فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْبُصَاقِ فِي الْقِبْلَةِ

رقم الحديث 465 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ، فَحَكَّهُ.
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى.


( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقًا) بضم الموحدة ( في جدار القبلة) وفي رواية أيوب عن نافع عند البخاري في قبلة المسجد ( فحكه) بيده وفي رواية أيوب ثم نزل فحكه بيده وفيه إشعار بأنه رآه حال الخطبة وبه صرح في رواية الإسماعيلي وزاد وأحسبه دعا بزعفران فلطخه به زاد عبد الرزاق عن معمر عن أيوب فلذلك منع الزعفران في المساجد ( ثم أقبل على الناس) بوجهه الكريم ( فقال: إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق) بالجزم على النهي ( قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي قدام ( وجهه) قال الباجي: خص بذلك حال الصلاة لفضيلة تلك الحال ولأنه حينئذٍ يكون مستقبل القبلة ( فإن الله تبارك وتعالى قبل وجهه إذا صلى) .

قال الخطابي: معناه أن توجهه إلى القبلة مفض له بالقصد منه إلى ربه فصار بالتقدير كان مقصوده بينه وبين قبلته وقيل هو على حذف مضاف أي عظمة الله أو ثواب الله.
وقال ابن عبد البر: هو كلام خرج على التعظيم لشأن القبلة، وقد نزع به بعض المعتزلة القائلين بأن الله في كل مكان وهو جهل واضح لأن في الحديث أنه يبزق تحت قدمه وفيه نقض ما أصلوه، وفيه ردّ على من زعم أنه على العرش بذاته ومهما تأوّل به جاز أن يتأوّل به ذاك وهذا التعليل يدل على حرمة البزاق في القبلة سواء كان في المسجد أم لا، ولا سيما من المصلي فلا يجري فيه الخلاف في أن كراهة البزاق في المسجد هل هي للتنزيه أو للتحريم؟.

وفي صحيحي ابن خزيمة وابن حبان عن حذيفة مرفوعًا: من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين عينيه ولابن خزيمة عن ابن عمر مرفوعًا: يبعث صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه ولأبي داود وابن حبان عن السائب بن خلاد أن رجلاً أمّ قومًا فبصق في القبلة، فلما فرغ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصلي لكم الحديث، وفيه أنه قال له: إنك آذيت الله ورسوله.

والحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى التميمي عن مالك به.

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى) أبصر ( في جدار القبلة بصاقًا أو مخاطًا) ما يسيل من الأنف ( أو نخامة) بضم النون قيل: هي ما يخرج من الصدر وقيل من الرأس والنخاعة - بالعين من الصدر كذا هو في الموطأ بالشك وللإسماعيلي من طريق معن عن مالك أو نخاعًا بدل مخاطًا وهو أشبه ( فحكه) بيده سواء كان بآلة أم لا على ما فهم البخاري، ونازعه الإسماعيلي فقال: أي تولى ذلك بنفسه لا أنه باشر النخامة ونحوها لحديث أبي داود عن جابر أنه حكها بعرجون.
وأجيب: بأن البخاري مشى على ما يحتمله اللفظ مع أنه لا مانع من تعدّد القصة.

وفي الحديث والذي قبله تنزيه المساجد من كل ما يستقذر وإن كان طاهرًا إذ لو كان نجسًا لأمر بغسله وأباح صلى الله عليه وسلم للمصلي أن يبصق ويتنخم في ثوبه وعن يساره وقال: إن أحدكم إذا قام إلى الصلاة فإنما يناجي ربه وإن ربه بينه وبين قبلته فليبصق إذا بصق عن يساره أو تحت قدمه، وقال صلى الله عليه وسلم: البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها رواهما الشيخان قال عياض: إنما يكون خطيئة إذا لم يدفنه وأما من أراد دفنه فلا.
ورده النووي بأنه خلاف صريح الحديث.

قال الحافظ: وهما عمومان تعارضا: البزاق في المسجد خطيئة وقوله وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فالنووي يجعل الأول عامًا ويخص الثاني بما إذا لم يكن في المسجد، وعياض يجعل الثاني عامًا ويخص الأول بما إذا لم يرد دفنها، وقد وافقه جماعة منهم مكي والقرطبي وغيرهما، ويشهد لهم ما لأحمد بإسناد حسن عن سعد بن أبي وقاص مرفوعًا: من تنخم في المسجد فليغيب نخامته أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه وأوضح منه في المقصود ما لأحمد أيضًا، والطبراني بإسناد حسن عن أبي أمامة مرفوعًا: من تنخع في المسجد فلم يدفنه فسيئة وإن دفنه فحسنة فلم يجعله سيئة إلا بقيد عدم الدفن ونحوه حديث أبي ذر في مسلم مرفوعًا قال فيه: ووجدت في مساوئ أمتي النخاعة تكون في المسجد لا تدفن.
قال القرطبي فلم يثبت لها حكم السيئة بمجرّد إيقاعها في المسجد بل به وبتركها غير مدفونة انتهى.

وروى سعيد بن منصور عن أبي عبيدة بن الجراح أنه تنخم في المسجد ليلة فنسي أن يدفنها حتى رجع إلى منزله فأخذ شعلة من نار ثم جاء فطلبها حتى دفنها، ثم قال: الحمد لله الذي لم يكتب علي خطيئة الليلة فدل على اختصاص الخطيئة بمن تركها إلا بمن دفنها وعلة النهي ترشد لذلك وهي تأذي المؤمن بها، ومما يدل على أنّ عمومه مخصوص جواز ذلك في الثوب ولو كان في المسجد بلا خلاف، ولأبي داود عن عبد الله بن الشخير أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فبصق تحت قدمه اليسرى ثم دلكه بنعله إسناده صحيح وأصله في مسلم، والظاهر أنه كان في المسجد فيؤيد ما تقدّم وتوسط بعضهم فحمل الجواز على من له عذر كأن لم يتمكن من الخروج من المسجد والمنع على من لم يكن له عذر وهو تفصيل حسن، ثم المراد دفنها في تراب المسجد ورمله وحصبائه قاله الجمهور، وقول الروياني المراد إخراجها من المسجد أصلاً مبني على المنع مطلقًا كما يقوله النووي وقد عرف ما فيه اهـ.

وحديث الباب رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف وعن إسماعيل ومسلم عن قتيبة بن سعيد الثلاثة عن مالك به.



رقم الحديث 466 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ بُصَاقًا أَوْ مُخَاطًا أَوْ نُخَامَةً فَحَكَّهُ.


( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقًا) بضم الموحدة ( في جدار القبلة) وفي رواية أيوب عن نافع عند البخاري في قبلة المسجد ( فحكه) بيده وفي رواية أيوب ثم نزل فحكه بيده وفيه إشعار بأنه رآه حال الخطبة وبه صرح في رواية الإسماعيلي وزاد وأحسبه دعا بزعفران فلطخه به زاد عبد الرزاق عن معمر عن أيوب فلذلك منع الزعفران في المساجد ( ثم أقبل على الناس) بوجهه الكريم ( فقال: إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق) بالجزم على النهي ( قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي قدام ( وجهه) قال الباجي: خص بذلك حال الصلاة لفضيلة تلك الحال ولأنه حينئذٍ يكون مستقبل القبلة ( فإن الله تبارك وتعالى قبل وجهه إذا صلى) .

قال الخطابي: معناه أن توجهه إلى القبلة مفض له بالقصد منه إلى ربه فصار بالتقدير كان مقصوده بينه وبين قبلته وقيل هو على حذف مضاف أي عظمة الله أو ثواب الله.
وقال ابن عبد البر: هو كلام خرج على التعظيم لشأن القبلة، وقد نزع به بعض المعتزلة القائلين بأن الله في كل مكان وهو جهل واضح لأن في الحديث أنه يبزق تحت قدمه وفيه نقض ما أصلوه، وفيه ردّ على من زعم أنه على العرش بذاته ومهما تأوّل به جاز أن يتأوّل به ذاك وهذا التعليل يدل على حرمة البزاق في القبلة سواء كان في المسجد أم لا، ولا سيما من المصلي فلا يجري فيه الخلاف في أن كراهة البزاق في المسجد هل هي للتنزيه أو للتحريم؟.

وفي صحيحي ابن خزيمة وابن حبان عن حذيفة مرفوعًا: من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين عينيه ولابن خزيمة عن ابن عمر مرفوعًا: يبعث صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه ولأبي داود وابن حبان عن السائب بن خلاد أن رجلاً أمّ قومًا فبصق في القبلة، فلما فرغ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصلي لكم الحديث، وفيه أنه قال له: إنك آذيت الله ورسوله.

والحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى التميمي عن مالك به.

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى) أبصر ( في جدار القبلة بصاقًا أو مخاطًا) ما يسيل من الأنف ( أو نخامة) بضم النون قيل: هي ما يخرج من الصدر وقيل من الرأس والنخاعة - بالعين من الصدر كذا هو في الموطأ بالشك وللإسماعيلي من طريق معن عن مالك أو نخاعًا بدل مخاطًا وهو أشبه ( فحكه) بيده سواء كان بآلة أم لا على ما فهم البخاري، ونازعه الإسماعيلي فقال: أي تولى ذلك بنفسه لا أنه باشر النخامة ونحوها لحديث أبي داود عن جابر أنه حكها بعرجون.
وأجيب: بأن البخاري مشى على ما يحتمله اللفظ مع أنه لا مانع من تعدّد القصة.

وفي الحديث والذي قبله تنزيه المساجد من كل ما يستقذر وإن كان طاهرًا إذ لو كان نجسًا لأمر بغسله وأباح صلى الله عليه وسلم للمصلي أن يبصق ويتنخم في ثوبه وعن يساره وقال: إن أحدكم إذا قام إلى الصلاة فإنما يناجي ربه وإن ربه بينه وبين قبلته فليبصق إذا بصق عن يساره أو تحت قدمه، وقال صلى الله عليه وسلم: البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها رواهما الشيخان قال عياض: إنما يكون خطيئة إذا لم يدفنه وأما من أراد دفنه فلا.
ورده النووي بأنه خلاف صريح الحديث.

قال الحافظ: وهما عمومان تعارضا: البزاق في المسجد خطيئة وقوله وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فالنووي يجعل الأول عامًا ويخص الثاني بما إذا لم يكن في المسجد، وعياض يجعل الثاني عامًا ويخص الأول بما إذا لم يرد دفنها، وقد وافقه جماعة منهم مكي والقرطبي وغيرهما، ويشهد لهم ما لأحمد بإسناد حسن عن سعد بن أبي وقاص مرفوعًا: من تنخم في المسجد فليغيب نخامته أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه وأوضح منه في المقصود ما لأحمد أيضًا، والطبراني بإسناد حسن عن أبي أمامة مرفوعًا: من تنخع في المسجد فلم يدفنه فسيئة وإن دفنه فحسنة فلم يجعله سيئة إلا بقيد عدم الدفن ونحوه حديث أبي ذر في مسلم مرفوعًا قال فيه: ووجدت في مساوئ أمتي النخاعة تكون في المسجد لا تدفن.
قال القرطبي فلم يثبت لها حكم السيئة بمجرّد إيقاعها في المسجد بل به وبتركها غير مدفونة انتهى.

وروى سعيد بن منصور عن أبي عبيدة بن الجراح أنه تنخم في المسجد ليلة فنسي أن يدفنها حتى رجع إلى منزله فأخذ شعلة من نار ثم جاء فطلبها حتى دفنها، ثم قال: الحمد لله الذي لم يكتب علي خطيئة الليلة فدل على اختصاص الخطيئة بمن تركها إلا بمن دفنها وعلة النهي ترشد لذلك وهي تأذي المؤمن بها، ومما يدل على أنّ عمومه مخصوص جواز ذلك في الثوب ولو كان في المسجد بلا خلاف، ولأبي داود عن عبد الله بن الشخير أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فبصق تحت قدمه اليسرى ثم دلكه بنعله إسناده صحيح وأصله في مسلم، والظاهر أنه كان في المسجد فيؤيد ما تقدّم وتوسط بعضهم فحمل الجواز على من له عذر كأن لم يتمكن من الخروج من المسجد والمنع على من لم يكن له عذر وهو تفصيل حسن، ثم المراد دفنها في تراب المسجد ورمله وحصبائه قاله الجمهور، وقول الروياني المراد إخراجها من المسجد أصلاً مبني على المنع مطلقًا كما يقوله النووي وقد عرف ما فيه اهـ.

وحديث الباب رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف وعن إسماعيل ومسلم عن قتيبة بن سعيد الثلاثة عن مالك به.



رقم الحديث 466 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ.


( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وبلاغه صحيح أخرجه مسلم من رواية الزهري عن سالم ( عَنْ) أبيه بنحوه وبلفظه من رواية نافع ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ) بكسر الهمزة والمدّ جمع أمة ذكر الإماء دون النساء إيماء إلى علة نهي المنع عن خروجهن للعبادة يعرف ذلك بالذوق ( مَسَاجِدَ اللَّهِ) عام خصه الفقهاء بأن لا تطيب لزيادة أبي هريرة عند أبي داود وابن خزيمة وزيد بن خالد عند ابن حبان في آخر هذا الحديث: وليخرجن تفلات، بفتح الفوقية وكسر الفاء، أي غير متطيبات، وللحديث بعده فلا تمس طيبًا، وسبب منع الطيب ما فيه من تحريك داعية الشهوة فيلحق به ما في معناه كحلي يظهر أثره، وحسن ملبس وزينة فاخرة، والاختلاط بالرجال، وأن لا يكون في الطريق ما يخاف منه مفسدة ونحوها، وأن لا تكون شابة مخشية الفتنة، وفيه نظر إلا إن أخذ الخوف عليها من جهتها لأنها إذا عرت مما ذكر واستترت حصل الأمن عليها ولا سيما إذا كان ذلك بالليل، وقد ورد في بعض طرق هذا الحديث وغيره أن صلاتها في بيتها أفضل من المسجد، ففي أبي داود وصححه ابن خزيمة عن ابن عمر مرفوعًا: لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن، ولأحمد بإسناد حسن والطبراني عن أم حميد الساعدية أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أحب الصلاة معك.
قال: قد علمت، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجد الجماعة، وله شاهد من حديث ابن مسعود عند أبي داود ووجه كون صلاتها في الأخفى أفضل تحقق الأمن فيه من الفتنة ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرز بالزينة، ومن ثم قالت عائشة ما قالت كما يأتي.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ بُسْرِ) بضم الموحدة وسكون المهملة ( بْنِ سَعِيدٍ) بكسر العين، ولعله بلغه من تلميذه ابن وهب أو من مخرمة، فقد أخرجه مسلم والنسائي من طرق عن ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن بسر بن سعيد عن زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود.

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ) أي أرادت ( صَلَاةَ الْعِشَاءِ) أي حضور صلاتها مع الجماعة بالمسجد ونحوه ( فَلَا تَمَسَّنَّ) بنون التوكيد الثقيلة، وفي رواية بلا نون ( طِيبًا) زاد مسلم قبل الذهاب أي إلى شهودها أو معه لأنه سبب للفتنة بها بخلافه بعده في بيتها، وفيه إشعار بأنهن كن يحضرن العشاء مع الجماعة، وتخصيصها ليس لإخراج غيرها بل لأن تطيب النساء إنما يكون غالبًا في أول الليل، ويلحق به ما في معناه كما مر واقتصر على الطيب لأن الصورة أن الخروج ليلاً والحلي وثياب الزينة مستورة بظلمته، ولا ريح لها يظهر، فإن فرض ظهوره كان كذلك ونكر طيبًا ليشمل كل نوع مما يظهر ريحه، فإن ظهر لونه وخفي ريحه فكثوب الزينة، فإن فرض أنه لا يرى لتلفعها وظلمة الليل احتمل أن لا يدخل في النهي.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاري ( عَنْ عَاتِكَةَ بِنْتِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو) بفتح العين ( بْنِ نُفَيْلٍ) بضم النون وفتح الفاء وسكون التحتية ولام، العدوية الصحابية من المهاجرات أخت سعيد بن زيد أحد العشرة ( امْرَأَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) ابن عمها، وكانت قبله تحت عبد الله بن الصديق، وكانت حسناء جميلة، فأولع بها، وشغلته عن مغازيه، فأمره أبوه بطلاقها فامتنع ثم عزم عليه حتى طلقها، فتبعتها نفسه، فسمعه أبوه ينشد فيها فرق له وأذن له فارتجعها، ثم لما مات في حياة أبيه من سهم أصابه بالطائف مع المصطفى ورثته بأبيات، ثم تزوجها زيد بن الخطاب أخو عمر على ما قيل فاستشهد باليمامة، فتزوجها عمر ثم استشهد فرثته، ثم تزوجها الزبير فقتل فرثته، فيقال خطبها علي فقالت: إني لأضن بك عن القتل، ويقال إن عبد الله بن الزبير صالحها على ميراثها من أبيه بثمانين ألفًا.

( أَنَّهَا كَانَتْ تَسْتَأْذِنُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَسْكُتُ) لأنه كان يكره خروجها للصبح والعشاء ( فَتَقُولُ وَاللَّهِ لَأَخْرُجَنَّ إِلَّا أَنْ تَمْنَعَنِي) لأنها كانت ترى أن له منعها وتريد أن يكون لها أجر الخروج وإن منعت مع نيتها قاله الباجي ( فَلَا يَمْنَعُهَا) لئلا يخالف الحديث ولأنه لما خطبها شرطت عليه أن لا يضربها ولا يمنعها من الحق ولا من الصلاة في المسجد النبوي، ثم شرطت ذلك على الزبير فتحيل عليها بأن كمن لها لما خرجت لصلاة العشاء، فلما مرت به ضرب على عجيزتها، فلما رجعت قالت: إنا لله فسد الناس، فلم تخرج بعد ذكره في التمهيد.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاري ( عَنْ عَمْرَةَ) بفتح العين وسكون الميم ( بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية ماتت قبل المائة أو بعدها ( عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ) من الطيب والتجمل وقلة التستر وتسرع كثير منهن إلى المناكر ( لَمَنَعَهُنَّ الْمَسَاجِدَ) وفي رواية المسجد بالإفراد ( كَمَا مُنِعَهُ) بضم الميم وكسر النون وفتح العين ثم هاء ضمير عائد على المساجد وذكره باعتبار الموضع وعلى إفراد المسجد فهو ظاهر، وفي رواية كما منعت ( نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) يعقوب بن إسحاق ( قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فَقُلْتُ لِعَمْرَةَ أَوَ) بفتح الهمزة والواو ( مُنِعَ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْمَسَاجِدَ قَالَتْ نَعَمْ) منعن منها بعد الإباحة للإحداث، قال الحافظ: يحتمل أن عمرة تلقت ذلك عن عائشة، ويحتمل عن غيرها، وقد ثبت ذلك من حديث عروة عن عائشة قالت: كن نساء بني إسرائيل يتخذن أرجلاً من خشب يتشوفن للرجال في المساجد، فحرم الله عليهن المساجد، أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح، وهذا وإن كان موقوفًا فحكمه الرفع، لأنه لا يقال بالرأي، وروى أيضًا عبد الرزاق نحوه عن ابن مسعود بإسناد صحيح قال: وتمسك بعضهم بقول عائشة لو رأى إلخ في منع النساء مطلقًا وفيه نظر إذ لا يترتب على ذلك تغير الحكم لأنها علقته على شرط لم يوجد بناء على ظن ظنته، فقالت: لو رأى لمنع فيقال عليه لم ير ولم يمنع، فاستمر الحكم حتى أن عائشة لم تصرح بالمنع وإن كان كلامها يشعر بأنها ترى المنع، وأيضًا فقد علم الله سبحانه ما سيحدثن فما أوحى إلى نبيه بمنعهن، ولو كان ما أحدثن يستلزم منعهن من المساجد لكان منعهن من غيرها كالأسواق أولى، وأيضًا فالإحداث إنما وقع من بعض النساء لا من جميعهن، فإن تعين المنع فليكن لمن أحدثن والأولى أن ينظر إلى ما يخشى منه الفساد، فيجتنب لإشارته صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بمنع التطيب والزينة، وكذلك التقييد بالليل على رواية من روى: إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن، ورواية الأكثر بدون الليل واستنبط من قول عائشة أيضًا أنه يحدث للناس فتاوى بقدر ما أحدثوا كما قال مالك، وليس هذا من التمسك بالمصالح المباينة للشرع كما توهمه بعضهم، وإنما مراده كمراد عائشة أن يحدثوا أمرًا تقتضي أصول الشريعة فيه غير ما اقتضته قبل حدوث ذلك الأمر، ولا غرو في تبعية الأحكام للأحوال، وروى البخاري أثر عائشة هذا عن عبد الله بن يوسف عن مالك به، ورواه مسلم وغيره، والله أعلم.