فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الِاسْتِمْطَارِ بِالنُّجُومِ

رقم الحديث 459 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ، عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ.
فَلَمَّا انْصَرَفَ، أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ، قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي، وَكَافِرٌ بِي.
فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ.
فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ.
.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي، مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ.


الِاسْتِمْطَارِ بِالنُّجُومِ

( مالك عن صالح بن كيسان) بفتح فسكون المدني ثقة ثبت فقيه تقدّم ( عن عبيد الله) بضم العين ( بن عبد الله) بفتحها ( بن عتبة) بضمها وسكون المثناة ( بن مسعود) أحد الفقهاء ( عن زيد بن خالد الجهني) بضم الجيم وفتح الهاء هكذا يقول صالح لم يختلف عليه فيه وخالفه الزهري فرواه عن شيخهما عبيد الله فقال عن أبي هريرة أخرجه مسلم عقب رواية صالح فصحح الطريقين لأن عبيد الله سمع من زيد وأبي هريرة جميعًا عدّة أحاديث منها حديث العسيف وحديث الأمة إذا زنت، فلعله سمع هذا منهما فحدّث به تارة عن هذا وتارة عن هذا وإنما لم يجمعهما لاختلاف لفظهما، وقد صرح صالح بسماعه له من عبيد الله عند أبي عوانة قاله الحافظ.

( أنه قال صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لأجلنا أو اللام بمعنى الباء أي صلى بنا وفيه جواز إطلاق ذلك مجازًا وإنما الصلاة لله تعالى ( صلاة الصبح بالحديبية) بالمهملة والتصغير مخففة الياء عند المحققين مشدّدة عند أكثر المحدّثين يقال سميت بشجرة حدباء كانت هناك وكان تحتها بيعة الرضوان ( على إثر) بكسر الهمزة وسكون المثلثة على المشهور وهو ما يعقب الشيء أي على عقب ( سماء) أي مطر وأطلق عليها سماء لنزولها من جهة السماء وكل جهة علو يسمى سماء ( كانت) السماء ( من الليل) بالجمع للأكثر وفي رواية من الليلة بالإفراد ( فلما انصرف) من صلاته أو من مكانه ( أقبل على الناس) بوجهه الوجيه ( فقال) لهم ( أتدرون) وللإويسي هل تدرون ( ماذا قال ربكم) بلفظ الاستفهام ومعناه التنبيه وللنسائي من طريق سفيان عن صالح ألم تسمعوا ما قال ربكم الليلة ( قالوا: الله ورسوله أعلم) فيه طرح الإمام المسألة على أصحابه وإن كانت لا تدرك إلا بدقة نظر.
واستنبط منه بعض شيوخنا أن للولي المتمكن من النظر في الإشارات أن يأخذ منها عبارات ينسبها إلى الله تعالى، وكأنه أخذه من استفهام النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة وحمل الاستفهام على الحقيقة لكنهم فهموا خلاف ذلك، ولذا لم يجيبوا إلا بتفويض الأمر إلى الله تعالى ورسوله قاله الحافظ.

( قال: قال) ربكم وهذا من الأحاديث الإلهية، وهي تحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أخذها عن الله تعالى بلا واسطة أو بواسطة ( أصبح من عبادي) إضافة تعميم بدليل تقسيمه لمؤمن وكافر بخلاف قوله { { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } } فإضافة تشريف ( مؤمن بي وكافر بي) كفر إشراك لمقابلته بالإيمان أو كفر نعمة لما في مسلم قال الله: ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين.

( فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب) بالإفراد وفي رواية بالكواكب بالجمع ( وأما من قال مطرنا بنوء) بفتح النون وسكون الواو والهمز أي بكوكب ( كذا وكذا) وفي حديث أبي سعيد عند النسائي مطرنا بنوء المجدح بكسر الميم وفتح الدال ومهملة، ويقال بضم أوّله وهو الدبران بفتح المهملة والموحدة بعدها راء قيل سمي بذلك لاستدباره الثريا وهو نجم أحمر منير.
قال ابن قتيبة: النوء سقوط نجم في المغرب من النجوم الثمانية وعشرين التي هي منازل القمر من ناء إذا سقط، وقال آخرون: النوء طلوع نجم منها من ناء إذا نهض ولا خلف بين القولين في الوقت لأن كل نجم منها إذا طلع في الشرق طلع آخر في المغرب إلى انتهاء الثمانية وعشرين وكل من النجوم المذكورة نوء غير أن بعضها أحمد وأغزر من غيره ونوء الدبر أن لا يحمد عندهم انتهى.
فكأنّ ذلك ورد في الحديث تنبيهًا على مبالغتهم في نسبة المطر إلى النوء ولو لم يكن محمودًا أو اتفق وقوع ذلك المطر في ذلك الوقت إن كانت القصة واحدة، وفي مغازي الواقدي أن القائل ذلك الوقت مطرنا بنوء الشعري عبد الله بن أبي بن سلول.

( فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) يحتمل أن المراد كفر الشرك بقرينة مقابلته بالإيمان، ولأحمد عن معاوية الليثي مرفوعًا يكون الناس مجدبين فينزل الله عليهم رزقًا من رزقه فيصبحون مشركين يقولون مطرنا بنوء كذا، ويحتمل أن المراد كفر النعمة ويرشد إليه قوله في رواية معمر وسفيان عن صالح عند النسائي والإسماعيلي وغيرهما فأما من حمدني على سقياي وأثنى عليّ فذاك آمن بي، وقال في آخره وكفر بي أو كفر نعمتي.

وفي حديث أبي هريرة عند مسلم قال الله ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين.
وله في حديث ابن عباس أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر، وعلى الأوّل حمله كثير من العلماء أعلاهم سيدنا ومولانا الإمام الشافعي رضي الله عنه.
قال في الأمّ: من قال مطرنا بنوء كذا وكذا على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أنه مطر نوء كذا فذلك كفر كما قال صلى الله عليه وسلم لأن النوء وقت والوقت مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئًا، ومن قال مطرنا بنوء كذا على معنى مطرنا في وقت كذا فلا يكون كفرًا وغيره من الكلام أحب إلي منه يعني حسمًا للمادّة وكانوا يظنون في الجاهلية أن نزول الغيث بواسطة النوء إما بصنعه على زعمهم وإما بعلامة فأبطله الشرع وجعله كفرًا وإن اعتقد أن ذلك من قبيل التجربة فليس بكفر لكن تجوّز في إطلاق اسم الكفر عليه وإرادة كفر النعمة لأنه لم يقع في شيء من طرق الحديث بين الكفر والشكر واسطة فيحمل الكفر فيه على المعنيين ليتناول الأمرين ولا يرد الساكت لأن المعتقد قد يشكر بقلبه أو يكفر فعلى هذا فقوله، فأما من قال لما هو أعم من النطق والاعتقاد كما أن الكفر أعم من كفر الشرك وكفر النعمة.

قال ابن العربي: أدخل مالك هذا الحديث في الاستسقاء لوجهين، أحدهما: أن العرب كانت تنتظر السقيا في الأنواء فقطع صلى الله عليه وسلم هذه العلاقة بين القلوب والكواكب.
الثاني: أن الناس أصابهم القحط في زمان عمر فقال للعباس كم بقي من أنواء الثريا فقال العباس: زعموا أنها تعترض في الأفق سبعًا فما مرّت حتى نزل المطر فانظر إلى عمر والعباس وقد ذكرا الثريا ونوءها وتوقعا ذلك في وقتها ثم من انتظر المطر من الأنواء على أنها فاعلة له دون الله فهو كافر، ومن اعتقد أنها فاعلة بما جعل الله فيها فهو كافر لأنه لا يصح الخلق والأمر إلا لله كما قال { { أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ } } ومن انتظرها وتوكف المطر منها على أنها عادة أجراها الله تعالى فلا شيء عليه لأن الله أجرى العوائد في السحاب والرياح والأمطار لمعان تترتب في الخلقة وجاءت على نسق في العادة انتهى.

وذكر نحو تفصيله الباجي وزاد أنه مع كونه لا يكفر في الثالث لا يجوز إطلاق هذا اللفظ بوجه وإن لم يعتقد ما ذكر لورود الشرع بمنعه ولما فيه من إيهام السامع.

وهذا الحديث رواه البخاري وأبو داود عن القعنبي والبخاري أيضًا عن إسماعيل، ومسلم في كتاب الإيمان عن يحيى، والنسائي من طريق ابن القاسم أربعتهم عن مالك به، وتابعه سفيان وسليمان بن بلال كلاهما عن صالح عند البخاري.

( مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال ابن عبد البر: لا أعرف هذا الحديث بوجه في غير الموطأ إلا ما ذكره الشافعي في الأمّ عن محمد بن إبراهيم بن أبي يحيى عن إسحاق بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا نشأت بحرية ثم استحالت شامية فهو أمطر لها.
قال: وابن أبي يحيى وإسحاق ضعيفان لا يحتج بهما ( كان يقول إذا أنشأت) بفتح الهمزة وسكون النون أي ظهرت سحابة ( بحرية) أي من ناحية البحر وهو من ناحية المدينة الغربي، ورواه الشافعي بالنصب كما أفاده أبو عمر أي على الحال ( ثم تشاءمت) أي أخذت نحو الشام والشام من المدينة في ناحية الشمال يعني إذا مالت السحابة من جهة الغرب إلى الشمال دلت على المطر الغزير ولا تميل كذلك إلا الريح النكباء التي بين الغرب والجنوب ( فتلك عين غديقة) بالتنوين فيهما مصغر غدقة قال تعالى: { { مَّاءً غَدَقًا } } أي كثيرًا اهـ كلام أبي عمر.

وقال الباجي: قال مالك: معناه إذا ضربت ريح بحرية فأنشأت سحابًا ثم ضربت ريح من ناحية الشمال فتلك علامة المطر الغزير والعين مطر أيام لا يقلع، وقال سحنون: معناه كما يقول من العين قال وأهل بلدنا يروون غديقة بالتصغير وقرأه لنا أبو عبد الله البصري وضبطه لي بخط يده بفتح الغين، وهكذا حدّثني به الحافظ عبد الغني عن حمزة بن محمد الكتاني قال: وأدخل مالك هذا الحديث إثر الأول إشارة إلى أنه لا بأس أن يقوله القائل على ما جرت به العادة كما لو جرت عادة بلد أن تمطر بالريح الغربية وآخر بالريح الشرقية مع اعتقاد أن الريح لا تأثير لها فيه ولا سبب وإنما الله هو الفاعل لما يشاء.

( مالك أنه بلغه أن أبا هريرة كان يقول إذا أصبح وقد مطر الناس: مطرنا بنوء الفتح) أي فتح ربنا علينا فاستعمل النوء في الفتح الإلهي للإشارة إلى ردّ معتقد الجاهلية من إسناده للكواكب كأنه يقول إذا لم تعدلوا عن لفظ نوء فأضيفوه إلى الفتح ( ثم يتلو هذه الآية { { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ } } ) مطر ورزق { { فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا } } أي لا يستطيع أحد أن يمنعها عنهم { { وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } } فكيف يصح إضافته للأنواء وهي مخلوقة، والحاصل كما قال الباجي إن المؤمن من أضاف المطر إلى فضل الله ورحمته لأنه المنفرد بالقدرة على ذلك بلا سبب ولا تأثير وما يدّعى من تأثير الكواكب قسمان أن يكون الكوكب فاعلاً وأن يكون دليلاً عليه، وإذا حمل حديث زيد بن خالد على الوجهين لاحتماله لهما اقتضى ظاهره تكفير من قال بأحدهما قال تعالى { { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ } } وقال تعالى: { { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ } } وقال تعالى { { قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ } } وقول بعض الجهال ليس من الإخبار عن الغيب لأنه إنما يخبر بأدلة النجوم باطل فلو كان كذلك ما تصور غيب ينفرد به الباري تعالى لأن ما من سر كان ويكون إلا والنجوم تدل عليه وأما إن قال ذلك على معنى أن العادة نزول المطر عند نوء من الأنواء، وأن ذلك النوء لا تأثير له في نزوله وأن المنفرد بإنزاله الله فلا يكفر مع أن هذا اللفظ لا يجوز إطلاقه بوجه وإن لم يعتقد ما ذكرنا لورود الشرع بالمنع منه ولما فيه من إيهام السامع، والله تعالى أعلم.



رقم الحديث 460 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا أَنْشَأَتْ بَحْرِيَّةً ثُمَّ تَشَاءَمَتْ، فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ.


الِاسْتِمْطَارِ بِالنُّجُومِ

( مالك عن صالح بن كيسان) بفتح فسكون المدني ثقة ثبت فقيه تقدّم ( عن عبيد الله) بضم العين ( بن عبد الله) بفتحها ( بن عتبة) بضمها وسكون المثناة ( بن مسعود) أحد الفقهاء ( عن زيد بن خالد الجهني) بضم الجيم وفتح الهاء هكذا يقول صالح لم يختلف عليه فيه وخالفه الزهري فرواه عن شيخهما عبيد الله فقال عن أبي هريرة أخرجه مسلم عقب رواية صالح فصحح الطريقين لأن عبيد الله سمع من زيد وأبي هريرة جميعًا عدّة أحاديث منها حديث العسيف وحديث الأمة إذا زنت، فلعله سمع هذا منهما فحدّث به تارة عن هذا وتارة عن هذا وإنما لم يجمعهما لاختلاف لفظهما، وقد صرح صالح بسماعه له من عبيد الله عند أبي عوانة قاله الحافظ.

( أنه قال صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لأجلنا أو اللام بمعنى الباء أي صلى بنا وفيه جواز إطلاق ذلك مجازًا وإنما الصلاة لله تعالى ( صلاة الصبح بالحديبية) بالمهملة والتصغير مخففة الياء عند المحققين مشدّدة عند أكثر المحدّثين يقال سميت بشجرة حدباء كانت هناك وكان تحتها بيعة الرضوان ( على إثر) بكسر الهمزة وسكون المثلثة على المشهور وهو ما يعقب الشيء أي على عقب ( سماء) أي مطر وأطلق عليها سماء لنزولها من جهة السماء وكل جهة علو يسمى سماء ( كانت) السماء ( من الليل) بالجمع للأكثر وفي رواية من الليلة بالإفراد ( فلما انصرف) من صلاته أو من مكانه ( أقبل على الناس) بوجهه الوجيه ( فقال) لهم ( أتدرون) وللإويسي هل تدرون ( ماذا قال ربكم) بلفظ الاستفهام ومعناه التنبيه وللنسائي من طريق سفيان عن صالح ألم تسمعوا ما قال ربكم الليلة ( قالوا: الله ورسوله أعلم) فيه طرح الإمام المسألة على أصحابه وإن كانت لا تدرك إلا بدقة نظر.
واستنبط منه بعض شيوخنا أن للولي المتمكن من النظر في الإشارات أن يأخذ منها عبارات ينسبها إلى الله تعالى، وكأنه أخذه من استفهام النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة وحمل الاستفهام على الحقيقة لكنهم فهموا خلاف ذلك، ولذا لم يجيبوا إلا بتفويض الأمر إلى الله تعالى ورسوله قاله الحافظ.

( قال: قال) ربكم وهذا من الأحاديث الإلهية، وهي تحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أخذها عن الله تعالى بلا واسطة أو بواسطة ( أصبح من عبادي) إضافة تعميم بدليل تقسيمه لمؤمن وكافر بخلاف قوله { { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } } فإضافة تشريف ( مؤمن بي وكافر بي) كفر إشراك لمقابلته بالإيمان أو كفر نعمة لما في مسلم قال الله: ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين.

( فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب) بالإفراد وفي رواية بالكواكب بالجمع ( وأما من قال مطرنا بنوء) بفتح النون وسكون الواو والهمز أي بكوكب ( كذا وكذا) وفي حديث أبي سعيد عند النسائي مطرنا بنوء المجدح بكسر الميم وفتح الدال ومهملة، ويقال بضم أوّله وهو الدبران بفتح المهملة والموحدة بعدها راء قيل سمي بذلك لاستدباره الثريا وهو نجم أحمر منير.
قال ابن قتيبة: النوء سقوط نجم في المغرب من النجوم الثمانية وعشرين التي هي منازل القمر من ناء إذا سقط، وقال آخرون: النوء طلوع نجم منها من ناء إذا نهض ولا خلف بين القولين في الوقت لأن كل نجم منها إذا طلع في الشرق طلع آخر في المغرب إلى انتهاء الثمانية وعشرين وكل من النجوم المذكورة نوء غير أن بعضها أحمد وأغزر من غيره ونوء الدبر أن لا يحمد عندهم انتهى.
فكأنّ ذلك ورد في الحديث تنبيهًا على مبالغتهم في نسبة المطر إلى النوء ولو لم يكن محمودًا أو اتفق وقوع ذلك المطر في ذلك الوقت إن كانت القصة واحدة، وفي مغازي الواقدي أن القائل ذلك الوقت مطرنا بنوء الشعري عبد الله بن أبي بن سلول.

( فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) يحتمل أن المراد كفر الشرك بقرينة مقابلته بالإيمان، ولأحمد عن معاوية الليثي مرفوعًا يكون الناس مجدبين فينزل الله عليهم رزقًا من رزقه فيصبحون مشركين يقولون مطرنا بنوء كذا، ويحتمل أن المراد كفر النعمة ويرشد إليه قوله في رواية معمر وسفيان عن صالح عند النسائي والإسماعيلي وغيرهما فأما من حمدني على سقياي وأثنى عليّ فذاك آمن بي، وقال في آخره وكفر بي أو كفر نعمتي.

وفي حديث أبي هريرة عند مسلم قال الله ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين.
وله في حديث ابن عباس أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر، وعلى الأوّل حمله كثير من العلماء أعلاهم سيدنا ومولانا الإمام الشافعي رضي الله عنه.
قال في الأمّ: من قال مطرنا بنوء كذا وكذا على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أنه مطر نوء كذا فذلك كفر كما قال صلى الله عليه وسلم لأن النوء وقت والوقت مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئًا، ومن قال مطرنا بنوء كذا على معنى مطرنا في وقت كذا فلا يكون كفرًا وغيره من الكلام أحب إلي منه يعني حسمًا للمادّة وكانوا يظنون في الجاهلية أن نزول الغيث بواسطة النوء إما بصنعه على زعمهم وإما بعلامة فأبطله الشرع وجعله كفرًا وإن اعتقد أن ذلك من قبيل التجربة فليس بكفر لكن تجوّز في إطلاق اسم الكفر عليه وإرادة كفر النعمة لأنه لم يقع في شيء من طرق الحديث بين الكفر والشكر واسطة فيحمل الكفر فيه على المعنيين ليتناول الأمرين ولا يرد الساكت لأن المعتقد قد يشكر بقلبه أو يكفر فعلى هذا فقوله، فأما من قال لما هو أعم من النطق والاعتقاد كما أن الكفر أعم من كفر الشرك وكفر النعمة.

قال ابن العربي: أدخل مالك هذا الحديث في الاستسقاء لوجهين، أحدهما: أن العرب كانت تنتظر السقيا في الأنواء فقطع صلى الله عليه وسلم هذه العلاقة بين القلوب والكواكب.
الثاني: أن الناس أصابهم القحط في زمان عمر فقال للعباس كم بقي من أنواء الثريا فقال العباس: زعموا أنها تعترض في الأفق سبعًا فما مرّت حتى نزل المطر فانظر إلى عمر والعباس وقد ذكرا الثريا ونوءها وتوقعا ذلك في وقتها ثم من انتظر المطر من الأنواء على أنها فاعلة له دون الله فهو كافر، ومن اعتقد أنها فاعلة بما جعل الله فيها فهو كافر لأنه لا يصح الخلق والأمر إلا لله كما قال { { أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ } } ومن انتظرها وتوكف المطر منها على أنها عادة أجراها الله تعالى فلا شيء عليه لأن الله أجرى العوائد في السحاب والرياح والأمطار لمعان تترتب في الخلقة وجاءت على نسق في العادة انتهى.

وذكر نحو تفصيله الباجي وزاد أنه مع كونه لا يكفر في الثالث لا يجوز إطلاق هذا اللفظ بوجه وإن لم يعتقد ما ذكر لورود الشرع بمنعه ولما فيه من إيهام السامع.

وهذا الحديث رواه البخاري وأبو داود عن القعنبي والبخاري أيضًا عن إسماعيل، ومسلم في كتاب الإيمان عن يحيى، والنسائي من طريق ابن القاسم أربعتهم عن مالك به، وتابعه سفيان وسليمان بن بلال كلاهما عن صالح عند البخاري.

( مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال ابن عبد البر: لا أعرف هذا الحديث بوجه في غير الموطأ إلا ما ذكره الشافعي في الأمّ عن محمد بن إبراهيم بن أبي يحيى عن إسحاق بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا نشأت بحرية ثم استحالت شامية فهو أمطر لها.
قال: وابن أبي يحيى وإسحاق ضعيفان لا يحتج بهما ( كان يقول إذا أنشأت) بفتح الهمزة وسكون النون أي ظهرت سحابة ( بحرية) أي من ناحية البحر وهو من ناحية المدينة الغربي، ورواه الشافعي بالنصب كما أفاده أبو عمر أي على الحال ( ثم تشاءمت) أي أخذت نحو الشام والشام من المدينة في ناحية الشمال يعني إذا مالت السحابة من جهة الغرب إلى الشمال دلت على المطر الغزير ولا تميل كذلك إلا الريح النكباء التي بين الغرب والجنوب ( فتلك عين غديقة) بالتنوين فيهما مصغر غدقة قال تعالى: { { مَّاءً غَدَقًا } } أي كثيرًا اهـ كلام أبي عمر.

وقال الباجي: قال مالك: معناه إذا ضربت ريح بحرية فأنشأت سحابًا ثم ضربت ريح من ناحية الشمال فتلك علامة المطر الغزير والعين مطر أيام لا يقلع، وقال سحنون: معناه كما يقول من العين قال وأهل بلدنا يروون غديقة بالتصغير وقرأه لنا أبو عبد الله البصري وضبطه لي بخط يده بفتح الغين، وهكذا حدّثني به الحافظ عبد الغني عن حمزة بن محمد الكتاني قال: وأدخل مالك هذا الحديث إثر الأول إشارة إلى أنه لا بأس أن يقوله القائل على ما جرت به العادة كما لو جرت عادة بلد أن تمطر بالريح الغربية وآخر بالريح الشرقية مع اعتقاد أن الريح لا تأثير لها فيه ولا سبب وإنما الله هو الفاعل لما يشاء.

( مالك أنه بلغه أن أبا هريرة كان يقول إذا أصبح وقد مطر الناس: مطرنا بنوء الفتح) أي فتح ربنا علينا فاستعمل النوء في الفتح الإلهي للإشارة إلى ردّ معتقد الجاهلية من إسناده للكواكب كأنه يقول إذا لم تعدلوا عن لفظ نوء فأضيفوه إلى الفتح ( ثم يتلو هذه الآية { { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ } } ) مطر ورزق { { فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا } } أي لا يستطيع أحد أن يمنعها عنهم { { وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } } فكيف يصح إضافته للأنواء وهي مخلوقة، والحاصل كما قال الباجي إن المؤمن من أضاف المطر إلى فضل الله ورحمته لأنه المنفرد بالقدرة على ذلك بلا سبب ولا تأثير وما يدّعى من تأثير الكواكب قسمان أن يكون الكوكب فاعلاً وأن يكون دليلاً عليه، وإذا حمل حديث زيد بن خالد على الوجهين لاحتماله لهما اقتضى ظاهره تكفير من قال بأحدهما قال تعالى { { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ } } وقال تعالى: { { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ } } وقال تعالى { { قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ } } وقول بعض الجهال ليس من الإخبار عن الغيب لأنه إنما يخبر بأدلة النجوم باطل فلو كان كذلك ما تصور غيب ينفرد به الباري تعالى لأن ما من سر كان ويكون إلا والنجوم تدل عليه وأما إن قال ذلك على معنى أن العادة نزول المطر عند نوء من الأنواء، وأن ذلك النوء لا تأثير له في نزوله وأن المنفرد بإنزاله الله فلا يكفر مع أن هذا اللفظ لا يجوز إطلاقه بوجه وإن لم يعتقد ما ذكرنا لورود الشرع بالمنع منه ولما فيه من إيهام السامع، والله تعالى أعلم.



رقم الحديث 461 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا أَصْبَحَ وَقَدْ مُطِرَ النَّاسُ، مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْفَتْحِ ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ { { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ } }

الِاسْتِمْطَارِ بِالنُّجُومِ

( مالك عن صالح بن كيسان) بفتح فسكون المدني ثقة ثبت فقيه تقدّم ( عن عبيد الله) بضم العين ( بن عبد الله) بفتحها ( بن عتبة) بضمها وسكون المثناة ( بن مسعود) أحد الفقهاء ( عن زيد بن خالد الجهني) بضم الجيم وفتح الهاء هكذا يقول صالح لم يختلف عليه فيه وخالفه الزهري فرواه عن شيخهما عبيد الله فقال عن أبي هريرة أخرجه مسلم عقب رواية صالح فصحح الطريقين لأن عبيد الله سمع من زيد وأبي هريرة جميعًا عدّة أحاديث منها حديث العسيف وحديث الأمة إذا زنت، فلعله سمع هذا منهما فحدّث به تارة عن هذا وتارة عن هذا وإنما لم يجمعهما لاختلاف لفظهما، وقد صرح صالح بسماعه له من عبيد الله عند أبي عوانة قاله الحافظ.

( أنه قال صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لأجلنا أو اللام بمعنى الباء أي صلى بنا وفيه جواز إطلاق ذلك مجازًا وإنما الصلاة لله تعالى ( صلاة الصبح بالحديبية) بالمهملة والتصغير مخففة الياء عند المحققين مشدّدة عند أكثر المحدّثين يقال سميت بشجرة حدباء كانت هناك وكان تحتها بيعة الرضوان ( على إثر) بكسر الهمزة وسكون المثلثة على المشهور وهو ما يعقب الشيء أي على عقب ( سماء) أي مطر وأطلق عليها سماء لنزولها من جهة السماء وكل جهة علو يسمى سماء ( كانت) السماء ( من الليل) بالجمع للأكثر وفي رواية من الليلة بالإفراد ( فلما انصرف) من صلاته أو من مكانه ( أقبل على الناس) بوجهه الوجيه ( فقال) لهم ( أتدرون) وللإويسي هل تدرون ( ماذا قال ربكم) بلفظ الاستفهام ومعناه التنبيه وللنسائي من طريق سفيان عن صالح ألم تسمعوا ما قال ربكم الليلة ( قالوا: الله ورسوله أعلم) فيه طرح الإمام المسألة على أصحابه وإن كانت لا تدرك إلا بدقة نظر.
واستنبط منه بعض شيوخنا أن للولي المتمكن من النظر في الإشارات أن يأخذ منها عبارات ينسبها إلى الله تعالى، وكأنه أخذه من استفهام النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة وحمل الاستفهام على الحقيقة لكنهم فهموا خلاف ذلك، ولذا لم يجيبوا إلا بتفويض الأمر إلى الله تعالى ورسوله قاله الحافظ.

( قال: قال) ربكم وهذا من الأحاديث الإلهية، وهي تحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أخذها عن الله تعالى بلا واسطة أو بواسطة ( أصبح من عبادي) إضافة تعميم بدليل تقسيمه لمؤمن وكافر بخلاف قوله { { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } } فإضافة تشريف ( مؤمن بي وكافر بي) كفر إشراك لمقابلته بالإيمان أو كفر نعمة لما في مسلم قال الله: ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين.

( فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب) بالإفراد وفي رواية بالكواكب بالجمع ( وأما من قال مطرنا بنوء) بفتح النون وسكون الواو والهمز أي بكوكب ( كذا وكذا) وفي حديث أبي سعيد عند النسائي مطرنا بنوء المجدح بكسر الميم وفتح الدال ومهملة، ويقال بضم أوّله وهو الدبران بفتح المهملة والموحدة بعدها راء قيل سمي بذلك لاستدباره الثريا وهو نجم أحمر منير.
قال ابن قتيبة: النوء سقوط نجم في المغرب من النجوم الثمانية وعشرين التي هي منازل القمر من ناء إذا سقط، وقال آخرون: النوء طلوع نجم منها من ناء إذا نهض ولا خلف بين القولين في الوقت لأن كل نجم منها إذا طلع في الشرق طلع آخر في المغرب إلى انتهاء الثمانية وعشرين وكل من النجوم المذكورة نوء غير أن بعضها أحمد وأغزر من غيره ونوء الدبر أن لا يحمد عندهم انتهى.
فكأنّ ذلك ورد في الحديث تنبيهًا على مبالغتهم في نسبة المطر إلى النوء ولو لم يكن محمودًا أو اتفق وقوع ذلك المطر في ذلك الوقت إن كانت القصة واحدة، وفي مغازي الواقدي أن القائل ذلك الوقت مطرنا بنوء الشعري عبد الله بن أبي بن سلول.

( فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) يحتمل أن المراد كفر الشرك بقرينة مقابلته بالإيمان، ولأحمد عن معاوية الليثي مرفوعًا يكون الناس مجدبين فينزل الله عليهم رزقًا من رزقه فيصبحون مشركين يقولون مطرنا بنوء كذا، ويحتمل أن المراد كفر النعمة ويرشد إليه قوله في رواية معمر وسفيان عن صالح عند النسائي والإسماعيلي وغيرهما فأما من حمدني على سقياي وأثنى عليّ فذاك آمن بي، وقال في آخره وكفر بي أو كفر نعمتي.

وفي حديث أبي هريرة عند مسلم قال الله ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين.
وله في حديث ابن عباس أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر، وعلى الأوّل حمله كثير من العلماء أعلاهم سيدنا ومولانا الإمام الشافعي رضي الله عنه.
قال في الأمّ: من قال مطرنا بنوء كذا وكذا على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أنه مطر نوء كذا فذلك كفر كما قال صلى الله عليه وسلم لأن النوء وقت والوقت مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئًا، ومن قال مطرنا بنوء كذا على معنى مطرنا في وقت كذا فلا يكون كفرًا وغيره من الكلام أحب إلي منه يعني حسمًا للمادّة وكانوا يظنون في الجاهلية أن نزول الغيث بواسطة النوء إما بصنعه على زعمهم وإما بعلامة فأبطله الشرع وجعله كفرًا وإن اعتقد أن ذلك من قبيل التجربة فليس بكفر لكن تجوّز في إطلاق اسم الكفر عليه وإرادة كفر النعمة لأنه لم يقع في شيء من طرق الحديث بين الكفر والشكر واسطة فيحمل الكفر فيه على المعنيين ليتناول الأمرين ولا يرد الساكت لأن المعتقد قد يشكر بقلبه أو يكفر فعلى هذا فقوله، فأما من قال لما هو أعم من النطق والاعتقاد كما أن الكفر أعم من كفر الشرك وكفر النعمة.

قال ابن العربي: أدخل مالك هذا الحديث في الاستسقاء لوجهين، أحدهما: أن العرب كانت تنتظر السقيا في الأنواء فقطع صلى الله عليه وسلم هذه العلاقة بين القلوب والكواكب.
الثاني: أن الناس أصابهم القحط في زمان عمر فقال للعباس كم بقي من أنواء الثريا فقال العباس: زعموا أنها تعترض في الأفق سبعًا فما مرّت حتى نزل المطر فانظر إلى عمر والعباس وقد ذكرا الثريا ونوءها وتوقعا ذلك في وقتها ثم من انتظر المطر من الأنواء على أنها فاعلة له دون الله فهو كافر، ومن اعتقد أنها فاعلة بما جعل الله فيها فهو كافر لأنه لا يصح الخلق والأمر إلا لله كما قال { { أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ } } ومن انتظرها وتوكف المطر منها على أنها عادة أجراها الله تعالى فلا شيء عليه لأن الله أجرى العوائد في السحاب والرياح والأمطار لمعان تترتب في الخلقة وجاءت على نسق في العادة انتهى.

وذكر نحو تفصيله الباجي وزاد أنه مع كونه لا يكفر في الثالث لا يجوز إطلاق هذا اللفظ بوجه وإن لم يعتقد ما ذكر لورود الشرع بمنعه ولما فيه من إيهام السامع.

وهذا الحديث رواه البخاري وأبو داود عن القعنبي والبخاري أيضًا عن إسماعيل، ومسلم في كتاب الإيمان عن يحيى، والنسائي من طريق ابن القاسم أربعتهم عن مالك به، وتابعه سفيان وسليمان بن بلال كلاهما عن صالح عند البخاري.

( مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال ابن عبد البر: لا أعرف هذا الحديث بوجه في غير الموطأ إلا ما ذكره الشافعي في الأمّ عن محمد بن إبراهيم بن أبي يحيى عن إسحاق بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا نشأت بحرية ثم استحالت شامية فهو أمطر لها.
قال: وابن أبي يحيى وإسحاق ضعيفان لا يحتج بهما ( كان يقول إذا أنشأت) بفتح الهمزة وسكون النون أي ظهرت سحابة ( بحرية) أي من ناحية البحر وهو من ناحية المدينة الغربي، ورواه الشافعي بالنصب كما أفاده أبو عمر أي على الحال ( ثم تشاءمت) أي أخذت نحو الشام والشام من المدينة في ناحية الشمال يعني إذا مالت السحابة من جهة الغرب إلى الشمال دلت على المطر الغزير ولا تميل كذلك إلا الريح النكباء التي بين الغرب والجنوب ( فتلك عين غديقة) بالتنوين فيهما مصغر غدقة قال تعالى: { { مَّاءً غَدَقًا } } أي كثيرًا اهـ كلام أبي عمر.

وقال الباجي: قال مالك: معناه إذا ضربت ريح بحرية فأنشأت سحابًا ثم ضربت ريح من ناحية الشمال فتلك علامة المطر الغزير والعين مطر أيام لا يقلع، وقال سحنون: معناه كما يقول من العين قال وأهل بلدنا يروون غديقة بالتصغير وقرأه لنا أبو عبد الله البصري وضبطه لي بخط يده بفتح الغين، وهكذا حدّثني به الحافظ عبد الغني عن حمزة بن محمد الكتاني قال: وأدخل مالك هذا الحديث إثر الأول إشارة إلى أنه لا بأس أن يقوله القائل على ما جرت به العادة كما لو جرت عادة بلد أن تمطر بالريح الغربية وآخر بالريح الشرقية مع اعتقاد أن الريح لا تأثير لها فيه ولا سبب وإنما الله هو الفاعل لما يشاء.

( مالك أنه بلغه أن أبا هريرة كان يقول إذا أصبح وقد مطر الناس: مطرنا بنوء الفتح) أي فتح ربنا علينا فاستعمل النوء في الفتح الإلهي للإشارة إلى ردّ معتقد الجاهلية من إسناده للكواكب كأنه يقول إذا لم تعدلوا عن لفظ نوء فأضيفوه إلى الفتح ( ثم يتلو هذه الآية { { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ } } ) مطر ورزق { { فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا } } أي لا يستطيع أحد أن يمنعها عنهم { { وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } } فكيف يصح إضافته للأنواء وهي مخلوقة، والحاصل كما قال الباجي إن المؤمن من أضاف المطر إلى فضل الله ورحمته لأنه المنفرد بالقدرة على ذلك بلا سبب ولا تأثير وما يدّعى من تأثير الكواكب قسمان أن يكون الكوكب فاعلاً وأن يكون دليلاً عليه، وإذا حمل حديث زيد بن خالد على الوجهين لاحتماله لهما اقتضى ظاهره تكفير من قال بأحدهما قال تعالى { { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ } } وقال تعالى: { { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ } } وقال تعالى { { قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ } } وقول بعض الجهال ليس من الإخبار عن الغيب لأنه إنما يخبر بأدلة النجوم باطل فلو كان كذلك ما تصور غيب ينفرد به الباري تعالى لأن ما من سر كان ويكون إلا والنجوم تدل عليه وأما إن قال ذلك على معنى أن العادة نزول المطر عند نوء من الأنواء، وأن ذلك النوء لا تأثير له في نزوله وأن المنفرد بإنزاله الله فلا يكفر مع أن هذا اللفظ لا يجوز إطلاقه بوجه وإن لم يعتقد ما ذكرنا لورود الشرع بالمنع منه ولما فيه من إيهام السامع، والله تعالى أعلم.