فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ وُقُوتِ الصَّلَاةِ

رقم الحديث 1 قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بَنُ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ، عَنِ مالِكٍ بَنُ أَنَسِ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا وَهُوَ بِالْكُوفَةِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: مَا هَذَا يَا مُغِيرَةُ؟ أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: بِهَذَا أُمِرْتُ.
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ:.
اعْلَمْ مَا تُحَدِّثُ بِهِ يَا عُرْوَةُ، أَوَ إِنَّ جِبْرِيلَ هُوَ الَّذِي أَقَامَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْتَ الصَّلَاةِ؟ قَالَ عُرْوَةُ: كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ.
قَالَ عُرْوَةُ: وَلَقَدْ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا، قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ.


( قَالَ) الراوي: عن يحيى وهو ابنه عبيد الله بضم العين الليثي فقيه قرطبة ومسند الأندلس كان ذا حرمة عظيمة وجلالة روى عنه خلق كثير توفي سنة ثمان وسبعين ومائتين.

( حَدَّثَنِي يَحْيَى بَنُ يَحْيَى) بن كثير بن وسلاس بكسر الواو وسينين مهملتين الأولى ساكنة وبينهما لام ألف ويزاد فيه نون فيقال وسلاسن ومعناه بالبربرية سيدهم كما ضبطه صاحب الوفيات أسلم وسلاس على يد يزيد بن عامر الليثي ليث بني كنانة فقيل ( اللَّيْثِيِّ) مولاهم القرطبي أبو محمد فقيه ثقة قليل الحديث وله أوهام مات سنة أربع وثلاثين ومائتين على الصحيح عن ثنتين وثمانين سنة سمع الموطأ لأول نشأته من زياد بن عبد الرحمن أبي عبد الله المعروف بشبطون ثم رحل وهو ابن ثمان وعشرين سنة إلى مالك فسمع منه الموطأ غير أبواب في كتاب الاعتكاف شك فيها فحدث بها عن زياد وكان يحيى عند مالك فقيل هذا الفيل فخرجوا لرؤيته ولم يخرج فقال مالك له: لم لم تخرج لنظر الفيل وهو لا يكون ببلادك؟ فقال: لم أرحل لأنظر الفيل وإنما رحلت لأشاهدك وأتعلم من علمك وهديك فأعجبه ذلك وسماه عاقل الأندلس وإليه انتهت رياسة الفقه بها وانتشر به المذهب وتفقه به من لا يحصى وعرض للقضاء فامتنع فعلت رتبته على القضاة وقبل قوله عند السلطان فلا يولى قاضيًا في أقطاره إلا بمشورته واختياره ولا يشير إلا بأصحابه فأقبل الناس عليه لبلوغ أغراضهم وهذا سبب اشتهار الموطأ بالمغرب من روايته دون غيره وكان حسن الهدي والسمت يشبه سمته سمت مالك قال لما ودعت مالكًا سألته أن يوصيني فقال لي: عليك بالنصيحة لله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم قال وقال لي الليث مثل ذلك.

( عَنِ مالِكٍ بَنُ أَنَسِ) بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي أبي عبد الله المدني الفقيه إمام دار الهجرة أكمل العقلاء وأعقل الفضلاء رأس المتقنين وكبير المتثبتين حتى قال البخاري: أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن ابن عمر مات سنة تسع وسبعين ومائة وكان مولده سنة ثلاث وتسعين، وقال الواقدي بلغ تسعين سنة.

( عَنْ) محمد بن مسلم بن عبيد الله بضم العين ابن عبد الله بفتحها ( ابْنِ شِهَابٍ) بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري أبي بكر الفقيه الحافظ المتفق على جلالته وإتقانه لقي عشرًا من الصحابة ومات سنة خمس وعشرين ومائة وقيل قبلها بسنة أو سنتين له في الموطأ مرفوعًا مائة وثلاثة وثلاثون حديثًا.

( أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ) بن مروان بن الحكم بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي أمير المؤمنين أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب ولي إمرة المدينة للوليد وكان مع سليمان كالوزير وولي الخلافة بعده فعد من الخلفاء الراشدين مات في رجب سنة إحدى ومائة وله أربعون سنة ومدة خلافته سنتان ونصف.

( أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا) أي صلاة العصر كما للبخاري من طريق الليث عن الزهري زاد ابن عبد البر في إمارته على المدينة ولأبي داود من وجه آخر أن عمر كان قاعدًا على المنبر فعرف بهذا سبب تأخيره وكأنه كان مشغولاً إذ ذاك بشيء من مصالح المسلمين.
قال ابن عبد البر: ظاهر سياقه أنه فعل ذلك يومًا ما لا أن ذلك كان عادة له وإن كان أهل بيته معروفين بذلك قال: والمراد أنه أخرها حتى خرج الوقت المستحب لا أنه أخرها حتى غربت الشمس.

قال الحافظ: ويؤيده رواية الليث عن الزهري عند البخاري في بدء الخلق ولفظه أخر العصر شيئًا وبه تظهر مناسبة ذكر عروة حديث عائشة بعد حديث أبي مسعود وما رواه الطبراني مسى عمر قبل أن يصليها محمول على أنه قارب المساء لا أنه دخل فيه وقد رجع عمر عن ذلك فروى الأوزاعي أن عمر بن عبد العزيز يعني في خلافته كان يصلي الظهر في الساعة الثامنة والعصر في الساعة العاشرة حين تدخل.

( فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ) بن العوام بن خويلد الأسدي أبو عبد الله المدني التابعي الكبير الثقة الفقيه المشهور أحد الفقهاء السبعة مات سنة أربع وتسعين على الصحيح ومولده في أوائل خلافة عثمان.

( فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ) بن مسعود بن معتب الثقفي الصحابي المشهور أسلم قبل الحديبية وولي إمرة البصرة ثم الكوفة ومات سنة خمسين على الصحيح.

( أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا) أي صلاة العصر فلعبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب بلفظ فقال مسى المغيرة بن شعبة بصلاة العصر.

( وَهُوَ بِالْكُوفَةِ) وكان إذ ذاك أميرًا عليها من قبل معاوية بن أبي سفيان وللبخاري عن القعنبي عن مالك وهو بالعراق وتعقبه الحافظ بأن الذي في الموطأ رواية القعنبي وغيره عن مالك وهو بالكوفة وكذا أخرجه الإسماعيلي عن أبي خليفة عن القعنبي والكوفة من جملة العراق فالتعبير بها أخص من التعبير به.

( فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ) عقبة بالقاف ابن عمرو بن ثعلبة ( الْأَنْصَارِيُّ) البدري صحابي جليل مات قبل الأربعين وقيل بعدها ( فَقَالَ: مَا هَذَا) التأخير ( يَا مُغِيرَةُ أَلَيْسَ) كذا الرواية وهو استعمال صحيح لكن الأفصح والأكثر استعمالاً في مخاطبة الحاضر ألست وفي مخاطبة الغائب أليس وتوجيه الأولى أن في ليس ضمير الشأن كذا قاله ابن السيد في شرح الموطأ وتبعه ابن دقيق العيد والحافظ والزركشي وغيرهم.

وتعقب ذلك الدماميني بأنه يوهم جواز استعمال هذا التركيب مع إرادة أن يكون ما دخلت عليه ضمير الغائب وليس كذلك بل هما تركيبان مختلفان وليس أحدهما بأفصح من الآخر فإنه يستعمل كل منهما في مقام خاص فإن أريد إدخال ليس على ضمير المخاطب تعين ألست قد علمت وإن أريد إدخالها على ضمير الشأن مخبرًا عنه بالجملة التي أسند فعلها إلى المخاطب تعين أليس.

( قَدْ عَلِمْتَ) قال عياض: ظاهره علم المغيرة بذلك ويحتمل أنه ظن من أبي مسعود لعلمه بصحبة المغيرة قال الحافظ: ويؤيد الأول رواية شعيب عند البخاري في غزوة بدر بلفظ فقال لقد علمت بغير أداة استفهام ونحوه لعبد الرزاق عن معمر وابن جريج معًا.

( أَنَّ جِبْرِيلَ) بكسر الجيم وفتحها اسم أعجمي ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال جبريل كقولك عبد الله جبر عبد وايل الله وهو أفضل الملائكة كما نقل عن كعب الأحبار وقال السيوطي لا خلاف أن جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت رؤوس الملائكة وأشرافهم وأفضل الأربعة جبريل وإسرافيل وفي التفضيل بينهما توقف سببه اختلاف الآثار في ذلك وفي معجم الطبراني الكبير حديث أفضل الملائكة جبريل لكن سنده ضعيف وله معارض فالأولى الوقف عن ذلك.

( نَزَلَ) قال إمام الحرمين نزوله في صفة رجل معناه أن الله أفنى الزائد من خلقه أو أزاله عنه ثم يعيده إليه بعد وجزم ابن عبد السلام بالإزالة دون الفناء إذ لا يلزم أن يكون انتقالها موجبًا لموته بل يجوز أن يبقى الجسد حيًا لأن موته بمفارقة الروح لا يجب عقلاً بل بعادة أجراها الله في بعض خلقه ونظيره انتقال أرواح الشهداء إلى أجواف طيور خضر تسرح في الجنة.

وقال البلقيني يجوز أن الآتي هو جبريل بشكله الأصلي إلا أنه انضم فصار على قدر هيئة الرجل وإذا ترك ذلك عاد إلى هيئته ومثال ذلك القطن إذا جمع بعد أن كان منتفشًا فإنه بالنفش يحصل له صورة كبيرة وذاته لم تتغير وهذا على سبيل التقريب.

قال الحافظ والحق أن تمثيل الملك رجلاً ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلاً بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيسًا لمن يخاطبه والظاهر أن القدر الزائد لا يزول ولا يفنى بل يخفى على الرائي فقط.

وقال القونوي يمكن أن جسمه الأول بحاله لم يتغير وقد أقام الله له شبحًا آخر وروحه متصرفة فيهما جميعًا في وقت واحد وكان نزوله صبيحة الإسراء.

قال ابن عبد البر لم يختلف أن جبريل هبط صبيحة الإسراء عند الزوال فعلَّم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ومواقيتها وهيئتها.

قال ابن إسحاق: حدثني عتبة بن مسلم مولى بني تميم عن نافع بن جبير قال وكان نافع كثير الرواية عن ابن عباس قال لما فرضت الصلاة وأصبح النبي صلى الله عليه وسلم.

وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال قال نافع بن جبير وغيره: لما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم من الليلة التي أسري به لم يرعه إلا جبريل نزل حين زاغت الشمس ولذلك سميت الأولى فأمر فصيح بأصحابه الصلاة جامعة فاجتمعوا فصلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم وصلى النبي بالناس طول الركعتين الأولتين ثم قصر الباقيتين ثم سلم جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم وسلم النبي على الناس ثم نزل في العصر على مثل ذلك ففعلوا كما فعلوا في الظهر ثم نزل في أول الليل فصيح الصلاة جامعة فصلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم وصلى النبي بالناس طول في الأولتين وقصر في الثالثة ثم سلم جبريل على النبي وسلم النبي على الناس ثم لما ذهب ثلث الليل صيح الصلاة جامعة فاجتمعوا فصلى جبريل للنبي وصلى النبي للناس فقرأ في الأولتين فطول فيهما وقصر في الأخيرتين ثم سلم جبريل على النبي وسلم النبي على الناس فلما طلع الفجر صيح الصلاة جامعة فصلى جبريل للنبي وصلى النبي للناس فقرأ فيهما فجهر وطول ورفع صوته وسلم جبريل على النبي وسلم النبي على الناس.
قال الحافظ: وفي هذا رد على من زعم أن بيان الأوقات إنما وقع بعد الهجرة والحق أن ذلك وقع قبلها ببيان جبريل وبعدها ببيان النبي صلى الله عليه وسلم قال السيوطي وهو صريح حديث ابن عباس أمني جبريل عند البيت رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وفي رواية الشافعي عند باب البيت.

( فَصَلَّى) جبريل الظهر ( فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) معه ( ثُمَّ صَلَّى) العصر ( فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) معه ( ثُمَّ صَلَّى) المغرب ( فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) معه ( ثُمَّ صَلَّى) العشاء ( فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) معه ( ثُمَّ صَلَّى) الصبح ( فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) معه هكذا ذكره خمس مرات.

قال عياض: وهذا إذا اتبع فيه حقيقة اللفظ أعطى أن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت بعد فراغ صلاة جبريل لكن مفهوم هذا الحديث والمنصوص في غيره أن جبريل أم النبي صلى الله عليه وسلم فيحمل قوله صلى فصلى على أن جبريل كلما فعل جزءًا من الصلاة فعله النبي صلى الله عليه وسلم بعده حتى تكاملت صلاتهما انتهى وتبعه النووي وقال غيره الفاء بمعنى الواو واعترض بأنه يلزم أنه صلى الله عليه وسلم كان يتقدم في بعض الأركان على جبريل على ما يقتضيه مطلق الجمع وأجيب بمراعاة الحيثية وهي التبيين فكان لأجل ذلك يتراخى عنه وقيل الفاء للسببية كقوله { { فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ } }

وفي رواية الليث عند البخاري ومسلم نزل جبريل فأمني فصليت معه.

وفي رواية عبد الرزاق عن معمر نزل فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الناس معه وهذا يؤيد رواية نافع بن جبير المتقدمة وإنما دعاهم بقوله الصلاة جامعة لأن الأذان لم يكن شرع حينئذٍ.

( ثُمَّ قَالَ) جبريل ( بِهَذَا أُمِرْتُ) بفتح التاء على المشهور أي هذا الذي أمرت به أن تصليه كل يوم وليلة وروي بالضم أي هذا الذي أمرت بتبليغه لك.

قال ابن العربي: نزل جبريل مأمورًا مكلفًا بتعليم النبي لا بأصل الصلاة واحتج به بعضهم على جواز الائتمام بمن يأتم بغيره.
وأجاب الحافظ بحمله على أنه كان مبلغًا فقط كما قيل في صلاة أبي بكر خلف النبي وصلاة الناس خلف أبي بكر، ورده السيوطي بأنه واضح في قصة أبي بكر، وأما هنا ففيه نظر لأنه يقتضي أن الناس اقتدوا بجبريل لا بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو خلاف الظاهر والمعهود مع ما في رواية نافع بن جبير من التصريح بخلافه والأولى أن يجاب بأن ذلك كان خاصًا بهذه الواقعة لأنها كانت للبيان المعلق عليه الوجوب واستدل به أيضًا على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل لأن الملائكة ليسوا مكلفين بمثل ما كلف به الإنس قاله ابن العربي وغيره، وأجاب عياض باحتمال أن لا تكون تلك الصلاة واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم حينئذٍ، وتعقبه بما تقدم أنها كانت صبيحة ليلة فرض الصلاة.
وأجيب: باحتمال أن الوجوب كان معلقًا بالبيان فلم يتحقق الوجوب إلا بعد تلك الصلاة قال وأيضًا لا نسلم أن جبريل كان متنفلاً بل كانت تلك الصلاة واجبة عليه لأنه مكلف بتبليغها فهي صلاة مفترض خلف مفترض.

وقال ابن المنير: قد يتعلق به من يجوز صلاة مفترض بفرض آخر قال الحافظ وهو مسلم له في صورة المؤداة مثلاً خلف المؤداة لا في صورة الظهر خلف العصر مثلاً.

( فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
اعْلَمْ)
بصيغة الأمر ( مَا تُحَدِّثُ بِهِ يَا عُرْوَةُ) وفي رواية للشافعي عن سفيان عن الزهري فقال اتق الله يا عروة وانظر ما تقول قال الرافعي في شرح المسند لا يحمل مثله على الاتهام ولكن المقصود الاحتياط والاستثبات ليتذكر الراوي ويجتنب ما عساه يعرض من نسيان وغلط.

( أَوَ) بفتح همزة الاستفهام والواو العاطفة على مقدر.

( إِنَّ) بكسر الهمزة على الأشهر قال في المطالع: ضبطنا إن بالكسر والفتح معًا والكسر أوجه، لأنه استفهام مستأنف عن الحديث إلا أنه جاء بالواو ليرد الكلام على كلام عروة لأنها من حروف الرد والفتح على تقدير أو علمت أو حدثت أن ( جِبْرِيلَ هُوَ الَّذِي أَقَامَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْتَ الصَّلَاةِ) أي جنس وقتها ورواه المستملي في البخاري وقوت بالجمع.

( قَالَ عُرْوَةُ كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ) بفتح الموحدة ( بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ) المدني التابعي الجليل ذكر في الصحابة لكونه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ورآه وقال العجلي تابعي ثقة ( يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ) عقبة بن عمرو البدري.

قال ابن عبد البر: هذا السياق منقطع عند جماعة من العلماء، لأن ابن شهاب لم يقل حضرت مراجعة عروة لعمر وعروة لم يقل حدثني بشير لكن الاعتبار عند الجمهور ثبوت اللقاء والمجالسة لا بالصيغ.

وقال الكرماني: هذا الحديث ليس متصل الإسناد إذ لم يقل أبو مسعود شاهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وتعقبه الحافظ بأنه لا يسمى منقطعًا اصطلاحًا، وإنما هو مرسل صحابي لأنه لم يدرك القصة، فاحتمل أنه سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم أو بلغه عنه بتبليغ من شاهده أو سمعه كصحابي آخر.
على أن رواية الليث عند البخاري أي ومسلم تزيل الإشكال كله ولفظه.

فقال عروة: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نزل جبريل فذكره.
زاد عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فما زال عمر يعتلم وقت الصلاة بعلامة، حتى فارق الدنيا.
قال ابن عبد البر: فإن قيل جهل مواقيت الصلاة لا يسع أحدًا فكيف جاز على عمر؟ قيل: ليس في جهله بالسبب الموجب لعلم المواقيت ما يدل على جهله بها، وقد يكون ذلك عنده عملاً واتفاقًا وأخذًا عن علماء عصره، ولا يعرف أصل ذلك كيف كان النزول من جبريل بها على النبي صلى الله عليه وسلم أم بما سنه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته كما سن غير ما شيء وفرضه في الصلاة والزكاة انتهى.

وفي فتح الباري لا يلزم من كون عمر لم يكن عنده علم من إمامة جبريل أن لا يكون عنده علم بتفاصيل الأوقات من جهة العمل المستمر، لكن لم يكن يعرف أن أصله بتبيين جبريل بالفعل، فلذا استثبت فيه وكأنه كان يرى أن لا مفاضلة بين أجزاء الوقت الواحد.

وكذا يحمل عمل المغيرة وغيره من الصحابة ولم أقف على شيء من الروايات على جواب المغيرة لأبي مسعود والظاهر أنه رجع إليه.

وكذا سياق ابن شهاب ليس فيه تصريح بسماعه له من عروة، لكن في رواية عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب قال: كنا مع عمر بن عبد العزيز.

وفي رواية شعيب عن الزهري، سمعت عروة يحدث عمر بن عبد العزيز.

قال القرطبي: ليس فيما ذكره عروة حجة واضحة على عمر إذ لم يعين له الأوقات وأجاب الحافظ، بأن في رواية مالك اختصارًا وقد ورد بيانها من طريق غيره فأخرج الدارقطني والطبراني في الكبير، وابن عبد البر في التمهيد من طريق أيوب بن عتبة والأكثر على تضعيفه عن أبي بكر بن حزم أن عروة بن الزبير كان يحدث عمر بن عبد العزيز وهو يومئذٍ أمير المدينة في زمن الحجاج والوليد بن عبد الملك، وكان ذلك زمانًا يؤخرون فيه الصلاة فحدث عروة عمر قال: حدثني أبو مسعود الأنصاري وبشير بن أبي مسعود كلاهما قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين دلكت الشمس فقال: يا محمد صل الظهر فصلى، ثم جاءه حين كان ظل كل شيء مثله فقال: يا محمد صل العصر فصلى، ثم جاءه حين غربت الشمس فقال: يا محمد صل المغرب فصلى، ثم جاءه حين غاب الشفق فقال: يا محمد صل العشاء فصلى، ثم جاءه حين انشق الفجر فقال: يا محمد صل الصبح فصلى، ثم جاءه الغد حين كان ظل كل شيء مثله فقال: صل الظهر فصلى، ثم أتاه حين كان ظل كل شيء مثليه فقال صل العصر فصلى، ثم أتاه حين غربت الشمس فقال: صل المغرب فصلى، ثم أتاه حين ذهب ساعة من الليل فقال صل العشاء فصلى، ثم أتاه حين أضاء الفجر وأسفر فقال: صل الصبح فصلى، ثم قال: ما بين هذين وقت يعني أمس واليوم قال عمر لعروة: أجبريل أتاه قال: نعم.

وأخرج أبو داود وغيره وصححه ابن خزيمة وغيره من طريق ابن وهب والطبراني من طريق يزيد بن أبي حبيب كلاهما عن أسامة بن زيد الليثي أن ابن شهاب أخبره أن عمر بن عبد العزيز كان قاعدًا على المنبر فأخر العصر شيئًا فقال له عروة: أما إن جبريل قد أخبر محمدًا صلى الله عليه وسلم بوقت الصلاة فقال له عمر: اعلم ما تقول فقال عروة: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبا مسعود الأنصاري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نزل جبريل فأخبرني بوقت الصلاة فصليت معه، ثم صليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه حسب بأصابعه خمس صلوات، فرأيت رسول الله يصلي الظهر حين تزول الشمس وربما أخرها حين يشتد الحر ورأيته يصلي العصر والشمس مرتفعة بيضاء قبل أن يدخلها الصفرة فينصرف الرجل من الصلاة فيأتي ذا الحليفة قبل غروب الشمس ويصلي المغرب حين تسقط الشمس ويصلي العشاء حين يسود الأفق وربما أخرها حتى تجتمع الناس وصلى الصبح مرة بغلس ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر.

قال الحافظ: ففي هذه الرواية بيان أبي مسعود للأوقات وفيه ما يرفع الإشكال ويوضح احتجاج عروة به.

وذكر أبو داود أن أسامة تفرد بتفسير الأوقات وأن أصحاب الزهري لم يذكروا تفسيرًا.

قال وكذا ذكره هشام بن عروة وحبيب بن أبي مرزوق عن عروة لم يذكرا تفسيرًا انتهى.

ورواية هشام أخرجها سعيد بن منصور ورواية حبيب أخرجها الحارث بن أبي أسامة في مسنده وقد وجدت ما يعضد رواية أسامة ويزيد عليها أن البيان من فعل جبريل وذلك فيما رواه الباغندي والبيهقي عن أبي بكر بن حزم أنه بلغه عن أبي مسعود فذكره منقطعًا لكن رواه الطبراني من وجه آخر عن أبي بكر عن عروة فرجع الحديث إلى عروة ووضح أن له أصلاً وأن في رواية مالك ومن تابعه اختصارًا، وبه جزم ابن عبد البر وليس في روايته ومن وافقه ما ينفي الزيادة المذكورة فلا يوصف والحالة هذه بالشذوذ انتهى.
أي فيها اختصارًا من وجهين: أحدهما أنه لم يعين الأوقات، وثانيهما أنه لم يذكر صلاة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم الخمس إلا مرة واحدة.

وقد علم من رواية أيوب أنه صلى به الخمس مرتين في يومين.

وقد ورد من رواية الزهري نفسه فأخرج ابن أبي ذئب في موطئه عن ابن شهاب أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عمر بن عبد العزيز عن أبي مسعود الأنصاري أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة فدخل عليه أبو مسعود فقال ألم تعلم أن جبريل نزل على محمد صلى الله عليه وسلم فصلى وصلى وصلى وصلى وصلى ثم صلى ثم صلى ثم صلى ثم صلى ثم صلى ثم قال هكذا أمرت.

وثبت أيضًا صلاته به مرتين عن ابن عباس عند أبي داود والترمذي وجابر بن عبد الله في الترمذي والنسائي والدارقطني وابن عبد البر في التمهيد وأبي سعيد الخدري عند أحمد والطبراني في الكبير وابن عبد البر وأبي هريرة أخرجه البزار وابن عمر أخرجه الدارقطني وبهذا رد قول ابن بطال في هذا الحديث دليل على ضعف حديث أن جبريل أم النبي صلى الله عليه وسلم في يومين بوقتين مختلفين لكل صلاة لأنه لو كان صحيحًا لم ينكر عروة على عمر صلاته في آخر الوقت محتجًا بصلاة جبريل مع أن جبريل قد صلى في اليوم الثاني في آخر الوقت وقال الوقت ما بين هذين.

قال الحافظ: وأجيب باحتمال أن صلاة عمر كانت قد خرجت عن وقت الاختيار وهو مصير ظل كل شيء مثليه لا عن وقت الجواز وهو مغيب الشمس فيتجه إنكار عروة ولا يلزم منه ضعف الحديث أو يكون عروة أنكر مخالفة ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصلاة في أول الوقت ورأى أن الصلاة بعد ذلك إنما هي لبيان الجواز فلا يلزم منه ضعف الحديث أيضًا.

وقد روى سعيد بن منصور عن طلق بن حبيب مرسلًا إن الرجل ليصلي الصلاة وما فاتته ولما فاته من وقتها خير له من أهله وماله ورواه أيضًا عن ابن عمر من قوله ويؤيد ذلك احتجاج عروة بحديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها وهي الصلاة التي وقع الإنكار بسببها وبذلك تظهر مناسبة ذكره لحديث عائشة بعد حديث أبي مسعود لأن حديثها يشعر بمواظبته على صلاة العصر في أول الوقت وحديث أبي مسعود يشعر بأن أصل بيان الأوقات كان بتعليم جبريل.

وفي الحديث من الفوائد دخول العلماء على الأمراء وإنكارهم عليهم ما يخالف السنة واستثبات العالم فيما يستغربه السامع والرجوع عند التنازع للسنة وفضيلة عمر بن عبد العزيز والمبادرة بالصلاة في أول الوقت الفاضل وقبول الخبر الواحد المثبت.

واستدل به ابن بطال وغيره على أن الحجة بالمتصل دون المنقطع لأن عروة أجاب عن استفهام عمر له لما أن أرسل الحديث بذكر من حدثه فرجع إليه فكأن عمر قال له: تأمل ما تقول فلعله بلغك عن غير ثبت.
وكأن عروة قال له: بل قد سمعته ممن سمع صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم والصاحب قد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.

واستدل به عياض على جواز الاحتجاج بالمرسل الثقة لصنيع عروة حين احتج على عمر قال: وإنما راجعه عمر ليثبته فيه لا لكونه لم يرض به مرسلًا.
كذا قال وظاهر السياق يشهد لما قاله ابن بطال انتهى.

( قَالَ عُرْوَةُ) مقول ابن شهاب فهو موصول لا معلق كما زعم الكرماني.

قال الحافظ: وهو على بعده مخالف للواقع أي لرواية الصحيحين لهذا القدر وحده أيضًا عن سفيان عن الزهري ومن طريق أخرى عن الليث عن ابن شهاب، بل وكذا أفرده في الموطأ رواية محمد بن الحسن قال: أخبرني مالك قال أخبرني ابن شهاب الزهري عن عروة.

( وَلَقَدْ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ) بنت أبي بكر الصديق أم المؤمنين، أفقه النساء مطلقًا ( زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وأفضل أزواجه إلا خديجة ففيها خلاف أصحه تفضيل خديجة، ماتت عائشة سنة سبع وخمسين على الصحيح.

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ) سميت العصر لأنها تعصر.
رواه الدارقطني عن أبي قلابة وعن محمد بن الحنفية أي يتبطأ بها قال الجوهري قال الكسائي: يقال جاء فلان عصرًا أي بطيئًا.

( وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم أي بيتها قال ابن سيده: سميت بذلك لمنعها المال أي ووصول الأغيار من الرجال وللبيهقي في قعر حجرتها، وفيه نوع التفات وفي رواية في حجرتي على الأصل.

( قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ) أي ترتفع.
قال في الموعب: ظهر فلان السطح إذا علاه ومنه { { فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ } } أي يعلوه.
وقال الخطابي: معنى الظهور الصعود ومنه { { وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } }

وقال عياض: قيل المراد تظهر على الجدر وقيل ترتفع كلها عن الحجرة وقيل تظهر بمعنى تزول عنها كما قال: وتلك شكاة ظاهر عنك عارها.
انتهى.

وفي رواية ابن عيينة عن ابن شهاب في الصحيحين كان يصلي صلاة العصر والشمس طالعة في حجرتي لم يظهر الفيء بعد فجعل الظهور للفيء.
وفي رواية مالك جعله للشمس وجمع الحافظ بأن كلاً من الظهور غير الآخر فظهور الشمس خروجها من الحجرة، وظهور الفيء انبساطه في الحجرة في الموضع الذي كانت الشمس فيه بعد خروجها.
قال: والمستفاد من هذا الحديث تعجيل صلاة العصر في أول وقتها وهذا هو الذي فهمته عائشة وكذا عروة الراوي عنها، واحتج به على عمر بن عبد العزيز في تأخيره صلاة العصر كما مر، وشذ الطحاوي فقال: لا دلالة فيه على التعجيل لاحتمال أن الحجرة كانت قصيرة الجدار، فلم تكن تحتجب عنها إلا بقرب غروبها فيدل على التأخير لا على التعجيل، وتعقب بأن هذا الاحتمال إنما يتصور مع اتساع الحجرة وقد عرف بالاستفاضة والمشاهدة أن حجر أزواجه صلى الله عليه وسلم لم تكن متسعة، ولا يكون ضوء الشمس باقيًا في قعر الحجرة الصغيرة، إلا والشمس قائمة مرتفعة وإلا متى مالت جدًا ارتفع ضوؤها عن قاع الحجرة ولو كانت الجدر قصيرة.

قال النووي: كانت الحجرة ضيقة العرصة قصيرة الجدار بحيث كان طول جدارها أقل من مسافة العرصة بشيء يسير فإذا صار ظل الجدار مثله كانت الشمس بعد في أواخر العرصة انتهى وفيه أن أول وقت العصر مصير ظل كل شيء مثله بالإفراد ولم ينقل عن أحد من العلماء خلاف ذلك إلا عن أبي حنيفة فالمشهور عنه أنه قال: أول وقت العصر مصير ظل كل شيء مثليه بالتثنية.

قال القرطبي: خالفه الناس كلهم في ذلك حتى أصحابه، يعني الآخذين عنه وإلا فقد انتصر جماعة ممن جاء بعدهم.
فقالوا: ثبت الأمر بالإبراد ولا يذهب إلا بعد ذهاب اشتداد الحر، ولا يذهب في تلك البلاد إلا بعد أن يصير ظل كل شيء مثله، فيكون أول وقت العصر عند مصير الظل مثليه وحكاية مثل هذا تغني عن رده انتهى.

وهذا الحديث أخرجه البخاري في المواقيت.
حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: قرأت على مالك فذكره، ومسلم أخبرنا يحيى بن يحيى التميمي قال قرأت على مالك فذكره، وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) العدوي مولى عمر أبي عبد الله وأبي أسامة المدني فقيه ثقة عالم، وكان يرسل وهو من الطبقة الوسطى من التابعين، وكانت له حلقة في المسجد النبوي قال أبو حازم: لقد رأينا في مجلس زيد بن أسلم أربعين حبرًا فقيهًا أدنى خصلة من خصالهم التواسي بما في أيديهم فما يرى متماريان ولا متنازعان في حديث لا ينفعهما قط وكان عالمًا بتفسير القرآن له كتاب فيه وكان يقول ابن آدم اتق الله يحبك الناس وإن كرهوا، مات في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة له في الموطأ أحد وخمسون حديثًا مرفوعة.

( عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) الهلالي أبي محمد المدني مولى ميمونة ثقة فاضل كثير الحديث صاحب مواعظ وعبادة، مات سنة أربع وتسعين أو تسع وتسعين أو ثلاث أو أربع ومائة بالإسكندرية فيما قيل.

( أَنَّهُ قَالَ) اتفقت رواة الموطأ على إرساله قال ابن عبد البر: وبلغني أن ابن عيينة حدث به عن زيد عن عطاء عن أنس مرفوعًا، ولا أدري كيف صحة هذا عن سفيان والصحيح عن زيد بن أسلم أنه من مرسلات عطاء.
وقد ورد موصولاً من حديث أنس أخرجه البزار وابن عبد البر في التمهيد بسند صحيح، ومن حديث عبد الرحمن بن يزيد بن حارث أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط وعبد الله بن عمرو بن العاصي عند الطبراني الكبير بسند حسن وزيد بن حارثة عند أبي يعلى والطبراني.

( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ) وكان ذلك في سفر كما في حديث زيد بن حارثة، ولم أقف على اسم الرجل قيل: إنما سأله عن آخر وقتها وكان عالمًا بأوله إذ لا بد أنه صلاها معه صلى الله عليه وسلم أو مع غيره أو وحده أو يكون ذلك حين دخوله في الإسلام، والأولى أنه إنما سأله إلى أي وقت يجوز التأخير.

( قَالَ فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حتى أراه ذلك بالفعل لأنه أقوى من الخبر، ولم يخف اخترام المنية لأن الله نبأه أنه لا يقبضه حتى يكمل الدين قاله أبو عمر، والمراد سكت عن جوابه فلا ينافي أن في حديث زيد بن حارثة فقال صلها معي اليوم وغدًا.

( حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ) وكان ذلك بقاع نمرة بالجحفة كما في حديث زيد ( ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ مِنَ الْغَدِ بَعْدَ أَنْ أَسْفَرَ) أي انكشف وأضاء وفي حديث ابن عمرو ثم صلاها من الغد فأسفر، وفي حديث زيد فصلاها أمام الشمس أي قدامها بحيث طلعت بعد سلامه منها وفي حديث عبد الرحمن ثم صلاها يومًا وفي رواية زيد حتى إذا كان بذي طوى أخرها قال السيوطي: فيحتمل أن تكون قصة واحدة ويحتمل تعدد القصة انتهى.

( ثُمَّ قَالَ) صلى الله عليه وسلم ( أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟) في حديث أنس عن وقت صلاة الغداة ( قَالَ: هَأَنَذَا) قال ابن مالك في شرح التسهيل تفصل ها التنبيه من اسم الإشارة المجرد بأنا وأخواتها كثيرًا كقولك ها نحن وقوله تعالى: { { هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ } } وقول السائل عن وقت الصلاة هأنذا ( يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ) يعني هذين وما بينهما وقت وهذا من مفهوم الخطاب كقوله تعالى: { { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } } فمن مفهومه من يعمل مثقال قنطار خيرًا يره ومثله في القرآن كثير.

وفي رواية زيد: الصلاة ما بين هاتين الصلاتين.

وفي حديث ابن عمرو: الوقت فيما بين أمس واليوم وإنما أخرجوا به حتى صلى معه في اليومين لأن البيان بالفعل أبلغ وفيه جواز تأخير البيان عن وقت السؤال إلى آخر وقت يجب فيه فعل ذلك أما تأخيره عن تكليف الفعل والعمل حتى ينقضي فلا يجوز اتفاقًا قاله أبو عمر.

وفي ذا الحديث أن السؤال عن وقت الصبح خاصة وورد السؤال عن كل أوقات الصلوات.
فروى مسلم وأبو داود والنسائي والدارقطني عن أبي موسى الأشعري أن سائلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مواقيت الصلاة، فلم يرد عليه شيئًا حتى أمر بلالاً فأقام الفجر حين انشق الفجر، ثم أمره فأقام الظهر حين زالت الشمس، ثم أمره فأقام العصر والشمس بيضاء مرتفعة وأمره فأقام المغرب حين غابت الشمس وأمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، فلما كان الغد صلى الفجر فانصرف، فقلت أطلعت الشمس وأقام الظهر في وقت صلاة العصر الذي كان قبله، وصلى العصر وقد اصفرت الشمس أو قال: أمسى وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق وصلى العشاء إلى ثلث الليل، ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة؟ الوقت فيما بين هذين.
وأخرجه مسلم والنسائي أيضًا والترمذي وابن ماجه من حديث بريدة والدارقطني والطبراني في الأوسط عن جابر والدارقطني عن محمد بن جارية وأبو يعلى عن البراء بن عازب.
قال السيوطي: وحينئذٍ فحديث الموطأ إما مختصر من هذه الواقعة أو هو قضية أخرى وقع السؤال فيها عن صلاة الصبح خاصة.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) بن قيس الأنصاري أبي سعيد المدني قاضيها روى عن أنس وعدي بن ثابت وخلق وعنه مالك والسفيانان وأبو حنيفة ثقة ثبت من الحفاظ قال أحمد: أثبت الناس مات سنة أربع وأربعين ومائة أو بعدها أو قبلها بسنة.

( عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية ثقة حجة كانت في حجر عائشة وأكثرت عنها قال ابن المديني: هي أحد الثقات العلماء بعائشة الأثبات فيها وهي والدة أبي الرجال ماتت قبل المائة ويقال بعدها.

( عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بكسر الهمزة وإسكان النون مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن واللام في ( لَيُصَلِّي الصُّبْحَ) هي الفارقة عند البصريين بين المخففة والنافية والكوفيون يجعلونها بمعنى إلا وإن نافية.

( فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ) حال كونهن ( مُتَلَفِّعَاتٍ) قال ابن عبد البر: رواه يحيى وجماعة بفاءين ورواه كثيرون بفاء ثم عين مهملة وعزاه عياض لأكثر رواة الموطأ.

قال الأصمعي التلفع أن يشتمل بالثوب حتى يجلل به جسده وفي النهاية اللفاع ثوب يجلل به الجسد كله ثوبًا كان أو غيره وتلفع بالثوب اشتمل به.

وقال عبد الملك بن حبيب في شرح الموطأ: التلفع أن يلقي الثوب على رأسه ثم يلتف به لا يكون الالتفاع إلا بتغطية الرأس وأخطأ من قال إنه مثل الاشتمال، وأما التلفف فيكون مع تغطية الرأس وكشفه ودليل ذلك قول عبيد بن الأبرص:

كيف يرجون سقاطي بعدما
لفع الرأس مشيب وصلع

وفي شرح المسند للرافعي: التلفع بالثوب الاشتمال به وقيل الالتحاف مع تغطية الرأس.
( بِمُرُوطِهِنَّ) بضم الميم جمع مرط بكسرها أكسية من صوف أو خز كان يؤتزر بها قال:

تساهم ثوباها ففي الدرع زادة
وفي المرط لفاوان ردفهما عبل

قاله الجوهري: وقال الرافعي: كساء من صوف أو خز أو كتان عن الخليل، ويقال هو الإزار، ويقال درع المرأة، وفي المحكم هو الثوب الأخضر وفي مجمع الغرائب المروط أكسية من شعر أسود وعن الخليل أكسية معلمة.

وقال ابن الأعرابي هي الإزار.

وقال ابن الأثير: لا يكون المرط إلا درعًا وهو من خز أخضر ولا يسمى المرط إلا الأخضر ولا يلبسه إلا النساء.
زاد بعضهم أن تكون مربعة وسداها من شعر، وقال ابن حبيب: كساء صوف رقيق خفيف مربع كان النساء يأتزرن به ويتلفعن.

( مَا يُعْرَفْنَ) أهن نساء أم رجال قاله الداودي: وتعقب بأن المعرفة إنما تتعلق بالأعيان فلو كان ذلك المراد لعبر بنفي العلم.

وقال غيره: يحتمل لا تعرف أعيانهن وإن عرفن أنهن نساء وإن كن مكشفات الوجوه حكاه عياض وحذف النووي الجملة الأخيرة وقال: هذا ضعيف لأن المتلفعة في النهار أيضًا لا يعرف عينها فلا يبقى في الكلام فائدة.

قال السيوطي: ومع تتمة الكلام بهذه الجملة لا يتأتى هذا الاعتراض.

وفي الفتح ما ذكره النووي من أن المتلفعة بالنهار لا تعرف عينها فيه نظر لأن لكل امرأة هيئة غير هيئة الأخرى في الغالب ولو كان بدنها مغطى.

وقال الباجي: هذا يدل على أنهن كن سافرات إذ لو كن منتقبات لمنع تغطية الوجه من معرفتهن لا الغلس.

قلت: وفيه ما فيه لأنه مبني على الاشتباه الذي أشار إليه النووي وأما إن قلنا أن لكل واحدة منهن هيئة غالبًا فلا يلزم ما ذكر انتهى.

( مِنَ) ابتدائية أو تعليلية ( الْغَلَسِ) بفتح المعجمة واللام بقايا ظلمة الليل يخالطها ظلام الفجر قاله الأزهري والخطابي.
وقال ابن الأثير: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح ولا تعارض بين هذا وبين حديث الصحيحين عن أبي برزة أنه صلى الله عليه وسلم كان ينصرف من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه لأن هذا مع التأمل له أو في حال دون حال وذاك في نساء مغطيات الرؤوس بعيدات عن الرجال قاله عياض: وفيه ندب المبادرة بصلاة الصبح أول وقتها.

وأما ما رواه أصحاب السنن الأربعة وصححه الترمذي عن رافع بن خديج سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر فقد حمله الشافعي وأحمد وإسحاق على تحقق طلوع الفجر لا تأخير الصلاة وآخرون على الليالي المقمرة فإن الصبح لا يتبين فيها فأمر بالاحتياط، وحمله الطحاوي على أن المراد الأمر بتطويل القراءة فيها حتى يخرج من الصلاة مسفرًا وأبعد من زعم أنه ناسخ للصلاة في الغلس ويرده حديث أبي مسعود الأنصاري أنه صلى الله عليه وسلم أسفر بالصبح مرة ثم كانت صلاته بعد بالغلس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر رواه أبو داود وغيره وقد تقدم.

وروى ابن ماجه عن مغيث بن سمي قال: صليت مع عبد الله بن الزبير الصبح بغلس فلما سلمت أقبلت على ابن عمر فقلت: ما هذه الصلاة؟ قال: هذه كانت صلاتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلما طعن عمر أسفر بها عثمان.

وأما حديث ابن مسعود عند البخاري وغيره: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في غير وقتها غير ذلك اليوم - يعني الفجر - يوم المزدلفة فمحمول على أنه دخل فيها مع طلوع الفجر من غير تأخير ففي حديث زيد بن ثابت وسهل بن سعد ما يشعر بتأخير يسير لا أنه صلاها قبل أن يطلع الفجر وفيه جواز خروج النساء إلى المساجد لشهود الصلاة في الليل وأخذ منه جوازه نهارًا بالأولى لأن الليل مظنة الريبة أكثر ومحل ذلك إذا لم يخش عليهن أو بهن فتنة، واستدل به بعضهم على جواز صلاة المرأة مختمرة الأنف والفم فكأنه جعل التلفع صفة لشهود الصلاة، ورده عياض بأنها إنما أخبرت عن هيئة الانصراف.
وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن مسلمة وعبد الله بن يوسف ومسلم من طريق معن بن عيسى ثلاثتهم عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) العدوي المدني.

( عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) بخفة السين المهملة بلفظ ضد يمين تقدمًا.
( وَعَنْ بُسْرِ) بضم الموحدة وإسكان السين المهملة آخره راء ( بْنِ سَعِيدٍ) المدني العابد ثقة حافظ من التابعين.
( وَعَنِ الْأَعْرَجِ) عبد الرحمن بن هرمز المدني ثقة ثبت عالم مات سنة سبع عشرة ومائة.

( كُلُّهُمْ يُحَدِّثُونَهُ) أي يحدثون زيد بن أسلم ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) الدوسي الصحابي الجليل حافظ الصحابة قال الشافعي: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في الدنيا واختلف في اسمه واسم أبيه على أقوال كثيرة واختلف في أيها أرجح فذهب كثيرون إلى أنه عبد الرحمن بن صخر، وذهب جمع من النسابين أنه عمرو بن عامر مات سنة سبع وقيل سنة ثمان وقيل تسع وخمسين وهو ابن ثمان وسبعين سنة.

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ) الإدراك الوصول إلى الشيء فظاهره أنه يكتفي بذلك وليس مرادًا بإجماع فحمله الجمهور على أنه أدرك الوقت فإذا صلى ركعة أخرى فقد كملت صلاته: وصرح به في رواية الدراوردي عن زيد بن أسلم بسنده المذكور ولفظه من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس وركعة بعدما تطلع الشمس فقد أدرك الصلاة.

وأصرح منه رواية أبي غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة ثم صلى ما بقي بعد طلوع الشمس رواه البيهقي.

وللبخاري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا: إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته وإن أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته.

وللنسائي: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنه يقضي ما فاته.

وللبيهقي: من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليصل إليها أخرى، وفي هذا رد على الطحاوي حيث خص الإدراك باحتلام الصبي وطهر الحائض وإسلام الكافر ونحو ذلك، وأراد بذلك نصرة مذهبه أن من طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح بطلت لأحاديث النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس ودعوى أنها ناسخة لهذا الحديث تحتاج إلى دليل إذ لا يصار إلى النسخ بالاحتمال والجمع بين الحديثين ممكن بحمل أحاديث النهي على النوافل، ولا شك أن التخصيص أولى من دعوى النسخ.

قال ابن عبد البر: لا وجه لدعوى نسخ حديث الباب لأنه لم يثبت فيه تعارض بحيث لا يمكن الجمع ولا لتقديم حديث النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها عليه لأنه يحمل على التطوع.

قال السيوطي: وجواب الشيخ أكمل الدين في شرح المشارق عن الحنفية بحمل الحديث على أن المراد فقد أدرك ثواب كل الصلاة باعتبار نيته لا باعتبار عمله وأن معنى قوله فليتم صلاته: فليأت بها على وجه التمام في وقت آخر بعيد يرده بقية طرق الحديث.

وقد أخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة مرفوعًا: إذا صلى أحدكم ركعة من صلاة الصبح ثم طلعت الشمس فليصل إليها أخرى.

( وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ) وفي رواية تغيب ( الشَّمْسُ) زاد البيهقي من طريق أبي غسان ثم صلى ما بقي بعد غروب الشمس ( فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ) وللبيهقي عن أبي غسان فلم تفته في الموضعين وهو مبين أن بإدراكها يكون الكل أداء وهو الصحيح، ومفهوم الحديث أن من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركًا للوقت وللفقهاء فيه كلام.

قال أبو السعادات ابن الأثير: تخصيص هاتين الصلاتين بالذكر دون غيرهما مع أن هذا الحكم يعم جميع الصلوات لأنهما طرفا النهار والمصلي إذا صلى بعض الصلاة وطلعت الشمس أو غربت عرف خروج الوقت فلو لم يبين صلى الله عليه وسلم هذا الحكم ولا عرف المصلي أن صلاته تجزيه لظن فوات الصلاة وبطلانها بخروج الوقت وليس كذلك آخر أوقات الصلاة ولأنه نهى عن الصلاة عند الشروق والغروب فلو لم يبين لهم صحة صلاة من أدرك ركعة من هاتين الصلاتين لظن المصلي أن صلاته فسدت بدخول هذين الوقتين فعرفهم ذلك ليزول هذا الوهم.

وقال الحافظ مغلطاي في رواية: من أدرك ركعة من الصبح، وفي أخرى: من أدرك من الصبح ركعة وبينهما فرق وذلك أن من قدم الركعة فلأنها هي السبب الذي به الإدراك ومن قدم الصبح أو العصر قبل الركعة فلأن هذين الاسمين هما اللذان يدلان على هاتين الصلاتين دلالة خاصة تتناول جميع أوصافها بخلاف الركعة فإنها تدل على بعض أوصاف الصلاة فقدم اللفظ الأعم الجامع، وهذا الحديث أخرجه البخاري عن القعنبي ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) المدني كثير الحديث أبي عبد الله ثقة ثبت فقيه بعثه عمر بن عبد العزيز إلى مصر يعلمهم السنن، وقيل لأحمد بن حنبل إذا اختلف سالم ونافع في ابن عمر أيهما يقدم فلم يفضل، وقال النسائي سالم أجل من نافع قال وأثبت أصحاب نافع مالك مات نافع سنة سبع عشرة ومائة أو بعد ذلك.

( أَنَّ عُمَرَ) هذا منقطع لأن نافعًا لم يلق عمر ( بْنَ الْخَطَّابِ) القرشي العدوي أمير المؤمنين ثاني الخلفاء ضجيع المصطفى مناقبه جمة لقبه الفاروق لفرقه بين الحق والباطل وهل الملقب له جبريل أو المصطفى أو أهل الكتاب روايات لا تتنافى، ولي الخلافة عشر سنين ونصفًا واستشهد في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين.

( كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ) بالتثقيل جمع عامل أي المتولين على البلاد ( إِنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ) المفروضة ( فَمَنْ حَفِظَهَا) قال ابن رشيق: أي علم ما لا تتم إلا به من وضوئها وأوقاتها وما تتوقف عليه صحتها وتمامها ( وَحَافَظَ عَلَيْهَا) أي سارع إلى فعلها في وقتها ( حَفِظَ دِينَهُ وَمَنْ ضَيَّعَهَا) قال أبو عبد الملك البوني: يريد أخرها ولم يرد أنه تركها ( فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ) وهذا وإن كان منقطعًا لكن يشهد له أحاديث أخر مرفوعة منها ما أخرجه البيهقي في الشعب من طريق عكرمة عن عمر قال: جاء رجل فقال يا رسول الله أي شيء أحب عند الله في الإسلام؟ قال: الصلاة لوقتها ومن ترك الصلاة فلا دين له والصلاة عماد الدين.

وفي البخاري عن أنس: ما أعرف شيئًا مما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل الصلاة قال أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها.

وفيه أيضًا عن الزهري دخلت على أنس بدمشق وهو يبكي فقلت له ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئًا مما أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت والمراد بإضاعتها إخراجها عن وقتها قال تعالى: { { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ } } قال البيضاوي: تركوها أو أخروها انتهى.

والثاني: قول ابن مسعود ويشهد له ما رواه ابن سعد عن ثابت فقال رجل لأنس فالصلاة قال جعلتم الظهر عند المغرب أفتلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقيل المراد بتضييعها تأخيرها عن وقتها المستحب لا عن وقتها بالكلية ورد بأن الحجاج وأميره الوليد وغيرهما كانوا يؤخرونها عن وقتها فقال ذلك أنس.

وفي معجم الطبراني الأوسط عن أنس مرفوعًا: ثلاث من حفظهن فهو ولي حقًا ومن ضيعهن فهو عدو حقًا الصلاة والصيام والجنابة والمراد بكون المضيع عدو الله أنه يعاقبه ويذله ويهينه إن لم يدركه العفو فإن ضيع ذلك جاحدًا فهو كافر فتكون العداوة على بابها.

( ثُمَّ كَتَبَ) إليهم ( أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إِذَا كَانَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا) بعد زوال الشمس وهو ميلها إلى جهة المغرب لما صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهاجرة وهي اشتداد الحر في نصف النهار وهذا ما استقر عليه الإجماع وكان فيه خلاف قديم عن بعض الصحابة أنه جوز صلاة الظهر قبل الزوال.
وعن أحمد وإسحاق مثله في الجمعة ( إِلَى أَنْ يَكُونَ) أي يصير ( ظِلُّ أَحَدِكُمْ مِثْلَهُ) بالإفراد ( وَالْعَصْرَ) بالنصب ( وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ) لم يتغير لونها ولا حرها.
قال مالك في المبسوط: إنما ينظر إلى أثرها في الأرض والجدر ولا ينظر إلى عينها ( قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ فَرْسَخَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ) والمراد أن يوقعوا صلاتها قبل الاصفرار ( وَ) أن صلوا ( الْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ) مبادرين بها لضيق وقتها ( وَالْعِشَاءَ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ) الحمرة في الأفق بعد غروب الشمس ( إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) وهو محسوب من الغروب ( فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ) دعا عليه بعدم الراحة ( فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ) بالإفراد على إرادة الجنس ( فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ) ذكره ثلاث مرات زيادة في التنفير عن النوم لقوله صلى الله عليه وسلم من نام قبل العشاء فلا نامت عينه أخرجه البزار عن عائشة.

وفي الصحيحين عن أبي برزة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها.

قال الترمذي: كره أكثر العلماء النوم قبل صلاة العشاء ورخص فيه بعضهم وبعضهم في رمضان خاصة.

قال الحافظ: ومن نقلت عنه الرخصة قيدت عنه في أكثر الروايات بما إذا كان له من يوقظه أو عرف من عادته أنه لا يستغرق وقت الاختيار بالنوم وهذا جيد حيث قلنا علة النهي خشية خروج الوقت.

وحمل الطحاوي الرخصة على ما قبل دخول وقت العشاء والكراهة على ما بعد دخوله.

( وَ) صلوا ( الصُّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ) أي ظاهرة ( مُشْتَبِكَةٌ) .
قال ابن الأثير اشتبكت النجوم أي ظهرت واختلط بعضها ببعض لكثرة ما ظهر منها وشاهد هذه الجملة من المرفوع ما أخرجه أحمد عن أبي عبد الله الصنابحي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب انتظار الإظلام مضاهاة اليهود وما لم يؤخروا الفجر لمحاق النجوم مضاهاة النصرانية.

( مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلٍ) بضم السين نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي التيمي المدني ثقة من التابعين مات بعد الأربعين ومائة.

( عَنْ أَبِيهِ) مالك بن أبي عامر الأصبحي سمع من عمر ثقة من كبار التابعين مات سنة أربع وسبعين على الصحيح.

( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى) عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بفتح المهملة وشد الضاد المعجمة الأشعري الصحابي المشهور أمره عمر ثم عثمان ومات سنة خمسين وقيل بعدها.

( أَنْ صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ) أي مالت وفي الصحيحين عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر ولا يعارض حديث الإبراد لأنه مستحب لا ينافي جواز التقديم.

( وَ) صل ( الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ) بنون وقاف لم تتغير ( قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا صُفْرَةٌ) بيان لنقية.

( وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَأَخِّرِ الْعِشَاءَ) عن الشفق ( مَا لَمْ تَنَمْ) وفي الصحيحين عن أبي برزة أنه صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن تؤخر العشاء.

( وَصَلِّ الصُّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ) مختلط بعضها ببعض لكثرة ما ظهر منها.

( وَاقْرَأْ فِيهَا بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنَ الْمُفَصَّلِ) وأوله الحجرات على الصحيح إلى عبس.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ) بن الزبير بن العوام الأسدي.
روى عن أبيه وعمه عبد الله بن الزبير وطائفة ثقة فقيه من صغار التابعين روى عنه مالك وأبو حنيفة والسفيانان وشعبة والحمادان وخلق وربما دلس مات سنة خمس أو ست وأربعين ومائة وله سبع وثمانون سنة ( عَنْ أَبِيهِ) عروة أحد الفقهاء السبعة.

( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ صَلِّ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ ثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ وَأَنْ صَلِّ الْعِشَاءَ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ فَإِنْ أَخَّرْتَ فَإِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ) أي نصفه فإنه صلى الله عليه وسلم أخر صلاة العشاء إلى نصف الليل ثم صلى ثم قال: قد صلى الناس وناموا أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها.
رواه البخاري ومسلم عن أنس.

( وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِين) عن الصلاة قال صلى الله عليه وسلم: من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين رواه الحاكم وصححه عن أبي هريرة.

( مالِكٍ عَنْ يَزِيدَ) بتحتية أوله وزاي منقوطة.

( بْنِ زِيَادٍ) بزاي أوله ابن أبي زياد وقد ينسب إلى جده مولى بني مخزوم مدني ثقة.

( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ) المخزومي ( مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) المدني التابعي ثقة روى له مسلم وأصحاب السنن ( أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ) الواحدة والجنس.

( فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَا أُخْبِرُكَ) قال ابن عبد البر وقفه رواة الموطأ والمواقيت لا تؤخذ بالرأي ولا تدرك إلا بالتوقيف يعني فهو موقوف لفظًا مرفوع حكمًا قال وقد روي حديث المواقيت مرفوعًا بأتم من هذا أخرجه النسائي بإسناد صحيح عن أبي هريرة.

( صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا كَانَ ظِلُّكَ مِثْلَكَ) أي مثل ظلك يعني قريبًا منه بغير ظل الزوال.

( وَ) صل ( الْعَصْرَ إِذَا كَانَ ظِلُّكَ مِثْلَيْكَ) أي مثلي ظلك بغير الفيء وهذا بظاهره يؤيد القول بالاشتراك.

( وَالْمَغْرِبَ) بالنصب ( إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَالْعِشَاءَ مَا بَيْنَكَ) أي ما بين وقتك من الغروب قيل ولعل أصله ما بينه ( وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ) بضمتين ويسكن الثاني وهو الوقت المختار وإلا فوقتها إلى آخر الليل والوتر تابع لها.

( وَصَلِّ الصُّبْحَ) أعاد العامل اهتمامًا أو لطول الفصل بالكلام ( بِغَبَشٍ) بفتح الغين المعجمة والباء الموحدة وشين معجمة كذا رواه يحيى وزياد ( يَعْنِي الْغَلَسَ) باللام وسين مهملة ولعله تفسير مراد وإلا فقد قال الخطابي: الغبش بمعجمتين قبل الغبس بسين مهملة وبعده الغلس باللام وهي كلها في آخر الليل ويكون الغبش أول الليل.

وفي رواية يحيى بن بكير والقعنبي وسويد بن سعيد: وصل الصبح بغلس بفتحتين وهو ظلمة آخر الليل على ما جزم به الجوهري منشدًا عليه:

كذبتك عينك أم رأيت بواسط
غلس الظلام من الرباب خيالا

وتقدم مزيد له.

( مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) زيد بن سهل الأنصاري المدني ثقة حجة مات سنة اثنين وثلاثين ومائة وقيل بعدها لمالك عنه مرفوعًا خمسة عشر حديثًا منها عشرة.

( عَنْ) عمه أخي أبيه لأمه ( أَنَسِ بْنِ مالِكٍ) بن النضر الأنصاري الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين مات سنة اثنين وقيل ثلاث وتسعين وقد جاوز المائة ( أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ) قال ابن عبد البر: هذا يدخل عندهم في المسند وصرح برفعه ابن المبارك وعتيق بن يعقوب الزبيري كلاهما عن مالك بلفظ: كنا نصلي العصر مع النبي صلى الله عليه وسلم انتهى.

وهذا اختيار الحاكم أن قول الصحابي كنا نفعل كذا مسند ولو لم يصرح بإضافته إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الدارقطني والخطيب وغيرهما هو موقوف.

قال الحافظ: والحق أنه موقوف لفظًا مرفوع حكمًا لأن الصحابي أورده في مقام الاحتجاج فيحمل على أنه أراد كونه في زمنه صلى الله عليه وسلم.

وقد روى النسائي عن ابن المبارك عن مالك الحديث فقال فيه كنا نصلي العصر مع النبي صلى الله عليه وسلم ( ثُمَّ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَيَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ الْعَصْرَ) قال أبو عمر: معنى الحديث السعة في وقت العصر وأن الصحابة حينئذٍ لم تكن صلاتهم في فور واحد لعلمهم بما أبيح لهم من سعة الوقت.

وقال النووي قال العلماء: كانت منازلهم على ميلين من المدينة وكانوا يصلون العصر في وسط الوقت لأنهم كانوا يشتغلون بأعمالهم وحروثهم وزروعهم وحوائطهم فإذا فرغوا من أعمالهم تأهبوا للصلاة ثم اجتمعوا لها فتتأخر صلاتهم لهذا المعنى، وهذا الحديث أخرجه البخاري عن القعنبي ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ) محمد بن مسلم الزهري ( عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ) مع النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه خالد بن مخلد عن مالك أخرجه الدارقطني في غرائبه وزاد أبو عمر فيمن صرح برفعه عبد الله بن نافع وابن وهب وأبو عامر العقدي كلهم عن مالك عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر.

( ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ) قال الحافظ: كأن أنسًا أراد نفسه كما يشعر به رواية أبي الأبيض عن أنس كان صلى الله عليه وسلم يصلي بنا العصر والشمس بيضاء محلقة ثم أرجع إلى قومي في ناحية المدينة فأقول لهم قوموا فصلوا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى رواه النسائي والطحاوي واللفظ له.

وقال الطحاوي: نحن نعلم أن قوم أنس لم يكونوا يصلونها إلا قبل اصفرار الشمس فدل ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم كان يعجلها.

وقال السيوطي: بل أراد أعم من ذلك لما أخرجه الدارقطني والطبراني من طريق عاصم بن عمر بن قتادة قال كان أبعد رجلين من الأنصار من رسول الله صلى الله عليه وسلم دارًا أبو لبابة بن عبد المنذر وأهله بقبا وأبو عبس بن جبر ومسكنه في بني حارثة وكانا يصليان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يأتيان قومهما وما صلوا لتعجيل رسول الله صلى الله عليه وسلم بها.

( إِلَى قُبَاءٍ) بضم القاف وموحدة قال النووي يمد ويقصر ويصرف ولا يصرف ويذكر ويؤنث والأفصح فيه التذكير والصرف والمد وهو على ثلاثة أميال من المدينة ( فَيَأْتِيهِمْ) أي أهل قبا ( وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ) قال ابن عبد البر: لم يختلف على مالك أنه قال إلى قبا ولم يتابعه أحد من أصحاب الزهري بل كلهم يقولون إلى العوالي وهو الصواب عند أهل الحديث.

وقول مالك إلى قبا وهم لا شك فيه إلا أن المعنى متقارب لأن العوالي مختلفة المسافة فأقربها إلى المدينة ما كان على ميلين أو ثلاثة ومنها ما يكون على ثمانية أميال أو عشرة ومثل هذا هو المسافة بين قبا والمدينة.

وقد رواه خالد بن مخلد عن مالك فقال إلى العوالي كما قال سائر أصحاب ابن شهاب ثم أسنده من طريقه وقال هكذا رواه خالد وسائر رواة الموطأ قالوا قبا قال الحافظ، وتعقب بأن ابن أبي ذئب رواه عن الزهري إلى قبا كما قال مالك نقله الباجي عن الدارقطني فنسبة الوهم فيه إلى مالك منتقد فإنه إن كان وهمًا احتمل أن يكون منه وأن يكون من الزهري حين حدث به مالكًا.

وقد رواه خالد بن مخلد عن مالك فقال: إلى العوالي كما قال الجماعة فقد اختلف فيه على مالك وتوبع عن الزهري بخلاف ما جزم به ابن عبد البر أي من أنه لم يتابعه أحد عليه قال وأما قوله الصواب عند أهل الحديث العوالي فصحيح من حيث اللفظ وأما المعنى فمتقارب، لكن رواية مالك أخص لأن قبا من العوالي وليست العوالي كل قبا فإنها عبارة عن القرى المجتمعة حول المدينة من جهة نجدها قال: ولعل مالكًا لما رأى في رواية الزهري إجمالاً حملها على الرواية المفسرة وهي روايته المتقدمة عن إسحاق حيث قال فيها ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف وتقدم أنهم أهل قبا فبنى مالك على أن القصة واحدة لأنهما جميعًا حدثاه عن أنس والمعنى متقارب فهذا الجمع أولى من الجزم بأن مالكًا وهم فيه.

وأما استدلال ابن بطال على أن الوهم فيه من دون مالك برواية خالد بن مخلد المتقدمة الموافقة لرواية الجماعة عن الزهري ففيه نظر لأن مالكًا أثبته في الموطأ باللفظ الذي رواه عنه كافة أصحابه فرواية خالد عنه شاذة فكيف تكون دالة على أن رواية الجماعة وهم بل إن سلمنا أنها وهم فهو من مالك كما جزم به البخاري والدارقطني ومن تبعهما أو من الزهري حين حدثه به والأولى سلوك طريق الجمع التي أوضحناها انتهى.

وقال القاضي عياض: مالك أعلم ببلده وأماكنها من غيره وهو أثبت في ابن شهاب ممن سواه وقد رواه بعضهم عن مالك إلى العوالي كما قالت الجماعة، ورواه ابن أبي ذئب عن الزهري فقال إلى قبا كما قال مالك وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) واسمه فروخ التيمي مولاهم المدني المعروف بربيعة الرأي روى عن أنس والحارث بن بلال المزني وخلق من أكابر التابعين ثقة ثبت فقيه حافظ أحد مفتي المدينة كان يحصي في مجلسه أربعين معتمًا.
قال عبد العزيز بن أبي سلمة: ما رأيت أحفظ للسنة منه، وقال مالك: ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة.
قال ابن سعد: كانوا يتقونه لموضع الرأي مات سنة ست وثلاثين ومائة على الصحيح، وقيل سنة ثلاث، وقال الباجي: سنة اثنين وأربعين.

( عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ) بن أبي بكر الصديق أبي محمد المدني أحد الفقهاء قال ابن سعد ثقة رفيع عالم فقيه إمام ورع كثير الحديث مات سنة ست ومائة على الصحيح.

( أَنَّهُ قَالَ: مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ) أي الصحابة لأنه من كبار التابعين.

( إِلَّا وَهُمْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِعَشِيٍّ) قال في الاستذكار قال مالك: يريد الإبراد بالظهر، وقال أبو عبد الملك قيل أراد بعد تمكن الوقت ومضي بعضه وأنكر صلاته إثر الزوال انتهى.
وفي النهاية والمطالع العشي ما بعد الزوال إلى الغروب وقيل إلى الصباح.



رقم الحديث 3 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ.
قَالَ: فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ، صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ مِنَ الْغَدِ بَعْدَ أَنْ أَسْفَرَ.
ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟ قَالَ: هَأَنَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ.


( قَالَ) الراوي: عن يحيى وهو ابنه عبيد الله بضم العين الليثي فقيه قرطبة ومسند الأندلس كان ذا حرمة عظيمة وجلالة روى عنه خلق كثير توفي سنة ثمان وسبعين ومائتين.

( حَدَّثَنِي يَحْيَى بَنُ يَحْيَى) بن كثير بن وسلاس بكسر الواو وسينين مهملتين الأولى ساكنة وبينهما لام ألف ويزاد فيه نون فيقال وسلاسن ومعناه بالبربرية سيدهم كما ضبطه صاحب الوفيات أسلم وسلاس على يد يزيد بن عامر الليثي ليث بني كنانة فقيل ( اللَّيْثِيِّ) مولاهم القرطبي أبو محمد فقيه ثقة قليل الحديث وله أوهام مات سنة أربع وثلاثين ومائتين على الصحيح عن ثنتين وثمانين سنة سمع الموطأ لأول نشأته من زياد بن عبد الرحمن أبي عبد الله المعروف بشبطون ثم رحل وهو ابن ثمان وعشرين سنة إلى مالك فسمع منه الموطأ غير أبواب في كتاب الاعتكاف شك فيها فحدث بها عن زياد وكان يحيى عند مالك فقيل هذا الفيل فخرجوا لرؤيته ولم يخرج فقال مالك له: لم لم تخرج لنظر الفيل وهو لا يكون ببلادك؟ فقال: لم أرحل لأنظر الفيل وإنما رحلت لأشاهدك وأتعلم من علمك وهديك فأعجبه ذلك وسماه عاقل الأندلس وإليه انتهت رياسة الفقه بها وانتشر به المذهب وتفقه به من لا يحصى وعرض للقضاء فامتنع فعلت رتبته على القضاة وقبل قوله عند السلطان فلا يولى قاضيًا في أقطاره إلا بمشورته واختياره ولا يشير إلا بأصحابه فأقبل الناس عليه لبلوغ أغراضهم وهذا سبب اشتهار الموطأ بالمغرب من روايته دون غيره وكان حسن الهدي والسمت يشبه سمته سمت مالك قال لما ودعت مالكًا سألته أن يوصيني فقال لي: عليك بالنصيحة لله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم قال وقال لي الليث مثل ذلك.

( عَنِ مالِكٍ بَنُ أَنَسِ) بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي أبي عبد الله المدني الفقيه إمام دار الهجرة أكمل العقلاء وأعقل الفضلاء رأس المتقنين وكبير المتثبتين حتى قال البخاري: أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن ابن عمر مات سنة تسع وسبعين ومائة وكان مولده سنة ثلاث وتسعين، وقال الواقدي بلغ تسعين سنة.

( عَنْ) محمد بن مسلم بن عبيد الله بضم العين ابن عبد الله بفتحها ( ابْنِ شِهَابٍ) بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري أبي بكر الفقيه الحافظ المتفق على جلالته وإتقانه لقي عشرًا من الصحابة ومات سنة خمس وعشرين ومائة وقيل قبلها بسنة أو سنتين له في الموطأ مرفوعًا مائة وثلاثة وثلاثون حديثًا.

( أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ) بن مروان بن الحكم بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي أمير المؤمنين أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب ولي إمرة المدينة للوليد وكان مع سليمان كالوزير وولي الخلافة بعده فعد من الخلفاء الراشدين مات في رجب سنة إحدى ومائة وله أربعون سنة ومدة خلافته سنتان ونصف.

( أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا) أي صلاة العصر كما للبخاري من طريق الليث عن الزهري زاد ابن عبد البر في إمارته على المدينة ولأبي داود من وجه آخر أن عمر كان قاعدًا على المنبر فعرف بهذا سبب تأخيره وكأنه كان مشغولاً إذ ذاك بشيء من مصالح المسلمين.
قال ابن عبد البر: ظاهر سياقه أنه فعل ذلك يومًا ما لا أن ذلك كان عادة له وإن كان أهل بيته معروفين بذلك قال: والمراد أنه أخرها حتى خرج الوقت المستحب لا أنه أخرها حتى غربت الشمس.

قال الحافظ: ويؤيده رواية الليث عن الزهري عند البخاري في بدء الخلق ولفظه أخر العصر شيئًا وبه تظهر مناسبة ذكر عروة حديث عائشة بعد حديث أبي مسعود وما رواه الطبراني مسى عمر قبل أن يصليها محمول على أنه قارب المساء لا أنه دخل فيه وقد رجع عمر عن ذلك فروى الأوزاعي أن عمر بن عبد العزيز يعني في خلافته كان يصلي الظهر في الساعة الثامنة والعصر في الساعة العاشرة حين تدخل.

( فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ) بن العوام بن خويلد الأسدي أبو عبد الله المدني التابعي الكبير الثقة الفقيه المشهور أحد الفقهاء السبعة مات سنة أربع وتسعين على الصحيح ومولده في أوائل خلافة عثمان.

( فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ) بن مسعود بن معتب الثقفي الصحابي المشهور أسلم قبل الحديبية وولي إمرة البصرة ثم الكوفة ومات سنة خمسين على الصحيح.

( أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا) أي صلاة العصر فلعبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب بلفظ فقال مسى المغيرة بن شعبة بصلاة العصر.

( وَهُوَ بِالْكُوفَةِ) وكان إذ ذاك أميرًا عليها من قبل معاوية بن أبي سفيان وللبخاري عن القعنبي عن مالك وهو بالعراق وتعقبه الحافظ بأن الذي في الموطأ رواية القعنبي وغيره عن مالك وهو بالكوفة وكذا أخرجه الإسماعيلي عن أبي خليفة عن القعنبي والكوفة من جملة العراق فالتعبير بها أخص من التعبير به.

( فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ) عقبة بالقاف ابن عمرو بن ثعلبة ( الْأَنْصَارِيُّ) البدري صحابي جليل مات قبل الأربعين وقيل بعدها ( فَقَالَ: مَا هَذَا) التأخير ( يَا مُغِيرَةُ أَلَيْسَ) كذا الرواية وهو استعمال صحيح لكن الأفصح والأكثر استعمالاً في مخاطبة الحاضر ألست وفي مخاطبة الغائب أليس وتوجيه الأولى أن في ليس ضمير الشأن كذا قاله ابن السيد في شرح الموطأ وتبعه ابن دقيق العيد والحافظ والزركشي وغيرهم.

وتعقب ذلك الدماميني بأنه يوهم جواز استعمال هذا التركيب مع إرادة أن يكون ما دخلت عليه ضمير الغائب وليس كذلك بل هما تركيبان مختلفان وليس أحدهما بأفصح من الآخر فإنه يستعمل كل منهما في مقام خاص فإن أريد إدخال ليس على ضمير المخاطب تعين ألست قد علمت وإن أريد إدخالها على ضمير الشأن مخبرًا عنه بالجملة التي أسند فعلها إلى المخاطب تعين أليس.

( قَدْ عَلِمْتَ) قال عياض: ظاهره علم المغيرة بذلك ويحتمل أنه ظن من أبي مسعود لعلمه بصحبة المغيرة قال الحافظ: ويؤيد الأول رواية شعيب عند البخاري في غزوة بدر بلفظ فقال لقد علمت بغير أداة استفهام ونحوه لعبد الرزاق عن معمر وابن جريج معًا.

( أَنَّ جِبْرِيلَ) بكسر الجيم وفتحها اسم أعجمي ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال جبريل كقولك عبد الله جبر عبد وايل الله وهو أفضل الملائكة كما نقل عن كعب الأحبار وقال السيوطي لا خلاف أن جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت رؤوس الملائكة وأشرافهم وأفضل الأربعة جبريل وإسرافيل وفي التفضيل بينهما توقف سببه اختلاف الآثار في ذلك وفي معجم الطبراني الكبير حديث أفضل الملائكة جبريل لكن سنده ضعيف وله معارض فالأولى الوقف عن ذلك.

( نَزَلَ) قال إمام الحرمين نزوله في صفة رجل معناه أن الله أفنى الزائد من خلقه أو أزاله عنه ثم يعيده إليه بعد وجزم ابن عبد السلام بالإزالة دون الفناء إذ لا يلزم أن يكون انتقالها موجبًا لموته بل يجوز أن يبقى الجسد حيًا لأن موته بمفارقة الروح لا يجب عقلاً بل بعادة أجراها الله في بعض خلقه ونظيره انتقال أرواح الشهداء إلى أجواف طيور خضر تسرح في الجنة.

وقال البلقيني يجوز أن الآتي هو جبريل بشكله الأصلي إلا أنه انضم فصار على قدر هيئة الرجل وإذا ترك ذلك عاد إلى هيئته ومثال ذلك القطن إذا جمع بعد أن كان منتفشًا فإنه بالنفش يحصل له صورة كبيرة وذاته لم تتغير وهذا على سبيل التقريب.

قال الحافظ والحق أن تمثيل الملك رجلاً ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلاً بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيسًا لمن يخاطبه والظاهر أن القدر الزائد لا يزول ولا يفنى بل يخفى على الرائي فقط.

وقال القونوي يمكن أن جسمه الأول بحاله لم يتغير وقد أقام الله له شبحًا آخر وروحه متصرفة فيهما جميعًا في وقت واحد وكان نزوله صبيحة الإسراء.

قال ابن عبد البر لم يختلف أن جبريل هبط صبيحة الإسراء عند الزوال فعلَّم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ومواقيتها وهيئتها.

قال ابن إسحاق: حدثني عتبة بن مسلم مولى بني تميم عن نافع بن جبير قال وكان نافع كثير الرواية عن ابن عباس قال لما فرضت الصلاة وأصبح النبي صلى الله عليه وسلم.

وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال قال نافع بن جبير وغيره: لما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم من الليلة التي أسري به لم يرعه إلا جبريل نزل حين زاغت الشمس ولذلك سميت الأولى فأمر فصيح بأصحابه الصلاة جامعة فاجتمعوا فصلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم وصلى النبي بالناس طول الركعتين الأولتين ثم قصر الباقيتين ثم سلم جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم وسلم النبي على الناس ثم نزل في العصر على مثل ذلك ففعلوا كما فعلوا في الظهر ثم نزل في أول الليل فصيح الصلاة جامعة فصلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم وصلى النبي بالناس طول في الأولتين وقصر في الثالثة ثم سلم جبريل على النبي وسلم النبي على الناس ثم لما ذهب ثلث الليل صيح الصلاة جامعة فاجتمعوا فصلى جبريل للنبي وصلى النبي للناس فقرأ في الأولتين فطول فيهما وقصر في الأخيرتين ثم سلم جبريل على النبي وسلم النبي على الناس فلما طلع الفجر صيح الصلاة جامعة فصلى جبريل للنبي وصلى النبي للناس فقرأ فيهما فجهر وطول ورفع صوته وسلم جبريل على النبي وسلم النبي على الناس.
قال الحافظ: وفي هذا رد على من زعم أن بيان الأوقات إنما وقع بعد الهجرة والحق أن ذلك وقع قبلها ببيان جبريل وبعدها ببيان النبي صلى الله عليه وسلم قال السيوطي وهو صريح حديث ابن عباس أمني جبريل عند البيت رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وفي رواية الشافعي عند باب البيت.

( فَصَلَّى) جبريل الظهر ( فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) معه ( ثُمَّ صَلَّى) العصر ( فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) معه ( ثُمَّ صَلَّى) المغرب ( فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) معه ( ثُمَّ صَلَّى) العشاء ( فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) معه ( ثُمَّ صَلَّى) الصبح ( فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) معه هكذا ذكره خمس مرات.

قال عياض: وهذا إذا اتبع فيه حقيقة اللفظ أعطى أن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت بعد فراغ صلاة جبريل لكن مفهوم هذا الحديث والمنصوص في غيره أن جبريل أم النبي صلى الله عليه وسلم فيحمل قوله صلى فصلى على أن جبريل كلما فعل جزءًا من الصلاة فعله النبي صلى الله عليه وسلم بعده حتى تكاملت صلاتهما انتهى وتبعه النووي وقال غيره الفاء بمعنى الواو واعترض بأنه يلزم أنه صلى الله عليه وسلم كان يتقدم في بعض الأركان على جبريل على ما يقتضيه مطلق الجمع وأجيب بمراعاة الحيثية وهي التبيين فكان لأجل ذلك يتراخى عنه وقيل الفاء للسببية كقوله { { فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ } }

وفي رواية الليث عند البخاري ومسلم نزل جبريل فأمني فصليت معه.

وفي رواية عبد الرزاق عن معمر نزل فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الناس معه وهذا يؤيد رواية نافع بن جبير المتقدمة وإنما دعاهم بقوله الصلاة جامعة لأن الأذان لم يكن شرع حينئذٍ.

( ثُمَّ قَالَ) جبريل ( بِهَذَا أُمِرْتُ) بفتح التاء على المشهور أي هذا الذي أمرت به أن تصليه كل يوم وليلة وروي بالضم أي هذا الذي أمرت بتبليغه لك.

قال ابن العربي: نزل جبريل مأمورًا مكلفًا بتعليم النبي لا بأصل الصلاة واحتج به بعضهم على جواز الائتمام بمن يأتم بغيره.
وأجاب الحافظ بحمله على أنه كان مبلغًا فقط كما قيل في صلاة أبي بكر خلف النبي وصلاة الناس خلف أبي بكر، ورده السيوطي بأنه واضح في قصة أبي بكر، وأما هنا ففيه نظر لأنه يقتضي أن الناس اقتدوا بجبريل لا بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو خلاف الظاهر والمعهود مع ما في رواية نافع بن جبير من التصريح بخلافه والأولى أن يجاب بأن ذلك كان خاصًا بهذه الواقعة لأنها كانت للبيان المعلق عليه الوجوب واستدل به أيضًا على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل لأن الملائكة ليسوا مكلفين بمثل ما كلف به الإنس قاله ابن العربي وغيره، وأجاب عياض باحتمال أن لا تكون تلك الصلاة واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم حينئذٍ، وتعقبه بما تقدم أنها كانت صبيحة ليلة فرض الصلاة.
وأجيب: باحتمال أن الوجوب كان معلقًا بالبيان فلم يتحقق الوجوب إلا بعد تلك الصلاة قال وأيضًا لا نسلم أن جبريل كان متنفلاً بل كانت تلك الصلاة واجبة عليه لأنه مكلف بتبليغها فهي صلاة مفترض خلف مفترض.

وقال ابن المنير: قد يتعلق به من يجوز صلاة مفترض بفرض آخر قال الحافظ وهو مسلم له في صورة المؤداة مثلاً خلف المؤداة لا في صورة الظهر خلف العصر مثلاً.

( فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
اعْلَمْ)
بصيغة الأمر ( مَا تُحَدِّثُ بِهِ يَا عُرْوَةُ) وفي رواية للشافعي عن سفيان عن الزهري فقال اتق الله يا عروة وانظر ما تقول قال الرافعي في شرح المسند لا يحمل مثله على الاتهام ولكن المقصود الاحتياط والاستثبات ليتذكر الراوي ويجتنب ما عساه يعرض من نسيان وغلط.

( أَوَ) بفتح همزة الاستفهام والواو العاطفة على مقدر.

( إِنَّ) بكسر الهمزة على الأشهر قال في المطالع: ضبطنا إن بالكسر والفتح معًا والكسر أوجه، لأنه استفهام مستأنف عن الحديث إلا أنه جاء بالواو ليرد الكلام على كلام عروة لأنها من حروف الرد والفتح على تقدير أو علمت أو حدثت أن ( جِبْرِيلَ هُوَ الَّذِي أَقَامَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْتَ الصَّلَاةِ) أي جنس وقتها ورواه المستملي في البخاري وقوت بالجمع.

( قَالَ عُرْوَةُ كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ) بفتح الموحدة ( بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ) المدني التابعي الجليل ذكر في الصحابة لكونه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ورآه وقال العجلي تابعي ثقة ( يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ) عقبة بن عمرو البدري.

قال ابن عبد البر: هذا السياق منقطع عند جماعة من العلماء، لأن ابن شهاب لم يقل حضرت مراجعة عروة لعمر وعروة لم يقل حدثني بشير لكن الاعتبار عند الجمهور ثبوت اللقاء والمجالسة لا بالصيغ.

وقال الكرماني: هذا الحديث ليس متصل الإسناد إذ لم يقل أبو مسعود شاهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وتعقبه الحافظ بأنه لا يسمى منقطعًا اصطلاحًا، وإنما هو مرسل صحابي لأنه لم يدرك القصة، فاحتمل أنه سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم أو بلغه عنه بتبليغ من شاهده أو سمعه كصحابي آخر.
على أن رواية الليث عند البخاري أي ومسلم تزيل الإشكال كله ولفظه.

فقال عروة: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نزل جبريل فذكره.
زاد عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فما زال عمر يعتلم وقت الصلاة بعلامة، حتى فارق الدنيا.
قال ابن عبد البر: فإن قيل جهل مواقيت الصلاة لا يسع أحدًا فكيف جاز على عمر؟ قيل: ليس في جهله بالسبب الموجب لعلم المواقيت ما يدل على جهله بها، وقد يكون ذلك عنده عملاً واتفاقًا وأخذًا عن علماء عصره، ولا يعرف أصل ذلك كيف كان النزول من جبريل بها على النبي صلى الله عليه وسلم أم بما سنه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته كما سن غير ما شيء وفرضه في الصلاة والزكاة انتهى.

وفي فتح الباري لا يلزم من كون عمر لم يكن عنده علم من إمامة جبريل أن لا يكون عنده علم بتفاصيل الأوقات من جهة العمل المستمر، لكن لم يكن يعرف أن أصله بتبيين جبريل بالفعل، فلذا استثبت فيه وكأنه كان يرى أن لا مفاضلة بين أجزاء الوقت الواحد.

وكذا يحمل عمل المغيرة وغيره من الصحابة ولم أقف على شيء من الروايات على جواب المغيرة لأبي مسعود والظاهر أنه رجع إليه.

وكذا سياق ابن شهاب ليس فيه تصريح بسماعه له من عروة، لكن في رواية عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب قال: كنا مع عمر بن عبد العزيز.

وفي رواية شعيب عن الزهري، سمعت عروة يحدث عمر بن عبد العزيز.

قال القرطبي: ليس فيما ذكره عروة حجة واضحة على عمر إذ لم يعين له الأوقات وأجاب الحافظ، بأن في رواية مالك اختصارًا وقد ورد بيانها من طريق غيره فأخرج الدارقطني والطبراني في الكبير، وابن عبد البر في التمهيد من طريق أيوب بن عتبة والأكثر على تضعيفه عن أبي بكر بن حزم أن عروة بن الزبير كان يحدث عمر بن عبد العزيز وهو يومئذٍ أمير المدينة في زمن الحجاج والوليد بن عبد الملك، وكان ذلك زمانًا يؤخرون فيه الصلاة فحدث عروة عمر قال: حدثني أبو مسعود الأنصاري وبشير بن أبي مسعود كلاهما قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين دلكت الشمس فقال: يا محمد صل الظهر فصلى، ثم جاءه حين كان ظل كل شيء مثله فقال: يا محمد صل العصر فصلى، ثم جاءه حين غربت الشمس فقال: يا محمد صل المغرب فصلى، ثم جاءه حين غاب الشفق فقال: يا محمد صل العشاء فصلى، ثم جاءه حين انشق الفجر فقال: يا محمد صل الصبح فصلى، ثم جاءه الغد حين كان ظل كل شيء مثله فقال: صل الظهر فصلى، ثم أتاه حين كان ظل كل شيء مثليه فقال صل العصر فصلى، ثم أتاه حين غربت الشمس فقال: صل المغرب فصلى، ثم أتاه حين ذهب ساعة من الليل فقال صل العشاء فصلى، ثم أتاه حين أضاء الفجر وأسفر فقال: صل الصبح فصلى، ثم قال: ما بين هذين وقت يعني أمس واليوم قال عمر لعروة: أجبريل أتاه قال: نعم.

وأخرج أبو داود وغيره وصححه ابن خزيمة وغيره من طريق ابن وهب والطبراني من طريق يزيد بن أبي حبيب كلاهما عن أسامة بن زيد الليثي أن ابن شهاب أخبره أن عمر بن عبد العزيز كان قاعدًا على المنبر فأخر العصر شيئًا فقال له عروة: أما إن جبريل قد أخبر محمدًا صلى الله عليه وسلم بوقت الصلاة فقال له عمر: اعلم ما تقول فقال عروة: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبا مسعود الأنصاري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نزل جبريل فأخبرني بوقت الصلاة فصليت معه، ثم صليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه حسب بأصابعه خمس صلوات، فرأيت رسول الله يصلي الظهر حين تزول الشمس وربما أخرها حين يشتد الحر ورأيته يصلي العصر والشمس مرتفعة بيضاء قبل أن يدخلها الصفرة فينصرف الرجل من الصلاة فيأتي ذا الحليفة قبل غروب الشمس ويصلي المغرب حين تسقط الشمس ويصلي العشاء حين يسود الأفق وربما أخرها حتى تجتمع الناس وصلى الصبح مرة بغلس ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر.

قال الحافظ: ففي هذه الرواية بيان أبي مسعود للأوقات وفيه ما يرفع الإشكال ويوضح احتجاج عروة به.

وذكر أبو داود أن أسامة تفرد بتفسير الأوقات وأن أصحاب الزهري لم يذكروا تفسيرًا.

قال وكذا ذكره هشام بن عروة وحبيب بن أبي مرزوق عن عروة لم يذكرا تفسيرًا انتهى.

ورواية هشام أخرجها سعيد بن منصور ورواية حبيب أخرجها الحارث بن أبي أسامة في مسنده وقد وجدت ما يعضد رواية أسامة ويزيد عليها أن البيان من فعل جبريل وذلك فيما رواه الباغندي والبيهقي عن أبي بكر بن حزم أنه بلغه عن أبي مسعود فذكره منقطعًا لكن رواه الطبراني من وجه آخر عن أبي بكر عن عروة فرجع الحديث إلى عروة ووضح أن له أصلاً وأن في رواية مالك ومن تابعه اختصارًا، وبه جزم ابن عبد البر وليس في روايته ومن وافقه ما ينفي الزيادة المذكورة فلا يوصف والحالة هذه بالشذوذ انتهى.
أي فيها اختصارًا من وجهين: أحدهما أنه لم يعين الأوقات، وثانيهما أنه لم يذكر صلاة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم الخمس إلا مرة واحدة.

وقد علم من رواية أيوب أنه صلى به الخمس مرتين في يومين.

وقد ورد من رواية الزهري نفسه فأخرج ابن أبي ذئب في موطئه عن ابن شهاب أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عمر بن عبد العزيز عن أبي مسعود الأنصاري أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة فدخل عليه أبو مسعود فقال ألم تعلم أن جبريل نزل على محمد صلى الله عليه وسلم فصلى وصلى وصلى وصلى وصلى ثم صلى ثم صلى ثم صلى ثم صلى ثم صلى ثم قال هكذا أمرت.

وثبت أيضًا صلاته به مرتين عن ابن عباس عند أبي داود والترمذي وجابر بن عبد الله في الترمذي والنسائي والدارقطني وابن عبد البر في التمهيد وأبي سعيد الخدري عند أحمد والطبراني في الكبير وابن عبد البر وأبي هريرة أخرجه البزار وابن عمر أخرجه الدارقطني وبهذا رد قول ابن بطال في هذا الحديث دليل على ضعف حديث أن جبريل أم النبي صلى الله عليه وسلم في يومين بوقتين مختلفين لكل صلاة لأنه لو كان صحيحًا لم ينكر عروة على عمر صلاته في آخر الوقت محتجًا بصلاة جبريل مع أن جبريل قد صلى في اليوم الثاني في آخر الوقت وقال الوقت ما بين هذين.

قال الحافظ: وأجيب باحتمال أن صلاة عمر كانت قد خرجت عن وقت الاختيار وهو مصير ظل كل شيء مثليه لا عن وقت الجواز وهو مغيب الشمس فيتجه إنكار عروة ولا يلزم منه ضعف الحديث أو يكون عروة أنكر مخالفة ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصلاة في أول الوقت ورأى أن الصلاة بعد ذلك إنما هي لبيان الجواز فلا يلزم منه ضعف الحديث أيضًا.

وقد روى سعيد بن منصور عن طلق بن حبيب مرسلًا إن الرجل ليصلي الصلاة وما فاتته ولما فاته من وقتها خير له من أهله وماله ورواه أيضًا عن ابن عمر من قوله ويؤيد ذلك احتجاج عروة بحديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها وهي الصلاة التي وقع الإنكار بسببها وبذلك تظهر مناسبة ذكره لحديث عائشة بعد حديث أبي مسعود لأن حديثها يشعر بمواظبته على صلاة العصر في أول الوقت وحديث أبي مسعود يشعر بأن أصل بيان الأوقات كان بتعليم جبريل.

وفي الحديث من الفوائد دخول العلماء على الأمراء وإنكارهم عليهم ما يخالف السنة واستثبات العالم فيما يستغربه السامع والرجوع عند التنازع للسنة وفضيلة عمر بن عبد العزيز والمبادرة بالصلاة في أول الوقت الفاضل وقبول الخبر الواحد المثبت.

واستدل به ابن بطال وغيره على أن الحجة بالمتصل دون المنقطع لأن عروة أجاب عن استفهام عمر له لما أن أرسل الحديث بذكر من حدثه فرجع إليه فكأن عمر قال له: تأمل ما تقول فلعله بلغك عن غير ثبت.
وكأن عروة قال له: بل قد سمعته ممن سمع صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم والصاحب قد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.

واستدل به عياض على جواز الاحتجاج بالمرسل الثقة لصنيع عروة حين احتج على عمر قال: وإنما راجعه عمر ليثبته فيه لا لكونه لم يرض به مرسلًا.
كذا قال وظاهر السياق يشهد لما قاله ابن بطال انتهى.

( قَالَ عُرْوَةُ) مقول ابن شهاب فهو موصول لا معلق كما زعم الكرماني.

قال الحافظ: وهو على بعده مخالف للواقع أي لرواية الصحيحين لهذا القدر وحده أيضًا عن سفيان عن الزهري ومن طريق أخرى عن الليث عن ابن شهاب، بل وكذا أفرده في الموطأ رواية محمد بن الحسن قال: أخبرني مالك قال أخبرني ابن شهاب الزهري عن عروة.

( وَلَقَدْ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ) بنت أبي بكر الصديق أم المؤمنين، أفقه النساء مطلقًا ( زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وأفضل أزواجه إلا خديجة ففيها خلاف أصحه تفضيل خديجة، ماتت عائشة سنة سبع وخمسين على الصحيح.

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ) سميت العصر لأنها تعصر.
رواه الدارقطني عن أبي قلابة وعن محمد بن الحنفية أي يتبطأ بها قال الجوهري قال الكسائي: يقال جاء فلان عصرًا أي بطيئًا.

( وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم أي بيتها قال ابن سيده: سميت بذلك لمنعها المال أي ووصول الأغيار من الرجال وللبيهقي في قعر حجرتها، وفيه نوع التفات وفي رواية في حجرتي على الأصل.

( قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ) أي ترتفع.
قال في الموعب: ظهر فلان السطح إذا علاه ومنه { { فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ } } أي يعلوه.
وقال الخطابي: معنى الظهور الصعود ومنه { { وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } }

وقال عياض: قيل المراد تظهر على الجدر وقيل ترتفع كلها عن الحجرة وقيل تظهر بمعنى تزول عنها كما قال: وتلك شكاة ظاهر عنك عارها.
انتهى.

وفي رواية ابن عيينة عن ابن شهاب في الصحيحين كان يصلي صلاة العصر والشمس طالعة في حجرتي لم يظهر الفيء بعد فجعل الظهور للفيء.
وفي رواية مالك جعله للشمس وجمع الحافظ بأن كلاً من الظهور غير الآخر فظهور الشمس خروجها من الحجرة، وظهور الفيء انبساطه في الحجرة في الموضع الذي كانت الشمس فيه بعد خروجها.
قال: والمستفاد من هذا الحديث تعجيل صلاة العصر في أول وقتها وهذا هو الذي فهمته عائشة وكذا عروة الراوي عنها، واحتج به على عمر بن عبد العزيز في تأخيره صلاة العصر كما مر، وشذ الطحاوي فقال: لا دلالة فيه على التعجيل لاحتمال أن الحجرة كانت قصيرة الجدار، فلم تكن تحتجب عنها إلا بقرب غروبها فيدل على التأخير لا على التعجيل، وتعقب بأن هذا الاحتمال إنما يتصور مع اتساع الحجرة وقد عرف بالاستفاضة والمشاهدة أن حجر أزواجه صلى الله عليه وسلم لم تكن متسعة، ولا يكون ضوء الشمس باقيًا في قعر الحجرة الصغيرة، إلا والشمس قائمة مرتفعة وإلا متى مالت جدًا ارتفع ضوؤها عن قاع الحجرة ولو كانت الجدر قصيرة.

قال النووي: كانت الحجرة ضيقة العرصة قصيرة الجدار بحيث كان طول جدارها أقل من مسافة العرصة بشيء يسير فإذا صار ظل الجدار مثله كانت الشمس بعد في أواخر العرصة انتهى وفيه أن أول وقت العصر مصير ظل كل شيء مثله بالإفراد ولم ينقل عن أحد من العلماء خلاف ذلك إلا عن أبي حنيفة فالمشهور عنه أنه قال: أول وقت العصر مصير ظل كل شيء مثليه بالتثنية.

قال القرطبي: خالفه الناس كلهم في ذلك حتى أصحابه، يعني الآخذين عنه وإلا فقد انتصر جماعة ممن جاء بعدهم.
فقالوا: ثبت الأمر بالإبراد ولا يذهب إلا بعد ذهاب اشتداد الحر، ولا يذهب في تلك البلاد إلا بعد أن يصير ظل كل شيء مثله، فيكون أول وقت العصر عند مصير الظل مثليه وحكاية مثل هذا تغني عن رده انتهى.

وهذا الحديث أخرجه البخاري في المواقيت.
حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: قرأت على مالك فذكره، ومسلم أخبرنا يحيى بن يحيى التميمي قال قرأت على مالك فذكره، وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) العدوي مولى عمر أبي عبد الله وأبي أسامة المدني فقيه ثقة عالم، وكان يرسل وهو من الطبقة الوسطى من التابعين، وكانت له حلقة في المسجد النبوي قال أبو حازم: لقد رأينا في مجلس زيد بن أسلم أربعين حبرًا فقيهًا أدنى خصلة من خصالهم التواسي بما في أيديهم فما يرى متماريان ولا متنازعان في حديث لا ينفعهما قط وكان عالمًا بتفسير القرآن له كتاب فيه وكان يقول ابن آدم اتق الله يحبك الناس وإن كرهوا، مات في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة له في الموطأ أحد وخمسون حديثًا مرفوعة.

( عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) الهلالي أبي محمد المدني مولى ميمونة ثقة فاضل كثير الحديث صاحب مواعظ وعبادة، مات سنة أربع وتسعين أو تسع وتسعين أو ثلاث أو أربع ومائة بالإسكندرية فيما قيل.

( أَنَّهُ قَالَ) اتفقت رواة الموطأ على إرساله قال ابن عبد البر: وبلغني أن ابن عيينة حدث به عن زيد عن عطاء عن أنس مرفوعًا، ولا أدري كيف صحة هذا عن سفيان والصحيح عن زيد بن أسلم أنه من مرسلات عطاء.
وقد ورد موصولاً من حديث أنس أخرجه البزار وابن عبد البر في التمهيد بسند صحيح، ومن حديث عبد الرحمن بن يزيد بن حارث أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط وعبد الله بن عمرو بن العاصي عند الطبراني الكبير بسند حسن وزيد بن حارثة عند أبي يعلى والطبراني.

( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ) وكان ذلك في سفر كما في حديث زيد بن حارثة، ولم أقف على اسم الرجل قيل: إنما سأله عن آخر وقتها وكان عالمًا بأوله إذ لا بد أنه صلاها معه صلى الله عليه وسلم أو مع غيره أو وحده أو يكون ذلك حين دخوله في الإسلام، والأولى أنه إنما سأله إلى أي وقت يجوز التأخير.

( قَالَ فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حتى أراه ذلك بالفعل لأنه أقوى من الخبر، ولم يخف اخترام المنية لأن الله نبأه أنه لا يقبضه حتى يكمل الدين قاله أبو عمر، والمراد سكت عن جوابه فلا ينافي أن في حديث زيد بن حارثة فقال صلها معي اليوم وغدًا.

( حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ) وكان ذلك بقاع نمرة بالجحفة كما في حديث زيد ( ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ مِنَ الْغَدِ بَعْدَ أَنْ أَسْفَرَ) أي انكشف وأضاء وفي حديث ابن عمرو ثم صلاها من الغد فأسفر، وفي حديث زيد فصلاها أمام الشمس أي قدامها بحيث طلعت بعد سلامه منها وفي حديث عبد الرحمن ثم صلاها يومًا وفي رواية زيد حتى إذا كان بذي طوى أخرها قال السيوطي: فيحتمل أن تكون قصة واحدة ويحتمل تعدد القصة انتهى.

( ثُمَّ قَالَ) صلى الله عليه وسلم ( أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟) في حديث أنس عن وقت صلاة الغداة ( قَالَ: هَأَنَذَا) قال ابن مالك في شرح التسهيل تفصل ها التنبيه من اسم الإشارة المجرد بأنا وأخواتها كثيرًا كقولك ها نحن وقوله تعالى: { { هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ } } وقول السائل عن وقت الصلاة هأنذا ( يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ) يعني هذين وما بينهما وقت وهذا من مفهوم الخطاب كقوله تعالى: { { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } } فمن مفهومه من يعمل مثقال قنطار خيرًا يره ومثله في القرآن كثير.

وفي رواية زيد: الصلاة ما بين هاتين الصلاتين.

وفي حديث ابن عمرو: الوقت فيما بين أمس واليوم وإنما أخرجوا به حتى صلى معه في اليومين لأن البيان بالفعل أبلغ وفيه جواز تأخير البيان عن وقت السؤال إلى آخر وقت يجب فيه فعل ذلك أما تأخيره عن تكليف الفعل والعمل حتى ينقضي فلا يجوز اتفاقًا قاله أبو عمر.

وفي ذا الحديث أن السؤال عن وقت الصبح خاصة وورد السؤال عن كل أوقات الصلوات.
فروى مسلم وأبو داود والنسائي والدارقطني عن أبي موسى الأشعري أن سائلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مواقيت الصلاة، فلم يرد عليه شيئًا حتى أمر بلالاً فأقام الفجر حين انشق الفجر، ثم أمره فأقام الظهر حين زالت الشمس، ثم أمره فأقام العصر والشمس بيضاء مرتفعة وأمره فأقام المغرب حين غابت الشمس وأمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، فلما كان الغد صلى الفجر فانصرف، فقلت أطلعت الشمس وأقام الظهر في وقت صلاة العصر الذي كان قبله، وصلى العصر وقد اصفرت الشمس أو قال: أمسى وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق وصلى العشاء إلى ثلث الليل، ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة؟ الوقت فيما بين هذين.
وأخرجه مسلم والنسائي أيضًا والترمذي وابن ماجه من حديث بريدة والدارقطني والطبراني في الأوسط عن جابر والدارقطني عن محمد بن جارية وأبو يعلى عن البراء بن عازب.
قال السيوطي: وحينئذٍ فحديث الموطأ إما مختصر من هذه الواقعة أو هو قضية أخرى وقع السؤال فيها عن صلاة الصبح خاصة.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) بن قيس الأنصاري أبي سعيد المدني قاضيها روى عن أنس وعدي بن ثابت وخلق وعنه مالك والسفيانان وأبو حنيفة ثقة ثبت من الحفاظ قال أحمد: أثبت الناس مات سنة أربع وأربعين ومائة أو بعدها أو قبلها بسنة.

( عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية ثقة حجة كانت في حجر عائشة وأكثرت عنها قال ابن المديني: هي أحد الثقات العلماء بعائشة الأثبات فيها وهي والدة أبي الرجال ماتت قبل المائة ويقال بعدها.

( عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بكسر الهمزة وإسكان النون مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن واللام في ( لَيُصَلِّي الصُّبْحَ) هي الفارقة عند البصريين بين المخففة والنافية والكوفيون يجعلونها بمعنى إلا وإن نافية.

( فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ) حال كونهن ( مُتَلَفِّعَاتٍ) قال ابن عبد البر: رواه يحيى وجماعة بفاءين ورواه كثيرون بفاء ثم عين مهملة وعزاه عياض لأكثر رواة الموطأ.

قال الأصمعي التلفع أن يشتمل بالثوب حتى يجلل به جسده وفي النهاية اللفاع ثوب يجلل به الجسد كله ثوبًا كان أو غيره وتلفع بالثوب اشتمل به.

وقال عبد الملك بن حبيب في شرح الموطأ: التلفع أن يلقي الثوب على رأسه ثم يلتف به لا يكون الالتفاع إلا بتغطية الرأس وأخطأ من قال إنه مثل الاشتمال، وأما التلفف فيكون مع تغطية الرأس وكشفه ودليل ذلك قول عبيد بن الأبرص:

كيف يرجون سقاطي بعدما
لفع الرأس مشيب وصلع

وفي شرح المسند للرافعي: التلفع بالثوب الاشتمال به وقيل الالتحاف مع تغطية الرأس.
( بِمُرُوطِهِنَّ) بضم الميم جمع مرط بكسرها أكسية من صوف أو خز كان يؤتزر بها قال:

تساهم ثوباها ففي الدرع زادة
وفي المرط لفاوان ردفهما عبل

قاله الجوهري: وقال الرافعي: كساء من صوف أو خز أو كتان عن الخليل، ويقال هو الإزار، ويقال درع المرأة، وفي المحكم هو الثوب الأخضر وفي مجمع الغرائب المروط أكسية من شعر أسود وعن الخليل أكسية معلمة.

وقال ابن الأعرابي هي الإزار.

وقال ابن الأثير: لا يكون المرط إلا درعًا وهو من خز أخضر ولا يسمى المرط إلا الأخضر ولا يلبسه إلا النساء.
زاد بعضهم أن تكون مربعة وسداها من شعر، وقال ابن حبيب: كساء صوف رقيق خفيف مربع كان النساء يأتزرن به ويتلفعن.

( مَا يُعْرَفْنَ) أهن نساء أم رجال قاله الداودي: وتعقب بأن المعرفة إنما تتعلق بالأعيان فلو كان ذلك المراد لعبر بنفي العلم.

وقال غيره: يحتمل لا تعرف أعيانهن وإن عرفن أنهن نساء وإن كن مكشفات الوجوه حكاه عياض وحذف النووي الجملة الأخيرة وقال: هذا ضعيف لأن المتلفعة في النهار أيضًا لا يعرف عينها فلا يبقى في الكلام فائدة.

قال السيوطي: ومع تتمة الكلام بهذه الجملة لا يتأتى هذا الاعتراض.

وفي الفتح ما ذكره النووي من أن المتلفعة بالنهار لا تعرف عينها فيه نظر لأن لكل امرأة هيئة غير هيئة الأخرى في الغالب ولو كان بدنها مغطى.

وقال الباجي: هذا يدل على أنهن كن سافرات إذ لو كن منتقبات لمنع تغطية الوجه من معرفتهن لا الغلس.

قلت: وفيه ما فيه لأنه مبني على الاشتباه الذي أشار إليه النووي وأما إن قلنا أن لكل واحدة منهن هيئة غالبًا فلا يلزم ما ذكر انتهى.

( مِنَ) ابتدائية أو تعليلية ( الْغَلَسِ) بفتح المعجمة واللام بقايا ظلمة الليل يخالطها ظلام الفجر قاله الأزهري والخطابي.
وقال ابن الأثير: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح ولا تعارض بين هذا وبين حديث الصحيحين عن أبي برزة أنه صلى الله عليه وسلم كان ينصرف من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه لأن هذا مع التأمل له أو في حال دون حال وذاك في نساء مغطيات الرؤوس بعيدات عن الرجال قاله عياض: وفيه ندب المبادرة بصلاة الصبح أول وقتها.

وأما ما رواه أصحاب السنن الأربعة وصححه الترمذي عن رافع بن خديج سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر فقد حمله الشافعي وأحمد وإسحاق على تحقق طلوع الفجر لا تأخير الصلاة وآخرون على الليالي المقمرة فإن الصبح لا يتبين فيها فأمر بالاحتياط، وحمله الطحاوي على أن المراد الأمر بتطويل القراءة فيها حتى يخرج من الصلاة مسفرًا وأبعد من زعم أنه ناسخ للصلاة في الغلس ويرده حديث أبي مسعود الأنصاري أنه صلى الله عليه وسلم أسفر بالصبح مرة ثم كانت صلاته بعد بالغلس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر رواه أبو داود وغيره وقد تقدم.

وروى ابن ماجه عن مغيث بن سمي قال: صليت مع عبد الله بن الزبير الصبح بغلس فلما سلمت أقبلت على ابن عمر فقلت: ما هذه الصلاة؟ قال: هذه كانت صلاتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلما طعن عمر أسفر بها عثمان.

وأما حديث ابن مسعود عند البخاري وغيره: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في غير وقتها غير ذلك اليوم - يعني الفجر - يوم المزدلفة فمحمول على أنه دخل فيها مع طلوع الفجر من غير تأخير ففي حديث زيد بن ثابت وسهل بن سعد ما يشعر بتأخير يسير لا أنه صلاها قبل أن يطلع الفجر وفيه جواز خروج النساء إلى المساجد لشهود الصلاة في الليل وأخذ منه جوازه نهارًا بالأولى لأن الليل مظنة الريبة أكثر ومحل ذلك إذا لم يخش عليهن أو بهن فتنة، واستدل به بعضهم على جواز صلاة المرأة مختمرة الأنف والفم فكأنه جعل التلفع صفة لشهود الصلاة، ورده عياض بأنها إنما أخبرت عن هيئة الانصراف.
وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن مسلمة وعبد الله بن يوسف ومسلم من طريق معن بن عيسى ثلاثتهم عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) العدوي المدني.

( عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) بخفة السين المهملة بلفظ ضد يمين تقدمًا.
( وَعَنْ بُسْرِ) بضم الموحدة وإسكان السين المهملة آخره راء ( بْنِ سَعِيدٍ) المدني العابد ثقة حافظ من التابعين.
( وَعَنِ الْأَعْرَجِ) عبد الرحمن بن هرمز المدني ثقة ثبت عالم مات سنة سبع عشرة ومائة.

( كُلُّهُمْ يُحَدِّثُونَهُ) أي يحدثون زيد بن أسلم ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) الدوسي الصحابي الجليل حافظ الصحابة قال الشافعي: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في الدنيا واختلف في اسمه واسم أبيه على أقوال كثيرة واختلف في أيها أرجح فذهب كثيرون إلى أنه عبد الرحمن بن صخر، وذهب جمع من النسابين أنه عمرو بن عامر مات سنة سبع وقيل سنة ثمان وقيل تسع وخمسين وهو ابن ثمان وسبعين سنة.

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ) الإدراك الوصول إلى الشيء فظاهره أنه يكتفي بذلك وليس مرادًا بإجماع فحمله الجمهور على أنه أدرك الوقت فإذا صلى ركعة أخرى فقد كملت صلاته: وصرح به في رواية الدراوردي عن زيد بن أسلم بسنده المذكور ولفظه من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس وركعة بعدما تطلع الشمس فقد أدرك الصلاة.

وأصرح منه رواية أبي غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة ثم صلى ما بقي بعد طلوع الشمس رواه البيهقي.

وللبخاري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا: إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته وإن أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته.

وللنسائي: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنه يقضي ما فاته.

وللبيهقي: من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليصل إليها أخرى، وفي هذا رد على الطحاوي حيث خص الإدراك باحتلام الصبي وطهر الحائض وإسلام الكافر ونحو ذلك، وأراد بذلك نصرة مذهبه أن من طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح بطلت لأحاديث النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس ودعوى أنها ناسخة لهذا الحديث تحتاج إلى دليل إذ لا يصار إلى النسخ بالاحتمال والجمع بين الحديثين ممكن بحمل أحاديث النهي على النوافل، ولا شك أن التخصيص أولى من دعوى النسخ.

قال ابن عبد البر: لا وجه لدعوى نسخ حديث الباب لأنه لم يثبت فيه تعارض بحيث لا يمكن الجمع ولا لتقديم حديث النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها عليه لأنه يحمل على التطوع.

قال السيوطي: وجواب الشيخ أكمل الدين في شرح المشارق عن الحنفية بحمل الحديث على أن المراد فقد أدرك ثواب كل الصلاة باعتبار نيته لا باعتبار عمله وأن معنى قوله فليتم صلاته: فليأت بها على وجه التمام في وقت آخر بعيد يرده بقية طرق الحديث.

وقد أخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة مرفوعًا: إذا صلى أحدكم ركعة من صلاة الصبح ثم طلعت الشمس فليصل إليها أخرى.

( وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ) وفي رواية تغيب ( الشَّمْسُ) زاد البيهقي من طريق أبي غسان ثم صلى ما بقي بعد غروب الشمس ( فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ) وللبيهقي عن أبي غسان فلم تفته في الموضعين وهو مبين أن بإدراكها يكون الكل أداء وهو الصحيح، ومفهوم الحديث أن من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركًا للوقت وللفقهاء فيه كلام.

قال أبو السعادات ابن الأثير: تخصيص هاتين الصلاتين بالذكر دون غيرهما مع أن هذا الحكم يعم جميع الصلوات لأنهما طرفا النهار والمصلي إذا صلى بعض الصلاة وطلعت الشمس أو غربت عرف خروج الوقت فلو لم يبين صلى الله عليه وسلم هذا الحكم ولا عرف المصلي أن صلاته تجزيه لظن فوات الصلاة وبطلانها بخروج الوقت وليس كذلك آخر أوقات الصلاة ولأنه نهى عن الصلاة عند الشروق والغروب فلو لم يبين لهم صحة صلاة من أدرك ركعة من هاتين الصلاتين لظن المصلي أن صلاته فسدت بدخول هذين الوقتين فعرفهم ذلك ليزول هذا الوهم.

وقال الحافظ مغلطاي في رواية: من أدرك ركعة من الصبح، وفي أخرى: من أدرك من الصبح ركعة وبينهما فرق وذلك أن من قدم الركعة فلأنها هي السبب الذي به الإدراك ومن قدم الصبح أو العصر قبل الركعة فلأن هذين الاسمين هما اللذان يدلان على هاتين الصلاتين دلالة خاصة تتناول جميع أوصافها بخلاف الركعة فإنها تدل على بعض أوصاف الصلاة فقدم اللفظ الأعم الجامع، وهذا الحديث أخرجه البخاري عن القعنبي ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) المدني كثير الحديث أبي عبد الله ثقة ثبت فقيه بعثه عمر بن عبد العزيز إلى مصر يعلمهم السنن، وقيل لأحمد بن حنبل إذا اختلف سالم ونافع في ابن عمر أيهما يقدم فلم يفضل، وقال النسائي سالم أجل من نافع قال وأثبت أصحاب نافع مالك مات نافع سنة سبع عشرة ومائة أو بعد ذلك.

( أَنَّ عُمَرَ) هذا منقطع لأن نافعًا لم يلق عمر ( بْنَ الْخَطَّابِ) القرشي العدوي أمير المؤمنين ثاني الخلفاء ضجيع المصطفى مناقبه جمة لقبه الفاروق لفرقه بين الحق والباطل وهل الملقب له جبريل أو المصطفى أو أهل الكتاب روايات لا تتنافى، ولي الخلافة عشر سنين ونصفًا واستشهد في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين.

( كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ) بالتثقيل جمع عامل أي المتولين على البلاد ( إِنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ) المفروضة ( فَمَنْ حَفِظَهَا) قال ابن رشيق: أي علم ما لا تتم إلا به من وضوئها وأوقاتها وما تتوقف عليه صحتها وتمامها ( وَحَافَظَ عَلَيْهَا) أي سارع إلى فعلها في وقتها ( حَفِظَ دِينَهُ وَمَنْ ضَيَّعَهَا) قال أبو عبد الملك البوني: يريد أخرها ولم يرد أنه تركها ( فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ) وهذا وإن كان منقطعًا لكن يشهد له أحاديث أخر مرفوعة منها ما أخرجه البيهقي في الشعب من طريق عكرمة عن عمر قال: جاء رجل فقال يا رسول الله أي شيء أحب عند الله في الإسلام؟ قال: الصلاة لوقتها ومن ترك الصلاة فلا دين له والصلاة عماد الدين.

وفي البخاري عن أنس: ما أعرف شيئًا مما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل الصلاة قال أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها.

وفيه أيضًا عن الزهري دخلت على أنس بدمشق وهو يبكي فقلت له ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئًا مما أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت والمراد بإضاعتها إخراجها عن وقتها قال تعالى: { { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ } } قال البيضاوي: تركوها أو أخروها انتهى.

والثاني: قول ابن مسعود ويشهد له ما رواه ابن سعد عن ثابت فقال رجل لأنس فالصلاة قال جعلتم الظهر عند المغرب أفتلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقيل المراد بتضييعها تأخيرها عن وقتها المستحب لا عن وقتها بالكلية ورد بأن الحجاج وأميره الوليد وغيرهما كانوا يؤخرونها عن وقتها فقال ذلك أنس.

وفي معجم الطبراني الأوسط عن أنس مرفوعًا: ثلاث من حفظهن فهو ولي حقًا ومن ضيعهن فهو عدو حقًا الصلاة والصيام والجنابة والمراد بكون المضيع عدو الله أنه يعاقبه ويذله ويهينه إن لم يدركه العفو فإن ضيع ذلك جاحدًا فهو كافر فتكون العداوة على بابها.

( ثُمَّ كَتَبَ) إليهم ( أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إِذَا كَانَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا) بعد زوال الشمس وهو ميلها إلى جهة المغرب لما صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهاجرة وهي اشتداد الحر في نصف النهار وهذا ما استقر عليه الإجماع وكان فيه خلاف قديم عن بعض الصحابة أنه جوز صلاة الظهر قبل الزوال.
وعن أحمد وإسحاق مثله في الجمعة ( إِلَى أَنْ يَكُونَ) أي يصير ( ظِلُّ أَحَدِكُمْ مِثْلَهُ) بالإفراد ( وَالْعَصْرَ) بالنصب ( وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ) لم يتغير لونها ولا حرها.
قال مالك في المبسوط: إنما ينظر إلى أثرها في الأرض والجدر ولا ينظر إلى عينها ( قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ فَرْسَخَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ) والمراد أن يوقعوا صلاتها قبل الاصفرار ( وَ) أن صلوا ( الْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ) مبادرين بها لضيق وقتها ( وَالْعِشَاءَ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ) الحمرة في الأفق بعد غروب الشمس ( إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) وهو محسوب من الغروب ( فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ) دعا عليه بعدم الراحة ( فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ) بالإفراد على إرادة الجنس ( فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ) ذكره ثلاث مرات زيادة في التنفير عن النوم لقوله صلى الله عليه وسلم من نام قبل العشاء فلا نامت عينه أخرجه البزار عن عائشة.

وفي الصحيحين عن أبي برزة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها.

قال الترمذي: كره أكثر العلماء النوم قبل صلاة العشاء ورخص فيه بعضهم وبعضهم في رمضان خاصة.

قال الحافظ: ومن نقلت عنه الرخصة قيدت عنه في أكثر الروايات بما إذا كان له من يوقظه أو عرف من عادته أنه لا يستغرق وقت الاختيار بالنوم وهذا جيد حيث قلنا علة النهي خشية خروج الوقت.

وحمل الطحاوي الرخصة على ما قبل دخول وقت العشاء والكراهة على ما بعد دخوله.

( وَ) صلوا ( الصُّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ) أي ظاهرة ( مُشْتَبِكَةٌ) .
قال ابن الأثير اشتبكت النجوم أي ظهرت واختلط بعضها ببعض لكثرة ما ظهر منها وشاهد هذه الجملة من المرفوع ما أخرجه أحمد عن أبي عبد الله الصنابحي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب انتظار الإظلام مضاهاة اليهود وما لم يؤخروا الفجر لمحاق النجوم مضاهاة النصرانية.

( مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلٍ) بضم السين نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي التيمي المدني ثقة من التابعين مات بعد الأربعين ومائة.

( عَنْ أَبِيهِ) مالك بن أبي عامر الأصبحي سمع من عمر ثقة من كبار التابعين مات سنة أربع وسبعين على الصحيح.

( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى) عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بفتح المهملة وشد الضاد المعجمة الأشعري الصحابي المشهور أمره عمر ثم عثمان ومات سنة خمسين وقيل بعدها.

( أَنْ صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ) أي مالت وفي الصحيحين عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر ولا يعارض حديث الإبراد لأنه مستحب لا ينافي جواز التقديم.

( وَ) صل ( الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ) بنون وقاف لم تتغير ( قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا صُفْرَةٌ) بيان لنقية.

( وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَأَخِّرِ الْعِشَاءَ) عن الشفق ( مَا لَمْ تَنَمْ) وفي الصحيحين عن أبي برزة أنه صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن تؤخر العشاء.

( وَصَلِّ الصُّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ) مختلط بعضها ببعض لكثرة ما ظهر منها.

( وَاقْرَأْ فِيهَا بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنَ الْمُفَصَّلِ) وأوله الحجرات على الصحيح إلى عبس.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ) بن الزبير بن العوام الأسدي.
روى عن أبيه وعمه عبد الله بن الزبير وطائفة ثقة فقيه من صغار التابعين روى عنه مالك وأبو حنيفة والسفيانان وشعبة والحمادان وخلق وربما دلس مات سنة خمس أو ست وأربعين ومائة وله سبع وثمانون سنة ( عَنْ أَبِيهِ) عروة أحد الفقهاء السبعة.

( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ صَلِّ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ ثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ وَأَنْ صَلِّ الْعِشَاءَ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ فَإِنْ أَخَّرْتَ فَإِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ) أي نصفه فإنه صلى الله عليه وسلم أخر صلاة العشاء إلى نصف الليل ثم صلى ثم قال: قد صلى الناس وناموا أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها.
رواه البخاري ومسلم عن أنس.

( وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِين) عن الصلاة قال صلى الله عليه وسلم: من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين رواه الحاكم وصححه عن أبي هريرة.

( مالِكٍ عَنْ يَزِيدَ) بتحتية أوله وزاي منقوطة.

( بْنِ زِيَادٍ) بزاي أوله ابن أبي زياد وقد ينسب إلى جده مولى بني مخزوم مدني ثقة.

( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ) المخزومي ( مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) المدني التابعي ثقة روى له مسلم وأصحاب السنن ( أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ) الواحدة والجنس.

( فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَا أُخْبِرُكَ) قال ابن عبد البر وقفه رواة الموطأ والمواقيت لا تؤخذ بالرأي ولا تدرك إلا بالتوقيف يعني فهو موقوف لفظًا مرفوع حكمًا قال وقد روي حديث المواقيت مرفوعًا بأتم من هذا أخرجه النسائي بإسناد صحيح عن أبي هريرة.

( صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا كَانَ ظِلُّكَ مِثْلَكَ) أي مثل ظلك يعني قريبًا منه بغير ظل الزوال.

( وَ) صل ( الْعَصْرَ إِذَا كَانَ ظِلُّكَ مِثْلَيْكَ) أي مثلي ظلك بغير الفيء وهذا بظاهره يؤيد القول بالاشتراك.

( وَالْمَغْرِبَ) بالنصب ( إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَالْعِشَاءَ مَا بَيْنَكَ) أي ما بين وقتك من الغروب قيل ولعل أصله ما بينه ( وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ) بضمتين ويسكن الثاني وهو الوقت المختار وإلا فوقتها إلى آخر الليل والوتر تابع لها.

( وَصَلِّ الصُّبْحَ) أعاد العامل اهتمامًا أو لطول الفصل بالكلام ( بِغَبَشٍ) بفتح الغين المعجمة والباء الموحدة وشين معجمة كذا رواه يحيى وزياد ( يَعْنِي الْغَلَسَ) باللام وسين مهملة ولعله تفسير مراد وإلا فقد قال الخطابي: الغبش بمعجمتين قبل الغبس بسين مهملة وبعده الغلس باللام وهي كلها في آخر الليل ويكون الغبش أول الليل.

وفي رواية يحيى بن بكير والقعنبي وسويد بن سعيد: وصل الصبح بغلس بفتحتين وهو ظلمة آخر الليل على ما جزم به الجوهري منشدًا عليه:

كذبتك عينك أم رأيت بواسط
غلس الظلام من الرباب خيالا

وتقدم مزيد له.

( مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) زيد بن سهل الأنصاري المدني ثقة حجة مات سنة اثنين وثلاثين ومائة وقيل بعدها لمالك عنه مرفوعًا خمسة عشر حديثًا منها عشرة.

( عَنْ) عمه أخي أبيه لأمه ( أَنَسِ بْنِ مالِكٍ) بن النضر الأنصاري الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين مات سنة اثنين وقيل ثلاث وتسعين وقد جاوز المائة ( أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ) قال ابن عبد البر: هذا يدخل عندهم في المسند وصرح برفعه ابن المبارك وعتيق بن يعقوب الزبيري كلاهما عن مالك بلفظ: كنا نصلي العصر مع النبي صلى الله عليه وسلم انتهى.

وهذا اختيار الحاكم أن قول الصحابي كنا نفعل كذا مسند ولو لم يصرح بإضافته إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الدارقطني والخطيب وغيرهما هو موقوف.

قال الحافظ: والحق أنه موقوف لفظًا مرفوع حكمًا لأن الصحابي أورده في مقام الاحتجاج فيحمل على أنه أراد كونه في زمنه صلى الله عليه وسلم.

وقد روى النسائي عن ابن المبارك عن مالك الحديث فقال فيه كنا نصلي العصر مع النبي صلى الله عليه وسلم ( ثُمَّ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَيَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ الْعَصْرَ) قال أبو عمر: معنى الحديث السعة في وقت العصر وأن الصحابة حينئذٍ لم تكن صلاتهم في فور واحد لعلمهم بما أبيح لهم من سعة الوقت.

وقال النووي قال العلماء: كانت منازلهم على ميلين من المدينة وكانوا يصلون العصر في وسط الوقت لأنهم كانوا يشتغلون بأعمالهم وحروثهم وزروعهم وحوائطهم فإذا فرغوا من أعمالهم تأهبوا للصلاة ثم اجتمعوا لها فتتأخر صلاتهم لهذا المعنى، وهذا الحديث أخرجه البخاري عن القعنبي ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ) محمد بن مسلم الزهري ( عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ) مع النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه خالد بن مخلد عن مالك أخرجه الدارقطني في غرائبه وزاد أبو عمر فيمن صرح برفعه عبد الله بن نافع وابن وهب وأبو عامر العقدي كلهم عن مالك عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر.

( ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ) قال الحافظ: كأن أنسًا أراد نفسه كما يشعر به رواية أبي الأبيض عن أنس كان صلى الله عليه وسلم يصلي بنا العصر والشمس بيضاء محلقة ثم أرجع إلى قومي في ناحية المدينة فأقول لهم قوموا فصلوا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى رواه النسائي والطحاوي واللفظ له.

وقال الطحاوي: نحن نعلم أن قوم أنس لم يكونوا يصلونها إلا قبل اصفرار الشمس فدل ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم كان يعجلها.

وقال السيوطي: بل أراد أعم من ذلك لما أخرجه الدارقطني والطبراني من طريق عاصم بن عمر بن قتادة قال كان أبعد رجلين من الأنصار من رسول الله صلى الله عليه وسلم دارًا أبو لبابة بن عبد المنذر وأهله بقبا وأبو عبس بن جبر ومسكنه في بني حارثة وكانا يصليان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يأتيان قومهما وما صلوا لتعجيل رسول الله صلى الله عليه وسلم بها.

( إِلَى قُبَاءٍ) بضم القاف وموحدة قال النووي يمد ويقصر ويصرف ولا يصرف ويذكر ويؤنث والأفصح فيه التذكير والصرف والمد وهو على ثلاثة أميال من المدينة ( فَيَأْتِيهِمْ) أي أهل قبا ( وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ) قال ابن عبد البر: لم يختلف على مالك أنه قال إلى قبا ولم يتابعه أحد من أصحاب الزهري بل كلهم يقولون إلى العوالي وهو الصواب عند أهل الحديث.

وقول مالك إلى قبا وهم لا شك فيه إلا أن المعنى متقارب لأن العوالي مختلفة المسافة فأقربها إلى المدينة ما كان على ميلين أو ثلاثة ومنها ما يكون على ثمانية أميال أو عشرة ومثل هذا هو المسافة بين قبا والمدينة.

وقد رواه خالد بن مخلد عن مالك فقال إلى العوالي كما قال سائر أصحاب ابن شهاب ثم أسنده من طريقه وقال هكذا رواه خالد وسائر رواة الموطأ قالوا قبا قال الحافظ، وتعقب بأن ابن أبي ذئب رواه عن الزهري إلى قبا كما قال مالك نقله الباجي عن الدارقطني فنسبة الوهم فيه إلى مالك منتقد فإنه إن كان وهمًا احتمل أن يكون منه وأن يكون من الزهري حين حدث به مالكًا.

وقد رواه خالد بن مخلد عن مالك فقال: إلى العوالي كما قال الجماعة فقد اختلف فيه على مالك وتوبع عن الزهري بخلاف ما جزم به ابن عبد البر أي من أنه لم يتابعه أحد عليه قال وأما قوله الصواب عند أهل الحديث العوالي فصحيح من حيث اللفظ وأما المعنى فمتقارب، لكن رواية مالك أخص لأن قبا من العوالي وليست العوالي كل قبا فإنها عبارة عن القرى المجتمعة حول المدينة من جهة نجدها قال: ولعل مالكًا لما رأى في رواية الزهري إجمالاً حملها على الرواية المفسرة وهي روايته المتقدمة عن إسحاق حيث قال فيها ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف وتقدم أنهم أهل قبا فبنى مالك على أن القصة واحدة لأنهما جميعًا حدثاه عن أنس والمعنى متقارب فهذا الجمع أولى من الجزم بأن مالكًا وهم فيه.

وأما استدلال ابن بطال على أن الوهم فيه من دون مالك برواية خالد بن مخلد المتقدمة الموافقة لرواية الجماعة عن الزهري ففيه نظر لأن مالكًا أثبته في الموطأ باللفظ الذي رواه عنه كافة أصحابه فرواية خالد عنه شاذة فكيف تكون دالة على أن رواية الجماعة وهم بل إن سلمنا أنها وهم فهو من مالك كما جزم به البخاري والدارقطني ومن تبعهما أو من الزهري حين حدثه به والأولى سلوك طريق الجمع التي أوضحناها انتهى.

وقال القاضي عياض: مالك أعلم ببلده وأماكنها من غيره وهو أثبت في ابن شهاب ممن سواه وقد رواه بعضهم عن مالك إلى العوالي كما قالت الجماعة، ورواه ابن أبي ذئب عن الزهري فقال إلى قبا كما قال مالك وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) واسمه فروخ التيمي مولاهم المدني المعروف بربيعة الرأي روى عن أنس والحارث بن بلال المزني وخلق من أكابر التابعين ثقة ثبت فقيه حافظ أحد مفتي المدينة كان يحصي في مجلسه أربعين معتمًا.
قال عبد العزيز بن أبي سلمة: ما رأيت أحفظ للسنة منه، وقال مالك: ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة.
قال ابن سعد: كانوا يتقونه لموضع الرأي مات سنة ست وثلاثين ومائة على الصحيح، وقيل سنة ثلاث، وقال الباجي: سنة اثنين وأربعين.

( عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ) بن أبي بكر الصديق أبي محمد المدني أحد الفقهاء قال ابن سعد ثقة رفيع عالم فقيه إمام ورع كثير الحديث مات سنة ست ومائة على الصحيح.

( أَنَّهُ قَالَ: مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ) أي الصحابة لأنه من كبار التابعين.

( إِلَّا وَهُمْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِعَشِيٍّ) قال في الاستذكار قال مالك: يريد الإبراد بالظهر، وقال أبو عبد الملك قيل أراد بعد تمكن الوقت ومضي بعضه وأنكر صلاته إثر الزوال انتهى.
وفي النهاية والمطالع العشي ما بعد الزوال إلى الغروب وقيل إلى الصباح.