فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب وجوب الصلاة في الثياب "

باب وُجُوبِ الصَّلاَةِ فِي الثِّيَابِ،
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} وَمَنْ صَلَّى مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ
وَيُذْكَرُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَزُرُّهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ».
فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ،
وَمَنْ صَلَّى فِي الثَّوْبِ الَّذِي يُجَامِعُ فِيهِ مَا لَمْ يَرَ أَذًى، وَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ لاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ.

( باب وجوب الصلاة في الثياب) بالجمع على حدّ قولهم: فلان يركب الخيول ويلبس البرود، والمراد ستر العورة، وهو عند الحنفية والشافعية كعامّة الفقهاء وأهل الحديث شرط في صحة الصلاة.
نعم الحنفية لا يشترطون الستر عن نفسه، فلو كان محلول الجيب فنظر إلى عورته لا تفسد صلاته، وقال بهرام من المالكية: اختلف هل ستر العورة شرط في الصلاة أم لا؟ فعند ابن عطاء الله: أنه شرط فيها ومن واجباتها مع العلم والقدرة على المعروف من الذهب، وفي القبس المشهور: أنه ليس من شروطها وقال التونسي: هو فرض في نفسه لا من فروضها، وقال إسماعيل وابن بكير والشيخ أبو بكر: هو من سُننها، وفي تهذيب الطالب والمقدمات وتبصرة ابن محرز: اختلف هل ذلك فرض أو سُنة اهـ.

( و) بيان معنى ( قول الله تعالى) وللأصيلي وابن عساكر عزّ وجلّ { خذوا زينتكم} أي ثيابكم لمواراة عوراتكم { عند كل مسجد} [الأعراف: 31] لطواف أو صلاة، وفيه دليل على وجوب ستر العورة في الصلاة، ففي الأوّل إطلاق اسم الحال على المحل، وفي الثاني إطلاق اسم المحل على الحال بوجود الاتصال الذاتي بين الحال والمحل، وهذا لأن أخذ الزينة نفسها وهي عرض محُال فأُريد محلها وهو الثوب مجازًا، لا يقال سبب نزولها أنهم كانوا يطوفون عُراة، ويقولون لا نعبد الله في ثياب أذنبنا فيها فنزلت، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهذا عامّ لأنه قال: { عند

كل مسجد}
ولم يقل المسجد الحرام فيؤخذ بعمومه ( ومَن صلّى ملتحفًا في ثوب واحد) كذا ثبت للمستملي وحده قوله، ومَن صلّى إلخ ساقط عند الأربعة من طريق الحموي والكشميهني.

( ويذكر) بضم أوّله وفتح ثالثه ( عن سلمة بن الأكوع أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: يزرّه) بالمثناة التحتية المفتوحة وتشديد الراء المضمومة أي بأن يجمع بين طرفيه كي لا ترى عورته، وللأصيلي تزره بالمثناة الفوقية، وفي رواية يزرّ بحذف الضمير، ( ولو) لم يكن ذلك إلاّ بأن يزره ( يشوكه) ويستمسك بها فليفعل، وهذا وصله المؤلّف في تاريخه وأبو داود وابنا خزيمة وحبّان من طريق الدراوردي عن موسى بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة عن سلمة بن الأكوع قلت: يا رسول الله إني رجل أتصيد أفأصلّي في القميص الواحد؟ قال: ( نعم زرّه ولو بشوكة) هذا لفظ ابن حبّان.
ورواه المؤلف عن إسماعيل بن أبي أُويس عن أبيه عن موسى بن إبراهيم عن أبيه عن سلمة فزاد في الإسناد رجلاً، ورواه أيضًا عن مالك بن إسماعيل عن عطاف بن خالد قال: حدّثنا موسى بن إبراهيم قال: حدّثنا سلمة فصرّح بالتحديث عن موسى وسلمة، فاحتمل أن تكون رواية ابن أبي أُويس من المزيد في متصل الأسانيد، أو كان التصريح في رواية عطاف وهما فهذا وجه قول المؤلّف ( في) وللأربعة وفي ( إسناده نظر) أو هو من جهة أن موسى هو ابن محمد التيمي المطعون فيه كما قاله ابن القطّان، وتبعه البرماوي وغيره، لكن ردّه الحافظ ابن حجر بأنه نسب في رواية البخاري وغيره مخزوميًا وهو غير التيمي بلا تردّد.
نعم وقع عند الطحاوي موسى بن محمد بن إبراهيم، فإن كان محفوظًا فيحتمل على بُعد أن يكونا جميعًا رويا الحديث، وحمله عنهما الدراوردي وإلاّ فذكر محمد فيه شاذّ اهـ.
من الفتح.


وحينئذ فمَن صلىّ في ثوب واسع الجيب وهو القدر الذي يدخل فيه الرأس ترى عورته من جيبه في ركوع أو سجود فليزره أو يشدّ وسطه، ( ومن) أي وباب من ( صلّى في الثوب الذي يجامع فيه) امرأته أو أمته ( ما لم يرَ فيه أذًى) أي نجاسة وللمستملي والحموي ما لم يرَ أذًى بإسقاط فيه، ( وأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما رواه أبو هريرة في بعث عليّ في حجة أبي بكر مما وصله المؤلف قريبًا لكن بغير تصريح بالأمر ( أن لا يطوف بالبيت) الحرام ( عريان) وإذا منع التعرّي في الطواف فالصلاة أولى إذ يشترط فيها ما يشترط فيه وزيادة.


[ قــ :347 ... غــ : 351 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْحُيَّضَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ عَنْ مُصَلاَّهُنَّ.
قَالَتِ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَانَا لَيْسَ لَهَا جِلْبَابٌ.
قَالَ: لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ حَدَّثَتْنَا أُمُّ عَطِيَّةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا.


وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ: صَلَّوْا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَاقِدِي أُزْرِهِمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ.

وبالسند قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي ( قال: حدّثنا يزيد بن إبراهيم) التستري، المتوفى سنة إحدى وستين ومائة ( عن محمد) هو ابن سيرين ( عن أُم عطية) نسيبة بنت كعب رضي الله عنها ( قالت) :
( أُمرنا) بضم الهمزة وكسر الميم أي أمرنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما عند مسلم ( أن نخرج الحُيَّض)
بضم النون وكسر الراء في الأولى وضم المهملة وتشديد المثناة التحتية في الأخرى جمع حائض ( يوم العيدين) وللكشميهني والمستملي يوم العيد بالإفراد ( و) أن نخرج ( ذوات الخدور) بالدال المهملة أي صواحبات الستور ( فيشهدن) كلهنّ ( جماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزل الحيض) منهنّ ( عن مصلاّهنّ) أي عن مصلّى النساء اللاتي لسن بحيض، وللمستملي مصلاّهم باليم بدل النون على التغليل، وللكشميهني عن المصلّى بضم الميم وفتح اللام موضع الصلاة.
( قالت امرأة: يا رسول الله إحدانا) أي بعضنا مبتدأ خبره قوله ( ليس بها جلباب) بكسر الجيم محلفة أي كيف تشهد ولا جلباب لها وذلك بعد نزول الحجاب؟ ( قال) عليه الصلاة والسلام: ( لتلبسها) بالجزم ( صاحبتها من جلبابها) أي بأن تعيرها جلبابًا من جلابيبها، ووجه مطابقته للترجمة من جهة تأكيد الأمر باللبس حتى بالعارية للخروج إلى صلاة العيد فللصلاة أولى، وإذا وجب ستر العورة للنساء فللرجل كذلك.
وهل ستر العورة واجب مطلقًا في الصلاة وغيرها؟ نعم هو واجب مطلقًا عند الشافعية.
ورواة هذا الحديث كلهم بصريون.

( وقال عبد الله بن رجاء) بالجيم والمدّ الغداني بضم المعجمة وتخفيف المهملة وبعد الألف نون أي مما وصله الطبراني في الكبير.
قال ابن حجر: ووقع عند الأصيلي في عرضه على أبي زيد بمكة حدّثنا عبد الله بن رجاء اهـ.

ولابن عساكر قال محمد أي المؤلف، وقال عبد الله بن رجاء: ( حدّثنا عمران) القطان ( قال: حدّثنا محمد بن سيرين، قال: حدّثنا أُم عطية) نسيبة فيه تصريح ابن سيرين بتحديث أُم عطية له، وهو يردّ على مَن زعم أن ابن سيرين إنما سمعه من أُخته حفصة عن أُم عطية قالت ( سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا) الحديث السابق.