فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد

باب ذِكْرِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي الْمَسْجِدِ
( باب ذكر البيع والشراء) أي في الأخبار عن وقوعهما ( على المنبر في المسجد) لا عن وقوعهما
على المنبر، ولأبي ذر على المنبر والمسجد أي وعلى المسجد فضمن على معنى في عكس { وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] .


[ قــ :446 ... غــ : 456 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "أَتَتْهَا بَرِيرَةُ تَسْأَلُهَا فِي كِتَابَتِهَا، فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتِ أَعْطَيْتُ أَهْلَكِ وَيَكُونُ الْوَلاَءُ لِي.
.

     وَقَالَ  أَهْلُهَا: إِنْ شِئْتِ أَعْطَيْتِهَا مَا بَقِي"َ.
.

     وَقَالَ  سُفْيَانُ مَرَّةً: "إِنْ شِئْتِ أَعْتَقْتِهَا وَيَكُونُ الْوَلاَءُ لَنَا.
فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَّرَتْهُ ذَلِكَ فَقَالَ: ابْتَاعِيهَا فَأَعْتِقِيهَا فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ.
ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ".

     وَقَالَ  سُفْيَانُ مَرَّةً "فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ".
قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ يَحْيَى وَعَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ ....

     وَقَالَ  جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ عَنْ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ ... رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ أَنَّ بَرِيرَةَ ... وَلَمْ يَذْكُرْ صَعِدَ الْمِنْبَرَ.
[الحديث 456 - أطرافه في: 1493، 2155، 2168، 2536، 2560، 2561، 2563، 2564، 2565، 2578، 2717، 2726، 2729، 2735، 5097، 5279، 5284، 5430، 6717، 6751، 6754، 6758، 6760] .

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) بن جعفر السعدي مولاهم المدني البصري ( قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن يحيى) بن سعيد الأنصاري، وفي مسند الحميدي عن سفيان: حدّثنا يحيى ( عن عمرة) بفتح العين وسكون الميم بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية ( عن عائشة) رضي الله عنها ( قالت) أي عائشة: ( أتتها بريرة) بعدم الصرف لأنه منقول من بريرة واحدة البرير وهو ثمر الأراك وهي بنت صفوان فيما نقل عن النووي في التهذيب.
قال الجلال البلقيني: لم يقله غيره وفيه نظر وفيه التفات إذ الأصل أن تقول: أتتني أو القائلة ذلك عمرة وحينئذٍ فلا التفات ( تسألها) أي حال كونها تستعين بها ( في كتابتها) عبر بفي دون عن لأن السؤال للاستعطاء لا للاستخبار ( فقالت) عائشة لها: ( إن شئت أعطيت أهلك) أي مواليك بقية ما عليك فحذف مفعول أعطيت الثاني لدلالة الكلام عليه، ( ويكون الولاء) بفتح الواو عليك ( لي) دونهم ( وقال أهلها) مواليها لعائشة رضي الله عنها: ( إن شئت

أعطيتها)
أي بريرة ( ما بقي) عليها من النجوم وموضع هذه الجملة النصب مفعول ثان لأعطيتها ومفعوله الأوّل الضمير المنصوب في أعطيتها.
( وقال سفيان) بن عيينة ( مرة) ومفهومه تحديثه به على وجهين وهو موصول بالسند السابق ( إن شئت أعتقتها) هي بدل أعطيتها ( ويكون الولاء) عليها ( لنا) وكان المتأخر على بريرة من الكتابة خمس أواق نجمت عليها في خمس سنين كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الكتابة ( فلما جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكرته ذلك) بتشديد كاف ذكرته وسكون تائها.
بلفظ المتكلم كما في الفرع وأصله، أو بضمها مع سكون الراء فعلى الأوّل يكون من كلام الراوي بمعنى ما وقع منها، وعلى الثاني يكون من كلام عائشة رضي الله عنها.


وقال الزركشي: صوابه ذكرت ذلك له انتهى.
وهو الذي وقع في رواية مالك وغيره، وعلّل بأن التذكير يستدعي سبق علم بذلك.
قال الحافظ ابن حجر: ولا يتجه تخطئة الرواية لاحتمال السبق أوّلاً على وجه الإجمال انتهى.

وتعقّبه العيني بأنه لم يبيّن أحد هاهنا راوي التشديد ولا راوي التخفيف، واللفظ يحتمل أربعة أوجه ذكرته بالتشديد والضمير المنصوب، وذكرت بالتشديد من غير ضمير، وذكرت على صيغة المؤنثة الواحدة بالتخفيف بدون الضمير، وذكرته بالتخفيف والضمير لأن ذكرت بالتخفيف يتعدى.

يقال: ذكرت الشيء بعد النسيان، وذكرته بلساني وبقلبي، وتذكرته وأذكرته غيري، وذكرته بمعنى انتهى.

وقال الدماميني متعقبًا لكلام الزركشي وكأنه فهم أن الضمير المنصوب عائد إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وذلك مفعول فاحتاج إلى تقدير الحرف ضرورة أن ذكر إنما يتعدى بنفسه، وليس الأمر كما ظنه بل الضمير المنصوب عائد إلى الأمر المتقدم، وذلك بدل منه، والمفعول الذي يتعدى إليه هذا الفعل بحرف الجر حذف مع الحرف الجار له لدلالة ما تقدم عليه، فآل الأمر إلى أنها قالت: فلما جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكرت ذلك الأمر له وليت شعري ما المانع من حمل هذه الرواية الصحيحة على الوجه السائغ ولا غبار عليه.

( فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعائشة رضي الله عنها: ( ابتاعيها) ولغير أبي ذر فقال ابتاعيها ( فأعتقيها) بهمزة القطع في الثاني والوصل في الأوّل ( فإن الولاء) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر فإنما الولاء ( لمن أعتق ثم قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المنبر) النبوي.

( وقال سفيان مرة) ( فصعد) بدل ثم قال ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المنبر فقال ما بال) أي ما شأن ( أقوام) كنى به عن الفاعل إذ من خلقه العظيم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لا يواجه أحدًا بما يكرهه ( يشترطون شروطًا ليس) أي الاشتراط أو التذكير باعتبار جنس الشرط وللأصيلي ليست أي الشروط ( في كتاب الله) عز وجل أي في حكمه سواء ذكر في القرآن أم في السنة، أو المراد بالكتاب المكتوب وهو اللوح المحفوظ ( من اشترط شرطًا ليس فى كتاب الله فليس) ذلك الشرط ( له) أي لا يستحقه، ( وإن اشترط

مائة مرة)
للمبالغة لا لقصد التعيين، ولا يستدلّ به على أن ما ليس في القرآن باطل لأن قوله: إنما الولاء لمن أعتق ليس في كتاب الله، بل من لفظ الرسول إلا أن يقال لا قال تعالى: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] كان ما قاله عليه الصلاة والسلام كالمذكور في كتاب الله.

وبقية مباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى، ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين مدني وكوفي ومديني وفيه تابعي عن تابعي عن صحابي، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في الزكاة والعتق والبيوع والهبة والفرائض والطلاق والشروط والأطعمة وكفّارة الإيمان، ومسلم مختصرًا ومطوّلاً، وأبو داود في العتق، والترمذي في الوصايا، والنسائي في البيوع والعتق والفرائض والشروط، وابن ماجة في العتق.

( قال علي) هو ابن المديني ( قال يحيى) بن سعيد القطان ( وعبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي، ولابن عساكر قال أبو عبد الله يعني البخاري قال يحيى وعبد الوهاب أي فيما وصله الإسماعيلي من طريق محمد بن بشار عنهما، ( عن يحيى) بن سعيد الأنصاري، ( عن عمرة) المذكورة.
زاد الأصيلي نحو رواية مالك من صورة الإرسال وعدم ذكر المنبر وعائشة.

( وقال جعفر بن عون) بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالنون مما وصله النسائي والإسماعيلي ( عن يحيى) بن سعيد الأنصاري رضي الله عنه ( قال: سمعت عمرة قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها) أفادت هذه الطريق التصريح بسماع كلِّ من يحيى وعمرة فأمن الإرسال بخلاف السابق فإنه بالعنعنة مع إسقاط عائشة، وإنما أفرد المؤلّف رواية سفيان لمطابقتها للترجمة بذكر المنبر فيها، ويؤيده أن التعليق عن مالك متأخر في رواية كريمة عن طريق جعفر بن عون قاله في الفتح.

( رواه) كذا في الفرع تأخير رواه مالك عن قوله قال علّي قال يحيى وفي غيره تقديمه، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر، ورواه أي حديث الباب ( مالك) الإمام فيما وصله المؤلف في باب المكاتب ( عن يحيى) بن سعيد ( عن عمرة) بنت عبد الرحمن المذكور ( أن بريرة) فذكره لكنه لم يسنده إلى عائشة رضي الله عنها ( ولم يذكر) فيه قوله ( فصعد المنبر) وفي رواية على المنبر فصورة سياقه الإرسال.