فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب بيعة النساء

باب بَيْعَةِ النِّسَاءِ
رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

( باب بيعة النساء.
رواه) أي ذكر بيعة النساء ( ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما سبق في العيدين ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) { يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} [الممتحنة: 12] الآية.
ثم قال حين فرغ منها أنتن على ذلك.


[ قــ :6825 ... غــ : 7213 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ.

     وَقَالَ  اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىُّ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ يَقُولُ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ فِى مَجْلِسٍ: «تُبَايِعُونِى عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ تَسْرِقُوا وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُوا فِى مَعْرُوفٍ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِى الدُّنْيَا فَهْوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ» فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ.

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحافظ ( عن الزهري) محمد بن مسلم.
( وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله الذهلي في الزهريات كما في المقدمة ( حدّثني) بالإفراد ( يونس) بن يزيد الأيلي ( عن ابن شهاب) الزهري ( أخبرني) بالإفراد ( أبو إدريس) عائذ الله بن عبد الله ( الخولاني) بفتح الخاء المعجمة وبعد اللام ألف نون الدمشقي قاضيها ( أنه سمع عبادة بن الصامت) -رضي الله عنه- ( يقول: قال لنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لفظ لنا لأبي ذر ( ونحن في مجلس) ولأبي ذر في المجلس.

( تبايعوني) تعاقدوني ( على) التوحيد ( أن لا تشركوا بالله شيئًا) أي على ترك الإشراك وهو عام لأنه نكرة في سياق النهي كالنفي ( ولا تسرقوا) بحذف المفعول ليدل على العموم ( ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم) نهي عما كانوا يفعلونه من وأدهم بناتهم خشية الفاقة وهو أشنع القتل لأنه قتل وقطيعة رحم ( ولا تأتوا ببهتان) بكذب يبهت سامعه أي يدهشه لفظاعته كالرمي بالزنا ( تفترونه) تختلقونه ( بين أيديكم وأرجلكم) خصهما بالافتراء لأن معظم الأفعال يقع بهما إذ كانت هي العوامل والحوامل للمباشرة والسعي وقد يعاقب الرجل بجناية قولية فيقال هذا بما كسبت يداك.
وقال في الكواكب: المراد الأيدي وذكر الأرجل تأكيدًا، وقيل المراد بما بين الأيدي والأرجل القلب لأنه الذي يترجم اللسان عنه فلذلك نسب إليه الافتراء كأن المعنى لا ترموا أحدًا بكذب تزوّرونه في أنفسكم ثم تبهتون صاحبكم بألسنتكم ( ولا تعصوا في معروف) عرف من الشارع حسنه نهيًا وأمرًا ( فمن وفى) بالتخفيف ويشدد ( منكم) بأن ثبت على العهد ( فأجره على الله) فضلاً ( ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب) به ( في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئًا) غير الشرك ( فستره الله) عليه في الدنيا ( فأمره إلى الله إن شاء عاقبه) بعدله ( وإن شاء عفا عنه) بفضله ( فبايعناه على ذلك) .

قال ابن المنير فيما نقله عنه في فتح الباري: أدخل البخاري حديث عبادة بن الصامت في ترجمة بيعة النساء لأنها وردت في القرآن في حق النساء فعرفت بهن ثم استعملت في الرجال اهـ.

ووقع في بعض طرقه عن عبادة قال: أخذ علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما أخذ على النساء أن لا نشرك بالله شيئًا ولا نسرق ولا نزني الحديث.
وحديث الباب سبق في الإيمان أوائل الكتاب.




[ قــ :686 ... غــ : 714 ]
- حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُبَايِعُ النِّسَاءَ بِالْكَلاَمِ بِهَذِهِ الآيَةِ { لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 1] .
قَالَتْ: وَمَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَ امْرَأَةٍ إِلاَّ امْرَأَةً يَمْلِكُهَا.

وبه قال: (حدّثنا محمود) هو ابن غيلان أبو أحمد العدوي مولاهم المروزي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) هو ابن همام الحافظ أبو بكر الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد الأزدي مولاهم عالم اليمن (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يبايع النساء بالكلام) من غير مصافحة باليد كما جرت العادة بمصافحة الرجال عند المبايعة (بهذه الآية) هي قوله تعالى: { ولا يشركن بالله شيئًا} [الممتحنة: 1] .
قالت) عائشة (وما مست يد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يد امرأة) زاد في رواية أخرى قطّ (إلا امرأة يملكها) بنكاح أو ملك يمين، وروى النسائي والطبري من طريق محمد بن المنكدر أن أميمة بنت رقيقة بقافين مصغرًا أخبرته أنها دخلت في نسوة تبايع فقلن يا رسول الله ابسط يدك نصافحك.
فقال: "إني لا أصافح النساء ولكن سآخذ عليكن" فأخذ علينا حتى بلغ { ولا يعصينك في معروف} [الممتحنة: 1] فقال: "فيما أطقتن واستطعتن" فقلنا الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا.
قال في الفتح: وقد جاءت أخبار أخرى أنهن كن يأخذن بيده عند المبايعة من فوق ثوب أخرجه يحيى بن سلام في تفسيره عن الشعبي.

وحديث الباب أخرجه الترمذي.




[ قــ :687 ... غــ : 715 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: بَايَعْنَا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرَأَ عَلَىَّ { أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 1] وَنَهَانَا عَنِ النِّيَاحَةِ، فَقَبَضَتِ امْرَأَةٌ مِنَّا يَدَهَا فَقَالَتْ فُلاَنَةُ أَسْعَدَتْنِى وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ رَجَعَتْ فَمَا وَفَتِ امْرَأَةٌ إِلاَّ أُمُّ سُلَيْمٍ وَأُمُّ الْعَلاَءِ وَابْنَةُ أَبِى سَبْرَةَ امْرَأَةُ مُعَاذٍ أَوِ ابْنَةُ أَبِى سَبْرَةَ وَامْرَأَةُ مُعَاذٍ.

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد بن مسربل الأسدي البصري الحافظ أبو الحسن قال: ( حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التميمي مولاهم البصري التنوري ( عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني ( عن حفصة) بنت سيرين أم الهذيل البصرية الفقيهة ( عن أم عطية) نسيبة بنون مضمومة وسين مهملة وبعد التحتية الساكنة موحدة مصغرًا بنت الحارث الأنصارية أنها ( قالت بايعنا) بسكون العين ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقرأ عليّ) بتشديد الياء ولأبي ذر عن الكشميهني علينا بلفظ الجمع قوله تعالى في سورة الممتحنة ( { أن لا يشركن بالله شيئًا} [الممتحنة: 1] ونهانا عن النياحة) على الميت ( فقبضت امرأة) لم تسم أو هي أم عطية أبهمت نفسها ( منا) من المبايعات ( يدها) عن المبايعة فيه إشعار بأنهن كن يبايعن بأيديهن لكن لا يلزم من مد اليد المصافحة فيحتمل أن يكون بحائل من ثوب ونحوه كما مرّ والمراد بقبض اليد التأخر عن القبول ( فقالت) يا رسول الله ( فلانة) أي تسم ( أسعدتني) أي
أقامت معي في نياحة على ميت لي تراسلني ( وأنا أريد أن أجزيها) بفتح الهمزة وسكون الجيم بعدها أن أكافئها على إسعادها ( فلم يقل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها شيئًا) بل سكت ( فذهبت ثم رجعت) قيل: إنما سكت عليه الصلاة والسلام لأنه عرف أنه ليس من جنس النياحة المحرمة، أو ما التفت إلى كلامها حيث بيّن حكم النياحة لهن، أو كان جوازها من خصائصها.
وعند النسائي في رواية أيوب فأذهب فأسعدها ثم أجيئك فأبايعك.
قال: اذهبي فأسعديها قالت فذهبت فساعدتها ثم جئت فبايعته.
قال النووي: وهذا محمول على الترخيص لأم عطية خاصة وللشارع أن يخص من العموم ما شاء اهـ.

وأورد عليه غير أم عطي كما سبق في تفسير سورة الممتحنة فلا خصوصية لأم عطية، واستدلّ به بعض المالكية على أن النياحة ليست حرامًا وإنما المحرم ما كان معه شيء من أفعال الجاهلية من نحو شق جيب وخمش وجه.
وفي المسألة أقوال: منها أنه كان قبل التحريم، ومنها أن قوله في الرواية الأخرى إلا آل فلان فليس فيه نص على أنها تساعدهم بالنياحة فيمكن أن تساعدهم بنحو البكاء الذي لا نياحة معه، وأقرب الأجوبة أنها كانت مباحة ثم كرهت كراهة تنزيه ثم كراهة تحريم.

قالت أم عطية: ( فما وفت امرأة) بتخفيف الفاء بترك النوح ممن بايع معي ( إلا أم سليم) بنت ملحان والدة أنس ( وأم العلاء) امرأة من الأنصار المبايعات قاله ابن عبد البر ونسبها غيره فقال بنت الحارث بن ثابت بن خارجة بن ثعلبة ( وابنة أبي سبرة) بفتح السين المهملة وسكون الموحدة ( امرأة معاذ) أي ابن جبل ( أو ابنة أبي سبرة وامرأة معاذ) بواو العطف، وفي باب ما ينهى من النوح والبكاء في كتاب الجنائز فما وفت منا امرأة غير خمس نسوة أم سليم وأم العلاء وابنة أبي سبرة امرأة معاذ وامرأتين أو بنت أبي سبرة وامرأة معاذ وامرأة أخرى والشك من الراوي هل ابنة أبي سبرة هي امرأة معاذ أو هي غيرها.
قال في الفتح: والذي يظهر لي أن الرواية بواو العطف أصح لأن امرأة معاذ هي أم عمرو بنت خلاد بن عمر السلمية ذكرها ابن سعد، فعلى هذا فابنة أبي سبرة غيرها.
وفي الدلائل لأبي موسى من طريق حفصة عن أم عطية وأم معاذ بنت أبي سبرة، وفي رواية ابن عون عن ابن سيرين عن أم عطية فما وفت غير أم سليم وأم كلثوم وامرأة معاذ بن أبي سبرة كذا فيه والصواب ما في الصحيح امرأة معاذ بنت أبي سبرة ولعل بنت أبي سبرة يقال لها أم كلثوم وإن كانت الرواية التي فيها أم معاذ محفوظة فلعلها أم معاذ بن جبل وهي هند بنت سهل الجهنية ذكرها ابن سعد أيضًا وعرف بمجموع هذا النسوة الخمس المذكورات في الجنائز وهن أم سليم وأم العلاء وأم كلثوم وأم عمرو وهند إن كانت الرواية محفوظة وإلا فالخامسة أم عطية كما في الطبراني من طريق عاصم عن حفصة عن أم عطية فما وفت غيري وغير أم سليم، لكن أخرج إسحاق بن راهويه في مسنده من طريق هشام بن حسان عن حفصة عن أم عطية قالت: كان فيما أخذ علينا أن لا ننوح الحديث.
وفي آخره وكانت لا تعد نفسها لأنه لما كان يوم الحرة لم تزل النساء بها حتى قامت معهن فكانت لا تعد نفسها لذلك ففيه ردّ للسابق ويجمع بأنها تركت عدّ نفسها من يوم الحرة.