فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا رأى ما يكره فلا يخبر بها ولا يذكرها

باب إِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلاَ يُخْبِرْ بِهَا وَلاَ يَذْكُرْهَا
هذا ( باب) بالتنوين ( إذا رأى) الشخص في منامه ( ما يكره فلا يخبر بها) بالرؤيا أحدًا ( ولا يذكرها) لأحد.


[ قــ :6673 ... غــ : 7044 ]
- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ: لَقَدْ كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِى، حَتَّى سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: وَأَنَا كُنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِى حَتَّى سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلاَ يُحَدِّثْ بِهِ إِلاَّ مَنْ يُحِبُّ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَلْيَتْفِلْ ثَلاَثًا وَلاَ يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ».

وبه قال: ( حدّثنا سعيد بن الربيع) الهروي نسبة لبيع الثياب الهروية البصري قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن عبد ربه بن سعيد) الأنصاري أنه ( قال: سمعت أبا سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف ( يقول: لقد كنت أرى الرؤيا) ولابن عساكر أرى بعيني الرؤيا ( فتمرضني) بضم الفوقية وسكون الميم وكسر الراء وضم الضاد المعجمة ( حتى سمعت أبا قتادة) الحارث وقيل النعمان وقيل عمر الأنصاري ( يقول: وأنا كنت لأرى) باللام ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني أرى ( الرؤيا) في منامي ( تمرضني حتى سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( الرؤيا الحسنة من الله فإذا رأى أحدكم) في منامه ( ما يحب فلا يحدّث به إلا من يحب) لأن الحبيب إن عرف خيرًا قاله وإن جهل أو شك سكت بخلاف غيره فإنه يعبرها له بغير ما يحب بغضًا وحسدًا فربما وقع ما فسر به إذ الرؤيا لأول عابر، وفي الترمذي لا يحدث بها إلا لبيبًا أو حبيبًا ( وإذا رأى) فيه ( ما يكره فليتعوّذ بالله من شرها) أي الرؤيا ( ومن شر الشيطان) لأنه الذي يخيل فيها ( وليتفل) بضم الفاء ولغير أبي ذر بكسرها أي عن يساره ( ثلاثًا) .
أي ثلاث مرات استقذارًا للشيطان واحتقارًا له كما يفعل الإنسان عند الشيء القدّر يراه أو يذكره ولا شيء أقذر من الشيطان فأمر بالتفل عند ذكره وكونه ثلاثًا مبالغة في إحسائه ( ولا يحدّث بها أحدًا فإنها) أي الرؤيا المكروهة ( لن تضره) لأن ما ذكر من التعوّذ وغيره سبب للسلامة من ذلك.




[ قــ :6674 ... غــ : 7045 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِىُّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّهَا مِنَ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِىَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا وَلاَ يَذْكُرْهَا لأَحَدٍ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ».

وبه قال: ( حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي ابن عمر بن حمزة بن مصعب بن الزبير بن العوّام أبو إسحاق القرشي الأسدي الزبيري المدني قال: ( حدّثني) بالإفراد ( ابن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار ( والدراوردي) عبد العزيز بن محمد ( عن يزيد) من الزيادة ولأبي ذر عن المستملي زيادة ابن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي بالمثلثة ( عن عبد الله بن خباب) بفتح المعجمة وتشديد الموحدة الأولى ( عن أبي سعيد الخدري) بالدال المهملة -رضي الله عنه- ( أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنها من الله فليحمد الله عليها) على الرؤيا، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عليه أي على المرئي ( وليحدث بها) أي من يحبه ( وإذا رأى غير ذلك مما يكره) بفتح التحتية وسكون الكاف ( فإنما هي من الشيطان) أي من طبعه وعلى وفق رضاه ( فليستعذ) أي بالله ( من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لن تضره) نصب بلن، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لا تضره.

قال الداودي: يريد ما كان من الشيطان وأما ما كان من خير أو شر فهو واقع لا محالة كرؤيا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البقر والسيف.
قال: وقوله ولا يذكرها لأحد يدل على أنها إن ذكرت فربما أضرت.

فإن قلت: قد مرّ أن الرؤيا قد تكون منذرة ومنبهة للمرء على استعداد البلاء قبل وقوعه رفقًا من الله بعباده لئلا يقع على غرة فإذا وقع على مقدمة وتوطين كان أقوى للنفس وأبعد لها من أذى البغتة فما وجه كتمانها؟ أجيب: بأنه إذا أخبر بالرؤيا المكروهة يسوء حاله لأنه لم يأمن من أن تفسر له بالمكروه فيستعجل الهم ويتعذب بها ويترقب وقوع المكروه فيسوء حاله ويغلب عليه اليأس من الخلاص من شرها ويجعل ذلك نصب عينيه، وقد كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- داواه من هذا البلاء الذي عجله لنفسه بما أمره به من كتمانها والتعوذ بالله من شرها وإذا لم تفسر له بالمكروه بقي بين الطمع والرجاء فلا يجزع لأنها من قبل الشيطان أو لأن لها تأويلاً آخر محبوبًا فأراد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لا تتعذب أمته بانتظارهم خروجها بالمكروه، فلو أخبر بذلك كله دهره دائمًا من الاهتمام بما لا يؤذيه أكثره وهذه حكمة بالغة فجزاه الله عنا ما هو أهله.

والحديث سبق في باب الرؤيا من الله.