فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الإشارة في الطلاق والأمور

باب الإِشَارَةِ فِي الطَّلاَقِ وَالأُمُورِ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يُعَذِّبُ اللَّهُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا»، فَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ.
.

     وَقَالَ  كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: أَشَارَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيَّ أَيْ خُذِ النِّصْفَ، .

     وَقَالَتْ  أَسْمَاءُ: صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْكُسُوفِ، فَقُلْتُ لِعَائِشَةَ مَا شَأْنُ النَّاسِ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى الشَّمْسِ، فَقُلْتُ آيَةٌ؟ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا وَهِيَ تُصَلِّي، أَنْ نَعَمْ.
.

     وَقَالَ  أَنَسٌ أَوْمَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوْمَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ لاَ حَرَجَ.
.

     وَقَالَ  أَبُو قَتَادَةَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ: «آحَدٌ مِنْكُمْ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا قَالُوا: لاَ قَالَ: «فَكُلُوا».

( باب) حكم ( الإشارة) المفهمة للأصل والعدد من الأخرس وغيره ( في الطلاق و) غيره من ( الأمور) الشرعية وقد ذهب الجمهور إلى أن الإشارة إذا كانت مفهمة تقوم مقام النطق فلو قال لزوجته: أنت طالق وأشار بإصبعين أو ثلاث لم يقع عدد إلا مع نيته عند قوله طالق ولا اعتبار بالإشارة هنا ولا بقوله أنت هكذا وأشار بما ذكر أو مع قوله هكذا وإن لم ينوِ عددًا فتطلق في إصبعين طلقتين وفي ثلاثًا ثلاثًا لأن ذلك صريح فيه ولا بد أن تكون الإشارة مفهمة لذلك كما نقله في الروضة عن الإمام وأقره فلو قالت له: طلقني فأشار بيده أن اذهبي وكان غير أخرس فالإشارة لغو لأن عدوله إليها عن العبارة يفهم أنه غير قاصد للطلاق وإن قصده بها فهي لا تقصد للإفهام إلا نادرًا ولا هي موضوعة له بخلاف الكتابة فإنها حروف موضوعة للإفهام كالعبارة ويعتد بإشارة الأخرس، وإن على القدر كتابة في طلاق وغيره كبيع ونكاح وإقرار ودعوى وعتق لأن إشارته قامت مقام عبارته لا في الصلاة فلا تبطل بها ولا في الشهادة فلا تصح بها ولا في حنث
بها فلا يحصل في الحلف على عدم الكلام فإن فهمها كل أحد فصريحة وإن اختص بها فطنون فكناية تحتاج إلى النية.

ثم أخذ المؤلّف يذكر آثارًا وأحاديث تتضمن ذكر إشارات لأحكام مختلفة تنبيهًا منه على أن الإشارة بالطلاق وغيره قائمة مقام النطق وأنه إذا اكتفى بها عن النطق مع القدرة عليه فمع عدم القدرة عليه أولى فقال رحمه الله:
( وقال ابن عمر) -رضي الله عنهما- فيما وصله في الجنائز مطولًا ( قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا يعذب الله بدمع العين ولكن يعذب بهذا، فأشار) بالفاء ولأبي ذر وابن عساكر: وأشار ( إلى لسانه) فيه أن الإشارة المفهمة كنطق اللسان.

( وقال كعب بن مالك) فيما وصله في الملازمة ( أشار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليّ) في دين كان لي على عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي بيده ( أي) وللكشميهني أن ( خذ النصف) أي واترك ما عداه ( وقالت أسماء) بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- فيما وصله في الكسوف ( صلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الكسوف) فأطال القيام ( فقلت لعائشة) وهي قائمة تصلي مع الناس ( ما شأن الناس؟ فأومأت) وللكشميهني فأشارت ( برأسها إلى الشمس فقلت) لها ( آية.
فأومأت)
وللكشميهني فأشارت ( برأسها وهي تصلي أن) ولأبي ذر أي ( نعم) آية ( وقال أنس) مما سبق موصولًا في باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة من كتاب الصلاة: ( أومأ) أي أشار ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده إلى أبي بكر أن يتقدم) إلى الصف في الصلاة الحديث الخ، ( وقال ابن عباس) فيما وصله في كتاب العلم في باب الفتيا بإشارة اليد والرأس ( أومأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما سئل في حجته عن الذبح قبل الرمي ( بيده لا حرج) في التقديم ولا في التأخير.
( وقال أبو قتادة) فيما سبق موصولًا في الحج في باب لا يشير المحرم إلى الصيد ( قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأصحابه ( في الصيد للمحرم) لما رأوا حمر وحش في مسيرهم لحجة الوداع وحمل عليها أبو قتادة فعقرها هل ( أحد منكم أمره أن يحمل عليها.
وأشار إليها)
وفي اليونينية آحد بمد فوق الهمزة للاستفهام ( قالوا: لا، قال: فكلوا) ما بقي من لحمها.


[ قــ :5007 ... غــ : 5293 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو وحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: طَافَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى بَعِيرِهِ، وَكَانَ كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ وَكَبَّرَ .

     وَقَالَتْ  زَيْنَبُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فُتِحَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، مِثْلُ هَذِهِ».
وَعَقَدَ تِسْعِينَ.

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: ( حدّثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو) بفتح العين العقدي قال: ( حدّثنا إبراهيم) هو ابن طهمان فيما جزم به المزي وقيل أبو إسحاق الفزاري ( عن خالد) الحذاء ( عن عكرمة عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه ( قال طاف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه راكبًا ( على بعيره وكان كلما أتى على الركن) الذي فيه الحجر الأسود ( أشار
إليه)
للاستلام بشيء في يده ( وكبّر) الحديث إلى آخره ( وقالت زينب) بنت جحش فيما سبق موصولًا في باب علامات النبوة ( قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( فتح) بضم الفاء وكسر الفوقية اليوم ( من ردم يأجوج ومأجوج) وسقط لأبي ذر من ردم ( مثل هذه وهذه.
وعقد تسعين)
بتقديم الفوقية على السين وعقد الأصابع نوع من الإشارة المفهمة.




[ قــ :5008 ... غــ : 594 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لاَ يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إِلاَّ أَعْطَاهُ».

     وَقَالَ : بِيَدِهِ وَوَضَعَ أَنْمَلَتَهُ عَلَى بَطْنِ الْوُسْطَى وَالْخِنْصَرِ.
قُلْنَا يُزَهِّدُهَا.
.

     وَقَالَ  الأُوَيْسِيُّ.

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال ( حدّثنا بشر بن المفضل) بكسر الموحدة وسكون المعجمة والمفضل بضم الميم وفتح الضاد المعجمة البصري قال: ( حدّثنا سلمة بن علقمة) التميمي بغير ميم في أول سلمة ( عن محمد بن سيرين) وسقط لابن عساكر لفظ محمد ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال أبو القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( وفي الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم) ولأبي ذر عبد مسلم ( قائم يصلّي يسأل الله) تعالى ( خيرًا إلا أعطاه) ما لم يسأل حرامًا، وفي رواية لغير أبي ذر: فسأل الله بالفاء بلفظ الماضي، وقوله قائم وتالييه صفات لمسلم أو يصلي حال من مسلم لاتصافه بقائم ويسأل إما حال مترادفة أو متداخلة ( وقال) أي أشار -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( بيده) الشريفة ( ووضع أنملته على بطن) أصبعه ( الوسطى و) بطن ( الخنصر) بكسر الصاد في اليونينية ( قلنا يزهدها) بضم التحتية وفتح الزاي وتشديد الهاء الأولى مكسورة أي يقللها.
قال ابن المنير: الإشارة لتقليلها للترغيب فيها والحض عليها ليسارة وقتها وغزارة فضلها، وقد قيل إن المراد بوضع الأنملة في وسط الكف الإشارة إلى أن ساعة الجمعة في وسط يومها وبوضعها على الخنصر الإشارة إلى أنها في آخر الأصابع، وفيه إشارة إلى أنها تتنقل ما بين وسط النهار إلى قرب آخره واختلف في تعيينها على نيف وأربعين قولًا ليجتهد المرء في العبادة بخلاف ما لو عينت وقد بين أبو مسلم الكجي أن الذي وضع هو بشر بن المفضل راويه عن سلمة بن علقمة ففي سياق البخاري إدراج ( قال: وقال الأويسي) عبد العزيز بن عبد الله شيخ المؤلّف.




[ قــ :5009 ... غــ : 595 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: عَدَا يَهُودِيٌّ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى جَارِيَةٍ فَأَخَذَ أَوْضَاحًا كَانَتْ عَلَيْهَا، وَرَضَخَ رَأْسَهَا، فَأَتَى بِهَا أَهْلُهَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْيَ فِي آخِرِ رَمَقٍ وَقَدْ أُصْمِتَتْ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ قَتَلَكِ؟ فُلاَنٌ»؟ لِغَيْرِ الَّذِي قَتَلَهَا، فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ لاَ.
قَالَ: فَقَالَ لِرَجُلٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي
قَتَلَهَا فَأَشَارَتْ أَنْ لاَ.
فَقَالَ: «فَفُلاَنٌ» لِقَاتِلِهَا فَأَشَارَتْ أَنْ نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُضِخَ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ.

( حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين القرشي ( عن شعبة بن الحجاج) الحافظ أبي بسطام العتكي ( عن هشام بن زيد) أي ابن أنس بن مالك ( عن) جده ( أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه ( قال: عدا) بالمهملتين تعدى ( يهودي في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في زمنه وأيامه ( على جارية) لم تسم ( فأخذ أوضاحًا) بفتح الهمزة والضاد المعجمة والحاء المهملة حليًا من الدراهم الصحاح سميت بذلك لوضوحها وبياضها وصفائها أو هي حليّ من فضة ( كانت عليها ورضخ) بالراء والضاد والخاء المعجمتين المفتوحات كسر ( رأسها فأتى بها) بالجارية ( أهلها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي) أي والحال أنها ( في آخر رمق) أي نفس وزنًا ومعنًى ( وقد أصمتت) بضم الهمزة وسكون الصاد المهملة وكسر الميم بعدها فوقيتان اعتقل لسانها فلم تستطع النطق لكن مع حضور عقلها ( فقال لها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( من قتلك) ؟ أ ( فلان) ؟ استفهام محذوف الأداة ( لغير الذي قتلها، فأشارت برأسها أن لا) أي ليس فلان قتلني ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فقال) ولأبي ذر ففلان بدل قال: فقال: ( لرجل عن رجل آخر غير الذي قتلها فأشارت) برأسها ( أن لا فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها: ( ففلان) قتلك ( لقاتلها فأشارت) برأسها ( أن نعم) قتلني وكلمة أن في المواضع الثلاثة تفسيرية ( فأمر به) باليهودي ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرضخ رأسه بين حجرين) بضم راء فرضخ، واستدلّ به الشافعية والمالكية والحنابلة على أن القاتل يقتل فيما قتل به، وقال الحنفية: لا يقتل إلا بالسيف لحديث "لا قود إلا بالسيف" وسيكون لنا عودة إلى هذا المبحث إن شاء الله تعالى في موضعه بعون الله وقوّته.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الدّيات ومسلم في الحدود وأبو داود والنسائي وابن ماجة في الديات.




[ قــ :5010 ... غــ : 596 ]
- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الْفِتْنَةُ مِنْ هُنَا.
وَأَشَارَ إِلَى الْمَشْرِقِ».

وبه قال: ( حدّثنا قبيصة) بن عقبة الكوفي قال: ( حدّثنا سفيان) الثوري ( عن عبد الله بن دينار) مولى ابن عمر المديني ( عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( الفتنة من هنا) بهاء واحدة مضمومة، ولأبي ذر: من ها هنا ( وأشار إلى المشرق) ومباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في الفتن.




[ قــ :5011 ... غــ : 597 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ لِرَجُلٍ:
«انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَمْسَيْتَ ثُمَّ قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَمْسَيْتَ إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا.
ثُمَّ قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ» فَنَزَلَ، فَجَدَحَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ، فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ فَقَالَ «إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ».

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا جرير عن عبد الحميد) الضبي القاضي ( عن أبي إسحاق) سليمان بن فيروز ( الشيباني) بالشين المعجمة والموحدة بينهما تحتية ساكنة وبعد الألف نون مكسورة فتحتية ( عن عبد الله بن أبي أوفى) -رضي الله عنه- أنه ( قال: كنا في سفر مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في شهر رمضان في غزوة الفتح ( فلما غربت الشمس قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( لرجل) هو بلال:
( انزل فاجدح لي) بهمزة وصل وجيم ساكنة ودال مفتوحة فحاء مهملتين أي حرك السويق بالماء أو اللبن ( قال: يا رسول الله لو أمسيت) بحذف جواب لو أي كنت متمًّا للصوم ( ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( أنزل فاجدح) أي لي ( قال: يا رسول الله لو أمسيت) لابن عساكر ( إن عليك نهارًا) كأنه رأى كثرة الضوء من زيادة الصحو فظن عدم غروب الشمس وأراد الاستكشاف عن حكم ذلك ( ثم قال) عليه الصلاة والسلام: ( أنزل فاجدح) أي يقل لي إلا في الأولى ( فنزل فجدح له في الثالثة، فشرب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم أومأ) أشار ( بيده) الشريفة ( إلى) جهة ( المشرق فقال: إذا رأيتم الليل) أي ظلامه ( قد أقبل من ها هنا فقد أفطر الصائم) أي دخل وقت فطره فصار مفطرًا حكمًا وإن لم يفطر حسًّا.

وهذا الحديث قد سبق في الصيام.




[ قــ :501 ... غــ : 598 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ نِدَاءُ بِلاَلٍ»، أَوْ قَالَ: «أَذَانُهُ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّمَا يُنَادِي»، أَوْ قَالَ: «يُؤَذِّنُ لِيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ كَأَنَّهُ يَعْنِي الصُّبْحَ أَوِ الْفَجْرَ» وَأَظْهَرَ يَزِيدُ يَدَيْهِ ثُمَّ مَدَّ إِحْدَاهُمَا مِنَ الأُخْرَى.

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بفتح الميم واللام بينهما سين مهملة ساكنة ابن قعنب الحارثي أحد الأعلام قال: ( حدّثنا يزيد بن زريع) أبو معاوية البصري ( عن سليمان) بن طرخان التيمي ( عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل النهدي ( عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-) سقط لابن عساكر لفظ عبد الله أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( لا يمنعن أحدًا منكم نداء بلال) -أو قال- ( أذانه من سحوره) بفتح السين في الفرع اسم ما يتسحر به من الطعام والشراب وبالضم المصدر وهو الفعل نفسه وأكثر ما يروى بالفتح ( فإنما
ينادي)
-أو قال- ( يؤذن) - بليل ( ليرجع) بفتح الياء وكسر الجيم ( قائمكم) بالرفع في الفرع كأصله على الفاعلية أو بالنصب على المفعولية قال الكرماني: باعتبار أن يرجع مشتق من الرجوع أو الرجع، ولم يذكر في الفتح غير النصب أي يعود متهجدكم إلى الاستراحة بأن ينام ساعة قبل الصبح ( وليس أن يقول) : هو من إطلاق القول على الفعل ( كأنه يعني الصبح أو الفجر) بالشك كالسابق من الراوي والصبح خبر ليس أي ليس الصبح المعتبر أن يكون مستطيلًا من العلو إلى السفل بل المعتبر أن يكون معترضًا من اليمين إلى الشمال ( وأظهر يزيد) بن زريع راويه ( يديه) بالتثنية من الظهور بمعنى العلو أي أعلى يديه ورفعهما طويلًا إشارة إلى صورة الفجر الكاذب ( ثم مد أحدهما من الأخرى) إشارة إلى الفجر الصادق.

وسبق هذا الحديث في الصلاة.




[ قــ :5013 ... غــ : 599 ]
- وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُنْفِقِ، كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ مِنْ لَدُنْ ثَدْيَيْهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا، فَأَمَّا الْمُنْفِقُ فَلاَ يُنْفِقُ شَيْئًا إِلاَّ مَادَّتْ عَلَى جِلْدِهِ حَتَّى تُجِنَّ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ،.
وَأَمَّا الْبَخِيلُ فَلاَ يُرِيدُ، يُنْفِقُ إِلاَّ لَزِمَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَوْضِعَهَا، فَهْوَ يُوسِعُهَا فَلاَ تَتَّسِعُ، وَيُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ إِلَى حَلْقِهِ».

( وقال الليث) بن سعد أبو الحارث الإمام صاحب المناقب الجمة قيل كان مغله في العام ثمانين ألف دينار فما وجبت عليه زكاة فيما وصله المؤلّف في باب مثل المتصدق من الزكاة ( حدّثني) بالإفراد ( جعفر بن ربيعة) الكندي ( عن عبد الرحمن بن هرمز) الأعرج أنه قال: ( سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- يقول: ( قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان) بضم الجيم وتشديد الموحدة ( من حديد من لدن) من عند ( ثدييهم) بفتح المثلثة وسكون الدال بعدها تحتيتان أولاهما مفتوحة والأخرى ساكنة تثنية ثدي ولغير أبي ذر مما في الفتح ثديهما بصيغة الجمع.
وصوّب إذ لكل رجل ثديان فيكون لهما أربعة.
وأجيب: بأن التثنية بالنظر لكل رجل "إلى تراقيهما" بفتح المثناة الفوقية وكسر القاف جمع ترقوة العظمان المشرفان في أعلى المصدر من رأس المنكبين إلى طرف ثغرة النحر ( فأما المنفق فلا ينفق شيئًا إلا مادّت) بتشديد الدال من المد وأصلها ماددت بدالين فأدغمت الأولى في الثانية ( على جلده حتى تجن) بضم الفوقية وكسر الجيم وتشديد النون من الرباعي في أكثر الروايات أي تستر ( بنانه) أي أطراف أصابعه ( و) حتى ( تعفو أثره) الحادث في الأرض من مشيه لسبوغها كما يمحو الثوب الذي يجر على الأرض أثر مشي لابسه بمرور الذيل عليه ( وأما البخيل فلا يريد ينفق إلا لزمت) بفتح اللام وكسر الزاي وللكشميهني لزقت بالقاف بدل الميم ( كل حلقة) بسكون اللام ( موضعها فهو يوسعها ولا تتسع) ولغير ابن عساكر فلا بالفاء بدل الواو ( ويشير بإصبعه) وبالإفراد ( إلى حلقه) وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى.

وهذا الحديث سبق في الزكاة.