فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ جَامِعِ التَّرْغِيبِ فِي الصَّلَاةِ

رقم الحديث 433 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرُ الرَّأْسِ يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ، وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ.
حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الْإِسْلَامِ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: لَا.
إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لَا.
إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ، قَالَ: وَذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ.
فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا.
إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ، قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا، وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفْلَحَ الرَّجُلُ إِنْ صَدَقَ.


جَامِعِ التَّرْغِيبِ فِي الصَّلَاةِ

( مالك عن عمه أبي سهيل) بضم السين نافع ( بن مالك عن أبيه) مالك بن أبي عامر الأصبحي ( أنه سمع طلحة بن عبيد الله) بضم العين ابن عثمان القرشي التيمي أحد العشرة ( يقول: جاء رجل) قال ابن عبد البر وابن بطال وعياض وابن العربي والمنذري وغيرهم: هو ضمام بن ثعلبة وافد بني سعد بن بكر.
قال الحافظ: والحامل لهم على ذلك إيراد مسلم قصته عقب حديث طلحة، ولأن في كل منهما أنه بدوي وأن كلاً منهما قال في آخر حديثه: لا أزيد على هذا ولا أنقص، لكن تعقبه القرطبي بأن سياقهما مختلف وأسئلتهما متباينة قال: ودعوى أنهما قصة واحدة دعوى فرط وتكلف شطط من غير ضرورة.
قال في المقدمة: وهو كما قال.

( إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد) بفتح النون وسكون الجيم وهو ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق كما في العباب وغيره ( ثائر) بمثلثة أي متفرق شعر ( الرأس) من ترك الرفاهية ففيه إشارة إلى قرب عهده بالوفادة فحذف المضاف للقرينة العقلية أو أوقع اسم الرأس على الشعر إمّا مبالغة أو لأنّ الشعر منه ينبت وثائر بالرفع صفة ويجوز نصبه على الحال ولا تضر إضافته لأنها لفظية قال عياض: فيه أن ذكر مثل هذا على غير وجه التنقيص ليس بغيبة ( يسمع) بالياء المضمومة على البناء للمفعول وبالنون المفتوحة على الجمع ( دوي) بفتح الدال وكسر الواو وشدّ الياء والرفع أو النصب ( صوته) قال عياض: وجاء عندنا في البخاري بضم الدال والصواب الفتح ( ولا نفقه) بالنون والياء لا نفهم ( ما يقول) قال الخطابي: الدوي صوت مرتفع متكرّر لا يفهم وإنما كان كذلك لأنه نادى من بعد ( حتى دنا) أي إلى أن قرب فهمناه ( فإذا هو يسأل عن الإسلام) أي عن أركانه وشرائعه بعد التوحيد والتصديق أو عن حقيقته، واستبعد بعدم المطابقة بين السؤال والجواب وهو:

( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم) هن ( خمس صلوات) أو خذ خمس صلوات ويجوز الجرّ بدلاً من الإسلام فظهر أن السؤال وقع عن أركان الإسلام وشرائعه، ووقع الجواب مطابقًا له، ويؤيده رواية إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل عند البخاري أنه قال: أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة؟ فقال: الصلوات الخمس وليست الصلوات عين الإسلام ففيه حذف تقديره إقامة خمس صلوات ( في اليوم والليلة) فلا يجب شيء غيرها خلافًا لمن أوجب الوتر أو ركعتي الفجر أو صلاة الضحى أو صلاة العيد أو الركعتين بعد المغرب ولم يذكر الشهادة لأنه علم أنه يعلمها أو علم أنه إنما يسأل عن الشرائع الفعلية أو ذكرها فلم ينقلها الراوي لشهرتها، وأما الحج فلأنه لم يكن فرض أو لأنه رآه غير مستطيع أو اختصره الراوي، ويؤيده رواية البخاري في الصيام من طريق إسماعيل قال فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام فدخل فيه باقي المفروضات بل والمندوبات كما قال عياض ويأتي ردّه.

( قال: هل علي غيرهن؟ قال: لا إلا أن تطوع) بشدّ الطاء والواو أصله تتطوّع فأدغمت إحدى التاءين ويجوز تخفيف الطاء على حذف إحداهما وفيه أن الشروع في التطوّع يجب إتمامه لأن الاستثناء متصل قال القرطبي: لأنه نفي وجوب شيء آخر والاستثناء من النفي إثبات ولا قائل بوجوب التطوع فتعين أن المراد إلا أن تشرع في تطوّع فيلزمك إتمامه، وتعقبه الطيبي بأنه مغالطة لأن الاستثناء هنا من غير الجنس لأن التطوّع لا يقال فيه عليك، وكأنه قال لا يجب عليك شيء إلا إن أردت أن تطوّع فذلك لك، وقد علم أن التطوّع لا يجب فلا يجب شيء آخر أصلاً.

قال في الفتح: كذا قال وحرف المسألة دائر على الاستثناء فمن قال إنه متصل تمسك بالأصل ومن قال منقطع احتاج إلى دليل ودليله ما للنسائي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحيانًا ينوي صوم التطوّع ثم يفطر وفي البخاري أنه أمر جويرية بنت الحارث أن تفطر يوم الجمعة بعد أن شرعت فيه فدل على أن الشروع في العبادة لا يستلزم الإتمام نصًا في الصوم وقياسًا في الباقي ولا يرد الحج لأنه امتاز عن غيره بالمضي في فاسده، فكيف في صحيحه؟ انتهى.

وفيه نظر، فأما أمره لجويرية فيحتمل أنها صامت بغير إذنه واحتاج لها، وأمّا فعله فلعله لعذر وإذا احتمل ذلك سقط به الاستدلال، لأن القصتين من وقائع الأحوال التي لا عموم لها وقد قال تعالى: { { وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } } وفي الموطأ في كتاب الصيام، ومسند أحمد عن عائشة: أصبحت أنا وحفصة صائمتين فأهديت لنا شاة فأكلنا فدخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقضيا يومًا مكانه والأمر للوجوب فدل على أن الشروع ملزم.

( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصيام شهر رمضان) بالرفع عطف على خمس صلوات ( قال: هل علي غيره؟ قال: لا إلا أن تطوع) فيلزمك إتمامه على الأصل من الاتصال، ويؤيده الآية.
أو فلا يلزمك إتمامه إذا شرعت فيه على الانقطاع.
قال الحافظ: وفي استدلال الحنفية نظر لأنهم لا يقولون بفرضية الإتمام بل بوجوبه واستثناء الواجب من الفرض منقطع لتباينهما، وأيضًا فالاستثناء عندهم من النفي ليس للإثبات بل مسكوت عنه.

( قال) الراوي طلحة بن عبيد الله ( وذكر) له ( رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة) وفي رواية إسماعيل بن جعفر قال: أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة.
قال: فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام فتضمنت هذه الرواية أن في القصة أشياء أجملت فيها بيان نصب الزكاة فإنها لم تفسر في الروايتين.

( فقال هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع.
قال:)
طلحة ( فأدبر) من الإدبار أي تولى ( الرجل وهو يقول) جملة حالية ( والله) وفي رواية إسماعيل، والذي أكرمك وفيه الحلف من غير استحلاف ولا ضرورة وجواز الحلف في الأمر المهم ( لا أزيد على هذا ولا أنقص منه) شيئًا ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح الرجل) أي فاز.
قال تعالى: { { فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } } والفلاح أيضًا البقاء والمراد به شرعًا البقاء في الجنة قاله الباجي ( إن صدق) في كلامه.

قال ابن بطال: دل على أنه إن لم يصدق فيما التزم لا يفلح، وهذا بخلاف قول المرجئة.
فإن قيل: كيف أثبت له الفلاح بمجرّد ما ذكر مع أنه لم يذكر له جميع الواجبات ولا المنهيات؟ وأجاب: باحتمال أن ذلك قبل ورود فرائض النهي، وتعجب الحافظ منه لجزمه بأن السائل ضمام وقد وفد سنة خمس، وقيل بعد ذلك وأكثر المنهيات وقع قبل ذلك، والصواب أن ذلك داخل في عموم قوله في رواية إسماعيل فأخبره بشرائع الإسلام وسبقه لذلك عياض قائلاً إن هذه الرواية ترفع الإشكال، وتعقبه الأبي برجوع لفظ شرائع إلى ما ذكر قبله لأنّ العام المذكور عقب خاص يرجع إلى ذلك الخاص على الصحيح انتهى.

وأقرّه عليه السلام على الحلف مع ورود النكير على من حلف لا يفعل خيرًا قال تعالى: { { وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ } } وقال صلى الله عليه وسلم لمن حلف أن لا يحط عن غريمه: تألى على الله قال الباجي: لاحتمال أنه سومح في ذلك لأنه في أوّل الإسلام اهـ.

وأجاب غيره: بأنّ ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص.
فإن قيل: أما فلاحه بأنه لا ينقص فواضح، وأما بأن لا يزيد فكيف يصح ولأنّ فيه تسويغ التمادي على ترك السنن وهو مذموم.
أجاب النووي: بأنه أثبت له الفلاح لأنه أتى بما عليه وليس فيه أنه إذا زاد لا يفلح لأنه إذا أفلح بالواجب ففلاحه بالمندوب مع الواجب أولى، وبأنه لا إثم على غير تارك الفرائض فهو مفلح وإن كان غيره أكثر فلاحًا منه، ورده الأبي: بأنه ليس الإشكال في ثبوت الفلاح مع ترك السنن حتى يجاب بأنه حاصل إذ ليس بعاص وإنما الإشكال في أن ثبوته مع عدم الزيادة على الفرض تسويغ لترك السنن.

وقال القرطبي: لم يسوغ له تركها دائمًا ولكن لقرب عهده بالإسلام اكتفى منه بالواجبات وأخره حتى يأنس وينشرح صدره ويحرص على الخير فيسهل عليه المندوبات وقال الطيبي: يحتمل أنه مبالغة في التصديق والقبول أي قبلت كلامك قبولاً لا مزيد عليه من جهة السؤال ولا نقصان فيه من جهة القبول.
وقال ابن المنير: يحتمل تعلق الزيادة والنقص بالإبلاغ لأنه كان وافد قومه ليتعلم ويعلمهم، وقال غيره: يحتمل لا أغير صفة الفرض كمن ينقص الظهر مثلاً ركعة أو يزيد المغرب، وردّ الحافظ الاحتمالات الثلاث بقوله في رواية إسماعيل بن جعفر لا أتطوّع شيئًا ولا أنقص مما فرض الله عليّ شيئًا.
وقال الباجي: يحتمل لا أزيد وجوبًا وإن زاد تطوّعًا أو على اعتقاد وجوب غيره أو في البلاغ.
قال: ورواية مالك أصح من رواية إسماعيل بن جعفر لأنه أحفظ وقد تابعه الرواة ولعل إسماعيل نقله بالمعنى، ولو صح احتمل المعنى لا أتطوّع بشيء ألتزمه واجبًا انتهى.

هذا ووقع في رواية إسماعيل عند مسلم أفلح وأبيه إن صدق أو دخل الجنة وأبيه إن صدق، ولأبي داود مثله لكن بحذف أو وجمع بينه وبين النهي عن الحلف بالآباء بأنه كان قبل النهي أو بأنها كلمة جارية على اللسان لا يقصد بها الحلف كما جرى على لسانهم: عقرى حلقى، وما أشبه ذلك أو فيه إضمار اسم الرب كأنه قال ورب أبيه وقيل هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لأن النهي عن الحلف بالآباء إنما هو لخوف تعظيم غير الله وهو صلى الله عليه وسلم لا يتوهم فيه ذلك.
قال الحافظ: ويحتاج إلى دليل، وحكى السهيلي عن بعض مشايخه أنه تصحيف وإنما كان والله فقصرت اللامان، وأنكره القرطبي وقال: إنه يخرم الثقة بالروايات الصحيحة، وغفل القرافي فادّعى أن الرواية بلفظ وأبيه لم تصح لأنها ليست في الموطأ، وكأنه لم يرض الجواب فعدل إلى رد الخبر وهو صحيح لا مرية فيه وأقوى الأجوبة الأولان.

قال الباجي: وأدخل مالك هذا الحديث في الترغيب في الصلاة فإن أراد قوله إلا أن تطوّع كان ترغيبًا في النافلة وإن أراد أفلح إن صدق كان ترغيبًا في الخمس انتهى، والظاهر أنه أرادهما معًا فالترجمة مطلقة.

وأخرجه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس ومسلم عن قتيبة بن سعيد كلاهما عن مالك به، وتابعه إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل في الصحيحين بنحوه.

( مالك عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يعقد الشيطان) كأنّ المراد به الجنس وفاعل ذلك القرين وغيره، ويحتمل إبليس ويجوز أن نسبة ذلك إليه لأنه الآمر به الداعي إليه، وكذا أورده البخاري في صفة إبليس من بدء الخلق ( على قافية رأس أحدكم) أي مؤخر عنقه وقافية كل شيء مؤخره ومنه قافية القصيدة، وفي النهاية القفا، وقيل مؤخر الرأس، وقيل وسطه وظاهر قوله: أحدكم التعميم في المخاطبين ومن في معناهم، ويمكن أن يخص منه من صلى العشاء، ولا سيما في الجماعة لما ثبت مرفوعًا: من صلى العشاء في جماعة كان كمن قام نصف ليلة لأنّ مسمى قيام الليل يحصل للمؤمن بقيام بعضه فيصدق على من صلى العشاء جماعة أنه قام الليل، وبمن ورد في حقه أنه يحفظ من الشيطان كالأنبياء ومن تناوله قوله تعالى: { { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } } وكمن قرأ آية الكرسي عند نومه فقد ثبت أنه يحفظ من الشيطان حتى يصبح.

( إذا هو نام) ولبعض رواة البخاري نائم بوزن فاعل والأوّل أصوب وهو الذي في الموطأ قاله كله الحافظ ( ثلاث) بالنصب مفعول ( عقد) بضم العين وفتح القاف جمع عقدة ( يضرب) بيده ( مكان كل عقدة) أي عليها تأكيدًا وإحكامًا لها قائلاً: ( عليك ليل طويل) بالرفع ولأبي مصعب بالنصب وهي رواية ابن عيينة عن أبي الزناد عند مسلم.

قال عياض: رواية الأكثر بالنصب على الإغراء ومن رفع فعلى الابتداء أي باق عليك أو بإضمار فعل أي بقي عليك.

وقال القرطبي: الرفع أولى من جهة المعنى لأنه الأمكن في الغرور من حيث إنه يخبره عن طول الليل ثم يأمره بالرقاد بقوله: ( فارقد) وإذا نصب على الإغراء لم يكن فيه إلا الأمر بملازمة طول الرقاد وحينئذٍ يضيع قوله فارقد ومقصود الشيطان تسويفه بالقيام والإلباس عليه، وظاهره اختصاص ذلك بنوم الليل ولا يبعد مثل ذلك في نوم النهار كالنوم حالة الإبراد مثلاً لا سيما على تفسير البخاري أن المراد بالحديث الصلاة المفروضة، وقيل معنى يضرب يحجب الحس عن النائم حتى لا يستيقظ، ومنه: { { فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ } } أي حجبنا الحس أن يلج في آذانهم فينتبهوا.

وفي حديث أبي سعيد: ما أحد ينام إلا ضرب على صماخه بجرير معقود أخرجه المخلص في فوائده، وصماخ بكسر المهملة ويقال بالصاد وآخره معجمة، ولسعيد بن منصور بسند جيد عن ابن عمر: ما أصبح رجل على غير وتر إلا أصبح على رأسه جرير قدر سبعين ذراعًا.

واختلف في أنّ هذا العقد على الحقيقة كما يعقد الساحر من يسحره وأكثر من يفعله النساء تأخذ إحداهن الخيط فتعقد منه عقدة وتتكلم عليه بالسحر فيتأثر المسحور عند ذلك ومنه قوله: { { وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ } } وعلى هذا فالمعقود شيء عند قافية الرأس لا قافية الرأس نفسها وهل العقد في شعر الرأس أو في غيره؟ الأقرب الثاني إذ ليس لكل أحد شعر.

ويؤيده رواية ابن ماجه ومحمد بن نصر من طريق أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا: على قافية أحدكم حبل فيه ثلاث عقد.
ولأحمد عن الحسن عن أبي هريرة بلفظ: إذا نام أحدكم عقد على رأسه بجرير ولابن خزيمة وابن حبان عن جابر مرفوعًا: ما من ذكر ولا أنثى إلا على رأسه جرير معقود حين يرقد الحديث.
وجرير بفتح الجيم هو الحبل وفهم بعضهم منه أن العقد لازم له ويردّه التصريح بأنها تحل بالصلاة فيلزم إعادة عقدها فأبهم فاعله في حديث جابر، وفسره في حديث غيره أو هو مجاز شبه فعل الشيطان بالنائم بفعل الساحر بالمسحور، فلما كان الساحر يمنع بعقده ذلك تصرف من يحاول عقده كان هذا مثله من الشيطان للنائم أو المراد به عقد القلب وتصميمه على الشيء كأنه يوسوس له بأنه بقي من الليل قطعة طويلة فيتأخر عن القيام وانحلال العقد كناية عن علمه بكذبه فيما وسوس به أو العقد كناية عن تثبيط الشيطان للنائم بالقول المذكور ومنه عقدت فلانًا عن امرأته أي منعته عنها أو عن تثقيله عليه النوم كأنه قد شدّ عليه شدًا، وقيل المراد بالعقد الثلاث الأكل والشرب لأنّ من أكثرهما كثر نومه.

واستبعده المحب الطبري لأنّ الحديث يقتضي أنّ العقد يقع عند النوم فهي غيره.
قال القرطبي: حكمة الاقتصار على الثلاث أنّ أغلب ما يكون الانتباه في السحر فإن رجع إلى النوم ثلاث مرات لم ينقض الثالثة إلا وقد ذهب الليل، وقال البيضاوي: التقييد بالثلاث إما للتأكيد أو لأنه يريد قطعه عن ثلاث الذكر والوضوء والصلاة وكأنه منعه عن كل واحد منها بعقدة عقدها على رأسه وكان تخصيص القفا بذلك لأنه محل الوهم ومجال تصرفه وهو أطوع القوى للشيطان وأسرعها إجابة لدعوته.

( فإن استيقظ) من نومه ( فذكر الله) بكل ما صدق عليه الذكر ويدخل فيه تلاوة القرآن وقراءة الحديث والاشتغال بالعلم الشرعي ( انحلت عقدة) واحدة من الثلاث ( فإن توضأ انحلت عقدة) ثانية ( فإن صلى) فريضة أو نافلة ( انحلت عقده) الثلاث كلها بالجمع.
رواه ابن وضاح، وكذا في البخاري وبالإفراد لبعض الرواة وكلاهما صحيح والجمع أوجه، لا سيما ورواية مسلم في الأولى عقدة وفي الثانية عقدتان وفي الثالثة العقد والخلاف في الأخيرة فقط قاله في المشارق، وفي الفتح بلفظ الجمع بغير خلاف في البخاري.

ويؤيده رواية البخاري في بدء الخلق انحلت عقده كلها، ورواية مسلم انحلت العقد، ولبعض رواة الموطأ بالإفراد، ويؤيده رواية أحمد فإن ذكر الله انحلت عقدة واحدة وإن قام فتوضأ أطلقت الثانية فإن صلى أطلقت الثالثة، وكأنه محمول على الغالب وهو من يحتاج إلى الوضوء إذا انتبه فيكون لكل عقدة شيء يحلها، وظاهر رواية الجمع أنّ العقد تنحل كلها بالصلاة وهو كذلك في حق من لم يحتج إلى طهارة كمن نام متمكنًا ثم انتبه فصلى من قبل أن يذكر ويتطهر فإنّ الصلاة تجزئه في حل العقد كلها لأنها تستلزم الطهارة وتتضمن الذكر، وعلى هذا فمعنى قوله: عقده كلها إن كان المراد به من لا يحتاج إلى وضوء فظاهر وإن كان من يحتاج إليه، فالمعنى انحلت تكملة عقده كلها بانحلال الأخيرة التي بها يتم انحلال العقد، وقد زاد ابن خزيمة: فحلوا عقد الشيطان ولو بركعتين.

( فأصبح نشيطًا) لسروره بما وفقه الله له من الطاعة وما وعد به من الثواب وما زال عنه من عقد الشيطان ( طيب النفس) لما بارك الله له في نفسه من هذا التصرف الحسن كذا قيل، والظاهر أنّ في صلاة الليل سرًا في طيب النفس وإن لم يستحضر المصلي شيئًا مما ذكر وكذا عكسه وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: { { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً } }

واستنبط بعضهم منه أنّ من فعل ذلك من قائم وعاد إلى النوم لا يعود إليه الشيطان بالعقد المذكور ثانيًا، واستثنى بعضهم ممن يقوم ويذكر ويتوضأ ويصلي من لم ينهه ذلك عن الفحشاء بل يفعل من غير أن يقلع والذي يظهر فيه التفصيل بين من يفعل ذلك مع الندم والتوبة والعزم على الإقلاع وبين المصِّر.

( وإلا) بأن ترك الذكر والوضوء والصلاة ( أصبح خبيث النفس) بتركه ما كان اعتاده أو أراده من فعل الخير كذا قيل وتقدّم ما فيه ( كسلان) بمنع الصرف للوصفية وزيادة الألف والنون لبقاء تثبيط الشيطان وشؤم تفريطه، وظفر الشيطان به بتفويته الحظ الأوفر من قيام الليل فلا يكاد يخف عليه صلاة ولا غيرها من القربات، وخص الوضوء بالذكر لأنه الغالب وإلاّ فالجنب لا يحل عقده إلا الغسل.
وفي قيام التيمم مقام الوضوء أو الغسل لمن ساغ له بحث والأظهر إجزاؤه، ولا شك أنّ في الوضوء عونًا كبيرًا على طرد النوم لا يظهر مثله في التيمم، ومقتضى قوله: وإلا أنه إن لم يجمع الأمور الثلاثة دخل تحت من يصبح خبيثًا كسلان وإن أتى ببعضها وهو كذلك، لكن يختلف ذلك بالقوّة والخفة فمن ذكر الله مثلاً أخف ممن لم يذكر أصلاً.

وفي حديث أبي سعيد عند المخلص فإن قام فصلى حلت العقد كلهنّ وإن استيقظ ولم يتوضأ ولم يصل أصبحت العقد كلها كهيئتها.

قال ابن عبد البر: هذا الذم يختص بمن لم يقم إلى صلاته وضيعها أما من كانت عادته القيام إلى الصلاة المكتوبة أو النافلة بالليل فغلبته عينه، فقد ثبت أنّ الله يكتب له أجر صلاته ونومه عليه صدقة كما مرّ.
قال: وزعم قوم أنّ هذا الحديث يعارض قوله صلى الله عليه وسلم: لا يقولنّ أحدكم خبثت نفسي وليس كذلك لأنّ النهي إنما ورد عن إضافة المرء ذلك إلى نفسه كراهة هذه الكلمة، وهذا الحديث وقع ذمًا لفعله ولكل من الحديثين وجه.

وقال الباجي: ليس بين الحديثين اختلاف لأنه نهي عن إضافة ذلك إلى النفس لأنّ الخبث بمعنى فساد الدين ووصف بعض الأفعال بذلك تحذيرًا منها وتنفيرًا.

قال الحافظ: وتقرير الإشكال أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن إضافة ذلك إلى النفس وكلما نهى المؤمن أن يضيفه إلى نفسه نهى أن يضيفه إلى أخيه المؤمن، وقد وصف صلى الله عليه وسلم هذا المؤمن بهذه الصفة فيلزم جواز وصفنا له بذلك لمحل التأسي.
والجواب: أن النهي محمول على ما إذا لم يكن هناك حامل على الوصف بذلك كالتنفير والتحذير، ولا تعارض بين هذا الحديث وحديث أبي هريرة في الصحيح أنّ قارئ آية الكرسي لا يقربه شيطان لأنّ الحل إن حمل على الأمر المعنوي والقرب على الأمر الحسي أو عكسه، فلا إشكال إذ لا يلزم من سحره إياه مثلاً أن يماسه كما لا يلزم من مماسته أن يقربه بسرقة أو أذى في جسده ونحو ذلك، وإن حملا على المعنويين أو الحسيين فيجاب بادّعاء الخصوص في عموم أحدهما، والأقرب أن المخصوص حديث الباب كما خصه ابن عبد البر بمن لم ينو القيام فيخص أيضًا بمن لم يقرأ آية الكرسي لطرد الشيطان.

والحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به، وتابعه ابن عيينة عن أبي الزناد عند مسلم.



رقم الحديث 434 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ، إِذَا هُوَ نَامَ، ثَلَاثَ عُقَدٍ.
يَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ، عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ.
فَإِنِ اسْتَيْقَظَ، فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ.
فَإِنْ تَوَضَّأَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ.
فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ.
فَأَصْبَحَ نَشِيطًا، طَيِّبَ النَّفْسِ.
وَإِلَّا، أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ.


جَامِعِ التَّرْغِيبِ فِي الصَّلَاةِ

( مالك عن عمه أبي سهيل) بضم السين نافع ( بن مالك عن أبيه) مالك بن أبي عامر الأصبحي ( أنه سمع طلحة بن عبيد الله) بضم العين ابن عثمان القرشي التيمي أحد العشرة ( يقول: جاء رجل) قال ابن عبد البر وابن بطال وعياض وابن العربي والمنذري وغيرهم: هو ضمام بن ثعلبة وافد بني سعد بن بكر.
قال الحافظ: والحامل لهم على ذلك إيراد مسلم قصته عقب حديث طلحة، ولأن في كل منهما أنه بدوي وأن كلاً منهما قال في آخر حديثه: لا أزيد على هذا ولا أنقص، لكن تعقبه القرطبي بأن سياقهما مختلف وأسئلتهما متباينة قال: ودعوى أنهما قصة واحدة دعوى فرط وتكلف شطط من غير ضرورة.
قال في المقدمة: وهو كما قال.

( إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد) بفتح النون وسكون الجيم وهو ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق كما في العباب وغيره ( ثائر) بمثلثة أي متفرق شعر ( الرأس) من ترك الرفاهية ففيه إشارة إلى قرب عهده بالوفادة فحذف المضاف للقرينة العقلية أو أوقع اسم الرأس على الشعر إمّا مبالغة أو لأنّ الشعر منه ينبت وثائر بالرفع صفة ويجوز نصبه على الحال ولا تضر إضافته لأنها لفظية قال عياض: فيه أن ذكر مثل هذا على غير وجه التنقيص ليس بغيبة ( يسمع) بالياء المضمومة على البناء للمفعول وبالنون المفتوحة على الجمع ( دوي) بفتح الدال وكسر الواو وشدّ الياء والرفع أو النصب ( صوته) قال عياض: وجاء عندنا في البخاري بضم الدال والصواب الفتح ( ولا نفقه) بالنون والياء لا نفهم ( ما يقول) قال الخطابي: الدوي صوت مرتفع متكرّر لا يفهم وإنما كان كذلك لأنه نادى من بعد ( حتى دنا) أي إلى أن قرب فهمناه ( فإذا هو يسأل عن الإسلام) أي عن أركانه وشرائعه بعد التوحيد والتصديق أو عن حقيقته، واستبعد بعدم المطابقة بين السؤال والجواب وهو:

( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم) هن ( خمس صلوات) أو خذ خمس صلوات ويجوز الجرّ بدلاً من الإسلام فظهر أن السؤال وقع عن أركان الإسلام وشرائعه، ووقع الجواب مطابقًا له، ويؤيده رواية إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل عند البخاري أنه قال: أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة؟ فقال: الصلوات الخمس وليست الصلوات عين الإسلام ففيه حذف تقديره إقامة خمس صلوات ( في اليوم والليلة) فلا يجب شيء غيرها خلافًا لمن أوجب الوتر أو ركعتي الفجر أو صلاة الضحى أو صلاة العيد أو الركعتين بعد المغرب ولم يذكر الشهادة لأنه علم أنه يعلمها أو علم أنه إنما يسأل عن الشرائع الفعلية أو ذكرها فلم ينقلها الراوي لشهرتها، وأما الحج فلأنه لم يكن فرض أو لأنه رآه غير مستطيع أو اختصره الراوي، ويؤيده رواية البخاري في الصيام من طريق إسماعيل قال فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام فدخل فيه باقي المفروضات بل والمندوبات كما قال عياض ويأتي ردّه.

( قال: هل علي غيرهن؟ قال: لا إلا أن تطوع) بشدّ الطاء والواو أصله تتطوّع فأدغمت إحدى التاءين ويجوز تخفيف الطاء على حذف إحداهما وفيه أن الشروع في التطوّع يجب إتمامه لأن الاستثناء متصل قال القرطبي: لأنه نفي وجوب شيء آخر والاستثناء من النفي إثبات ولا قائل بوجوب التطوع فتعين أن المراد إلا أن تشرع في تطوّع فيلزمك إتمامه، وتعقبه الطيبي بأنه مغالطة لأن الاستثناء هنا من غير الجنس لأن التطوّع لا يقال فيه عليك، وكأنه قال لا يجب عليك شيء إلا إن أردت أن تطوّع فذلك لك، وقد علم أن التطوّع لا يجب فلا يجب شيء آخر أصلاً.

قال في الفتح: كذا قال وحرف المسألة دائر على الاستثناء فمن قال إنه متصل تمسك بالأصل ومن قال منقطع احتاج إلى دليل ودليله ما للنسائي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحيانًا ينوي صوم التطوّع ثم يفطر وفي البخاري أنه أمر جويرية بنت الحارث أن تفطر يوم الجمعة بعد أن شرعت فيه فدل على أن الشروع في العبادة لا يستلزم الإتمام نصًا في الصوم وقياسًا في الباقي ولا يرد الحج لأنه امتاز عن غيره بالمضي في فاسده، فكيف في صحيحه؟ انتهى.

وفيه نظر، فأما أمره لجويرية فيحتمل أنها صامت بغير إذنه واحتاج لها، وأمّا فعله فلعله لعذر وإذا احتمل ذلك سقط به الاستدلال، لأن القصتين من وقائع الأحوال التي لا عموم لها وقد قال تعالى: { { وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } } وفي الموطأ في كتاب الصيام، ومسند أحمد عن عائشة: أصبحت أنا وحفصة صائمتين فأهديت لنا شاة فأكلنا فدخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقضيا يومًا مكانه والأمر للوجوب فدل على أن الشروع ملزم.

( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصيام شهر رمضان) بالرفع عطف على خمس صلوات ( قال: هل علي غيره؟ قال: لا إلا أن تطوع) فيلزمك إتمامه على الأصل من الاتصال، ويؤيده الآية.
أو فلا يلزمك إتمامه إذا شرعت فيه على الانقطاع.
قال الحافظ: وفي استدلال الحنفية نظر لأنهم لا يقولون بفرضية الإتمام بل بوجوبه واستثناء الواجب من الفرض منقطع لتباينهما، وأيضًا فالاستثناء عندهم من النفي ليس للإثبات بل مسكوت عنه.

( قال) الراوي طلحة بن عبيد الله ( وذكر) له ( رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة) وفي رواية إسماعيل بن جعفر قال: أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة.
قال: فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام فتضمنت هذه الرواية أن في القصة أشياء أجملت فيها بيان نصب الزكاة فإنها لم تفسر في الروايتين.

( فقال هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع.
قال:)
طلحة ( فأدبر) من الإدبار أي تولى ( الرجل وهو يقول) جملة حالية ( والله) وفي رواية إسماعيل، والذي أكرمك وفيه الحلف من غير استحلاف ولا ضرورة وجواز الحلف في الأمر المهم ( لا أزيد على هذا ولا أنقص منه) شيئًا ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح الرجل) أي فاز.
قال تعالى: { { فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } } والفلاح أيضًا البقاء والمراد به شرعًا البقاء في الجنة قاله الباجي ( إن صدق) في كلامه.

قال ابن بطال: دل على أنه إن لم يصدق فيما التزم لا يفلح، وهذا بخلاف قول المرجئة.
فإن قيل: كيف أثبت له الفلاح بمجرّد ما ذكر مع أنه لم يذكر له جميع الواجبات ولا المنهيات؟ وأجاب: باحتمال أن ذلك قبل ورود فرائض النهي، وتعجب الحافظ منه لجزمه بأن السائل ضمام وقد وفد سنة خمس، وقيل بعد ذلك وأكثر المنهيات وقع قبل ذلك، والصواب أن ذلك داخل في عموم قوله في رواية إسماعيل فأخبره بشرائع الإسلام وسبقه لذلك عياض قائلاً إن هذه الرواية ترفع الإشكال، وتعقبه الأبي برجوع لفظ شرائع إلى ما ذكر قبله لأنّ العام المذكور عقب خاص يرجع إلى ذلك الخاص على الصحيح انتهى.

وأقرّه عليه السلام على الحلف مع ورود النكير على من حلف لا يفعل خيرًا قال تعالى: { { وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ } } وقال صلى الله عليه وسلم لمن حلف أن لا يحط عن غريمه: تألى على الله قال الباجي: لاحتمال أنه سومح في ذلك لأنه في أوّل الإسلام اهـ.

وأجاب غيره: بأنّ ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص.
فإن قيل: أما فلاحه بأنه لا ينقص فواضح، وأما بأن لا يزيد فكيف يصح ولأنّ فيه تسويغ التمادي على ترك السنن وهو مذموم.
أجاب النووي: بأنه أثبت له الفلاح لأنه أتى بما عليه وليس فيه أنه إذا زاد لا يفلح لأنه إذا أفلح بالواجب ففلاحه بالمندوب مع الواجب أولى، وبأنه لا إثم على غير تارك الفرائض فهو مفلح وإن كان غيره أكثر فلاحًا منه، ورده الأبي: بأنه ليس الإشكال في ثبوت الفلاح مع ترك السنن حتى يجاب بأنه حاصل إذ ليس بعاص وإنما الإشكال في أن ثبوته مع عدم الزيادة على الفرض تسويغ لترك السنن.

وقال القرطبي: لم يسوغ له تركها دائمًا ولكن لقرب عهده بالإسلام اكتفى منه بالواجبات وأخره حتى يأنس وينشرح صدره ويحرص على الخير فيسهل عليه المندوبات وقال الطيبي: يحتمل أنه مبالغة في التصديق والقبول أي قبلت كلامك قبولاً لا مزيد عليه من جهة السؤال ولا نقصان فيه من جهة القبول.
وقال ابن المنير: يحتمل تعلق الزيادة والنقص بالإبلاغ لأنه كان وافد قومه ليتعلم ويعلمهم، وقال غيره: يحتمل لا أغير صفة الفرض كمن ينقص الظهر مثلاً ركعة أو يزيد المغرب، وردّ الحافظ الاحتمالات الثلاث بقوله في رواية إسماعيل بن جعفر لا أتطوّع شيئًا ولا أنقص مما فرض الله عليّ شيئًا.
وقال الباجي: يحتمل لا أزيد وجوبًا وإن زاد تطوّعًا أو على اعتقاد وجوب غيره أو في البلاغ.
قال: ورواية مالك أصح من رواية إسماعيل بن جعفر لأنه أحفظ وقد تابعه الرواة ولعل إسماعيل نقله بالمعنى، ولو صح احتمل المعنى لا أتطوّع بشيء ألتزمه واجبًا انتهى.

هذا ووقع في رواية إسماعيل عند مسلم أفلح وأبيه إن صدق أو دخل الجنة وأبيه إن صدق، ولأبي داود مثله لكن بحذف أو وجمع بينه وبين النهي عن الحلف بالآباء بأنه كان قبل النهي أو بأنها كلمة جارية على اللسان لا يقصد بها الحلف كما جرى على لسانهم: عقرى حلقى، وما أشبه ذلك أو فيه إضمار اسم الرب كأنه قال ورب أبيه وقيل هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لأن النهي عن الحلف بالآباء إنما هو لخوف تعظيم غير الله وهو صلى الله عليه وسلم لا يتوهم فيه ذلك.
قال الحافظ: ويحتاج إلى دليل، وحكى السهيلي عن بعض مشايخه أنه تصحيف وإنما كان والله فقصرت اللامان، وأنكره القرطبي وقال: إنه يخرم الثقة بالروايات الصحيحة، وغفل القرافي فادّعى أن الرواية بلفظ وأبيه لم تصح لأنها ليست في الموطأ، وكأنه لم يرض الجواب فعدل إلى رد الخبر وهو صحيح لا مرية فيه وأقوى الأجوبة الأولان.

قال الباجي: وأدخل مالك هذا الحديث في الترغيب في الصلاة فإن أراد قوله إلا أن تطوّع كان ترغيبًا في النافلة وإن أراد أفلح إن صدق كان ترغيبًا في الخمس انتهى، والظاهر أنه أرادهما معًا فالترجمة مطلقة.

وأخرجه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس ومسلم عن قتيبة بن سعيد كلاهما عن مالك به، وتابعه إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل في الصحيحين بنحوه.

( مالك عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يعقد الشيطان) كأنّ المراد به الجنس وفاعل ذلك القرين وغيره، ويحتمل إبليس ويجوز أن نسبة ذلك إليه لأنه الآمر به الداعي إليه، وكذا أورده البخاري في صفة إبليس من بدء الخلق ( على قافية رأس أحدكم) أي مؤخر عنقه وقافية كل شيء مؤخره ومنه قافية القصيدة، وفي النهاية القفا، وقيل مؤخر الرأس، وقيل وسطه وظاهر قوله: أحدكم التعميم في المخاطبين ومن في معناهم، ويمكن أن يخص منه من صلى العشاء، ولا سيما في الجماعة لما ثبت مرفوعًا: من صلى العشاء في جماعة كان كمن قام نصف ليلة لأنّ مسمى قيام الليل يحصل للمؤمن بقيام بعضه فيصدق على من صلى العشاء جماعة أنه قام الليل، وبمن ورد في حقه أنه يحفظ من الشيطان كالأنبياء ومن تناوله قوله تعالى: { { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } } وكمن قرأ آية الكرسي عند نومه فقد ثبت أنه يحفظ من الشيطان حتى يصبح.

( إذا هو نام) ولبعض رواة البخاري نائم بوزن فاعل والأوّل أصوب وهو الذي في الموطأ قاله كله الحافظ ( ثلاث) بالنصب مفعول ( عقد) بضم العين وفتح القاف جمع عقدة ( يضرب) بيده ( مكان كل عقدة) أي عليها تأكيدًا وإحكامًا لها قائلاً: ( عليك ليل طويل) بالرفع ولأبي مصعب بالنصب وهي رواية ابن عيينة عن أبي الزناد عند مسلم.

قال عياض: رواية الأكثر بالنصب على الإغراء ومن رفع فعلى الابتداء أي باق عليك أو بإضمار فعل أي بقي عليك.

وقال القرطبي: الرفع أولى من جهة المعنى لأنه الأمكن في الغرور من حيث إنه يخبره عن طول الليل ثم يأمره بالرقاد بقوله: ( فارقد) وإذا نصب على الإغراء لم يكن فيه إلا الأمر بملازمة طول الرقاد وحينئذٍ يضيع قوله فارقد ومقصود الشيطان تسويفه بالقيام والإلباس عليه، وظاهره اختصاص ذلك بنوم الليل ولا يبعد مثل ذلك في نوم النهار كالنوم حالة الإبراد مثلاً لا سيما على تفسير البخاري أن المراد بالحديث الصلاة المفروضة، وقيل معنى يضرب يحجب الحس عن النائم حتى لا يستيقظ، ومنه: { { فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ } } أي حجبنا الحس أن يلج في آذانهم فينتبهوا.

وفي حديث أبي سعيد: ما أحد ينام إلا ضرب على صماخه بجرير معقود أخرجه المخلص في فوائده، وصماخ بكسر المهملة ويقال بالصاد وآخره معجمة، ولسعيد بن منصور بسند جيد عن ابن عمر: ما أصبح رجل على غير وتر إلا أصبح على رأسه جرير قدر سبعين ذراعًا.

واختلف في أنّ هذا العقد على الحقيقة كما يعقد الساحر من يسحره وأكثر من يفعله النساء تأخذ إحداهن الخيط فتعقد منه عقدة وتتكلم عليه بالسحر فيتأثر المسحور عند ذلك ومنه قوله: { { وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ } } وعلى هذا فالمعقود شيء عند قافية الرأس لا قافية الرأس نفسها وهل العقد في شعر الرأس أو في غيره؟ الأقرب الثاني إذ ليس لكل أحد شعر.

ويؤيده رواية ابن ماجه ومحمد بن نصر من طريق أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا: على قافية أحدكم حبل فيه ثلاث عقد.
ولأحمد عن الحسن عن أبي هريرة بلفظ: إذا نام أحدكم عقد على رأسه بجرير ولابن خزيمة وابن حبان عن جابر مرفوعًا: ما من ذكر ولا أنثى إلا على رأسه جرير معقود حين يرقد الحديث.
وجرير بفتح الجيم هو الحبل وفهم بعضهم منه أن العقد لازم له ويردّه التصريح بأنها تحل بالصلاة فيلزم إعادة عقدها فأبهم فاعله في حديث جابر، وفسره في حديث غيره أو هو مجاز شبه فعل الشيطان بالنائم بفعل الساحر بالمسحور، فلما كان الساحر يمنع بعقده ذلك تصرف من يحاول عقده كان هذا مثله من الشيطان للنائم أو المراد به عقد القلب وتصميمه على الشيء كأنه يوسوس له بأنه بقي من الليل قطعة طويلة فيتأخر عن القيام وانحلال العقد كناية عن علمه بكذبه فيما وسوس به أو العقد كناية عن تثبيط الشيطان للنائم بالقول المذكور ومنه عقدت فلانًا عن امرأته أي منعته عنها أو عن تثقيله عليه النوم كأنه قد شدّ عليه شدًا، وقيل المراد بالعقد الثلاث الأكل والشرب لأنّ من أكثرهما كثر نومه.

واستبعده المحب الطبري لأنّ الحديث يقتضي أنّ العقد يقع عند النوم فهي غيره.
قال القرطبي: حكمة الاقتصار على الثلاث أنّ أغلب ما يكون الانتباه في السحر فإن رجع إلى النوم ثلاث مرات لم ينقض الثالثة إلا وقد ذهب الليل، وقال البيضاوي: التقييد بالثلاث إما للتأكيد أو لأنه يريد قطعه عن ثلاث الذكر والوضوء والصلاة وكأنه منعه عن كل واحد منها بعقدة عقدها على رأسه وكان تخصيص القفا بذلك لأنه محل الوهم ومجال تصرفه وهو أطوع القوى للشيطان وأسرعها إجابة لدعوته.

( فإن استيقظ) من نومه ( فذكر الله) بكل ما صدق عليه الذكر ويدخل فيه تلاوة القرآن وقراءة الحديث والاشتغال بالعلم الشرعي ( انحلت عقدة) واحدة من الثلاث ( فإن توضأ انحلت عقدة) ثانية ( فإن صلى) فريضة أو نافلة ( انحلت عقده) الثلاث كلها بالجمع.
رواه ابن وضاح، وكذا في البخاري وبالإفراد لبعض الرواة وكلاهما صحيح والجمع أوجه، لا سيما ورواية مسلم في الأولى عقدة وفي الثانية عقدتان وفي الثالثة العقد والخلاف في الأخيرة فقط قاله في المشارق، وفي الفتح بلفظ الجمع بغير خلاف في البخاري.

ويؤيده رواية البخاري في بدء الخلق انحلت عقده كلها، ورواية مسلم انحلت العقد، ولبعض رواة الموطأ بالإفراد، ويؤيده رواية أحمد فإن ذكر الله انحلت عقدة واحدة وإن قام فتوضأ أطلقت الثانية فإن صلى أطلقت الثالثة، وكأنه محمول على الغالب وهو من يحتاج إلى الوضوء إذا انتبه فيكون لكل عقدة شيء يحلها، وظاهر رواية الجمع أنّ العقد تنحل كلها بالصلاة وهو كذلك في حق من لم يحتج إلى طهارة كمن نام متمكنًا ثم انتبه فصلى من قبل أن يذكر ويتطهر فإنّ الصلاة تجزئه في حل العقد كلها لأنها تستلزم الطهارة وتتضمن الذكر، وعلى هذا فمعنى قوله: عقده كلها إن كان المراد به من لا يحتاج إلى وضوء فظاهر وإن كان من يحتاج إليه، فالمعنى انحلت تكملة عقده كلها بانحلال الأخيرة التي بها يتم انحلال العقد، وقد زاد ابن خزيمة: فحلوا عقد الشيطان ولو بركعتين.

( فأصبح نشيطًا) لسروره بما وفقه الله له من الطاعة وما وعد به من الثواب وما زال عنه من عقد الشيطان ( طيب النفس) لما بارك الله له في نفسه من هذا التصرف الحسن كذا قيل، والظاهر أنّ في صلاة الليل سرًا في طيب النفس وإن لم يستحضر المصلي شيئًا مما ذكر وكذا عكسه وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: { { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً } }

واستنبط بعضهم منه أنّ من فعل ذلك من قائم وعاد إلى النوم لا يعود إليه الشيطان بالعقد المذكور ثانيًا، واستثنى بعضهم ممن يقوم ويذكر ويتوضأ ويصلي من لم ينهه ذلك عن الفحشاء بل يفعل من غير أن يقلع والذي يظهر فيه التفصيل بين من يفعل ذلك مع الندم والتوبة والعزم على الإقلاع وبين المصِّر.

( وإلا) بأن ترك الذكر والوضوء والصلاة ( أصبح خبيث النفس) بتركه ما كان اعتاده أو أراده من فعل الخير كذا قيل وتقدّم ما فيه ( كسلان) بمنع الصرف للوصفية وزيادة الألف والنون لبقاء تثبيط الشيطان وشؤم تفريطه، وظفر الشيطان به بتفويته الحظ الأوفر من قيام الليل فلا يكاد يخف عليه صلاة ولا غيرها من القربات، وخص الوضوء بالذكر لأنه الغالب وإلاّ فالجنب لا يحل عقده إلا الغسل.
وفي قيام التيمم مقام الوضوء أو الغسل لمن ساغ له بحث والأظهر إجزاؤه، ولا شك أنّ في الوضوء عونًا كبيرًا على طرد النوم لا يظهر مثله في التيمم، ومقتضى قوله: وإلا أنه إن لم يجمع الأمور الثلاثة دخل تحت من يصبح خبيثًا كسلان وإن أتى ببعضها وهو كذلك، لكن يختلف ذلك بالقوّة والخفة فمن ذكر الله مثلاً أخف ممن لم يذكر أصلاً.

وفي حديث أبي سعيد عند المخلص فإن قام فصلى حلت العقد كلهنّ وإن استيقظ ولم يتوضأ ولم يصل أصبحت العقد كلها كهيئتها.

قال ابن عبد البر: هذا الذم يختص بمن لم يقم إلى صلاته وضيعها أما من كانت عادته القيام إلى الصلاة المكتوبة أو النافلة بالليل فغلبته عينه، فقد ثبت أنّ الله يكتب له أجر صلاته ونومه عليه صدقة كما مرّ.
قال: وزعم قوم أنّ هذا الحديث يعارض قوله صلى الله عليه وسلم: لا يقولنّ أحدكم خبثت نفسي وليس كذلك لأنّ النهي إنما ورد عن إضافة المرء ذلك إلى نفسه كراهة هذه الكلمة، وهذا الحديث وقع ذمًا لفعله ولكل من الحديثين وجه.

وقال الباجي: ليس بين الحديثين اختلاف لأنه نهي عن إضافة ذلك إلى النفس لأنّ الخبث بمعنى فساد الدين ووصف بعض الأفعال بذلك تحذيرًا منها وتنفيرًا.

قال الحافظ: وتقرير الإشكال أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن إضافة ذلك إلى النفس وكلما نهى المؤمن أن يضيفه إلى نفسه نهى أن يضيفه إلى أخيه المؤمن، وقد وصف صلى الله عليه وسلم هذا المؤمن بهذه الصفة فيلزم جواز وصفنا له بذلك لمحل التأسي.
والجواب: أن النهي محمول على ما إذا لم يكن هناك حامل على الوصف بذلك كالتنفير والتحذير، ولا تعارض بين هذا الحديث وحديث أبي هريرة في الصحيح أنّ قارئ آية الكرسي لا يقربه شيطان لأنّ الحل إن حمل على الأمر المعنوي والقرب على الأمر الحسي أو عكسه، فلا إشكال إذ لا يلزم من سحره إياه مثلاً أن يماسه كما لا يلزم من مماسته أن يقربه بسرقة أو أذى في جسده ونحو ذلك، وإن حملا على المعنويين أو الحسيين فيجاب بادّعاء الخصوص في عموم أحدهما، والأقرب أن المخصوص حديث الباب كما خصه ابن عبد البر بمن لم ينو القيام فيخص أيضًا بمن لم يقرأ آية الكرسي لطرد الشيطان.

والحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به، وتابعه ابن عيينة عن أبي الزناد عند مسلم.