فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} [الإسراء: 110]

باب: { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110]
هذا ( باب) بالتنوين في قوله تعالى: ( { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} ) [الإسراء: 110] سقط لفظ باب لغير أبي ذر.


[ قــ :4466 ... غــ : 4722 ]
- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ كَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ فَإِذَا سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ} أَيْ بِقِرَاءَتِكَ فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ { وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} عَنْ أَصْحَابِكَ فَلاَ تُسْمِعُهُمْ { وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} .
[الحديث 4722 - أطرافه في: 7490، 7525، 7547] .

وبه قال: ( حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي قال: ( حدّثنا هشيم) بضم الهاء مصغرًا ابن بشير مصغر بشر الواسطي قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا ( أبو بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية الواسطي ( عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه قال: ( في قوله تعالى: { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} قال: نزلت ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مختف بمكة) يعني في أوّل الإسلام ولأبي ذر عن الحموي والمستملي مختفي بإثبات التحتية بعد الفاء ( كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع) ولأبي ذر سمعه ( المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله تعالى) ولأبي ذر عز وجل ( لنبيه) محمد ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: { ولا تجهر بصلاتك} أي بقراءتك) أي بقراءة صلاتك فهو على حذف المضاف ( فيسمع المشركون فيسبوا القرآن) وللطبري
من وجه آخر عن سعيد بن جبير فقالوا له أي المشركون لا تجهر فتؤذي آلهتنا فنهجو إلهك ( { ولا تخافت} ) لا تخفض صوتك ( بها عن أصحابك فلا تسمعهم) وإنما حذف المضاف لأنه لا يلبس من قبل أن الجهر والمخافتة صفتان تعتقبان على الصوت لا غير والصلاة أفعال وأذكار ( { وابتغ بين ذلك} ) الجهر والمخافتة ( { سبيلًا} ) وسطًا.




[ قــ :4467 ... غــ : 473 ]
- حَدَّثَنِا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: أُنْزِلَ ذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ.
[الحديث 473 - أطرافه في: 637، 756] .

وبه قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر حدثني بالإفراد (طلق بن غنام) بفتح الطاء المهملة وسكون اللام ثم قاف وغنام بالغين المعجمة والنون المشدّدة وبعد الألف ميم أبو محمد النخعي الكوفي قال: (حدّثنا زائدة) بن قدامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: أنزل ذلك) أي قوله ولا تجهر الخ (في الدعاء) من باب إطلاق الكل على الجزء إذ الدعاء من بعض أجزاء الصلاة.
وأخرج الطبري وابن خزيمة والحاكم من طريق حفص بن غياث عن هشام الحديث وزاد فيه في التشهد وهو مخصص لحديث عائشة إذ ظاهره أعم من أن يكون داخل الصلاة وخارجها.
وعند ابن مردويه من حديث أبي هريرة كان رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا صلى عند البيت رفع صوته بالدعاء فنزلت أو مراده معناها اللغوي على ما لا يخفى.

وهذا الحديث من أفراده.


[18] - سورة الْكَهْفِ
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ {تَقْرِضُهُمْ} تَتْرُكُهُمْ {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ،.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ: جَمَاعَةُ الثَّمَرِ {بَاخِعٌ} مُهْلِكٌ {أَسَفًا} نَدَمًا {الْكَهْفُ} الْفَتْحُ فِي الْجَبَلِ، {وَالرَّقِيمُ} الْكِتَابُ: مَرْقُومٌ مَكْتُوبٌ مِنَ الرَّقْمِ {رَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} أَلْهَمْنَاهُمْ صَبْرًا.
{لَوْلاَ أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا}: {شَطَطًا} إِفْرَاطًا {الْوَصِيدُ} الْفِنَاءُ، جَمْعُهُ وَصَائِدُ وَوُصُدٌ وَيُقَالُ الْوَصِيدُ الْبَابُ، مُؤْصَدَةٌ مُطْبَقَةٌ آصَدَ الْبَابَ وَأَوْصَدَ {بَعَثْنَاهُمْ} أَحْيَيْنَاهُمْ.
أَزْكَى: أَكْثَرُ وَيُقَالُ أَحَلُّ وَيُقَالُ أَكْثَرُ رَيْعًا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أُكْلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ} لَمْ تَنْقُصْ،.

     وَقَالَ  سَعِيدٌ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {الرَّقِيمُ} اللَّوْحُ مِنْ رَصَاصٍ كَتَبَ عَامِلُهُمْ أَسْمَاءَهُمْ ثُمَّ طَرَحَهُ فِي خِزَانَتِهِ {فَضَرَبَ اللَّهُ عَلَى آذَانِهِمْ} فَنَامُوا.
.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ وَأَلَتْ تَئِلُ تَنْجُو.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ: مَوْئِلًا: مَحْرِزًا {لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} لاَ يَعْقِلُونَ.


[18] - سورة الْكَهْفِ
مكية قيل إلا قوله: {واصبر نفسك} الآية وهي مائة وإحدى عشرة آية.

(بسم الله الرحمن الرحيم).
قال الحافظ ابن حجر ثبتت البسملة لجر أبي ذر اهـ.
أي وسقطت له والذي رأيته في الفرع كأصله ثبوتها له فقط مصححًا على علامته فالله أعلم.

(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({تقرضهم}) أي (تتركهم) وروى عبد الرزاق عن قتادة نحوه، وقول مجاهد هذا ساقط عند أبي ذر.

({وكان له ثمر}) بضم المثلثة قال مجاهد فيما وصله الفريابي أي (ذهب وفضة) وعن مجاهد أيضًا ما كان في القرآن ثمر بالضم فهو المال وما كان بالفتح فهو النبات وقال ابن عباس بالضم جميع المال من الذهب والفضة والحيوان وغير ذلك قال النابغة:
مهلًا فداء لك الأقوام كلهم ... وما أثمر من مال ومن ولد
(وقال غيره) غير مجاهد الثمر بالضم (جماعة الثمر) بالفتح.

({باخع}) في قوله تعالى: {لعلك باخع} [الكهف: 6] قال أبو عبيدة (مهلك) نفسك إذا ولوا عن الإيمان.

({أسفًا}) أي (ندمًا) كذا فسره أبو عبيدة وعن قتادة حزنًا وعن غيره فرط الحزن.

({الكهف}) في قوله: {أم حسبت أن أصحاب الكهف} هو (الفتح في الجبل) ({والرقيم}) [الكهف: 9] هو (الكتاب مرقوم) أي (مكتوب من الرقم) بسكون القاف قيل هو لوح رصاصي أو حجري رقمت فيه أسماؤهم وقصصهم وجعل على باب الكهف، وقيل الرقيم اسم الجبل أو الوادي الذي فيه كهفهم أو اسم قريتهم أو كلبهم وقيل غير ذلك وقيل مكانهم بين غضبان وأيلة دون فلسطين وقيل غير ذلك مما فيه تباين وتخالف ولم ينبئنا الله ولا رسوله عن ذلك في أي الأرض هو إذ لا فائدة لنا فيه ولا غرض شرعي.

({ربطنا على قلوبهم}) [الكهف: 14] أي (ألهمناهم صبرًا) على هجر الوطن والأهل والمال والجراءة على إظهار الحق والرد على دقيانوس الجبار ومن هذه المادة قوله تعالى: في سورة القصص {لولا أن ربطنا على قلبها} [القصص: 10] أي أم موسى وذكره استطرادًا.

(شططا) في قوله تعالى: {لقد قلنا إذا شططا} [الكهف: 14] أي (إفراطًا) في الظلم ذا بعد عن الحق.

({الوصيد}) في قوله تعالى: {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} [الكهف: 18] هو (الفناء) بكسر الفاء تجاه الكهف (جمعه وصائد) كمساجد (ووصد) بضمتين (ويقال الوصيد) هو (الباب) وهو مروي عن ابن عباس وعن عطاء عتبة الباب وقوله تعالى في الهمزة مما ذكره استطرادًا (مؤصدة) أي (مطبقة) يعني النار على الكافرين واشتقاقه من قوله (آصد الباب) بمد الهمزة
(وأوصد) أي أطبقه وحذف المفعول من الثاني للعلم به من الأوّل.

({بعثناهم}) في قوله تعالى: {ثم بعثناهم لنعلم أيّ الحزبين} [الكهف: 1] أي (أحييناهم) قاله أبو عبيدة والمراد أيقظناهم من نومهم إذ النوم أخو الموت وقوله: {لنعلم أي الحزبين أحصى} عبارة عن خروج ذلك الشيء إلى الوجود أي لنعلم ذلك موجودًا وإلا فقد كان الله تعالى علم أي الحزبين أحصى الأمد.

({أزكى}) في قوله تعالى: {فلينظر أيها أزكى طعامًا} [الكهف: 19] معناه (أكثر) أي أكثر أهلها طعامًا (ويقال أحل) وهذا أولى لأن مقصودهم إنما هو الحلال سواء كان كثيرًا أو قليلًا وقيل المراد أحل ذبيحة قاله ابن عباس وسعيد بن جبير قيل لأن عامتهم كانوا مجوسًا وفيهم قوم مؤمنون يخفون إيمانهم (ويقال أكثر ريعًا) أي نماء على الأصل.

(قال ابن عباس {أكلها} سقط لأبي ذر من قوله الكهف إلى هنا ({ولم تظلم}) أي (لم تنقص) بفتح أوّله وضم ثالثه أي من أكلها شيئًا يعهد في سائر البساتين فإن الثمار تتم في عام وتنقص في عام غالبًا.

(وقال سعيد) هو ابن جبير مما وصله ابن المنذر (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- ({الرقيم} اللوح من رصاص كتب عاملهم}) فيه (أسماءهم ثم طرحه في خزانته) بكسر الخاء المعجمة وسبب ذلك أن الفتية طلبوا فلم يجدوهم فرفع أمرهم للملك فقال ليكونن لهؤلاء شأن فدعا باللوح وكتب ذلك (فضرب الله على آذانهم) يريد تفسير قوله: {فضربنا على آذانهم} (فناموا) نومة لا تنبههم فيها الأصوات كما ترى المستثقل في نومه يصاح به فلا ينتبه.

(وقال غيره) أي غير ابن عباس وسقط وقال سعيد عن ابن عباس إلى هنا لأبي ذر في قوله تعالى: {بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلًا} [الكهف: 58] مشتق من (وألت تئل) من باب فعل يفعل بفتح العين في الماضي وكسرها في المستقبل أي (تنجو) يقال وأل إذا نجا ووأل إليه إذا لجأ إليه والموئل الملجأ (وقال مجاهد موئلًا) أي (محرزًا) بفتح الميم وكسر الراء بينهما حاء مهملة ساكنة.

({لا يستطيعون سمعًا}) في قوله تعالى: {الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعًا} [الكهف: 101] أي (لا يعقلون) وهذا وصله الفريابي عن مجاهد أي لا يعقلون عن الله أمره ونهيه والأعين هنا كناية عن البصائر لأن عين الجارحة لا نسبة بينها وبين الذكر والمعنى الذين فكرهم بينها وبين ذكري والنظر في شرعي حجاب وعليها غطاء ولا يستطيعون سمعًا لإعراضهم ونفارهم عن الحق لغلبة الشقاء عليهم.