فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

باب مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ
هذا ( باب) بالتنوين يذكر فيه قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه) .


[ قــ :6169 ... غــ : 6507 ]
- حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ، أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ»، قَالَتْ عَائِشَةُ: أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ، قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَيْسَ شَىْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَىْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ».
اخْتَصَرَهُ أَبُو دَاوُدَ وَعَمْرٌو، عَنْ شُعْبَةَ،.

     وَقَالَ  سَعِيدٌ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: ( حدّثنا حجاج) بفتح الحاء المهملة والجيم المشددة وبعد الألف جيم أخرى ابن المنهال قال: ( حدّثنا همام) بفتح الهاء والميم المشددة ابن يحيى قال: ( حدّثنا قتادة) بن دعامة ( عن أنس) هو ابن مالك الصحابي -رضي الله عنه- ( عن عبادة بن الصامت) -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) قال الخطابي: محبة اللقاء إيثار العبد الآخرة على الدنيا ولا يحب طول القيام فيها لكن يستعد للارتحال عنها واللقاء على وجوه منها: الرؤية، ومنها البعث كقوله تعالى: { قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله} [الأنعام: 31]
أي بالبعث ومنها الموت كقوله: { من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت} [العنكبوت: 5] اهـ.

وقال ابن الأثير: المراد باللقاء المصير إلى الدار الآخرة وطلب ما عند الله وليس الغرض به الموت لأن كلاًّ يكرهه فمن ترك الدنيا وأبغضها أحب لقاء الله ومن آثرها وركن إليها كره لقاء الله ومحبة الله لقاء عبده إرادة الخير له وإنعامه عليه.
وقال في الكواكب: فإن قلت: الشرط ليس سببًا للجزاء بل الأمر بالعكس، قلت: مثله يؤوّل بالإخبار أي من أحب لقاء الله أخبره الله بأن الله أحب لقاءه وكذلك الكراهة.
وقال في الفتح: وفي قوله أحب الله لقاءه العدول عن الضمير إلى الظاهر تفخيمًا وتعظيمًا ودفعًا لتوهم عود الضمير على الموصول لئلا يتحد في الصورة المبتدأ والخبر ففيه إصلاح اللفظ لتصحيح المعنى، وأيضًا فعود الضمير على المضاف إليه قليل، وقال ابن الصائغ في شرح المشارق: يحتمل أن يكون لقاء الله مضافًا للمفعول فأقامه مقام الفاعل ولقاءه إما مضاف للمفعول والفاعل الضمير أو للموصوف لأن الجواب إذا كان شرطًا فالأولى أن يكون فيه ضمير نعم هو موجود هنا ولكن تقديرًا.

( قالت عائشة أو بعض أزواجه:) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورضي الله عنهنّ بأو للشك وجزم سعد بن هشام في روايته عن عائشة بأنها هي التي قالت ذلك ولم يتردّد ( إنا لنكره الموت) ظاهره أن المراد بلقاء الله في الحديث الموت وليس كذلك لأن لقاء الله غير الموت يدل عليه قوله في الرواية الأخرى والموت دون لقاء الله، لكن لما كان الموت وسيلة إلى لقاء الله عبرّ عنه بلقاء الله لأنه لا يصل إليه إلا بالموت.
قال حسان بن الأسود: الموت جسر يوصل الحبيب إلى حبيبه ( قال) عليه الصلاة والسلام: ( ليس ذاك) بغير لام مع كسر الكاف ولأبي ذر ذلك ( ولكن المؤمن) بتشديد نون لكن ولأبي ذر ولكن المؤمن بالتخفيف ورفع المؤمن ( إذا حضره الموت بشّر برضوان الله) عز وجل ( وكرامته) بضم الموحدة وكسر الشين المعجمة المشددة ( فليس شيء أحب إليه مما أمامه) بفتح الهمزة أي مما يستقبله بعد الموت ( فأحب لقاء الله) عز وجل ( وأحب الله لقاءه) .

وفي حديث حميد عن أنس المروي عند أحمد والنسائي والبزار: ولكن المؤمن إذا حضر جاءه البشير من الله وليس شيء أحب إليه من أن يكون قد لقي الله فأحب الله لقاءه.
وفي رواية عبد الرَّحمن بن أبي ليلى حدثني فلان ابن فلان أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحديث.
وفيه: "ولكنه إذا حضر فإما أن يكون من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم فإذا بشر بذلك أحب لقاء الله والله للقائه أحب" رواه أحمد بسند قوي وإبهام الصحابي لا يضر.

( وإن الكافر إذا حضر بشر) بضم أولهما وكسر ثانيهما ( بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه) مما يستقبل ( كره) بكسر الراء ولأبي ذر فكره ( لقاء الله) عز وجل ( وكره الله) عز وجل ( لقاءه) .
وفي حديث عائشة عند عبد بن حميد مرفوعًا: "إذا أراد الله بعبد خيرًا قيّض الله قبل موته بعام ملكًا يسدده ويوفقه حتى يقال مات بخير ما كان فإذا حضر ورأى ثوابه اشتاقت نفسه فذلك حين أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإذا أراد الله بعبد شرًّا قيّض الله له قبل موته بعام شيطانًا فأضلّه وفتنه حتى يقال مات بشرّ ما كان عليه فإذا حضر ورأى ما أعدّ الله له من العذاب جزعت نفسه فذلك حين كره لقاء الله وكره الله لقاءه".

وحديث الباب أخرجه مسلم في الدعوات والترمذي في الزهد والجنائز والنسائي فيها.

( اختصره) أي الحديث ( أبو داود) سليمان الطيالسي مما أخرجه الترمذي موصولاً عن محمود بن غيلان عنه ( وعمرو) بفتح العين ابن مرزوق مما أخرجه الطبراني في الكبير موصولاً عن أبي مسلم الكجي ويوسف بن يعقوب القاضي كلاهما عن عمرو ( عن شعبة) بن الحجاج حيث اقتصر على أصل الحديث ولم يقل فقالت عائشة الخ ...
( وقال سعيد) بكسر العين ابن أبي عروبة مما وصله مسلم ( عن قتادة) بن دعامة ( عن زرارة) بضم الزاي وتكرير الراء بينهما ألف آخره هاء تأنيث ابن أبي أوفى العامري ( عن سعد) بسكون العين ابن هشام الأنصاري ابن عمر أنس بن مالك ( عن عائشة) -رضي الله عنها- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .




[ قــ :6170 ... غــ : 6508 ]
- حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ».

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ( محمد بن العلاء) أبو كريب الهمداني الحافظ قال: ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة ( عن بريد) بضم الموحدة وفتح الراء ابن عبد الله بن أبي بردة ( عن) جده ( أما بردة) بضم الموحدة وسكون الراء الحارث أو عامر ( عن) جده ( أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( من أحبّ لقاء الله) عز وجل ( أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) فيه أن محبة لقاء الله لا تدخل في النهي عن تمني الموت لأنها ممكنة مع عدم تمنيه لأن النهي محمول على حال الحياة المستمرة أما عند الاختصار والمعاينة فلا تدخل تحت النهي بل هي مستحبة.




[ قــ :6171 ... غــ : 6509 ]
- حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فِى رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ وَهْوَ صَحِيحٌ: «إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِىٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ» فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِى غُشِىَ عَلَيْهِ سَاعَةً ثُمَّ أَفَاقَ فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى» قُلْتُ: إِذًا لاَ يَخْتَارُنَا وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِى كَانَ يُحَدِّثُنَا بِهِ قَالَتْ: فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- .

     قَوْلُهُ : «اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى».

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا ( يحيى بن بكير) الحافظ أبو زكريا المخزومي مولاهم المصري نسبه لجده لشهرته به واسم أبيه عبد الله قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام
( عن عقيل) بضم العين بن خالد الأيلي ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم أنه قال: ( أخبرني) بالإفراد ( سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير) بن العوّام ( في) جملة ( رجال من أهل العلم) أُخر رووا ذلك ( أن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) -رضي الله عنها- وسقط قوله زوج النبي الخ لأبي ذر أنها ( قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( وهو صحيح إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير) بضم أوله مبنيًّا للمفعول كيقبض أي يخير بين الحياة والموت ( فلما نزل به) الموت ( ورأسه على فخذي) بكسر الخاء والذال المعجمتين وجواب لما قوله ( غشي) بضم الغين المعجمة ( عليه ساعة ثم أفاق فأشخص) بفتح الهمزة والخاء المعجمة أي رفع ( بصره إلى السقف ثم قال: اللهم) أختار أو أريد ( الرفيق الأعلى) أي مرافقة الملائكة أو الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين.
قالت عائشة ( قلت: إذًا) يعني حينئذ ( لا يختارنا) بالنص أي حين اختار مرافقة أهل السماء لا يبتغي أن يختار مرافقتنا من أهل الأرض وبالرفع ( وعرفت أنه) أي الأمر الذي حصل له هو ( الحديث الذي كان يحدّثنا به) وهو صحيح أنه لم يقبض نبي قط حتى يخير ( قالت) عائشة: ( فكانت تلك) الكلمة التي هي قوله: اللهم الرفيق الأعلى ( آخر كلمة تكلم بها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قوله) بالرفع في اليونينية وبالنصب في غيرها على الاختصاص أي أعني قوله ( اللهم الرفيق الأعلى) .

ومطابقة الحديث للترجمة من جهة اختيار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للقاء الله بعد أن خيّر بين الموت والحياة فاختار الموت فينبغي الاستنان به في ذلك، والحديث سبق في الدعوات.