فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب أجر الصابر في الطاعون

باب أَجْرِ الصَّابِرِ فِى الطَّاعُونِ
( باب) ذكر ( أجر الصابر في الطاعون) ولو لم يصبه.


[ قــ :5426 ... غــ : 5734 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا حَبَّانُ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِى الْفُرَاتِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا أَخْبَرَتْنَا أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الطَّاعُونِ فَأَخْبَرَهَا نَبِىُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِى بَلَدِهِ صَابِرًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ».
تَابَعَهُ النَّضْرُ عَنْ دَاوُدَ.

وبه قال: ( حدّثنا إسحاق) هو ابن راهويه قال: ( أخبرنا حبان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة ابن هلال الباهلي البصري قال: ( حدّثنا داود بن أبي الفرات) بضم الفاء وفتح الراء المخففة وبعد الألف فوقية عمرو بفتح العين الكندي المروزي قال: ( حدّثنا عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء مصغرًا الأسلمي التابعي البصري ( عن يحيى بن يعمر) بفتح التحتية والميم بينهما عين مهملة ساكنة آخره راء المروزي قاضيها ( عن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) -رضي الله عنها- ( أنها أخبرتنا) ولأبي ذر أخبرته ( أنها سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الطاعون فأخبرها نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( أنه كان عذابًا يبعثه الله على من يشاء) من كافر أو عاصٍ كما في قصة آل فرعون وقصة أصحاب موسى مع بلعام، ولأبي ذر عن الكشميهني: على من شاء بلفظ الماضي ( فجعله الله رحمة للمؤمنين) من هذه الأمة، وزاد في حديث أبي عسيب عند أحمد ورجس على الكافر وهل يكون الطاعون رحمة وشهادة للعاصي من هذه الأمة أو يختص بالمؤمن الكامل، والمراد بالعاصي مرتكب الكبيرة الذي يهجم عليه الطاعون وهو مصرّ فإنه يحتمل أن لا يلحق بدرجة الشهداء لشؤم ما كان متلبسًا به لقوله تعالى: { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات} [الجاثية: 21] وفي حديث ابن عمر عند ابن ماجة والبيهقي ما يدل على أن الطاعون ينشأ عن ظهور الفاحشة ولفظه: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم
الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم، وفي إسناده خالد بن يزيد بن أبي مالك وثقه أحمد بن صالح وغيره، وقال ابن حبان: كان يخطئ كثيرًا لكن له شاهد عن ابن عباس في الموطأ بلفظ: ولا فشا الزنا في قوم إلا أكثر فيهم الموت الحديث قال في الفتح: وفيه انقطاع فدلّ هذا وغيره مما روي في معناه أن الطاعون قد يقع عقوبة بسبب المعصية فكيف يكون شهادة؟ نعم يحتمل أنه تحصل له درجة الشهادة لعموم الأحاديث في ذلك ولا يلزم المساواة بين الكامل والناقص في المنزلة لأن درجات الشهادة متفاوتة اهـ ملخصًا من الفتح.

( فليس من عبد) مسلم ( يقع الطاعون) في مكان هو فيه ( فيمكث في بلده) ولا يخرج من البلد التي وقع فيها الطاعون حال كونه ( صابرًا) وهو قادر على الخروج غير منزعج ولا قلق بل مسلمًا لأمر الله راضيًا بقضائه حال كونه ( يعلم أنه لمن يصيبه إلاّ ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد) فلو مكث قلقًا متندمًا على الإقامة ظانًّا أنه لو خرج لما وقع به أصلاً ورأسًا فهذا لا يحصل له أجر الشهيد ولو مات بالطاعون.
قال في الفتح: ويدخل تحته ثلاث صور مَن اتصف بذل فوقع به الطاعون فمات به، أو وقع به ولم يمت به أو لم يقع به أصلاً ومات بغيره عاجلاً أو آجلاً، ومفهوم الحديث أن مَن لم يتصف بالصفات المذكورة لا يكون شهيدًا ولو وقع الطاعون ومات به فضلاً عن أنس يموت بغيره وذلك ينشأ عن شؤم الاعتراض الذي ينشأ عنه التضجر والتسخط لقدر الله وكراهة لقائه والتعبير بالمثلية في قوله مثل أجر الشهيد مع ثبوت التصريح بأن من مات بالطاعون كان شهيدًا يحتمل أن من لم يمت من هؤلاء بالطاعون يكون له مثل أجر الشهيد وإن لم يحصل له درجة الشهادة بعينها، فإن مَن اتصف بكونه شهيدًا أعلى درجة ممن وعد بأنه يعطى مثل أجر الشهيد.

وفي مسند أحمد بسند حسن عن العرباض بن سارية مرفوعاً "تختصم الشهداء والمتوفون على فرشهم إلى ربنا عز وجل في الذين ماتوا بالطاعون فيقول الشهداء قتلوا كما قتلنا ويقول المتوفون على فرشهم إخواننا ماتوا على فرشهم كما متنا فيقول ربنا تعالى انظروا إلى جراحهم فإن أشبهت جراح المقتولين فإنهم منهم ومعهم فإذا جراحهم قد أشبهت جراحهم" ورواه النسائي عن عتبة بن عبد مرفوعًا "تأتي الشهداء والمتوفون بالطاعون فتقول أصحاب الطاعون نحن شهداء فيقال انظروا فإن كانت جراحهم كجراح الشهداء تسيل دمًا كريح المسك فهم شهداء فيجدونهم" كذلك رواه الطبراني في الكبير بإسناد لا بأس به فيه إسماعيل بن عياش روايته عن الشاميين مقبولة وهذا منها، ويشهد له حديث العرباض قبله وفي ذلك استواء شهيد الطاعون وشهيد المعركة ( تابعه) أي تابع حبان بن هلال ( النضر) بن شميل في روايته ( عن داود) بن أبي الفرات فيما سبق موصولاً في ذكر بني إسرائيل.