فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الْعَمَلِ فِي الدُّعَاءِ

رقم الحديث 514 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: رَآنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَنَا أَدْعُو وَأُشِيرُ بِأُصْبُعَيْنِ، أُصْبُعٍ مِنْ كُلِّ يَدٍ فَنَهَانِي.


العمل في الدعاء

( مالك عن عبد الله بن دينار قال رآني عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( وأنا أدعو وأشير بأصبعين أصبع من كل يد فنهاني) لأن الواجب في الدعاء أن يكون إما باليدين وبسطهما على معنى التضرع والرغبة وإما أن يشير بأصبع واحدة على معنى التوحيد قاله الباجي أي الواجب من جهة الأدب والنهي مأخوذ من قول سعد بن أبي وقاص مر النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصبعي فقال أحد أحد وأشار بالسبابة أخرجه الترمذي وصححه الحاكم ورواه النسائي والترمذي وقال حسن وصححه الحاكم عن أبي هريرة أن رجلا كان يدعو بأصبعيه فقال صلى الله عليه وسلم أحد أحد بفتح الهمزة وكسر المهملة الثقيلة والجزم وكرره للتأكيد ولا يعارضه خبر الحاكم عن سهل ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم شاهرا يديه يدعو على منبره ولا غيره إلا كان يجعل أصبعيه بحذاء منكبيه ويدعو لأن الدعاء له حالات أو لأن هذا إخلاص أيضا لأن فيه رفع أصبع واحدة من كل يد أو لبيان الجواز على أن حديث سعد حمله بعضهم على الرفع في الاستغفار لما في أبي داود عن ابن عباس مرفوعا المسألة رفع يديك حذو منكبيك والاستغفار أن تشير بأصبع واحدة والابتهال أن تمد يديك جميعا وزعم بعضهم أن ذلك كان في التشهد لا دليل عليه.

( مالك عن يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب كان يقول إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده وقال) أي أشار ( بيديه نحو السماء فرفعهما) إشارة إلى أنه يرفع إلى جهة العلو وهو الدرجة في الجنة قال ابن عبد البر هذا لا يدرك بالرأي وقد جاء بسند جيد ثم أخرج عن أبي هريرة مرفوعا إن المؤمن ليرفع الدرجة في الجنة فيقول يا رب بم هذا فيقال له بدعاء ولدك من بعدك وفي رواية باستغفار ابنك.

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال إنما أنزلت هذه الآية { { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } } ) جدًا فتنقطع وتنبت { { وَلاَ تُخَافِتْ } } ولا تخفض صوتك { { بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ } } الجهر والمخافتة { { سَبِيلاً } } وسطًا ( في الدعاء) أرسله مالك، وتابعه على إرساله سعيد بن منصور عن يعقوب بن عبد الرحيم الإسكندري عن هشام ووصله البخاري من طريق مالك بن سعيد عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت أنزل ذلك في الدعاء قال الحافظ وتابعه الثوري عن هشام وأطلقت عائشة الدعاء وهو أعم من أن يكون داخل الصلاة أو خارجها.

وأخرجه الطبري وابن خزيمة والعمري والحاكم من طريق حفص بن غياث عن هشام فزاد في التشهد ومن طريق عبد الله بن شداد قال كان أعراب من بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا اللهم ارزقنا مالا وولدا وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس قال نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله تعالى لنبيه { { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } } أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن { { وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } } عن أصحابك فلا تسمعهم { { وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً } } ورجح الطبري حديث ابن عباس قال لأنه أصح إسنادا وتبعه النووي وغيره لكن يحتمل الجمع بأنها نزلت في الدعاء داخل الصلاة وقد روى ابن جرير من طرق عن ابن عباس قال نزلت في الدعاء فوافق عائشة وعنده عن عطاء ومجاهد وسعيد ومكحول مثله وأسند عن عطاء أيضا قال يقول قوم إنها في الصلاة وقوم إنها في الدعاء ولابن مردويه عن أبي هريرة كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى عند البيت رفع صوته بالدعاء فنزلت وقيل الآية في الدعاء وهي منسوخة بقوله: { { ادعوا ربكم تضرعا وخفية } } انتهى وفي الاستذكار قال مالك أحسن ما سمعت فيه أي لا تجهر بقراءتك في صلاة النهار ولا تخافت بقراءتك في صلاة الليل والصبح وهذا نص عن مالك أن الصبح من النهار.

( قال يحيى وسئل مالك عن الدعاء في الصلاة المكتوبة فقال لا بأس بالدعاء فيها) وأولى في غيرها بما شاء من أمر دينه ودنياه من القرآن أو غيره وقال أبو حنيفة لا يدعو إلا بما في القرآن وإلا بطلت صلاته ولنا أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين الحديث وقال غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله وغير ذلك وكله في الصحيح.

( مالك أنه بلغه) ولعبد الله بن يوسف وطائفة مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه قال ابن عبد البر وهو صحيح ثابت من حديث عبد الرحمن بن عباس وابن عباس وثوبان وأمامة الباهلي ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول اللهم إني أسألك) أي أطلب منك ( فعل الخيرات) المأمورات أي الإقدار على فعلها والتوفيق له ( وترك المنكرات) أي المنهيات ( وحب المساكين) يحتمل إضافته إلى الفاعل وإلى المفعول وهو أنسب بما قبله قال الباجي وهو من فعل القلب ومع ذلك فيختص بالتواضع وفيه أن فعل الثلاثة إنما هو بفضل الله وتوفيقه ( وإذا أدرت) بتقديم الدال على الراء من الإدارة أوقعت ( في الناس) ويروى بتقديم الراء على الدال من الإرادة ( فتنة) بلايا ومحنا ( فاقبضني إليك غير مفتون) الفتنة لغة الاختبار والامتحان وتستعمل عرفا لكشف ما يكره قاله عياض وتطلق على القتل والإحراق والنميمة وغير ذلك وفيه إشارة إلى طلب العافية واستدامة السلامة إلى حسن الخاتمة ( مالك أنه بلغه) مما صح من طرق شتى عن أبي هريرة وجرير وغيرهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من داع يدعو إلى هدى) أي إلى ما يهتدى به من العمل الصالح ونكر ليشيع فيتناول الحقير كإماطة الأذى عن الطريق ( إلا كان له مثل أجر من تبعه) سواء ابتدعه أو سبق إليه لأن اتباعهم له تولد عن فعله الذي هو من سنن المرسلين ( لا ينقص ذلك) الإشارة إلى مصدر كان ( من أجورهم شيئًا) دفع به توهم أن أجر الداعي إنما يكون بتنقيص أجر التابع وضمه إلى أجر الداعي فكما يترتب الثواب والعقاب على ما يباشره يترتب كل منهما على ما هو سبب فعله كالإرشاد إليه والحث عليه قال الطيبي الهدى إما الدلالة الموصلة إلى البغية أو مطلق الإرشاد وهو في الحديث ما يهتدى به من الأعمال وهو بحسب التنكير مطلق شائع في جنس ما يقال له هدى يطلق على الكثير والقليل والعظيم والحقير فأعظمه هدى من دعا إلى الله وعمل صالحا وأدناه هدى من دعا إلى إماطة الأذى ولذا عظم شأن الفقيه الداعي المنذر حتى فضل واحد منهم على ألف عابد ولأن نفعه يعم الأشخاص والأعصار إلى يوم الدين ( وما من داع يدعو إلى ضلالة) ابتدعها أو سبق بها ( إلا كان عليه مثل أوزارهم) أي من اتبعه لتولده عن فعله الذي هو من خصال الشيطان والعبد يستحق العقوبة على السبب وما تولد منه كما يعاقب السكران على جنايته حال سكره لمنع السبب فلم يعذر السكران فإن الله يعاقب على الأسباب المحرمة وما تولد منها كما يثيب على الأسباب المأمور بها وما تولد منها ولذا كان على قابيل القاتل لأخيه كفل من ذنب كل قاتل لأنه أول من سن القتل كما في الحديث ( لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا) ضمير الجمع فيه وفيما قبله عائد على من باعتبار المعنى قال البيضاوي أفعال العباد وإن كانت غير موجبة ولا مقتضية للثواب ولا للعقاب بذاتها لكنه تعالى أجرى عادته بربط الثواب والعقاب بها ارتباط المسببات بالأسباب وفعل ما له تأثير في صدوره بوجه ولما كانت الجهة التي استوجب بها الجزاء غير الجهة التي استوجب بها المباشر لم ينقص أجره من أجره ولا من وزره شيئا انتهى.
وأورد إذا دعا واحد إلى ضلالة فاتبعوه لزم كون السيئة واحدة وهي الدعوة مع أن هنا أوزارا كثيرة وأجيب بأن تلك الدعوة في المعنى متعددة لأن دعوى الجمع دفعة دعوة لكل من أجابها فإن قيل كيف التوبة مما تولد وليس فعله والمرء إنما يتوب مما فعله اختيارا أجيب بحصولها بالندم ودفعه عن الغير ما أمكن وهو إقناعي وهذا الحديث أخرجه أحمد ومسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة مرفوعا من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا قال ابن عبد البر هذا أبلغ شيء في فضل تعليم العلم والدعاء إليه وإلى جميع سبل الخير والبر وقال ابن مسعود وعكرمة وعطاء وغيرهم في قوله تعالى: { { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } } أي ما قدمت من خير يعمل به بعدها وما أخرت من شر يعمل به بعدها وقاله قتادة في قوله تعالى: { { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } } وعطاء في قوله: { { إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا } } انتهى وأخذ من الحديث أن كل أجر حصل للشهيد أو لغيره حصل للنبي صلى الله عليه وسلم مثله زيادة على ما له من الأجر الخاص من الأعمال والمعارف والأحوال التي لا تصل جميع الأمة إلى عرف نشرها ولا تبلغ معشار عشرها فجميع حسنات المسلمين وأعمالهم الصالحة في صحائفه زيادة على ما له من الأجر مع مضاعفة لا يحصيها إلا الله لأن كل مهتد وعامل إلى يوم القيامة له أجر ولشيخه في الهداية مثله وشيخ شيخه مثلاه وللشيخ الثالث أربعة وللرابع ثمانية وهكذا تضعف كل مرتبة بعدد الأجور الحاصلة بعده إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبه يعرف فضل السلف على الخلف فإذا فرضت المراتب عشرة بعده صلى الله عليه وسلم كان له من الأجر ألف وأربعة وعشرون فإذا اهتدى بالعاشر الحادي عشر صار له صلى الله عليه وسلم ألفان وثمانية وأربعون وهكذا كلما زاد واحد تضاعف ما كان قبله أبدًا ( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر قال اللهم اجعلني من أئمة المتقين) قال أبو عمر هو من قوله تعالى: { { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } } فإذا كان إمامًا في الخير كان له أجره وأجر من اقتدى به ومعلم الخير يستغفر له حتى الحوت في البحر.

( مالك أنه بلغه أن أبا الدرداء كان يقوم من جوف الليل فيقول نامت العيون وغارت النجوم)أي غربت وذلك دليل على حدوثها وبه استدل إبراهيم عليه السلام فقال: { { لاَ أُحِبُّ الأَفِلِينَ } } ( وأنت الحي القيوم) قال ابن عباس: هو الذي لا يزول، وهذا من قوله قيوم السموات والأرض، أي الدائم حكمه فيهما، وقال مجاهد: القيوم القائم على كل شيء وهذا من قوله تعالى: { { أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } } أي حافظ؛ قاله الباجي.



رقم الحديث 515 وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُرْفَعُ بِدُعَاءِ وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ،.

     وَقَالَ  بِيَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ فَرَفَعَهُمَا.


العمل في الدعاء

( مالك عن عبد الله بن دينار قال رآني عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( وأنا أدعو وأشير بأصبعين أصبع من كل يد فنهاني) لأن الواجب في الدعاء أن يكون إما باليدين وبسطهما على معنى التضرع والرغبة وإما أن يشير بأصبع واحدة على معنى التوحيد قاله الباجي أي الواجب من جهة الأدب والنهي مأخوذ من قول سعد بن أبي وقاص مر النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصبعي فقال أحد أحد وأشار بالسبابة أخرجه الترمذي وصححه الحاكم ورواه النسائي والترمذي وقال حسن وصححه الحاكم عن أبي هريرة أن رجلا كان يدعو بأصبعيه فقال صلى الله عليه وسلم أحد أحد بفتح الهمزة وكسر المهملة الثقيلة والجزم وكرره للتأكيد ولا يعارضه خبر الحاكم عن سهل ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم شاهرا يديه يدعو على منبره ولا غيره إلا كان يجعل أصبعيه بحذاء منكبيه ويدعو لأن الدعاء له حالات أو لأن هذا إخلاص أيضا لأن فيه رفع أصبع واحدة من كل يد أو لبيان الجواز على أن حديث سعد حمله بعضهم على الرفع في الاستغفار لما في أبي داود عن ابن عباس مرفوعا المسألة رفع يديك حذو منكبيك والاستغفار أن تشير بأصبع واحدة والابتهال أن تمد يديك جميعا وزعم بعضهم أن ذلك كان في التشهد لا دليل عليه.

( مالك عن يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب كان يقول إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده وقال) أي أشار ( بيديه نحو السماء فرفعهما) إشارة إلى أنه يرفع إلى جهة العلو وهو الدرجة في الجنة قال ابن عبد البر هذا لا يدرك بالرأي وقد جاء بسند جيد ثم أخرج عن أبي هريرة مرفوعا إن المؤمن ليرفع الدرجة في الجنة فيقول يا رب بم هذا فيقال له بدعاء ولدك من بعدك وفي رواية باستغفار ابنك.

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال إنما أنزلت هذه الآية { { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } } ) جدًا فتنقطع وتنبت { { وَلاَ تُخَافِتْ } } ولا تخفض صوتك { { بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ } } الجهر والمخافتة { { سَبِيلاً } } وسطًا ( في الدعاء) أرسله مالك، وتابعه على إرساله سعيد بن منصور عن يعقوب بن عبد الرحيم الإسكندري عن هشام ووصله البخاري من طريق مالك بن سعيد عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت أنزل ذلك في الدعاء قال الحافظ وتابعه الثوري عن هشام وأطلقت عائشة الدعاء وهو أعم من أن يكون داخل الصلاة أو خارجها.

وأخرجه الطبري وابن خزيمة والعمري والحاكم من طريق حفص بن غياث عن هشام فزاد في التشهد ومن طريق عبد الله بن شداد قال كان أعراب من بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا اللهم ارزقنا مالا وولدا وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس قال نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله تعالى لنبيه { { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } } أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن { { وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } } عن أصحابك فلا تسمعهم { { وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً } } ورجح الطبري حديث ابن عباس قال لأنه أصح إسنادا وتبعه النووي وغيره لكن يحتمل الجمع بأنها نزلت في الدعاء داخل الصلاة وقد روى ابن جرير من طرق عن ابن عباس قال نزلت في الدعاء فوافق عائشة وعنده عن عطاء ومجاهد وسعيد ومكحول مثله وأسند عن عطاء أيضا قال يقول قوم إنها في الصلاة وقوم إنها في الدعاء ولابن مردويه عن أبي هريرة كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى عند البيت رفع صوته بالدعاء فنزلت وقيل الآية في الدعاء وهي منسوخة بقوله: { { ادعوا ربكم تضرعا وخفية } } انتهى وفي الاستذكار قال مالك أحسن ما سمعت فيه أي لا تجهر بقراءتك في صلاة النهار ولا تخافت بقراءتك في صلاة الليل والصبح وهذا نص عن مالك أن الصبح من النهار.

( قال يحيى وسئل مالك عن الدعاء في الصلاة المكتوبة فقال لا بأس بالدعاء فيها) وأولى في غيرها بما شاء من أمر دينه ودنياه من القرآن أو غيره وقال أبو حنيفة لا يدعو إلا بما في القرآن وإلا بطلت صلاته ولنا أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين الحديث وقال غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله وغير ذلك وكله في الصحيح.

( مالك أنه بلغه) ولعبد الله بن يوسف وطائفة مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه قال ابن عبد البر وهو صحيح ثابت من حديث عبد الرحمن بن عباس وابن عباس وثوبان وأمامة الباهلي ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول اللهم إني أسألك) أي أطلب منك ( فعل الخيرات) المأمورات أي الإقدار على فعلها والتوفيق له ( وترك المنكرات) أي المنهيات ( وحب المساكين) يحتمل إضافته إلى الفاعل وإلى المفعول وهو أنسب بما قبله قال الباجي وهو من فعل القلب ومع ذلك فيختص بالتواضع وفيه أن فعل الثلاثة إنما هو بفضل الله وتوفيقه ( وإذا أدرت) بتقديم الدال على الراء من الإدارة أوقعت ( في الناس) ويروى بتقديم الراء على الدال من الإرادة ( فتنة) بلايا ومحنا ( فاقبضني إليك غير مفتون) الفتنة لغة الاختبار والامتحان وتستعمل عرفا لكشف ما يكره قاله عياض وتطلق على القتل والإحراق والنميمة وغير ذلك وفيه إشارة إلى طلب العافية واستدامة السلامة إلى حسن الخاتمة ( مالك أنه بلغه) مما صح من طرق شتى عن أبي هريرة وجرير وغيرهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من داع يدعو إلى هدى) أي إلى ما يهتدى به من العمل الصالح ونكر ليشيع فيتناول الحقير كإماطة الأذى عن الطريق ( إلا كان له مثل أجر من تبعه) سواء ابتدعه أو سبق إليه لأن اتباعهم له تولد عن فعله الذي هو من سنن المرسلين ( لا ينقص ذلك) الإشارة إلى مصدر كان ( من أجورهم شيئًا) دفع به توهم أن أجر الداعي إنما يكون بتنقيص أجر التابع وضمه إلى أجر الداعي فكما يترتب الثواب والعقاب على ما يباشره يترتب كل منهما على ما هو سبب فعله كالإرشاد إليه والحث عليه قال الطيبي الهدى إما الدلالة الموصلة إلى البغية أو مطلق الإرشاد وهو في الحديث ما يهتدى به من الأعمال وهو بحسب التنكير مطلق شائع في جنس ما يقال له هدى يطلق على الكثير والقليل والعظيم والحقير فأعظمه هدى من دعا إلى الله وعمل صالحا وأدناه هدى من دعا إلى إماطة الأذى ولذا عظم شأن الفقيه الداعي المنذر حتى فضل واحد منهم على ألف عابد ولأن نفعه يعم الأشخاص والأعصار إلى يوم الدين ( وما من داع يدعو إلى ضلالة) ابتدعها أو سبق بها ( إلا كان عليه مثل أوزارهم) أي من اتبعه لتولده عن فعله الذي هو من خصال الشيطان والعبد يستحق العقوبة على السبب وما تولد منه كما يعاقب السكران على جنايته حال سكره لمنع السبب فلم يعذر السكران فإن الله يعاقب على الأسباب المحرمة وما تولد منها كما يثيب على الأسباب المأمور بها وما تولد منها ولذا كان على قابيل القاتل لأخيه كفل من ذنب كل قاتل لأنه أول من سن القتل كما في الحديث ( لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا) ضمير الجمع فيه وفيما قبله عائد على من باعتبار المعنى قال البيضاوي أفعال العباد وإن كانت غير موجبة ولا مقتضية للثواب ولا للعقاب بذاتها لكنه تعالى أجرى عادته بربط الثواب والعقاب بها ارتباط المسببات بالأسباب وفعل ما له تأثير في صدوره بوجه ولما كانت الجهة التي استوجب بها الجزاء غير الجهة التي استوجب بها المباشر لم ينقص أجره من أجره ولا من وزره شيئا انتهى.
وأورد إذا دعا واحد إلى ضلالة فاتبعوه لزم كون السيئة واحدة وهي الدعوة مع أن هنا أوزارا كثيرة وأجيب بأن تلك الدعوة في المعنى متعددة لأن دعوى الجمع دفعة دعوة لكل من أجابها فإن قيل كيف التوبة مما تولد وليس فعله والمرء إنما يتوب مما فعله اختيارا أجيب بحصولها بالندم ودفعه عن الغير ما أمكن وهو إقناعي وهذا الحديث أخرجه أحمد ومسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة مرفوعا من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا قال ابن عبد البر هذا أبلغ شيء في فضل تعليم العلم والدعاء إليه وإلى جميع سبل الخير والبر وقال ابن مسعود وعكرمة وعطاء وغيرهم في قوله تعالى: { { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } } أي ما قدمت من خير يعمل به بعدها وما أخرت من شر يعمل به بعدها وقاله قتادة في قوله تعالى: { { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } } وعطاء في قوله: { { إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا } } انتهى وأخذ من الحديث أن كل أجر حصل للشهيد أو لغيره حصل للنبي صلى الله عليه وسلم مثله زيادة على ما له من الأجر الخاص من الأعمال والمعارف والأحوال التي لا تصل جميع الأمة إلى عرف نشرها ولا تبلغ معشار عشرها فجميع حسنات المسلمين وأعمالهم الصالحة في صحائفه زيادة على ما له من الأجر مع مضاعفة لا يحصيها إلا الله لأن كل مهتد وعامل إلى يوم القيامة له أجر ولشيخه في الهداية مثله وشيخ شيخه مثلاه وللشيخ الثالث أربعة وللرابع ثمانية وهكذا تضعف كل مرتبة بعدد الأجور الحاصلة بعده إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبه يعرف فضل السلف على الخلف فإذا فرضت المراتب عشرة بعده صلى الله عليه وسلم كان له من الأجر ألف وأربعة وعشرون فإذا اهتدى بالعاشر الحادي عشر صار له صلى الله عليه وسلم ألفان وثمانية وأربعون وهكذا كلما زاد واحد تضاعف ما كان قبله أبدًا ( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر قال اللهم اجعلني من أئمة المتقين) قال أبو عمر هو من قوله تعالى: { { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } } فإذا كان إمامًا في الخير كان له أجره وأجر من اقتدى به ومعلم الخير يستغفر له حتى الحوت في البحر.

( مالك أنه بلغه أن أبا الدرداء كان يقوم من جوف الليل فيقول نامت العيون وغارت النجوم)أي غربت وذلك دليل على حدوثها وبه استدل إبراهيم عليه السلام فقال: { { لاَ أُحِبُّ الأَفِلِينَ } } ( وأنت الحي القيوم) قال ابن عباس: هو الذي لا يزول، وهذا من قوله قيوم السموات والأرض، أي الدائم حكمه فيهما، وقال مجاهد: القيوم القائم على كل شيء وهذا من قوله تعالى: { { أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } } أي حافظ؛ قاله الباجي.



رقم الحديث 516 وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { { وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا } } فِي الدُّعَاءِ قَالَ يَحْيَى: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ فِيهَا.


العمل في الدعاء

( مالك عن عبد الله بن دينار قال رآني عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( وأنا أدعو وأشير بأصبعين أصبع من كل يد فنهاني) لأن الواجب في الدعاء أن يكون إما باليدين وبسطهما على معنى التضرع والرغبة وإما أن يشير بأصبع واحدة على معنى التوحيد قاله الباجي أي الواجب من جهة الأدب والنهي مأخوذ من قول سعد بن أبي وقاص مر النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصبعي فقال أحد أحد وأشار بالسبابة أخرجه الترمذي وصححه الحاكم ورواه النسائي والترمذي وقال حسن وصححه الحاكم عن أبي هريرة أن رجلا كان يدعو بأصبعيه فقال صلى الله عليه وسلم أحد أحد بفتح الهمزة وكسر المهملة الثقيلة والجزم وكرره للتأكيد ولا يعارضه خبر الحاكم عن سهل ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم شاهرا يديه يدعو على منبره ولا غيره إلا كان يجعل أصبعيه بحذاء منكبيه ويدعو لأن الدعاء له حالات أو لأن هذا إخلاص أيضا لأن فيه رفع أصبع واحدة من كل يد أو لبيان الجواز على أن حديث سعد حمله بعضهم على الرفع في الاستغفار لما في أبي داود عن ابن عباس مرفوعا المسألة رفع يديك حذو منكبيك والاستغفار أن تشير بأصبع واحدة والابتهال أن تمد يديك جميعا وزعم بعضهم أن ذلك كان في التشهد لا دليل عليه.

( مالك عن يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب كان يقول إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده وقال) أي أشار ( بيديه نحو السماء فرفعهما) إشارة إلى أنه يرفع إلى جهة العلو وهو الدرجة في الجنة قال ابن عبد البر هذا لا يدرك بالرأي وقد جاء بسند جيد ثم أخرج عن أبي هريرة مرفوعا إن المؤمن ليرفع الدرجة في الجنة فيقول يا رب بم هذا فيقال له بدعاء ولدك من بعدك وفي رواية باستغفار ابنك.

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال إنما أنزلت هذه الآية { { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } } ) جدًا فتنقطع وتنبت { { وَلاَ تُخَافِتْ } } ولا تخفض صوتك { { بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ } } الجهر والمخافتة { { سَبِيلاً } } وسطًا ( في الدعاء) أرسله مالك، وتابعه على إرساله سعيد بن منصور عن يعقوب بن عبد الرحيم الإسكندري عن هشام ووصله البخاري من طريق مالك بن سعيد عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت أنزل ذلك في الدعاء قال الحافظ وتابعه الثوري عن هشام وأطلقت عائشة الدعاء وهو أعم من أن يكون داخل الصلاة أو خارجها.

وأخرجه الطبري وابن خزيمة والعمري والحاكم من طريق حفص بن غياث عن هشام فزاد في التشهد ومن طريق عبد الله بن شداد قال كان أعراب من بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا اللهم ارزقنا مالا وولدا وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس قال نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله تعالى لنبيه { { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } } أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن { { وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } } عن أصحابك فلا تسمعهم { { وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً } } ورجح الطبري حديث ابن عباس قال لأنه أصح إسنادا وتبعه النووي وغيره لكن يحتمل الجمع بأنها نزلت في الدعاء داخل الصلاة وقد روى ابن جرير من طرق عن ابن عباس قال نزلت في الدعاء فوافق عائشة وعنده عن عطاء ومجاهد وسعيد ومكحول مثله وأسند عن عطاء أيضا قال يقول قوم إنها في الصلاة وقوم إنها في الدعاء ولابن مردويه عن أبي هريرة كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى عند البيت رفع صوته بالدعاء فنزلت وقيل الآية في الدعاء وهي منسوخة بقوله: { { ادعوا ربكم تضرعا وخفية } } انتهى وفي الاستذكار قال مالك أحسن ما سمعت فيه أي لا تجهر بقراءتك في صلاة النهار ولا تخافت بقراءتك في صلاة الليل والصبح وهذا نص عن مالك أن الصبح من النهار.

( قال يحيى وسئل مالك عن الدعاء في الصلاة المكتوبة فقال لا بأس بالدعاء فيها) وأولى في غيرها بما شاء من أمر دينه ودنياه من القرآن أو غيره وقال أبو حنيفة لا يدعو إلا بما في القرآن وإلا بطلت صلاته ولنا أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين الحديث وقال غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله وغير ذلك وكله في الصحيح.

( مالك أنه بلغه) ولعبد الله بن يوسف وطائفة مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه قال ابن عبد البر وهو صحيح ثابت من حديث عبد الرحمن بن عباس وابن عباس وثوبان وأمامة الباهلي ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول اللهم إني أسألك) أي أطلب منك ( فعل الخيرات) المأمورات أي الإقدار على فعلها والتوفيق له ( وترك المنكرات) أي المنهيات ( وحب المساكين) يحتمل إضافته إلى الفاعل وإلى المفعول وهو أنسب بما قبله قال الباجي وهو من فعل القلب ومع ذلك فيختص بالتواضع وفيه أن فعل الثلاثة إنما هو بفضل الله وتوفيقه ( وإذا أدرت) بتقديم الدال على الراء من الإدارة أوقعت ( في الناس) ويروى بتقديم الراء على الدال من الإرادة ( فتنة) بلايا ومحنا ( فاقبضني إليك غير مفتون) الفتنة لغة الاختبار والامتحان وتستعمل عرفا لكشف ما يكره قاله عياض وتطلق على القتل والإحراق والنميمة وغير ذلك وفيه إشارة إلى طلب العافية واستدامة السلامة إلى حسن الخاتمة ( مالك أنه بلغه) مما صح من طرق شتى عن أبي هريرة وجرير وغيرهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من داع يدعو إلى هدى) أي إلى ما يهتدى به من العمل الصالح ونكر ليشيع فيتناول الحقير كإماطة الأذى عن الطريق ( إلا كان له مثل أجر من تبعه) سواء ابتدعه أو سبق إليه لأن اتباعهم له تولد عن فعله الذي هو من سنن المرسلين ( لا ينقص ذلك) الإشارة إلى مصدر كان ( من أجورهم شيئًا) دفع به توهم أن أجر الداعي إنما يكون بتنقيص أجر التابع وضمه إلى أجر الداعي فكما يترتب الثواب والعقاب على ما يباشره يترتب كل منهما على ما هو سبب فعله كالإرشاد إليه والحث عليه قال الطيبي الهدى إما الدلالة الموصلة إلى البغية أو مطلق الإرشاد وهو في الحديث ما يهتدى به من الأعمال وهو بحسب التنكير مطلق شائع في جنس ما يقال له هدى يطلق على الكثير والقليل والعظيم والحقير فأعظمه هدى من دعا إلى الله وعمل صالحا وأدناه هدى من دعا إلى إماطة الأذى ولذا عظم شأن الفقيه الداعي المنذر حتى فضل واحد منهم على ألف عابد ولأن نفعه يعم الأشخاص والأعصار إلى يوم الدين ( وما من داع يدعو إلى ضلالة) ابتدعها أو سبق بها ( إلا كان عليه مثل أوزارهم) أي من اتبعه لتولده عن فعله الذي هو من خصال الشيطان والعبد يستحق العقوبة على السبب وما تولد منه كما يعاقب السكران على جنايته حال سكره لمنع السبب فلم يعذر السكران فإن الله يعاقب على الأسباب المحرمة وما تولد منها كما يثيب على الأسباب المأمور بها وما تولد منها ولذا كان على قابيل القاتل لأخيه كفل من ذنب كل قاتل لأنه أول من سن القتل كما في الحديث ( لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا) ضمير الجمع فيه وفيما قبله عائد على من باعتبار المعنى قال البيضاوي أفعال العباد وإن كانت غير موجبة ولا مقتضية للثواب ولا للعقاب بذاتها لكنه تعالى أجرى عادته بربط الثواب والعقاب بها ارتباط المسببات بالأسباب وفعل ما له تأثير في صدوره بوجه ولما كانت الجهة التي استوجب بها الجزاء غير الجهة التي استوجب بها المباشر لم ينقص أجره من أجره ولا من وزره شيئا انتهى.
وأورد إذا دعا واحد إلى ضلالة فاتبعوه لزم كون السيئة واحدة وهي الدعوة مع أن هنا أوزارا كثيرة وأجيب بأن تلك الدعوة في المعنى متعددة لأن دعوى الجمع دفعة دعوة لكل من أجابها فإن قيل كيف التوبة مما تولد وليس فعله والمرء إنما يتوب مما فعله اختيارا أجيب بحصولها بالندم ودفعه عن الغير ما أمكن وهو إقناعي وهذا الحديث أخرجه أحمد ومسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة مرفوعا من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا قال ابن عبد البر هذا أبلغ شيء في فضل تعليم العلم والدعاء إليه وإلى جميع سبل الخير والبر وقال ابن مسعود وعكرمة وعطاء وغيرهم في قوله تعالى: { { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } } أي ما قدمت من خير يعمل به بعدها وما أخرت من شر يعمل به بعدها وقاله قتادة في قوله تعالى: { { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } } وعطاء في قوله: { { إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا } } انتهى وأخذ من الحديث أن كل أجر حصل للشهيد أو لغيره حصل للنبي صلى الله عليه وسلم مثله زيادة على ما له من الأجر الخاص من الأعمال والمعارف والأحوال التي لا تصل جميع الأمة إلى عرف نشرها ولا تبلغ معشار عشرها فجميع حسنات المسلمين وأعمالهم الصالحة في صحائفه زيادة على ما له من الأجر مع مضاعفة لا يحصيها إلا الله لأن كل مهتد وعامل إلى يوم القيامة له أجر ولشيخه في الهداية مثله وشيخ شيخه مثلاه وللشيخ الثالث أربعة وللرابع ثمانية وهكذا تضعف كل مرتبة بعدد الأجور الحاصلة بعده إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبه يعرف فضل السلف على الخلف فإذا فرضت المراتب عشرة بعده صلى الله عليه وسلم كان له من الأجر ألف وأربعة وعشرون فإذا اهتدى بالعاشر الحادي عشر صار له صلى الله عليه وسلم ألفان وثمانية وأربعون وهكذا كلما زاد واحد تضاعف ما كان قبله أبدًا ( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر قال اللهم اجعلني من أئمة المتقين) قال أبو عمر هو من قوله تعالى: { { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } } فإذا كان إمامًا في الخير كان له أجره وأجر من اقتدى به ومعلم الخير يستغفر له حتى الحوت في البحر.

( مالك أنه بلغه أن أبا الدرداء كان يقوم من جوف الليل فيقول نامت العيون وغارت النجوم)أي غربت وذلك دليل على حدوثها وبه استدل إبراهيم عليه السلام فقال: { { لاَ أُحِبُّ الأَفِلِينَ } } ( وأنت الحي القيوم) قال ابن عباس: هو الذي لا يزول، وهذا من قوله قيوم السموات والأرض، أي الدائم حكمه فيهما، وقال مجاهد: القيوم القائم على كل شيء وهذا من قوله تعالى: { { أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } } أي حافظ؛ قاله الباجي.



رقم الحديث 517 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَإِذَا أَرَدْتَ فِي النَّاسِ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ.


العمل في الدعاء

( مالك عن عبد الله بن دينار قال رآني عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( وأنا أدعو وأشير بأصبعين أصبع من كل يد فنهاني) لأن الواجب في الدعاء أن يكون إما باليدين وبسطهما على معنى التضرع والرغبة وإما أن يشير بأصبع واحدة على معنى التوحيد قاله الباجي أي الواجب من جهة الأدب والنهي مأخوذ من قول سعد بن أبي وقاص مر النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصبعي فقال أحد أحد وأشار بالسبابة أخرجه الترمذي وصححه الحاكم ورواه النسائي والترمذي وقال حسن وصححه الحاكم عن أبي هريرة أن رجلا كان يدعو بأصبعيه فقال صلى الله عليه وسلم أحد أحد بفتح الهمزة وكسر المهملة الثقيلة والجزم وكرره للتأكيد ولا يعارضه خبر الحاكم عن سهل ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم شاهرا يديه يدعو على منبره ولا غيره إلا كان يجعل أصبعيه بحذاء منكبيه ويدعو لأن الدعاء له حالات أو لأن هذا إخلاص أيضا لأن فيه رفع أصبع واحدة من كل يد أو لبيان الجواز على أن حديث سعد حمله بعضهم على الرفع في الاستغفار لما في أبي داود عن ابن عباس مرفوعا المسألة رفع يديك حذو منكبيك والاستغفار أن تشير بأصبع واحدة والابتهال أن تمد يديك جميعا وزعم بعضهم أن ذلك كان في التشهد لا دليل عليه.

( مالك عن يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب كان يقول إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده وقال) أي أشار ( بيديه نحو السماء فرفعهما) إشارة إلى أنه يرفع إلى جهة العلو وهو الدرجة في الجنة قال ابن عبد البر هذا لا يدرك بالرأي وقد جاء بسند جيد ثم أخرج عن أبي هريرة مرفوعا إن المؤمن ليرفع الدرجة في الجنة فيقول يا رب بم هذا فيقال له بدعاء ولدك من بعدك وفي رواية باستغفار ابنك.

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال إنما أنزلت هذه الآية { { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } } ) جدًا فتنقطع وتنبت { { وَلاَ تُخَافِتْ } } ولا تخفض صوتك { { بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ } } الجهر والمخافتة { { سَبِيلاً } } وسطًا ( في الدعاء) أرسله مالك، وتابعه على إرساله سعيد بن منصور عن يعقوب بن عبد الرحيم الإسكندري عن هشام ووصله البخاري من طريق مالك بن سعيد عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت أنزل ذلك في الدعاء قال الحافظ وتابعه الثوري عن هشام وأطلقت عائشة الدعاء وهو أعم من أن يكون داخل الصلاة أو خارجها.

وأخرجه الطبري وابن خزيمة والعمري والحاكم من طريق حفص بن غياث عن هشام فزاد في التشهد ومن طريق عبد الله بن شداد قال كان أعراب من بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا اللهم ارزقنا مالا وولدا وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس قال نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله تعالى لنبيه { { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } } أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن { { وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } } عن أصحابك فلا تسمعهم { { وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً } } ورجح الطبري حديث ابن عباس قال لأنه أصح إسنادا وتبعه النووي وغيره لكن يحتمل الجمع بأنها نزلت في الدعاء داخل الصلاة وقد روى ابن جرير من طرق عن ابن عباس قال نزلت في الدعاء فوافق عائشة وعنده عن عطاء ومجاهد وسعيد ومكحول مثله وأسند عن عطاء أيضا قال يقول قوم إنها في الصلاة وقوم إنها في الدعاء ولابن مردويه عن أبي هريرة كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى عند البيت رفع صوته بالدعاء فنزلت وقيل الآية في الدعاء وهي منسوخة بقوله: { { ادعوا ربكم تضرعا وخفية } } انتهى وفي الاستذكار قال مالك أحسن ما سمعت فيه أي لا تجهر بقراءتك في صلاة النهار ولا تخافت بقراءتك في صلاة الليل والصبح وهذا نص عن مالك أن الصبح من النهار.

( قال يحيى وسئل مالك عن الدعاء في الصلاة المكتوبة فقال لا بأس بالدعاء فيها) وأولى في غيرها بما شاء من أمر دينه ودنياه من القرآن أو غيره وقال أبو حنيفة لا يدعو إلا بما في القرآن وإلا بطلت صلاته ولنا أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين الحديث وقال غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله وغير ذلك وكله في الصحيح.

( مالك أنه بلغه) ولعبد الله بن يوسف وطائفة مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه قال ابن عبد البر وهو صحيح ثابت من حديث عبد الرحمن بن عباس وابن عباس وثوبان وأمامة الباهلي ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول اللهم إني أسألك) أي أطلب منك ( فعل الخيرات) المأمورات أي الإقدار على فعلها والتوفيق له ( وترك المنكرات) أي المنهيات ( وحب المساكين) يحتمل إضافته إلى الفاعل وإلى المفعول وهو أنسب بما قبله قال الباجي وهو من فعل القلب ومع ذلك فيختص بالتواضع وفيه أن فعل الثلاثة إنما هو بفضل الله وتوفيقه ( وإذا أدرت) بتقديم الدال على الراء من الإدارة أوقعت ( في الناس) ويروى بتقديم الراء على الدال من الإرادة ( فتنة) بلايا ومحنا ( فاقبضني إليك غير مفتون) الفتنة لغة الاختبار والامتحان وتستعمل عرفا لكشف ما يكره قاله عياض وتطلق على القتل والإحراق والنميمة وغير ذلك وفيه إشارة إلى طلب العافية واستدامة السلامة إلى حسن الخاتمة ( مالك أنه بلغه) مما صح من طرق شتى عن أبي هريرة وجرير وغيرهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من داع يدعو إلى هدى) أي إلى ما يهتدى به من العمل الصالح ونكر ليشيع فيتناول الحقير كإماطة الأذى عن الطريق ( إلا كان له مثل أجر من تبعه) سواء ابتدعه أو سبق إليه لأن اتباعهم له تولد عن فعله الذي هو من سنن المرسلين ( لا ينقص ذلك) الإشارة إلى مصدر كان ( من أجورهم شيئًا) دفع به توهم أن أجر الداعي إنما يكون بتنقيص أجر التابع وضمه إلى أجر الداعي فكما يترتب الثواب والعقاب على ما يباشره يترتب كل منهما على ما هو سبب فعله كالإرشاد إليه والحث عليه قال الطيبي الهدى إما الدلالة الموصلة إلى البغية أو مطلق الإرشاد وهو في الحديث ما يهتدى به من الأعمال وهو بحسب التنكير مطلق شائع في جنس ما يقال له هدى يطلق على الكثير والقليل والعظيم والحقير فأعظمه هدى من دعا إلى الله وعمل صالحا وأدناه هدى من دعا إلى إماطة الأذى ولذا عظم شأن الفقيه الداعي المنذر حتى فضل واحد منهم على ألف عابد ولأن نفعه يعم الأشخاص والأعصار إلى يوم الدين ( وما من داع يدعو إلى ضلالة) ابتدعها أو سبق بها ( إلا كان عليه مثل أوزارهم) أي من اتبعه لتولده عن فعله الذي هو من خصال الشيطان والعبد يستحق العقوبة على السبب وما تولد منه كما يعاقب السكران على جنايته حال سكره لمنع السبب فلم يعذر السكران فإن الله يعاقب على الأسباب المحرمة وما تولد منها كما يثيب على الأسباب المأمور بها وما تولد منها ولذا كان على قابيل القاتل لأخيه كفل من ذنب كل قاتل لأنه أول من سن القتل كما في الحديث ( لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا) ضمير الجمع فيه وفيما قبله عائد على من باعتبار المعنى قال البيضاوي أفعال العباد وإن كانت غير موجبة ولا مقتضية للثواب ولا للعقاب بذاتها لكنه تعالى أجرى عادته بربط الثواب والعقاب بها ارتباط المسببات بالأسباب وفعل ما له تأثير في صدوره بوجه ولما كانت الجهة التي استوجب بها الجزاء غير الجهة التي استوجب بها المباشر لم ينقص أجره من أجره ولا من وزره شيئا انتهى.
وأورد إذا دعا واحد إلى ضلالة فاتبعوه لزم كون السيئة واحدة وهي الدعوة مع أن هنا أوزارا كثيرة وأجيب بأن تلك الدعوة في المعنى متعددة لأن دعوى الجمع دفعة دعوة لكل من أجابها فإن قيل كيف التوبة مما تولد وليس فعله والمرء إنما يتوب مما فعله اختيارا أجيب بحصولها بالندم ودفعه عن الغير ما أمكن وهو إقناعي وهذا الحديث أخرجه أحمد ومسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة مرفوعا من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا قال ابن عبد البر هذا أبلغ شيء في فضل تعليم العلم والدعاء إليه وإلى جميع سبل الخير والبر وقال ابن مسعود وعكرمة وعطاء وغيرهم في قوله تعالى: { { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } } أي ما قدمت من خير يعمل به بعدها وما أخرت من شر يعمل به بعدها وقاله قتادة في قوله تعالى: { { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } } وعطاء في قوله: { { إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا } } انتهى وأخذ من الحديث أن كل أجر حصل للشهيد أو لغيره حصل للنبي صلى الله عليه وسلم مثله زيادة على ما له من الأجر الخاص من الأعمال والمعارف والأحوال التي لا تصل جميع الأمة إلى عرف نشرها ولا تبلغ معشار عشرها فجميع حسنات المسلمين وأعمالهم الصالحة في صحائفه زيادة على ما له من الأجر مع مضاعفة لا يحصيها إلا الله لأن كل مهتد وعامل إلى يوم القيامة له أجر ولشيخه في الهداية مثله وشيخ شيخه مثلاه وللشيخ الثالث أربعة وللرابع ثمانية وهكذا تضعف كل مرتبة بعدد الأجور الحاصلة بعده إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبه يعرف فضل السلف على الخلف فإذا فرضت المراتب عشرة بعده صلى الله عليه وسلم كان له من الأجر ألف وأربعة وعشرون فإذا اهتدى بالعاشر الحادي عشر صار له صلى الله عليه وسلم ألفان وثمانية وأربعون وهكذا كلما زاد واحد تضاعف ما كان قبله أبدًا ( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر قال اللهم اجعلني من أئمة المتقين) قال أبو عمر هو من قوله تعالى: { { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } } فإذا كان إمامًا في الخير كان له أجره وأجر من اقتدى به ومعلم الخير يستغفر له حتى الحوت في البحر.

( مالك أنه بلغه أن أبا الدرداء كان يقوم من جوف الليل فيقول نامت العيون وغارت النجوم)أي غربت وذلك دليل على حدوثها وبه استدل إبراهيم عليه السلام فقال: { { لاَ أُحِبُّ الأَفِلِينَ } } ( وأنت الحي القيوم) قال ابن عباس: هو الذي لا يزول، وهذا من قوله قيوم السموات والأرض، أي الدائم حكمه فيهما، وقال مجاهد: القيوم القائم على كل شيء وهذا من قوله تعالى: { { أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } } أي حافظ؛ قاله الباجي.



رقم الحديث 518 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْ دَاعٍ يَدْعُو إِلَى هُدًى، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنِ اتَّبَعَهُ.
لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا.
وَمَا مِنْ دَاعٍ يَدْعُو إِلَى ضَلَالَةٍ، إِلَّا كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ أَوْزَارِهِمْ.
لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا.


العمل في الدعاء

( مالك عن عبد الله بن دينار قال رآني عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( وأنا أدعو وأشير بأصبعين أصبع من كل يد فنهاني) لأن الواجب في الدعاء أن يكون إما باليدين وبسطهما على معنى التضرع والرغبة وإما أن يشير بأصبع واحدة على معنى التوحيد قاله الباجي أي الواجب من جهة الأدب والنهي مأخوذ من قول سعد بن أبي وقاص مر النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصبعي فقال أحد أحد وأشار بالسبابة أخرجه الترمذي وصححه الحاكم ورواه النسائي والترمذي وقال حسن وصححه الحاكم عن أبي هريرة أن رجلا كان يدعو بأصبعيه فقال صلى الله عليه وسلم أحد أحد بفتح الهمزة وكسر المهملة الثقيلة والجزم وكرره للتأكيد ولا يعارضه خبر الحاكم عن سهل ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم شاهرا يديه يدعو على منبره ولا غيره إلا كان يجعل أصبعيه بحذاء منكبيه ويدعو لأن الدعاء له حالات أو لأن هذا إخلاص أيضا لأن فيه رفع أصبع واحدة من كل يد أو لبيان الجواز على أن حديث سعد حمله بعضهم على الرفع في الاستغفار لما في أبي داود عن ابن عباس مرفوعا المسألة رفع يديك حذو منكبيك والاستغفار أن تشير بأصبع واحدة والابتهال أن تمد يديك جميعا وزعم بعضهم أن ذلك كان في التشهد لا دليل عليه.

( مالك عن يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب كان يقول إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده وقال) أي أشار ( بيديه نحو السماء فرفعهما) إشارة إلى أنه يرفع إلى جهة العلو وهو الدرجة في الجنة قال ابن عبد البر هذا لا يدرك بالرأي وقد جاء بسند جيد ثم أخرج عن أبي هريرة مرفوعا إن المؤمن ليرفع الدرجة في الجنة فيقول يا رب بم هذا فيقال له بدعاء ولدك من بعدك وفي رواية باستغفار ابنك.

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال إنما أنزلت هذه الآية { { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } } ) جدًا فتنقطع وتنبت { { وَلاَ تُخَافِتْ } } ولا تخفض صوتك { { بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ } } الجهر والمخافتة { { سَبِيلاً } } وسطًا ( في الدعاء) أرسله مالك، وتابعه على إرساله سعيد بن منصور عن يعقوب بن عبد الرحيم الإسكندري عن هشام ووصله البخاري من طريق مالك بن سعيد عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت أنزل ذلك في الدعاء قال الحافظ وتابعه الثوري عن هشام وأطلقت عائشة الدعاء وهو أعم من أن يكون داخل الصلاة أو خارجها.

وأخرجه الطبري وابن خزيمة والعمري والحاكم من طريق حفص بن غياث عن هشام فزاد في التشهد ومن طريق عبد الله بن شداد قال كان أعراب من بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا اللهم ارزقنا مالا وولدا وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس قال نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله تعالى لنبيه { { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } } أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن { { وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } } عن أصحابك فلا تسمعهم { { وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً } } ورجح الطبري حديث ابن عباس قال لأنه أصح إسنادا وتبعه النووي وغيره لكن يحتمل الجمع بأنها نزلت في الدعاء داخل الصلاة وقد روى ابن جرير من طرق عن ابن عباس قال نزلت في الدعاء فوافق عائشة وعنده عن عطاء ومجاهد وسعيد ومكحول مثله وأسند عن عطاء أيضا قال يقول قوم إنها في الصلاة وقوم إنها في الدعاء ولابن مردويه عن أبي هريرة كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى عند البيت رفع صوته بالدعاء فنزلت وقيل الآية في الدعاء وهي منسوخة بقوله: { { ادعوا ربكم تضرعا وخفية } } انتهى وفي الاستذكار قال مالك أحسن ما سمعت فيه أي لا تجهر بقراءتك في صلاة النهار ولا تخافت بقراءتك في صلاة الليل والصبح وهذا نص عن مالك أن الصبح من النهار.

( قال يحيى وسئل مالك عن الدعاء في الصلاة المكتوبة فقال لا بأس بالدعاء فيها) وأولى في غيرها بما شاء من أمر دينه ودنياه من القرآن أو غيره وقال أبو حنيفة لا يدعو إلا بما في القرآن وإلا بطلت صلاته ولنا أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين الحديث وقال غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله وغير ذلك وكله في الصحيح.

( مالك أنه بلغه) ولعبد الله بن يوسف وطائفة مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه قال ابن عبد البر وهو صحيح ثابت من حديث عبد الرحمن بن عباس وابن عباس وثوبان وأمامة الباهلي ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول اللهم إني أسألك) أي أطلب منك ( فعل الخيرات) المأمورات أي الإقدار على فعلها والتوفيق له ( وترك المنكرات) أي المنهيات ( وحب المساكين) يحتمل إضافته إلى الفاعل وإلى المفعول وهو أنسب بما قبله قال الباجي وهو من فعل القلب ومع ذلك فيختص بالتواضع وفيه أن فعل الثلاثة إنما هو بفضل الله وتوفيقه ( وإذا أدرت) بتقديم الدال على الراء من الإدارة أوقعت ( في الناس) ويروى بتقديم الراء على الدال من الإرادة ( فتنة) بلايا ومحنا ( فاقبضني إليك غير مفتون) الفتنة لغة الاختبار والامتحان وتستعمل عرفا لكشف ما يكره قاله عياض وتطلق على القتل والإحراق والنميمة وغير ذلك وفيه إشارة إلى طلب العافية واستدامة السلامة إلى حسن الخاتمة ( مالك أنه بلغه) مما صح من طرق شتى عن أبي هريرة وجرير وغيرهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من داع يدعو إلى هدى) أي إلى ما يهتدى به من العمل الصالح ونكر ليشيع فيتناول الحقير كإماطة الأذى عن الطريق ( إلا كان له مثل أجر من تبعه) سواء ابتدعه أو سبق إليه لأن اتباعهم له تولد عن فعله الذي هو من سنن المرسلين ( لا ينقص ذلك) الإشارة إلى مصدر كان ( من أجورهم شيئًا) دفع به توهم أن أجر الداعي إنما يكون بتنقيص أجر التابع وضمه إلى أجر الداعي فكما يترتب الثواب والعقاب على ما يباشره يترتب كل منهما على ما هو سبب فعله كالإرشاد إليه والحث عليه قال الطيبي الهدى إما الدلالة الموصلة إلى البغية أو مطلق الإرشاد وهو في الحديث ما يهتدى به من الأعمال وهو بحسب التنكير مطلق شائع في جنس ما يقال له هدى يطلق على الكثير والقليل والعظيم والحقير فأعظمه هدى من دعا إلى الله وعمل صالحا وأدناه هدى من دعا إلى إماطة الأذى ولذا عظم شأن الفقيه الداعي المنذر حتى فضل واحد منهم على ألف عابد ولأن نفعه يعم الأشخاص والأعصار إلى يوم الدين ( وما من داع يدعو إلى ضلالة) ابتدعها أو سبق بها ( إلا كان عليه مثل أوزارهم) أي من اتبعه لتولده عن فعله الذي هو من خصال الشيطان والعبد يستحق العقوبة على السبب وما تولد منه كما يعاقب السكران على جنايته حال سكره لمنع السبب فلم يعذر السكران فإن الله يعاقب على الأسباب المحرمة وما تولد منها كما يثيب على الأسباب المأمور بها وما تولد منها ولذا كان على قابيل القاتل لأخيه كفل من ذنب كل قاتل لأنه أول من سن القتل كما في الحديث ( لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا) ضمير الجمع فيه وفيما قبله عائد على من باعتبار المعنى قال البيضاوي أفعال العباد وإن كانت غير موجبة ولا مقتضية للثواب ولا للعقاب بذاتها لكنه تعالى أجرى عادته بربط الثواب والعقاب بها ارتباط المسببات بالأسباب وفعل ما له تأثير في صدوره بوجه ولما كانت الجهة التي استوجب بها الجزاء غير الجهة التي استوجب بها المباشر لم ينقص أجره من أجره ولا من وزره شيئا انتهى.
وأورد إذا دعا واحد إلى ضلالة فاتبعوه لزم كون السيئة واحدة وهي الدعوة مع أن هنا أوزارا كثيرة وأجيب بأن تلك الدعوة في المعنى متعددة لأن دعوى الجمع دفعة دعوة لكل من أجابها فإن قيل كيف التوبة مما تولد وليس فعله والمرء إنما يتوب مما فعله اختيارا أجيب بحصولها بالندم ودفعه عن الغير ما أمكن وهو إقناعي وهذا الحديث أخرجه أحمد ومسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة مرفوعا من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا قال ابن عبد البر هذا أبلغ شيء في فضل تعليم العلم والدعاء إليه وإلى جميع سبل الخير والبر وقال ابن مسعود وعكرمة وعطاء وغيرهم في قوله تعالى: { { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } } أي ما قدمت من خير يعمل به بعدها وما أخرت من شر يعمل به بعدها وقاله قتادة في قوله تعالى: { { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } } وعطاء في قوله: { { إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا } } انتهى وأخذ من الحديث أن كل أجر حصل للشهيد أو لغيره حصل للنبي صلى الله عليه وسلم مثله زيادة على ما له من الأجر الخاص من الأعمال والمعارف والأحوال التي لا تصل جميع الأمة إلى عرف نشرها ولا تبلغ معشار عشرها فجميع حسنات المسلمين وأعمالهم الصالحة في صحائفه زيادة على ما له من الأجر مع مضاعفة لا يحصيها إلا الله لأن كل مهتد وعامل إلى يوم القيامة له أجر ولشيخه في الهداية مثله وشيخ شيخه مثلاه وللشيخ الثالث أربعة وللرابع ثمانية وهكذا تضعف كل مرتبة بعدد الأجور الحاصلة بعده إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبه يعرف فضل السلف على الخلف فإذا فرضت المراتب عشرة بعده صلى الله عليه وسلم كان له من الأجر ألف وأربعة وعشرون فإذا اهتدى بالعاشر الحادي عشر صار له صلى الله عليه وسلم ألفان وثمانية وأربعون وهكذا كلما زاد واحد تضاعف ما كان قبله أبدًا ( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر قال اللهم اجعلني من أئمة المتقين) قال أبو عمر هو من قوله تعالى: { { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } } فإذا كان إمامًا في الخير كان له أجره وأجر من اقتدى به ومعلم الخير يستغفر له حتى الحوت في البحر.

( مالك أنه بلغه أن أبا الدرداء كان يقوم من جوف الليل فيقول نامت العيون وغارت النجوم)أي غربت وذلك دليل على حدوثها وبه استدل إبراهيم عليه السلام فقال: { { لاَ أُحِبُّ الأَفِلِينَ } } ( وأنت الحي القيوم) قال ابن عباس: هو الذي لا يزول، وهذا من قوله قيوم السموات والأرض، أي الدائم حكمه فيهما، وقال مجاهد: القيوم القائم على كل شيء وهذا من قوله تعالى: { { أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } } أي حافظ؛ قاله الباجي.



رقم الحديث 518 وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ: لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ، وَلَا غُرُوبَهَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَطْلُعُ قَرْنَاهُ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَيَغْرُبَانِ مَعَ غُرُوبِهَا، وَكَانَ يَضْرِبُ النَّاسَ عَلَى تِلْكَ الصَّلَاةِ.


النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر

( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي) بضم المهملة وفتح النون وكسر الموحدة نسبة إلى صنابح بطن من مراد هكذا قال جمهور الرواة عن مالك عبد الله بلا أداة كنية وقالت طائفة منهم مطرف وإسحاق بن عيسى الطباع عن أبي عبد الله الصنابحي بأداة الكنية قال ابن عبد البر وهو الصواب وهو عبد الرحمن بن عسيلة تابعي ثقة ورواه زهير بن محمد عن زيد عن عطاء عن عبد الله الصنابحي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خطأ فالصنابحي لم يلقه كذا قال تبعا لنقل الترمذي عن البخاري أن مالكا وهم في قوله عبد الله وإنما هو أبو عبد الله واسمه عبد الرحمن تابعي قال في الإصابة وظاهره أن عبد الله الصنابحي لا وجود له وفيه نظر فقد قال يحيى بن معين عبد الله الصنابحي روى عنه المدنيون يشبه أن له صحبة وقال ابن السكن يقال له صحبة مدني ورواية مطرف والطباع عن مالك شاذة ولم ينفرد به مالك بل تابعه حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وكذا زهير بن محمد عند ابن منده قال وكذا تابعه محمد بن جعفر بن أبي كثير وخارجة بن مصعب الأربعة عن زيد به وأخرجه الدارقطني من طريق إسماعيل بن الحارث وابن منده من طريق إسماعيل الصائغ كلاهما عن مالك عن زيد به مصرحا فيه بالسماع وروى زهير بن محمد وأبو غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء عن عبد الله الصنابحي عن عبادة حديثا آخر في الوتر أخرجه أبو داود فورود عبد الله الصنابحي في هذا الحديث من رواية هذين عن شيخ مالك بمثل روايته ومتابعة الأربع له وتصريح اثنين منهما بالسماع يدفع الجزم بوهم مالك فيه انتهى ملخصا وفيه إفادة أن زهير بن محمد لم ينفرد بتصريحه بالسماع فليس بخطأ كما زعم ابن عبد البر.

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان) قال الخطابي قيل معناه مقارنة الشيطان لها عند دنوها للطلوع والغروب ويؤيده قوله: ( فإذا ارتفعت فارقها) وما بعده، فنهي عن الصلاة في هذه الأوقات لذلك وقيل معنى قرنه قوته من قولك أنا مقرن لهذا الأمر أي مطيق له قوي عليه وذلك أن الشيطان إنما يقوى أمره في هذه الأوقات لأنه يسول لعبدة الشمس أن يسجدوا لها في هذه الأوقات وقيل قرنه حزبه وأصحابه الذين يعبدون الشمس وقيل إن الشيطان يقابلها عند طلوعها وينتصب دونها حتى يكون طلوعها بين قرنيه وهما جانبا رأسه فينقلب سجود الكفار للشمس عبادة له ( ثم إذا استوت قارنها) بالنون ( فإذا زالت فارقها) بالقاف، ولمسلم عن عقبة وحين يقوم قائم الظهيرة حتى ترتفع وله عن عمرو بن عبسة حتى يستقل الظل بالرمح فإذا أقبل الفيء فصل ولأبي داود حتى يعدل الرمح ظله ولابن ماجه والبيهقي عن أبي هريرة حتى تستوي الشمس على رأسك كالرمح فإذا زالت فصل ولهذا قال الجمهور والأئمة الثلاثة بكراهة الصلاة عند الاستواء وقال مالك بالجواز مع روايته هذا الحديث.

قال ابن عبد البر: فإما أنه لم يصح عنده أو رده بالعمل الذي ذكره بقوله ما أدركت أهل الفضل إلا وهم يجتهدون ويصلون نصف النهار انتهى والثاني أولى أو متعين فإن الحديث صحيح بلا شك إذ رواته ثقات مشاهير وعلى تقدير أنه مرسل فقد اعتضد بأحاديث عقبة وعمرو وقد صححهما مسلم كما رأيت وبحديث أبي هريرة ( فإذا دنت للغروب قارنها) بنون تليها هاء ( فإذا غربت فارقها) بقاف قبل الهاء.

( ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات) الثلاث نهي تحريم في الطرفين وكراهة في الوسط عند الجمهور في النافلة لا الفريضة.

وقالت طائفة من السلف بالإباحة مطلقًا، وأن أحاديث النهي منسوخة.

وبه قال داود وابن حزم وغيرهما من الظاهرية وحكي عن طائفة المنع مطلقا في جميع الصلوات وصح عن أبي بكرة وكعب بن عجرة منع صلاة الفرض في هذه الأوقات وقال الشافعي بجواز الفرائض وما له سبب من النوافل وقال أبو حنيفة يحرم الجميع سوى عصر يومه وتحرم المنذورة أيضا وقال مالك وأحمد يحرم النوافل دون الفرائض.

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال) وصله البخاري ومسلم من طريق يحيى بن سعيد القطان وغيره عن هشام عن أبيه قال حدثني ابن عمر قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا بدا) بلا همز أي ظهر ( حاجب الشمس) أي طرفها الأعلى من قرصها سمي بذلك لأنه أول ما يبدو منها يصير كحاجب الإنسان ( فأخروا الصلاة حتى تبرز) أي تصير بارزة ظاهرة ومراده ترتفع وبه عبر في رواية للبخاري وله أيضا ولمسلم كما هنا حتى تبرز فجعل ارتفاعها غاية النهي وهو يقوي رواية من روى حديث عمر في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس بضم أوله من أشرق أي أضاء أي حتى ترتفع وتضيء وروي بفتح أوله وضم ثالثه من شرقت أي طلعت وجمع بينهما بأن المراد طلوع مخصوص أي تطلع مرتفعة ( وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب) زاد البخاري من رواية عبدة عن هشام فإنها تطلع بين قرني شيطان وفيه إشارة إلى علة النهي عن الصلاة في الوقتين وزاد مسلم من حديث عمرو بن عبسة وحينئذٍ يسجد لها الكفار فالنهي لترك مشابهة الكفار وقد اعتبر ذلك الشرع في أشياء كثيرة وفي هذا تعقب على أبي محمد البغوي حيث قال لا يدرك معنى النهي عن ذلك وجعله من التعبد الذي يجب الإيمان به ( مالك عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب المدني صدوق ( قال دخلنا على أنس بن مالك بعد الظهر) أي بعد ما صليناها ففي مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر عن العلاء أنه دخل على أنس في داره بالبصرة حين انصرف من الظهر وداره بجنب المسجد فلما دخلنا عليه قال أصليتم العصر قلنا له إنما انصرفنا الساعة من الظهر ( فقام يصلي العصر) زاد إسماعيل فقمنا فصلينا ( فلما فرغ من صلاته ذكرنا تعجيل الصلاة) للعصر ( أو ذكرها) شك الراوي ( فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تلك) أي الصلاة المؤخرة ( صلاة المنافقين) لخروجها عن وقتها شبه فعلهم ذلك بفعل المنافقين الذين قال الله تعالى فيهم: { { يُرَاءُونَ النَّاسَ } } ( تلك صلاة المنافقين تلك صلاة المنافقين) ذكره ثلاثًا لمزيد الاهتمام والزجر والتنفير عن إخراجها عن وقتها ( يجلس أحدهم) غير مبال بها زاد إسماعيل يرقب الشمس ( حتى إذا اصفرت الشمس وكانت بين قرني الشيطان) أي جانبي رأسه يقال إنه ينتصب في محاذاتها عند الطلوع والغروب فإذا طلعت أو غربت كانت بين جانبي رأسه لتقع السجدة له إذا سجد عبدة الشمس لها وعلى هذا فقوله بين قرني الشيطان أي بالنسبة إلى من يشاهدها عند ذلك فلو شاهد الشيطان لرآه منتصبًا عندها قاله الحافظ ( أو على قرن) بالإفراد على إرادة الجنس وفي نسخة قرني ( الشيطان) شك الراوي هل قال بين أو على قال القاضي عياض معنى قرني الشيطان هنا يحتمل الحقيقة والمجاز وإلى الحقيقة ذهب الداودي وغيره ولا بعد فيه وقد جاءت آثار مصرحة بأنها تريد عند الغروب السجود لله تعالى فيأتي شيطان يصدها فتغرب بين قرنيه ويحرقه الله وقيل معناه المجاز والاتساع وأن قرني الشيطان أو قرنه الأمة التي تعبد الشمس وتطيعه في الكفر بالله وأنها لما كانت يسجد لها ويصلي من يعبدها من الكفار حينئذ نهي عن التشبه بهم قال النووي والصحيح الأول ( قام فنقر أربعا) أي أسرع الحركة فيها كنقر الطائر ( لا يذكر الله فيها إلا قليلا) تصريح بذم من صلى مسرعا بحيث لا يكمل الخشوع والطمأنينة والأذكار وتصريح بذم تأخير العصر بلا عذر وقد تابع مالكا في هذا الحديث إسماعيل بن جعفر عن العلاء أخرجه مسلم بنحوه ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يتحر) هكذا بلا ياء عند أكثر رواة الموطأ على أن لا ناهية وفي رواية التنيسي والنيسابوري لا يتحرى بالياء على أن لا نافية قال الحافظ كذا وقع بلفظ الخبر قال السهيلي يجوز الخبر عن مستقر أمر الشرع أي لا يكون إلا هذا وقال العراقي يحتمل أن يكون نهيا وإثبات الألف إشباع ( أحدكم فيصلي) بالنصب في جواب النفي أو النهي والمراد نفي التحري والصلاة معا وقال ابن خروف يجوز الجزم على العطف أي لا يتحر ولا يصل والرفع على القطع أي لا يتحر فهو يصلي والنصب على جواب النفي أي لا يتحرى مصليا وفي رواية القعنبي أن يصلي ومعناه لا يتحرى الصلاة ( عند طلوع الشمس ولا عند غروبها) قال الباجي يحتمل أن يريد به المنع من النافلة في هذين الوقتين أو المنع من تأخير الفرض إليه انتهى وقال الحافظ اختلف في المراد به فقيل هو تفسير لحديث الصحيحين عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس وبعد العصر حتى تغرب فلا تكره الصلاة بعدهما إلا لمن قصد بصلاته طلوع الشمس وغروبها لأن التحري القصد وإلى هذا جنح بعض أهل الظاهر وقواه ابن المنذر وذهب الأكثر إلى أنه نهي مستقل وكره الصلاة في الوقتين قصد لها أم لم يقصد وفي مسلم عن عائشة وهم عمر إنما نهى صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها قال البيهقي إنما قالت ذلك لأنها رأته صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العصر فحملت نهيه على من قصد ذلك على الإطلاق وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم إنما صلى حينئذ قضاء وأما النهي فثابت عن جماعة من الصحابة غير عمر انتهى ومواظبته صلى الله عليه وسلم على الركعتين بعد العصر من خصائصه لحديث عائشة كان يصلي بعد العصر وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال رواه أبو داود ومسلم وزاد وكان إذا صلى صلاة أثبتها وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى كلاهما عن مالك به ( مالك عن محمد بن حبان) بفتح الحاء والموحدة الثقيلة الأنصاري ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ثقة ثبت عالم ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة) للنافلة نهي تنزيه وقيل تحريم ( بعد) صلاة ( العصر حتى تغرب الشمس) والنهي في وقت الغروب للتحريم ( وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس) مرتفعة فالمراد طلوع مخصوص للحديث السابق حتى تبرز وفي رواية ترتفع وبعموم هذا أخذ الجمهور وخصه الشافعي بما رواه هو وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة والترمذي وابن حبان والحاكم عن جبير بن مطعم مرفوعا لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار قال بعضهم وبين الحديثين عموم وخصوص من وجه فالأول عام في المكان خاص بالزمان والثاني بالعكس فليس عموم أحدهما على خصوص الآخر بأولى من عكسه وخصه أيضا بما لا سبب له فلا يكره نفل فائت وتحية مسجد وسجدة شكر ونحو ذلك لحديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لأم سلمة سألت عن الركعتين بعد العصر إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان فيقاس على ذلك كل ما له سبب وأجيب بأن ذلك خصوصية له كما تشهد به الأحاديث وتقدم بعضها وهذا الحديث رواه مسلم عن يحيى عن مالك به ( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب كان يقول) هكذا رواه موقوفا ومثله لا يقال رأيا فحكمه الرفع وقد رفعه ابنه عبد الله أخرج البخاري ومسلم من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه قال حدثني ابن عمر قال قال صلى الله عليه وسلم ( لا تحروا) بحذف إحدى التاءين تخفيفا وأصله لا تتحروا أي لا تقصدوا ( بصلاتكم) بالموحدة ( طلوع الشمس ولا غروبها فإن الشيطان يطلع قرناه) جانبًا رأسه ( مع طلوع الشمس ويغربان) بضم الراء ( مع غروبها) بمعنى أنه ينتصب محاذيا لمطلعها ومغربها حتى إذا طلعت أو غربت كانت بين جانبي رأسه لتقع السجدة له إذا سجد عبدة الشمس لها فهو بالنسبة إلى من يشاهدها فلو شاهد الشيطان لرآه منتصبا عندها وتمسك به من رد قول أهل الهيئة إن الشمس في السماء الرابعة والشياطين قد منعوا من ولوج السماء ولا حجة فيه لما ذكرنا والحق أن الشمس في الفلك الرابع والسموات السبع عند أهل الشرع غير الأفلاك خلافا لأهل الهيئة هكذا في فتح الباري ( وكان) عمر ( يضرب الناس على) وفي رواية عن أي لأجل ( تلك الصلاة) بعد العصر قال ابن عباس كنت أضرب الناس مع عمر على الركعتين بعد العصر ( مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه رأى عمر بن الخطاب يضرب المنكدر) بن محمد بن المنكدر القرشي التيمي المدني مات سنة ثمانين ( في) أي بسبب ( الصلاة بعد العصر) وروى عبد الرزاق عن زيد بن خالد أن عمر رآه وهو خليفة ركع بعد العصر فضربه فذكر الحديث وفيه فقال عمر يا زيد.

لولا أني أخشى أن يتخذها الناس سلما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما وروي عن تميم الداري نحو ذلك وفيه ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى الغروب حتى يمروا بالساعة التي نهى صلى الله عليه وسلم أن يصلى فيها، ولعل مراده نهي تحريم فلا ينافي أحاديث نهيه عن الصلاة بعد العصر فإنه للتنزيه والله أعلم.



رقم الحديث 519 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَئِمَّةِ الْمُتَّقِينَ.


العمل في الدعاء

( مالك عن عبد الله بن دينار قال رآني عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( وأنا أدعو وأشير بأصبعين أصبع من كل يد فنهاني) لأن الواجب في الدعاء أن يكون إما باليدين وبسطهما على معنى التضرع والرغبة وإما أن يشير بأصبع واحدة على معنى التوحيد قاله الباجي أي الواجب من جهة الأدب والنهي مأخوذ من قول سعد بن أبي وقاص مر النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصبعي فقال أحد أحد وأشار بالسبابة أخرجه الترمذي وصححه الحاكم ورواه النسائي والترمذي وقال حسن وصححه الحاكم عن أبي هريرة أن رجلا كان يدعو بأصبعيه فقال صلى الله عليه وسلم أحد أحد بفتح الهمزة وكسر المهملة الثقيلة والجزم وكرره للتأكيد ولا يعارضه خبر الحاكم عن سهل ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم شاهرا يديه يدعو على منبره ولا غيره إلا كان يجعل أصبعيه بحذاء منكبيه ويدعو لأن الدعاء له حالات أو لأن هذا إخلاص أيضا لأن فيه رفع أصبع واحدة من كل يد أو لبيان الجواز على أن حديث سعد حمله بعضهم على الرفع في الاستغفار لما في أبي داود عن ابن عباس مرفوعا المسألة رفع يديك حذو منكبيك والاستغفار أن تشير بأصبع واحدة والابتهال أن تمد يديك جميعا وزعم بعضهم أن ذلك كان في التشهد لا دليل عليه.

( مالك عن يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب كان يقول إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده وقال) أي أشار ( بيديه نحو السماء فرفعهما) إشارة إلى أنه يرفع إلى جهة العلو وهو الدرجة في الجنة قال ابن عبد البر هذا لا يدرك بالرأي وقد جاء بسند جيد ثم أخرج عن أبي هريرة مرفوعا إن المؤمن ليرفع الدرجة في الجنة فيقول يا رب بم هذا فيقال له بدعاء ولدك من بعدك وفي رواية باستغفار ابنك.

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال إنما أنزلت هذه الآية { { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } } ) جدًا فتنقطع وتنبت { { وَلاَ تُخَافِتْ } } ولا تخفض صوتك { { بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ } } الجهر والمخافتة { { سَبِيلاً } } وسطًا ( في الدعاء) أرسله مالك، وتابعه على إرساله سعيد بن منصور عن يعقوب بن عبد الرحيم الإسكندري عن هشام ووصله البخاري من طريق مالك بن سعيد عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت أنزل ذلك في الدعاء قال الحافظ وتابعه الثوري عن هشام وأطلقت عائشة الدعاء وهو أعم من أن يكون داخل الصلاة أو خارجها.

وأخرجه الطبري وابن خزيمة والعمري والحاكم من طريق حفص بن غياث عن هشام فزاد في التشهد ومن طريق عبد الله بن شداد قال كان أعراب من بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا اللهم ارزقنا مالا وولدا وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس قال نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله تعالى لنبيه { { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } } أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن { { وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } } عن أصحابك فلا تسمعهم { { وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً } } ورجح الطبري حديث ابن عباس قال لأنه أصح إسنادا وتبعه النووي وغيره لكن يحتمل الجمع بأنها نزلت في الدعاء داخل الصلاة وقد روى ابن جرير من طرق عن ابن عباس قال نزلت في الدعاء فوافق عائشة وعنده عن عطاء ومجاهد وسعيد ومكحول مثله وأسند عن عطاء أيضا قال يقول قوم إنها في الصلاة وقوم إنها في الدعاء ولابن مردويه عن أبي هريرة كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى عند البيت رفع صوته بالدعاء فنزلت وقيل الآية في الدعاء وهي منسوخة بقوله: { { ادعوا ربكم تضرعا وخفية } } انتهى وفي الاستذكار قال مالك أحسن ما سمعت فيه أي لا تجهر بقراءتك في صلاة النهار ولا تخافت بقراءتك في صلاة الليل والصبح وهذا نص عن مالك أن الصبح من النهار.

( قال يحيى وسئل مالك عن الدعاء في الصلاة المكتوبة فقال لا بأس بالدعاء فيها) وأولى في غيرها بما شاء من أمر دينه ودنياه من القرآن أو غيره وقال أبو حنيفة لا يدعو إلا بما في القرآن وإلا بطلت صلاته ولنا أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين الحديث وقال غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله وغير ذلك وكله في الصحيح.

( مالك أنه بلغه) ولعبد الله بن يوسف وطائفة مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه قال ابن عبد البر وهو صحيح ثابت من حديث عبد الرحمن بن عباس وابن عباس وثوبان وأمامة الباهلي ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول اللهم إني أسألك) أي أطلب منك ( فعل الخيرات) المأمورات أي الإقدار على فعلها والتوفيق له ( وترك المنكرات) أي المنهيات ( وحب المساكين) يحتمل إضافته إلى الفاعل وإلى المفعول وهو أنسب بما قبله قال الباجي وهو من فعل القلب ومع ذلك فيختص بالتواضع وفيه أن فعل الثلاثة إنما هو بفضل الله وتوفيقه ( وإذا أدرت) بتقديم الدال على الراء من الإدارة أوقعت ( في الناس) ويروى بتقديم الراء على الدال من الإرادة ( فتنة) بلايا ومحنا ( فاقبضني إليك غير مفتون) الفتنة لغة الاختبار والامتحان وتستعمل عرفا لكشف ما يكره قاله عياض وتطلق على القتل والإحراق والنميمة وغير ذلك وفيه إشارة إلى طلب العافية واستدامة السلامة إلى حسن الخاتمة ( مالك أنه بلغه) مما صح من طرق شتى عن أبي هريرة وجرير وغيرهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من داع يدعو إلى هدى) أي إلى ما يهتدى به من العمل الصالح ونكر ليشيع فيتناول الحقير كإماطة الأذى عن الطريق ( إلا كان له مثل أجر من تبعه) سواء ابتدعه أو سبق إليه لأن اتباعهم له تولد عن فعله الذي هو من سنن المرسلين ( لا ينقص ذلك) الإشارة إلى مصدر كان ( من أجورهم شيئًا) دفع به توهم أن أجر الداعي إنما يكون بتنقيص أجر التابع وضمه إلى أجر الداعي فكما يترتب الثواب والعقاب على ما يباشره يترتب كل منهما على ما هو سبب فعله كالإرشاد إليه والحث عليه قال الطيبي الهدى إما الدلالة الموصلة إلى البغية أو مطلق الإرشاد وهو في الحديث ما يهتدى به من الأعمال وهو بحسب التنكير مطلق شائع في جنس ما يقال له هدى يطلق على الكثير والقليل والعظيم والحقير فأعظمه هدى من دعا إلى الله وعمل صالحا وأدناه هدى من دعا إلى إماطة الأذى ولذا عظم شأن الفقيه الداعي المنذر حتى فضل واحد منهم على ألف عابد ولأن نفعه يعم الأشخاص والأعصار إلى يوم الدين ( وما من داع يدعو إلى ضلالة) ابتدعها أو سبق بها ( إلا كان عليه مثل أوزارهم) أي من اتبعه لتولده عن فعله الذي هو من خصال الشيطان والعبد يستحق العقوبة على السبب وما تولد منه كما يعاقب السكران على جنايته حال سكره لمنع السبب فلم يعذر السكران فإن الله يعاقب على الأسباب المحرمة وما تولد منها كما يثيب على الأسباب المأمور بها وما تولد منها ولذا كان على قابيل القاتل لأخيه كفل من ذنب كل قاتل لأنه أول من سن القتل كما في الحديث ( لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا) ضمير الجمع فيه وفيما قبله عائد على من باعتبار المعنى قال البيضاوي أفعال العباد وإن كانت غير موجبة ولا مقتضية للثواب ولا للعقاب بذاتها لكنه تعالى أجرى عادته بربط الثواب والعقاب بها ارتباط المسببات بالأسباب وفعل ما له تأثير في صدوره بوجه ولما كانت الجهة التي استوجب بها الجزاء غير الجهة التي استوجب بها المباشر لم ينقص أجره من أجره ولا من وزره شيئا انتهى.
وأورد إذا دعا واحد إلى ضلالة فاتبعوه لزم كون السيئة واحدة وهي الدعوة مع أن هنا أوزارا كثيرة وأجيب بأن تلك الدعوة في المعنى متعددة لأن دعوى الجمع دفعة دعوة لكل من أجابها فإن قيل كيف التوبة مما تولد وليس فعله والمرء إنما يتوب مما فعله اختيارا أجيب بحصولها بالندم ودفعه عن الغير ما أمكن وهو إقناعي وهذا الحديث أخرجه أحمد ومسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة مرفوعا من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا قال ابن عبد البر هذا أبلغ شيء في فضل تعليم العلم والدعاء إليه وإلى جميع سبل الخير والبر وقال ابن مسعود وعكرمة وعطاء وغيرهم في قوله تعالى: { { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } } أي ما قدمت من خير يعمل به بعدها وما أخرت من شر يعمل به بعدها وقاله قتادة في قوله تعالى: { { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } } وعطاء في قوله: { { إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا } } انتهى وأخذ من الحديث أن كل أجر حصل للشهيد أو لغيره حصل للنبي صلى الله عليه وسلم مثله زيادة على ما له من الأجر الخاص من الأعمال والمعارف والأحوال التي لا تصل جميع الأمة إلى عرف نشرها ولا تبلغ معشار عشرها فجميع حسنات المسلمين وأعمالهم الصالحة في صحائفه زيادة على ما له من الأجر مع مضاعفة لا يحصيها إلا الله لأن كل مهتد وعامل إلى يوم القيامة له أجر ولشيخه في الهداية مثله وشيخ شيخه مثلاه وللشيخ الثالث أربعة وللرابع ثمانية وهكذا تضعف كل مرتبة بعدد الأجور الحاصلة بعده إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبه يعرف فضل السلف على الخلف فإذا فرضت المراتب عشرة بعده صلى الله عليه وسلم كان له من الأجر ألف وأربعة وعشرون فإذا اهتدى بالعاشر الحادي عشر صار له صلى الله عليه وسلم ألفان وثمانية وأربعون وهكذا كلما زاد واحد تضاعف ما كان قبله أبدًا ( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر قال اللهم اجعلني من أئمة المتقين) قال أبو عمر هو من قوله تعالى: { { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } } فإذا كان إمامًا في الخير كان له أجره وأجر من اقتدى به ومعلم الخير يستغفر له حتى الحوت في البحر.

( مالك أنه بلغه أن أبا الدرداء كان يقوم من جوف الليل فيقول نامت العيون وغارت النجوم)أي غربت وذلك دليل على حدوثها وبه استدل إبراهيم عليه السلام فقال: { { لاَ أُحِبُّ الأَفِلِينَ } } ( وأنت الحي القيوم) قال ابن عباس: هو الذي لا يزول، وهذا من قوله قيوم السموات والأرض، أي الدائم حكمه فيهما، وقال مجاهد: القيوم القائم على كل شيء وهذا من قوله تعالى: { { أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } } أي حافظ؛ قاله الباجي.



رقم الحديث 520 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَانَ يَقُومُ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَيَقُولُ: نَامَتِ الْعُيُونُ، وَغَارَتِ النُّجُومُ، وَأَنْتَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.


العمل في الدعاء

( مالك عن عبد الله بن دينار قال رآني عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( وأنا أدعو وأشير بأصبعين أصبع من كل يد فنهاني) لأن الواجب في الدعاء أن يكون إما باليدين وبسطهما على معنى التضرع والرغبة وإما أن يشير بأصبع واحدة على معنى التوحيد قاله الباجي أي الواجب من جهة الأدب والنهي مأخوذ من قول سعد بن أبي وقاص مر النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصبعي فقال أحد أحد وأشار بالسبابة أخرجه الترمذي وصححه الحاكم ورواه النسائي والترمذي وقال حسن وصححه الحاكم عن أبي هريرة أن رجلا كان يدعو بأصبعيه فقال صلى الله عليه وسلم أحد أحد بفتح الهمزة وكسر المهملة الثقيلة والجزم وكرره للتأكيد ولا يعارضه خبر الحاكم عن سهل ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم شاهرا يديه يدعو على منبره ولا غيره إلا كان يجعل أصبعيه بحذاء منكبيه ويدعو لأن الدعاء له حالات أو لأن هذا إخلاص أيضا لأن فيه رفع أصبع واحدة من كل يد أو لبيان الجواز على أن حديث سعد حمله بعضهم على الرفع في الاستغفار لما في أبي داود عن ابن عباس مرفوعا المسألة رفع يديك حذو منكبيك والاستغفار أن تشير بأصبع واحدة والابتهال أن تمد يديك جميعا وزعم بعضهم أن ذلك كان في التشهد لا دليل عليه.

( مالك عن يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب كان يقول إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده وقال) أي أشار ( بيديه نحو السماء فرفعهما) إشارة إلى أنه يرفع إلى جهة العلو وهو الدرجة في الجنة قال ابن عبد البر هذا لا يدرك بالرأي وقد جاء بسند جيد ثم أخرج عن أبي هريرة مرفوعا إن المؤمن ليرفع الدرجة في الجنة فيقول يا رب بم هذا فيقال له بدعاء ولدك من بعدك وفي رواية باستغفار ابنك.

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال إنما أنزلت هذه الآية { { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } } ) جدًا فتنقطع وتنبت { { وَلاَ تُخَافِتْ } } ولا تخفض صوتك { { بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ } } الجهر والمخافتة { { سَبِيلاً } } وسطًا ( في الدعاء) أرسله مالك، وتابعه على إرساله سعيد بن منصور عن يعقوب بن عبد الرحيم الإسكندري عن هشام ووصله البخاري من طريق مالك بن سعيد عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت أنزل ذلك في الدعاء قال الحافظ وتابعه الثوري عن هشام وأطلقت عائشة الدعاء وهو أعم من أن يكون داخل الصلاة أو خارجها.

وأخرجه الطبري وابن خزيمة والعمري والحاكم من طريق حفص بن غياث عن هشام فزاد في التشهد ومن طريق عبد الله بن شداد قال كان أعراب من بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا اللهم ارزقنا مالا وولدا وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس قال نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله تعالى لنبيه { { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } } أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن { { وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } } عن أصحابك فلا تسمعهم { { وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً } } ورجح الطبري حديث ابن عباس قال لأنه أصح إسنادا وتبعه النووي وغيره لكن يحتمل الجمع بأنها نزلت في الدعاء داخل الصلاة وقد روى ابن جرير من طرق عن ابن عباس قال نزلت في الدعاء فوافق عائشة وعنده عن عطاء ومجاهد وسعيد ومكحول مثله وأسند عن عطاء أيضا قال يقول قوم إنها في الصلاة وقوم إنها في الدعاء ولابن مردويه عن أبي هريرة كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى عند البيت رفع صوته بالدعاء فنزلت وقيل الآية في الدعاء وهي منسوخة بقوله: { { ادعوا ربكم تضرعا وخفية } } انتهى وفي الاستذكار قال مالك أحسن ما سمعت فيه أي لا تجهر بقراءتك في صلاة النهار ولا تخافت بقراءتك في صلاة الليل والصبح وهذا نص عن مالك أن الصبح من النهار.

( قال يحيى وسئل مالك عن الدعاء في الصلاة المكتوبة فقال لا بأس بالدعاء فيها) وأولى في غيرها بما شاء من أمر دينه ودنياه من القرآن أو غيره وقال أبو حنيفة لا يدعو إلا بما في القرآن وإلا بطلت صلاته ولنا أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين الحديث وقال غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله وغير ذلك وكله في الصحيح.

( مالك أنه بلغه) ولعبد الله بن يوسف وطائفة مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه قال ابن عبد البر وهو صحيح ثابت من حديث عبد الرحمن بن عباس وابن عباس وثوبان وأمامة الباهلي ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول اللهم إني أسألك) أي أطلب منك ( فعل الخيرات) المأمورات أي الإقدار على فعلها والتوفيق له ( وترك المنكرات) أي المنهيات ( وحب المساكين) يحتمل إضافته إلى الفاعل وإلى المفعول وهو أنسب بما قبله قال الباجي وهو من فعل القلب ومع ذلك فيختص بالتواضع وفيه أن فعل الثلاثة إنما هو بفضل الله وتوفيقه ( وإذا أدرت) بتقديم الدال على الراء من الإدارة أوقعت ( في الناس) ويروى بتقديم الراء على الدال من الإرادة ( فتنة) بلايا ومحنا ( فاقبضني إليك غير مفتون) الفتنة لغة الاختبار والامتحان وتستعمل عرفا لكشف ما يكره قاله عياض وتطلق على القتل والإحراق والنميمة وغير ذلك وفيه إشارة إلى طلب العافية واستدامة السلامة إلى حسن الخاتمة ( مالك أنه بلغه) مما صح من طرق شتى عن أبي هريرة وجرير وغيرهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من داع يدعو إلى هدى) أي إلى ما يهتدى به من العمل الصالح ونكر ليشيع فيتناول الحقير كإماطة الأذى عن الطريق ( إلا كان له مثل أجر من تبعه) سواء ابتدعه أو سبق إليه لأن اتباعهم له تولد عن فعله الذي هو من سنن المرسلين ( لا ينقص ذلك) الإشارة إلى مصدر كان ( من أجورهم شيئًا) دفع به توهم أن أجر الداعي إنما يكون بتنقيص أجر التابع وضمه إلى أجر الداعي فكما يترتب الثواب والعقاب على ما يباشره يترتب كل منهما على ما هو سبب فعله كالإرشاد إليه والحث عليه قال الطيبي الهدى إما الدلالة الموصلة إلى البغية أو مطلق الإرشاد وهو في الحديث ما يهتدى به من الأعمال وهو بحسب التنكير مطلق شائع في جنس ما يقال له هدى يطلق على الكثير والقليل والعظيم والحقير فأعظمه هدى من دعا إلى الله وعمل صالحا وأدناه هدى من دعا إلى إماطة الأذى ولذا عظم شأن الفقيه الداعي المنذر حتى فضل واحد منهم على ألف عابد ولأن نفعه يعم الأشخاص والأعصار إلى يوم الدين ( وما من داع يدعو إلى ضلالة) ابتدعها أو سبق بها ( إلا كان عليه مثل أوزارهم) أي من اتبعه لتولده عن فعله الذي هو من خصال الشيطان والعبد يستحق العقوبة على السبب وما تولد منه كما يعاقب السكران على جنايته حال سكره لمنع السبب فلم يعذر السكران فإن الله يعاقب على الأسباب المحرمة وما تولد منها كما يثيب على الأسباب المأمور بها وما تولد منها ولذا كان على قابيل القاتل لأخيه كفل من ذنب كل قاتل لأنه أول من سن القتل كما في الحديث ( لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا) ضمير الجمع فيه وفيما قبله عائد على من باعتبار المعنى قال البيضاوي أفعال العباد وإن كانت غير موجبة ولا مقتضية للثواب ولا للعقاب بذاتها لكنه تعالى أجرى عادته بربط الثواب والعقاب بها ارتباط المسببات بالأسباب وفعل ما له تأثير في صدوره بوجه ولما كانت الجهة التي استوجب بها الجزاء غير الجهة التي استوجب بها المباشر لم ينقص أجره من أجره ولا من وزره شيئا انتهى.
وأورد إذا دعا واحد إلى ضلالة فاتبعوه لزم كون السيئة واحدة وهي الدعوة مع أن هنا أوزارا كثيرة وأجيب بأن تلك الدعوة في المعنى متعددة لأن دعوى الجمع دفعة دعوة لكل من أجابها فإن قيل كيف التوبة مما تولد وليس فعله والمرء إنما يتوب مما فعله اختيارا أجيب بحصولها بالندم ودفعه عن الغير ما أمكن وهو إقناعي وهذا الحديث أخرجه أحمد ومسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة مرفوعا من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا قال ابن عبد البر هذا أبلغ شيء في فضل تعليم العلم والدعاء إليه وإلى جميع سبل الخير والبر وقال ابن مسعود وعكرمة وعطاء وغيرهم في قوله تعالى: { { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } } أي ما قدمت من خير يعمل به بعدها وما أخرت من شر يعمل به بعدها وقاله قتادة في قوله تعالى: { { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } } وعطاء في قوله: { { إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا } } انتهى وأخذ من الحديث أن كل أجر حصل للشهيد أو لغيره حصل للنبي صلى الله عليه وسلم مثله زيادة على ما له من الأجر الخاص من الأعمال والمعارف والأحوال التي لا تصل جميع الأمة إلى عرف نشرها ولا تبلغ معشار عشرها فجميع حسنات المسلمين وأعمالهم الصالحة في صحائفه زيادة على ما له من الأجر مع مضاعفة لا يحصيها إلا الله لأن كل مهتد وعامل إلى يوم القيامة له أجر ولشيخه في الهداية مثله وشيخ شيخه مثلاه وللشيخ الثالث أربعة وللرابع ثمانية وهكذا تضعف كل مرتبة بعدد الأجور الحاصلة بعده إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبه يعرف فضل السلف على الخلف فإذا فرضت المراتب عشرة بعده صلى الله عليه وسلم كان له من الأجر ألف وأربعة وعشرون فإذا اهتدى بالعاشر الحادي عشر صار له صلى الله عليه وسلم ألفان وثمانية وأربعون وهكذا كلما زاد واحد تضاعف ما كان قبله أبدًا ( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر قال اللهم اجعلني من أئمة المتقين) قال أبو عمر هو من قوله تعالى: { { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } } فإذا كان إمامًا في الخير كان له أجره وأجر من اقتدى به ومعلم الخير يستغفر له حتى الحوت في البحر.

( مالك أنه بلغه أن أبا الدرداء كان يقوم من جوف الليل فيقول نامت العيون وغارت النجوم)أي غربت وذلك دليل على حدوثها وبه استدل إبراهيم عليه السلام فقال: { { لاَ أُحِبُّ الأَفِلِينَ } } ( وأنت الحي القيوم) قال ابن عباس: هو الذي لا يزول، وهذا من قوله قيوم السموات والأرض، أي الدائم حكمه فيهما، وقال مجاهد: القيوم القائم على كل شيء وهذا من قوله تعالى: { { أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } } أي حافظ؛ قاله الباجي.