فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ

رقم الحديث 488 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَرَأَ لَهُمْ: { { إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ } } فَسَجَدَ فِيهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ، أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِيهَا.


( مالك عن عبد الله بن يزيد) المخزومي الصحابي المدني المقري الأعور من رجال الجميع مات سنة ثمان وأربعين ومائة ( مولى الأسود بن سفيان) المخزومي الصحابي ( عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قرأ لهم) قال الباجي الأظهر أنه كان يصلي لقوله قرأ لهم وقوله: فلما انصرف وجاء ذلك مفسرًا في حديث أبي رافع: صليت خلف أبي هريرة العشاء فقرأ: ( { { إذا السماء انشقت } } فسجد فيها فلما انصرف) من السجود ( أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها) وبهذا قال الخلفاء الأربعة والأئمة الثلاثة وجماعة.
ورواه ابن وهب عن مالك وروى عنه ابن القاسم والجمهور: لا سجود لأن أبا سلمة قال لأبي هريرة لما سجد: لقد سجدت في سورة ما رأيت الناس يسجدون فيها.
فدل هذا على أن الناس تركوه وجرى العمل بتركه ورده أبو عمر بما حاصله أي عمل يدعى مع مخالفة المصطفى والخلفاء الراشدين بعده.

والحديث رواه مسلم عن يحيى عن مالك به ورواه البخاري من وجه آخر بنحوه.

( مالك عن نافع مولى ابن عمر أن رجلا من أهل مصر أخبره أن عمر بن الخطاب قرأ سورة الحج فسجد فيها سجدتين ثم قال إن هذه السورة فضلت بسجدتين) أولاهما عند قوله: { { إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } } وهي متفق عليها والثانية عند قوله: { { وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } } فلم يقل بها مالك في المشهور ولا أبو حنيفة، وروى ابن وهب فيها السجود وهو قول الشافعي وأحمد.

( مالك عن عبد الله بن دينار) مولى ابن عمر ( أنه قال رأيت عبد الله بن عمر يسجد في سورة الحج سجدتين) وروي عنه أيضًا لو سجدت فيها واحدة كانت السجدة الأخيرة أحب إلي، وروي عن عقبة مرفوعًا: في الحج سجدتان ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما يريد لا يقرأهما إلا وهو طاهر والتعلق به ليس بقوي لضعف إسناده قاله الباجي ورده ابن زرقون بأن ابن حنبل احتج به وهو أعلم بإسناده وهذا رد بالصدر من فقيه على محدث حافظ إذ لا يلزم من احتجاجه به أن لا يكون ضعيفًا فالكلام إنما هو مع إسناده.

( مالك عن ابن شهاب عن الأعرج أن عمر بن الخطاب قرأ) في الصلاة ( بالنجم إذا هوى فسجد فيها) لما في الصحيحين عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد فيها فما بقي أحد من القوم إلا سجد فأخذ رجل كفًا من حصى أو تراب فرفعه إلى وجهه وقال: يكفيني هذا فلقد رأيته بعد قتل كافرًا ( ثم قام فقرأ بسورة أخرى) ليقع ركوعه عقب القراءة كما هو شأن الركوع وذلك مستحب، روى الطبراني بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمر أنه قرأ النجم في الصلاة فسجد فيها ثم قام فقرأ: { { إذا زلزلت } }

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر) فيه انقطاع فعروة ولد في خلافة عثمان فلم يدرك عمر ( بن الخطاب قرأ سجدة) أي سورة فيها سجدة وهي سورة النحل ( وهو على المنبر يوم الجمعة فنزل فسجد وسجد الناس معه) هكذا الرواية الصحيحة، وهي التي عند أبي عمر ويقع في نسخ وسجدنا معه.
قال الباجي: يحتمل أن عروة أراد جماعة المسلمين وأضاف الخطاب إليه لأنه من جملتهم وإلا فهو غلط لأنه لم يدرك عمر ( ثم قرأها يوم الجمعة الأخرى فتهيأ الناس للسجود فقال على رسلكم) بكسر الراء، أي هيئتكم ( إن الله لم يكتبها) لم يفرضها ( علينا إلا أن نشاء) استثناء منقطع أي لكن ذلك موكول إلى مشيئة المرء بدليل قوله ( فلم يسجد ومنعهم أن يسجدوا) وفي عدم إنكار أحد من الصحابة عليه ذلك دليل على أنه ليس بواجب، وإنه إجماع، ولعل عمر فعل ذلك تعليمًا للناس، وخاف أن يكون في ذلك خلاف فبادر إلى حسمه قاله ابن عبد البر.

وأخرج البخاري عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير التيمي أنه حضر عمر بن الخطاب حتى إذا كانت الجمعة قرأ على المنبر بسورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاءت السجدة قال: يا أيها الناس إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه، ولم يسجد عمر.
وزاد نافع عن ابن عمر أن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء.
قال الحافظ: استدل بقوله إلا أن نشاء على أن المرء مخير في السجود فيكون ليس بواجب وأجاب من أوجبه بأن المعنى إلا أن نشاء قراءتها فيجب، ولا يخفى بعده، ويرده تصريح عمر بقوله: ومن لم يسجد فلا إثم عليه، فإن انتفاء الإثم عمن ترك الفعل مختارًا يدل على عدم وجوبه.

( قال مالك ليس العمل على أن ينزل الإمام إذا قرأ السجدة على المنبر فيسجد) وقال الشافعي: لا بأس بذلك، ويحتمل قول مالك أنه لا يلزمه النزول قاله ابن عبد البر.
وقال الباجي: روى علي يكره أن ينزل عن المنبر يسجد سجدة قرأها.

( قال مالك الأمر عندنا أن عزائم سجود القرآن) أي ما وردت العزيمة على فعله كصيغة الأمر مثلاً بناء على أن بعض المندوبات آكد من بعض عند من لا يقول بالوجوب ( إحدى عشرة سجدة) آخر الأعراف والآصال في الرعد ويؤمرون في النحل وخشوعًا في سبحان، وبكيًا في مريم، وإن الله يفعل ما يشاء في الحج ونفورًا في الفرقان والعظيم في النمل ولا يستكبرون في الم السجدة وأناب في ص وتعبدون في فصلت ( ليس في المفصل منها شيء) لما في الصحيحين عن زيد بن ثابت أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم والنجم فلم يسجد فيها، وحديث عطاء بن يسار: سألت أبي بن كعب فقال: ليس في المفصل سجدة.

قال الشافعي في القديم: وأبي وزيد في العلم بالقرآن كما لا يجهل أحد.
زيد قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم عام مات، وقرأ أبي على النبي صلى الله عليه وسلم مرتين، وقرأ ابن عباس على أبي وهم من لا يشك إن شاء الله أنهم لا يقولونه إلا بالإحاطة مع قول من لقينا من أهل المدينة، وكيف يجهل أبي بن كعب سجود القرآن وقد قال صلى الله عليه وسلم له: إن الله أمرني أن أقرئك القرآن.

قال البيهقي: ثم قطع الشافعي في الجديد بإثبات السجود في المفصل.
قال غيره: وما رواه أبو داود وغيره عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة فضعفه المحدثون لضعف في بعض رواته واختلاف في إسناده وعلى تقدير ثبوته، فالمثبت مقدم على النافي.
وتقدم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في { { إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ } } وفي بعض طرقه في الصحيحين: لو لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يسجد لم أسجد.
وللبزار والدارقطني برجال ثقات عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في سورة النجم وسجدنا معه، وأبو هريرة إنما أسلم بالمدينة.

( قال مالك لا ينبغي لأحد يقرأ من سجود القرآن شيئا) فيسجد ( بعد صلاة الصبح ولا بعد صلاة العصر) فالظرف متعلق بمقدر ( و) دليل ( ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس) كما أسنده الإمام بعد ذلك ( والسجدة من الصلاة فلا ينبغي لأحد أن يقرأ سجدة في تينك الساعتين) قال الباجي: منعها في الموطأ فقاسها على صلاة النوافل، وقال في المدونة رواية ابن القاسم: يسجد لها بعد الصبح ما لم يسفر وبعد العصر ما لم تصفر الشمس فرآها صلاة اختلف في وجوبها كصلاة الجنازة فقاسها عليها.

( سئل مالك عمن قرأ سجدة وامرأة حائض تسمع هل لها أن تسجد قال مالك لا يسجد الرجل ولا المرأة إلا وهما طاهران) أي الطهارة الكاملة بالوضوء وحكى ابن عبد البر على ذلك الإجماع وفي البخاري وكان ابن عمر يسجد على غير وضوء.
قال الحافظ: لم يوافق ابن عمر على ذلك أحد إلا الشعبي وأبو عبد الرحمن السلمي، رواهما ابن أبي شيبة، وللبيهقي بإسناد صحيح عن ابن عمر قال: لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر فيجمع بينهما بأنه أراد الطهارة الكبرى أو الثاني على حالة الاختيار، والأول على الضرورة.

( وسئل مالك عن امرأة قرأت سجدة ورجل معها يسمع أعليه أن يسجد معها قال مالك ليس عليه أن يسجد معها) قال الباجي: أي لا يصح له ذلك إذ لا يجوز الائتمام بها، فمن استمع لقارئ فقد ائتم به ولزمه حكمه فإن صلح للإمامة سجد المستمع ( إنما تجب السجدة) أي تسن ( على القوم يكونون مع الرجل فيأتمون به) قال الباجي: الائتمام أن يجلس للاستماع منه ( فيقرأ السجدة فيسجدون معه وليس على من سمع) بلفظ الماضي، ولابن وضاح يسمع مضارع ( سجدة من إنسان) أي رجل ( يقرؤها ليس له بإمام أن يسجد تلك السجدة) وقال أبو حنيفة: يسجد السامع من رجل أو امرأة وروى ابن أبي شيبة عن زيد بن أسلم أن غلامًا قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم السجدة فانتظر الغلام النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد فلما لم يسجد قال يا رسول الله أليس في هذه السجدة سجود؟ قال بلى، ولكنك كنت إمامنا فيها، ولو سجدت سجدنا معك، مرسل رجاله ثقات، وروي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: بلغني فذكر نحوه، وجوز الشافعي أن القارئ المذكور زيد بن ثابت لأنه قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم يسجد، ولأن عطاء بن يسار روى الحديثين المذكورين، والله أعلم.



رقم الحديث 490 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ سُورَةَ الْحَجِّ فَسَجَدَ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ فُضِّلَتْ بِسَجْدَتَيْنِ.


( مالك عن عبد الله بن يزيد) المخزومي الصحابي المدني المقري الأعور من رجال الجميع مات سنة ثمان وأربعين ومائة ( مولى الأسود بن سفيان) المخزومي الصحابي ( عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قرأ لهم) قال الباجي الأظهر أنه كان يصلي لقوله قرأ لهم وقوله: فلما انصرف وجاء ذلك مفسرًا في حديث أبي رافع: صليت خلف أبي هريرة العشاء فقرأ: ( { { إذا السماء انشقت } } فسجد فيها فلما انصرف) من السجود ( أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها) وبهذا قال الخلفاء الأربعة والأئمة الثلاثة وجماعة.
ورواه ابن وهب عن مالك وروى عنه ابن القاسم والجمهور: لا سجود لأن أبا سلمة قال لأبي هريرة لما سجد: لقد سجدت في سورة ما رأيت الناس يسجدون فيها.
فدل هذا على أن الناس تركوه وجرى العمل بتركه ورده أبو عمر بما حاصله أي عمل يدعى مع مخالفة المصطفى والخلفاء الراشدين بعده.

والحديث رواه مسلم عن يحيى عن مالك به ورواه البخاري من وجه آخر بنحوه.

( مالك عن نافع مولى ابن عمر أن رجلا من أهل مصر أخبره أن عمر بن الخطاب قرأ سورة الحج فسجد فيها سجدتين ثم قال إن هذه السورة فضلت بسجدتين) أولاهما عند قوله: { { إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } } وهي متفق عليها والثانية عند قوله: { { وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } } فلم يقل بها مالك في المشهور ولا أبو حنيفة، وروى ابن وهب فيها السجود وهو قول الشافعي وأحمد.

( مالك عن عبد الله بن دينار) مولى ابن عمر ( أنه قال رأيت عبد الله بن عمر يسجد في سورة الحج سجدتين) وروي عنه أيضًا لو سجدت فيها واحدة كانت السجدة الأخيرة أحب إلي، وروي عن عقبة مرفوعًا: في الحج سجدتان ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما يريد لا يقرأهما إلا وهو طاهر والتعلق به ليس بقوي لضعف إسناده قاله الباجي ورده ابن زرقون بأن ابن حنبل احتج به وهو أعلم بإسناده وهذا رد بالصدر من فقيه على محدث حافظ إذ لا يلزم من احتجاجه به أن لا يكون ضعيفًا فالكلام إنما هو مع إسناده.

( مالك عن ابن شهاب عن الأعرج أن عمر بن الخطاب قرأ) في الصلاة ( بالنجم إذا هوى فسجد فيها) لما في الصحيحين عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد فيها فما بقي أحد من القوم إلا سجد فأخذ رجل كفًا من حصى أو تراب فرفعه إلى وجهه وقال: يكفيني هذا فلقد رأيته بعد قتل كافرًا ( ثم قام فقرأ بسورة أخرى) ليقع ركوعه عقب القراءة كما هو شأن الركوع وذلك مستحب، روى الطبراني بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمر أنه قرأ النجم في الصلاة فسجد فيها ثم قام فقرأ: { { إذا زلزلت } }

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر) فيه انقطاع فعروة ولد في خلافة عثمان فلم يدرك عمر ( بن الخطاب قرأ سجدة) أي سورة فيها سجدة وهي سورة النحل ( وهو على المنبر يوم الجمعة فنزل فسجد وسجد الناس معه) هكذا الرواية الصحيحة، وهي التي عند أبي عمر ويقع في نسخ وسجدنا معه.
قال الباجي: يحتمل أن عروة أراد جماعة المسلمين وأضاف الخطاب إليه لأنه من جملتهم وإلا فهو غلط لأنه لم يدرك عمر ( ثم قرأها يوم الجمعة الأخرى فتهيأ الناس للسجود فقال على رسلكم) بكسر الراء، أي هيئتكم ( إن الله لم يكتبها) لم يفرضها ( علينا إلا أن نشاء) استثناء منقطع أي لكن ذلك موكول إلى مشيئة المرء بدليل قوله ( فلم يسجد ومنعهم أن يسجدوا) وفي عدم إنكار أحد من الصحابة عليه ذلك دليل على أنه ليس بواجب، وإنه إجماع، ولعل عمر فعل ذلك تعليمًا للناس، وخاف أن يكون في ذلك خلاف فبادر إلى حسمه قاله ابن عبد البر.

وأخرج البخاري عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير التيمي أنه حضر عمر بن الخطاب حتى إذا كانت الجمعة قرأ على المنبر بسورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاءت السجدة قال: يا أيها الناس إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه، ولم يسجد عمر.
وزاد نافع عن ابن عمر أن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء.
قال الحافظ: استدل بقوله إلا أن نشاء على أن المرء مخير في السجود فيكون ليس بواجب وأجاب من أوجبه بأن المعنى إلا أن نشاء قراءتها فيجب، ولا يخفى بعده، ويرده تصريح عمر بقوله: ومن لم يسجد فلا إثم عليه، فإن انتفاء الإثم عمن ترك الفعل مختارًا يدل على عدم وجوبه.

( قال مالك ليس العمل على أن ينزل الإمام إذا قرأ السجدة على المنبر فيسجد) وقال الشافعي: لا بأس بذلك، ويحتمل قول مالك أنه لا يلزمه النزول قاله ابن عبد البر.
وقال الباجي: روى علي يكره أن ينزل عن المنبر يسجد سجدة قرأها.

( قال مالك الأمر عندنا أن عزائم سجود القرآن) أي ما وردت العزيمة على فعله كصيغة الأمر مثلاً بناء على أن بعض المندوبات آكد من بعض عند من لا يقول بالوجوب ( إحدى عشرة سجدة) آخر الأعراف والآصال في الرعد ويؤمرون في النحل وخشوعًا في سبحان، وبكيًا في مريم، وإن الله يفعل ما يشاء في الحج ونفورًا في الفرقان والعظيم في النمل ولا يستكبرون في الم السجدة وأناب في ص وتعبدون في فصلت ( ليس في المفصل منها شيء) لما في الصحيحين عن زيد بن ثابت أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم والنجم فلم يسجد فيها، وحديث عطاء بن يسار: سألت أبي بن كعب فقال: ليس في المفصل سجدة.

قال الشافعي في القديم: وأبي وزيد في العلم بالقرآن كما لا يجهل أحد.
زيد قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم عام مات، وقرأ أبي على النبي صلى الله عليه وسلم مرتين، وقرأ ابن عباس على أبي وهم من لا يشك إن شاء الله أنهم لا يقولونه إلا بالإحاطة مع قول من لقينا من أهل المدينة، وكيف يجهل أبي بن كعب سجود القرآن وقد قال صلى الله عليه وسلم له: إن الله أمرني أن أقرئك القرآن.

قال البيهقي: ثم قطع الشافعي في الجديد بإثبات السجود في المفصل.
قال غيره: وما رواه أبو داود وغيره عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة فضعفه المحدثون لضعف في بعض رواته واختلاف في إسناده وعلى تقدير ثبوته، فالمثبت مقدم على النافي.
وتقدم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في { { إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ } } وفي بعض طرقه في الصحيحين: لو لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يسجد لم أسجد.
وللبزار والدارقطني برجال ثقات عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في سورة النجم وسجدنا معه، وأبو هريرة إنما أسلم بالمدينة.

( قال مالك لا ينبغي لأحد يقرأ من سجود القرآن شيئا) فيسجد ( بعد صلاة الصبح ولا بعد صلاة العصر) فالظرف متعلق بمقدر ( و) دليل ( ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس) كما أسنده الإمام بعد ذلك ( والسجدة من الصلاة فلا ينبغي لأحد أن يقرأ سجدة في تينك الساعتين) قال الباجي: منعها في الموطأ فقاسها على صلاة النوافل، وقال في المدونة رواية ابن القاسم: يسجد لها بعد الصبح ما لم يسفر وبعد العصر ما لم تصفر الشمس فرآها صلاة اختلف في وجوبها كصلاة الجنازة فقاسها عليها.

( سئل مالك عمن قرأ سجدة وامرأة حائض تسمع هل لها أن تسجد قال مالك لا يسجد الرجل ولا المرأة إلا وهما طاهران) أي الطهارة الكاملة بالوضوء وحكى ابن عبد البر على ذلك الإجماع وفي البخاري وكان ابن عمر يسجد على غير وضوء.
قال الحافظ: لم يوافق ابن عمر على ذلك أحد إلا الشعبي وأبو عبد الرحمن السلمي، رواهما ابن أبي شيبة، وللبيهقي بإسناد صحيح عن ابن عمر قال: لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر فيجمع بينهما بأنه أراد الطهارة الكبرى أو الثاني على حالة الاختيار، والأول على الضرورة.

( وسئل مالك عن امرأة قرأت سجدة ورجل معها يسمع أعليه أن يسجد معها قال مالك ليس عليه أن يسجد معها) قال الباجي: أي لا يصح له ذلك إذ لا يجوز الائتمام بها، فمن استمع لقارئ فقد ائتم به ولزمه حكمه فإن صلح للإمامة سجد المستمع ( إنما تجب السجدة) أي تسن ( على القوم يكونون مع الرجل فيأتمون به) قال الباجي: الائتمام أن يجلس للاستماع منه ( فيقرأ السجدة فيسجدون معه وليس على من سمع) بلفظ الماضي، ولابن وضاح يسمع مضارع ( سجدة من إنسان) أي رجل ( يقرؤها ليس له بإمام أن يسجد تلك السجدة) وقال أبو حنيفة: يسجد السامع من رجل أو امرأة وروى ابن أبي شيبة عن زيد بن أسلم أن غلامًا قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم السجدة فانتظر الغلام النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد فلما لم يسجد قال يا رسول الله أليس في هذه السجدة سجود؟ قال بلى، ولكنك كنت إمامنا فيها، ولو سجدت سجدنا معك، مرسل رجاله ثقات، وروي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: بلغني فذكر نحوه، وجوز الشافعي أن القارئ المذكور زيد بن ثابت لأنه قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم يسجد، ولأن عطاء بن يسار روى الحديثين المذكورين، والله أعلم.



رقم الحديث 490 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ.


مَا جَاءَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى

( مالك عن سمي) بضم السين المهملة وفتح الميم وشد التحتية ( مولى أبي بكر) بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة القرشي المخزومي المدني ( عن أبي صالح) ذكوان ( السمان) كان يجلب السمن إلى الكوفة ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال لا إله إلا الله) قيل التقدير لا إله لنا أو في الوجود، وتعقب بأن نفي الحقيقة مطلقة أعم من نفيها مقيدة لانتفائها مع كل قيد فإذا نفيت مقيدة دلت على سلب الماهية مع التقييد المخصوص فلا يلزم نفيها مع قيد آخر.
وأجاب أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل المرسي في ري الظمآن فقال: هذا كلام من لا يعرف لسان العرب فإن إله في موضع المبتدأ على قول سيبويه، وعند غيره اسم لا وعلى التقديرين فلا بد من خبر للمبتدأ أو للا، فإن الاستغناء عن الإضمار فاسد.
وأما قوله إذا لم يضمر كان نفيًا للإلهية المطلقة فليس بشيء لأن الماهية هي نفي الوجود ولا تتصور الماهية عندنا إلا مع الوجود فلا فرق بين لا ماهية ولا وجود، هذا مذهب أهل السنة خلافًا للمعتزلة فإنهم يثبتون الماهية عرية عن الوجود وهو فاسد.

وقوله: إلا الله، في موضع رفع بدلاً من لا إله لا خبر، لأن لا لا تعمل في المعارف ولو قلنا الخبر للمبتدأ أو للا فلا يصح أيضًا لما يلزم عليه من تنكير المبتدأ وتعريف الخبر.
لكن قال السفاقسي: قد أجاز الشلوبين أن خبر المبتدأ يكون معرفة ويسوغ الابتداء بالنكرة في النفي ثم أكد الحصر المستفاد من لا إله إلا الله بقوله ( وحده لا شريك) مبني على الفتح وخبر لا متعلق قوله ( له) مع ما فيه من تكثير حسنات الذاكر فوحده حال مؤولة بمنفردًا لأن الحال لا تكون معرفة، ولا شريك له حال ثانية مؤكدة لمعنى الأولى ( له الملك) بضم الميم ( وله الحمد وهو على كل شيء قدير) جملة حالية أيضًا ومن منع تعدد الحال جعل لا شريك له حالاً من ضمير وحده المؤولة بمنفردًا وكذا له الملك حال من الضمير المجرور في له وما بعد ذلك معطوفات ( في يوم مائة مرة كانت) وفي رواية كان أي القول المذكور ( له عدل) بفتح العين أي مثل ثواب إعتاق ( عشر رقاب) بسكون الشين ( وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا) بكسر الحاء وسكون الراء وبالزاي: حصنًا ( من الشيطان يومه) نصب على الظرفية ( ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك) استثناء منقطع، أي لكن أحد عمل أكثر مما عمل فإنه يزيد عليه أو متصل بتأويل.

قال ابن عبد البر: فيه تنبيه على أن المائة غاية في الذكر وأنه قل من يزيد عليه وقال إلا أحد لئلا يظن أن الزيادة على ذلك ممنوعة كتكرار العمل في الوضوء ويحتمل أن يريد لا يأتي أحد من سائر أبواب البر بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل من هذا الباب أكثر من عمله ونحوه قول القاضي عياض ذكر المائة دليل على أنها غاية للثواب المذكور وقوله إلا أحد يحتمل أن يريد الزيادة على هذا العدد فيكون لقائله من الفضل بحسابه لئلا يظن أنه من الحدود التي نهي عن اعتدائها وأنه لا فضل في الزيادة عليها كما في ركعات السنن المحدودة وإعداد الطهارة ويحتمل أن تراد الزيادة من غير هذا الجنس من الذكر وغيره أي إلا أن يزيد أحد عملا آخر من الأعمال الصالحة وظاهر إطلاق الحديث يقتضي أن الأجر يحصل لمن قال هذا التهليل في اليوم متواليا أو مفرقا في مجلس أو مجالس في أول النهار أو في آخره لكن الأفضل أن يأتي به متواليًا في أول النهار ليكون له حرزا في جميع نهاره وكذا في أول الليل ليكون له حرزا في جميع ليله.

وهذا الحديث رواه البخاري في بدء الخلق عن عبد الله بن يوسف، وفي الدعوات عن عبد الله بن مسلمة ومسلم في الدعوات عن يحيى ثلاثتهم عن مالك به.

( مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح) ذكوان ( السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال سبحان الله) أي تنزيه الله عما لا يليق به من كل نقص فيلزم نفي الشريك والصاحبة والولد وجميع الرذائل ويطلق التسبيح ويراد به جميع ألفاظ الذكر ويطلق ويراد به صلاة النافلة وسبحان اسم منصوب على أنه واقع موقع المصدر لفعل محذوف تقديره سبحت الله سبحانا كسبحت الله تسبيحا ولا يستعمل غالبًا إلا مضافًا، وهو مضاف إلى المفعول، أي سبحت الله، ويجوز كونه مضافًا إلى الفاعل أي نزه الله نفسه والمشهور الأول، وجاء غير مضاف في الشعر كقوله:

سبحانه ثم سبحانًا أنزهه

( وبحمده) الواو للحال أي سبحان الله ملتبسًا بحمده له من أجل توفيقه لي للتسبيح ( في يوم) واحد وفي رواية سهيل عن سمي عند مسلم من قال: حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده ( مائة مرة) متفرقة بعضها أول النهار وبعضها آخره أو متوالية وهو أفضل خصوصًا في أوله ( حطت عنه خطاياه) التي بينه وبين الله.
قال الباجي: يريد أنه يكون في ذلك كفارة له كقوله: { { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } } ( وإن كانت مثل زبد البحر) كناية عن المبالغة في الكثرة نحو ما طلعت عليه الشمس.

قال عياض: وقد يشعر هذا بفضل التسبيح على التهليل لأن عدد زبد البحر أضعاف أضعاف المائة المذكورة في مقابلة التهليل فيعارض قوله فيه ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به فيجمع بينهما بأن التهليل أفضل بما زيد من رفع الدرجات وكتب الحسنات ثم ما جعل مع ذلك من عتق الرقاب قد يزيد على فضل التسبيح وتكفير الخطايا جميعها لأنه جاء من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار فحصل بهذا العتق تكفير الخطايا عموما بعد حصر ما عدد منها خصوصا مع زيادة مائة درجة وما زاده عتق الرقاب الزائدة على الواحدة ويؤيده الحديث الآخر أفضل الذكر التهليل وأنه أفضل ما قاله هو والنبيون من قبله وهو كلمة التوحيد والإخلاص وقيل إنه اسم الله الأعظم وجميع ذلك داخل في ضمن لا إله إلا الله الحديث السابق والتهليل صريح في التوحيد والتسبيح متضمن له فمنطوق سبحان الله تنزيه ومفهومه توحيد ومنطوق لا إله إلا الله توحيد ومفهومه تنزيه فيكون أفضل من التسبيح لأن التوحيد أصل والتنزيه ينشأ عنه قال ابن بطال والفضائل الواردة في التسبيح والتحميد ونحو ذلك إنما هي لأهل الشرف في الدين والكمال كالطهارة من الحرام وغير ذلك فلا يظن ظان أن من أدمن الذكر وأصر على من شاء من شهواته وانتهك دين الله وحرماته أن يلتحق بالمطهرين الأقدسين ويبلغ منازل الكاملين بكلام أجراه على لسانه ليس معه تقوى ولا عمل صالح والحديث رواه البخاري عن القعنبي ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به لكن مسلم وصله بالحديث قبله لاتحاد إسنادهما بناء على جواز ذلك وقد فعله البخاري في غير ما حديث كما مر.

( مالك عن أبي عبيد) بضم العين المذحجي ( مولى سليمان بن عبد الملك) وحاجبه قيل اسمه عبد الملك وقيل حي وقيل حيي وقيل حوي ثقة مات بعد المائة ( عن عطاء بن يزيد الليثي) المدني نزيل الشام ثقة من رجال الجميع مات سنة سبع أو خمس ومائة وقد جاز الثمانين ( عن أبي هريرة أنه قال) موقوفًا.
قال ابن عبد البر: ومثله لا يدرك بالرأي، وقد صح من وجوه كثيرة ثابتة عن أبي هريرة وعلي وعبد الله بن عمر وكعب بن عجرة وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ( من سبح) أي قال سبحان الله ( دبر) بضم الدال والموحدة وقد تسكن أي عقب ( كل صلاة) ظاهره فرضًا أو نفلاً، وحمله أكثر العلماء على الفرض لقوله في حديث كعب بن عجرة عند مسلم مكتوبة فحملوا المطلقات عليها قال الحافظ وعليه فهل تكون الراتبة بعد المكتوبة فاصلا بينها وبين الذكر أو لا محل نظر قال ومقتضى الحديث أن الذكر المذكور يقال عند الفراغ من الصلاة فإن تأخر عنه وقل بحيث لا يكون معرضا أو كان ناسيًا أو متشاغلاً بما ورد أيضًا بعد الصلاة كآية الكرسي فلا يضر ( ثلاثا وثلاثين وكبر) أي قال الله أكبر ( ثلاثا وثلاثين وحمد) قال الحمد لله ( ثلاثا وثلاثين) هكذا بتقديم التكبير على التحميد ومثله في رواية لمسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا وفي أبي داود من حديث أم الحكم وله من حديث أبي هريرة يكبر ويحمد ويسبح وكذا في حديث ابن عمر وفي أكثر الروايات تقديم التسبيح على التحميد وتأخير التكبير وهذا الاختلاف دال على أن لا ترتيب فيها ويستأنس لذلك بقوله في حديث الباقيات الصالحات لا يضرك بأيهن بدأت لكن يمكن أن يقال الأولى البداءة بالتسبيح لتضمنه نفي النقائص ثم التحميد لتضمنه إثبات الكمال له إذ لا يلزم من نفي النقائص إثبات الكمال ثم التكبير إذ لا يلزم من إثبات الكمال ونفي النقائص أن لا يكون هناك كبير آخر ثم يختم بالتهليل الدال على انفراده تعالى بجميع ذلك كما قال ( وختم المائة بلا إله إلا الله وحده) بالنصب على الحال أي منفردًا ( لا شريك له) عقلاً ونقلاً { { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ } } { { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ } } { { إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ } } وغير ذلك من الآي ( له الملك) بضم الميم أي أصناف المخلوقات ( وله الحمد) زاد الطبراني من حديث المغيرة يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير ( وهو على كل شيء قدير)

ولمسلم في حديث كعب بن عجرة، والنسائي في حديثي أبي الدرداء وابن عمر يكبر أربعا وثلاثين ويخالفه قوله ويختم إلخ وهو في مسلم من حديث عطاء بن يزيد عن أبي هريرة ومثله لأبي داود في حديث أم الحكم ولجعفر الفريابي في حديث أبي ذر قال النووي ينبغي أن يجمع بين الروايتين بأن يكبر أربعا وثلاثين ويقول معها لا إله إلا الله إلخ وقال غيره بل يجمع بأن يختم مرة بزيادة تكبيرة ومرة بزيادة لا إله إلا الله إلخ على وفق ما وردت به الأحاديث.

( غفرت ذنوبه) الصغائر حملاً على النظائر ( ولو كانت مثل زبد البحر) وهو ما يعلو عليه عند هيجانه وظاهر سياق هذا الحديث أنه يسبح ثلاثًا وثلاثين متوالية، ثم كذلك ما بعدها، وقيل: يجمع في كل مرة بين التسبيح وما بعده إلى تمام الثلاثة وثلاثين، واختاره بعضهم للإتيان فيه بواو العطف، فيقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر، لكن الروايات الثابتة للأكثر بالإفراد.
قال عياض: وهو أرجح.

قال الحافظ: ويظهر أن كلا من الأمرين حسن لكن يتميز الإفراد بأن الذاكر يحتاج إلى العدد وله على كل حركة لذلك سواء كانت بأصابعه أو بغيرها ثواب لا يحصل لصاحب الجمع منه إلا الثلث وفي رواية إن كلا من التسبيح والتحميد والتكبير أحد عشر وفي روايات عشرًا عشرًا.

وجمع البغوي باحتمال أنه صدر في أوقات متعددة أولها عشرًا ثم إحدى عشرة ثم ثلاثًا وثلاثين، ويحتمل أن ذلك على سبيل التخيير أو يفترق بافتراق الأحوال وفي حديث زيد بن ثابت وابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يقولوا كل ذكر منها خمسا وعشرين ويزيدوا فيها لا إله إلا الله خمسا وعشرين رواهما النسائي وغيره.

قال بعض العلماء: الأعداد الواردة في الأذكار كالذكر عقب الصلوات إذا رتب عليها ثواب مخصوص فزاد الآتي بها على العدد لا يحصل له ذلك الثواب المخصوص لاحتمال أن لتلك الأعداد حكمًا وخاصية تفوت بمجاوزة العدد.

ونظر فيه الحافظ العراقي بأنه أتى بالقدر الذي رتب الثواب على الإتيان به، فحصل له ثواب ،فإذا زاد عليه من جنسه كيف تزيل الزيادة ذلك الثواب بعد حصوله قال الحافظ ويمكن أن يفترق الحال فيه بالنية فإذا نوى عند الانتهاء إليه امتثال الأمر الوارد ثم أتى بالزيادة لم يضر وإن نوى الزيادة ابتداء بأن يكون الثواب رتب على عشرة مثلا فذكر هو مائة فيتجه القول الماضي وبالغ القرافي في القواعد فقال من البدع المكروهة الزيادة في المندوبات المحدودة شرعا لأن شأن العظماء إذا حدوا شيئا أن يوقف عنده ويعد الخارج عنه مسيئا للأدب انتهى ومثله بعضهم بالدواء يكون فيه مثلا أوقية سكر فلو زيد فيه أوقية أخرى تخلف الانتفاع به فلو اقتصر على الأوقية في الدواء ثم استعمل من السكر بعد ذلك ما شاء لم يتخلف الانتفاع ويؤكد ذلك أن الأذكار المتغايرة إذا ورد لكل منها عدد مخصوص مع طلب الإتيان بجميعها متوالية لم تحسن الزيادة على العدد المخصوص لما في ذلك من قطع الموالاة لاحتمال أن للموالاة حكمة خاصة تفوت بفواتها والله أعلم انتهى.

( مالك عن عمارة) بضم العين المهملة والتخفيف ابن عبد الله ( بن صياد) بالفتح والتشديد فنسبه إلى جده المدني أبي أيوب ثقة فاضل من صغار التابعين وأبوه هو الذي كان يقال أنه الدجال ( عن سعيد بن المسيب أنه) أي عمارة ( سمعه) أي سعيدًا ( يقول في الباقيات الصالحات) المذكورة في قوله تعالى { { وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا } } سميت بذلك لأنه تعالى قابلها بالفانيات الزائلات في قوله { { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } } ( إنها قول العبد) ذكر أو أنثى ( الله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ولا حول) أي لا تحول عن المعصية ( ولا قوة) على الطاعة ( إلا بالله) وهذا قول أكثر العلماء، وقاله ابن عمر وعطاء بن أبي رباح لجمعها المعارف الإلهية، فالتكبير اعتراف بالقصور في الأقوال والأفعال، والتسبيح تقديس له عما لا يليق به وتنزيه عن النقائص، والتحميد منبئ عن معنى الفضل والإفضال من الصفات الذاتية والإضافية، والتهليل توحيد للذات ونفي الند والضد، والحوقلة تنبيه على التبري عن الحول والقوة إلا به.

وفي مسلم وغيره قوله صلى الله عليه وسلم أحب الكلام إلى الله أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت وقال ابن عباس هي الأعمال الصالحات وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وقال مسروق هي الصلوات الخمس وهن الحسنات يذهبن السيئات ومن بدع التفسير أنها البنات.

( مالك عن زياد بن أبي زياد) ميسرة المخزومي المدني ثقة عابد مات سنة خمس وثلاثين ومائة خرج له مسلم والترمذي وابن ماجه ( أنه قال قال أبو الدرداء) عويمر مصغر وقيل عامر بن زيد بن قيس الأنصاري الصحابي الجليل أول مشاهده أحد وكان عابدا مشهورا بكنيته مات في خلافة عثمان وقيل عاش بعد ذلك وهذا رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الحاكم وابن عبد البر عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا) حرف تنبيه يؤكد به الجملة المصدرة به ( أخبركم) وفي رواية أنبئكم ( بخير أعمالكم) أي أفضلها لكم ( وأرفعها في درجاتكم) أي منازلكم في الجنة ( وأزكاها عند مليككم) أي أنماها وأطهرها عند ربكم ومالككم ( وخير) بالخفض ( لكم من إعطاء) وفي رواية إنفاق ( الذهب والورق) بكسر الراء الفضة ( وخير لكم) بالخفض أيضًا عطف على خير أعمالكم من حيث المعنى لأن المعنى ألا أخبركم بما هو خير لكم من بذل أموالكم ونفوسكم؛ قاله الطيبي ( من أن تلقوا عدوكم) الكفار ( فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم) يعني تقتلوهم ويقتلوكم بسيف أو غيره ( قالوا بلى) أخبرنا وفي رواية ابن ماجه: قالوا: وما ذاك يا رسول الله ( قال ذكر الله تعالى) لأن سائر العبادات من الأنفاق، وقتال العدو وسائل ووسائط يتقرب بها إلى الله تعالى والذكر هو المقصود الأسني ورأسه لا إله إلا الله وهي الكلمة العليا والقطب الذي تدور عليه رحى الإسلام والقاعدة التي بنى عليها أركانه والشعبة التي هي أعلى شعب الإيمان بل هي الكل وليس غيره { { قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } } أي الوحي مقصور على التوحيد لأنه القصد الأعظم من الوحي ووقع غيره تبعا ولذا آثرها العارفون على جميع الأذكار لما فيها من الخواص التي لا تعرف إلا بالوجدان والذوق قالوا وهذا محمول على أن الذكر كان أفضل للمخاطبين به ولو خوطب شجاع باسل يحصل به نفع الإسلام في القتال لقيل له الجهاد أو غني ينتفع الفقراء بماله لقيل الصدقة أو القادر على الحج لقيل له الحج أو من له أبوان قيل برهما وبه يحصل التوفيق بين الأخبار.

وقال الحافظ: المراد بالذكر هنا الذكر الكامل، وهو ما اجتمع فيه ذكر اللسان، والقلب بالشكر واستحضار عظمة الرب، وهذا لا يعدله شيء، وفضل الجهاد وغيره إنما هو بالنسبة إلى ذكر اللسان المجرد.

وقال الباجي: الذكر باللسان والقلب وهو ذكره عند الأوامر بامتثالها والمعاصي باجتنابها.
وذكر اللسان واجب كالفاتحة في الصلاة والإحرام والسلام وشبه ذلك، ومندوب وهو سائر الأذكار، فالواجب يحتمل أن يفضل على سائر أعمال البر، والمندوب يحتمل أن يفضل لعظم ثوابه وهداه لطريق الخير أو لكثرة تكرره انتهى.

ومقتضى هذا الحديث أن الذكر أفضل من التلاوة، ويعارضه خبر أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن وجمع الغزالي بأن القرآن أفضل لعموم الخلق والذكر أفضل للذاهب إلى الله في جميع أحواله في بدايته ونهايته فإن القرآن مشتمل على صنوف المعارف والأحوال والإرشاد إلى الطريق فما دام العبد مفتقرا إلى تهذيب الأخلاق وتحصيل المعارف فالقرآن أولى فإن جاوز ذلك واستولى الذكر على قلبه فمداومة الذكر أولى فإن القرآن يجاذب خاطره ويسرح به في رياض الجنة والذاهب إلى الله لا ينبغي أن يلتفت إلى الجنة بل يجعل همه هما واحدا وذكره ذكرا واحدا ليدرك درجة الفناء والاستغراق قال تعالى: { { وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } }

وأخذ ابن الحاج من الحديث أن ترك طلب الدنيا أعظم عند الله من أخذها والتصدق بها وأيده بما في القوت عن الحسن لا شيء أفضل من رفض الدنيا وبما في غيره عنه أنه سئل عن رجلين طلب أحدهما الدنيا بحلالها فأصابها فوصل بها رحمه وقدم فيها نفسه وترك الآخر الدنيا فقال أحبهما إلي الذي جانب الدنيا.

( قال زياد بن أبي زياد) ميسرة ( وقال أبو عبد الرحمن) كنية ( معاذ بن جبل) بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي من أعيان الصحابة شهد بدرا وما بعدها وإليه المنتهى في العلم بالأحكام والقرآن مات بالشام سنة ثماني عشرة وهذا قد رواه أحمد وابن عبد البر والبيهقي من طرق عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما عمل ابن آدم) وفي رواية آدمي ( من عمل) وفي رواية عملاً ( أنجى له من عذاب الله من ذكر الله) لأن حظ الغافلين يوم القيامة من أعمارهم الأوقات والساعات التي عمروها بذكر الله وسائر ما عداه هدر كيف ونهارهم شهوة ونومهم استغراق وغفلة فيقدمون على ربهم فلا يجدون ما ينجيهم إلا ذكر الله زاد في رواية قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا أن تضرب بسيفك حتى ينقطع ثم تضرب بسيفك حتى ينقطع ثم تضرب بسيفك حتى ينقطع.

قال ابن عبد البر فضائل الذكر كثيرة لا يحيط بها كتاب وحسبك بقوله تعالى: { { إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ } } أي ذكر الله العبد في الصلاة أكبر من الصلاة ومعنى ذكر الله العبد مأخوذ من الحديث عن الله تعالى إن ذكرني عبدي في الصلاة في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وأكرم.

( مالك عن نعيم) بضم النون ( بن عبد الله المجمر) بضم الميم الأولى وكسر الثانية بينهما جيم ساكنة والخفض صفة لنعيم وأبيه ( عن علي بن يحيى) بن خلاد بن رافع بن مالك بن العجلان ( الزرقي) بضم الزاي وفتح الراء فقاف، الأنصاري من صغار التابعين مات سنة سبع وعشرين ومائة.
وفيه رواية الأكابر عن الأصاغر لأن نعيمًا أكبر سنًا من علي وأقدم سماعًا ( عن أبيه) يحيى بن خلاد الأنصاري المدني، له رؤية فذكر في الصحابة لأنه قيل حنكه النبي صلى الله عليه وسلم.
مات في حدود التسعين ووهم من قال بعد المائة.
وهو تابعي من حيث الرواية ففي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق وهم من بني مالك والصحابي ( عن رفاعة بن رافع) بن مالك بن عجلان الأنصاري من أهل بدر، مات في أول خلافة معاوية وأبوه رافع صحابي شهد العقبة ( أنه قال كنا يوما) من الأيام ( نصلي وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم) المغرب كما في رواية النسائي وغيره ( فلما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه) أي شرع في رفعه ( من الركعة وقال سمع الله لمن حمده) ظاهره وقوع التسميع بعد رفع الرأس من الركوع فيكون من أذكار الاعتدال.

وفي حديث أبي هريرة وغيره أنه ذكر الانتقال وهو المعروف وجمع بأن المعنى لما شرع في رفع رأسه ابتدأ القول المذكور وأتمه بعد أن اعتدل ( قال رجل) هو رفاعة راوي الحديث، قاله ابن بشكوال مستدلاً بما للنسائي وغيره من وجه آخر عن رفاعة: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فعطست فقلت: الحمد لله الحديث.
ونوزع لاختلاف سياق السبب والقصة والجواب لا تعارض فيحمل وقوع عطاسه عند رفع رأس النبي صلى الله عليه وسلم وأبهم نفسه لقصد إخفاء عمله أو نسي بعض الرواة اسمه وأما ما عدا ذلك من الاختلاف فإنما فيه زيادة لعل الراوي اختصرها.
( وراءه ربنا ولك الحمد) بالواو ( حمدا) نصب بفعل مضمر دل عليه لك الحمد ( كثيرا طيبا) خالصًا عن الرياء والسمعة ( مباركا) كثير الخير ( فيه) زاد النسائي: وغيره مباركًا عليه كما يحب ربنا ويرضى.

قال الحافظ ففي قوله كما إلخ من حسن التفويض إلى الله تعالى ما هو الغاية في القصد، وأما مباركًا عليه فالظاهر أنه تأكيد.
وقيل الأول بمعنى الزيادة، والثاني بمعنى البقاء قال تعالى: { { وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا } } فهذا يناسب الأرض لأن القصد به النماء والزيادة لا البقاء لأنه بصدد التغير وقال تعالى: { { وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ } } فهذا يناسب الأنبياء لأن البركة باقية لهم ولما ناسب الحمد المعنيان جمعهما كذا قيل ولا يخفى ما فيه ( فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم) من الصلاة ( قال) كما في النسائي ( من المتكلم) في الصلاة ليعلم السامعون كلامه فيقولوا مثله ( آنفا) بالمد وكسر النون يعني قبل هذا ولا يستعمل إلا فيما قرب زاد النسائي فلم يتكلم أحد ثم قالها الثانية، فلم يتكلم أحد ثم قالها الثالثة فقال رفاعة بن رافع: أنا قال: كيف قلت؟ فذكره فقال: والذي نفسي بيده الحديث ( فقال الرجل أنا يا رسول الله) المتكلم بذلك أرجو الخير ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأيت بضعة وثلاثين) موافقة لعدد حروفه وهي ثلاثة وثلاثون حرفًا والبضع من ثلاثة إلى تسعة ولا يعكر عليه الزيادة المارة لأن المشار إليه هو الثناء الزائد على المعتاد وهو حمدا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى دون مباركا عليه فإنها للتأكيد ولمسلم عن أنس اثني عشر وللطبراني عن أبي أيوب ثلاثة عشر وهو مطابق لعدد الكلمات على رواية مباركا عليه إلخ ولحديث الباب لكن على اصطلاح النحاة وفيه رد على من زعم كالجوهري أن البضع يختص بما دون العشرين.
( ملكا) غير الحفظة على الظاهر ويؤيده ما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعًا: إن لله ملائكة يطوفون في الطريق يلتمسون أهل الذكر الحديث وفيه أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة ( يبتدرونها) أي يسارعون إلى الكلمات المذكورة ( أيهم يكتبهن) وللنسائي: أيهم يصعد بها، وللطبراني من حديث أبي أيوب أيهم يرفعها ولا تعارض لأنهم يكتبونها ثم يصعدون بها ( أولاً) روي بالضم على البناء لأنه ظرف قطع عن الإضافة وبالنصب على الحال.
قاله السهيلي، وأما أيهم: فرويناه بالرفع مبتدأ خبره يكتبهن.
قاله الطيبي وغيره تبعًا لأبي البقاء في إعراب قوله تعالى: { { أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ } } قال وهو في موضع نصب والعامل فيه ما دل عليه يلقون، وأي استفهامية، والتقدير مقول فيهم أيهم يكتبهن، ويجوز نصب أيهم بأن يقدر المحذوف ينظرون أيهم على قول سيبويه أي موصولة والتقدير يبتدرون الذي يكتبهن أول وأنكره جماعة من البصريين، واستشكل تأخير رفاعة إجابة النبي صلى الله عليه وسلم حتى كرر سؤاله ثلاثًا، مع أن إجابته واجبة بل وعلى من سمع رفاعة فإنه لم يسأل المتكلم وحده وأجيب بأنه لما لم يعين واحدًا بعينه لم تتعين المبادرة بالجواب من المتكلم ولا من واحد بعينه فكأنهم انتظروا بعضهم ليجيب وحملهم على ذلك خشية أن يبدو في حقه شيء ظنًا منهم أنه أخطأ فيما فعل ورجوا أن يعفى عنه ففهم صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: من القائل الكلمة فإنه لم يقل بأسًا؟ فقال: أنا قلتها لم أرد بها إلا خيرًا كما في أبي داود عن عامر بن ربيعة.

وعند ابن قانع قال رفاعة: فوددت أني خرجت من مالي وأني لم أشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة.
وللطبراني عن أبي أيوب فسكت الرجل ورأى أنه قد هجم من رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء كرهه فقال: من هو فإنه لم يقل إلا صوابًا قال الرجل: أنا يا رسول الله قلتها أرجو بها الخير.
ويحتمل أن المصلين لم يعرفوه بعينه لإقبالهم على صلاتهم أو لأنه في آخر الصفوف فلا يرد السؤال في حقهم.
قال الباجي: لم ير مالك العمل على حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه وكره للمصلي أن يقوله، يريد لم يرها من الأقوال المشروعة كالتكبير وسمع الله لمن حمده.

والحديث رواه البخاري وأبو داود في الصلاة عن عبد الله بن مسلمة.
وأحمد عن عبد الرحمن بن مهدي كلاهما عن مالك به.
وأخرجه النسائي، ولم يخرجه مسلم.



رقم الحديث 491 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْأَعْرَجِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَرَأَ بِالنَّجْمِ إِذَا هَوَى فَسَجَدَ فِيهَا، ثُمَّ قَامَ، فَقَرَأَ بِسُورَةٍ أُخْرَى.


( مالك عن عبد الله بن يزيد) المخزومي الصحابي المدني المقري الأعور من رجال الجميع مات سنة ثمان وأربعين ومائة ( مولى الأسود بن سفيان) المخزومي الصحابي ( عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قرأ لهم) قال الباجي الأظهر أنه كان يصلي لقوله قرأ لهم وقوله: فلما انصرف وجاء ذلك مفسرًا في حديث أبي رافع: صليت خلف أبي هريرة العشاء فقرأ: ( { { إذا السماء انشقت } } فسجد فيها فلما انصرف) من السجود ( أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها) وبهذا قال الخلفاء الأربعة والأئمة الثلاثة وجماعة.
ورواه ابن وهب عن مالك وروى عنه ابن القاسم والجمهور: لا سجود لأن أبا سلمة قال لأبي هريرة لما سجد: لقد سجدت في سورة ما رأيت الناس يسجدون فيها.
فدل هذا على أن الناس تركوه وجرى العمل بتركه ورده أبو عمر بما حاصله أي عمل يدعى مع مخالفة المصطفى والخلفاء الراشدين بعده.

والحديث رواه مسلم عن يحيى عن مالك به ورواه البخاري من وجه آخر بنحوه.

( مالك عن نافع مولى ابن عمر أن رجلا من أهل مصر أخبره أن عمر بن الخطاب قرأ سورة الحج فسجد فيها سجدتين ثم قال إن هذه السورة فضلت بسجدتين) أولاهما عند قوله: { { إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } } وهي متفق عليها والثانية عند قوله: { { وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } } فلم يقل بها مالك في المشهور ولا أبو حنيفة، وروى ابن وهب فيها السجود وهو قول الشافعي وأحمد.

( مالك عن عبد الله بن دينار) مولى ابن عمر ( أنه قال رأيت عبد الله بن عمر يسجد في سورة الحج سجدتين) وروي عنه أيضًا لو سجدت فيها واحدة كانت السجدة الأخيرة أحب إلي، وروي عن عقبة مرفوعًا: في الحج سجدتان ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما يريد لا يقرأهما إلا وهو طاهر والتعلق به ليس بقوي لضعف إسناده قاله الباجي ورده ابن زرقون بأن ابن حنبل احتج به وهو أعلم بإسناده وهذا رد بالصدر من فقيه على محدث حافظ إذ لا يلزم من احتجاجه به أن لا يكون ضعيفًا فالكلام إنما هو مع إسناده.

( مالك عن ابن شهاب عن الأعرج أن عمر بن الخطاب قرأ) في الصلاة ( بالنجم إذا هوى فسجد فيها) لما في الصحيحين عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد فيها فما بقي أحد من القوم إلا سجد فأخذ رجل كفًا من حصى أو تراب فرفعه إلى وجهه وقال: يكفيني هذا فلقد رأيته بعد قتل كافرًا ( ثم قام فقرأ بسورة أخرى) ليقع ركوعه عقب القراءة كما هو شأن الركوع وذلك مستحب، روى الطبراني بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمر أنه قرأ النجم في الصلاة فسجد فيها ثم قام فقرأ: { { إذا زلزلت } }

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر) فيه انقطاع فعروة ولد في خلافة عثمان فلم يدرك عمر ( بن الخطاب قرأ سجدة) أي سورة فيها سجدة وهي سورة النحل ( وهو على المنبر يوم الجمعة فنزل فسجد وسجد الناس معه) هكذا الرواية الصحيحة، وهي التي عند أبي عمر ويقع في نسخ وسجدنا معه.
قال الباجي: يحتمل أن عروة أراد جماعة المسلمين وأضاف الخطاب إليه لأنه من جملتهم وإلا فهو غلط لأنه لم يدرك عمر ( ثم قرأها يوم الجمعة الأخرى فتهيأ الناس للسجود فقال على رسلكم) بكسر الراء، أي هيئتكم ( إن الله لم يكتبها) لم يفرضها ( علينا إلا أن نشاء) استثناء منقطع أي لكن ذلك موكول إلى مشيئة المرء بدليل قوله ( فلم يسجد ومنعهم أن يسجدوا) وفي عدم إنكار أحد من الصحابة عليه ذلك دليل على أنه ليس بواجب، وإنه إجماع، ولعل عمر فعل ذلك تعليمًا للناس، وخاف أن يكون في ذلك خلاف فبادر إلى حسمه قاله ابن عبد البر.

وأخرج البخاري عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير التيمي أنه حضر عمر بن الخطاب حتى إذا كانت الجمعة قرأ على المنبر بسورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاءت السجدة قال: يا أيها الناس إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه، ولم يسجد عمر.
وزاد نافع عن ابن عمر أن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء.
قال الحافظ: استدل بقوله إلا أن نشاء على أن المرء مخير في السجود فيكون ليس بواجب وأجاب من أوجبه بأن المعنى إلا أن نشاء قراءتها فيجب، ولا يخفى بعده، ويرده تصريح عمر بقوله: ومن لم يسجد فلا إثم عليه، فإن انتفاء الإثم عمن ترك الفعل مختارًا يدل على عدم وجوبه.

( قال مالك ليس العمل على أن ينزل الإمام إذا قرأ السجدة على المنبر فيسجد) وقال الشافعي: لا بأس بذلك، ويحتمل قول مالك أنه لا يلزمه النزول قاله ابن عبد البر.
وقال الباجي: روى علي يكره أن ينزل عن المنبر يسجد سجدة قرأها.

( قال مالك الأمر عندنا أن عزائم سجود القرآن) أي ما وردت العزيمة على فعله كصيغة الأمر مثلاً بناء على أن بعض المندوبات آكد من بعض عند من لا يقول بالوجوب ( إحدى عشرة سجدة) آخر الأعراف والآصال في الرعد ويؤمرون في النحل وخشوعًا في سبحان، وبكيًا في مريم، وإن الله يفعل ما يشاء في الحج ونفورًا في الفرقان والعظيم في النمل ولا يستكبرون في الم السجدة وأناب في ص وتعبدون في فصلت ( ليس في المفصل منها شيء) لما في الصحيحين عن زيد بن ثابت أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم والنجم فلم يسجد فيها، وحديث عطاء بن يسار: سألت أبي بن كعب فقال: ليس في المفصل سجدة.

قال الشافعي في القديم: وأبي وزيد في العلم بالقرآن كما لا يجهل أحد.
زيد قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم عام مات، وقرأ أبي على النبي صلى الله عليه وسلم مرتين، وقرأ ابن عباس على أبي وهم من لا يشك إن شاء الله أنهم لا يقولونه إلا بالإحاطة مع قول من لقينا من أهل المدينة، وكيف يجهل أبي بن كعب سجود القرآن وقد قال صلى الله عليه وسلم له: إن الله أمرني أن أقرئك القرآن.

قال البيهقي: ثم قطع الشافعي في الجديد بإثبات السجود في المفصل.
قال غيره: وما رواه أبو داود وغيره عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة فضعفه المحدثون لضعف في بعض رواته واختلاف في إسناده وعلى تقدير ثبوته، فالمثبت مقدم على النافي.
وتقدم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في { { إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ } } وفي بعض طرقه في الصحيحين: لو لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يسجد لم أسجد.
وللبزار والدارقطني برجال ثقات عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في سورة النجم وسجدنا معه، وأبو هريرة إنما أسلم بالمدينة.

( قال مالك لا ينبغي لأحد يقرأ من سجود القرآن شيئا) فيسجد ( بعد صلاة الصبح ولا بعد صلاة العصر) فالظرف متعلق بمقدر ( و) دليل ( ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس) كما أسنده الإمام بعد ذلك ( والسجدة من الصلاة فلا ينبغي لأحد أن يقرأ سجدة في تينك الساعتين) قال الباجي: منعها في الموطأ فقاسها على صلاة النوافل، وقال في المدونة رواية ابن القاسم: يسجد لها بعد الصبح ما لم يسفر وبعد العصر ما لم تصفر الشمس فرآها صلاة اختلف في وجوبها كصلاة الجنازة فقاسها عليها.

( سئل مالك عمن قرأ سجدة وامرأة حائض تسمع هل لها أن تسجد قال مالك لا يسجد الرجل ولا المرأة إلا وهما طاهران) أي الطهارة الكاملة بالوضوء وحكى ابن عبد البر على ذلك الإجماع وفي البخاري وكان ابن عمر يسجد على غير وضوء.
قال الحافظ: لم يوافق ابن عمر على ذلك أحد إلا الشعبي وأبو عبد الرحمن السلمي، رواهما ابن أبي شيبة، وللبيهقي بإسناد صحيح عن ابن عمر قال: لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر فيجمع بينهما بأنه أراد الطهارة الكبرى أو الثاني على حالة الاختيار، والأول على الضرورة.

( وسئل مالك عن امرأة قرأت سجدة ورجل معها يسمع أعليه أن يسجد معها قال مالك ليس عليه أن يسجد معها) قال الباجي: أي لا يصح له ذلك إذ لا يجوز الائتمام بها، فمن استمع لقارئ فقد ائتم به ولزمه حكمه فإن صلح للإمامة سجد المستمع ( إنما تجب السجدة) أي تسن ( على القوم يكونون مع الرجل فيأتمون به) قال الباجي: الائتمام أن يجلس للاستماع منه ( فيقرأ السجدة فيسجدون معه وليس على من سمع) بلفظ الماضي، ولابن وضاح يسمع مضارع ( سجدة من إنسان) أي رجل ( يقرؤها ليس له بإمام أن يسجد تلك السجدة) وقال أبو حنيفة: يسجد السامع من رجل أو امرأة وروى ابن أبي شيبة عن زيد بن أسلم أن غلامًا قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم السجدة فانتظر الغلام النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد فلما لم يسجد قال يا رسول الله أليس في هذه السجدة سجود؟ قال بلى، ولكنك كنت إمامنا فيها، ولو سجدت سجدنا معك، مرسل رجاله ثقات، وروي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: بلغني فذكر نحوه، وجوز الشافعي أن القارئ المذكور زيد بن ثابت لأنه قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم يسجد، ولأن عطاء بن يسار روى الحديثين المذكورين، والله أعلم.



رقم الحديث 492 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ سَجْدَةً، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
فَنَزَلَ فَسَجَدَ، وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ، ثُمَّ قَرَأَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى.
فَتَهَيَّأَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ، فَقَالَ: عَلَى رِسْلِكُمْ.
إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْنَا، إِلَّا أَنْ نَشَاءَ.
فَلَمْ يَسْجُدْ، وَمَنَعَهُمْ أَنْ يَسْجُدُوا
قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الْإِمَامُ، إِذَا قَرَأَ السَّجْدَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَيَسْجُدَ قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ عَزَائِمَ سُجُودِ الْقُرْآنِ إِحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً.
لَيْسَ فِي الْمُفَصَّلِ مِنْهَا شَيْءٌ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ يَقْرَأُ مِنْ سُجُودِ الْقُرْآنِ شَيْئًا، بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ.
وَلَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ.
وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ.
وَعَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ، حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ.
وَالسَّجْدَةُ مِنَ الصَّلَاةِ.
فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ سَجْدَةً فِي تَيْنِكَ السَّاعَتَيْنِ سُئِلَ مَالِكٌ: عَمَّنْ قَرَأَ سَجْدَةً.
وَامْرَأَةٌ حَائِضٌ تَسْمَعُ، هَلْ لَهَا أَنْ تَسْجُدَ؟ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَسْجُدُ الرَّجُلُ، وَلَا الْمَرْأَةُ، إِلَّا وَهُمَا طَاهِرَانِ وسُئِلَ عَنِ امْرَأَةٍ قَرَأَتْ سَجْدَةً.
وَرَجُلٌ مَعَهَا يَسْمَعُ.
أَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ مَعَهَا؟ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ مَعَهَا.
إِنَّمَا تَجِبُ السَّجْدَةُ عَلَى الْقَوْمِ يَكُونُونَ مَعَ الرَّجُلِ.
فَيَأْتَمُّونَ بِهِ.
فَيَقْرَأُ السَّجْدَةَ، فَيَسْجُدُونَ مَعَهُ.
وَلَيْسَ عَلَى مَنْ سَمِعَ سَجْدَةً مِنْ إِنْسَانٍ يَقْرَؤُهَا، لَيْسَ لَهُ بِإِمَامٍ، أَنْ يَسْجُدَ تِلْكَ السَّجْدَةَ.


( مالك عن عبد الله بن يزيد) المخزومي الصحابي المدني المقري الأعور من رجال الجميع مات سنة ثمان وأربعين ومائة ( مولى الأسود بن سفيان) المخزومي الصحابي ( عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قرأ لهم) قال الباجي الأظهر أنه كان يصلي لقوله قرأ لهم وقوله: فلما انصرف وجاء ذلك مفسرًا في حديث أبي رافع: صليت خلف أبي هريرة العشاء فقرأ: ( { { إذا السماء انشقت } } فسجد فيها فلما انصرف) من السجود ( أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها) وبهذا قال الخلفاء الأربعة والأئمة الثلاثة وجماعة.
ورواه ابن وهب عن مالك وروى عنه ابن القاسم والجمهور: لا سجود لأن أبا سلمة قال لأبي هريرة لما سجد: لقد سجدت في سورة ما رأيت الناس يسجدون فيها.
فدل هذا على أن الناس تركوه وجرى العمل بتركه ورده أبو عمر بما حاصله أي عمل يدعى مع مخالفة المصطفى والخلفاء الراشدين بعده.

والحديث رواه مسلم عن يحيى عن مالك به ورواه البخاري من وجه آخر بنحوه.

( مالك عن نافع مولى ابن عمر أن رجلا من أهل مصر أخبره أن عمر بن الخطاب قرأ سورة الحج فسجد فيها سجدتين ثم قال إن هذه السورة فضلت بسجدتين) أولاهما عند قوله: { { إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } } وهي متفق عليها والثانية عند قوله: { { وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } } فلم يقل بها مالك في المشهور ولا أبو حنيفة، وروى ابن وهب فيها السجود وهو قول الشافعي وأحمد.

( مالك عن عبد الله بن دينار) مولى ابن عمر ( أنه قال رأيت عبد الله بن عمر يسجد في سورة الحج سجدتين) وروي عنه أيضًا لو سجدت فيها واحدة كانت السجدة الأخيرة أحب إلي، وروي عن عقبة مرفوعًا: في الحج سجدتان ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما يريد لا يقرأهما إلا وهو طاهر والتعلق به ليس بقوي لضعف إسناده قاله الباجي ورده ابن زرقون بأن ابن حنبل احتج به وهو أعلم بإسناده وهذا رد بالصدر من فقيه على محدث حافظ إذ لا يلزم من احتجاجه به أن لا يكون ضعيفًا فالكلام إنما هو مع إسناده.

( مالك عن ابن شهاب عن الأعرج أن عمر بن الخطاب قرأ) في الصلاة ( بالنجم إذا هوى فسجد فيها) لما في الصحيحين عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد فيها فما بقي أحد من القوم إلا سجد فأخذ رجل كفًا من حصى أو تراب فرفعه إلى وجهه وقال: يكفيني هذا فلقد رأيته بعد قتل كافرًا ( ثم قام فقرأ بسورة أخرى) ليقع ركوعه عقب القراءة كما هو شأن الركوع وذلك مستحب، روى الطبراني بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمر أنه قرأ النجم في الصلاة فسجد فيها ثم قام فقرأ: { { إذا زلزلت } }

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر) فيه انقطاع فعروة ولد في خلافة عثمان فلم يدرك عمر ( بن الخطاب قرأ سجدة) أي سورة فيها سجدة وهي سورة النحل ( وهو على المنبر يوم الجمعة فنزل فسجد وسجد الناس معه) هكذا الرواية الصحيحة، وهي التي عند أبي عمر ويقع في نسخ وسجدنا معه.
قال الباجي: يحتمل أن عروة أراد جماعة المسلمين وأضاف الخطاب إليه لأنه من جملتهم وإلا فهو غلط لأنه لم يدرك عمر ( ثم قرأها يوم الجمعة الأخرى فتهيأ الناس للسجود فقال على رسلكم) بكسر الراء، أي هيئتكم ( إن الله لم يكتبها) لم يفرضها ( علينا إلا أن نشاء) استثناء منقطع أي لكن ذلك موكول إلى مشيئة المرء بدليل قوله ( فلم يسجد ومنعهم أن يسجدوا) وفي عدم إنكار أحد من الصحابة عليه ذلك دليل على أنه ليس بواجب، وإنه إجماع، ولعل عمر فعل ذلك تعليمًا للناس، وخاف أن يكون في ذلك خلاف فبادر إلى حسمه قاله ابن عبد البر.

وأخرج البخاري عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير التيمي أنه حضر عمر بن الخطاب حتى إذا كانت الجمعة قرأ على المنبر بسورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاءت السجدة قال: يا أيها الناس إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه، ولم يسجد عمر.
وزاد نافع عن ابن عمر أن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء.
قال الحافظ: استدل بقوله إلا أن نشاء على أن المرء مخير في السجود فيكون ليس بواجب وأجاب من أوجبه بأن المعنى إلا أن نشاء قراءتها فيجب، ولا يخفى بعده، ويرده تصريح عمر بقوله: ومن لم يسجد فلا إثم عليه، فإن انتفاء الإثم عمن ترك الفعل مختارًا يدل على عدم وجوبه.

( قال مالك ليس العمل على أن ينزل الإمام إذا قرأ السجدة على المنبر فيسجد) وقال الشافعي: لا بأس بذلك، ويحتمل قول مالك أنه لا يلزمه النزول قاله ابن عبد البر.
وقال الباجي: روى علي يكره أن ينزل عن المنبر يسجد سجدة قرأها.

( قال مالك الأمر عندنا أن عزائم سجود القرآن) أي ما وردت العزيمة على فعله كصيغة الأمر مثلاً بناء على أن بعض المندوبات آكد من بعض عند من لا يقول بالوجوب ( إحدى عشرة سجدة) آخر الأعراف والآصال في الرعد ويؤمرون في النحل وخشوعًا في سبحان، وبكيًا في مريم، وإن الله يفعل ما يشاء في الحج ونفورًا في الفرقان والعظيم في النمل ولا يستكبرون في الم السجدة وأناب في ص وتعبدون في فصلت ( ليس في المفصل منها شيء) لما في الصحيحين عن زيد بن ثابت أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم والنجم فلم يسجد فيها، وحديث عطاء بن يسار: سألت أبي بن كعب فقال: ليس في المفصل سجدة.

قال الشافعي في القديم: وأبي وزيد في العلم بالقرآن كما لا يجهل أحد.
زيد قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم عام مات، وقرأ أبي على النبي صلى الله عليه وسلم مرتين، وقرأ ابن عباس على أبي وهم من لا يشك إن شاء الله أنهم لا يقولونه إلا بالإحاطة مع قول من لقينا من أهل المدينة، وكيف يجهل أبي بن كعب سجود القرآن وقد قال صلى الله عليه وسلم له: إن الله أمرني أن أقرئك القرآن.

قال البيهقي: ثم قطع الشافعي في الجديد بإثبات السجود في المفصل.
قال غيره: وما رواه أبو داود وغيره عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة فضعفه المحدثون لضعف في بعض رواته واختلاف في إسناده وعلى تقدير ثبوته، فالمثبت مقدم على النافي.
وتقدم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في { { إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ } } وفي بعض طرقه في الصحيحين: لو لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يسجد لم أسجد.
وللبزار والدارقطني برجال ثقات عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في سورة النجم وسجدنا معه، وأبو هريرة إنما أسلم بالمدينة.

( قال مالك لا ينبغي لأحد يقرأ من سجود القرآن شيئا) فيسجد ( بعد صلاة الصبح ولا بعد صلاة العصر) فالظرف متعلق بمقدر ( و) دليل ( ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس) كما أسنده الإمام بعد ذلك ( والسجدة من الصلاة فلا ينبغي لأحد أن يقرأ سجدة في تينك الساعتين) قال الباجي: منعها في الموطأ فقاسها على صلاة النوافل، وقال في المدونة رواية ابن القاسم: يسجد لها بعد الصبح ما لم يسفر وبعد العصر ما لم تصفر الشمس فرآها صلاة اختلف في وجوبها كصلاة الجنازة فقاسها عليها.

( سئل مالك عمن قرأ سجدة وامرأة حائض تسمع هل لها أن تسجد قال مالك لا يسجد الرجل ولا المرأة إلا وهما طاهران) أي الطهارة الكاملة بالوضوء وحكى ابن عبد البر على ذلك الإجماع وفي البخاري وكان ابن عمر يسجد على غير وضوء.
قال الحافظ: لم يوافق ابن عمر على ذلك أحد إلا الشعبي وأبو عبد الرحمن السلمي، رواهما ابن أبي شيبة، وللبيهقي بإسناد صحيح عن ابن عمر قال: لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر فيجمع بينهما بأنه أراد الطهارة الكبرى أو الثاني على حالة الاختيار، والأول على الضرورة.

( وسئل مالك عن امرأة قرأت سجدة ورجل معها يسمع أعليه أن يسجد معها قال مالك ليس عليه أن يسجد معها) قال الباجي: أي لا يصح له ذلك إذ لا يجوز الائتمام بها، فمن استمع لقارئ فقد ائتم به ولزمه حكمه فإن صلح للإمامة سجد المستمع ( إنما تجب السجدة) أي تسن ( على القوم يكونون مع الرجل فيأتمون به) قال الباجي: الائتمام أن يجلس للاستماع منه ( فيقرأ السجدة فيسجدون معه وليس على من سمع) بلفظ الماضي، ولابن وضاح يسمع مضارع ( سجدة من إنسان) أي رجل ( يقرؤها ليس له بإمام أن يسجد تلك السجدة) وقال أبو حنيفة: يسجد السامع من رجل أو امرأة وروى ابن أبي شيبة عن زيد بن أسلم أن غلامًا قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم السجدة فانتظر الغلام النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد فلما لم يسجد قال يا رسول الله أليس في هذه السجدة سجود؟ قال بلى، ولكنك كنت إمامنا فيها، ولو سجدت سجدنا معك، مرسل رجاله ثقات، وروي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: بلغني فذكر نحوه، وجوز الشافعي أن القارئ المذكور زيد بن ثابت لأنه قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم يسجد، ولأن عطاء بن يسار روى الحديثين المذكورين، والله أعلم.