فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما جاء في التعريض

باب مَا جَاءَ فِى التَّعْرِيضِ
( باب ما جاء في التعريض) بالعين المهملة آخره ضاد معجمة وهو ضد التصريح.


[ قــ :6486 ... غــ : 6847 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَهُ أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِى وَلَدَتْ غُلاَمًا أَسْوَدَ فَقَالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟» قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: «مَا أَلْوَانُهَا؟» قَالَ: حُمْرٌ قَالَ: «فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟» قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: «فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ؟» قَالَ: أُرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ قَالَ: «فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ».

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: ( حدّثني) بالإفراد ( مالك) إمام دار الهجرة ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاءه أعرابي) اسمه ضمضم بن قتادة رواه عبد الغني بن سعيد في المبهمات وابن فتحون من طريقه وأبو موسى في الذيل، وعند أبي داود من رواية ابن وهب أن أعرابيًّا من فزارة وكذا عند بقية أصحاب الكتب الستة ( فقال: يا رسول الله إن امرأتي) لم أقف على اسمها ( ولدت غلامًا) لم أقف على اسمه أيضًا ( أسود) صفة لغلام وهو لا ينصرف للوزن والصفة أي وأنا أبيض، فكيف يكون ابني فعرض بأن أمه أتت به من الزنا ( فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له:
( هل لك من إبل قال) الرجل: ( نعم، قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( ما ألوانها؟) ما مبتدأ من أسماء الاستفهام وألوانها الخبر ( قال) الرجل ألوانها ( حمر) جمع أحمر وأفعل فعلاء لا يجمع إلا على فعل ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فيها) ولأبي ذر هل فيها أي جمل ( أورق) لا ينصرف كأسود في لونه بياض إلى سواد من الورقة وهو اللون الرمادي ومنه قيل للحمامة ورقاء، ولأبي ذر عن الحموي من أورق بزيادة من في اسم كان الذي هو أورق وزيدت هنا لتقدم الاستفهام الذي هو بمعنى النفي وصح ذلك فيها كما صح في قوله تعالى: { أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر}
[الأحقاف: 33] قالوا الباء زائدة في خبر إن لتقدم معنى النفي على الجملة ( قال) الرجل ( نعم) فيها أورق ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فأنّى) بفتح الهمزة والنون المشددة أي من أين ( كان ذلك) اللون الأورق وأبواها ليسا بهذا اللون ( قال) الرجل ( أراه) بضم الهمزة أي أظنه ( عرق) بكسر العين المهملة وسكون الراء بعدها قاف أي أصل من النسب ومنه فلان معرق في النسب والحسب، وفي المثل: العرق نزّاع، والعرق الأصل مأخوذ من عرق الشجر ( نزعه) بفتح النون والزاي والعين جذبه إليه وقلبه، وأخرجه من لون أبويه والمعنى أن ورقها إنما جاء لأنه كان في أصولها البعيدة ما كان في هذا اللون ( قال) عليه الصلاة والسلام ( فلعل ابنك هذا نزعه عرق) .

قال الخطابي: وإنما سأله عن ألوان الإبل لأن الحيوانات تجري طباع بعضها على مشاكلة بعض في اللون والخلقة وقد يندر منها شيء لعارض فكذلك الآدمي يختلف بحسب نوادر الطباع ونوازع العروق انتهى.

وفائدة الحديث المنع عن نفي الولد بمجرد الأمارات الضعيفة بل لا بدّ من تحقق وظهور دليل قويّ كأن لا يكون وطئها أو أتت بولد قبل ستة أشهر من مبدأ وطئها، واستدلّ به الشافعي على أن التعريض بالقذف لا يعطى حكم التصريح فتبعه البخاري حيث أورد هذا الحديث فليس التعريض قذفًا وإلاّ لما كان تعريضًا.
وقال المالكية: التعريض من غير الأب إذا أفهم الرمي بالزنا أو اللواط أو نفي النسب كالتصريح في ترتب الحدّ كقوله لمن يخاصمه: أما أنا فلست بزان أو لست بلائط أو أبي معروف وهو ثمانون جلدة والحديث سبق في الطلاق.