فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما يذكر في سم النبي صلى الله عليه وسلم

باب مَا يُذْكَرُ فِى سَمِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَوَاهُ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب ما يذكر في سمّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال في القاموس: السم القاتل المعروف ويثلث الجمع سموم وسمام انتهى.
وهو هنا من إضافة المصدر لمفعوله، وقول الكرماني سم بالحركات الثلاث تعقبه العيني بأنه مصدر فلا تكون فيه السين مفتوحة جزمًا والحركات الثلاث إنما تكون في كونه اسمًا (رواه) أي سم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وصله البزار وغيره وساقه المؤلّف معلمًا أيضًا في الوفاة النبوية بلفظ قال عروة، قالت عائشة: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في مرضه الذي مات فيه: "يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم".


[ قــ :5465 ... غــ : 5777 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَاةٌ فِيهَا سَمٌّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اجْمَعُوا لِى مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنَ الْيَهُودِ».
فَجُمِعُوا لَهُ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّى سَائِلُكُمْ عَنْ شَىْءٍ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِىَّ عَنْهُ؟» فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَبُوكُمْ»؟ قَالُوا: أَبُونَا فُلاَنٌ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَذَبْتُمْ بَلْ أَبُوكُمْ فُلاَنٌ»، فَقَالُوا: صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ.
فَقَالَ: «هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِىَّ عَنْ شَىْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ»؟ فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَذَبْنَاكَ عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِى أَبِينَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَهْلُ النَّارِ»؟ فَقَالُوا: نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا، ثُمَّ تَخْلُفُونَنَا فِيهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اخْسَئُوا فِيهَا، وَاللَّهِ لاَ نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا»، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِىَّ عَنْ شَىْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟» قَالُوا: «نَعَمْ».
فَقَالَ: «هَلْ جَعَلْتُمْ فِى هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا»؟ فَقَالُوا: نَعَمْ.
فَقَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ»؟ فَقَالُوا: أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَذَّابًا نَسْتَرِيحُ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ.

وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أنه قال: لما) بتشديد الميم (فتحت خيبر أهديت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول كفتحت الرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شاة فيها سم) برفع شاة نائب الفاعل أهدتها زينب بنت الحارث أمره سلام بن مشكم وأكثرت السم في الكتف والذراع لما بلغها أن ذلك أحب أعضاء الشاة إليه عن فتناول عليه الصلاة والسلام الكتف فنهس منها فلما ازداد قال: إن الشاة تخبرني أنها مسمومة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(اجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تعيين المأمورين بذلك (فجمعوا له) بضم الجيم (فقال) لهم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما اجتمعوا عنده: (إني
سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه)؟ بكسر الدار والقاف وتشديد المثناة التحتية على القاعدة في مثله لأن أصله صادقونني فأضيف لياء المتكلم فحذفت النون للإضافة فالتقى ساكنان واو الجمع وياء المتكلم فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في تاليتها فصار صادقي بضم القاف وتشديد الياء ثم أبدلت ضمة القاف كسرة للياء فصار صادقي بكسر القاف وتشديد الياء، ولأبوي الوقت وذر والأصيلي وابن عساكر صادقوني بقاف مضمومة بعدها واو ساكنة فنون مكسورة وهي نون الوقاية وهي قد تلحق اسم الفاعل وأفعل التفضيل والأسماء المعربة المضافة إلى ياء التكلم لتقيها خفاء الأعراب، فلما منعت ذلك كانت كأصل مرفوض فنبهوا عليه في بعض الأسماء المعربة المشابهة للفعل قاله ابن مالك (قالوا: نعم يا أبا القاسم، فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من أبوكم؟ قالوا أبونا فلان) قال ابن حجر لم أعرفه (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كذبتم بل أبوكم فلان) أي إسرائيل يعقوب بن إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه (فقالوا: صدقت وبررت) بكسر الراء الأولى وحكي فتحها (فقال) عليه الصلاة والسلام لهم: (هل أنتم صادقي) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر بالنون كما مرّ (عن شيء إن سألتكم عنه؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم وإن كذبناك) بتخفيف الذال المعجمة (عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من أهل النار؟ فقالوا: نكون فيها) زمانًا (يسيرًا ثم تخلفوننا فيها) بسكون الخاء المعجمة وضم اللام مخففة (فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اخسؤوا فيها) اسكنوا فيها سكون ذلة وهوان (والله لا نخلفكم فيها أبدًا) لا تخرجون منها ولا نقيم بعدكم فيها لأن من دخلها من عصاة المسلمين يخرج منها، وحينئذ فلا خلافة أصلاً.
وعند الطبراني من طريق عكرمة قال: خاصمت اليهود رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه فقالوا: لن ندخل إلا أربعين ليلة ويستخلفنا إليها قوم آخرون يعنون محمدًا وأصحابه، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده على رؤوسهم "بل أنتم خالدون مخلدون لا يخلفكم فيها أحد" فأنزل الله تعالى { وقالوا لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودة} [البقرة: 80] الآية.
وقد ذكروا في الأيام المعدودة وجهين الأول أن لفظة الأيام لا تضاف إلا إلى العشرة فما دونها ولا تضاف إلى ما فوقها فيقال أيام خمسة وأيام عشرة، ولا يقال أيام إحدى عشرة، ويشكل على هذا قوله تعالى: { كُتب عليكم الصيام} إلى أن قال: { أيامًا معدودات} [البقرة: 183] وهي أيام الشهر كله وهي أزيد من العشرة.
قال بعضهم: وإذا ثبت أن الأيام محمولة على العشرة فما دونها فالأشبه أنه الأقل أو الأكثر لأن من يقول ثلاثة يقول أحمله على أقل الحقيقة فله وجه؛ ومن يقول عشرة أحمله على الأكثر وله وجه، وأما حمله على أقل من العشرة وأزيد من الثلاثة فلا وجه له لأنه ليس عدد أوّلي من عدد اللهم إلا إذا جاءت في تقديرها رواية صحيحة فحينئذ يجب القول بها، وقد روي من طريق ابن إسحاق عن سيف بن سليمان عن مجاهد عن ابن عباس أن اليهود كانوا يقولون هذه الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب بكل ألف سنة يومًا في النار وإنما هي سبعة أيام فنزلت.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا سند حسن، وقال الحسن وأبو العالية، قالت اليهود: إن ربنا عتب علينا في أمر فأقسم ليعذبنا أربعين يومًا ولن تمسنا النار إلا أربعين يومًا تحلة القسم فكذبهم الله تعالى بما أنزل من هذه
الآية وقالت طائفة: إن اليهود قالوا إن في التوراة إن جهنم مسيرة أربعين سنة وأنهم يقطعون في كل يوم سنة حتى يكملوها وتذهب جهنم رواه الضحاك عن ابن عباس.

(ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لهم: فهل) ولأبي ذر: هل (أنتم صادقي) بتشديد الياء، وللأربعة صادقوني كما سبق (عن شيء إن سألتكم عنه؟ قالوا): ولأبي ذر فقالوا: (نعم.
فقال: هل جعلتم في هذه الشاة سمًّا؟ فقالوا: نعم.
فقال: وما حملكم على ذلك؟ فقالوا: أردنا إن كنت كذابًا) بتشديد الذال المعجمة وللكشميهني كاذبًا بالألف بعد الكاف (نستريح) ولأبي ذر وابن عساكر أن نستريح (منك وإن كنت نبيًّا لم يضرك) وعند ابن سعد عن الواقدي بأسانيده المتعددة أنها قالت قتلت أبي وزوجي وعمي وأخي ونلت من قومي فقلت إن كان نبيًّا فستخبره الذراع وإن كان ملكًا استرحنا منه.

واختلف هل قتلها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو تركها؟ وقد سبق القول في ذلك في موضعه من المغازي، وعند السادة الحنفية إنما تجب فيه الدّية لا القصاص، وقال الشافعي: لو ضيف بمسموم بسم يقتل غير مكلف كصبي ومجنون فمات بتناوله له فإنه يوجب القود على المضيف لأنه كالإلجاء إلى الأكل سواء قال له هو مسموم أم لا أما المكلف فإن علم حال ما تناوله فلا قول ولا دية لأنه القاتل لنفسه بلا تغرير وإن جهله فخلاف والأظهر في المنهاج كأصله وأصل الروضة أنه لا قول لأنه مختار باشر ما هلك به بغير إلجاء وأنه تجب الدّية للتغرير، وحكى ذلك الرافعي عن نقل الإمام وغيره، وحكي عن أبي إسحاق وغيره وترجيح وجوب القود، وقال البلقيني وغيره: إنه مذهب الشافعي فإنه رجحه فقال في الأم أنه أشبهها وكغير المكلف فيما ذكر أعجمي يعتقد وجوب طاعة آمره.

وهذا الحديث قد سبق في الجزية والمغازي.