فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم} [الكهف: 105] الآية

باب: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [الكهف: 105] الآيَةَ
هذا ( باب) بالتنوين في قوله تعالى: ( {أولئك}) إشارة للأخسرين أعمالًا السابق ذكرهم ( {الذين كفروا بآيات ربهم}) بالقرآن أو به وبالإنجيل أو بمعجزات الرسول صلوات الله وسلامه عليه ( {ولقائه}) بالبعث أو بالنظر إلى وجه الله الكريم أو لقاء أجزائه ففيه حذف وقد كذب اليهود بالقرآن والإنجيل والنصارى بالقرآن وقريش بلقاء الله والبعث ( {فحبطت أعمالهم}) [الكهف: 105] بطلت بكفرهم وتكذيبهم فلا ثواب لهم عليها ( الآية) .
أي فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا وهذا هو المراد لما سيورده من الحديث.


[ قــ :4473 ... غــ : 4729 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ.

     وَقَالَ : اقْرَءُوا {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105] .
وَعَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ مِثْلَهُ.

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن عبد الله) هو محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي نسبة إلى جده قال: ( حدّثنا سعيد بن أبي مريم) شيخ المؤلّف روي عنه هنا بالواسطة قال: ( أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن) الحزامي بالحاء المهملة المكسورة والزاي وسقط لغير أبي ذر ابن عبد الرحمن قال: ( حدّثني) بالإفراد ( أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( إنه ليأتي الرجل العظيم) في الطول أو في الجاه ( السمين) ولابن مردويه من وجه آخر عن أبي هريرة -رضي الله عنه- الطويل العظيم الأكول الشروب ( يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة) وعند ابن أبي حاتم من طريق صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعًا فيوزن بحبة فلا يزنها ( وقال) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو أبو هريرة ( {اقرؤوا فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا}) أي لا نجعل لهم مقدارًا أو لا نضع لهم ميزانًا توزن به أعمالهم لأن الميزان إنما ينصب للذين خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا أو لا نقيم لأعمالهم وزنًا لحقارتها، وفي هذه الآية من أنواع البديع التجنيس المغاير وفيها أيضًا الاستعارة فاستعار إقامة الوزن التي هي حقيقة في اعتداله لعدم الالتفات إليهم وإعراض الله عنهم كما استعار الحبوط في قوله: {حبطت أعمالهم} الذي هو حقيقة في البطلان لذهاب جزاء أعمالهم الصالحة والحذف في فحبطت أعمالهم أي ثمرات أعمالهم إذ ليس لهم عمل فنقيم لهم وزنًا واستدلّ به على أن الكفار لا يحاسبون لأنه إنما يحاسب من له حسنات وسيئات والكافر ليس له في الآخرة حسنات فتوزن ثم عطف المؤلّف على سعيد بن أبي مريم فقال:
( وعن يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا ونسبه إلى جدّه واسم أبيه عبد الله وهو شيخ المؤلّف أيضًا روي عنه بالواسطة والتقدير حدّثنا محمد بن عبد الله عن سعيد بن أبي مريم وعن يحيى بن بكير ( عن المغيرة بن عبد الرحمن) الحزامي ( عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( مثله) أي الحديث السابق.

وهذا الحديث قد أخرجه مسلم في التوبة وذكر المنافقين.


[19] كهيعص
( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَبْصِرْ بِهِمْ وَأَسْمِعْ اللَّهُ يَقُولُهُ: وَهُمُ الْيَوْمَ لاَ يَسْمَعُونَ وَلاَ يُبْصِرُونَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ يَعْنِي قَوْلَهُ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ الْكُفَّارُ يَوْمَئِذٍ أَسْمَعُ شَيْءٍ وَأَبْصَرُهُ، لأَرْجُمَنَّكَ: لأَشْتِمَنَّكَ، وَرِئْيًا: مَنْظَرًا.
.

     وَقَالَ  ابْنُ وَائِلٍ: عَلِمَتْ مَرْيَمُ أَنَّ التَّقِيَّ ذُو نُهْيَةٍ، حَتَّى قَالَتْ: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ} [مريم: 18] .

     وَقَالَ  ابْنُ عُيَيْنَةَ: تَؤُزُّهُمْ أَزًّا تُزْعِجُهُمْ إِلَى الْمَعَاصِي إِزْعَاجًا.
.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ: إِدًّا عِوَجًا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وِرْدًا: عِطَاشًا.
أَثَاثًا: مَالًا.
إِدًّا قَوْلًا عَظِيمًا، رِكْزًا: صَوْتًا،.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ غَيًّا: خُسْرَانًا، بُكِيًّا: جَمَاعَةُ بَاكٍ.
صُلِيًّا: صَلِيَ يَصْلَى.
نَدِيًّا وَالنَّادِي: مَجْلِسًا.

( [19] كهيعص)
مكية.
وقال مقاتل: إلا آية السجدة فمدنية وهي ثمان وتسعون آية واختلف في معناها، فقيل الكاف من كريم والهاء من هادي والياء من حكيم والعين من عليم والصاد من صادق قاله
ابن عباس فيما رواه الحاكم من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عنه، وروى الطبري عنه أن كهيعص من أسماء الله وعن علي أنه كان يقول يا كهيعص اغفر لي، وعن قتادة اسم من أسماء القرآن رواه عبد الرزاق، وسأل رجل محمد بن علي المرتضى عن تفسيرها فقال لو أخبرتك بتفسيرها لمشيت على الماء لا يواري قدميك، ولأبي ذر سورة كهيعص، وفي نسخة بفرع اليونينية كأصلها باب سورة مريم.

( بسم الله الرحمن الرحيم) ثبتت هذه البسملة لأبي ذر بعد الترجمة وسقطت لغيره.

( قال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله ابن أبي حاتم في قوله تعالى: ( {أسمع بهم وأبصر}) [مريم: 38] ولأبي ذر أبصر بهم وأسمع على التقديم والتأخير والأوّل هو الموافق للفظ التنزيل ( الله يقوله) جملة اسمية ( وهم) أي الكفار ( {اليوم}) نصب على الظرفية ولأبي ذر عن الحموي والمستملي القوم بالقاف ( لا يسمعون ولا يبصرون {وفي ضلال مبين}) هو معنى قوله: {لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين} قال في الأنوار أوقع الظالمين موقع الضمير أي لكنهم اليوم إشعارًا بأنهم ظلموا أنفسهم حيث أغفلوا الاستماع والنظر حين ينفعهم ( يعني قوله {أسمع بهم وأبصر} الكفار يومئذٍ) أي يوم القيامة ( أسمع شيء وأبصره) حين لا ينفعهم ذلك كما قال تعالى: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحًا} [السجدة: 12] وقول الزركشي في التنقيح يريد أن قوله: {أسمع بهم وأبصر} أمر بمعنى الخبر كما قال تعالى: {صم بكم عمي فهم لا يرجعون) تعقبه، في المصابيح فقال أظنه لم يفهم كلام ابن عباس ولذلك ساقه على هذا الوجه وكونه أمر بمعنى الخبر لا يقتضي انتفاء سماعهم وأبصارهم بل يقتضي ثبوته ثم هو ليس أمرًا بمعنى الخبر بل هو لإنشاء التعجب أي ما أسمعهم وما أبصرهم والأمر المفهوم منه بحسب الظاهر غير مراد بل انمحى الأمر فيه وصار متمحضًا لإنشاء التعجب، ومراد ابن عباس أن المعنى ما أسمع الكفار وأبصرهم في الدار الآخرة وإن كانوا في دار الدنيا لا يسمعون ولا يبصرون، ولذا قال الكفار يومئذٍ أسمع شيء وأبصره انتهى.

وأصح الأعاريب فيه كما في الدر أن فاعله هو المجرور بالباء والباء زائدة وزيادتها لازمة إصلاحًا للفظ لأن أفعل أمرًا لا يكون فاعله إلا ضميرًا مستترًا ولا يجوز حذف هذه الباء إلا مع أن وإن فالمجرور مرفوع المحل ولا ضمير في أفعل وقيل بل هو أمر حقيقة والمأمور هو رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمعنى أسمع الناس وأبصر بهم وبحديثهم ماذا يصنع بهم من العذاب وهو منقول عن أبي العالية.

( {لأرجمنك}) في قوله: {يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك} [مريم: 46] أي ( لأشمتنك) بكسر المثناة الفوقية قاله ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم أيضًا.

( {ورئيًا}) في قوله تعالى: {هم أحسن أثاثًا ورئيًا} [مريم: 74] قال ابن عباس فيما وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه أي ( منظرًا) بفتح المعجمة.

( وقال أبو وائل) شقيق بن سلمة في قوله حكاية عن مريم قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيًا ( علمت مريم أن التقي ذو نهية) بضم النون وسكون الهاء وفتح التحتية أي صاحب عقل وانتهاء عن فعل القبيح ( حتى قالت) إذ رأت جبريل عليه الصلاة والسلام ( {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيًّا}) وهذا وصله عبد بن حميد من طريق عاصم وسقط لغير الحموي وذكره المؤلّف في باب قول الله تعالى: {واذكر في الكتاب مريم} [مريم: 16] من أحاديث الأنبياء.

( وقال ابن عيينة) سفيان فيما ذكره في تفسيره في قوله: ( {تؤزهم أزًّا}) [مريم: 83] أي ( تزعجهم) أي الشياطين ( إلى المعاصي إزعاجًا) وقيل تغريهم عليها بالتسويلات وتحبيب الشهوات ( وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ( {إدًّا}) في قوله: ( {لقد جئتم شيئًا إدًّا} [مريم: 89] أي ( عوجًا) بكسر العين وفتح الواو وفي نسخة عوجًا بضم العين وسكون الواو وفي أخرى لدًّا باللام المضمومة بدل الهمزة المكسورة وقال ابن عباس وقتادة إدًّا عظيمًا وهذا ساقط لأبي ذر.

( قال ابن عباس: {وردًا}) في قوله تعالى: {ونسوق المجرمين إلى جهنم وردًّا} [مريم: 86] أي ( عطاشًا) فإن من يرد الماء لا يرده إلا لعطش وهذا ساقط أيضًا لأبي ذر.

( {أثاثًا}) أي مالًا ( {إدًّا}) أي ( قولًا عظيمًا) وقد مرّ ذكره لكنه فسره بغير الأول وقد مر أنه عن ابن عباس وقتادة ( {ركزًا}) في قوله: {أو تسمع لهم ركزًا} أي ( صوتًا) أي خفيًّا لا مطلق الصوت.

( وقال غيره) أي غير ابن عباس وسقط ذا لغير أبي ذر ( {غيًا}) في قوله تعالى: {فسوف يلقون غيًا} [مريم: 59] أي ( خسرانًا) وقيل واد في جهنم تستعيذ منه أوديتها وقيل شرًّا وكل خسران وهذا ساقط لأبي ذر.

( {بكيًّا}) في قوله تعالى: {خرّوا سجدًّا وبكيًّا} [مريم: 58] ( جماعة باك) قاله أبو عبيدة وأصله بكوي على وزن فعول بواو وياء كقعود جمع قاعد فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصار بكيًّا هكذا ثم كسرت ضمة الكاف لمجانسة الياء بعدها وهذا ليس بقياسه بل قياس جمعه على فعلة كقاض وقضاة وغزاة ورماة وقيل ليس بجمع وإنما هو مصدر على فعول نحو: جلس جلوسًا وقعد فعودًا، والمعنى إذا سمعوا كلام الله خروا ساجدين لعظمته باكين من خشيته روى ابن ماجة من حديث سعيد مرفوعًا نزل القرآن بحزن فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا.
وقال صالح المري بالراء المهملة المشددة بعد ضم الميم قرأت القرآن على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المنام فقال لي: يا صالح هذه القراءة فأين البكاء ويروى أنه كان إذا قص قال هات جونة المسك والترياق المجرب يعني القرآن ولا يزال يقرأ ويدعو ويبكي حتى ينصرف.

( صليًّا) في قوله: {أولى بها صليًّا} أي هو مصدر ( صلي) بكسر اللام ( يصلى) قاله أبو عبيدة والمعنى احترق احتراقًا.

( نديًّا والنادي) يريد قوله وأحسن نديًّا وإن معناهما ( واحد) أي ( مجلسًا) ومجتمعًا وثبت واحد لأبي ذر.