فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ

رقم الحديث 442 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مالِكٍ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ، مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ؟ فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ بِق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ.


مَا جَاءَ فِي التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ

( مالك عن ضمرة) بفتح المعجمة وسكون الميم ( بن سعيد) الأنصاري ( المازني) ثقة روى له مسلم والأربعة ( عن عبيد الله) بضم العين ( بن عبد الله) بفتحها ( بن عتبة) بضمها وفوقية ساكنة ( بن مسعود) الهذلي المدني أحد الفقهاء بها ( أن عمر بن الخطاب) أمير المؤمنين ( سأل أبا واقد) بالقاف ( الليثي) الصحابي قيل اسمه الحارث بن مالك، وقيل ابن عوف، وقيل اسمه عوف بن الحارث مات سنة ثمان وستين وهو ابن خمس وثمانين على الصحيح، وعبيد الله لم يدرك عمر ففيه إرسال، لكن الحديث صحيح بلا شك وقد صرح باتصاله في رواية مسلم من طريق فليح عن ضمرة عن عبيد الله عن أبي واقد قال: سألني عمر.
قال النووي: هذه متصلة فإنه أدرك أبا واقد بلا شك وسمعه بلا خلاف.

( ما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر؟) قال الباجي: يحتمل أن يسأله على معنى الاختبار أو نسي فأراد أن يتذكر، وقال النووي: قالوا فيحتمل أنه شك في ذلك فاستثبته أو أراد إعلام الناس بذلك أو نحو هذا من المقاصد قالوا: ويبعد أن عمر لم يعلم ذلك مع شهود صلاة العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرات وقربه منه ( فقال: كان يقرأ بقاف والقرآن المجيد) في الركعة الأولى ( واقتربت الساعة وانشق القمر) في الثانية.

قال العلماء: حكمة ذلك ما اشتملتا عليه من الإخبار بالبعث والإخبار عن القرون الماضية وإهلاك المكذبين، وتشبيه بروز الناس للعيد ببروزهم للبعث وخروجهم من الأجداث كأنهم جراد منتشر.

قال ابن عبد البر: معلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ يوم العيد بسور شتى وليس في ذلك عند الفقهاء شيء لا يتعدى، وكلهم يستحب ما روى أكثرهم وجمهورهم ( سبح) و ( هل أتاك حديث الغاشية) لتواتر الروايات بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث سمرة وأنس وابن عباس، وما أعلم أنه روى قراءة قاف واقتربت مسندًا في غير حديث مالك.

وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك به، وتابعه فليح عن ضمرة أخرجه مسلم أيضًا.

( مالك عن نافع مولى عبد الله بن عمر أنه قال: شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة فكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الآخرة خمس تكبيرات قبل القراءة) وهذا لا يكون رأيًا لا توقيفًا يجب التسليم له، وقد جاء ذلك عنه صلى الله عليه وسلم من طرق حسان، وبه قال مالك والشافعي إلا أن مالكًا عدّ في الأولى تكبيرة الإحرام، وقال الشافعي: سواها، والفقهاء على أن الخمس في الثانية غير تكبيرة القيام قاله ابن عبد البر.

( قال مالك: وهو الأمر عندنا) بالمدينة.
وروى أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاصي مرفوعًا: التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الآخرة والقراءة بعدهما كلتيهما قال الترمذي في العلل: سألت عنه محمدًا - يعني البخاري -فقال: صحيح، وفي الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم كبر بعد القراءة، وبه أخذ أبو حنيفة لكن في إسناده كذب، ولذا قال ابن دحية: هو أقبح حديث في جامع الترمذي.

قال بعض العلماء: حكمة هذا العدد أنه لما كان للوترية أثر عظيم في التذكير بالوتر الصمد الواحد الأحد وكان للسبعة منها مدخل عظيم في الشرع جعل تكبير صلاة العيد وترًا وجعل سبعًا في الأولى لذلك وتذكيرًا بأعمال الحج السبعة من الطواف والسعي والجمار تشويقًا إليها، لأن النظر إلى العيد الأكبر أكثر، وتذكيرًا بخالق هذا الوجود بالتفكر في أفعاله المعروفة من خلق السموات السبع والأرضين السبع وما فيها من الأيام السبع لأنه خلقهما في ستة أيام، وخلق آدم في السابع يوم الجمعة، ولما جرت عادة الشارع بالرفق بهذه الأمّة ومنه تخفيف الثانية عن الأولى.
وكانت الخمسة أقرب وترًا إلى السبعة من دونها جعل تكبير الثانية خمسًا لذلك.

وقال ابن زرقون: قال بعض أصحابنا: حكمة زيادة التكبير إحدى عشرة أنها عدد تكبير ركعتين فكأنه استدراك فضيلة أربع ركعات كما استدرك فضيلة أربع ركعات في صلاة الكسوف بالركوع الزائد فيها.

قلت: واستدراك ذلك في الجمعة بالخطبة ولذا جعلت خطبتين مقام ركعتين ولا يقال هلا جعلت الخطبة في العيد لاستدراك ذلك لأن الخطبة ليست بشرط في صحة صلاته كما هي شرط في صلاة الجمعة انتهى.

( قال مالك في رجل وجد الناس قد انصرفوا من الصلاة يوم العيد أنه لا يرى عليه صلاة في المصلى ولا في بيته) لأن صلاة العيد عنده سنة للجماعة الرجال الأحرار فمن فاتته تلك السنة لم يلزمه صلاتها قاله ابن عبد البر ( وأنه إن صلى في المصلى أو في بيته لم أر بذلك بأسًا) أي يجوز خلافًا لجماعة قالوا: لا تصلى إذا فاتت ( ويكبر سبعًا) بالإحرام ( في الأولى قبل القراءة وخمسًا) غير تكبيرة القيام ( في الثانية قبل القراءة) على سنتها جماعة خلافًا لقول الثوري وأحمد إن صلاها وحده صلى أربعًا وسلفهما قول ابن مسعود من فاتته العيد مع الإمام صلى أربعًا رواه سعيد بن منصور.

قال الزين بن المنير: كأنهم قاسوها على الجمعة، لكن الفرق ظاهر لأنّ من فاتته الجمعة يعود لفرضه من الظهر بخلاف العيد، وخيره أبو حنيفة بين الفعل والترك وبين الثنتين والأربع.



رقم الحديث 442 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ، حَدَّثَهُ أَنَّ: صَلَاةَ الْخَوْفِ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ، وَمَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَطَائِفَةٌ مُوَاجِهَةٌ الْعَدُوَّ.
فَيَرْكَعُ الْإِمَامُ رَكْعَةً، وَيَسْجُدُ بِالَّذِينَ مَعَهُ، ثُمَّ يَقُومُ.
فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا، ثَبَتَ وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ.
ثُمَّ يُسَلِّمُونَ، وَيَنْصَرِفُونَ.
وَالْإِمَامُ قَائِمٌ.
فَيَكُونُونَ وِجَاهَ الْعَدُوِّ.
ثُمَّ يُقْبِلُ الْآخَرُونَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا، فَيُكَبِّرُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ، فَيَرْكَعُ بِهِمُ الرَّكْعَةَ وَيَسْجُدُ.
ثُمَّ يُسَلِّمُ، فَيَقُومُونَ فَيَرْكَعُونَ لِأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ.
ثُمَّ يُسَلِّمُونَ.


( مالك عن يزيد بن رومان) بضم الراء المدني مولى آل الزبير مات سنة ثلاثين ومائة ( عن صالح بن خوات) بفتح الخاء المعجمة وشدّ الواو فألف ففوقية ابن جبير بن النعمان الأنصاري المدني تابعي ثقة وأبوه صحابي جليل أوّل مشاهده أحد وقيل: شهد بدرًا ومات بالمدينة سنة أربعين ( عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) قيل هو سهل بن أبي حثمة للحديث التالي: قال الحافظ: والراجح أنه أبوه خوات بن جبير كما جزم به النووي في تهذيبه، وقال: إنه محقق من رواية مسلم وغيره، وسبقه الغزالي وذلك لأن أبا أويس رواه عن يزيد شيخ مالك فقال عن صالح عن أبيه أخرجه ابن منده.
ويحتمل أن صالحًا سمعه من أبيه ومن سهل فأبهمه تارة وعينه أخرى.

لكن قوله: ( يوم ذات الرقاع) يعين أن المبهم أبوه إذ ليس في رواية صالح عن سهل أنه صلاها مع النبي صلى الله عليه وسلم ويؤيده أن سهلاً لم يكن في سن من يخرج في تلك الغزوة لصغره، لكن لا يلزم أن لا يرويها فروايته إياها مرسل صحابي فبهذا يقوى تفسير الذي صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم بخوات ( صلاة الخوف) وسميت ذات الرقاع لأن أقدام المسلمين نقبت من الحفاء فكانوا يلقون عليها الخرق أو لأنهم راقعوا راياتهم فيها أو لأن أرضها ذات ألوان تشبه الرقاع أو لشجرة نزلوا تحتها أو جبل هناك فيه بياض وحمرة وسواد، وقول ابن حبان لأن خيلهم كان بها سواد وبياض لعله تصحف عليه جبل بخيل ورجح السهيلي الأوّل لأنه الذي قاله أبو موسى الأشعري في الصحيحين وكذا النووي ثم قال: ويحتمل أنها سميت بالمجموع لوجود هذه الأمور كلها فيها.

( وأن طائفة صفت) هكذا في أكثر النسخ، وفي بعضها صلت.
قال النووي: وهما صحيحان ( معه) صلى الله عليه وسلم ( وصفت طائفة) بالرفع أي اصطفوا يقال: صف القوم إذا صاروا صفًا ( وجاه) بكسر الواو وضمها أي مقابل ( العدو فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت) حال كونه ( قائمًا وأتموا) أي الذين صلى بهم الركعة ( لأنفسهم) ركعة أخرى ( ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى) التي كانت وجاه العدوّ ( فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسًا) لم يخرج من صلاته ( وأتموا لأنفسهم) الركعة الأخرى ( ثم سلم بهم) عليه الصلاة والسلام.

وهذا الحديث رواه البخاري عن قتيبة بن سعيد ومسلم عن يحيى بن يحيى كلاهما عن مالك به، ورواه بقية الستة.

( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق ( عن صالح بن خوات) الأنصاري المتقدم في الأوّل ففيه ثلاثة تابعيون مدنيون في نسق يحيى والقاسم وصالح ( أن سهل بن أبي حثمة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثناة كما في الفتح وقال غيره المثلثة واسمه عبد الله، وقيل عامر وقيل اسم أبيه عبد الله وأبو حثمة جده واسمه عامر بن ساعدة الأنصاري من بني الحارث بن الخزرج.

( حدثه أن صلاة الخوف) أي صفتها ( أن يقوم الإمام) زاد في رواية يحيى بن سعيد القطان عن يحيى الأنصاري بإسناده هذا مستقبل القبلة ( ومعه طائفة من أصحابه وطائفة مواجهة العدو) أي من جهته وفي رواية القطان وطائفة من قبل العدوّ وجوههم إلى العدوّ ( فيركع الإمام ركعة ويسجد بالذين معه) وفي رواية القطان فيصلي بالذين معه ركعة ( ثم يقوم فإذا استوى قائمًا) ساكنًا أو داعيًا ( ثبت وأتموا لأنفسهم الركعة الباقية) في مكانهم ( ثم يسلمون وينصرفون والإمام قائم فيكونون وجاه) بكسر الواو وضمها مقابل ( العدو) وفي رواية القطان ثم يذهب هؤلاء إلى مقام أولئك ( ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا فيكبرون وراء الإمام فيركع بهم الركعة) التي بقيت عليه ( ويسجد) بهم ( ثم يسلم فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية) عليهم وفي نسخة الثانية ( ثم يسلمون) وفي الطريق الأولى أنه صلى الله عليه وسلم ثبت جالسًا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم.

قال ابن عبد البر: وهذا الذي رجع إليه مالك بعد أن قال بحديث يزيد بن رومان، وإنما اختاره ورجع إليه للقياس على سائر الصلوات أن الإمام ينتظر المأموم، وأن المأموم إنما يقضي بعد سلام الإمام قال: وهذا الحديث موقوف عند رواة الموطأ ومثله لا يقال رأيًا وقد جاء مرفوعًا مسندًا انتهى.

وتابع مالكًا على وقفه يحيى بن سعيد القطان وعبد العزيز بن أبي حازم كلاهما عن يحيى بن سعيد الأنصاري عند البخاري، ورفعه يحيى القطان في روايته عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في الخوف فصفهم خلفه صفين فصلى بالذين يلونه ركعة ثم قام، فلم يزل قائمًا حتى صلى الذين خلفه ركعة ثم تقدموا وتأخر الذين كانوا قدامهم فصلى بهم ركعة ثم قعد حتى صلى الذين تخلفوا ركعة ثم سلم رواه الشيخان واللفظ لمسلم فأما البخاري فإنما قال بعد سياق إسناده مثله.

قال ابن عبد البر: وعبد الرحمن بن القاسم أسن من يحيى بن سعيد وأجل انتهى.
فهو مرسل صحابي.
قال الحافظ: لأن أهل العلم بالأخبار اتفقوا على أن سهلاً كان صغيرًا في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وتعقبوا ما ذكر ابن أبي حاتم عن رجل من ولد سهل أنه حدثه أنه بايع تحت الشجرة وشهد المشاهد إلا بدرًا، وكان الدليل ليلة أحد بأنّ هذه الصفة لأبيه أما هو فمات النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين، وبهذا جزم الطبري وابن حبان وابن السكن وغيرهم.

( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل عن) صفة ( صلاة الخوف قال: يتقدم الإمام وطائفة من الناس) حيث لا يبلغهم سهام العدوّ ( فيصلي بهم الإمام ركعة وتكون طائفة منهم بينه) أي الإمام ومن معه ( وبين العدو لم يصلوا) لحرسهم العدوّ ( فإذا صلى الذين معه ركعة استأخروا مكان الذين لم يصلوا) فيكونون في وجه العدوّ ( ولا يسلمون) بل يستمرون في الصلاة ( ويتقدم الذين لم يصلوا) للإمام ( فيصلون معه ركعة ثم ينصرف الإمام) من صلاته بالتسليم ( وقد صلى ركعتين فتقوم كل واحدة من الطائفتين فيصلون لأنفسهم ركعة ركعة) بالتكرير ( بعد أن ينصرف الإمام) من الصلاة ( فيكون كل واحدة من الطائفتين قد صلوا ركعتين) .

قال الحافظ: لم تختلف الطرق عن ابن عمر في هذا وظاهره أنهم أتموا في حالة واحدة، ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب وهو الراجح من حيث المعنى وإلا لزم ضياع الحراسة المطلوبة وإفراد الإمام وحده، ويرجحه ما رواه أبو داود عن ابن مسعود ولفظه: ثم سلم فقام هؤلاء أي الطائفة الثانية فقضوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا ثم ذهبوا ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا، وظاهره أنّ الثانية والت بين ركعتيها ثم أتمت الطائفة الأولى بعدها، واختار هذه الصفة أشهب والأوزاعي وهي موافقة لحديث سهل بن أبي حثمة وأخذ بما في حديث ابن عمر هذا الحنفية، ورجحها ابن عبد البر لقوّة إسنادها ولموافقة الأصول في أن المأموم لا يتم صلاته قبل سلام إمامه.

( فإن كان) الأمر ( خوفًا هو أشدّ من ذلك) بكثرة العدوّ فخيف من قسمهم لذلك ( صلوا) بحسب الإمكان ( رجالاً قيامًا على أقدامهم) تفسير لقوله: رجالاً زاد مسلم من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر تومئ إيماء ( أو ركبانًا) على دوابهم جمع راكب كما قال تعالى: { { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا } } ( مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها) وبهذا قال الجمهور، لكن قال المالكية لا يصنعون ذلك حتى يخشوا فوات الوقت.

( قال مالك: قال نافع: لا أرى) بضم الهمزة أي لا أظن ( عبد الله بن عمر حدثه) أي هذا الحديث ( إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)

وهذا الحديث رواه البخاري في تفسير البقرة عن عبد الله بن يوسف عن مالك به على الشك في رفعه.

قال ابن عبد البر: ورواه عن نافع جماعة ولم يشكوا في رفعه منهم ابن أبي ذئب، وموسى بن عقبة، وأيوب بن موسى، وكذا رواه الزهري عن سالم عن ابن عمر مرفوعًا، ورواه خالد بن معدان عن ابن عمر مرفوعًا انتهى.

ورواية موسى بن عقبة عن نافع في الصحيحين وكذا فيهما رواية سالم عن أبيه، ورواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا كله بغير شك.
أخرجه ابن ماجه بإسناد جيد.
قال الحافظ: واختلف في قوله فإن كان خوفًا هل هو مرفوع أو موقوف؟ والراجح الرفع.

( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن سعيد بن المسيب أنه قال: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر يوم الخندق حتى غابت الشمس) عمدًا للشغل بالقتال كما في حديث أبي سعيد عند أحمد والنسائي أنهم شغلوه صلى الله عليه وسلم عن الظهر والعصر والمغرب وصلوا بعد هوى من الليل، وذلك قبل أن ينزل الله في صلاة الخوف { { فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا } }

وفي الترمذي والنسائي عن ابن مسعود أنهم شغلوه عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله، وفي قوله: أربع تجوز لأنّ العشاء لم تفت، ومقتضى حديث علي وجابر في الصحيحين وغيرهما أنه لم يفت غير العصر فمال ابن العربي إلى الترجيح فقال: إنه الصحيح، وجمع النووي بأنّ وقعة الخندق بقيت أيامًا فكان هذا في بعض الأيام وهذا في بعضها، وقيل أخرها نسيانًا لا عمدًا.
واستبعد وقوعه من الجميع وأما اليوم فلا يجوز تأخر الصلاة عن وقتها بسبب القتال بل تصلى صلاة الخوف على حسب الحال.

( قال مالك: وحديث القاسم بن محمد عن صالح بن خوات أحب ما سمعت إلي في صلاة الخوف) يقتضي أنه سمع في كيفيتها صفات متعددة وهو كذلك فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم فيها صفات حملها بعض العلماء على اختلاف الأحوال، وآخرون على التوسع والتخيير، ووافقه على ترجيح هذه الصفة الشافعي وأحمد وداود لسلامتها من كثرة المخالفة، وكونها أحوط لأمر الحرب مع تجويزهم الصفة التي في حديث ابن عمر، وظاهر كلام المالكية امتناعها ونقل عن الشافعي أنها منسوخة ولم يثبت عنه.

واختلفوا في رواية سهل في موضع واحد وهو أن الإمام هل يسلم قبل أن تأتي الطائفة الثانية بالركعة الثانية، أو ينتظرها في التشهد ليسلموا معه؟ وبالأوّل قال المالكية ولا فرق عندهم بين كون العدوّ في جهة القبلة أم لا، وفرق الشافعية والجمهور فحملوا حديث سهل على أنّ العدو كان في غير جهة القبلة، فلذا صلى بكل طائفة وحدها ركعة، أما إذا كان في جهتها فيحرم الإمام بالجميع ويركع بهم ويسجد، فإذا سجد سجد معه صف وحرس صف كما في حديث ابن عباس.
وفي مسلم عن جابر صفنا صفين والمشركون بيننا وبين القبلة.

وقال السهيلي: اختلف الفقهاء في الترجيح فقالت طائفة يعمل منها بما كان أشبه بظاهر القرآن، وقالت طائفة يجتهد في طلب أخيرها فإنه الناسخ لما قبله، وطائفة يؤخذ بأصحها نقلاً وأعلاها رواة، وطائفة يؤخذ بجميعها على حسب اختلاف أحوال الخوف فإذا اشتدّ أخذ بأيسرها قاله في فتح الباري، والله أعلم.



رقم الحديث 443 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: شَهِدْتُ الْأَضْحَى وَالْفِطْرَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَكَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ وَجَدَ النَّاسَ قَدِ انْصَرَفُوا مِنَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْعِيدِ: إِنَّهُ لَا يَرَى عَلَيْهِ صَلَاةً فِي الْمُصَلَّى، وَلَا فِي بَيْتِهِ، وَإِنَّهُ إِنْ صَلَّى فِي الْمُصَلَّى، أَوْ فِي بَيْتِهِ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا، وَيُكَبِّرُ سَبْعًا فِي الْأُولَى قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ.


مَا جَاءَ فِي التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ

( مالك عن ضمرة) بفتح المعجمة وسكون الميم ( بن سعيد) الأنصاري ( المازني) ثقة روى له مسلم والأربعة ( عن عبيد الله) بضم العين ( بن عبد الله) بفتحها ( بن عتبة) بضمها وفوقية ساكنة ( بن مسعود) الهذلي المدني أحد الفقهاء بها ( أن عمر بن الخطاب) أمير المؤمنين ( سأل أبا واقد) بالقاف ( الليثي) الصحابي قيل اسمه الحارث بن مالك، وقيل ابن عوف، وقيل اسمه عوف بن الحارث مات سنة ثمان وستين وهو ابن خمس وثمانين على الصحيح، وعبيد الله لم يدرك عمر ففيه إرسال، لكن الحديث صحيح بلا شك وقد صرح باتصاله في رواية مسلم من طريق فليح عن ضمرة عن عبيد الله عن أبي واقد قال: سألني عمر.
قال النووي: هذه متصلة فإنه أدرك أبا واقد بلا شك وسمعه بلا خلاف.

( ما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر؟) قال الباجي: يحتمل أن يسأله على معنى الاختبار أو نسي فأراد أن يتذكر، وقال النووي: قالوا فيحتمل أنه شك في ذلك فاستثبته أو أراد إعلام الناس بذلك أو نحو هذا من المقاصد قالوا: ويبعد أن عمر لم يعلم ذلك مع شهود صلاة العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرات وقربه منه ( فقال: كان يقرأ بقاف والقرآن المجيد) في الركعة الأولى ( واقتربت الساعة وانشق القمر) في الثانية.

قال العلماء: حكمة ذلك ما اشتملتا عليه من الإخبار بالبعث والإخبار عن القرون الماضية وإهلاك المكذبين، وتشبيه بروز الناس للعيد ببروزهم للبعث وخروجهم من الأجداث كأنهم جراد منتشر.

قال ابن عبد البر: معلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ يوم العيد بسور شتى وليس في ذلك عند الفقهاء شيء لا يتعدى، وكلهم يستحب ما روى أكثرهم وجمهورهم ( سبح) و ( هل أتاك حديث الغاشية) لتواتر الروايات بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث سمرة وأنس وابن عباس، وما أعلم أنه روى قراءة قاف واقتربت مسندًا في غير حديث مالك.

وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك به، وتابعه فليح عن ضمرة أخرجه مسلم أيضًا.

( مالك عن نافع مولى عبد الله بن عمر أنه قال: شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة فكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الآخرة خمس تكبيرات قبل القراءة) وهذا لا يكون رأيًا لا توقيفًا يجب التسليم له، وقد جاء ذلك عنه صلى الله عليه وسلم من طرق حسان، وبه قال مالك والشافعي إلا أن مالكًا عدّ في الأولى تكبيرة الإحرام، وقال الشافعي: سواها، والفقهاء على أن الخمس في الثانية غير تكبيرة القيام قاله ابن عبد البر.

( قال مالك: وهو الأمر عندنا) بالمدينة.
وروى أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاصي مرفوعًا: التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الآخرة والقراءة بعدهما كلتيهما قال الترمذي في العلل: سألت عنه محمدًا - يعني البخاري -فقال: صحيح، وفي الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم كبر بعد القراءة، وبه أخذ أبو حنيفة لكن في إسناده كذب، ولذا قال ابن دحية: هو أقبح حديث في جامع الترمذي.

قال بعض العلماء: حكمة هذا العدد أنه لما كان للوترية أثر عظيم في التذكير بالوتر الصمد الواحد الأحد وكان للسبعة منها مدخل عظيم في الشرع جعل تكبير صلاة العيد وترًا وجعل سبعًا في الأولى لذلك وتذكيرًا بأعمال الحج السبعة من الطواف والسعي والجمار تشويقًا إليها، لأن النظر إلى العيد الأكبر أكثر، وتذكيرًا بخالق هذا الوجود بالتفكر في أفعاله المعروفة من خلق السموات السبع والأرضين السبع وما فيها من الأيام السبع لأنه خلقهما في ستة أيام، وخلق آدم في السابع يوم الجمعة، ولما جرت عادة الشارع بالرفق بهذه الأمّة ومنه تخفيف الثانية عن الأولى.
وكانت الخمسة أقرب وترًا إلى السبعة من دونها جعل تكبير الثانية خمسًا لذلك.

وقال ابن زرقون: قال بعض أصحابنا: حكمة زيادة التكبير إحدى عشرة أنها عدد تكبير ركعتين فكأنه استدراك فضيلة أربع ركعات كما استدرك فضيلة أربع ركعات في صلاة الكسوف بالركوع الزائد فيها.

قلت: واستدراك ذلك في الجمعة بالخطبة ولذا جعلت خطبتين مقام ركعتين ولا يقال هلا جعلت الخطبة في العيد لاستدراك ذلك لأن الخطبة ليست بشرط في صحة صلاته كما هي شرط في صلاة الجمعة انتهى.

( قال مالك في رجل وجد الناس قد انصرفوا من الصلاة يوم العيد أنه لا يرى عليه صلاة في المصلى ولا في بيته) لأن صلاة العيد عنده سنة للجماعة الرجال الأحرار فمن فاتته تلك السنة لم يلزمه صلاتها قاله ابن عبد البر ( وأنه إن صلى في المصلى أو في بيته لم أر بذلك بأسًا) أي يجوز خلافًا لجماعة قالوا: لا تصلى إذا فاتت ( ويكبر سبعًا) بالإحرام ( في الأولى قبل القراءة وخمسًا) غير تكبيرة القيام ( في الثانية قبل القراءة) على سنتها جماعة خلافًا لقول الثوري وأحمد إن صلاها وحده صلى أربعًا وسلفهما قول ابن مسعود من فاتته العيد مع الإمام صلى أربعًا رواه سعيد بن منصور.

قال الزين بن المنير: كأنهم قاسوها على الجمعة، لكن الفرق ظاهر لأنّ من فاتته الجمعة يعود لفرضه من الظهر بخلاف العيد، وخيره أبو حنيفة بين الفعل والترك وبين الثنتين والأربع.