فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب

باب مَنْ لَمْ يَرَ الرُّؤْيَا لأَِوَّلِ عَابِرٍ إِذَا لَمْ يُصِبْ
( باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب) في العبارة إذ المدار على إصابة الصواب فحديث الرؤيا لأول عابر المروي عن أنس مرفوعًا معناه إذا كان العابر الأول عالمًا فعبر وأصاب وجه التعبير، وإلا فهي لمن أصاب بعده، لكن يعارضه حديث أبي رزين أن الرؤيا إذا عبرت وقعت إلا أن يدعى تخصيص عبرت بأن يكون عابرها عالمًا مصيبًا ويعكر عليه قوله في الرؤيا المكروهة ولا يحدث بها أحد فقيل في حكمة النهي أنه ربما فسرها تفسيرًا مكروهًا على ظاهرها مع احتمال أن تكون محبوبة في الباطن فتقع على ما فسر.
وأجيب: باحتمال أن تكون تتعلق بالرائي فله إذا قصها على أحد ففسرها له على المكروه أنه يبادر غيره ممن يصيب فيسأله فإن قصر الرائي فلم يسأل الثاني وقعت على ما فسر الأول.


[ قــ :6675 ... غــ : 7046 ]
- حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَجُلاً أَتَى
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنِّى رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِى الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطِفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا، فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ وَإِذَا سَبَبٌ وَاصِلٌ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ ثُمَّ وُصِلَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِى أَنْتَ وَاللَّهِ لَتَدَعَنِّى فَأَعْبُرَهَا فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اعْبُرْ» قَالَ: أَمَّا الظُّلَّةُ فَالإِسْلاَمُ،.
وَأَمَّا الَّذِى يَنْطِفُ مِنَ الْعَسَلِ وَالسَّمْنِ فَالْقُرْآنُ حَلاَوَتُهُ تَنْطُفُ، فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْمُسْتَقِلُّ.
وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فَالْحَقُّ الَّذِى أَنْتَ عَلَيْهِ تَأْخُذُ بِهِ، فَيُعْلِيكَ اللَّهُ ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ ثُمَّ يَأْخُذُهُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ، ثُمَّ يُوَصَّلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ فَأَخْبِرْنِى يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِى أَنْتَ أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا» قَالَ: فَوَاللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّى بِالَّذِى أَخْطَأْتُ قَالَ: «لاَ تُقْسِمْ».

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري بالميم ونسبه لجده قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد المصري ( عن يونس) بن يزيد الأيلي ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن عبيد الله) بالتصغير ( ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود ( أن ابن عباس -رضي الله عنهما- كان يحدث أن رجلاً) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه ( أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي مسلم من طريق سليمان بن كثير عن الزهري أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان مما يقول لأصحابه: "من رأى منكم رؤيا فليقصها أعبرها" فجاء رجل وعنده أيضًا من رواية سفيان بن عيينة: جاء رجل إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منصرفه من أحد ( فقال) : يا رسول الله ( إني رأيت الليلة في المنام ظلة) بضم الظاء المعجمة وتشديد اللام سحابة لأنها تظل ما تحتها، وزاد الدارمي من طريق سليمان بن كثير وابن ماجة من طريق سفيان بن عيينة بين السماء والأرض ( تنطف) بسكون النون وضم الطاء المهملة وكسرها تقطر ( السمن والعسل فأرى الناس يتكففون) أي يأخذون بأكفهم ( منها فالمستكثر) أي فمنهم المستكثر في الأخذ ( و) منهم ( المستقل) فيه أي منهم الآخذ كثيرًا والآخذ قليلاً ( وإذا سبب) أي حبل ( واصل من الأرض إلى السماء فأراك) يا رسول الله ( أخذت به فعلوت) وفي رواية سليمان بن كثير المذكورة فأعلاك الله ( ثم أخذ به) بالسبب ولابن عساكر ثم أخذه ( رجل آخر فعلاً به ثم أخذ به) ولابن عساكر أيضًا ثم أخذه ( رجل آخر فعلاً به ثم أخذ به) ولابن عساكر أيضًا ثم أخذه ( رجل آخر فانقطع ثم وصل) بضم الواو وكسر الصاد ( فقال أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه-: ( يا رسول الله بأبي أنت) مفدي ( والله لتدعني) بفتح اللام للتأكيد والدال والعين وكسر النون المشددة لتتركني ( فأعبرها) بضم الموحدة وفتح الراء، وزاد سليمان في روايته وكان من أعبر الناس للرؤيا بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له:
( اعبر) ولأبي ذر اعبرها بالضمير المنصوب ( قال) أبو بكر: ( أما الظلة فالإسلام) لأن الظلة
نعمة من نعم الله على أهل الجنة وكذلك كانت على بني إسرائيل وكذلك كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تظله الغمامة قبل نبوته وكذلك الإسلام يقي الأذى وينعم به المؤمن في الدنيا والآخرة ( وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن حلاوته تنطف) قال تعالى في العسل: { شفاء للناس} [النحل: 69] وفي القرآن: { شفاء لما في الصدور} [يونس: 57] ولا ريب أن تلاوة القرآن تحلو في الأسماع كحلاوة العسل في المذاق بل أحلى ( فالمستكثر من القرآن والمستقل) منه ( وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله) أي يرفعك به ( ثم يأخد به رجل من بعدك فيعلو به) فسّر بالصديق -رضي الله عنه- لأنه يقوم بالحق بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أمته ( ثم يأخذ رجل) ولأبي ذر يأخذ به رجل ( آخر) هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ( فيعلو به ثم يأخذ) ولأبي ذر عن الكشميهني ثم يأخذ به ( رجل آخر) هو عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ( فينقطع به ثم يوصل) بالتخفيف والذي في اليونينية ثم يوصل ( له فيعلو به) يعني أن عثمان كاد أن ينقطع عن اللحاق بصاحبيه بسبب ما وقع له من تلك القضايا التي أنكروها فعبر عنها بانقطاع الحبل ثم وقعت له الشهادة فاتصل فالتحق بهم ( فأخبرني) بكسر الموحدة وسكون الراء ( يا رسول الله بأبي أنت) مفدي ( أصبت) في هذا التعبير ( أم أخطأت؟ قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له ( أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا) قيل خطؤه في التعبير لكونه عبّر بحضوره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحق بتعبيرها، وقيل أخطأ لمبادرته تعبيرها قبل أن يأمره به، وتعقب بأنه عليه الصلاة والسلام أذن له في ذلك وقال اعبرها.

وأجيب: بأنه لم يأذن له ابتداء بل بادر هو بالسؤال أن يأذن له في تعبيرها فأذن له، وقال: أخطأت في مبادرتك للسؤال أن تتولى تعبيرها، لكن في إطلاق الخطأ على ذلك نظر فالظاهر أنه أراد الخطأ في التعبير لا لكونه التمس التعبير.

قال ابن هبيرة: إنما أخطأ لكونه أقسم ليعبرنها بحضرته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولو كان أخطأ في التعبير لم يقرّه عليه وقيل: أخطأ لكونه عبّر السمن والعسل بالقرآن فقط وهما شيئان كان من حقه أن يعبرهما بالقرآن والسنّة لأنها بيان للكتاب المنزّل عليه وبهما تتم الأحكام كتمام اللذة بهما، وقيل وجه الخطأ أن الصواب في التعبير أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الظلة، والسمن والعسل القرآن والسُّنّة، وقيل: يحتمل أن يكون السمن والعسل العلم والعمل وقيل الفهم والحفظ.
وتعقب ذلك في المصابيح فقال: لا يكاد ينقضي العجب من هؤلاء الذين تعرضوا إلى تبيين الخطأ في هذه الواقعة مع سكوت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك وامتناعه منه بعد سؤال أبي بكر له في ذلك حيث ( قال: فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت) في وثبت قوله يا رسول الله لأبي ذر وابن عساكر ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( لا تقسم) فكيف لا يسع هؤلاء من السكوت ما وسع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وماذا يترتب على ذلك من الفائدة فالسكوت عن ذلك هو المتعين اهـ.

وحكى ابن العربي أن بعضهم سئل عن بيان الوجه الذي أخطأ فيه أبو بكر فقال: من الذي يعرفه؟ ولئن كان تقدم أبي بكر بين يدي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للتعبير خطأ فالتقدم بين يدي أبي بكر لتعيين
خطئه أعظم وأعظم فالذي يقتضيه الدين الكف عن ذلك.
وأجاب في الكواكب: بأنهم إنما قدموا على تبيين ذلك مع أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يبينه لأن هذه الاحتمالات لا جزم فيها أو لأنه كان يلزم في بيانه مفاسد للناس واليوم زال ذلك.


إرشاد:
قال الحافظ ابن حجر أثابه الله: جميع ما ذكر من لفظ الخطأ ونحوه إنما أحكيه عن قائليه ولست راضيًا بإطلاقه في حق الصديق -رضي الله عنه- اهـ.

وقوله عليه الصلاة والسلام "لا تقسم" بعد إقسام أبي بكر -رضي الله عنه- أي لا تكرر يمينك.
قال النووي: قيل إنما لم يبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قسم أبي بكر لأن إبرار القسم مخصوص بما إذا لم يكن هناك مفسدة ولا مشقة ظاهرة قال: ولعل المفسدة في ذلك ما علمه من انقطاع السبب بعثمان وهو قتله وتلك الحروب والفتن المريبة فكره ذكرها خوف شياعها.

والحديث أخرجه مسلم في التعبير وأبو داود في الإيمان والنذور والنسائي وابن ماجة في الرؤيا.