فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: الله أعلم بما كانوا عاملين

باب اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ
هذا ( باب) التنوين ( الله أعلم بما كانوا) أي أولاد المشركين ( عاملين) .


[ قــ :6252 ... غــ : 6597 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: سُئِلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَوْلاَدِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن بشار) بندار العبدي قال: ( حدّثنا غندر) محمد بن جعفر ( قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن أبي بشر) بكسر الباء الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري الواسطي ( عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه ( قال: سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم السين وكسر الهمزة ( عن أولاد المشركين) أي أيدخلون الجنة ( فقال) :
( الله أعلم بما كانوا عاملين) فيه إشعار بالتوقف أي أنه علم أنهم لا يعملون ما يقتضي تعذيبهم ضرورة أنهم غير مكلفين، وقيل: قال ذلك قبل أن يعلم أنهم من أهل الجنة، وفي حديث عائشة عند أبي داود وأحمد أنها قالت قلت: يا رسول الله ذراريّ المسلمين الحديث.
وعند عبد الرزاق بسند فيه ضعيف عن عائشة أيضًا سألت خديجة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أولاد المشركين ففيه التصريح بالسائل.

والحديث سبق في الجنائز.




[ قــ :653 ... غــ : 6598 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِى عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَرَارِىِّ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ».

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) نسب لجده واسم أبيه عبد الله المخزومي مولاهم المصري قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن يونس) بن يزيد الأيلي ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه ( قال: وأخبرني) بالإفراد والعطف على محذوف كأنه حدث قبل ذلك بشيء ثم قال: وأخبرني ( عطاء بن يزيد) الليثي ( أنه سمع أبا هريرة) -رضي الله عنه- ( يقول: سئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذراريّ المشركين) بفتح الذال المعجمة والراء وبعد الألف راء أخرى مكسورة وتشديد التحتية وتخفف أي أولادهم الذين لم يبلغوا الحلم ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( الله أعلم بما كانوا عاملين) أي إن الله يعلم ما لا يكون أن لو كان كيف يكون فأحرى أن
يعلم ما يكون وما قدره وقضاه في كونه، وهذا يقوي مذهب أهل السنّة أن القدر هو علم الله وغيبه الذي استأثر فلم يطلع عليه أحدًا من خلقه.




[ قــ :654 ... غــ : 6599 ]
- حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ، كَمَا تُنْتِجُونَ الْبَهِيمَةَ هَلْ تَجِدُونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ حَتَّى تَكُونُوا أَنْتُمْ تَجْدَعُونَهَا»؟.
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ وَهْوَ صَغِيرٌ قَالَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ».

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا ( إسحاق) ولأبي ذر إسحاق بن إبراهيم.
قال في فتح الباري: هو ابن راهويه واعترضه العيني فقال: جوّز الكلاباذي أن يكون ابن إبراهيم بن نصر السعدي وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي وإسحاق بن إبراهيم الكوسج، فالجزم بأنه ابن راهويه من أين؟ وأجاب في انتقاض الاعتراض: بأنه من القرينة الظاهرة في قوله أخبرنا فإنه لا يقول حدّثنا كما أن إسحاق بن منصور الكوسج يقول حدّثنا ولا يقول أخبرنا وهذا يعرف بالاستقراء قال: ( أخبرنا عبد الرزاق) بن همام قال: ( أخبرنا معمر) هو ابن راشد ( عن همام) بفتح الميم المشددة ابن منبه ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( ما من مولود إلا يولد على الفطرة) الإسلامية ففيه القابلية للدين الحق فلو ترك وطبعه لما اختار دينًا غيره، وما من مولود مبتدأ ويولد خبره لأن من الاستغراقية في سياق النفي تفيد العموم كقولك: ما أحد خير منك والتقدير هنا ما من مولود يولد على أمر من الأمور إلا على الفطرة ( فأبواه يهوّدانه) يجعلانه يهوديًّا إذا كانا من اليهود ( وينصرانه) يجعلانه نصرانيًّا إذا كانا من النصارى والفاء في فأبواه للتعقيب أو للتسبب أي إذا تقرر ذلك فمن تغير كان بسبب أبوه ( كما) حال من الضمير المنصوب في يهودانه مثلاً أي يهودان المولود بعد أن خلق على الفطرة كما ( تنتجون البهيمة) سليمة بضم الفوقية الأولى وكسر الثانية بينهما نون ساكنة وضم الجيم من الإنتاج يقال أنتجت الناقة إذا أعنتها على النتاج.
وقال في المغرب: نتج الناقة ينتجها نتجًا إذا ولى نتاجها حتى وضعت فهو ناتج وهو للبهائم كالقابلة للنساء أو كما صفة مصدر محذوف أي يغيرانه تغييرًا مثل تغييرهم البهيمة السليمة فيهودانه وينصرانه تنازعًا في كما على التقديرين ( هل تجدون فيها) في البهيمة ( من جدعاء) بفتح الجيم وسكون الدال المهملة والمد مقطوعة الأطراف أو أحدها في موضع الحال على التقديرين أي بهيمة سليمة مقولاً في حقها هذا القول، وفيه نوع من التأكيد يعني أن كل من نظر إليها قال هذا القول لسلامتها ( حتى تكونوا أنتم تجدعونها) بفتح الفوقية والدال المهملة بينهما جيم ساكنة أي تقطعون أطرافها أو شيئًا منها وشبه بالمحسوس المشاهد ليفيد أن ظهوره بلغ في الكشف والبيان مبلغ هذا المحسوس المشاهد، ومحصله أن العالم إما عالم الغيب أو عالم الشهادة، فإذا نزل الحديث على عالم الغيب أشكل معناه وإذا صرف إلى عالم الشهادة سهل تعاطيه فإذا نظر الناظر إلى المولود نفسه من غير اعتبار عالم الغيب وأنه ولد على الفطرة من الاستعداد للمعرفة وقبول الحق
والتأبي عن الباطل والتمييز بين الخطأ والصواب حكم أنه لو ترك على ما هو عليه ولم يعتوره من الخارج ما يصد استمر على ما هو عليه من الفطرة السليمة، وانظر قتل الخضر الغلام إذ كان باعتبار النظر إلى عالم الغيب، وإنكار موسى عليه كان باعتبار عالم الشهادة، وظاهر الشرع فلما اعتذر الخضر بالعلم الخفي الغائب أمسك موسى عليه السلام عن الإنكار فلا عبرة بالإيمان الفطري في أحكام الدنيا وإنما يعتبر الإيمان الشرعي المكتسب بالإرادة والفعل اهـ.
ملخصًا من شرح المشكاة.

( قالوا: يا رسول الله أفرأيت) أي أخبرنا من إطلاق السبب على المسبب لأن مشاهدة الأشياء طريق إلى الإخبار عنها والهمزة فيه مقررة أي قد رأيت ذلك فأخبرنا ( من يموت وهو صغير) ؟ لم يبلغ الحلم أيدخل الجنة ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( الله أعلم بما كانوا عاملين) .
قال البيضاوي: فيه إشارة إلى أن الثواب والعقاب لا لأجل الأعمال وإلاّ لزم أن يكون ذراري المسلمين والكافرين لا من أهل الجنة ولا من أهل النار بل الموجب لهما اللطف الرباني والخذلان الإلهي المقدر لهما في الأزل، فالأولى فيهما التوقف وعدم الجزم بشيء فإن أعمالهم موكولة إلى علم الله فيما يعود إلى أمر الآخرة من الثواب والعقاب.
وقال النووي: أجمع من يعتبر به من علماء المسلمين أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة لأنه ليس مكلفًا وتوقف فيهم بعض من لا يعتد به لحديث عائشة في مسلم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعي لجنازة صبي من الأنصار فقلت: طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه فقال: أو غير ذلك يا عائشة إن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وأجابوا عن هذا بأنه لعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع أو أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال هذا قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة، وأما أطفال المشركين ففيهم ثلاثة مذاهب: فالأكثرون على أنهم في النار، وتوقفت طائفة، والثالث وهو الصحيح أنهم من أهل الجنة.

والحديث سبق في الجنائز وفيه أو يمجسانه وأخرجه مسلم في القدر والله الموفق.


باب { وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا}
هذا ( باب) بالتنوين في اليونينية أي في قوله تعالى ( { وكان أمر الله} ) الذي يريد أن يكوّنه ( { قدرًا مقدورًا} ) [الأحزاب: 38] قضاء مقضيًا وحكمًا مبتوتًا لا محيد عنه فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.


[ قــ :654 ... غــ : 6601 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا، وَلْتَنْكِحْ فَإِنَّ لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( لا تسأل المرأة) في باب الشروط التي لا تحل في النكاح من كتابه لا يحل لامرأة تسأل ( طلاق أختها) من نسب أو رضاع أو دين أو في البشرية فيعم لكن عند ابن حبان عن أبي هريرة لا تسأل المرأة طلاق أختها فإن المسلمة أخت المسلمة ( لتستفرغ صحفتها) تجعلها فارغة لتفوز بحظها ( ولتنكح) بإسكان اللام والجزم أي ولتنكح هذه المرأة من خطبها.
وقال الطيبي: ولتنكح عطف على لتستفرغ وكلاهما علة للنهي أي لا تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها وتنكح زوجها نهى المرأة أن تسأل الرجل طلاق زوجته لينكحها ويصير لها من نفقته ومعاشرته ما كان للمطلقة فعبر عن ذلك باستفراغ الصحفة مجازًا ولتنكح الزوج المذكور من غير أن تشترط طلاق التي قبلها ( فإن لها) للتي تسأل طلاق أختها ( ما قدر لها) أي لن يعدو ذلك ما قسم لها ولن تستزيد به شيئًا.
وقال أبو عمر بن عبد البر: هذا الحديث من أحسن أحاديث القدر عند أهل العلم لما دل عليه من أن الزوج لو أجابها وطلق من تظن أنها تزاحمها في رزقها فإنه لا يحصل لها من ذلك إلا ما كتب الله لها سواء أجابها أم لم يجبها.

والحديث سبق في النكاح.