فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الأمن وذهاب الروع في المنام

باب الأَمْنِ وَذَهَابِ الرَّوْعِ فِى الْمَنَامِ
( باب) رؤية ( الأمن وذهاب الروع) بفتح الراء الخوف ( في المنام) .


[ قــ :6660 ... غــ : 7028 ]
- حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانُوا يَرَوْنَ الرُّؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَقُصُّونَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَقُولُ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا شَاءَ اللَّهُ وَأَنَا غُلاَمٌ حَدِيثُ السِّنِّ وَبَيْتِى الْمَسْجِدُ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَ فَقُلْتُ فِى نَفْسِى: لَوْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ لَرَأَيْتَ مِثْلَ مَا يَرَى هَؤُلاَءِ؟ فَلَمَّا اضْطَجَعْتُ لَيْلَةً قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ فِىَّ خَيْرًا فَأَرِنِى رُؤْيَا، فَبَيَّنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ جَاءَنِى مَلَكَانِ فِى يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، يُقْبِلاَ بِى إِلَى جَهَنَّمَ وَأَنَا بَيْنَهُمَا أَدْعُو اللَّهَ اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهَنَّمَ، ثُمَّ أُرَانِى لَقِيَنِى مَلَكٌ فِى يَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ: لَنْ تُرَاعَ نِعْمَ الرَّجُلُ أَنْتَ لَوْ تُكْثِرُ الصَّلاَةَ، فَانْطَلَقُوا بِى حَتَّى وَقَفُوا بِى عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَإِذَا هِىَ مَطْوِيَّةٌ كَطَىِّ الْبِئْرِ لَهُ قُرُونٌ كَقَرْنِ الْبِئْرِ بَيْنَ كُلِّ قَرْنَيْنِ مَلَكٌ بِيَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَأَرَى فِيهَا رِجَالاً مُعَلَّقِينَ بِالسَّلاَسِلِ رُءُوسُهُمْ أَسْفَلَهُمْ، عَرَفْتُ فِيهَا رِجَالاً مِنْ قُرَيْشٍ فَانْصَرَفُوا بِى عَنْ ذَاتِ الْيَمِينِ.

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع ( عبيد الله بن سعيد) بضم العين في الأول وكسرها في الثاني أبو قدامة اليشكري قال: ( حدّثنا عفان بن مسلم) الصفار البصري قال: ( حدّثنا صخر بن جويرية) بضم الجيم مصغرًا أبو نافع مولى بني تميم أو بني هلال قال: ( حدّثنا نافع أن) مولاه ( ابن عمر) عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- ( قال: إن رجالاً) لم يسموا ( من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانوا يرون الرؤيا على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيقصونها على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيقول فيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من التعبير ( ما شاء الله وأنا غلام حديث السن) أي صغيره، ولأبي ذر عن الكشميهني حديث السن ( وبيتي المسجد) آوي إليه ( قبل أن أنكح) أي أتزوج ( فقلت في نفسي لو كان فيك خير) ولأبي ذر خيرًا ( لرأيت مثل ما يرى هؤلاء فلما اضطجعت ليلة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ذات ليلة.
وفي الفتح عزو هذه للكشميهني ( قلت: اللهم إن كنت تعلم فيّ) بتشديد التحتية ( خيرًا فأرني) في منامى ( رؤيا فبينا) بغير ميم ( أنا كذلك إذ جاءني ملكان) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمهما، ويحتمل أن يكونا أخبراه أنهما ملكان ( في يد كل واحد منهما مقمعة) بكسر الميم الأولى وسكون القاف واحدة المقامع وهي سياط ( من حديد) رؤوسها
معوجة ( يقبلا بي) بضم التحتية وسكون القاف وكسر الموحدة وبعد اللام ألف موحدة فتحتية من الإقبال ضد الإدبار ولأبي ذر وابن عساكر يقبلان بي ( إلى جهنم وأنا بينهما أدعو الله.
اللهم أعوذ)
وللأصيلي إني أعوذ ( بك من جهنم، ثم أراني) بضم الهمزة ( لقيني ملك في يده مقمعة من حديد فقال) لي ( لن تراع) نصب بلن وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي لم ترع جزم بلم بالميم أي لم تفزع، وليس المراد أنه لم يقع له فزع بل لما كان الذي فزع منه لم يستمر فكأنه لم يفزع وعلى الأول فالمراد أنك لا روع عليك بعد ذلك ( نعم الرجل أنت لو تكثر) ولأبي ذر عن الكشميهني لو كنت تكثر ( الصلاة فانطلقوا بي حتى وقفوا بي على شفير جهنم فإذا هي مطوية كطي البئر) ولأبي ذر: حتى وقفوا وجهنم مطوية فأسقط بي على شفير وقوله فإذا هي وزادوا ويقبل جهنم ( له) ولأبي ذر عن الكشميهني لها بضمير المؤنث ( قرون كقارون البئر) وهي جوانبها التي تبنى من حجر توضع عليها الخشبة التي فيها البكرة والعادة لكل بئر قرنان ( بين كل قرنين ملك بيده مقمعة من حديد وأرى) بفتح الهمزة ( فيها) في جهنم ( رجالاً معلقين) بفتح اللام المشدّدة ( بالسلاسل رؤوسهم أسفلهم) أي منكسين ( عرفت فيها رجالاً من قريش) قال في الفتح: لم أقف في شيء من الطرق على تسمية أحد منهم ( فانصرفوا) أي الملائكة ( بي ذات اليمين) أي عن جهة اليمين.




[ قــ :6660 ... غــ : 709 ]
- فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ» فَقَالَ نَافِعٌ: لَمْ يَزَلْ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ الصَّلاَةَ.

( فقصصتها) بعد أن استيقظت من منامي ( على حفصة) بنت عمر أم المؤمنين -رضي الله عنهما- ( فقصتها حفصة على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إن عبد الله) أي ابن عمر ( رجل صالح) زاد أبو ذر عن الكشميهني لو كان يصلّي من الليل ( فقال) ولابن عساكر قال ( نافع) مولى ابن عمر ( لم) ولأبي ذر: فلم ( يزل بعد ذلك) عبد الله بن عمر ( يكثر الصلاة) قال ابن بطال: في هذا الحديث أن بعض الرؤيا لا يحتاج إلى تفسير وإن ما فسر في النوم فهو تفسيره في اليقظة لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يزد في تفسير قول الملك.
نعم الرجل أنت لو كنت تكثر الصلاة، وفيه أن أصل التعبير من قبل الأنبياء، ولذا تمنى ابن عمر أن يرى رؤيا فيعبرها له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليكون ذلك عنده أصلاً، وأصل العبير توقيف من قبل الأنبياء عليهم السلام لكن الوارد عنهم في ذلك وإن كان أصلاً فلا يعم جميع المرئي فلا بد للحاذق في هذا الفن أن يستدل بحسن نظره فيردّ ما لم ينص عليه إلى حكم التمثيل ويحكم له بحكم التشبيه الصحيح فيجعل أصلاً يلتحق به غيره كما يفعل الفقيه في فروع الفقه اهـ.

وقال أبو سهل عيسى بن يحيى المسيحي الفيلسوف العابر: اعلم أن لكل علم أصولاً لا تتغير وأقيسة مطردة لا تضطرب إلا تعبيرًا لرؤيا فإنه يختلف باختلاف أحوال الناس وهيئاتهم وصناعاتهم ومراتبهم ومقاصدهم ومللهم وأديانهم ونحلهم ومذاهبهم وعاداتهم وربما يؤخذ تعبير الرؤيا من الأمثال والأشباه والعكوس والأضداد وكل صاحب صناعة وعلم فإنه يستغني بآلات
صناعته وأدوات علمه عن آلات صناعة وأسباب علم آخر إلا صاحب التعبير فإنه ينبغي له أن يكون مطلعًا على جميع العلوم عارفًا بالأديان والملل والمواسم والعادات المستمرة فيما بين الأمم عارفًا بالأمثال والنوادر ويأخذ باشتقاق الألفاظ وأن يكون فطنًا ذكيًّا حسن الاستنباط خبيرًا بعلم الفراسة وكيفية الاستدلال من الهيئات الخلقية على الصفات الخلقية حافظًا للأمور التي تختلف باختلاف تعبير الرؤيا أمثلته بحسب الألفاظ المشتقة أن رجلاً رأى في منامه أنه يأكل السفرجل فقال له المعبر يتفق لك سفرة عظيمة لأن أول جزأي السفرجل هو السفر ورأى رجل أن رجلاً أعطاه غصنًا من أغصان السوسن فقال له المعبر: يصيبك من هذا المعطى سوء تبقى في ورطته سنة لأن السوسن أول جزء منه سو والسو يدل على الشر والجزء الثاني سن والسنة اسم للعام الذي هو اثنا عشر شهرًا لكن قال المسيحي إن هذا التعبير الذي بحسب الاشتقاق للألفاظ العربية إنما يفسر به العرب ومن في بلادهم دون غيرهم لأن للسفرجل والسوسن أسامي أخر لا تدل على هذا التعبير فالسفرجل والسوسن لا يدلان على السفر والسوء في حق من لا يكون من العرب ولا يتوطن ديار العرب ولكن يجعل اشتقاق الألفاظ وكيفية الاستعمال منها على التعبير قانونًا ودستورًا مستعملاً في سائر اللغات ويشتق في سائر اللغات من الألفاظ والأسماء المستعملة فيها ما يوافق معنى الاشتقاق من تلك اللغة دون غيرها كما إذا رأى فارسي في نومه أنه يأكل السفرجل فيدل على صلاح شأنه وانتظام أحواله ولا يدل على السفر في حقه لأن اسم السفرجل في لغة الفرس إنما هو به وهذا بعينه اسم للخيرية اهـ.