فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ

رقم الحديث 521 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا، ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا، فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا، فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا، فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا.
وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ.


النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر

( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي) بضم المهملة وفتح النون وكسر الموحدة نسبة إلى صنابح بطن من مراد هكذا قال جمهور الرواة عن مالك عبد الله بلا أداة كنية وقالت طائفة منهم مطرف وإسحاق بن عيسى الطباع عن أبي عبد الله الصنابحي بأداة الكنية قال ابن عبد البر وهو الصواب وهو عبد الرحمن بن عسيلة تابعي ثقة ورواه زهير بن محمد عن زيد عن عطاء عن عبد الله الصنابحي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خطأ فالصنابحي لم يلقه كذا قال تبعا لنقل الترمذي عن البخاري أن مالكا وهم في قوله عبد الله وإنما هو أبو عبد الله واسمه عبد الرحمن تابعي قال في الإصابة وظاهره أن عبد الله الصنابحي لا وجود له وفيه نظر فقد قال يحيى بن معين عبد الله الصنابحي روى عنه المدنيون يشبه أن له صحبة وقال ابن السكن يقال له صحبة مدني ورواية مطرف والطباع عن مالك شاذة ولم ينفرد به مالك بل تابعه حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وكذا زهير بن محمد عند ابن منده قال وكذا تابعه محمد بن جعفر بن أبي كثير وخارجة بن مصعب الأربعة عن زيد به وأخرجه الدارقطني من طريق إسماعيل بن الحارث وابن منده من طريق إسماعيل الصائغ كلاهما عن مالك عن زيد به مصرحا فيه بالسماع وروى زهير بن محمد وأبو غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء عن عبد الله الصنابحي عن عبادة حديثا آخر في الوتر أخرجه أبو داود فورود عبد الله الصنابحي في هذا الحديث من رواية هذين عن شيخ مالك بمثل روايته ومتابعة الأربع له وتصريح اثنين منهما بالسماع يدفع الجزم بوهم مالك فيه انتهى ملخصا وفيه إفادة أن زهير بن محمد لم ينفرد بتصريحه بالسماع فليس بخطأ كما زعم ابن عبد البر.

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان) قال الخطابي قيل معناه مقارنة الشيطان لها عند دنوها للطلوع والغروب ويؤيده قوله: ( فإذا ارتفعت فارقها) وما بعده، فنهي عن الصلاة في هذه الأوقات لذلك وقيل معنى قرنه قوته من قولك أنا مقرن لهذا الأمر أي مطيق له قوي عليه وذلك أن الشيطان إنما يقوى أمره في هذه الأوقات لأنه يسول لعبدة الشمس أن يسجدوا لها في هذه الأوقات وقيل قرنه حزبه وأصحابه الذين يعبدون الشمس وقيل إن الشيطان يقابلها عند طلوعها وينتصب دونها حتى يكون طلوعها بين قرنيه وهما جانبا رأسه فينقلب سجود الكفار للشمس عبادة له ( ثم إذا استوت قارنها) بالنون ( فإذا زالت فارقها) بالقاف، ولمسلم عن عقبة وحين يقوم قائم الظهيرة حتى ترتفع وله عن عمرو بن عبسة حتى يستقل الظل بالرمح فإذا أقبل الفيء فصل ولأبي داود حتى يعدل الرمح ظله ولابن ماجه والبيهقي عن أبي هريرة حتى تستوي الشمس على رأسك كالرمح فإذا زالت فصل ولهذا قال الجمهور والأئمة الثلاثة بكراهة الصلاة عند الاستواء وقال مالك بالجواز مع روايته هذا الحديث.

قال ابن عبد البر: فإما أنه لم يصح عنده أو رده بالعمل الذي ذكره بقوله ما أدركت أهل الفضل إلا وهم يجتهدون ويصلون نصف النهار انتهى والثاني أولى أو متعين فإن الحديث صحيح بلا شك إذ رواته ثقات مشاهير وعلى تقدير أنه مرسل فقد اعتضد بأحاديث عقبة وعمرو وقد صححهما مسلم كما رأيت وبحديث أبي هريرة ( فإذا دنت للغروب قارنها) بنون تليها هاء ( فإذا غربت فارقها) بقاف قبل الهاء.

( ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات) الثلاث نهي تحريم في الطرفين وكراهة في الوسط عند الجمهور في النافلة لا الفريضة.

وقالت طائفة من السلف بالإباحة مطلقًا، وأن أحاديث النهي منسوخة.

وبه قال داود وابن حزم وغيرهما من الظاهرية وحكي عن طائفة المنع مطلقا في جميع الصلوات وصح عن أبي بكرة وكعب بن عجرة منع صلاة الفرض في هذه الأوقات وقال الشافعي بجواز الفرائض وما له سبب من النوافل وقال أبو حنيفة يحرم الجميع سوى عصر يومه وتحرم المنذورة أيضا وقال مالك وأحمد يحرم النوافل دون الفرائض.

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال) وصله البخاري ومسلم من طريق يحيى بن سعيد القطان وغيره عن هشام عن أبيه قال حدثني ابن عمر قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا بدا) بلا همز أي ظهر ( حاجب الشمس) أي طرفها الأعلى من قرصها سمي بذلك لأنه أول ما يبدو منها يصير كحاجب الإنسان ( فأخروا الصلاة حتى تبرز) أي تصير بارزة ظاهرة ومراده ترتفع وبه عبر في رواية للبخاري وله أيضا ولمسلم كما هنا حتى تبرز فجعل ارتفاعها غاية النهي وهو يقوي رواية من روى حديث عمر في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس بضم أوله من أشرق أي أضاء أي حتى ترتفع وتضيء وروي بفتح أوله وضم ثالثه من شرقت أي طلعت وجمع بينهما بأن المراد طلوع مخصوص أي تطلع مرتفعة ( وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب) زاد البخاري من رواية عبدة عن هشام فإنها تطلع بين قرني شيطان وفيه إشارة إلى علة النهي عن الصلاة في الوقتين وزاد مسلم من حديث عمرو بن عبسة وحينئذٍ يسجد لها الكفار فالنهي لترك مشابهة الكفار وقد اعتبر ذلك الشرع في أشياء كثيرة وفي هذا تعقب على أبي محمد البغوي حيث قال لا يدرك معنى النهي عن ذلك وجعله من التعبد الذي يجب الإيمان به ( مالك عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب المدني صدوق ( قال دخلنا على أنس بن مالك بعد الظهر) أي بعد ما صليناها ففي مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر عن العلاء أنه دخل على أنس في داره بالبصرة حين انصرف من الظهر وداره بجنب المسجد فلما دخلنا عليه قال أصليتم العصر قلنا له إنما انصرفنا الساعة من الظهر ( فقام يصلي العصر) زاد إسماعيل فقمنا فصلينا ( فلما فرغ من صلاته ذكرنا تعجيل الصلاة) للعصر ( أو ذكرها) شك الراوي ( فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تلك) أي الصلاة المؤخرة ( صلاة المنافقين) لخروجها عن وقتها شبه فعلهم ذلك بفعل المنافقين الذين قال الله تعالى فيهم: { { يُرَاءُونَ النَّاسَ } } ( تلك صلاة المنافقين تلك صلاة المنافقين) ذكره ثلاثًا لمزيد الاهتمام والزجر والتنفير عن إخراجها عن وقتها ( يجلس أحدهم) غير مبال بها زاد إسماعيل يرقب الشمس ( حتى إذا اصفرت الشمس وكانت بين قرني الشيطان) أي جانبي رأسه يقال إنه ينتصب في محاذاتها عند الطلوع والغروب فإذا طلعت أو غربت كانت بين جانبي رأسه لتقع السجدة له إذا سجد عبدة الشمس لها وعلى هذا فقوله بين قرني الشيطان أي بالنسبة إلى من يشاهدها عند ذلك فلو شاهد الشيطان لرآه منتصبًا عندها قاله الحافظ ( أو على قرن) بالإفراد على إرادة الجنس وفي نسخة قرني ( الشيطان) شك الراوي هل قال بين أو على قال القاضي عياض معنى قرني الشيطان هنا يحتمل الحقيقة والمجاز وإلى الحقيقة ذهب الداودي وغيره ولا بعد فيه وقد جاءت آثار مصرحة بأنها تريد عند الغروب السجود لله تعالى فيأتي شيطان يصدها فتغرب بين قرنيه ويحرقه الله وقيل معناه المجاز والاتساع وأن قرني الشيطان أو قرنه الأمة التي تعبد الشمس وتطيعه في الكفر بالله وأنها لما كانت يسجد لها ويصلي من يعبدها من الكفار حينئذ نهي عن التشبه بهم قال النووي والصحيح الأول ( قام فنقر أربعا) أي أسرع الحركة فيها كنقر الطائر ( لا يذكر الله فيها إلا قليلا) تصريح بذم من صلى مسرعا بحيث لا يكمل الخشوع والطمأنينة والأذكار وتصريح بذم تأخير العصر بلا عذر وقد تابع مالكا في هذا الحديث إسماعيل بن جعفر عن العلاء أخرجه مسلم بنحوه ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يتحر) هكذا بلا ياء عند أكثر رواة الموطأ على أن لا ناهية وفي رواية التنيسي والنيسابوري لا يتحرى بالياء على أن لا نافية قال الحافظ كذا وقع بلفظ الخبر قال السهيلي يجوز الخبر عن مستقر أمر الشرع أي لا يكون إلا هذا وقال العراقي يحتمل أن يكون نهيا وإثبات الألف إشباع ( أحدكم فيصلي) بالنصب في جواب النفي أو النهي والمراد نفي التحري والصلاة معا وقال ابن خروف يجوز الجزم على العطف أي لا يتحر ولا يصل والرفع على القطع أي لا يتحر فهو يصلي والنصب على جواب النفي أي لا يتحرى مصليا وفي رواية القعنبي أن يصلي ومعناه لا يتحرى الصلاة ( عند طلوع الشمس ولا عند غروبها) قال الباجي يحتمل أن يريد به المنع من النافلة في هذين الوقتين أو المنع من تأخير الفرض إليه انتهى وقال الحافظ اختلف في المراد به فقيل هو تفسير لحديث الصحيحين عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس وبعد العصر حتى تغرب فلا تكره الصلاة بعدهما إلا لمن قصد بصلاته طلوع الشمس وغروبها لأن التحري القصد وإلى هذا جنح بعض أهل الظاهر وقواه ابن المنذر وذهب الأكثر إلى أنه نهي مستقل وكره الصلاة في الوقتين قصد لها أم لم يقصد وفي مسلم عن عائشة وهم عمر إنما نهى صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها قال البيهقي إنما قالت ذلك لأنها رأته صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العصر فحملت نهيه على من قصد ذلك على الإطلاق وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم إنما صلى حينئذ قضاء وأما النهي فثابت عن جماعة من الصحابة غير عمر انتهى ومواظبته صلى الله عليه وسلم على الركعتين بعد العصر من خصائصه لحديث عائشة كان يصلي بعد العصر وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال رواه أبو داود ومسلم وزاد وكان إذا صلى صلاة أثبتها وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى كلاهما عن مالك به ( مالك عن محمد بن حبان) بفتح الحاء والموحدة الثقيلة الأنصاري ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ثقة ثبت عالم ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة) للنافلة نهي تنزيه وقيل تحريم ( بعد) صلاة ( العصر حتى تغرب الشمس) والنهي في وقت الغروب للتحريم ( وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس) مرتفعة فالمراد طلوع مخصوص للحديث السابق حتى تبرز وفي رواية ترتفع وبعموم هذا أخذ الجمهور وخصه الشافعي بما رواه هو وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة والترمذي وابن حبان والحاكم عن جبير بن مطعم مرفوعا لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار قال بعضهم وبين الحديثين عموم وخصوص من وجه فالأول عام في المكان خاص بالزمان والثاني بالعكس فليس عموم أحدهما على خصوص الآخر بأولى من عكسه وخصه أيضا بما لا سبب له فلا يكره نفل فائت وتحية مسجد وسجدة شكر ونحو ذلك لحديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لأم سلمة سألت عن الركعتين بعد العصر إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان فيقاس على ذلك كل ما له سبب وأجيب بأن ذلك خصوصية له كما تشهد به الأحاديث وتقدم بعضها وهذا الحديث رواه مسلم عن يحيى عن مالك به ( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب كان يقول) هكذا رواه موقوفا ومثله لا يقال رأيا فحكمه الرفع وقد رفعه ابنه عبد الله أخرج البخاري ومسلم من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه قال حدثني ابن عمر قال قال صلى الله عليه وسلم ( لا تحروا) بحذف إحدى التاءين تخفيفا وأصله لا تتحروا أي لا تقصدوا ( بصلاتكم) بالموحدة ( طلوع الشمس ولا غروبها فإن الشيطان يطلع قرناه) جانبًا رأسه ( مع طلوع الشمس ويغربان) بضم الراء ( مع غروبها) بمعنى أنه ينتصب محاذيا لمطلعها ومغربها حتى إذا طلعت أو غربت كانت بين جانبي رأسه لتقع السجدة له إذا سجد عبدة الشمس لها فهو بالنسبة إلى من يشاهدها فلو شاهد الشيطان لرآه منتصبا عندها وتمسك به من رد قول أهل الهيئة إن الشمس في السماء الرابعة والشياطين قد منعوا من ولوج السماء ولا حجة فيه لما ذكرنا والحق أن الشمس في الفلك الرابع والسموات السبع عند أهل الشرع غير الأفلاك خلافا لأهل الهيئة هكذا في فتح الباري ( وكان) عمر ( يضرب الناس على) وفي رواية عن أي لأجل ( تلك الصلاة) بعد العصر قال ابن عباس كنت أضرب الناس مع عمر على الركعتين بعد العصر ( مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه رأى عمر بن الخطاب يضرب المنكدر) بن محمد بن المنكدر القرشي التيمي المدني مات سنة ثمانين ( في) أي بسبب ( الصلاة بعد العصر) وروى عبد الرزاق عن زيد بن خالد أن عمر رآه وهو خليفة ركع بعد العصر فضربه فذكر الحديث وفيه فقال عمر يا زيد.

لولا أني أخشى أن يتخذها الناس سلما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما وروي عن تميم الداري نحو ذلك وفيه ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى الغروب حتى يمروا بالساعة التي نهى صلى الله عليه وسلم أن يصلى فيها، ولعل مراده نهي تحريم فلا ينافي أحاديث نهيه عن الصلاة بعد العصر فإنه للتنزيه والله أعلم.



رقم الحديث 522 وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَبْرُزَ.
وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَغِيبَ.


النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر

( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي) بضم المهملة وفتح النون وكسر الموحدة نسبة إلى صنابح بطن من مراد هكذا قال جمهور الرواة عن مالك عبد الله بلا أداة كنية وقالت طائفة منهم مطرف وإسحاق بن عيسى الطباع عن أبي عبد الله الصنابحي بأداة الكنية قال ابن عبد البر وهو الصواب وهو عبد الرحمن بن عسيلة تابعي ثقة ورواه زهير بن محمد عن زيد عن عطاء عن عبد الله الصنابحي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خطأ فالصنابحي لم يلقه كذا قال تبعا لنقل الترمذي عن البخاري أن مالكا وهم في قوله عبد الله وإنما هو أبو عبد الله واسمه عبد الرحمن تابعي قال في الإصابة وظاهره أن عبد الله الصنابحي لا وجود له وفيه نظر فقد قال يحيى بن معين عبد الله الصنابحي روى عنه المدنيون يشبه أن له صحبة وقال ابن السكن يقال له صحبة مدني ورواية مطرف والطباع عن مالك شاذة ولم ينفرد به مالك بل تابعه حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وكذا زهير بن محمد عند ابن منده قال وكذا تابعه محمد بن جعفر بن أبي كثير وخارجة بن مصعب الأربعة عن زيد به وأخرجه الدارقطني من طريق إسماعيل بن الحارث وابن منده من طريق إسماعيل الصائغ كلاهما عن مالك عن زيد به مصرحا فيه بالسماع وروى زهير بن محمد وأبو غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء عن عبد الله الصنابحي عن عبادة حديثا آخر في الوتر أخرجه أبو داود فورود عبد الله الصنابحي في هذا الحديث من رواية هذين عن شيخ مالك بمثل روايته ومتابعة الأربع له وتصريح اثنين منهما بالسماع يدفع الجزم بوهم مالك فيه انتهى ملخصا وفيه إفادة أن زهير بن محمد لم ينفرد بتصريحه بالسماع فليس بخطأ كما زعم ابن عبد البر.

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان) قال الخطابي قيل معناه مقارنة الشيطان لها عند دنوها للطلوع والغروب ويؤيده قوله: ( فإذا ارتفعت فارقها) وما بعده، فنهي عن الصلاة في هذه الأوقات لذلك وقيل معنى قرنه قوته من قولك أنا مقرن لهذا الأمر أي مطيق له قوي عليه وذلك أن الشيطان إنما يقوى أمره في هذه الأوقات لأنه يسول لعبدة الشمس أن يسجدوا لها في هذه الأوقات وقيل قرنه حزبه وأصحابه الذين يعبدون الشمس وقيل إن الشيطان يقابلها عند طلوعها وينتصب دونها حتى يكون طلوعها بين قرنيه وهما جانبا رأسه فينقلب سجود الكفار للشمس عبادة له ( ثم إذا استوت قارنها) بالنون ( فإذا زالت فارقها) بالقاف، ولمسلم عن عقبة وحين يقوم قائم الظهيرة حتى ترتفع وله عن عمرو بن عبسة حتى يستقل الظل بالرمح فإذا أقبل الفيء فصل ولأبي داود حتى يعدل الرمح ظله ولابن ماجه والبيهقي عن أبي هريرة حتى تستوي الشمس على رأسك كالرمح فإذا زالت فصل ولهذا قال الجمهور والأئمة الثلاثة بكراهة الصلاة عند الاستواء وقال مالك بالجواز مع روايته هذا الحديث.

قال ابن عبد البر: فإما أنه لم يصح عنده أو رده بالعمل الذي ذكره بقوله ما أدركت أهل الفضل إلا وهم يجتهدون ويصلون نصف النهار انتهى والثاني أولى أو متعين فإن الحديث صحيح بلا شك إذ رواته ثقات مشاهير وعلى تقدير أنه مرسل فقد اعتضد بأحاديث عقبة وعمرو وقد صححهما مسلم كما رأيت وبحديث أبي هريرة ( فإذا دنت للغروب قارنها) بنون تليها هاء ( فإذا غربت فارقها) بقاف قبل الهاء.

( ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات) الثلاث نهي تحريم في الطرفين وكراهة في الوسط عند الجمهور في النافلة لا الفريضة.

وقالت طائفة من السلف بالإباحة مطلقًا، وأن أحاديث النهي منسوخة.

وبه قال داود وابن حزم وغيرهما من الظاهرية وحكي عن طائفة المنع مطلقا في جميع الصلوات وصح عن أبي بكرة وكعب بن عجرة منع صلاة الفرض في هذه الأوقات وقال الشافعي بجواز الفرائض وما له سبب من النوافل وقال أبو حنيفة يحرم الجميع سوى عصر يومه وتحرم المنذورة أيضا وقال مالك وأحمد يحرم النوافل دون الفرائض.

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال) وصله البخاري ومسلم من طريق يحيى بن سعيد القطان وغيره عن هشام عن أبيه قال حدثني ابن عمر قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا بدا) بلا همز أي ظهر ( حاجب الشمس) أي طرفها الأعلى من قرصها سمي بذلك لأنه أول ما يبدو منها يصير كحاجب الإنسان ( فأخروا الصلاة حتى تبرز) أي تصير بارزة ظاهرة ومراده ترتفع وبه عبر في رواية للبخاري وله أيضا ولمسلم كما هنا حتى تبرز فجعل ارتفاعها غاية النهي وهو يقوي رواية من روى حديث عمر في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس بضم أوله من أشرق أي أضاء أي حتى ترتفع وتضيء وروي بفتح أوله وضم ثالثه من شرقت أي طلعت وجمع بينهما بأن المراد طلوع مخصوص أي تطلع مرتفعة ( وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب) زاد البخاري من رواية عبدة عن هشام فإنها تطلع بين قرني شيطان وفيه إشارة إلى علة النهي عن الصلاة في الوقتين وزاد مسلم من حديث عمرو بن عبسة وحينئذٍ يسجد لها الكفار فالنهي لترك مشابهة الكفار وقد اعتبر ذلك الشرع في أشياء كثيرة وفي هذا تعقب على أبي محمد البغوي حيث قال لا يدرك معنى النهي عن ذلك وجعله من التعبد الذي يجب الإيمان به ( مالك عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب المدني صدوق ( قال دخلنا على أنس بن مالك بعد الظهر) أي بعد ما صليناها ففي مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر عن العلاء أنه دخل على أنس في داره بالبصرة حين انصرف من الظهر وداره بجنب المسجد فلما دخلنا عليه قال أصليتم العصر قلنا له إنما انصرفنا الساعة من الظهر ( فقام يصلي العصر) زاد إسماعيل فقمنا فصلينا ( فلما فرغ من صلاته ذكرنا تعجيل الصلاة) للعصر ( أو ذكرها) شك الراوي ( فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تلك) أي الصلاة المؤخرة ( صلاة المنافقين) لخروجها عن وقتها شبه فعلهم ذلك بفعل المنافقين الذين قال الله تعالى فيهم: { { يُرَاءُونَ النَّاسَ } } ( تلك صلاة المنافقين تلك صلاة المنافقين) ذكره ثلاثًا لمزيد الاهتمام والزجر والتنفير عن إخراجها عن وقتها ( يجلس أحدهم) غير مبال بها زاد إسماعيل يرقب الشمس ( حتى إذا اصفرت الشمس وكانت بين قرني الشيطان) أي جانبي رأسه يقال إنه ينتصب في محاذاتها عند الطلوع والغروب فإذا طلعت أو غربت كانت بين جانبي رأسه لتقع السجدة له إذا سجد عبدة الشمس لها وعلى هذا فقوله بين قرني الشيطان أي بالنسبة إلى من يشاهدها عند ذلك فلو شاهد الشيطان لرآه منتصبًا عندها قاله الحافظ ( أو على قرن) بالإفراد على إرادة الجنس وفي نسخة قرني ( الشيطان) شك الراوي هل قال بين أو على قال القاضي عياض معنى قرني الشيطان هنا يحتمل الحقيقة والمجاز وإلى الحقيقة ذهب الداودي وغيره ولا بعد فيه وقد جاءت آثار مصرحة بأنها تريد عند الغروب السجود لله تعالى فيأتي شيطان يصدها فتغرب بين قرنيه ويحرقه الله وقيل معناه المجاز والاتساع وأن قرني الشيطان أو قرنه الأمة التي تعبد الشمس وتطيعه في الكفر بالله وأنها لما كانت يسجد لها ويصلي من يعبدها من الكفار حينئذ نهي عن التشبه بهم قال النووي والصحيح الأول ( قام فنقر أربعا) أي أسرع الحركة فيها كنقر الطائر ( لا يذكر الله فيها إلا قليلا) تصريح بذم من صلى مسرعا بحيث لا يكمل الخشوع والطمأنينة والأذكار وتصريح بذم تأخير العصر بلا عذر وقد تابع مالكا في هذا الحديث إسماعيل بن جعفر عن العلاء أخرجه مسلم بنحوه ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يتحر) هكذا بلا ياء عند أكثر رواة الموطأ على أن لا ناهية وفي رواية التنيسي والنيسابوري لا يتحرى بالياء على أن لا نافية قال الحافظ كذا وقع بلفظ الخبر قال السهيلي يجوز الخبر عن مستقر أمر الشرع أي لا يكون إلا هذا وقال العراقي يحتمل أن يكون نهيا وإثبات الألف إشباع ( أحدكم فيصلي) بالنصب في جواب النفي أو النهي والمراد نفي التحري والصلاة معا وقال ابن خروف يجوز الجزم على العطف أي لا يتحر ولا يصل والرفع على القطع أي لا يتحر فهو يصلي والنصب على جواب النفي أي لا يتحرى مصليا وفي رواية القعنبي أن يصلي ومعناه لا يتحرى الصلاة ( عند طلوع الشمس ولا عند غروبها) قال الباجي يحتمل أن يريد به المنع من النافلة في هذين الوقتين أو المنع من تأخير الفرض إليه انتهى وقال الحافظ اختلف في المراد به فقيل هو تفسير لحديث الصحيحين عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس وبعد العصر حتى تغرب فلا تكره الصلاة بعدهما إلا لمن قصد بصلاته طلوع الشمس وغروبها لأن التحري القصد وإلى هذا جنح بعض أهل الظاهر وقواه ابن المنذر وذهب الأكثر إلى أنه نهي مستقل وكره الصلاة في الوقتين قصد لها أم لم يقصد وفي مسلم عن عائشة وهم عمر إنما نهى صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها قال البيهقي إنما قالت ذلك لأنها رأته صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العصر فحملت نهيه على من قصد ذلك على الإطلاق وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم إنما صلى حينئذ قضاء وأما النهي فثابت عن جماعة من الصحابة غير عمر انتهى ومواظبته صلى الله عليه وسلم على الركعتين بعد العصر من خصائصه لحديث عائشة كان يصلي بعد العصر وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال رواه أبو داود ومسلم وزاد وكان إذا صلى صلاة أثبتها وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى كلاهما عن مالك به ( مالك عن محمد بن حبان) بفتح الحاء والموحدة الثقيلة الأنصاري ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ثقة ثبت عالم ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة) للنافلة نهي تنزيه وقيل تحريم ( بعد) صلاة ( العصر حتى تغرب الشمس) والنهي في وقت الغروب للتحريم ( وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس) مرتفعة فالمراد طلوع مخصوص للحديث السابق حتى تبرز وفي رواية ترتفع وبعموم هذا أخذ الجمهور وخصه الشافعي بما رواه هو وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة والترمذي وابن حبان والحاكم عن جبير بن مطعم مرفوعا لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار قال بعضهم وبين الحديثين عموم وخصوص من وجه فالأول عام في المكان خاص بالزمان والثاني بالعكس فليس عموم أحدهما على خصوص الآخر بأولى من عكسه وخصه أيضا بما لا سبب له فلا يكره نفل فائت وتحية مسجد وسجدة شكر ونحو ذلك لحديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لأم سلمة سألت عن الركعتين بعد العصر إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان فيقاس على ذلك كل ما له سبب وأجيب بأن ذلك خصوصية له كما تشهد به الأحاديث وتقدم بعضها وهذا الحديث رواه مسلم عن يحيى عن مالك به ( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب كان يقول) هكذا رواه موقوفا ومثله لا يقال رأيا فحكمه الرفع وقد رفعه ابنه عبد الله أخرج البخاري ومسلم من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه قال حدثني ابن عمر قال قال صلى الله عليه وسلم ( لا تحروا) بحذف إحدى التاءين تخفيفا وأصله لا تتحروا أي لا تقصدوا ( بصلاتكم) بالموحدة ( طلوع الشمس ولا غروبها فإن الشيطان يطلع قرناه) جانبًا رأسه ( مع طلوع الشمس ويغربان) بضم الراء ( مع غروبها) بمعنى أنه ينتصب محاذيا لمطلعها ومغربها حتى إذا طلعت أو غربت كانت بين جانبي رأسه لتقع السجدة له إذا سجد عبدة الشمس لها فهو بالنسبة إلى من يشاهدها فلو شاهد الشيطان لرآه منتصبا عندها وتمسك به من رد قول أهل الهيئة إن الشمس في السماء الرابعة والشياطين قد منعوا من ولوج السماء ولا حجة فيه لما ذكرنا والحق أن الشمس في الفلك الرابع والسموات السبع عند أهل الشرع غير الأفلاك خلافا لأهل الهيئة هكذا في فتح الباري ( وكان) عمر ( يضرب الناس على) وفي رواية عن أي لأجل ( تلك الصلاة) بعد العصر قال ابن عباس كنت أضرب الناس مع عمر على الركعتين بعد العصر ( مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه رأى عمر بن الخطاب يضرب المنكدر) بن محمد بن المنكدر القرشي التيمي المدني مات سنة ثمانين ( في) أي بسبب ( الصلاة بعد العصر) وروى عبد الرزاق عن زيد بن خالد أن عمر رآه وهو خليفة ركع بعد العصر فضربه فذكر الحديث وفيه فقال عمر يا زيد.

لولا أني أخشى أن يتخذها الناس سلما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما وروي عن تميم الداري نحو ذلك وفيه ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى الغروب حتى يمروا بالساعة التي نهى صلى الله عليه وسلم أن يصلى فيها، ولعل مراده نهي تحريم فلا ينافي أحاديث نهيه عن الصلاة بعد العصر فإنه للتنزيه والله أعلم.



رقم الحديث 523 وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بَعْدَ الظُّهْرِ.
فَقَامَ يُصَلِّي الْعَصْرَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ ذَكَرْنَا تَعْجِيلَ الصَّلَاةِ، أَوْ ذَكَرَهَا فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ.
تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ.
تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ.
يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ، حَتَّى إِذَا اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ، وَكَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، أَوْ عَلَى قَرْنِ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا.
لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا.


النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر

( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي) بضم المهملة وفتح النون وكسر الموحدة نسبة إلى صنابح بطن من مراد هكذا قال جمهور الرواة عن مالك عبد الله بلا أداة كنية وقالت طائفة منهم مطرف وإسحاق بن عيسى الطباع عن أبي عبد الله الصنابحي بأداة الكنية قال ابن عبد البر وهو الصواب وهو عبد الرحمن بن عسيلة تابعي ثقة ورواه زهير بن محمد عن زيد عن عطاء عن عبد الله الصنابحي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خطأ فالصنابحي لم يلقه كذا قال تبعا لنقل الترمذي عن البخاري أن مالكا وهم في قوله عبد الله وإنما هو أبو عبد الله واسمه عبد الرحمن تابعي قال في الإصابة وظاهره أن عبد الله الصنابحي لا وجود له وفيه نظر فقد قال يحيى بن معين عبد الله الصنابحي روى عنه المدنيون يشبه أن له صحبة وقال ابن السكن يقال له صحبة مدني ورواية مطرف والطباع عن مالك شاذة ولم ينفرد به مالك بل تابعه حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وكذا زهير بن محمد عند ابن منده قال وكذا تابعه محمد بن جعفر بن أبي كثير وخارجة بن مصعب الأربعة عن زيد به وأخرجه الدارقطني من طريق إسماعيل بن الحارث وابن منده من طريق إسماعيل الصائغ كلاهما عن مالك عن زيد به مصرحا فيه بالسماع وروى زهير بن محمد وأبو غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء عن عبد الله الصنابحي عن عبادة حديثا آخر في الوتر أخرجه أبو داود فورود عبد الله الصنابحي في هذا الحديث من رواية هذين عن شيخ مالك بمثل روايته ومتابعة الأربع له وتصريح اثنين منهما بالسماع يدفع الجزم بوهم مالك فيه انتهى ملخصا وفيه إفادة أن زهير بن محمد لم ينفرد بتصريحه بالسماع فليس بخطأ كما زعم ابن عبد البر.

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان) قال الخطابي قيل معناه مقارنة الشيطان لها عند دنوها للطلوع والغروب ويؤيده قوله: ( فإذا ارتفعت فارقها) وما بعده، فنهي عن الصلاة في هذه الأوقات لذلك وقيل معنى قرنه قوته من قولك أنا مقرن لهذا الأمر أي مطيق له قوي عليه وذلك أن الشيطان إنما يقوى أمره في هذه الأوقات لأنه يسول لعبدة الشمس أن يسجدوا لها في هذه الأوقات وقيل قرنه حزبه وأصحابه الذين يعبدون الشمس وقيل إن الشيطان يقابلها عند طلوعها وينتصب دونها حتى يكون طلوعها بين قرنيه وهما جانبا رأسه فينقلب سجود الكفار للشمس عبادة له ( ثم إذا استوت قارنها) بالنون ( فإذا زالت فارقها) بالقاف، ولمسلم عن عقبة وحين يقوم قائم الظهيرة حتى ترتفع وله عن عمرو بن عبسة حتى يستقل الظل بالرمح فإذا أقبل الفيء فصل ولأبي داود حتى يعدل الرمح ظله ولابن ماجه والبيهقي عن أبي هريرة حتى تستوي الشمس على رأسك كالرمح فإذا زالت فصل ولهذا قال الجمهور والأئمة الثلاثة بكراهة الصلاة عند الاستواء وقال مالك بالجواز مع روايته هذا الحديث.

قال ابن عبد البر: فإما أنه لم يصح عنده أو رده بالعمل الذي ذكره بقوله ما أدركت أهل الفضل إلا وهم يجتهدون ويصلون نصف النهار انتهى والثاني أولى أو متعين فإن الحديث صحيح بلا شك إذ رواته ثقات مشاهير وعلى تقدير أنه مرسل فقد اعتضد بأحاديث عقبة وعمرو وقد صححهما مسلم كما رأيت وبحديث أبي هريرة ( فإذا دنت للغروب قارنها) بنون تليها هاء ( فإذا غربت فارقها) بقاف قبل الهاء.

( ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات) الثلاث نهي تحريم في الطرفين وكراهة في الوسط عند الجمهور في النافلة لا الفريضة.

وقالت طائفة من السلف بالإباحة مطلقًا، وأن أحاديث النهي منسوخة.

وبه قال داود وابن حزم وغيرهما من الظاهرية وحكي عن طائفة المنع مطلقا في جميع الصلوات وصح عن أبي بكرة وكعب بن عجرة منع صلاة الفرض في هذه الأوقات وقال الشافعي بجواز الفرائض وما له سبب من النوافل وقال أبو حنيفة يحرم الجميع سوى عصر يومه وتحرم المنذورة أيضا وقال مالك وأحمد يحرم النوافل دون الفرائض.

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال) وصله البخاري ومسلم من طريق يحيى بن سعيد القطان وغيره عن هشام عن أبيه قال حدثني ابن عمر قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا بدا) بلا همز أي ظهر ( حاجب الشمس) أي طرفها الأعلى من قرصها سمي بذلك لأنه أول ما يبدو منها يصير كحاجب الإنسان ( فأخروا الصلاة حتى تبرز) أي تصير بارزة ظاهرة ومراده ترتفع وبه عبر في رواية للبخاري وله أيضا ولمسلم كما هنا حتى تبرز فجعل ارتفاعها غاية النهي وهو يقوي رواية من روى حديث عمر في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس بضم أوله من أشرق أي أضاء أي حتى ترتفع وتضيء وروي بفتح أوله وضم ثالثه من شرقت أي طلعت وجمع بينهما بأن المراد طلوع مخصوص أي تطلع مرتفعة ( وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب) زاد البخاري من رواية عبدة عن هشام فإنها تطلع بين قرني شيطان وفيه إشارة إلى علة النهي عن الصلاة في الوقتين وزاد مسلم من حديث عمرو بن عبسة وحينئذٍ يسجد لها الكفار فالنهي لترك مشابهة الكفار وقد اعتبر ذلك الشرع في أشياء كثيرة وفي هذا تعقب على أبي محمد البغوي حيث قال لا يدرك معنى النهي عن ذلك وجعله من التعبد الذي يجب الإيمان به ( مالك عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب المدني صدوق ( قال دخلنا على أنس بن مالك بعد الظهر) أي بعد ما صليناها ففي مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر عن العلاء أنه دخل على أنس في داره بالبصرة حين انصرف من الظهر وداره بجنب المسجد فلما دخلنا عليه قال أصليتم العصر قلنا له إنما انصرفنا الساعة من الظهر ( فقام يصلي العصر) زاد إسماعيل فقمنا فصلينا ( فلما فرغ من صلاته ذكرنا تعجيل الصلاة) للعصر ( أو ذكرها) شك الراوي ( فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تلك) أي الصلاة المؤخرة ( صلاة المنافقين) لخروجها عن وقتها شبه فعلهم ذلك بفعل المنافقين الذين قال الله تعالى فيهم: { { يُرَاءُونَ النَّاسَ } } ( تلك صلاة المنافقين تلك صلاة المنافقين) ذكره ثلاثًا لمزيد الاهتمام والزجر والتنفير عن إخراجها عن وقتها ( يجلس أحدهم) غير مبال بها زاد إسماعيل يرقب الشمس ( حتى إذا اصفرت الشمس وكانت بين قرني الشيطان) أي جانبي رأسه يقال إنه ينتصب في محاذاتها عند الطلوع والغروب فإذا طلعت أو غربت كانت بين جانبي رأسه لتقع السجدة له إذا سجد عبدة الشمس لها وعلى هذا فقوله بين قرني الشيطان أي بالنسبة إلى من يشاهدها عند ذلك فلو شاهد الشيطان لرآه منتصبًا عندها قاله الحافظ ( أو على قرن) بالإفراد على إرادة الجنس وفي نسخة قرني ( الشيطان) شك الراوي هل قال بين أو على قال القاضي عياض معنى قرني الشيطان هنا يحتمل الحقيقة والمجاز وإلى الحقيقة ذهب الداودي وغيره ولا بعد فيه وقد جاءت آثار مصرحة بأنها تريد عند الغروب السجود لله تعالى فيأتي شيطان يصدها فتغرب بين قرنيه ويحرقه الله وقيل معناه المجاز والاتساع وأن قرني الشيطان أو قرنه الأمة التي تعبد الشمس وتطيعه في الكفر بالله وأنها لما كانت يسجد لها ويصلي من يعبدها من الكفار حينئذ نهي عن التشبه بهم قال النووي والصحيح الأول ( قام فنقر أربعا) أي أسرع الحركة فيها كنقر الطائر ( لا يذكر الله فيها إلا قليلا) تصريح بذم من صلى مسرعا بحيث لا يكمل الخشوع والطمأنينة والأذكار وتصريح بذم تأخير العصر بلا عذر وقد تابع مالكا في هذا الحديث إسماعيل بن جعفر عن العلاء أخرجه مسلم بنحوه ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يتحر) هكذا بلا ياء عند أكثر رواة الموطأ على أن لا ناهية وفي رواية التنيسي والنيسابوري لا يتحرى بالياء على أن لا نافية قال الحافظ كذا وقع بلفظ الخبر قال السهيلي يجوز الخبر عن مستقر أمر الشرع أي لا يكون إلا هذا وقال العراقي يحتمل أن يكون نهيا وإثبات الألف إشباع ( أحدكم فيصلي) بالنصب في جواب النفي أو النهي والمراد نفي التحري والصلاة معا وقال ابن خروف يجوز الجزم على العطف أي لا يتحر ولا يصل والرفع على القطع أي لا يتحر فهو يصلي والنصب على جواب النفي أي لا يتحرى مصليا وفي رواية القعنبي أن يصلي ومعناه لا يتحرى الصلاة ( عند طلوع الشمس ولا عند غروبها) قال الباجي يحتمل أن يريد به المنع من النافلة في هذين الوقتين أو المنع من تأخير الفرض إليه انتهى وقال الحافظ اختلف في المراد به فقيل هو تفسير لحديث الصحيحين عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس وبعد العصر حتى تغرب فلا تكره الصلاة بعدهما إلا لمن قصد بصلاته طلوع الشمس وغروبها لأن التحري القصد وإلى هذا جنح بعض أهل الظاهر وقواه ابن المنذر وذهب الأكثر إلى أنه نهي مستقل وكره الصلاة في الوقتين قصد لها أم لم يقصد وفي مسلم عن عائشة وهم عمر إنما نهى صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها قال البيهقي إنما قالت ذلك لأنها رأته صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العصر فحملت نهيه على من قصد ذلك على الإطلاق وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم إنما صلى حينئذ قضاء وأما النهي فثابت عن جماعة من الصحابة غير عمر انتهى ومواظبته صلى الله عليه وسلم على الركعتين بعد العصر من خصائصه لحديث عائشة كان يصلي بعد العصر وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال رواه أبو داود ومسلم وزاد وكان إذا صلى صلاة أثبتها وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى كلاهما عن مالك به ( مالك عن محمد بن حبان) بفتح الحاء والموحدة الثقيلة الأنصاري ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ثقة ثبت عالم ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة) للنافلة نهي تنزيه وقيل تحريم ( بعد) صلاة ( العصر حتى تغرب الشمس) والنهي في وقت الغروب للتحريم ( وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس) مرتفعة فالمراد طلوع مخصوص للحديث السابق حتى تبرز وفي رواية ترتفع وبعموم هذا أخذ الجمهور وخصه الشافعي بما رواه هو وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة والترمذي وابن حبان والحاكم عن جبير بن مطعم مرفوعا لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار قال بعضهم وبين الحديثين عموم وخصوص من وجه فالأول عام في المكان خاص بالزمان والثاني بالعكس فليس عموم أحدهما على خصوص الآخر بأولى من عكسه وخصه أيضا بما لا سبب له فلا يكره نفل فائت وتحية مسجد وسجدة شكر ونحو ذلك لحديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لأم سلمة سألت عن الركعتين بعد العصر إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان فيقاس على ذلك كل ما له سبب وأجيب بأن ذلك خصوصية له كما تشهد به الأحاديث وتقدم بعضها وهذا الحديث رواه مسلم عن يحيى عن مالك به ( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب كان يقول) هكذا رواه موقوفا ومثله لا يقال رأيا فحكمه الرفع وقد رفعه ابنه عبد الله أخرج البخاري ومسلم من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه قال حدثني ابن عمر قال قال صلى الله عليه وسلم ( لا تحروا) بحذف إحدى التاءين تخفيفا وأصله لا تتحروا أي لا تقصدوا ( بصلاتكم) بالموحدة ( طلوع الشمس ولا غروبها فإن الشيطان يطلع قرناه) جانبًا رأسه ( مع طلوع الشمس ويغربان) بضم الراء ( مع غروبها) بمعنى أنه ينتصب محاذيا لمطلعها ومغربها حتى إذا طلعت أو غربت كانت بين جانبي رأسه لتقع السجدة له إذا سجد عبدة الشمس لها فهو بالنسبة إلى من يشاهدها فلو شاهد الشيطان لرآه منتصبا عندها وتمسك به من رد قول أهل الهيئة إن الشمس في السماء الرابعة والشياطين قد منعوا من ولوج السماء ولا حجة فيه لما ذكرنا والحق أن الشمس في الفلك الرابع والسموات السبع عند أهل الشرع غير الأفلاك خلافا لأهل الهيئة هكذا في فتح الباري ( وكان) عمر ( يضرب الناس على) وفي رواية عن أي لأجل ( تلك الصلاة) بعد العصر قال ابن عباس كنت أضرب الناس مع عمر على الركعتين بعد العصر ( مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه رأى عمر بن الخطاب يضرب المنكدر) بن محمد بن المنكدر القرشي التيمي المدني مات سنة ثمانين ( في) أي بسبب ( الصلاة بعد العصر) وروى عبد الرزاق عن زيد بن خالد أن عمر رآه وهو خليفة ركع بعد العصر فضربه فذكر الحديث وفيه فقال عمر يا زيد.

لولا أني أخشى أن يتخذها الناس سلما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما وروي عن تميم الداري نحو ذلك وفيه ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى الغروب حتى يمروا بالساعة التي نهى صلى الله عليه وسلم أن يصلى فيها، ولعل مراده نهي تحريم فلا ينافي أحاديث نهيه عن الصلاة بعد العصر فإنه للتنزيه والله أعلم.



رقم الحديث 523 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إِذَا مَاتَتِ الْمَرْأَةُ، وَلَيْسَ مَعَهَا نِسَاءٌ يُغَسِّلْنَهَا، وَلَا مِنْ ذَوِي الْمَحْرَمِ أَحَدٌ يَلِي ذَلِكَ مِنْهَا، وَلَا زَوْجٌ يَلِي ذَلِكَ مِنْهَا، يُمِّمَتْ فَمُسِحَ بِوَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا مِنَ الصَّعِيدِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا هَلَكَ الرَّجُلُ، وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، إِلَّا نِسَاءٌ، يَمَّمْنَهُ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ لِغُسْلِ الْمَيِّتِ عِنْدَنَا شَيْءٌ مَوْصُوفٌ.
وَلَيْسَ لِذَلِكَ صِفَةٌ مَعْلُومَةٌ.
وَلَكِنْ يُغَسَّلُ فَيُطَهَّرُ.


( غسل الميت)

( مالك عن جعفر) الصادق لصدقه في مقاله ( ابن محمد) الباقر لأنه بقر العلم أي شقه فعرف أصله وخفيه ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عن أبيه) قال ابن عبد البر أرسله رواة الموطأ إلا سعيد بن عفير فقال عن عائشة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل في قميص) قال وأسند في غير الموطأ عن جابر وهو عن عائشة أصح قال وهو حديث مشهور عند العلماء وأهل السير والمغازي وقال الباجي يحتمل أن يكون ذلك خاصًا به صلى الله عليه وسلم لأن السنة عند مالك وأبي حنيفة والجمهور أن يجرد الميت ولا يغسل في قميصه وقال الشافعي لا يجرد ويغسل فيه وقد قالت عائشة لما أرادوا غسل النبي صلى الله عليه وسلم قالوا والله ما ندري أنجرده من ثيابه كما نجرد موتانا أو نغسله وعليه ثيابه فألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو غسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه ( مالك عن أيوب بن أبي تميمة) بفوقية بلفظ واحدة التمائم واسمه كيسان ( السختياني عن محمد بن سيرين) الأنصاري مولاهم ( عن أم عطية) اسمها نسيبة بنون ومهملة وموحدة مصغر على المشهور وعن ابن معين وغيره فتح النون وكسر السين بنت كعب ويقال بنت الحارث ( الأنصارية) صحابية فاضلة مشهورة مدنية ثم سكنت البصرة قال ابن المنذر وابن عبد البر ليس في أحاديث غسل الميت أصح منه ولا أعم وعليه عول العلماء أنها ( قالت دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته) وفي رواية عبد الوهاب الثقفي وابن جريج عن أيوب دخل علينا ونحن نغسل ابنته وجمع بأنه دخل حين شرع النسوة في الغسل وللنسائي من وجه آخر عن أم عطية ماتت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إلينا والمشهور أنها زينب والدة أمامة المتقدمة وهي أكبر بناته ماتت في أول سنة ثمان ولمسلم عن عاصم الأحول عن أم عطية ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لنا اغسلنها الحديث ولابن ماجه بإسناد جيد دخل علينا ونحن نغسل ابنته أم كلثوم وفي مبهمات ابن بشكوال من وجه آخر عن أم عطية كنت فيمن غسل أم كلثوم وللدولابي عن أم عمرة أن أم عطية كانت فيمن غسل أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم فيمكن ترجيحه لتعدد طرقه وبه جزم الداودي والجمع بأن تكون حضرتهما جميعًا فقد جزم ابن عبد البر بأن أم عطية كانت غاسلة الميتات وعزو النووي تبعًا لعياض أي تبعًا لابن عبد البر تسميتها أم كلثوم لبعض أهل السير قصور شديد وقول المنذري إنها ماتت والنبي ببدر فلم يشهدها غلط فالميتة وهو ببدر رقية ( فقال اغسلنها) أمر لأم عطية ومن معها ووقفت من تسميتهن على ثلاث فعند الدولابي عن أسماء بنت عميس أنها كانت فيمن غسلها قالت ومعنا صفية بنت عبد المطلب ولأبي داود عن ليلى بنت قانف بقاف ونون الثقفية قالت كنت فيمن غسلها وللطبراني عن أم سليم ما يومئ إلى أنها حضرت ذلك أيضًا قال ابن بزيزة استدل به على وجوب غسل الميت وهو ينبني على أن قوله بعد أن رأيتن ذلك يرجع إلى الغسل أو إلى العدد والثاني أرجح فيثبت المدعي قال ابن دقيق العيد لكن قوله ( ثلاثًا) ليس للوجوب على المشهور من مذاهب العلماء فالاستدلال به على تجويز إرادة المعنيين المختلفين بلفظ واحد لأن لفظ ثلاثًا لا يستقل بنفسه فلا بد من دخوله تحت الأمر فيراد به الوجوب بالنسبة لأصل الغسل والندب بالنسبة إلى الإيتار اهـ وقواعد الشافعية أي والمالكية لا تأبى ذلك وذهب الحسن والكوفيون وأهل الظاهر والمزني إلى وجوب الثلاث وإن خرج منه شيء بعدها غسل موضعه فقط ولا يزاد على الثلاث وهو خلاف ظاهر الحديث ( أو خمسًا) وفي رواية حفصة عن أم عطية اغسلنها وترًا وليكن ثلاثًا أو خمسًا وأو للترتيب لا للتخيير وحاصله أن الإيتار مطلوب والثلاثة مستحبة فإن حصل الإنقاء بها لم يشرع ما زاد وإلا زيد وترًا حتى يحصل الإنقاء والواجب مرة واحدة تعم جميع البدن قاله النووي وقال ابن العربي في قوله أو خمسًا إشارة إلى الإيتار لأنه نقلهن من الثلاث إلى الخمس وسكت عن الأربع ( أو أكثر من ذلك) بكسر الكاف لأنه خطاب للمؤنث وفي رواية أيوب عن حفصة عن أم عطية عند البخاري ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا ولم أر في شيء من الروايات بعد سبعًا التعبير بأكثر من ذلك إلا في رواية أبي ذر وأما سواها فإما سبعًا وإما أو أكثر من ذلك فيحتمل تفسيره بالسبع وبه قال أحمد وكره الزيادة عليها وقال ابن عبد البر لا أعلم أحدًا قال بمجاوزة السبع وساق من طريق قتادة أن ابن سيرين كان يأخذ الغسل عن أم عطية ثلاثًا وإلا فخمسًا وإلا فأكثر قال فرأينا أن أكثر من ذلك سبع ( إن رأيتن ذلك) تفويض إلى اجتهادهن بحسب الحاجة لا التشهي وقال ابن المنذر إنما فوض إليهن بالشرط المذكور وهو الإيتار وقال بعضهم يحتمل أن يرجع إلى الأعداد المذكورة ويحتمل أن معناه إن رأيتن فعل ذلك وإلا فالإنقاء يكفي قاله كله الحافظ ببعض اختصار قال ابن عبد البر وجميع رواة الموطأ قالوا إن رأيتن ذلك إلا يحيى وهو مما عد من سقطه وفي هذه اللفظة من الفقه رد عدد الغسلات إلى الغاسل على حسب ما يرى بعد الثلاث من بلوغ الوتر فيها ( بماء وسدر) متعلق بقوله اغسلنها وظاهره أن السدر يخلط في كل مرة من مرات الغسل وقال القرطبي يجعل السدر في ماء ويخضخض إلى أن تخرج رغوته ويدلك به جسده ثم يصب عليه الماء القراح فهذه غسلة وقال قوم يطرح ورقات السدر في الماء لئلا يمازج الماء فيتغير عن وصف المطلق وأنكر ذلك أحمد فقال يغسل في كل مرة بالماء والسدر وقال ابن العربي هذا الحديث أصل في التطهير بالماء المضاف إذا لم يسلب الماء الإطلاق اهـ وهو مبني على الصحيح المشهور عند الجمهور أن غسل الميت تعبدي يشترط فيه ما يشترط في بقية الاغتسالات الواجبة والمندوبة خلافًا لابن شعبان وغيره من المالكية أنه للتنظيف فيجزي بماء الورد ونحوه وإنما كره للسرف وقيل شرع احتياطًا لاحتمال أنه جنب وفيه نظر لأن لازمه أن لا يشرع من لم يبلغ وهو خلاف الإجماع ( واجعلن في) الغسلة ( الآخرة) بكسر الخاء ( كافورًا) طيب معروف يكون من شجر بجبال الهند والصين يظل خلقًا كثيرًا وتألفه النمور وخشبه أبيض هش ويوجد في أجوافه الكافور وهو أنواع ولونه أحمر وإنما يبيض بالتصعيد ( أو شيئًا من كافور) شك من الراوي قال أي اللفظين والأول محمول على الثاني لأنه نكرة في سياق الإثبات فيصدق بكل شيء منه وجزم في رواية الثقفي وابن جريج عن أيوب عند البخاري بالشق الأول وظاهره جعل الكافور في الماء وبه قال الجمهور وقال النخعي والكوفيون إنما يجعل في الحنوط بعد انتهاء الغسل والتجفيف وحكمة الكافور زيادة على تطييب رائحة الموضع للحاضرين من الملائكة وغيرهم أن فيه تجفيفًا وتبريدًا وقوة نفوذ وخاصية في تصليب بدن الميت وطرد الهوام عنه ورد ما يتحلل من الفضلات ومنع إسراع الفساد إليه وهو أقوى الروائح الطيبة في ذلك وهذا سر جعله في الأخيرة إذ لو كان في الأولى مثلاً لأذهبه الماء وهل يقوم المسك مثلاً مقامه إن نظر إلى مجرد التطييب نعم وإلا فلا وقد يقال إذا عدم الكافور قام غيره مقامه إذا ماثله ولو بخاصية واحدة قاله الحافظ ( فإذا فرغتن) من غسلها ( فآذنني) بمد الهمزة وكسر المعجمة وفتح النون الأولى مشددة وكسر الثانية أي أعلمنني ( قالت) أم عطية ( فلما فرغنا) بصيغة الماضي جماعة المتكلمين وفي رواية فرغن بصيغة الغائب لجمع المؤنث ( آذناه) أعلمناه ( فأعطانا حقوه) بفتح الحاء المهملة ويجوز كسرها وهي لغة هذيل بعدها قاف ساكنة ( فقال أشعرنها) بهمزة قطع ( إياه) أي اجعلنه شعارها أي الثوب الذي يلي جسدها تبركًا وحكمة تأخيره معه حتى فرغن من الغسل دون إعطائه لهن ليكون قريب العهد من جسده الكريم بلا فاصل بين انتقاله من جسده إلى جسدها وهو أصل في التبرك بآثار الصالحين ( تعني) أم عطية ( بحقوه إزاره) وهو في الأصل معقد الإزار أطلق على الإزار مجازًا وفي رواية ابن عون عن ابن سيرين فنزع من حقوه إزاره والحقو في هذا على حقيقته وهذا الحديث رواه البخاري عن إسماعيل بن عبد الله ومسلم والثلاثة عن قتيبة بن سعيد وأبو داود عن القعنبي الثلاثة عن مالك به وله طرق في الصحيحين وغيرهما عن أيوب وغيره بزيادات ومداره على محمد بن سيرين وأخته حفصة بنت سيرين عن أم عطية ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني قاضيها المتوفى سنة خمس وثلاثين ومائة وله سبعون سنة ( أن أسماء بنت عميس) بضم المهملة وآخره مهملة مصغرًا الخثعمية صحابية تزوجها جعفر بن أبي طالب ثم أبو بكر ثم علي وولدت لكل منهم وماتت بعد علي وهي أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين لأمها ( غسلت) زوجها ( أبا بكر الصديق حين توفي) ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وله ثلاث وستون سنة كما رواه الحاكم وغيره عن عائشة وهو الصحيح كما في الفتح وغلط في الإصابة من قال مات في جمادى الأولى أو لليلة خلت من ربيع الأول ولا خلاف في جواز تغسيل المرأة لزوجها وأما تغسيله لها فأجازه الجمهور والأئمة الثلاثة لأن عليًا غسل فاطمة وقال أبو حنيفة والثوري تغسله لأنها في عدة منه ولا يغسلها لأنه ليس في عدة منها ولا حجة فيه لأنها في حكم الزوجية لا في حكم البينونة بدليل الإرث واعتلوا أيضًا بأن له أن يتزوج أختها فلذا لا يغسلها وهذا ينتقض بغسلها له واحتجوا بحديث أم عطية لأن زوج ابنة النبي صلى الله عليه وسلم كان حاضرًا وأمر المصطفى النسوة بغسلها وتعقب بأنه يتوقف على صحة دعوى أنه كان حاضرًا وعلى تقدير تسليمه فيحتاج إلى ثبوت أنه لا مانع به ولا آثر النسوة على نفسه وعلى تسليمه فغاية ما فيه أن النسوة أولى منه لا على منعه من ذلك لو أراده ( ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت إني صائمة وإن هذا يوم شديد البرد فهل علي من غسل فقالوا لا) غسل عليك واجب ولا مستحب لعذرها بالصوم والبرد واختلف جماعة من الصحابة والتابعين في وجوب غسل من غسل الميت واختلف فيه قول مالك فروى ابن القاسم وابن وهب عنه في العتبية عليه الغسل ولم أدرك الناس إلا عليه ابن القاسم وهو أحب إلي ولم أره يأخذ بحديث أسماء وروى عنه المدنيون وابن عبد الحكم أنه مستحب لا واجب وهو مشهور المذهب وبه قال أبو حنيفة قالوا وإنما أسقطوه عن أسماء لعذرها بالصوم والبرد وفي حديث أبي هريرة مرفوعًا من غسل ميتًا فليغتسل رواه أبو داود برجال ثقات إلا واحدًا لم يعرف حاله وقال الشافعي لا غسل عليه إلا أن يثبت حديث أبي هريرة وظاهر الأمر الوجوب لكن صرفه عنه حديث أم عطية حيث لم يأمرهن به فدل على أنه للاستحباب وأما الاستدلال به على عدم الاستحباب لأنه موضع تعليم ولم يأمر به ففيه نظر لاحتمال أنه شرع بعد ذلك وأما قول الخطابي لا أعلم أحدًا قال بوجوبه فقال الحافظ كأنه ما درى أن الشافعي علق القول به على صحة الحديث والخلاف فيه ثابت عند المالكية وصار إليه بعض الشافعية أيضًا وقال ابن بزيزة الظاهر أنه مستحب والحكمة تتعلق بالميت لأن الغاسل إذا علم أنه سيغتسل لم يتحفظ من شيء يصيبه من أثر الغسل فيبالغ في تنظيف الميت وهو مطمئن ويحتمل أن تتعلق بالغاسل ليكون عند فراغه على يقين من طهارة جسده مما لعله أن يكون أصابه من رشاش ونحوه انتهى ( مالك أنه سمع أهل العلم يقولون إذا ماتت المرأة وليس معها نساء يغسلنها ولا من ذوي المحرم) كأخ وعم وفي نسخة المحارم بالجمع ( أحد يلي ذلك منها) فيجوز للمحرم من فوق الثوب كما قال مالك في المدونة والعتبية ( ولا زوج يلي ذلك منها يُممتْ) لكوعيها فقط كما قال ( فمسح بوجهها وكفيها من الصعيد) الطاهر ( قال مالك وإذا هلك الرجل) أي مات ( وليس معه أحد إلا نساء) أجانب ( يممنه أيضًا) لمرفقيه فإن كن محارم غسلنه من فوق الثوب كما في المدونة وغيرها ابن عبد الحكم عن مالك تغسل المرأة ذا محرمها والرجل ذا محرمه في درعها ولا يطلع أحد منهم على عورة صاحبه وقال أشهب وأبو حنيفة والشافعي لا يغسل ذو المحارم بعضها بعضًا وييممون ( قال مالك وليس لغسل الميت عندنا شيء موصوف) لا يجوز تعديه ( وليس لذلك صفة معلومة ولكن يغسل فيطهر) ويستحب أن يبدأ في المرة الأولى بغسل رأسه ولحيته ثم بجسده ويبدأ بشقه الأيمن ويستحب أن يوضأ لحديث ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها.



رقم الحديث 525 وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَعَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ.


النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر

( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي) بضم المهملة وفتح النون وكسر الموحدة نسبة إلى صنابح بطن من مراد هكذا قال جمهور الرواة عن مالك عبد الله بلا أداة كنية وقالت طائفة منهم مطرف وإسحاق بن عيسى الطباع عن أبي عبد الله الصنابحي بأداة الكنية قال ابن عبد البر وهو الصواب وهو عبد الرحمن بن عسيلة تابعي ثقة ورواه زهير بن محمد عن زيد عن عطاء عن عبد الله الصنابحي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خطأ فالصنابحي لم يلقه كذا قال تبعا لنقل الترمذي عن البخاري أن مالكا وهم في قوله عبد الله وإنما هو أبو عبد الله واسمه عبد الرحمن تابعي قال في الإصابة وظاهره أن عبد الله الصنابحي لا وجود له وفيه نظر فقد قال يحيى بن معين عبد الله الصنابحي روى عنه المدنيون يشبه أن له صحبة وقال ابن السكن يقال له صحبة مدني ورواية مطرف والطباع عن مالك شاذة ولم ينفرد به مالك بل تابعه حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وكذا زهير بن محمد عند ابن منده قال وكذا تابعه محمد بن جعفر بن أبي كثير وخارجة بن مصعب الأربعة عن زيد به وأخرجه الدارقطني من طريق إسماعيل بن الحارث وابن منده من طريق إسماعيل الصائغ كلاهما عن مالك عن زيد به مصرحا فيه بالسماع وروى زهير بن محمد وأبو غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء عن عبد الله الصنابحي عن عبادة حديثا آخر في الوتر أخرجه أبو داود فورود عبد الله الصنابحي في هذا الحديث من رواية هذين عن شيخ مالك بمثل روايته ومتابعة الأربع له وتصريح اثنين منهما بالسماع يدفع الجزم بوهم مالك فيه انتهى ملخصا وفيه إفادة أن زهير بن محمد لم ينفرد بتصريحه بالسماع فليس بخطأ كما زعم ابن عبد البر.

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان) قال الخطابي قيل معناه مقارنة الشيطان لها عند دنوها للطلوع والغروب ويؤيده قوله: ( فإذا ارتفعت فارقها) وما بعده، فنهي عن الصلاة في هذه الأوقات لذلك وقيل معنى قرنه قوته من قولك أنا مقرن لهذا الأمر أي مطيق له قوي عليه وذلك أن الشيطان إنما يقوى أمره في هذه الأوقات لأنه يسول لعبدة الشمس أن يسجدوا لها في هذه الأوقات وقيل قرنه حزبه وأصحابه الذين يعبدون الشمس وقيل إن الشيطان يقابلها عند طلوعها وينتصب دونها حتى يكون طلوعها بين قرنيه وهما جانبا رأسه فينقلب سجود الكفار للشمس عبادة له ( ثم إذا استوت قارنها) بالنون ( فإذا زالت فارقها) بالقاف، ولمسلم عن عقبة وحين يقوم قائم الظهيرة حتى ترتفع وله عن عمرو بن عبسة حتى يستقل الظل بالرمح فإذا أقبل الفيء فصل ولأبي داود حتى يعدل الرمح ظله ولابن ماجه والبيهقي عن أبي هريرة حتى تستوي الشمس على رأسك كالرمح فإذا زالت فصل ولهذا قال الجمهور والأئمة الثلاثة بكراهة الصلاة عند الاستواء وقال مالك بالجواز مع روايته هذا الحديث.

قال ابن عبد البر: فإما أنه لم يصح عنده أو رده بالعمل الذي ذكره بقوله ما أدركت أهل الفضل إلا وهم يجتهدون ويصلون نصف النهار انتهى والثاني أولى أو متعين فإن الحديث صحيح بلا شك إذ رواته ثقات مشاهير وعلى تقدير أنه مرسل فقد اعتضد بأحاديث عقبة وعمرو وقد صححهما مسلم كما رأيت وبحديث أبي هريرة ( فإذا دنت للغروب قارنها) بنون تليها هاء ( فإذا غربت فارقها) بقاف قبل الهاء.

( ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات) الثلاث نهي تحريم في الطرفين وكراهة في الوسط عند الجمهور في النافلة لا الفريضة.

وقالت طائفة من السلف بالإباحة مطلقًا، وأن أحاديث النهي منسوخة.

وبه قال داود وابن حزم وغيرهما من الظاهرية وحكي عن طائفة المنع مطلقا في جميع الصلوات وصح عن أبي بكرة وكعب بن عجرة منع صلاة الفرض في هذه الأوقات وقال الشافعي بجواز الفرائض وما له سبب من النوافل وقال أبو حنيفة يحرم الجميع سوى عصر يومه وتحرم المنذورة أيضا وقال مالك وأحمد يحرم النوافل دون الفرائض.

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال) وصله البخاري ومسلم من طريق يحيى بن سعيد القطان وغيره عن هشام عن أبيه قال حدثني ابن عمر قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا بدا) بلا همز أي ظهر ( حاجب الشمس) أي طرفها الأعلى من قرصها سمي بذلك لأنه أول ما يبدو منها يصير كحاجب الإنسان ( فأخروا الصلاة حتى تبرز) أي تصير بارزة ظاهرة ومراده ترتفع وبه عبر في رواية للبخاري وله أيضا ولمسلم كما هنا حتى تبرز فجعل ارتفاعها غاية النهي وهو يقوي رواية من روى حديث عمر في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس بضم أوله من أشرق أي أضاء أي حتى ترتفع وتضيء وروي بفتح أوله وضم ثالثه من شرقت أي طلعت وجمع بينهما بأن المراد طلوع مخصوص أي تطلع مرتفعة ( وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب) زاد البخاري من رواية عبدة عن هشام فإنها تطلع بين قرني شيطان وفيه إشارة إلى علة النهي عن الصلاة في الوقتين وزاد مسلم من حديث عمرو بن عبسة وحينئذٍ يسجد لها الكفار فالنهي لترك مشابهة الكفار وقد اعتبر ذلك الشرع في أشياء كثيرة وفي هذا تعقب على أبي محمد البغوي حيث قال لا يدرك معنى النهي عن ذلك وجعله من التعبد الذي يجب الإيمان به ( مالك عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب المدني صدوق ( قال دخلنا على أنس بن مالك بعد الظهر) أي بعد ما صليناها ففي مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر عن العلاء أنه دخل على أنس في داره بالبصرة حين انصرف من الظهر وداره بجنب المسجد فلما دخلنا عليه قال أصليتم العصر قلنا له إنما انصرفنا الساعة من الظهر ( فقام يصلي العصر) زاد إسماعيل فقمنا فصلينا ( فلما فرغ من صلاته ذكرنا تعجيل الصلاة) للعصر ( أو ذكرها) شك الراوي ( فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تلك) أي الصلاة المؤخرة ( صلاة المنافقين) لخروجها عن وقتها شبه فعلهم ذلك بفعل المنافقين الذين قال الله تعالى فيهم: { { يُرَاءُونَ النَّاسَ } } ( تلك صلاة المنافقين تلك صلاة المنافقين) ذكره ثلاثًا لمزيد الاهتمام والزجر والتنفير عن إخراجها عن وقتها ( يجلس أحدهم) غير مبال بها زاد إسماعيل يرقب الشمس ( حتى إذا اصفرت الشمس وكانت بين قرني الشيطان) أي جانبي رأسه يقال إنه ينتصب في محاذاتها عند الطلوع والغروب فإذا طلعت أو غربت كانت بين جانبي رأسه لتقع السجدة له إذا سجد عبدة الشمس لها وعلى هذا فقوله بين قرني الشيطان أي بالنسبة إلى من يشاهدها عند ذلك فلو شاهد الشيطان لرآه منتصبًا عندها قاله الحافظ ( أو على قرن) بالإفراد على إرادة الجنس وفي نسخة قرني ( الشيطان) شك الراوي هل قال بين أو على قال القاضي عياض معنى قرني الشيطان هنا يحتمل الحقيقة والمجاز وإلى الحقيقة ذهب الداودي وغيره ولا بعد فيه وقد جاءت آثار مصرحة بأنها تريد عند الغروب السجود لله تعالى فيأتي شيطان يصدها فتغرب بين قرنيه ويحرقه الله وقيل معناه المجاز والاتساع وأن قرني الشيطان أو قرنه الأمة التي تعبد الشمس وتطيعه في الكفر بالله وأنها لما كانت يسجد لها ويصلي من يعبدها من الكفار حينئذ نهي عن التشبه بهم قال النووي والصحيح الأول ( قام فنقر أربعا) أي أسرع الحركة فيها كنقر الطائر ( لا يذكر الله فيها إلا قليلا) تصريح بذم من صلى مسرعا بحيث لا يكمل الخشوع والطمأنينة والأذكار وتصريح بذم تأخير العصر بلا عذر وقد تابع مالكا في هذا الحديث إسماعيل بن جعفر عن العلاء أخرجه مسلم بنحوه ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يتحر) هكذا بلا ياء عند أكثر رواة الموطأ على أن لا ناهية وفي رواية التنيسي والنيسابوري لا يتحرى بالياء على أن لا نافية قال الحافظ كذا وقع بلفظ الخبر قال السهيلي يجوز الخبر عن مستقر أمر الشرع أي لا يكون إلا هذا وقال العراقي يحتمل أن يكون نهيا وإثبات الألف إشباع ( أحدكم فيصلي) بالنصب في جواب النفي أو النهي والمراد نفي التحري والصلاة معا وقال ابن خروف يجوز الجزم على العطف أي لا يتحر ولا يصل والرفع على القطع أي لا يتحر فهو يصلي والنصب على جواب النفي أي لا يتحرى مصليا وفي رواية القعنبي أن يصلي ومعناه لا يتحرى الصلاة ( عند طلوع الشمس ولا عند غروبها) قال الباجي يحتمل أن يريد به المنع من النافلة في هذين الوقتين أو المنع من تأخير الفرض إليه انتهى وقال الحافظ اختلف في المراد به فقيل هو تفسير لحديث الصحيحين عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس وبعد العصر حتى تغرب فلا تكره الصلاة بعدهما إلا لمن قصد بصلاته طلوع الشمس وغروبها لأن التحري القصد وإلى هذا جنح بعض أهل الظاهر وقواه ابن المنذر وذهب الأكثر إلى أنه نهي مستقل وكره الصلاة في الوقتين قصد لها أم لم يقصد وفي مسلم عن عائشة وهم عمر إنما نهى صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها قال البيهقي إنما قالت ذلك لأنها رأته صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العصر فحملت نهيه على من قصد ذلك على الإطلاق وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم إنما صلى حينئذ قضاء وأما النهي فثابت عن جماعة من الصحابة غير عمر انتهى ومواظبته صلى الله عليه وسلم على الركعتين بعد العصر من خصائصه لحديث عائشة كان يصلي بعد العصر وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال رواه أبو داود ومسلم وزاد وكان إذا صلى صلاة أثبتها وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى كلاهما عن مالك به ( مالك عن محمد بن حبان) بفتح الحاء والموحدة الثقيلة الأنصاري ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ثقة ثبت عالم ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة) للنافلة نهي تنزيه وقيل تحريم ( بعد) صلاة ( العصر حتى تغرب الشمس) والنهي في وقت الغروب للتحريم ( وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس) مرتفعة فالمراد طلوع مخصوص للحديث السابق حتى تبرز وفي رواية ترتفع وبعموم هذا أخذ الجمهور وخصه الشافعي بما رواه هو وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة والترمذي وابن حبان والحاكم عن جبير بن مطعم مرفوعا لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار قال بعضهم وبين الحديثين عموم وخصوص من وجه فالأول عام في المكان خاص بالزمان والثاني بالعكس فليس عموم أحدهما على خصوص الآخر بأولى من عكسه وخصه أيضا بما لا سبب له فلا يكره نفل فائت وتحية مسجد وسجدة شكر ونحو ذلك لحديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لأم سلمة سألت عن الركعتين بعد العصر إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان فيقاس على ذلك كل ما له سبب وأجيب بأن ذلك خصوصية له كما تشهد به الأحاديث وتقدم بعضها وهذا الحديث رواه مسلم عن يحيى عن مالك به ( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب كان يقول) هكذا رواه موقوفا ومثله لا يقال رأيا فحكمه الرفع وقد رفعه ابنه عبد الله أخرج البخاري ومسلم من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه قال حدثني ابن عمر قال قال صلى الله عليه وسلم ( لا تحروا) بحذف إحدى التاءين تخفيفا وأصله لا تتحروا أي لا تقصدوا ( بصلاتكم) بالموحدة ( طلوع الشمس ولا غروبها فإن الشيطان يطلع قرناه) جانبًا رأسه ( مع طلوع الشمس ويغربان) بضم الراء ( مع غروبها) بمعنى أنه ينتصب محاذيا لمطلعها ومغربها حتى إذا طلعت أو غربت كانت بين جانبي رأسه لتقع السجدة له إذا سجد عبدة الشمس لها فهو بالنسبة إلى من يشاهدها فلو شاهد الشيطان لرآه منتصبا عندها وتمسك به من رد قول أهل الهيئة إن الشمس في السماء الرابعة والشياطين قد منعوا من ولوج السماء ولا حجة فيه لما ذكرنا والحق أن الشمس في الفلك الرابع والسموات السبع عند أهل الشرع غير الأفلاك خلافا لأهل الهيئة هكذا في فتح الباري ( وكان) عمر ( يضرب الناس على) وفي رواية عن أي لأجل ( تلك الصلاة) بعد العصر قال ابن عباس كنت أضرب الناس مع عمر على الركعتين بعد العصر ( مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه رأى عمر بن الخطاب يضرب المنكدر) بن محمد بن المنكدر القرشي التيمي المدني مات سنة ثمانين ( في) أي بسبب ( الصلاة بعد العصر) وروى عبد الرزاق عن زيد بن خالد أن عمر رآه وهو خليفة ركع بعد العصر فضربه فذكر الحديث وفيه فقال عمر يا زيد.

لولا أني أخشى أن يتخذها الناس سلما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما وروي عن تميم الداري نحو ذلك وفيه ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى الغروب حتى يمروا بالساعة التي نهى صلى الله عليه وسلم أن يصلى فيها، ولعل مراده نهي تحريم فلا ينافي أحاديث نهيه عن الصلاة بعد العصر فإنه للتنزيه والله أعلم.



رقم الحديث 525 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ لِعَائِشَةَ، وَهُوَ مَرِيضٌ: فِي كَمْ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَتْ: فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: خُذُوا هَذَا الثَّوْبَ لِثَوْبٍ عَلَيْهِ، قَدْ أَصَابَهُ مِشْقٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ فَاغْسِلُوهُ.
ثُمَّ كَفِّنُونِي فِيهِ.
مَعَ ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَمَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْحَيُّ أَحْوَجُ إِلَى الْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ، وَإِنَّمَا هَذَا لِلْمُهْلَةِ.


( ما جاء في كفن الميت)

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب) في طبقات ابن سعد عن الشعبي إزار ورداء ولفافة وزاد ابن المبارك عن هشام يمانية بخفة الياء نسبة إلى اليمن ( بيض) فيستحب بياض الكفن لأن الله لم يكن ليختار لنبيه إلا الأفضل وروى أصحاب السنن عن ابن عباس مرفوعًا البسوا ثياب البياض فإنها أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم صححه الترمذي والحاكم وله شاهد من حديث سمرة بن جندب نحوه بإسناد صحيح واستحب الحنفية أن يكون في إحداها ثوب حبرة لما في أبي داود عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم كفن في ثوبين وبرد حبرة وإسناده حسن لكن روى مسلم والترمذي عن عائشة أنهم نزعوها عنه قال الترمذي وتكفينه في ثلاثة أثواب بيض أصح ما ورد في كفنه وقال ابن عبد البر هذا أثبت حديث في كفنه صلى الله عليه وسلم وقال عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة لف في برد حبرة جفف فيه ونزع عنه وحديث الصحيحين عن أنس رضي الله عنه كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحبرة وهي بكسر المهملة وفتح الموحدة ما كان من البرود مخططًا لا دلالة فيه لأن كونه أحب في حال الحياة لا يقتضي أحبيته في الكفن ( سحولية) بضم المهملتين ولام ويروى بفتح أوله نسبة إلى سحول قرية باليمن وقال الأزهري بالفتح المدينة وبالضم الثياب وقيل النسبة إلى القرية بالضم وأما الفتح فنسبة إلى القصار لأنه يسحل الثياب أي ينقيها قاله الحافظ وقال النووي بفتح السين وضمها والفتح أشهر وهي رواية الأكثرين انتهى زاد الثوري وابن المبارك عن هشام من كرسف بضم الكاف والسين أي قطن وبه رد تفسير ابن وهب وغيره السحول بالقطن ( ليس فيها قميص ولا عمامة) معدودان من جملة الثلاثة بل زائدان عليها فلا يخالف قول مالك وأبي حنيفة باستحبابهما ويحتمل أن معناه لم يكن مع الثلاثة شيء غيرها وهو قول الشافعي والجمهور بعدم استحبابهما وإنما هو جائز وقال الحنابلة بالكراهة والنفي في الحديث نحو ما قيل في قوله تعالى { { بغير عمد ترونها } } أي بغير عمد أصلاً أو بعمد غير مرئية وقال بعض الحنفية معناه ليس فيها قميص جديد أو غسل فيه أو كفن فيه أو ملفوف الأطراف والحديث رواه البخاري عن إسماعيل وأصحاب السنن الثلاثة عن قتيبة كلاهما عن مالك به وتابعه السفيانان وابن المبارك ويحيى القطان وغيرهم كلهم عن هشام بنحوه في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال بلغني أن أبا بكر الصديق قال لعائشة) وهذا رواه البخاري من طريق وهيب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت دخلت على أبي بكر ( وهو مريض) مرض الموت بمرض السل أو بسم يهودية في خزيرة أو غيرها أهدتها له فتعلل سنة أو باغتساله في يوم بارد فحم خمسة عشر يومًا ومات ومات روايات لا منافاة بينها فقد يكون أكل السم وتعلل لكن لم ينقطع وحصل له بسبب ذلك مرض السل ثم في شهر موته اغتسل فحم حتى مات فجمع الله له ذلك زيادة في الزلفى ورفع الدرجات ( في كم) معمول مقدم لقوله ( كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم) سألها وإن كان إنما تولى غسله وتكفينه صلى الله عليه وسلم أهله علي والعباس وابنه الفضل لأن ذلك كان في بيتها فشاهدته قيل ذكر لها أبو بكر ذلك بصيغة الاستفهام توطئة لها للصبر على فقده واستنطاقًا لها بما يعلم أنه يعظم عليها ذكره لما في بداءته لها بذلك من إدخال الغم العظيم عليها لأنه يبعد أن يكون أبو بكر نسي ما سألها عنه لقرب العهد ويحتمل أن السؤال عن الكفن على حقيقته لأنه لم يحضر ذلك لاشتغاله بأمر البيعة ( فقالت في ثلاثة أثواب بيض سحولية) بفتح السين وضمها ( فقال أبو بكر خذوا هذا الثوب لثوب عليه) زاد البخاري كان يمرض فيه ( قد أصابه مشق) بكسر الميم وإسكان الشين المغرة عند أهل المدينة بفتح الميم والغين وبسكون الغين لغتان قاله أبو عبد الملك ( أو زعفران) وفي رواية البخاري به ردغ من زعفران ( فاغسلوه) لتزول الحمرة التي فيه أو علم فيه شيئًا وإلا فالثوب اللبيس لا يجب غسله قاله سحنون ( ثم كفنوني فيه مع ثوبين آخرين) موافقة لما فعل بالمصطفى ( فقالت عائشة وما هذا) وفي رواية البخاري قلت إن هذا خلق ( فقال أبو بكر الحي أحوج إلى الجديد من الميت وإنما هذا للمهلة) رواه يحيى بكسر الميم وروي بضمها وروي بفتحها قاله عياض ثم هاء ساكنة ثم لام وهي الصديد والقيح الذي يذوب فيسيل من الجسد ومنه قيل للنحاس الذائب مهل كما في النهاية قال أبو عمر من ضم الميم شبه الصديد بعكر الزيت وهو المهل والمهلة قال الباجي ورواه أبو عبيد وإنما هو للمهل والتراب قال ويحتمل أنه أوصى بتكفينه في هذا الثوب لأنه لبسه في الحروب وأحرم فيه وفيه اعتبار وصية الميت في كفنه وغيره إذا وافق صوابًا روى علي عن مالك إذا أوصى أن يكفن بسرف كفن منه بالقصد فإن لم يوص وتشاح الورثة لم ينقص عن ثلاثة أثواب من جنس ما كان يلبس في حياته وقال غيره يحتمل أن أبا بكر اختار ذلك الثوب بعينه لمعنى فيه من التبرك به لكونه صار إليه من النبي صلى الله عليه وسلم أو جاهد فيه أو تعبد فيه ويؤيده ما رواه ابن سعد قال أبو بكر كفنوني في ثوبي اللذين كنت أصلي فيهما وإن كان ظاهره أن أبا بكر كان يرى عدم المغالاة في الكفن لقوله إنما هو للمهلة وروى أبو داود عن علي قال قال صلى الله عليه وسلم لا تغالوا في الكفن فإنه يسلبه سريعًا ولا يدافع قوله صلى الله عليه وسلم إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه رواه مسلم عن جابر لحمل التحسين على الصفة والمغالاة على الثمن وقيل التحسين حق للميت فإذا أوصى بتركه اتبع كما فعل الصديق وقول ابن عبد البر الجديد والخلق سواء تعقب بما مر من احتمال أنه اختاره لمعنى فيه وعلى تقدير أن لا يكون كذلك فلا دليل فيه على المساواة زاد في رواية البخاري وقال لها في أي يوم توفي صلى الله عليه وسلم قالت يوم الإثنين قال فأي يوم هذا قالت يوم الإثنين قال أرجو فيما بيني وبين الليل فلم يتوفَ حتى أمسى من ليلة الثلاثاء ودفن من ليلته قبل أن يصبح قال ابن المنير حكمة تأخر وفاته عن يوم الإثنين مع حبه لذلك لكونه قام في الأمر بعد المصطفى فناسب تأخر موته عن الوقت الذي قبض فيه صلى الله عليه وسلم ( مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني ثقة من كبار التابعين مات سنة خمس ومائة على الصحيح ( عن عبد الله) هذا هو الصواب وغلط يحيى فسماه عبد الرحمن ( ابن عمرو بن العاصي) بالياء وبدونها الصحابي ابن الصحابي ( أنه قال الميت يقمص) يلبس القميص وبه قال مالك وأبو حنيفة وزادا ويعمم وقال الشافعي لا يقمص ولا يعمم وروي أيضًا عن مالك قال الباجي والأول أظهر لأنه صلى الله عليه وسلم كسا عبد الله بن أبي بعدما أدخل حفرته قميصه ( ويؤزر) يجعل له إزار وهو ما يشد به الوسط ( ويلف في الثوب الثالث فإن لم يكن له إلا ثوب واحد كفن فيه) ولا ينتظر بدفنه ارتقاب شيء آخر إذ هو الواجب باتفاق.



رقم الحديث 526 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَتَحَرَّ أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّيَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا.


النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر

( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي) بضم المهملة وفتح النون وكسر الموحدة نسبة إلى صنابح بطن من مراد هكذا قال جمهور الرواة عن مالك عبد الله بلا أداة كنية وقالت طائفة منهم مطرف وإسحاق بن عيسى الطباع عن أبي عبد الله الصنابحي بأداة الكنية قال ابن عبد البر وهو الصواب وهو عبد الرحمن بن عسيلة تابعي ثقة ورواه زهير بن محمد عن زيد عن عطاء عن عبد الله الصنابحي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خطأ فالصنابحي لم يلقه كذا قال تبعا لنقل الترمذي عن البخاري أن مالكا وهم في قوله عبد الله وإنما هو أبو عبد الله واسمه عبد الرحمن تابعي قال في الإصابة وظاهره أن عبد الله الصنابحي لا وجود له وفيه نظر فقد قال يحيى بن معين عبد الله الصنابحي روى عنه المدنيون يشبه أن له صحبة وقال ابن السكن يقال له صحبة مدني ورواية مطرف والطباع عن مالك شاذة ولم ينفرد به مالك بل تابعه حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وكذا زهير بن محمد عند ابن منده قال وكذا تابعه محمد بن جعفر بن أبي كثير وخارجة بن مصعب الأربعة عن زيد به وأخرجه الدارقطني من طريق إسماعيل بن الحارث وابن منده من طريق إسماعيل الصائغ كلاهما عن مالك عن زيد به مصرحا فيه بالسماع وروى زهير بن محمد وأبو غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء عن عبد الله الصنابحي عن عبادة حديثا آخر في الوتر أخرجه أبو داود فورود عبد الله الصنابحي في هذا الحديث من رواية هذين عن شيخ مالك بمثل روايته ومتابعة الأربع له وتصريح اثنين منهما بالسماع يدفع الجزم بوهم مالك فيه انتهى ملخصا وفيه إفادة أن زهير بن محمد لم ينفرد بتصريحه بالسماع فليس بخطأ كما زعم ابن عبد البر.

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان) قال الخطابي قيل معناه مقارنة الشيطان لها عند دنوها للطلوع والغروب ويؤيده قوله: ( فإذا ارتفعت فارقها) وما بعده، فنهي عن الصلاة في هذه الأوقات لذلك وقيل معنى قرنه قوته من قولك أنا مقرن لهذا الأمر أي مطيق له قوي عليه وذلك أن الشيطان إنما يقوى أمره في هذه الأوقات لأنه يسول لعبدة الشمس أن يسجدوا لها في هذه الأوقات وقيل قرنه حزبه وأصحابه الذين يعبدون الشمس وقيل إن الشيطان يقابلها عند طلوعها وينتصب دونها حتى يكون طلوعها بين قرنيه وهما جانبا رأسه فينقلب سجود الكفار للشمس عبادة له ( ثم إذا استوت قارنها) بالنون ( فإذا زالت فارقها) بالقاف، ولمسلم عن عقبة وحين يقوم قائم الظهيرة حتى ترتفع وله عن عمرو بن عبسة حتى يستقل الظل بالرمح فإذا أقبل الفيء فصل ولأبي داود حتى يعدل الرمح ظله ولابن ماجه والبيهقي عن أبي هريرة حتى تستوي الشمس على رأسك كالرمح فإذا زالت فصل ولهذا قال الجمهور والأئمة الثلاثة بكراهة الصلاة عند الاستواء وقال مالك بالجواز مع روايته هذا الحديث.

قال ابن عبد البر: فإما أنه لم يصح عنده أو رده بالعمل الذي ذكره بقوله ما أدركت أهل الفضل إلا وهم يجتهدون ويصلون نصف النهار انتهى والثاني أولى أو متعين فإن الحديث صحيح بلا شك إذ رواته ثقات مشاهير وعلى تقدير أنه مرسل فقد اعتضد بأحاديث عقبة وعمرو وقد صححهما مسلم كما رأيت وبحديث أبي هريرة ( فإذا دنت للغروب قارنها) بنون تليها هاء ( فإذا غربت فارقها) بقاف قبل الهاء.

( ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات) الثلاث نهي تحريم في الطرفين وكراهة في الوسط عند الجمهور في النافلة لا الفريضة.

وقالت طائفة من السلف بالإباحة مطلقًا، وأن أحاديث النهي منسوخة.

وبه قال داود وابن حزم وغيرهما من الظاهرية وحكي عن طائفة المنع مطلقا في جميع الصلوات وصح عن أبي بكرة وكعب بن عجرة منع صلاة الفرض في هذه الأوقات وقال الشافعي بجواز الفرائض وما له سبب من النوافل وقال أبو حنيفة يحرم الجميع سوى عصر يومه وتحرم المنذورة أيضا وقال مالك وأحمد يحرم النوافل دون الفرائض.

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال) وصله البخاري ومسلم من طريق يحيى بن سعيد القطان وغيره عن هشام عن أبيه قال حدثني ابن عمر قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا بدا) بلا همز أي ظهر ( حاجب الشمس) أي طرفها الأعلى من قرصها سمي بذلك لأنه أول ما يبدو منها يصير كحاجب الإنسان ( فأخروا الصلاة حتى تبرز) أي تصير بارزة ظاهرة ومراده ترتفع وبه عبر في رواية للبخاري وله أيضا ولمسلم كما هنا حتى تبرز فجعل ارتفاعها غاية النهي وهو يقوي رواية من روى حديث عمر في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس بضم أوله من أشرق أي أضاء أي حتى ترتفع وتضيء وروي بفتح أوله وضم ثالثه من شرقت أي طلعت وجمع بينهما بأن المراد طلوع مخصوص أي تطلع مرتفعة ( وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب) زاد البخاري من رواية عبدة عن هشام فإنها تطلع بين قرني شيطان وفيه إشارة إلى علة النهي عن الصلاة في الوقتين وزاد مسلم من حديث عمرو بن عبسة وحينئذٍ يسجد لها الكفار فالنهي لترك مشابهة الكفار وقد اعتبر ذلك الشرع في أشياء كثيرة وفي هذا تعقب على أبي محمد البغوي حيث قال لا يدرك معنى النهي عن ذلك وجعله من التعبد الذي يجب الإيمان به ( مالك عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب المدني صدوق ( قال دخلنا على أنس بن مالك بعد الظهر) أي بعد ما صليناها ففي مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر عن العلاء أنه دخل على أنس في داره بالبصرة حين انصرف من الظهر وداره بجنب المسجد فلما دخلنا عليه قال أصليتم العصر قلنا له إنما انصرفنا الساعة من الظهر ( فقام يصلي العصر) زاد إسماعيل فقمنا فصلينا ( فلما فرغ من صلاته ذكرنا تعجيل الصلاة) للعصر ( أو ذكرها) شك الراوي ( فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تلك) أي الصلاة المؤخرة ( صلاة المنافقين) لخروجها عن وقتها شبه فعلهم ذلك بفعل المنافقين الذين قال الله تعالى فيهم: { { يُرَاءُونَ النَّاسَ } } ( تلك صلاة المنافقين تلك صلاة المنافقين) ذكره ثلاثًا لمزيد الاهتمام والزجر والتنفير عن إخراجها عن وقتها ( يجلس أحدهم) غير مبال بها زاد إسماعيل يرقب الشمس ( حتى إذا اصفرت الشمس وكانت بين قرني الشيطان) أي جانبي رأسه يقال إنه ينتصب في محاذاتها عند الطلوع والغروب فإذا طلعت أو غربت كانت بين جانبي رأسه لتقع السجدة له إذا سجد عبدة الشمس لها وعلى هذا فقوله بين قرني الشيطان أي بالنسبة إلى من يشاهدها عند ذلك فلو شاهد الشيطان لرآه منتصبًا عندها قاله الحافظ ( أو على قرن) بالإفراد على إرادة الجنس وفي نسخة قرني ( الشيطان) شك الراوي هل قال بين أو على قال القاضي عياض معنى قرني الشيطان هنا يحتمل الحقيقة والمجاز وإلى الحقيقة ذهب الداودي وغيره ولا بعد فيه وقد جاءت آثار مصرحة بأنها تريد عند الغروب السجود لله تعالى فيأتي شيطان يصدها فتغرب بين قرنيه ويحرقه الله وقيل معناه المجاز والاتساع وأن قرني الشيطان أو قرنه الأمة التي تعبد الشمس وتطيعه في الكفر بالله وأنها لما كانت يسجد لها ويصلي من يعبدها من الكفار حينئذ نهي عن التشبه بهم قال النووي والصحيح الأول ( قام فنقر أربعا) أي أسرع الحركة فيها كنقر الطائر ( لا يذكر الله فيها إلا قليلا) تصريح بذم من صلى مسرعا بحيث لا يكمل الخشوع والطمأنينة والأذكار وتصريح بذم تأخير العصر بلا عذر وقد تابع مالكا في هذا الحديث إسماعيل بن جعفر عن العلاء أخرجه مسلم بنحوه ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يتحر) هكذا بلا ياء عند أكثر رواة الموطأ على أن لا ناهية وفي رواية التنيسي والنيسابوري لا يتحرى بالياء على أن لا نافية قال الحافظ كذا وقع بلفظ الخبر قال السهيلي يجوز الخبر عن مستقر أمر الشرع أي لا يكون إلا هذا وقال العراقي يحتمل أن يكون نهيا وإثبات الألف إشباع ( أحدكم فيصلي) بالنصب في جواب النفي أو النهي والمراد نفي التحري والصلاة معا وقال ابن خروف يجوز الجزم على العطف أي لا يتحر ولا يصل والرفع على القطع أي لا يتحر فهو يصلي والنصب على جواب النفي أي لا يتحرى مصليا وفي رواية القعنبي أن يصلي ومعناه لا يتحرى الصلاة ( عند طلوع الشمس ولا عند غروبها) قال الباجي يحتمل أن يريد به المنع من النافلة في هذين الوقتين أو المنع من تأخير الفرض إليه انتهى وقال الحافظ اختلف في المراد به فقيل هو تفسير لحديث الصحيحين عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس وبعد العصر حتى تغرب فلا تكره الصلاة بعدهما إلا لمن قصد بصلاته طلوع الشمس وغروبها لأن التحري القصد وإلى هذا جنح بعض أهل الظاهر وقواه ابن المنذر وذهب الأكثر إلى أنه نهي مستقل وكره الصلاة في الوقتين قصد لها أم لم يقصد وفي مسلم عن عائشة وهم عمر إنما نهى صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها قال البيهقي إنما قالت ذلك لأنها رأته صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العصر فحملت نهيه على من قصد ذلك على الإطلاق وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم إنما صلى حينئذ قضاء وأما النهي فثابت عن جماعة من الصحابة غير عمر انتهى ومواظبته صلى الله عليه وسلم على الركعتين بعد العصر من خصائصه لحديث عائشة كان يصلي بعد العصر وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال رواه أبو داود ومسلم وزاد وكان إذا صلى صلاة أثبتها وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى كلاهما عن مالك به ( مالك عن محمد بن حبان) بفتح الحاء والموحدة الثقيلة الأنصاري ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ثقة ثبت عالم ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة) للنافلة نهي تنزيه وقيل تحريم ( بعد) صلاة ( العصر حتى تغرب الشمس) والنهي في وقت الغروب للتحريم ( وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس) مرتفعة فالمراد طلوع مخصوص للحديث السابق حتى تبرز وفي رواية ترتفع وبعموم هذا أخذ الجمهور وخصه الشافعي بما رواه هو وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة والترمذي وابن حبان والحاكم عن جبير بن مطعم مرفوعا لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار قال بعضهم وبين الحديثين عموم وخصوص من وجه فالأول عام في المكان خاص بالزمان والثاني بالعكس فليس عموم أحدهما على خصوص الآخر بأولى من عكسه وخصه أيضا بما لا سبب له فلا يكره نفل فائت وتحية مسجد وسجدة شكر ونحو ذلك لحديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لأم سلمة سألت عن الركعتين بعد العصر إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان فيقاس على ذلك كل ما له سبب وأجيب بأن ذلك خصوصية له كما تشهد به الأحاديث وتقدم بعضها وهذا الحديث رواه مسلم عن يحيى عن مالك به ( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب كان يقول) هكذا رواه موقوفا ومثله لا يقال رأيا فحكمه الرفع وقد رفعه ابنه عبد الله أخرج البخاري ومسلم من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه قال حدثني ابن عمر قال قال صلى الله عليه وسلم ( لا تحروا) بحذف إحدى التاءين تخفيفا وأصله لا تتحروا أي لا تقصدوا ( بصلاتكم) بالموحدة ( طلوع الشمس ولا غروبها فإن الشيطان يطلع قرناه) جانبًا رأسه ( مع طلوع الشمس ويغربان) بضم الراء ( مع غروبها) بمعنى أنه ينتصب محاذيا لمطلعها ومغربها حتى إذا طلعت أو غربت كانت بين جانبي رأسه لتقع السجدة له إذا سجد عبدة الشمس لها فهو بالنسبة إلى من يشاهدها فلو شاهد الشيطان لرآه منتصبا عندها وتمسك به من رد قول أهل الهيئة إن الشمس في السماء الرابعة والشياطين قد منعوا من ولوج السماء ولا حجة فيه لما ذكرنا والحق أن الشمس في الفلك الرابع والسموات السبع عند أهل الشرع غير الأفلاك خلافا لأهل الهيئة هكذا في فتح الباري ( وكان) عمر ( يضرب الناس على) وفي رواية عن أي لأجل ( تلك الصلاة) بعد العصر قال ابن عباس كنت أضرب الناس مع عمر على الركعتين بعد العصر ( مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه رأى عمر بن الخطاب يضرب المنكدر) بن محمد بن المنكدر القرشي التيمي المدني مات سنة ثمانين ( في) أي بسبب ( الصلاة بعد العصر) وروى عبد الرزاق عن زيد بن خالد أن عمر رآه وهو خليفة ركع بعد العصر فضربه فذكر الحديث وفيه فقال عمر يا زيد.

لولا أني أخشى أن يتخذها الناس سلما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما وروي عن تميم الداري نحو ذلك وفيه ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى الغروب حتى يمروا بالساعة التي نهى صلى الله عليه وسلم أن يصلى فيها، ولعل مراده نهي تحريم فلا ينافي أحاديث نهيه عن الصلاة بعد العصر فإنه للتنزيه والله أعلم.



رقم الحديث 527 وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَضْرِبُ الْمُنْكَدِرَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ.


النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر

( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي) بضم المهملة وفتح النون وكسر الموحدة نسبة إلى صنابح بطن من مراد هكذا قال جمهور الرواة عن مالك عبد الله بلا أداة كنية وقالت طائفة منهم مطرف وإسحاق بن عيسى الطباع عن أبي عبد الله الصنابحي بأداة الكنية قال ابن عبد البر وهو الصواب وهو عبد الرحمن بن عسيلة تابعي ثقة ورواه زهير بن محمد عن زيد عن عطاء عن عبد الله الصنابحي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خطأ فالصنابحي لم يلقه كذا قال تبعا لنقل الترمذي عن البخاري أن مالكا وهم في قوله عبد الله وإنما هو أبو عبد الله واسمه عبد الرحمن تابعي قال في الإصابة وظاهره أن عبد الله الصنابحي لا وجود له وفيه نظر فقد قال يحيى بن معين عبد الله الصنابحي روى عنه المدنيون يشبه أن له صحبة وقال ابن السكن يقال له صحبة مدني ورواية مطرف والطباع عن مالك شاذة ولم ينفرد به مالك بل تابعه حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وكذا زهير بن محمد عند ابن منده قال وكذا تابعه محمد بن جعفر بن أبي كثير وخارجة بن مصعب الأربعة عن زيد به وأخرجه الدارقطني من طريق إسماعيل بن الحارث وابن منده من طريق إسماعيل الصائغ كلاهما عن مالك عن زيد به مصرحا فيه بالسماع وروى زهير بن محمد وأبو غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء عن عبد الله الصنابحي عن عبادة حديثا آخر في الوتر أخرجه أبو داود فورود عبد الله الصنابحي في هذا الحديث من رواية هذين عن شيخ مالك بمثل روايته ومتابعة الأربع له وتصريح اثنين منهما بالسماع يدفع الجزم بوهم مالك فيه انتهى ملخصا وفيه إفادة أن زهير بن محمد لم ينفرد بتصريحه بالسماع فليس بخطأ كما زعم ابن عبد البر.

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان) قال الخطابي قيل معناه مقارنة الشيطان لها عند دنوها للطلوع والغروب ويؤيده قوله: ( فإذا ارتفعت فارقها) وما بعده، فنهي عن الصلاة في هذه الأوقات لذلك وقيل معنى قرنه قوته من قولك أنا مقرن لهذا الأمر أي مطيق له قوي عليه وذلك أن الشيطان إنما يقوى أمره في هذه الأوقات لأنه يسول لعبدة الشمس أن يسجدوا لها في هذه الأوقات وقيل قرنه حزبه وأصحابه الذين يعبدون الشمس وقيل إن الشيطان يقابلها عند طلوعها وينتصب دونها حتى يكون طلوعها بين قرنيه وهما جانبا رأسه فينقلب سجود الكفار للشمس عبادة له ( ثم إذا استوت قارنها) بالنون ( فإذا زالت فارقها) بالقاف، ولمسلم عن عقبة وحين يقوم قائم الظهيرة حتى ترتفع وله عن عمرو بن عبسة حتى يستقل الظل بالرمح فإذا أقبل الفيء فصل ولأبي داود حتى يعدل الرمح ظله ولابن ماجه والبيهقي عن أبي هريرة حتى تستوي الشمس على رأسك كالرمح فإذا زالت فصل ولهذا قال الجمهور والأئمة الثلاثة بكراهة الصلاة عند الاستواء وقال مالك بالجواز مع روايته هذا الحديث.

قال ابن عبد البر: فإما أنه لم يصح عنده أو رده بالعمل الذي ذكره بقوله ما أدركت أهل الفضل إلا وهم يجتهدون ويصلون نصف النهار انتهى والثاني أولى أو متعين فإن الحديث صحيح بلا شك إذ رواته ثقات مشاهير وعلى تقدير أنه مرسل فقد اعتضد بأحاديث عقبة وعمرو وقد صححهما مسلم كما رأيت وبحديث أبي هريرة ( فإذا دنت للغروب قارنها) بنون تليها هاء ( فإذا غربت فارقها) بقاف قبل الهاء.

( ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات) الثلاث نهي تحريم في الطرفين وكراهة في الوسط عند الجمهور في النافلة لا الفريضة.

وقالت طائفة من السلف بالإباحة مطلقًا، وأن أحاديث النهي منسوخة.

وبه قال داود وابن حزم وغيرهما من الظاهرية وحكي عن طائفة المنع مطلقا في جميع الصلوات وصح عن أبي بكرة وكعب بن عجرة منع صلاة الفرض في هذه الأوقات وقال الشافعي بجواز الفرائض وما له سبب من النوافل وقال أبو حنيفة يحرم الجميع سوى عصر يومه وتحرم المنذورة أيضا وقال مالك وأحمد يحرم النوافل دون الفرائض.

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال) وصله البخاري ومسلم من طريق يحيى بن سعيد القطان وغيره عن هشام عن أبيه قال حدثني ابن عمر قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا بدا) بلا همز أي ظهر ( حاجب الشمس) أي طرفها الأعلى من قرصها سمي بذلك لأنه أول ما يبدو منها يصير كحاجب الإنسان ( فأخروا الصلاة حتى تبرز) أي تصير بارزة ظاهرة ومراده ترتفع وبه عبر في رواية للبخاري وله أيضا ولمسلم كما هنا حتى تبرز فجعل ارتفاعها غاية النهي وهو يقوي رواية من روى حديث عمر في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس بضم أوله من أشرق أي أضاء أي حتى ترتفع وتضيء وروي بفتح أوله وضم ثالثه من شرقت أي طلعت وجمع بينهما بأن المراد طلوع مخصوص أي تطلع مرتفعة ( وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب) زاد البخاري من رواية عبدة عن هشام فإنها تطلع بين قرني شيطان وفيه إشارة إلى علة النهي عن الصلاة في الوقتين وزاد مسلم من حديث عمرو بن عبسة وحينئذٍ يسجد لها الكفار فالنهي لترك مشابهة الكفار وقد اعتبر ذلك الشرع في أشياء كثيرة وفي هذا تعقب على أبي محمد البغوي حيث قال لا يدرك معنى النهي عن ذلك وجعله من التعبد الذي يجب الإيمان به ( مالك عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب المدني صدوق ( قال دخلنا على أنس بن مالك بعد الظهر) أي بعد ما صليناها ففي مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر عن العلاء أنه دخل على أنس في داره بالبصرة حين انصرف من الظهر وداره بجنب المسجد فلما دخلنا عليه قال أصليتم العصر قلنا له إنما انصرفنا الساعة من الظهر ( فقام يصلي العصر) زاد إسماعيل فقمنا فصلينا ( فلما فرغ من صلاته ذكرنا تعجيل الصلاة) للعصر ( أو ذكرها) شك الراوي ( فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تلك) أي الصلاة المؤخرة ( صلاة المنافقين) لخروجها عن وقتها شبه فعلهم ذلك بفعل المنافقين الذين قال الله تعالى فيهم: { { يُرَاءُونَ النَّاسَ } } ( تلك صلاة المنافقين تلك صلاة المنافقين) ذكره ثلاثًا لمزيد الاهتمام والزجر والتنفير عن إخراجها عن وقتها ( يجلس أحدهم) غير مبال بها زاد إسماعيل يرقب الشمس ( حتى إذا اصفرت الشمس وكانت بين قرني الشيطان) أي جانبي رأسه يقال إنه ينتصب في محاذاتها عند الطلوع والغروب فإذا طلعت أو غربت كانت بين جانبي رأسه لتقع السجدة له إذا سجد عبدة الشمس لها وعلى هذا فقوله بين قرني الشيطان أي بالنسبة إلى من يشاهدها عند ذلك فلو شاهد الشيطان لرآه منتصبًا عندها قاله الحافظ ( أو على قرن) بالإفراد على إرادة الجنس وفي نسخة قرني ( الشيطان) شك الراوي هل قال بين أو على قال القاضي عياض معنى قرني الشيطان هنا يحتمل الحقيقة والمجاز وإلى الحقيقة ذهب الداودي وغيره ولا بعد فيه وقد جاءت آثار مصرحة بأنها تريد عند الغروب السجود لله تعالى فيأتي شيطان يصدها فتغرب بين قرنيه ويحرقه الله وقيل معناه المجاز والاتساع وأن قرني الشيطان أو قرنه الأمة التي تعبد الشمس وتطيعه في الكفر بالله وأنها لما كانت يسجد لها ويصلي من يعبدها من الكفار حينئذ نهي عن التشبه بهم قال النووي والصحيح الأول ( قام فنقر أربعا) أي أسرع الحركة فيها كنقر الطائر ( لا يذكر الله فيها إلا قليلا) تصريح بذم من صلى مسرعا بحيث لا يكمل الخشوع والطمأنينة والأذكار وتصريح بذم تأخير العصر بلا عذر وقد تابع مالكا في هذا الحديث إسماعيل بن جعفر عن العلاء أخرجه مسلم بنحوه ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يتحر) هكذا بلا ياء عند أكثر رواة الموطأ على أن لا ناهية وفي رواية التنيسي والنيسابوري لا يتحرى بالياء على أن لا نافية قال الحافظ كذا وقع بلفظ الخبر قال السهيلي يجوز الخبر عن مستقر أمر الشرع أي لا يكون إلا هذا وقال العراقي يحتمل أن يكون نهيا وإثبات الألف إشباع ( أحدكم فيصلي) بالنصب في جواب النفي أو النهي والمراد نفي التحري والصلاة معا وقال ابن خروف يجوز الجزم على العطف أي لا يتحر ولا يصل والرفع على القطع أي لا يتحر فهو يصلي والنصب على جواب النفي أي لا يتحرى مصليا وفي رواية القعنبي أن يصلي ومعناه لا يتحرى الصلاة ( عند طلوع الشمس ولا عند غروبها) قال الباجي يحتمل أن يريد به المنع من النافلة في هذين الوقتين أو المنع من تأخير الفرض إليه انتهى وقال الحافظ اختلف في المراد به فقيل هو تفسير لحديث الصحيحين عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس وبعد العصر حتى تغرب فلا تكره الصلاة بعدهما إلا لمن قصد بصلاته طلوع الشمس وغروبها لأن التحري القصد وإلى هذا جنح بعض أهل الظاهر وقواه ابن المنذر وذهب الأكثر إلى أنه نهي مستقل وكره الصلاة في الوقتين قصد لها أم لم يقصد وفي مسلم عن عائشة وهم عمر إنما نهى صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها قال البيهقي إنما قالت ذلك لأنها رأته صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العصر فحملت نهيه على من قصد ذلك على الإطلاق وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم إنما صلى حينئذ قضاء وأما النهي فثابت عن جماعة من الصحابة غير عمر انتهى ومواظبته صلى الله عليه وسلم على الركعتين بعد العصر من خصائصه لحديث عائشة كان يصلي بعد العصر وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال رواه أبو داود ومسلم وزاد وكان إذا صلى صلاة أثبتها وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى كلاهما عن مالك به ( مالك عن محمد بن حبان) بفتح الحاء والموحدة الثقيلة الأنصاري ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ثقة ثبت عالم ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة) للنافلة نهي تنزيه وقيل تحريم ( بعد) صلاة ( العصر حتى تغرب الشمس) والنهي في وقت الغروب للتحريم ( وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس) مرتفعة فالمراد طلوع مخصوص للحديث السابق حتى تبرز وفي رواية ترتفع وبعموم هذا أخذ الجمهور وخصه الشافعي بما رواه هو وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة والترمذي وابن حبان والحاكم عن جبير بن مطعم مرفوعا لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار قال بعضهم وبين الحديثين عموم وخصوص من وجه فالأول عام في المكان خاص بالزمان والثاني بالعكس فليس عموم أحدهما على خصوص الآخر بأولى من عكسه وخصه أيضا بما لا سبب له فلا يكره نفل فائت وتحية مسجد وسجدة شكر ونحو ذلك لحديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لأم سلمة سألت عن الركعتين بعد العصر إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان فيقاس على ذلك كل ما له سبب وأجيب بأن ذلك خصوصية له كما تشهد به الأحاديث وتقدم بعضها وهذا الحديث رواه مسلم عن يحيى عن مالك به ( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب كان يقول) هكذا رواه موقوفا ومثله لا يقال رأيا فحكمه الرفع وقد رفعه ابنه عبد الله أخرج البخاري ومسلم من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه قال حدثني ابن عمر قال قال صلى الله عليه وسلم ( لا تحروا) بحذف إحدى التاءين تخفيفا وأصله لا تتحروا أي لا تقصدوا ( بصلاتكم) بالموحدة ( طلوع الشمس ولا غروبها فإن الشيطان يطلع قرناه) جانبًا رأسه ( مع طلوع الشمس ويغربان) بضم الراء ( مع غروبها) بمعنى أنه ينتصب محاذيا لمطلعها ومغربها حتى إذا طلعت أو غربت كانت بين جانبي رأسه لتقع السجدة له إذا سجد عبدة الشمس لها فهو بالنسبة إلى من يشاهدها فلو شاهد الشيطان لرآه منتصبا عندها وتمسك به من رد قول أهل الهيئة إن الشمس في السماء الرابعة والشياطين قد منعوا من ولوج السماء ولا حجة فيه لما ذكرنا والحق أن الشمس في الفلك الرابع والسموات السبع عند أهل الشرع غير الأفلاك خلافا لأهل الهيئة هكذا في فتح الباري ( وكان) عمر ( يضرب الناس على) وفي رواية عن أي لأجل ( تلك الصلاة) بعد العصر قال ابن عباس كنت أضرب الناس مع عمر على الركعتين بعد العصر ( مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه رأى عمر بن الخطاب يضرب المنكدر) بن محمد بن المنكدر القرشي التيمي المدني مات سنة ثمانين ( في) أي بسبب ( الصلاة بعد العصر) وروى عبد الرزاق عن زيد بن خالد أن عمر رآه وهو خليفة ركع بعد العصر فضربه فذكر الحديث وفيه فقال عمر يا زيد.

لولا أني أخشى أن يتخذها الناس سلما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما وروي عن تميم الداري نحو ذلك وفيه ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى الغروب حتى يمروا بالساعة التي نهى صلى الله عليه وسلم أن يصلى فيها، ولعل مراده نهي تحريم فلا ينافي أحاديث نهيه عن الصلاة بعد العصر فإنه للتنزيه والله أعلم.