شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد - الحديث رقم 36

رقم الحديث 36 هذا الحديث عظيم جامع لأنواع من العلوم والقواعد والآداب فيه فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما يتيسر من علم أو مال أو معاونة أو إشارة بمصلحة أو نصيحة أو غير ذلك ومعنى تنفيس الكربة إزلتها قوله [ من ستر مسلما ] الستر عليه أن يستر زلاته والمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس معروفا بالفساد وهذا في ستر معصية وقعت وانقضت أما إذا علم مصيته وهو متلبس بها فيجب المبادرة بالإنكار عليه ومنعه منها فإن عجز لزمه رفعها إلى ولي الأمر إن لم يترتب على ذلك مفسدة فالمعروف بذلك لا يستر عليه لأن الستر على هذا يطمعه في الفساد والإيذاء وانتهاك المحرمات وجسارة غيره على مثل ذلك بل يستحب أن يرفعه إلى الإمام إن لم يخف من ذلك مفسدة وكذلك القول في جرح الرواة والشهود والأمناء على الصدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم فيجب تجريحهم عند الحاجة ولا يحل الستر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليتهم وليس هذا من الغيبة المحرمة بل من النصيحة الواجبة قوله : [ والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ] هذا الإجمال لا يسع تفسيره إلى أن منه أن العبد إذا عزم على معاونة أخيه ينبغي أن لا يجبن عن إنفاذ قول أو صدع بحق إيمانا بأن الله تعالى في عونه وفي الحديث : فضل التيسير على المعسر وفضل السعي في طلب العلم ويلزم من ذلك فضل الإشتغال بالعلم والمراد العلم الشرعي ويشترط أن يقصد به وجه الله تعالى إن كان شرطا في كل عبادة قوله صلى الله عليه و سلم : [ وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم ] هذا دليل على فضل الإجتماع على تلاوة القرآن في المساجد و [ السكينة ] ها هنا قيل : المراد بها الرحمة وهو ضعيف لعطف الرحمة عليها وقال بعضهم : السكينة الطمأنينة والوقار وهذا أحسن وفي قوله [ وما اجتمع قوم ] هذا نكرة شائعة في جنسها كأنه يقول : أي قوم اجتمعوا على ذلك كان لهم ما ذكره من الفضل كليه فإنه لم يشترط صلى الله عليه و سلم هنا فيهم أن يكونوا علماء ولا زهادا ولا ذوي مقامات ومعنى [ حفتهم الملائكة ] أي حافتهم من قوله عز و جل { حافين من حول العرش } أي محدقين محيطين به مطفين بجوانبه فكأن الملائكة قريب منهم قربا حفتهم حتى لم تدع فرجة تتسع لشيطان قوله [ وغشيتهم الرحمة ] لا يستعمل ( غشي ) إلا في شئ شمل المغشى من جميع أجزائه قال الشيخ شهاب الدين بن فرج : والمعنى في هذا فيما أرى أن غشيان الرحمة يكون بحيث يستوعب كل ذنب تقدم إن شاء الله تعالى قوله [ وذكرهم الله فيمن عنده ] يقتضي أن يكون ذكر الله تعالى لهم في الأنبياء وكرام الملائكة والله أعلم