا.
فَعَجِبْنَا لَهُ.
.

     وَقَالَ  النَّاسُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ، يُخْبِرُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، وَهْوَ يَقُولُ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ الْمُخَيَّرَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ أَعْلَمَنَا بِهِ.
.

     وَقَالَ  رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَىَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً مِنْ أُمَّتِي لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، إِلاَّ خُلَّةَ الإِسْلاَمِ، لاَ يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلاَّ خَوْخَةُ أَبِي بَكْرٍ».

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي ( قال: حدّثني) بالإفراد ( مالك) الإمام ( عن أبي النضر) بالضاد المعجمة اسلم بن أبي أمية ( مولى عمر بن عبيد الله) بضم العين التيمي المدني ( عن عبيد) بالتصغير من غير إضافة ( يعني ابن حنين) بضم الحاء المهملة وفتح النون مولى زيد بن الخطاب وسقط لفظ يعني لأبي ذر ( عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جلس على المنبر فقال) :
( إن عبدًا خيَّره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده) في الآخرة ( فاختار ما عنده) ( فبكى أبو بكر وقال: فديناك) يا رسول الله ( بآبائنا وأمهاتنا) قال أبو سعيد: ( فعجبنا له وقال الناس) : متعجبين من تفديته لأنهم لم يفهموا المناسبة بين الكلامين ( انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده وهو يقول:
فديناك بآبائنا وأمهاتنا فكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو المخير)
بفتح التحتية المشدّدة والنصب خبر كان ولفظ هو ضمير فصل، ولأبي ذر هو المخير بالرفع على أنه خبر المبتدأ الذي هو هو والجملة في موضع نصب خبر كان ( وكان أبو بكر هو أعلمنا به) .

( وقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن من أمن الناس عليّ) بتشديد الياء ( في صحبته وماله أبا بكر) بفتح الهمزة والميم وتشديد النون أي من أبذلهم وأسمحهم من منّ عليه منا لا من منّ منة إذ ليس لأحد أن يمتن على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو وارد مورد الإحماد، وإذا حمل على معنى الامتنان عاد ذمًا على صاحبه، لأن المنة تهدم الصنيعة، وأبا بكر بالنصب على ما لا يخفى ( ولو كنت متخذًا خليلاً من أمتي) أرجع إليه في المهمات وأعتمد عليه في الحاجات ( لاتخذت أبا بكر) خليلاً ولكن ملجئي واعتمادي في جميع الأحوال إلى الله تعالى ( إلا) بالتشديد ( خلة الإسلام) استدراك عن مضمون الجملة الشرطية وفحواها كأنه قال: ليس بيني وبينه خلة ولكن أخوة الإسلام نفى الخلة المنبئة عن الحاجة وأثبت الإخاء المقتضي للمساواة ( لا يبقين) بفتح التحتية وسكون الموحدة وفتح القاف والتحتية وتشديد النون ( في المسجد خوخة) بمعجمتين مفتوحتين بينهما واو ساكنة باب صغير وكانوا قد فتحوا أبوابًا في ديارهم إلى المسجد فأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسدها كلها ( إلا خوخة أبي بكر) تكريمًا له وتنبيهًا على أنه الخليفة بعده، أو المراد المجاز فهو كناية عن الخلافة وسد أبواب المقالة دون التطرق، ورجحه الطيبي محتجًّا بأنه لم يصح عنده أن أبا بكر -رضي الله عنه- كان له بيت بجنب المسجد وإنما كان منزله بالسنح من عوالي المدينة.

وهذا الحديث مرّ في كتاب الصلاة وغيره.




[ قــ :376 ... غــ : 3905 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: "لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلاَّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَرَفَىِ النَّهَارِ: بُكْرَةً وَعَشِيَّةً.
فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونُ، خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ حَتَّى بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ -وَهْوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ- فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي.
قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ وَلاَ يُخْرَجُ، إِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ.
فَأَنَا لَكَ جَارٌ.
ارْجِعْ وَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ.
فَرَجَعَ، وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلاَ يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلاً يَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ؟ فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَقَالُوا لاِبْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ فِيهَا وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ؛ وَلاَ يُؤْذِينَا بِذَلِكَ وَلاَ يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا.
فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لأَبِي بَكْرٍ،
فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ وَلاَ يَسْتَعْلِنُ بِصَلاَتِهِ وَلاَ يَقْرَأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ.
ثُمَّ بَدَا لأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَتْقَذَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ.
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلاً بَكَّاءً لاَ يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ؛ فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ فَأَعْلَنَ بِالصَّلاَةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَانْهَهُ؛ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلاَّ أَنْ يُعْلِنَ بِذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا بمُقِرِّينَ لأَبِي بَكْرٍ الاِسْتِعْلاَنَ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَاقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ وَإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَىَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لاَ أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْمُسْلِمِينَ: إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ، وَهُمَا الْحَرَّتَانِ.
فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ -وَهْوَ الْخَبَطُ- أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي الظَّهِيرَةِ قَالَ قَائِلٌ لأَبِي بَكْرٍ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتَقَنِّعًا -فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا- فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلاَّ أَمْرٌ.
قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي بَكْرٍ: أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نَعَمْ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَىَّ هَاتَيْنِ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بِالثَّمَنِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجَهَازِ، وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مَنْ نِطَاقِهَا فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقِ.
قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَكَمَنَا فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهْوَ غُلاَمٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ، فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلاَ يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ بِهِ إِلاَّ وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلاَمُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ يَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ -وَهْوَ
لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا- حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلاَثِ.
وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ، وَهْوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا -وَالْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ- قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهْوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاَثٍ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ".

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي ونسبه لجده ( قال: حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن عقيل) بضم العين ابن خالد أنه قال: ( قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( فأخبرني) بالتوحيد ( عروة بن الزبير -رضي الله عنه- أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنها ( قالت: لم أعقل أبوي) بكسر القاف وتشديد ياء أبوي أي أبا بكر وأم رومان ( قط إلاّ وهما يدينان الدين) بكسر الدال أي دين الإسلام ( ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طرفي النهار بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون) بأذى الكفار من قريش بحصرهم بني هاشم والمطلب في شعب أبي طالب وأذن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأصحابه في الهجرة إلى الحبشة ( خرج أبو بكر) -رضي الله عنه- حال كونه ( مهاجرًا نحو أرض الحبشة) ليلحق من سبقه من المسلمين ممن هاجر إليها ( حتى بلغ) ولأبي ذر: حتى إذا بلغ ( برك الغماد) بفتح الموحدة وسكون الراء بعدها كاف.
والغماد بكسر الغين المعجمة وتخفيف الميم وبعد الألف دال مهملة موضع على خمس ليال من مكة إلى جهة اليمن، ولأبي ذر برك بكسر الموحدة ( لقيه ابن الدغنة) بفتح الدال المهملة وكسر الغين المعجمة وتخفيف النون.
وقال الأصيلي: قرأه لنا المروزي بفتح الغين ولأبي ذر في اليونينية بضم الدال، وله أيضًا فيها ابن الدغنة بضم الدال والغين وتشديد النون ونسبت هذه لكن بزيادة أداة التعريف لأهل اللغة والأولى للرواة وهو اسم أمه، واسمه الحرث بن يزيد كما عند البلاذري من طريق الواقدي عن معمر عن الزهري وليس هو ربيعة بن رفيع، ووهم الكرماني قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله.
( وهو سيد القارة) بالقاف وتخفيف الراء قبيلة مشهورة من بني الهون بالضم والتخفيف ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر ( فقال) له: ( أين تريد يا أبا بكر؟ فقال) له ( أبو بكر أخرجني قومي) أي تسببوا في إخراجي قريش ( فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي) بهمزة مفتوحة فسين مكسورة وحاء مهملتين بينهما تحتية ساكنة ولم يذكر له وجه مقصده لأنه كان كافرًا ( فقال) له: ( ابن الدغنة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج) بفتح أوله وضم ثالثه من الخزرج ( ولا يخرج) بضم ثم فتح من الإخراج ( إنك) وللمستملي والكشميهني أنت ( تكسب المعدوم) بفتح تاء تكسب أي تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك، ولأبي ذر: عن الكشميهني المعدم بضم الميم وكسر الدال من غير واو ( وتصل الرحم) أي القرابة ( وتحمل الكل) بفتح الكاف وتشديد اللام الذي لا يستقل بأمره أو الثقل ( وتقري الضيف) بفتح الفوقية من الثلاثي ( وتعين على نوائب الحق) أي حوادثه فوصفه
بمثل ما وصفت خديجة -رضي الله عنها- به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يدل على اشتهار أبي بكر -رضي الله عنه- بالصفات المبالغة أنواع الكمال ( فأنا لك جار) أي مجير أمنع من يؤذيك ( ارجع) ولأبي ذر فارجع ( واعبد ربك ببلدك) مكة ( فرجع) أبو بكر -رضي الله عنه- ( وارتحل معه ابن الدغنة) إلى مكة ( فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله) من وطنه باختياره على نيّة الإقامة مع ما فيه من النفع المتعدي لأهل بلده ( ولا يخرج) بضم أوله وفتح ثالثه لا يخرجه أحد بغير اختياره لما ذكر ( أتخرجون رجلاً) استفهام إنكاري ( يكسب المعدوم) وللكشميهني المعدم ( ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة) بكسر الجيم أي لم ترد عليه قوله في جوار أبي بكر -رضي الله عنه- فأطلق التكذيب وأراد لازمه لأن كل من كذبك فقد ردّ قولك ( وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر فليعبد) عطف على محذوف تقديره: مر أبا بكر لا يتعرض إلى شيء وليعبد من جاء له فليعبد ( ربه في داره فليصل فيها وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك) الذي يقرأه ويتعبد به ( ولا يستعلن به) بل يخفيه ( فإنا نخشى أن يفتن) بكسر التاء بذلك ( نساءنا وأبناءنا فقال ذلك) القول الذي قالوه ( ابن الدغنة لأبي بكر فلبث أبو بكر بذلك) أي مكث على ما شرطوا عليه ( يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ولم يقع لي قدر زمان المدة التي أقام فيها أبو بكر -رضي الله عنه- على ذلك ( ثم بدا لأبي بكر) -رضي الله عنه- أي ظهر له رأي غير الرأي الأول ( فابتنى مسجدًا بفناء داره) بكسر الفاء والمد أي أمامها ( وكان يصل فيه ويقرأ القرآن) كله أو بعضه ( فيتقذف) بتحتية مفتوحة فنون ساكنة فقاف مفتوحة فذال معجمة مكسورة بعدها فاء كذا للمروزي والمستملي وعند غيرهما من شيوخ أبي ذر فيتقذف بالتاء الفوقية بدل النون وتشديد المعجمة المفتوحة بوزن يتفعل أي يتدافعون على أبي بكر -رضي الله عنه- فيقذف بعضهم بعضًا فيتساقطون عليه، ويروى فيتقصف بالصاد المهملة أي يزدحمون عليه حتى يسقط بعضهم على بعض فيكاد ينكسر.
قال الخطابي: وهو المحفوظ، وللكشميهني كما في الفتح وعزاها في اليونينية للجرجاني فيتقصف بنون ساكنة بدل الفوقية وكسر الصاد أي يسقط ( عليه نساء المشركين وأبناؤهم وهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلاً بكاء) بتشديد الكاف كثير البكاء - رضي الله تعالى عنه - ( لا يملك عينيه) من رقة قلبه ( إذا قرأ القرآن) إذا ظرفية والعامل فيه لا يملك أو شرطية والجزاء مقدر أي إذا قرأ القرآن لا يملك عينيه ( فأفزع ذلك) أي أخاف ما فعله أبو بكر من صلاته وقراءته ( أشراف قريش من المشركين) على نسائهم وأبنائهم أن يميلوا إلى الإسلام لما يعلمون من رقة قلوبهم ( فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم) أي على أشراف قريش من المشركين، ولأبي ذر عن الكشميهني: فقدم عليه أي على أبي بكر -رضي الله عنه- ( فقالوا) : أي كفار قريش ( إنا كنا أجرنا) بهمزة مقصورة فجيم فراء مهملة ( أبا بكر بجوارك) أي بسبب جوارك، وللقابسي أجزنا بالزاي أي أبحنا.
قال في الفتح: والأول أوجه ( على أن يعبد ربه في داره فقد جاوز ذلك فابتنى مسجدًا بفناء داره فأعلن بالصلاة والقراءة
فيه وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا)
بفتح التحتية وكسر الفوقية ونصب التالي على المفعولية ولغير أبي ذر: يفتن بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول فالتالي رفع ( فاتهمه) بهمزة وصل عن ذلك ( فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى) امتنع ( إلا أن يعلن بذلك فسله) بفتح السين وسكون اللام من غير همز ( أن يرد إليك ذمتك) أي أمانك له ( فإنا قد كرهنا أن نخفرك) بضم النون وسكون الخاء المعجمة وكسر الفاء رباعي من الإخفار أي ننقض عهدك ( ولسنا مقرين) ولأبي ذر بمقرين ( لأبي بكر الاستعلان) خوفًا على نسائنا وأبنائنا.

( قالت عائشة) : -رضي الله عنها- بالسند السابق ( فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر) -رضي الله عنه- ( فقال) له: ( قد علمت الذي عاقدت لك عليه) بتاء المتكلم ( فإما أن تقتصر على ذلك) الذي عاقدت لك عليه ( وإما أن ترجع إليّ) بتشديد الياء ( ذمتي) عهدي ( فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت) بضم أوله وكسر ثالثه ( في رجل عقدت له فقال أبو بكر: فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله عز وجل) أي بحمايته ( والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومئذ بمكة) جملة حالية ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للمسلمين) :
( إني أريت) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول ( دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين) تثنية لابة بتخفيف الموحدة قال الزهري: ( وهما الحرتان) بالحاء المهملة وتشديد الراء حجارة سود ( فهاجر من هاجر قبل المدينة) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهتها ( ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهتها ( ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة) لما سمعوا استيطان المسلمين بها ( وتجهز أبو بكر) -رضي الله عنه- ( قبل المدينة) أي يريد جهة المدينة ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على رسلك) بكسر الراء وسكون السين المهملة على مهلك ولابن حبان فقال: اصبر ( فإني أرجو أن يؤذن لي) في الهجرة ( فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك؟) أي الإذن ( بأبي أنت) زاد الكشميهني وأمي ( قال) عليه الصلاة والسلام ( نعم) أرجوه ( فحبس) أي منع ( أبو بكر نفسه) من الهجرة ( على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لأجله ( ليصحبه) في الهجرة ( وعلف) أبو بكر -رضي الله عنه- ( راحلتين) تثنية راحلة من الإبل القوي على السير وحمل الأثقال ( كانتا عنده ورق السمر) بفتح السين المهملة وضم الميم.
قال الزهري ( وهو الخبط) بفتح الخاء المعجمة والموحدة ما يخبط بالعصا فيسقط من ورق الشجر ( أربعة أشهر) .

( قال ابن شهاب) الزهرى بالسند السابق ( قال عروة) بن الزبير ( قالت عائشة) -رضي الله عنها- ( فبينما) بالميم ( نحن يومًا جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة) أول الزوال عند شدة الحر ( قال قائل) : قال في المقدمة: يحتمل أن يفسر بعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، وفي الطبراني أن قائل ذلك أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- ( لأبي بكر هذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه ( متقنعًا) أي مغطيًا رأسه ( في ساعة لم يكن يأتينا فيها.
فقال أبو بكر: فداء)
بكسر الفاء وبالهمزة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فدى بالقصر من غير همز ( له أبي وأمي والله ما جاء به في هذه الساعة إلا
أمر)
حدث ( قالت) عائشة -رضي الله عنها-: ( فجاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستأذن) في الدخول ( فأذن له) أبو بكر -رضي الله عنه- ( فدخل فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي بكر) :
( أخرج من عندك) بهمزة قطع مفتوحة وكسر الراء ( فقال أبو بكر: إنما هم أهلك) يريد عائشة وأمها ( بأبي أنت يا رسول الله.
قال)
عليه الصلاة والسلام ( فإني) ولأبي ذر عن الكشميهني: فإنه ( قد أذن لي في الخروج) بضم الهمزة وكسر الذال المعجمة أي إلى المدينة ( فقال أبو بكر) : أريد ( الصحابة) وبالرفع خبر مبتدأ محذوف ( بأبي أنت يا رسول الله.
قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نعم)
الصحبة التي تطلبها ( قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين.
قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بالثمن)
أي لا آخذ إلا بالثمن، وعند الواقدي أن الثمن كان ثمانمائة وأن الراحلة هي القصواء وأنها كانت من بني قشير، وعند ابن إسحاق أنها الجدعاء ( قالت عائشة) -رضي الله عنها- ( فجهزناهما أحث الجهاز) بالحاء المهملة والمثلثة أفعل تفضيل من الحث أي أسرعه، ولأبي ذر عن الكشميهني والحموي أحب بالموحدة والجهاز بفتح الجيم وكسرها ما يحتاج إليه في السفر ونحوه ( وصنعنا لهما سفرة) أي زادًا ( في جراب) بكسر الجيم، وعن الواقدي أنه كان في السفر شاة مطبوخة ( فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها) بكسر النون ما يشد به الوسط ( فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاق) بالإفراد، ولأبي ذر عن الكشميهني النطاقين بالتثنية والمحفوظ أنها شقت نطاقها نصفين فشدت بأحدهما الزاد وشدت فم القربة بالآخر فسميت ذات النطاقين.

( قالت) عائشة -رضي الله عنها-: ( ثم لحق) بكسر الحاء ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر بغار) بالتنوين ( في جبل ثور) بالمثلثة المفتوحة وكان خروجهما من مكة يوم الخميس ( فكمنا) بفتحات ( فيه ثلاث ليال) وخرجا منه يوم الاثنين ( يبيت) في الغار ( عندهما عبد الله بن أبي بكر) الصديق -رضي الله عنهما- ( وهو غلام شاب ثقف) بفتح المثلثة وكسر القاف وتسكن وتفتح بعدها فاء حاذق ( لقن) بلام مفتوحة وبقاف مكسورة فنون سريع الفهم ( فيدلج) بضم الياء وسكون الدال؛ ولأبي ذر فيدلج بتشديد الدال يخرج ( من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت) بها لشدة رجوعه بغلس ( فلا يسمع أمرًا يكتادان به) بضم التحتية وفوقية بعد الكاف يفتعلان من الكيد مبني للمفعول أي يطلب لهما ما فيه المكروه، ولأبي ذر عن الكشميهني يكادان بحذف الفوقية ( إلا وعاه) حفظه ( حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى) أي يحفظ ( عليهما عامر بن فهيرة) بضم الفاء مصغرًا ( مولى أبي بكر) الصديق -رضي الله عنه- ( منحة) بكسر الميم وسكون النون وفتح المهملة شاة تحلب إناء بالغداة وإناء بالعشي ( من غنم) كانت لأبي بكر -رضي الله عنه- ( فيريحها) أي الشاة أو الغنم ( عليهما حين تذهب ساعة من العشاء) كل ليلة فيحلبان ويشربان ( فيبيتان في رسل) بكسر الراء وسكون المهملة ( وهو لبن منحتهما) الطري ( ورضيفهما) بفتح الراء وكسر الضاد المعجمة بعدها تحتية ساكنة ففاء مكسورة مجرور عطفًا على المضاف إليه ومرفوع عطفًا على قوله: وهو لبن وهو الموضوع فيه الحجارة المحماة لتذهب وخامته وثقله ( حتى ينعق بها) بفتح أوله وكسر ثالثه المهمل أي يصيح بالغنم ويزجرها، ولأبي ذر: بهما بالتثنية أي يسمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
والصدّيق -رضي الله عنه- صوته إذا زجر غنمه ( عامر بن فهيرة بغلس) هو ظلام آخر الليل وسقط ابن فهيرة لأبي ذر.
( يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث) التي أقامها فيها بالغار، وعند ابن عائذ من حديث ابن عباس فيصبح في رعيان الناس كبائت فلا يفطن له.

( واستأجر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر رجلاً) هو عبد الله بن أريقط بالقاف والطاء مصغرًا ( من بني الديل) بكسر الدال المهملة وسكون التحتية بعدها لام ( وهو) أي الرجل الذي استؤجر ( من بني عبد بن عدي) أي ابن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وقيل من بني عدي بن عمرو ( هاديًا) يهديهما إلى الطريق ( خريتًا) بكسر الخاء المعجمة والراء المشددة بعدها تحتية ساكنة ففوقية ونصبهما صفة لرجلاً.
قال الزهري: ( والخريت) هو ( الماهر بالهداية) حال كونه أي الرجل الذي استؤجر ( قد غمس) بغين معجمة فميم فسين مهملة مفتوحات ( حلفًا) بكسر الحاء المهملة وبعد اللام الساكنة فاء ( في آل العاص بن وائل السهمي) بفتح السين المهملة وسكون الهاء يعني أنه حليف لهم وآخذ بنصيب من عقدهم، وكانوا إذا تحالفوا غمسوا أيديهم في دم أو خلوق أو شيء يكون فيه تلوين فيكون ذلك تأكيدًا للحلف ( وهو) أي الرجل الذي استأجراه ( على دين كفار قريش فأمناه) بفتح الهمزة المقصورة وكسر الميم أي ائتمناه ( فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال) فأتاهما ( براحلتيهما صبح ثلاث وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل) عبد الله بن أريقط ( فأخد بهم طريق السواحل) بالسين والحاء المهملتين بينهما واو فألف أسفل من عسفان.




[ قــ :376 ... غــ : 3906 ]
- قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ -وَهْوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ- أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ: "جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لمنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ.
قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلاَنًا وَفُلاَنًا انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا.
ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي -وَهْيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ- فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ فَحَطَطْتُ بِزُجِّهِ الأَرْضَ، وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ، حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَرَفَعْتُهَا تُقَرَّبُ بِي، حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ، فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَى كِنَانَتِي فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الأَزْلاَمَ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا: أَضُرُّهُمْ أَمْ لاَ؟ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي -وَعَصَيْتُ الأَزْلاَمَ- تُقَرِّبُ بِي، حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ لاَ يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الاِلْتِفَاتَ، سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ.
فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا، فَنَهَضَتْ فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ،
فَاسْتَقْسَمْتُ بِالأَزْلاَمِ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ.
فَنَادَيْتُهُمْ بِالأَمَانِ، فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ.
وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ.
وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمِ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَآنِي، وَلَمْ يَسْأَلاَنِي إِلاَّ أَنْ قَالَ: أَخْفِ عَنَّا.
فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ آدمٍ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقِيَ الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا تِجَارًا قَافِلِينَ مِنَ الشَّأْمِ، فَكَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ.
وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَكَّةَ، فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ فَيَنْتَظِرُونَهُ، حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ، فَانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ، فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ لأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ، فَلَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعَاشِرَ الْعَرَبِ هَذَا جَدُّكُمُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ.
فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السِّلاَحِ، فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَامِتًا، فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الأَنْصَارِ -مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-- يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ، حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ ذَلِكَ؛ فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَأُسِّسَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ، حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ، وَهْوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ: هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَنْزِلُ.
ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْغُلاَمَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالاَ: لاَ، بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُمَا هِبةً حتى ابتاعَهُ منهما، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا، وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْقُلُ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ وَيَقُولُ -وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ:
هَذَا الْحِمَالُ لاَ حِمَالَ خَيْبَرْ ... هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ
وَيَقُولُ:
اللَّهُمَّ إِنَّ الأَجْرَ أَجْرُ الآخِرَهْ ... فَارْحَمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ
فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي.

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا -فِي الأَحَادِيثِ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرِ هَذِهِ الأَبْيَاتِ.

( وقال ابن شهاب) الزهري بالسند المذكور ( وأخبرني) بالإفراد ( عبد الرحمن بن مالك المدلجي) بضم الميم وسكون الدال وكسر اللام والجيم وتشديد التحتية ( وهو ابن أخي سراقة بن مالك بن جعشم) بضم الجيم والشين المعجمة بينهما عين مهملة ساكنة، وسقط لأبي ذر ابن مالك كذا في الفرع كأصله، وقال في فتح الباري: وتبعه العيني قوله ابن أخي سراقة بن جعشم في رواية أبي ذر ابن أخي سراقة بن مالك بن جعشم ( أن أباه) مالكًا ( أخبره أنه سمع سراقة بن جعشم) نسبه لجده ( يقول: جاءنا رسول) بالإفراد في رسول فى الفرع وفي اليونينية رسل بضم الراء والسين بلفظ الجمع ( كفار قريش يجعلون في رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) في ( أبي بكر دية) أي مائة ناقة ( كل واحد منهما من قتله) ولأبي ذر: لمن قتله ( أو أسره فبينما) بالميم ( أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج أقبل) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: إذ أقبل ( رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال: يا سراقة إني قد رأيت آنفًا) بمدّ الهمزة وكسر النون الآن ( أسودة) بكسر الواو بعد المهملة الساكنة أشخاصًا ( بالساحل أراها) بضم الهمزة أظنها ( محمدًا وأصحابه.
قال سراقة: فعرفت أنهم هم فقلت له: إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلانًا وفلانًا)
لم أعرف اسمهما ( انطلقوا) بفتح اللام ( بأعيننا) أي في نظرنا معاينة يبتغون ضالة لهم ( ثم لبثت في المجلس ساعة ثم قمت فدخلت) منزلي ( فأمرت جاريتي) لم يعرف ابن حجر اسمها ( أن تخرج بفرسي) وزاد موسى بن عقبة ثم أخذت قداحي بكسر القاف أي الأزلام فاستقسمت بها فخرج الذي أكره لا تضره وكنت أرجو أن أرده وآخذ المائة ناقة ( وهي من وراء أكمة) رابية مرتفعة ( فتحبسها عليّ) بتشديد التحتية ( وأخدت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فخططت) بالمهملات ( بزجه الأرض) بضم الزاي والجيم المشددة المكسورة الحديد الذي في أسفل الرمح أي أمكنت أسفله، ولأبي ذر عن الكشميهني: فخططت بالخاء المعجمة أي خفضت أعلاه وجررت بزجه على الأرض فخطها به من غير قصد لخطها لكي لا يظهر الرمح وإن أمسك زجه ونصبه ( وخفضت عاليه) لئلا يظهر بريقه لمن بعد منه فينذر به وينكشف أمره لأنه كره أن يتبعه أحد فيشركه في الجعالة ( حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها) بالراه ولأبي ذر فرفعتها بتشديد الفاء أسرعت بها السير ( تقرب) بتشديد الراء مفتوحة أو مكسورة ( بي) فرسي ضرب من الإسراع.
قال الأصمعي: والتقريب أن ترفع يديها معًا وتضعهما معًا ( حتى دنوت منهم فعثرت) بالفاء والمثلثة، ولأبي ذر: وعثرت ( بي فرسي فخررت) بالخاء المعجمة سقطت ( عنها) عن فرسي ( فقمت فأهويت يدي) أي بسطتها ( إلى كنانتي) كيس السهام ( فاستخرجت منها الأزلام) جمع زلم بفتح الزاي واللام أقلام كانوا يكتبون على بعضها نعم وعلى بعضها لا، وكانوا إذا أرادوا أمرًا استقسموا بها فإذا خرج السهم الذي عليه نعم خرجوا،
وإذا خرج الآخر لم يخرجوا ومعنى الاستقسام معرفة قسم الخير والشر ( فاستقسمت) بالفاء، ولأبي ذر: واستقسمت بالواو ( بها أضرهم أم لا) طلبت معرفة النفع والضرّ بالأزلام أي التفاؤل ( فخرج الذي أكره) لا تضرهم ( فركبت فرسي وعصيت الأزلام) الواو للحال أي فلم ألتفت إلى ما خرج من الذي أكره ( تقرب بي) فرسي ( حتى إذا سمعت قراءة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو لا يلتفت وأبو بكر) -رضي الله عنه- ( يكثر الالتفات ساخت) بالسين المهملة والخاء المعجمة أي غاصت ( يدا فرسي في الأرض) .
زاد الطبراني عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- لمنخريها ( حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها) على القيام ( فنهضت فلم تكد تخرج يديها) بضم أوله من أخرج من الأرض ( فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان) بالعين المهملة المضمومة فمثلثة مفتوحة وبعد الألف نون دخان من غير نار وهو مبتدأ خبره قوله لأثر يديها مقدمًا، ولأبي ذر عن الكشميهني: غبار بالمعجمة والموحدة آخره راء ( ساطع) منتشر ( في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره) لا تضرهم ( فناديتهم بالأمان) وعند ابن إسحاق: فناديت القوم أنا سراقة بن مالك بن جعشم انظروني أكلمكم فوالله لا يأتيكم مني شيء تكرهونه ( فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت له إن قومك) قريشًا ( قد جعلوا فيك الدّية) يدفعونها لمن يقتلك أو يأسرك ( وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس) قريش ( بهم) من الحرص على الظفر بهم وغير ذلك ( وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني) لم ينقصاني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر شيئًا ( ولم يسألاني) شيئًا مما معي ( إلا أن قال) : لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( أخف عنا) بفتح الهمزة وسكون المعجمة بعدها فاء أمر من الإخفاء.
قال سراقة: ( فسألته) عليه الصلاة والسلام ( أن يكتب لي كتاب أمن) بسكون الميم ( فأمر) عليه الصلاة والسلام ( عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أديم) بكسر الدال المهملة بعدها تحتية وفي نسخة من أدم بفتح الدال وحذف التحتية جلد مدبوغ زاد ابن إسحاق فأخذته فجعلته في كنانتي ثم رجعت ( ثم مضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ومن معه إلى جهة مقصده.

( قال ابن شهاب) الزهري بالسند السابق ( فأخبرني) بالإفراد ( عروة بن الزبير) بن العوّام ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقي الزبير في ركب المسلمين كانوا تجارًا) بكسر التاء وتخفيف الجيم حال كونهم ( قافلين) راجعين ( من الشام فكسا الزبير رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبا بكر ثياب بياض) وقول الدمياطي: إن الذي كسا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبا بكر إنما هو طلحة بن عبيد الله وكان جائيًا من الشام في عير متمسكًا في ذلك بأن أهل السير لم يذكروا أن الزبير لقي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في طريق الهجرة وإنما هو طلحة بن عبيد الله ليس فيه دلالة على ذلك فالأولى الجمع بينهما وإلا فما في الصحيح أصح لا سيما والرواية التي فيها طلحة من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة والتي في الصحيح من طريق عقيل عن الزهري عن عروة، وعند ابن أبي شيبة من طريق هشام بن عروة عن أبيه نحو رواية أبي الأسود فتعين تصحيح القولين وحينئذٍ فيكون كل من الزبير وطلحة كساهما.

( وسمع المسلمون بالمدينة مخرج) ولأبي ذر بمخرج ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مكة فكانوا يغدون) بسكون الغين المعجمة يخرجون ( كل غداة إلى الحرة) بالحاء المهملة المفتوحة وتشديد الراء ( فينتظرونه حتى يردهم حرّ الظهيرة فانقلبوا) رجعوا ( يومًا بعد ما أطالوا انتظارهم) له عليه الصلاة والسلام ( فلما أووا إلى بيوتهم أوفى) بفتح الهمزة وسكون الواو وفتح الفاء أي طلع ( رجل من يهود) لم يسم ( على أطم) بضم الهمزة والطاء المهملة حصن ( من آطامهم لأمر ينظر إليه فبصر) بفتح الموحدة وضم المهملة ( برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه) حال كونهم ( مبيضين) بفتح الموحدة والتحتية المشددة بعدها ضاد معجمة عليهم الثياب البيض.
قال السفاقسي: ويحتمل أن يريد متعجلين قال ابن فارس: يقال بائض أي متعجل ويدل عليه قوله ( يزول بهم السراب) المرئي في شدة الحر كأنه ماء حتى إذا جئته لم تجده شيئًا كما قال الله تعالى ( فلم يملك اليهودي) نفسه ( أن قال بأعلى صوته: يا معاشر العرب) بألف بعد العين، ولأبي ذر: يا معشر بحذف الألف وسكون العين ( هذا جدّكم) بفتح الجيم وتشديد الدال المهملة أي حظكم وصاحب دولتكم ( الذي تنتظرون) السعادة بمجيئه ( فثار المسلمون) بالمثلثة ( إلى السلاح فتلقوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بظهر الحرة) الأرض التي عليها الحجارة السود ( فعدل بهم) بتخفيف الدال ( ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف) بفتح العين وسكون الميم أي ابن مالك بن الأوس ومنازلهم بقباء ( وذلك) وفي رواية وكان ( يوم الاثنين من شهر ربيع الأول) أوّله أو لليلتين خلتا منه أو لاثنتي عشرة ليلة خلت منه أو لثلاث عشرة خلت منه ( فقام أبو بكر للناس) يتلقاهم ( وجلس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صامتًا) ساكتًا ( فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحيي أبا بكر) أي يسلم عليه يظنه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( حتى أصابت الشمس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأقبل أبو بكر) - رضي الله تعالى عنه - ( حتى ظلل عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( بردائه فعرف الناس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند ذلك) وعند موسى بن عقبة فطفق من جاء من الأنصار ممن لم يكن رآه يحسبه أبا بكر -رضي الله عنه- حتى إذا أصابته الشمس أقبل أبو بكر -رضي الله عنه- بشيء يظله ( فلبث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجد الذي أسس على التقوى) وهو مسجد قباء ( وصلّى فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أيام مقامه بقباء ( ثم ركب راحلته) من قباء يوم الجمعة فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف ( فسار يمشي معه الناس) ولأبي ذر عن الكشميهني: مع الناس ( حتى بركت) راحلته ( عند مسجد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة) وعند سعيد بن منصور حتى استناخت عند موضع المنبر من المسجد ( وهو يصلّي فيه يومئذٍ رجال من المسلمين وكان) موضع المسجد ( مربدًا) بكسر الميم وفتح الموحدة بينهما واء ساكنة ( للتمر) يجفف فيه ( لسهيل) بالتصغير ( وسهل) ابني رافع بن عمرو ( غلامين يتيمين في حجر أسعد) بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم ولأبي ذر سعد ( بن زرارة) وكان أسعد -رضي الله عنه- من السابقين إلى الإسلام من الأنصار وأما أخوه سعد فتأخر إسلامه ( فقال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين بركت به راحلته) :
( هذا إن شاء الله المنزل) ( ثم دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الغلامين فسامهما بالمربد ليتخذه مسجدًا فقالا: لا بل نهبه لك يا رسول الله فأبى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما) أي
اشتراه، وثبت قوله فأبى إلى آخره في رواية أبي ذر ( ثم بناه مسجدًا وطفق) بكسر الفاء ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينقل معهم اللبن) بفتح اللام وكسر الموحدة الطوب النيء ( في بنيانه ويقول) : وهو ينقل اللبن ( هذا الحمال) بكسر الحاء المهملة وفتح الميم مخففة ولأبي ذر هذا الحمال بفتح الحاء المهملة أي هذا المحمول من اللبن أبر عند الله وأطهر عند الله ( لا حمال) بكسر الحاء المهملة ولأبي ذر: لا حمال بفتحها ( خيبر) الذي يحمل منها من التمر والزبيب ونحوهما الذي يغتبط به حاملوه.

قال القاضي عياض -رحمه الله تعالى-: وقد رواه المستملي جمال بالجيم المفتوحة قال: وله وجه والأول أظهر ( هذا أبر) أي أبقى ذخزًا عند الله عز وجل وأكثر ثوابًا وأدوم نفعًا يا ( ربنا وأطهر) بالطاء المهملة أي أشد طهارة من حمال خيبر ( ويقول) : ( اللهم إن الأجر أجر الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة) بكسر الجيم ( فتمثل) عليه الصلاة والسلام ( بشعر رجل من المسلمين لم يسم لي) هو عبد الله بن رواحة.

( قال: ابن شهاب) الزهري ( ولم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تمثل ببيت شعر تام غير هذا البيت) ولأبي ذر غير هذه الأبيات أي السابقة قال في التنقيح: قد أنكر على الزهري ذلك من وجهين.
أحدهما: أنه رجز وليس بشعر ولذا يقال لصاحبه راجز لا شاعر، وثانيهما: أنه ليس بموزون اهـ.

وتعقبه في المصابيح بأن بين الوجهين تنافيًا لأن الأول يقتضي تسليم كون الكل موزونًا ضرورة أنه جعله رجزًا ولا بدّ فيه من وزن خاص سواء قلنا هو شعر أم لا والثاني مصرح بنفي الوزن ولقائل أن يمنع كون الرجز غير شعر وكون قائله غير شاعر وهو الصحيح عند العروضيين.

سلمنا أن الرجز ليس شعرًا لكنا لا نسلم أن قوله:
هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبر ربنا وأطهر
من شعر الرجز، وإنما هو من مشطور السريع دخله الكسف والخبن، وأما قوله ليس بموزون فإنما يتم في قوله أن الأجر أجر الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة اهـ.
والممنوع عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنشاء الشعر لا إنشاده.

وهذا الحديث أخرجه في مواضع مختصرًا وبتمامه هنا فقط.