فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الإثمد والكحل من الرمد

باب الإِثْمِدِ وَالْكُحْلِ مِنَ الرَّمَدِ، فِيهِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ
( باب الإثمد) بكسر الهمزة والميم بينهما مثلثة ساكنة آخره دال مهملة حجر يتخذ منه الكحل ( والكحل) بضم الكاف ( من الرمد) أي بسبب الرمد وهو ورم حار يعرض في الطبقة الملتحمة من العين وهو بياضها الظاهر وسببه انصباب أحد الأخلاط أو أبخرة تصعد من المعدة إلى الدماغ وعطف الكحل على الإثمد يدل على أنه غيره فهو من عطف العام على الخاص ( فيه) أي في الباب حديث مرفوع ( عن أم عطية) نسيبة بنت كعب ولفظه: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلاّ على زوج فإنها لا تكتحل) وليس فيه ذكر الإثمد فيحتمل أن يكون ذكره لكون العرب إنما تكتحل غالبًا به، وفي حديث ابن عباس رفعه عند الترمذي وحسنه واللفظ له وابن ماجة وصححه وابن حبان اكتحلوا بالإثمد فإنه مجلو البصر وينبت الشعر.


[ قــ :5403 ... غــ : 5706 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنِى حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّ
سَلَمَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّىَ زَوْجُهَا فَاشْتَكَتْ عَيْنَهَا فَذَكَرُوهَا لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَكَرُوا لَهُ الْكُحْلَ وَأَنَّهُ يُخَافُ عَلَى عَيْنِهَا فَقَالَ: «لَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَمْكُثُ فِى بَيْتِهَا فِى شَرِّ أَحْلاَسِهَا -أَوْ فِى أَحْلاَسِهَا- فِى شَرِّ بَيْتِهَا فَإِذَا مَرَّ كَلْبٌ رَمَتْ بَعْرَةً، فَلاَ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا».

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن شعبة) بن الحجاج أنه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( حميد بن نافع) بضم الحاء مصغرًا الأنصاري أبو أفلح المدني ( عن زينب عن) أمها ( أم سلمة -رضي الله عنها- أن امرأة) اسمها عاتكة كما عند الإسماعيلي من طرق كثيرة ( توفي زوجها) المغيرة المخزومي كما عند الإسماعيلي القاضي في الأحكام ( فاشتكت عينها فذكروها للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي العدد جاءت امرأة فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها الحديث.
والمرأة السائلة عاتكة بنت نعيم بن النحام رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة ورواية الإسماعيلي أرجح لكثرة الطرق وحينئذٍ فلم تسم أمها والله تعالى أعلم.
( وذكروا له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( الكحل وإنه يخُاف على عينها) بضم ياء يخاف ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( لقد كانت إحداكن) في الجاهلية ( تمكث في بيتها في شر أحلاسها) بفتح الهمزة وسكون الحاء وبالسين المهملتين بينهما لام ألف في شر الثياب التي تلبس ( أو) قال: ( في أحلاسها في شر بيتها) سنة ( فإذا مرّ كلب رمت بعرة) يعني إن مكثها هذه السنة أهون عندها من هذه البعرة ورميها ( فلا) تكتحل ( أربعة أشهر وعشرًا) أي لا تكتحل حتى يمضي أربعة أشهر وعشرًا ولا لنفي الجنس نحو لا غلام رجل وللكشميهني فهلا أي فهلا تصبر على ترك الاكتحال أربعة أشهر وعشرًا وقد كانت تمكث سنة في شر أحلاسها.

وهذا الحديث قد سبق في باب الاكتحال للحادّة من الطلاق.


باب الْجُذَامِ
( باب الجذام) بضم الجيم وفتح الذال المعجمة، قال في القاموس: الأجذم المقطوع اليد والذاهب الأنامل والجذام كغراب علة تحدث من انتشار السوداء في البدن فتفسد مزاج الأعضاء وهيئاتها، وربما انتهى إلى تأكل الأعضاء وسقوطها عن تقرح.


[ قــ :5403 ... غــ : 5707 ]
- وَقَالَ عَفَّانُ حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ عَدْوَى، وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ، وَلاَ صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ».
[الحديث 5707 - أطرافه في: 5717، 5757، 5770، 5773، 5775] .

( وقال عفان) بن مسلم الصفار شيخ المؤلّف يروى عنه بالواسطة كثيرًا مما وصله أبو نعيم من طريق أبي داود الطيالسي وأبي قتيبة مسلم بن قتيبة كلاهما عن سليم بن حيان شيخ عفان عنه قال: ( حدّثنا سليم بن حيان) بفتح السين المهملة وكسر اللام وحيان بالحاء المهملة المفتوحة والتحتية
المشددة الهذلي البصري قال: ( حدّثنا سعيد بن ميناء) بكسر العين وميناء بكسر الميم وسكون التحتية وبعد النون ألف ممدودًا مولى البختري الحجازي مكي أو مدني أبو الوليد ( قال: سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- ( يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( لا عدوى) بالعين المهملة والواو المفتوحتين بينهما دال مهملة ساكنة أي لا سرابة للمرض عن صاحبه إلى غيره نفيًا لما كانت الجاهلية تعتقده في بعض الأدواء أنها تعدي بطبعها وهو خبر أريد به النهي ( ولا طيرة) بكسر الطاء المهملة وفتح التحتية من التطير وهو التشاؤم كانوا يتشاءمون بالسوانح والبوارح وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم فنفاه وأبطله ونهى عنه وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضر ( ولا هامة) بتخفيف الميم على الصحيح وحكى أبو زيد تشديدها كانوا يعتقدون أن عظام الميت تنقلب هامة تطير وقيل هي البومة كانت إذا سقطت على دار أحدهم يرى أنها ناعية له نفسه أو بعض أهله وقيل إن روح القتيل الذي لا يؤخذ بثأره تصير هامة فتزقو وتقول اسقوني فإذا أدرك بثأره طار ( ولا صفر) هو تأخير المحرم إلى صفر وهو النسيء وفي سنن أبي داود عن محمد بن راشد أنهم كانوا يتشاءمون بدخول صفر أي لما يتوهمون أن فيه تكثر الدواهي والفتن، وقيل إن في البطن حيّة تهيج عند الجوع وربما قتلت صاحبها وكانت العرب تراها أعدى من الجرب فنفى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك بقوله، ولا صفر، وزاد مسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ولا تولة وزاد النسائي وابن حبان من حديث جابر ولا غول، فالحاصل ستة وقد كانت العرب تزعم أن الغيلان في الفلوات وهي جنس من الشياطين تتراءى للناس وتتغوّل لهم تغوّلاً أي تتلون تلوّنًا فتضلهم عن الطريق فتهلكهم فنفى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استطاعة الغول أن تضل أحدًا.
وفي حديث: لا غول ولكن السعالى، والسعالى سحرة الجن أي ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخييل، وفي الحديث إذا تغوّلت الغيلان فبادروا بالأذان أي ادفعوا شرها بذكر الله فلم يرد بنفيها عدمها إذ كانت ثم زالت ببعثته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال الطيبي: لا التي لنفي الجنس دخلت على المذكورات فنفت ذواتها وهي غير منفية فيتوجه النفي إلى أوصافها وأحوالها التي هي مخالفة للشرع فإن العدوى والصفر والهامة والتولة موجودة فالمنفي ما زعمت الجاهلية إثباته فإن نفي الذات لإرادة نفي الصفات أبلغ لأنه من باب الكناية ( وفرّ من المجذوم كما تفر) أي كفرارك ( من الأسد) فما مصدرية.

واستشكل مع السابق وأكله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع مجذوم وقال: ثقة بالله وتوكلاً عليه المروي في ... وأجيب: بأن المراد بنفي العدوى أن شيئًا لا يعدي بطبعه نفسًا لما كانت الجاهلية تعتقده من أن الأمراض تعدي بطبعها من غير إضافة إلى الله تعالى كما سبق، فأبطل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعتقادهم ذلك وأكل مع المجذوم ليبين لهم أن الله تعالى هو الذي يمرض ويشفي ونهاهم عن الدنوّ من المجذوم ليبين أن هذا من الأسباب التي أجرى الله العادة بأنها تفضي إلى مسبباتها ففي نهيه إثبات الأسباب وفي فعله إشارة إلى أنها لا تستقل بل الله هو الذي إن شاء سلبها قواها فلا تؤثر شيئًا إن شاء أبقاها فأثرت وعلى هذا جرى أكثر الشافعية، وقيل إن إثبات العدوى في الجذام ونحوه مخصوص من عموم نفي
العدوى، فيكون المعنى لا عدوى، إلاّ من الجذام والبرص والجرب مثلاً قاله القاضي أبو بكر الباقلاني، وقيل: الأمر بالفرار ليس من باب العدوى بل لأمر طبيعي وهو انتقال الداء من جسد إلى جسد بواسطة الملامسة والمخالطة وشم الرائحة فليس على طريق العدوى بل بتأثير الرائحة لأنها تسقم مَن واظب اشتمامها ونحو ذلك قاله ابن قتيبة، وهو قريب، وقيل المراد بالفرار رعاية خاطر المجذوم لأنه إذا رأى الصحيح البدن سليمًا من الآفة التي به عظمت مصيبته وحسرته واشتد أسفه على ما ابتلي به ونسي سائر ما أنعم الله عليه فيكون سببًا لزيادة محنة أخيه المسلم وبلائه وقيل لا عدوى أصلاً رأسًا والأمر بالفرار إنما هو حسم للمادة وسد للذريعة لئلا يحدث للمخالط شيء من ذلك فيظن أنه بسبب المخالطة فيثبت العدوى التي نفاها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأمر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بتجنب ذلك شفقة منه ورحمة، ويأتي مزيدًا لذلك إن شاء الله تعالى بعون الله.