فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الفتنة التي تموج كموج البحر

باب الْفِتْنَةِ الَّتِى تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ خَلَفِ بْنِ حَوْشَبٍ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَتَمَثَّلُوا بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ عِنْدَ الْفِتَنِ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
الْحَرْبُ أَوَّلُ مَا تَكُونُ فَتِيَّةً ... تَسْعَى بِزِينَتِهَا لِكُلِّ جَهُولِ
حَتَّى إِذَا اشْتَعَلَتْ وَشَبَّ ضِرَامُهَا ... وَلَّتْ عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ حَلِيلِ
شَمْطَاءَ يُنْكَرُ لَوْنُهَا وَتَغَيَّرَتْ ... مَكْرُوهَةً لِلشَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ
( باب الفتنة التي تموج كموج البحر) .

( وقال ابن عيينة) سفيان مما وصله البخاري في تاريخه الصغير عن عبد الله بن محمد المسندي حدّثنا سفيان بن عيينة ( عن خلف بن حوشب) بفتح المهملة والمعجمة بينهما واو ساكنه آخره موحدة بوزن جعفر أدرك خلف بعض الصحابة ولم تعلم له رواية عن أحد منهم وهو من أهل الكوفة ووثّقه العجلي وليس له في البخاري إلا هذا الموضع ( كانوا) أي السلف ( يستحبون أن يتمثلوا بهذه الأبيات عند) نزول ( الفتن.
قال امرؤ القيس)
بن عابس الكندي كان في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كذا في رواية أبي ذر، قال امرؤ القيس والمحفوظ أن الأبيات المذكورة لعمرو بن معد يكرب بفتح عين عمرو، وجزم به أبو العباس المبرد في الكامل والسهيلي في روضة والأبيات هي:
( الحرب أول ما تكون) الحرب مؤنثة.
قال الخليل تصغيرها حريب بلا هاء.
قال المازني لأنه في الأصل مصدر، وقال المبرد قد يذكر الحرب ( فتية) بفتح الفاء وكسر الفوقية وفتح الموحدة مشددة.
قال في المصابيح: ويروى فتية بضم الفاء مصغرًا أي شابة ويجوز فيه أربعة أوجه:
الأول: رفع أول ونصب فتية وهو الذي في الفرع مثل زيد أخطب ما يكون يوم الجمعة، فالحرب مبتدأ أول، وقوله أول ما تكون مبتدأ ثان، وفتية حال سادّة مسدّ الخبر والجملة المركبة من المبتدأ الثاني وخبره خبر عن المبتدأ الأول، والمعنى الحرب أول أكوانها إذا أو إذا كانت فتية.

الثاني: نصب أول ورفع فتية عكس الأول ووجهه ظاهر وهو أن يكون الحرب مبتدأ خبره فتية، وأول ما يكون ظرف عامله الخبر وتكون ناقصة أي الحرب في أول أحوالها فتية.

الثالث: رفع أول، وفتية على أن الحرب مبتدأ أو أول بدل منه وفتية خبر وما مصدرية وتكون تامة أو أول مبتدأ ثان، وفتية خبره وأنّث الخبر مع أن المبتدأ الذي هو أول مذكر لأنه مضاف إلى الأكوان.

الرابع: نصبهما جميعًا على أن أول ظرف وهو خبر المبتدأ الذي هو الحرب وتكون ناقصة وفتية منصوب على الحال من الضمير المستكن في الظرف المستقر أي الحرب موجودة في أول أكوانها على هذه الحالة، والخبر عنها قوله: ( تسعى) أي الحرب في حال ما هي فتية أي في وقت وقوعها تغرّ من لم يجرّبها حتى يدخل فيها فتهلكه ( بزينتها لكل جهول) بكسر الزاي وسكون التحتية بعدها نون ففوقية ورواه سيبويه بموحدتين فزاي مشددة مفتوحة والبزة اللباس الجيد.

( حتى إذا اشتعلت) بالشين المعجمة والعين المهملة أي هاجت وإذا شرطية وجوابها ولت أو
محذوف كما في المصابيح ويجوز أن تكون ظرفية ( وشب) بفتح المعجمة والموحدة المشددة ( ضرامها) بكسر الضاد المعجمة بعدها راء فألف فميم اتقد وارتفع اشتعالها ( ولّت) حال كونها ( عجوزًا غير ذات حليل) بالحاء المهملة أي لا يرغب أحد في تزوّجها ولا يروى بالخاء المعجمة.

( شمطاء) بالنصب نعت لعجوزًا والشمط بفتح الشين المعجمة اختلاط الشعر الأبيض بالشعر الأسود ( ينكر) بضم التحتية وفتح الكاف ( لونها) ولأبي ذر تنكر بالفوقية بدل التحتية أي تبدلت بحسنها قبحًا ( وتغيرت) حال كونها ( مكروهة للشم والتقبيل) .
لأنها في هذه الحالة مظنة للبخر فوصفها به مبالغة في التنفير منها والمراد أنهم يتمثلون بهذه الأبيات ليستحضروا ما شاهدوه وسمعوه من حال الفتنة فإنهم يتذكرون بإنشادها ذلك فيصدهم عن الدخول فيها حتى لا يغتروا بظاهر أمرها أولاً.


[ قــ :6718 ... غــ : 7096 ]
- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَقِيقٌ سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ عُمَرَ قَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الْفِتْنَةِ؟ قَالَ: فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِى أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ.
قَالَ: لَيْسَ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ وَلَكِنِ الَّتِى تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ؟ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا قَالَ عُمَرُ: أَيُكْسَرُ الْبَابُ أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: بَلْ يُكْسَرُ قَالَ عُمَرُ: إِذًا لاَ يُغْلَقَ أَبَدًا قُلْتُ: أَجَلْ.
قُلْنَا لِحُذَيْفَةَ: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ الْبَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَمَا أَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَدٍ لَيْلَةً، وَذَلِكَ أَنِّى حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ مَنِ الْبَابُ فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مَنِ الْبَابُ قَالَ: عُمَرُ.

وبه قال: ( حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) قال: ( حدّثنا أبي) حفص قال: ( حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: ( حدّثنا شقيق) أبو وائل بن سلمة قال: ( سمعت حذيفة) بن اليمان ( يقول: بينا) بغير ميم ( نحن جلوس عند عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- ( إذا قال: أيكم يحفظ قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الفتنة؟ قال) حذيفة قلت هي ( فتنة الرجل) وفي علامات النبوّة من طريق شعبة عن الأعمش قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فتنة الرجل ( في أهله) بالميل يأتي بسببهنّ بما لا يحل له ( و) فتنته في ( ماله) بأن يأخذ من غير حله ويصرفه في غير حله ( و) في ( ولده) لفرط محبته له والشغل به عن كثير من الخيرات ( و) في ( جاره) بالحسد والمفاخرة وكلها ( تكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) أي تكفر الصغائر فقط لحديث الصلاة إلى الصلاة كفّارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر، ويحتمل أن يكون كل واحد من الصلاة وما بعدها مكفرًا للمذكورات كلها لا لكل واحد منها، وأن يكون من باب اللف والنشر بأن الصلاة مثلاً كفّارة للفتنة في الأهل وهكذا الخ ... وخص الرجل بالذكر لأنه في الغالب صاحب الحكم في داره وأهله إلا فالنساء شقائق الرجال في الحكم ( قال) عمر -رضي الله عنه- لحذيفة ( ليس عن هذا) الذي ذكرت ( أسألك،
ولكن)
التي أسألك عنها الفتنة ( التي تموج كموج البحر) تضطرب كاضطرابه عند هيجانه كناية عن شدة المخاصمة وما ينشأ عن ذلك من المشاتمة والمقاتلة وفيه دليل على جواز إطلاق اللفظ العام وإرادة الخاص إذ تبين أن عمر لم يسأل إلا عن فتنة مخصوصة، وفي رواية ربعي بن حراش عن حذيفة عند الطبراني فقال حذيفة: سمعته يقول: يأتي بعدي فتن كموج البحر يدفع بعضها بعضًا ويؤخذ منها كما في الفتح جهة التشبيه بالموج وأنه ليس المراد منه الكثرة فقط ( فقال) حذيفة لعمر -رضي الله عنه-: ( ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين إن بينك وبينها بابًا مغلقًا) بضم الميم وسكون المعجمة وفتح اللام بالنصب صفة لبابًا أي لا يخرج شيء منها في حياتك.
قال ابن المنير: آثر حذيفة الحرص على حفظ السر فلم يصرح لعمر -رضي الله عنه- بما سأل عنه وإنما كنى عنه كناية وكأنه كان مأذونًا له في مثل ذلك، وقال ابن بطال: وإنما عدل حذيفة حين سأله عمر عن الإخبار بالفتنة الكبرى إلى الإخبار بالفتنة الخاصة لئلا يغمه ويشغل باله ومن ثم قال له: إن بينك وبينها بابًا مغلقًا ولم يقل له أنت الباب وهو يعلم أنه الباب فعرّض له بما أفهمه ولم يصرح وذلك من حسن أدبه.
( قال عمر) -رضي الله عنه- مستفهمًا لحذيفة ( أيكسر الباب أم يفتح؟ قال) حذيفة ( بل) ولأبي ذر عن الكشميهني لا بل ( يكسر.
قال عمر: إذًا)
بالتنوين أي إن انكسر ( لا يغلق) نصب بإذا ( أبدًا) وفي الصيام ذاك أجدر أن لا يغلق إلى يوم القيامة ويحتمل أن يكون كنى عن الموت بالفتح وعن القتل بالكسر.
قال حذيفة ( قلت: أجل) بالجيم واللام المخففة.
نعم قال شقيق ( قلنا لحذيفة أكان عمر يعلم الباب؟ قال) حذيفة: ( نعم) كان يعلمه ( كما أعلم) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يعلم ( أن دون غد ليلة) أي أعلمه علمًا ضروريًّا مثل هذا ( وذلك أني حدّثته حديثًا ليس بالأغاليط) جمع أغلوطة بالغين المعجمة والطاء المهملة ما يغالطه أي حدّثته حديثًا صدقًا محققًا من حديثه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا عن اجتهاد ولا عن رأي.
قال شقيق ( فهبنا) فخفنا ( أن نسأله) أن نسأل حذيفة ( من الباب) أي من هو الباب ( فأمرنا) بسكون الراء ( مسروقًا) هو ابن الأجدع أن يسأله ( فسأله فقال) : أي مسروق لحذيفة ( من الباب؟ قال: عمر) -رضي الله عنه-.

والحديث سبق في باب المواقيت من الصلاة وفي الزكاة والصوم وعلامات النبوّة.




[ قــ :6719 ... غــ : 7097 ]
- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ قَالَ: خَرَجَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِ الْمَدِينَةِ لِحَاجَتِهِ، وَخَرَجْتُ فِى إِثْرِهِ فَلَمَّا دَخَلَ الْحَائِطَ جَلَسْتُ عَلَى بَابِهِ وَقُلْتُ: لأَكُونَنَّ الْيَوْمَ بَوَّابَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَأْمُرْنِى فَذَهَبَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَضَى حَاجَتَهُ وَجَلَسَ عَلَى قُفِّ الْبِئْرِ فَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلاَّهُمَا فِى الْبِئْرِ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ لِيَدْخُلَ فَقُلْتُ: كَمَا أَنْتَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ لَكَ فَوَقَفَ فَجِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ فَقَالَ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» فَدَخَلَ فَجَاءَ عَنْ يَمِينِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلاَّهُمَا فِى الْبِئْرِ فَجَاءَ عُمَرُ فَقُلْتُ: كَمَا أَنْتَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ لَكَ، فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» فَجَاءَ عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ فَدَلاَّهُمَا فِى الْبِئْرِ، فَامْتَلأَ الْقُفُّ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَجْلِسٌ ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَقُلْتُ: كَمَا أَنْتَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ لَكَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ مَعَهَا بَلاَءٌ يُصِيبُهُ» فَدَخَلَ فَلَمْ يَجِدْ مَعَهُمْ مَجْلِسًا فَتَحَوَّلَ حَتَّى جَاءَ مُقَابِلَهُمْ عَلَى شَفَةِ الْبِئْرِ فَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ ثُمَّ دَلاَّهُمَا فِى الْبِئْرِ فَجَعَلْتُ أَتَمَنَّى أَخًا لِى وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَأْتِىَ.
قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَتَأَوَّلْتُ ذَلِكَ قُبُورَهُمُ اجْتَمَعَتْ هَا هُنَا وَانْفَرَدَ عُثْمَانُ.

وبه قال: ( حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي بالولاء قال: ( أخبرنا محمد بن جعفر) واسم جده ابن أبي كثير المدني ( عن شريك بن عبد الله) بن أبي نمر المدني ( عن سعيد بن المسيب) بن حزن الإمام أبي محمد المخزومي ( عن أبي موسى الأشعري) -رضي الله عنه- أنه ( قال: خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى) ولأبي ذر يومًا إلى ( حائط من حوائط المدينة لحاجته) هو بستان أريس بهمزة مفتوحة فراء مكسورة فتحتية ساكنة فسين مهملة يجوز فيه الصرف وعدمه وهو قريب من قباء وفي بئره سقط خاتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أصبع عثمان -رضي الله عنه- ( وخرجت في أثره فلما دخل الحائط) أي البستان المذكور ( جلست على بابه وقلت: لأكونن اليوم بوّاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ولم يأمرني)
بأن أكون بوّابًا لكن سبق في مناقب عثمان أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمره بذلك فيحتمل أنه لما حدّث نفسه بذلك صادف أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك ( فذهب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقضى حاجته وجلس على) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي في ( قف البئر) بضم القاف وتشديد الفاء حافتها أو الدكة التي حولها ( فكشف عن ساقيه ودلاّهما في البئر فجاء أبو بكر) -رضي الله عنه- حال كونه ( يستأذن عليه) زاده الله شرفًا لديه ( ليدخل فقلت) له: اثبت وقف ( كما أنت حتى أستأذن لك) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فوقفت فجئت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يا نبي الله أبو بكر يستأذن) في الدخول ( عليك فقال) :
( ائذن له وبشره بالجنة) زاد في المناقب فأقبلت حتى قلت لأبي بكر: ادخل ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يبشرك بالجنة ( فدخل فجاء) ولأبي ذر عن الكشميهني فجلس ( عن يمين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر) موافقة له عليه الصلاة والسلام وليكون أبلغ في بقائه عليه السلام على حالته وراحته بخلاف ما إذا لم يفعل ذلك فربما استحيا منه فرفع رجليه ( فجاء عمر) -رضي الله عنه- أي يستأذن أيضًا ( فقلت: كما أنت حتى أستأذن لك) فاستأذنت له ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ائذن له وبشره بالجنة.
فجاء)
عمر -رضي الله عنه- وجلس ( عن يسار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكشف عن ساقيه فدلاهما في البئر فامتلأ) بالفاء، ولأبي ذر عن الكشميهني وامتلأ ( القف) به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصاحبيه ( فلم يكن فيه مجلس ثم جاء عثمان) -رضي الله عنه- ( فقلت: كما أنت حتى استأذن لك) فاستأذنت ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ائذن له وبشره بالجنة معها بلاء يصيبه) وهو قتله فى الدار قال ابن بطال: وإنما خص عثمان بذكر البلاء مع أن عمر أيضًا قتل لأن عمر لم يمتحن بمثل ما امتحن عثمان من تسليط القوم الذين أرادوا منه أن ينخلع من الإمامة بسبب ما نسبوه إليه من الجور مع تنصله من ذلك واعتذاره من كل ما نسبوه إليه ثم هجمهم عليه داره وهتكهم ستر أهله فكان ذلك زيادة على
قتله، وفي رواية أحمد بإسناد صحيح من طريق كليب بن وائل عن ابن عمر قال: ذكر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتنة فمر رجل فقال يقتل فيها هذا يومنذ ظلمًا قال فنظرت فإذا هو عثمان ( فدخل) -رضي الله عنه- ( فلم يجد معهم مجلساً فتحوّل حتى جاء مقابلهم على شفة البئر) بفتح الشين المعجمة والفاء المخففة ( فكشف عن ساقيه ثم دلاهما في البئر) قال أبو موسى ( فجعلت أتمنى أخًا لي) هو أبو بردة عامر أو أبو رهم ( وأدعو الله أن يأتي قال ابن المسيب) سعيد ( فتأوّلت) ولأبي ذر عن الكشميني فأولت فتفرست ( ذلك) أي اجتماع الصاحبين معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وانفراد عثمان ( قبورهم اجتمعت هاهنا وانفرد عثمان) عنهم في البقيع والمراد بالاجتماع مطلقه لا خصوص كون أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله كما كانوا على البئر وفيه أن التمثيل لا يستلزم التسوية.
نعم أخرج أبو نعيم عن عائشة في صفة القبور الثلاثة أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره ففيه التصريح بتمام التشبيه لكن سنده ضعيف وعارضه ما هو أوضح منه، وعند أبي داود والحاكم من طريق القاسم بن محمد قال: قلت لعائشة يا أمتاه اكشفي عن قبر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصاحبيه فكشفته لي الحديث.
وفيه فرأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإذا أبو بكر رأسه بين كتفيه وعمر رأسه عند رجلي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وحديث الباب سبق في فضل أبي بكر وأخرجه مسلم في الفضائل.




[ قــ :670 ... غــ : 7098 ]
- حَدَّثَنِى بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لأُسَامَةَ أَلاَ تُكَلِّمُ هَذَا؟ قَالَ: قَدْ كَلَّمْتُهُ مَا دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَفْتَحُهُ وَمَا أَنَا بِالَّذِى أَقُولُ لِرَجُلٍ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ أَمِيرًا عَلَى رَجُلَيْنِ أَنْتَ خَيْرٌ بَعْدَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يُجَاءُ بِرَجُلٍ فَيُطْرَحُ فِى النَّارِ فَيَطْحَنُ فِيهَا كَطَحْنِ الْحِمَارِ بِرَحَاهُ فَيُطِيفُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ أَىْ فُلاَنُ أَلَسْتَ كُنْتَ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: إِنِّى كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ أَفْعَلُهُ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَأَفْعَلُهُ».

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( بشر بن خالد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة اليشكري قال ( أخبرنا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم البصري الحافظ غندر ( عن) زوج أمه ( شعبة) بن الحجاج الحافظ ( عن سليمان) بن مهران الأعمش أنه قال ( سمعت أبا وائل) شقيق بن سلمة ( قال: قيل لأسامة) بن زيد حب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-رضي الله عنه- ( ألا) بالتخفيف ( تكلم هذا) أي عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فيما أنكر الناس عليه من توليه أقاربه وغير ذلك مما اشتهر وقال المهلب في شأن أخيه لأمه الوليد بن عقبة وما ظهر عليه من شربه الخمر ( قال) أسامة: ( قد كلمته) في ذلك سرًّا ( ما دون أن أفتح بابًا) من أبواب الإنكار عليه ( أكون أول من يفتحه) بصيغة المضارع ولأبي ذر عن الكشميهني فتحه بل كلمته على سبيل المصلحة والأدب إذا الإعلان بالأنكار على الأئمة ربما أدّى إلى افتراق الكلمة كما وقع ذلك من تفرق الكلمة بمواجهة عثمان بالنكير فالتلطف والنصيحة سرًّا أجدر بالقبول، وقول المهلب إن المراد الوليد بن عقبة تبعه فيه العيني بل صرح بأنه في مسلم
ولفظه، وقد بيّنه في رواية مسلم قيل له ألا تدخل على عثمان وتكلمه في شأن الوليد بن عقبة وما ظهر منه من شرب الخمر اهـ.

وقد رأيت الحديث في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومخالفته وليس فيه ما قاله العيني.
وقال الحافظ ابن حجر متعقبًا المهلب جزمه بأن المراد الوليد بن عقبة ما عرفت مستنده فيه وسياق مسلم من طريق جرير عن الأعمش يدفعه ولفظه عن أبي وائل كنا عند أسامة بن زيد فقال له رجل ما يمنعك أن تدخل على عثمان فتكلمه فيما يصنع قال وساق الحديث بمثله اهـ.

قلت: وقوله بمثله أي بمثل الحديث الذي ساقه أول الباب من طريق أبي معاوية عن الأعمش بلفظ قيل له ألا تدخل على عثمان فتكلمه؟ فقال: أترون أني لا أكلمه إلا ما أسمعكم والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمرًا الحديث.
ثم عرفهم أسامة بأنه لا يداهن أحدًا ولو كان أميرًا بل ينصحه في السر جهده فقال: ( وما أنا بالذي أقول لرجل بعد أن يكون أميرًا على رجلين أنت خير) من الناس ولأبي ذر عن الكشميهني إيت بهمزة مكسورة فتحتية ساكنة فعل أمر من الإتيان خيرًا نصب على المفعولية ( بعدما) أي بعد الذي ( سمعت من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( يجاء) بضم الياء ( برجل فيطرح في النار فيطحن فيها كطحن الحمار برحاه) بفتح الياء من فيطحن.
قال في الفتح: وفي رواية الكشميهني كما يطحن كذا رأيته في نسخة معتمدة بضم أوله على البناء للمجهول وفتحها أوجه، ففي رواية سفيان وأبي معاوية فتندلق أقتابه فيدور كما يدور الحمار والأقتاب الأمعاء واندلاقها خروجها بسرعة اهـ.
والذي رأيته في فرع اليونينية كأصله عن أبي ذر عن الكشميهني كما يطحن بفتح الياء مبنيًّا للفاعل الحمار برحاه ( فيطيف به أهل النار) يجتمعون حوله ( فيقولون) له ( أي فلان) ما شأنك ( ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول) لهم: ( إني كنت آمر بالمعروف ولا أفعله وأنهى عن المنكر وأفعله) .
وقول المهلب إن السبب في تحديث أسامة بذلك ليتبرأ مما ظنوا به من سكوته عن عثمان في أخيه الوليد بن عقبة تعقبه في الفتح بأنه ليس واضحًا بل الذي يظهر أن أسامة كان يخشى على من ولي ولاية ولو صغرت أنه لا بد له من أن يأمر الرعية بالمعروف وينهاهم عن المنكر ثم لا يأمن أن يقع منه تقصير فكان أسامة يرى أنه لا يتأمر على أحد وإلى ذلك أشار بقوله لا أقول للأمير: إنه خير الناس أي بل غايته أن ينجو كفافًا.

والحديث سبق في صفة النار وأخرجه مسلم في باب الأمر بالمعروف كما سبق.


باب
( باب) بالتنوين بغير ترجمة.


[ قــ :671 ... غــ : 7099 ]
- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِى بَكْرَةَ قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِى
اللَّهُ بِكَلِمَةٍ أَيَّامَ الْجَمَلِ لَمَّا بَلَغَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ فَارِسًا مَلَّكُوا ابْنَةَ كِسْرَى قَالَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً».

وبه قال: ( حدّثنا عثمان بن الهيثم) مؤذن البصرة قال: ( حدّثنا عوف) بفتح العين وبعد الواو الساكنة فاء الأعرابي ( عن الحسن) البصري ( عن أبي بكرة) نفيع -رضي الله عنه- أنه ( قال: لقد نفعني الله) عز وجل ( بكلمة أيام) وقعة ( الجمل) بالجيم التي كانت بين عليّ وعائشة بالبصرة وكانت عائشة -رضي الله عنها- على جمل فنسبت الوقعة إليه ( لما) بتشديد الميم ( بلغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن فارسًا) بالصرف في جميع النسخ نسخ الحفاظ أبي محمد الأصيلي وأبي ذر الهروي والأصل المسموع على أبي الوقت، وفي أصل أبي القاسم الدمشقي: غير مصروف.
وقال ابن مالك: كذا وقع مصروفًا والصواب عدم صرفه، وقال في الكواكب: يطلق على الفرس وعلى بلادهم فعلى الأول يجب الصرف إلا أن يقال المراد القبيلة، وعلى الثاني يجوز الأمران كسائر البلاد ( ملكوا ابنة كسرى) شيرويه بن أبرويز بن هرمز وقال الكرماني كسرى بفتح الكاف وكسرها ابن قباد بضم القاف وتخفيف الموحدة واسم ابنته بوران بضم الموحدة وسكون الواو وبعدها راء فألف فنون وكانت مدة ولايتها سنة وستة أشهر ( قال) :
( لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) واحتج به من منع قضاء المرأة وهو قول الجمهور، وقال أبو حنيفة تقضي فيما يجوز فيه شهادتين، وزاد الإسماعيلي من طريق النضر بن شميل عن عوف في آخره.
قال أبو بكرة: فعرفت أن أصحاب الجمل لن يفلحوا.

والحديث سبق في المغازي.




[ قــ :67 ... غــ : 7100 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَرْيَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ الأَسَدِىُّ قَالَ: لَمَّا سَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَائِشَةُ إِلَى الْبَصْرَةِ بَعَثَ عَلِىٌّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَحَسَنَ بْنَ عَلِىٍّ فَقَدِمَا عَلَيْنَا الْكُوفَةَ فَصَعِدَا الْمِنْبَرَ فَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ فَوْقَ الْمِنْبَرِ فِى أَعْلاَهُ وَقَامَ عَمَّارٌ أَسْفَلَ مِنَ الْحَسَنِ فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ فَسَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ: إِنَّ عَائِشَةَ قَدْ سَارَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ وَوَاللَّهِ إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ابْتَلاَكُمْ لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ تُطِيعُونَ أَمْ هِىَ؟
وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: ( حدّثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الكوفي قال: ( حدّثنا أبو بكر بن عياش) بالتحتية المشددة والشين المعجمة راوي عاصم المقري قال: ( حدّثنا أبو حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي قال: ( حدّثنا أبو مريم عبد الله بن زياد الأسدي) بفتح الهمزة والمهملة ( قال: لما سار طلحة) بن عبيد الله ( والزبير) بن العوام ( وعائشة) أم المؤمنين -رضي الله عنهم- ( إلى البصرة) وكانت عائشة بمكة فبلغها قتل عثمان -رضي الله عنه- فحضت الناس على القيام بطلب دم عثمان، وكان الناس قد بايعوا عليًّا بالخلافة
وممن بايعه طلحة والزبير واستأذنا عليًّا في العمرة فخرجا إلى مكة فلقيا عائشة فاتفقا معها على طلب دم عثمان حتى يقتلوا قتلته، فسارت عائشة على جمل اسمه عسكر اشتراه لها يعلى بن أمية من رجل من عرينة بمائتي دينار في ثلاثة آلاف رجل من مكة والمدينة ومعها طلحة والزبير، فلما نزلت ببعض مياه بني عامر نبحت عليها الكلاب فقالت: أيّ ماء هذا قالوا: الحوأب بفتح الحاء المهملة وسكون الواو بعدها همزة مفتوحة فموحدة فقالت: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لنا ذات يوم "كيف بإحداكن ينبح عليها كلاب الحوأب" وعند البزار من حديث ابن عباس أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لنسائه: "أيتكن صاحبة الجمل الأدبب" بهمزة مفتوحة ودال مهملة ساكنة فموحدتين "تخرج حتى تنبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وعن شمالها قتلى كثيرة وتنجو بعدما كادت".

وخرج علي -رضي الله عنه- من المدينة لما بلغه ذلك خوف الفتنة في آخر شهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين في تسعمائة راكب ولما قدم البصرة قال له قيس بن عباد وعبد الله بن الكواء: أخبرنا عن مسيرك فذكر كلامًا طويلاً، ثم ذكر طلحة والزبير فقال: بايعاني بالمدينة وخالفاني بالبصرة وكان قد ( بعث علي) -رضي الله عنه- ( عمار بن ياسر وحسن بن علي) أي ابن فاطمة يستنفران الناس ( فقدما علينا الكوفة) فدخلا المسجد ( فصعدا المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه) لأنه ابن الخليفة وابن بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأنه كان الأمير على من أرسلهم عليّ وإن كان في عمار ما يقتضي رجحانه فضلاً عن مساواته أو فعله عمار تواضعًا معه إكرامًا لجده عليه الصلاة والسلام ( وقام عمار) على المنبر ( أسفل من الحسن فاجتمعنا إليه) قال أبو مريم ( فسمعت عمارًا يقول: إن عائشة قد سارت إلى البصرة ووالله إنها لزوجة نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الدنيا والآخرة ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم) بها ( ليعلم إياه) تعالى ( تطيعون أم) تطيعون ( هي) -رضي الله عنها-.
وقيل الضمير في إياه لعلي والمناسب أن يقول أو إياها لا هي.
وقال في المصابيح: فيه نظر من حيث إن أم فيه متصلة فقضية المعادلة بين المتعاطفين بها أن يقال أم إياها اهـ.

وأجاب الكرماني: بأن الضمائر يقوم بعضها مقام بعض قال في الفتح: وهو على بعض الآراء.

وعند الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي بكر بن عياش صعد عمار المنبر فحض الناس في الخروج إلى قتال عائشة وفي رواية ابن أبي ليلى في القصة المذكورة فقال الحسن: إن عليًّا يقول إني أذكر الله رجلاً رعى الله حقًّا أن لا يفر فإن كنت مظلومًا أعانني وإن كنت ظالمًا أخذلني، والله إن طلحة والزبير لأول من بايعني ثم نكثا ولم أستأثر بمال ولا بدلت حكمًا.
قال: فخرج إليه اثنا عشر ألف رجل.

وعند ابن أبي شيبة من طريق شمس بن عطية عن عبد الله بن زياد قال: قال عمار: إن أمنا سارت مسيرها هذا وإنها والله زوج محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الدنيا والآخرة ولكن الله تعالى ابتلانا ليعلم إياه نطيع أو إياها ومراد عمار بذلك أن الصواب في تلك القصة كان مع علي وأن عائشة مع ذلك لم
تخرج بذلك عن الإسلام ولا أن لا تكون زوجة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الجنة، وكان ذلك يعد من إنصاف عمار وشدة ورعه وتحرّيه قول الحق.

وقال ابن هبيرة في هذا الحديث: إن عمارًا كان صادق اللهجة وكان لا تستخفه الخصومة إلى تنقيص خصمه فإنه شهد لعائشة بالفضل التام مع ما بينهما من الحرب وقوله ليعلم بفتح الياء مبنيًّا للفاعل في الفرع.
قال في الكواكب: والمراد به العلم الوقوعي أو تعلق العلم أو إطلاقه على سبيل المجاز عن التمييز لأن التمييز لازم للعلم وإلاّ فالله تعالى عالم أزلاً وأبدًا ما كان وما يكون.


باب
( باب) بالتنوين بلا ترجمة وسقط في رواية أبي ذر وهو المناسب إذ الحديث اللاحق طرف من سابقه وإن كان في الباب زيادة ساقه تقوية له لأن أبا مريم مما انفرد به عنه أبو حصين.




[ قــ :673 ... غــ : 7101 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى غَنِيَّةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ قَامَ عَمَّارٌ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ فَذَكَرَ عَائِشَةَ وَذَكَرَ مَسِيرَهَا.

     وَقَالَ : إِنَّهَا زَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّهَا مِمَّا ابْتُلِيتُمْ.

وبه قال: ( حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: ( حدّثنا ابن أبي غنيمة) بفتح الغين المعجمة وكسر النون وتشديد التحتية عبد الملك بن حميد الكوفي أصله من أصبهان وليس له في الجامع إلا هذا ولأبي ذر عن أبي غنية ( عن الحكم) بفتح المهملة والكاف ابن عتيبة بضم العين وفتح الفوقية مصغرًا ( عن أبي وائل) شقيق بن سلمة أنه قال: ( قام عمار) هو ابن ياسر ( على منبر الكوفة فذكر عائشة) -رضي الله عنها- ( وذكر مسيرها) ومن معها إلى البصرة ( وقال: إنها زوجة نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الدنيا والآخرة ولكنها مما ابتليتم) مبني للمفعول امتحنتم بها.

710 و 7103 و 7104 - حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو، سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ: دَخَلَ أَبُو مُوسَى وَأَبُو مَسْعُودٍ عَلَى عَمَّارٍ حَيْثُ بَعَثَهُ عَلِىٌّ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ يَسْتَنْفِرُهُمْ فَقَالاَ: مَا رَأَيْنَاكَ أَتَيْتَ أَمْرًا أَكْرَهَ عِنْدَنَا مِنْ إِسْرَاعِكَ فِى هَذَا الأَمْرِ مُنْذُ أَسْلَمْتَ فَقَالَ عَمَّارٌ: مَا رَأَيْتُ مِنْكُمَا مُنْذُ أَسْلَمْتُمَا أَمْرًا أَكْرَهَ عِنْدِى مِنْ إِبْطَائِكُمَا عَنْ هَذَا الأَمْرِ وَكَسَاهُمَا حُلَّةً حُلَّةً ثُمَّ رَاحُوا إِلَى الْمَسْجِدِ.
[الحديث 710 - طرفه في: 1706] .
[الحديث 7103 - طرفه في: 7105] .
[الحديث 7104 - طرفه في: 7107] .

وبه قال: ( حدّثنا بدل بن المحبر) بفتح الموحدة والدال بعدها مخففًا والمحبر بضم الميم وفتح الحاء المهملة والموحدة المشددة بعدها راء اليربوعي قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: ( أخبرني) بالإفراد ( عمرو) بفتح العين ابن مرة قال: ( سمعت أبا وائل) شقيق ابن سلمة ( يقول: دخل أبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري ( وأبو مسعود) عقبة بن عامر البدري الأنصاري ( على عمار)
هو ابن ياسر -رضي الله عنه- ( حيث) بالمثلثة وللكشميهني حين ( بعثه علي) -رضي الله عنه- ( إلى أهل الكوفة يستنفرهم) يطلب منهم الخروج إلى البصرة لعلي على عائشة -رضي الله عنها- ( فقالا) : أي أبو موسى وأبو مسعود لعمار ( ما رأيناك أتيت أمرًا أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر منذ أسلمت.
فقال عمار: ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمرًا أكره عندي من إبطائكما عن هذا الأمر)
.
قال ابن بطال: فيما دار بينهم دلالة على أن كلاًّ من الطائفتين كان مجتهدًا ويرى أن الصواب معه ( وكساهما) أي أبو مسعود كما صرح به في الرواية اللاحقة لهذه ( حلة حلة) والحلة اسم لثوبين ( ثم راحوا إلى المسجد) وعند الإسماعيلي: ثم خرجوا إلى الصلاة يوم الجمعة وإنما كسا عمارًا تلك الحلة ليشهد بها الجمعة لأنه كان في ثياب السفر وهيئة الحرب فكره أن يشهد الجمعة في تلك الثياب، وكره أن يكسوه بحضرة أبي موسى ولا يكسو أبا موسى فكساه أيضًا قاله ابن بطال.

7105 و 7106 و 7107 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِى حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِى مَسْعُودٍ وَأَبِى مُوسَى وَعَمَّارٍ فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: مَا مِنْ أَصْحَابِكَ أَحَدٌ إِلاَّ لَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ فِيهِ غَيْرَكَ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْكَ شَيْئًا مُنْذُ صَحِبْتَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْيَبَ عِنْدِى مِنِ اسْتِسْرَاعِكَ فِى هَذَا الأَمْرِ قَالَ عَمَّارٌ: يَا أَبَا مَسْعُودٍ وَمَا رَأَيْتُ مِنْكَ وَلاَ مِنْ صَاحِبِكَ هَذَا شَيْئًا مُنْذُ صَحِبْتُمَا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْيَبَ عِنْدِى مِنْ إِبْطَائِكُمَا فِى هَذَا الأَمْرِ فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: وَكَانَ مُوسِرًا يَا غُلاَمُ هَاتِ حُلَّتَيْنِ فَأَعْطَى إِحْدَاهُمَا أَبَا مُوسَى وَالأُخْرَى عَمَّارًا.

     وَقَالَ : رُوحَا فِيهِ إِلَى الْجُمُعَةِ.

وبه قال: ( حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي روّاد العتكي المروزي الحافظ ( عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون اليشكري محدّث مرو ( عن الأعمش) سليمان بن مهران ( عن شقيق بن سلمة) أنه ( قال: كنت جالسًا مع أبي مسعود) عقبة بن عامر ( وأبي موسى) الأشعري ( وعمار) هو ابن ياسر -رضي الله عنهم- ( فقال أبو مسعود) لعمار: ( ما من أصحابك أحد إلا لو شئت لقلت فيه غيرك وما رأيت منك شيئًا منذ صحبت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعيب عندي) بفتح الهمزة وسكون العين المهملة وبعد التحتية المفتوحة موحدة أفعل تفضيل من العيب وفيه رد على القائل أن أفعل التفضيل من الألوان والعيوب لا يستعمل من لفظه ( من استسراعك في هذا الأمر) وإنما قال ذلك لأنه رأى رأي أبي موسى في الكف عن القتال تمسكًا بالأحاديث الواردة فيه وما في حمل السلاح على المسلم من الوعيد ( قال عمار: يا أبا مسعود وما رأيت منك ولا من صاحبك هذا شيئًا منذ صحبتما النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعيب عندي من إبطائكما في هذا الأمر) .
لما في الإبطاء من مخالفة الإمام وترك امتثال فقاتلوا التي تبعي فكان عمار على رأي عليّ في قتال الباغين والناكثين والتمسك بقوله تعالى: { فقاتلوا التي تبغي} [الحجرات: 9] وحمل الوعيد الوارد في القتال على من كان متعديًا على صاحبه فكلٌّ جعل الإبطاء والإسراع عيبًا بالنسبة لما يعتقده ( فقال أبو مسعود وكان موسرًا: يا غلام هات) بكسر الفوقية ( حلتين فأعطى إحداهما أبا موسى والأخرى
عمارًا)
بين في هذه أن فاعل كسا في الرواية السابقة هو أبو مسعود كما مر ( وقال) لهما ( روحا فيه) بالتذكير مصححًا عليه في الفرع ( إلى) صلاة ( الجمعة) .

وذكر عمر بن شبة بسنده أن وقعة الجمل كانت في النصف من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، وذكر أيضًا من رواية المدايني عن العلاء أبي محمد عن أبيه قال: جاء رجل إلى علي وهو بالزاوية فقال: علام تقاتل هؤلاء؟ قال عليّ: على الحق.
قال: فإنهم يقولون إنهم على الحق.
قال: أقاتلهم على الخروج عن الجماعة ونكث البيعة.

وعند الطبراني أن أول ما وقعت الحرب أن صبيان العسكرين تسابوا ثم تراموا ثم تبعهم العبيد ثم السفهاء فنشب الحرب وكانوا خندقوا على البصرة فقتل قوم وخرج آخرون وغلب أصحاب عليّ ونادى مناديه: لا تتبعوا مدبرًا ولا تجهزوا جريحًا ولا تدخلوا دار أحد ثم جمع الناس وبايعهم، واستعمل ابن عباس على البصرة ورجع إلى الكوفة.

وعند ابن أبي شيبة بسند جيد عن عبد الرحمن بن أبزى قال: انتهى عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي إلى عائشة يوم الجمل وهي في الهودج فقال: يا أم المؤمنين أتعلمين أني أتيتك عندما قتل عثمان فقلت: ما تأمريني فقلت الزم عليًّا فسكتت.
فقال: اعقروا الجمل فعقروه فنزلت أنا وأخوها محمد فاحتملنا هودجها فوضعناه بين يدي علي فأمر بها فأدخلت بيتًا.

وعند ابن أبي شيبة والطبري من طريق عمر بن جاوان عن الأحنف فكان أول قتيل طلحة ورجع الزبير فقتل.
وقال الزهري: ما شوهدت وقعة مثلها فني فيها الكماة من فرسان مضر فهرب الزبير فقتل بوادي السباع، وجاء طلحة سهم غرب فحملوه إلى البصرة ومات.
وحكى سيف كان قتلى الجمل عشرة آلاف نصفهم من أصحاب عليّ ونصفهم من أصحاب عائشة.
وقيل قتل من أصحاب عائشة ثمانية آلاف، وقيل ثلاثة عشر ألفًا ومن أصحاب عليّ ألف، وقيل من أهل البصرة عشرة آلاف ومن أهل الكوفة خمسة آلاف.