فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله تعالى: {أو تحرير رقبة} [المائدة: 89] وأي الرقاب أزكى

باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 98] وَأَىُّ الرِّقَابِ أَزْكَى؟
هذا ( باب قول الله تعالى) في آية كفارة اليمين من سورة المائدة ( { أو تحرير رقبة} ) [المائدة: 89] قال الحنفية: مؤمنة أو كافرة لإطلاق النص إلا في كفارة القتل فإن الله قيد الرقبة فيها بالإيمان وشرط الشافعي -رحمه الله- الإيمان لجميع الكفارات مثل كفارة القتل والظهار والجماع في نهار رمضان حملاً للمطلق على المقيد كما أن الله تعالى قيد الشهادة بالعدالة في موضع فقال { وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق: 2] وأطلق في موضع فقال: { واستشهدوا شهيدين من رجالكم} [البقرة: 282] ثم العدالة شرط في جميعها حملاً للمطلق على المقيد كذلك هذا ( وأي الرقاب أزكى) فيه إيماء إلى حديث أبي ذر السابق في أوائل العتق.
قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أغلاها ثمنًا وأنفسها عند أهلها، وكأن المؤلّف أشار بذلك إلى موافقة الحنفية لأن أفعل
التفضيل يقتضي الاشتراك في أصل الحكم، وقال ابن المنير: لم يترجم على عتق الرقبة في الكفارة لأنه لم يجد نصًّا في اشتراط الإيمان في كفارة الإيمان فأورد الترجمة محتملة، وذكر أن الفضل والمزية لعتق المؤمنة فنبه على مجال النظر فلقائل أن يقول: إذا تفاوت العتق وكان أفضله عتق المؤمنة، ووجب علينا عتق الرقبة في اليمين كان الأخذ بالأفضل أحوط للذمة وإلاّ كان المكفر بغير المؤمن على شك في براءة الذمة.
قال: وهذا أوضح من الاستشهاد بحمل المطلق على المقيد في كفارة القتل لظهور الفرق بالتغليظ هنالك.


[ قــ :6365 ... غــ : 6715 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِى غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ سَعِيدٍ ابْنِ مَرْجَانَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنَ النَّارِ حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن عبد الرحيم) صاعقة قال: ( حدّثنا داود بن رشيد) بضم الراء وفتح الشين المعجمة البغدادي قال: ( حدّثنا الوليد بن مسلم) القرشي الأموي الدمشقي ( عن أبي غسان) بفتح الغين المعجمة والسين المهملة المشددة ( محمد بن مطرف) بضم الميم وفتح الطاء المهملة وكسر الراء المشددة ( عن زيد بن أسلم) أبي أسامة العدوي مولى عمر بن الخطاب ( عن علي بن حسين) بضم الحاء ابن علي بن أبي طالب المعروف بزين العابدين ( عن سعيد بن مرجانة) بفتح الميم وسكون الراء وفتح الجيم وبعد الألف نون اسم أمه واسم أبيه عبد الله العامري ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( من أعتق رقبة مسلمة) وفي العتق أيما رجل أعتق امرأ مسلمًا ( أعتق منه عضوًا من النار) سقط منه الثانية هنا وفي مسلم عضوًا منه من النار ( حتى فرجه بفرجه) حتى هنا عاطفة بمنزلة الواو إلا أنها تفارقها من ثلاثة أوجه.
أحدها أن المعطوف حتى ثلاثة شروط أن يكون ظاهرًا لا مضمرًا وأن يكون إما بعضًا من جمع قبلها كقدم الحاج حتى المشاة أو جزءًا من كل نحو: أكلت السمكة حتى رأسها، أو كجزء نحو: أعجبتني الجارية حتى حديثها ويمتنع حتى ولدها، والذي يضبط ذلك أنها تدخل حيث يصح دخول الاستثناء وتمتنع حيث يمتنع ولذا يمتنع ضربت الرجلين حتى أفضلهما وإنما جاز حتى نعله ألقاها لأن الصحيفة والزاد في معنى ألقى ما يثقله وأن يكون غاية لما قبلها إما زيادة أو نقص فالأوّل نحو مات الناس حتى الأنبياء والثاني نحو زارك الناس حتى الحجامون قاله في المغني، والشروط الثلاثة موجودة في هذا الحديث فقوله رقبة ظاهر منصوب، وقوله فرجه جزء مما قبله وهو غاية لما قبلها وخص الفرج بالذكر لأنه على أكبر الكبائر بعد الشرك.

والحديث سبق في أوائل العتق.