فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ

رقم الحديث 553 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَصَلَّى النَّاسُ عَلَيْهِ أَفْذَاذًا لَا يَؤُمُّهُمْ أَحَدٌ.
فَقَالَ نَاسٌ: يُدْفَنُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ،.

     وَقَالَ  آخَرُونَ: يُدْفَنُ بِالْبَقِيعِ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا دُفِنَ نَبِيٌّ قَطُّ إِلَّا فِي مَكَانِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَحُفِرَ لَهُ فِيهِ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ غُسْلِهِ، أَرَادُوا نَزْعَ قَمِيصِهِ.
فَسَمِعُوا صَوْتًا يَقُولُ: لَا تَنْزِعُوا الْقَمِيصَ، فَلَمْ يُنْزَعِ الْقَمِيصُ، وَغُسِّلَ وَهُوَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


( ما جاء في دفن الميت)

( مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الإثنين) كما في الصحيح عن عائشة وأنس ولا خلاف فيه بين العلماء زاد ابن سعد في الطبقات عن علي وعائشة لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول وعنده عن الزهري حين زاغت الشمس وفيه فضل الموت في يومه على غيره كما أشار إليه البخاري وروى الترمذي عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر إسناده ضعيف وأخرجه أبو يعلى من حديث أنس نحوه بإسناد ضعيف قال الزين بن المنير تعيين وقت للموت ليس لأحد فيه اختيار لكن التسبب في حصوله كالرغبة إلى الله لقصد التبرك فمن لم يحصل له الإجابة أثيب على اعتقاده ( ودفن يوم الثلاثاء) أخرجه ابن سعد عن علي قال اشتكى صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لليلة بقيت من صفر وتوفي يوم الإثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول ودفن يوم الثلاثاء وكذا أخرج دفنه يوم الثلاثاء عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وابن المسيب وعنده عن سهل بن سعد دفن يوم الأربعاء قال ابن كثير القول بدفنه يوم الثلاثاء غريب والمشهور عن الجمهور أنه دفن ليلة الأربعاء انتهى ولا غرابة فيه وقد جاء عن علي وابن المسيب وأبي سلمة وإنما أخروا دفنه لاختلافهم في موته أو في محل دفنه أو لاشتغالهم في أمر البيعة بالخلافة حتى استقر الأمر على الصديق أو لدهشتهم من ذلك الأمر الهائل الذي ما وقع قبله ولا بعده مثله فصار بعضهم كجسد بلا روح وبعضهم عاجزًا عن النطق وبعضهم عن المشي أو لخوف هجوم عدو أو لصلاة جم غفير عليه ( وصلى الناس عليه أفذاذًا لا يؤمهم أحد) أخرجه البيهقي عن ابن عباس وابن سعد عن سهل بن سعد وعن ابن المسيب وغيره وللترمذي أن الناس قالوا لأبي بكر أنصلي على رسول الله قال نعم قالوا وكيف نصلي قال يدخل قوم فيكبرون ويصلون ويدعون ثم يدخل قوم فيصلون فيكبرون ويدعون فرادى ولابن سعد عن علي قال هو إمامكم حيًا وميتًا فلا يقوم عليه أحد فكان الناس تدخل رسلاً فرسلاً فيصلون صفًا صفًا ليس لهم إمام ويكبرون وعلي قائم بحيال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهم إنا نشهد أن قد بلغ ما أنزل إليه ونصح لأمته وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه وتمت كلمته اللهم فاجعلنا ممن يتبع ما أنزل إليه وثبتنا بعده وأجمع بيننا وبينه فيقول الناس آمين حتى صلى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان وظاهر هذا أن المراد بالصلاة عليه ما ذهب إليه جماعة أن من خصائصه أنه لم يصل عليه أصلاً وإنما كان الناس يدخلون فيدعون ويصدقون قال الباجي ولهذا وجه وهو أنه أفضل من كل شهيد والشهيد يغنيه فضله عن الصلاة عليه وإنما فارق الشهيد في الغسل لأنه حذر من غسله إزالة الدم عنه وهو مطلوب بقاؤه لطيبه ولأنه عنوان بشهادته في الآخرة وليس على النبي صلى الله عليه وسلم ما يكره إزالته عنه فافترقا انتهى.
وأجيب بأن المقصود من الصلاة عليه عود التشريف على المسلمين مع أن الكامل يقبل زيادة التكميل وقد قال عياض الصحيح الذي عليه الجمهور أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كانت صلاة حقيقية لا مجرد الدعاء فقط اهـ نعم لا خلاف أنه لم يؤمهم عليه أحد فقيل تعبدي وقيل ليباشر كل واحد الصلاة عليه منه إليه وقال السهيلي أخبر الله أنه وملائكته يصلون عليه وأمر كل واحد من المؤمنين أن يصلي عليه فوجب على كل واحد أن يباشر الصلاة عليه منه إليه والصلاة عليه بعد موته من هذا القبيل وأيضًا فإن الملائكة لنا في ذلك أئمة انتهى وقال الشافعي في الأم وذلك لعظم أمره صلى الله عليه وسلم وتنافسهم فيمن يتولى الصلاة عليه وقيل لعدم اتفاقهم على خليفة وقيل لوصيته بذلك روى البزار والحاكم بسند فيه مجهول أنه صلى الله عليه وسلم لما جمع أهله في بيت عائشة قالوا فمن يصلي عليك قال إذا غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري ثم أخرجوا عني فإن أول من يصلي علي جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنوده من الملائكة بأجمعهم ثم ادخلوا علي فوجًا بعد فوج فصلوا علي وسلموا تسليمًا وعند ابن سعد فلما فرغوا من الصلاة تكلموا في موضع قبره ( فقال ناس يدفن عند المنبر) لأن عنده روضة من رياض الجنة فناسب دفنه عنده ( وقال آخرون يدفن بالبقيع) لأنه دفن فيه جماعة من أصحابه ( فجاء أبو بكر الصديق فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه فحفر له فيه) أخرجه ابن سعد من طريق داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وأخرج الترمذي عن أبي بكر مرفوعًا ما قبض الله تعالى نبيًا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه وأخرجه ابن ماجه عنه بلفظ ما مات نبي إلا دفن حيث قبض ولذا سأل موسى ربه عند موته أن يدنيه من الأرض المقدسة لأنه لا يمكن نقله إليها بعد موته بخلاف غير الأنبياء فينقلون من بيوتهم التي ماتوا فيها إلى المدائن فالأفضل في حق من عداهم الدفن في المقبرة فهذا من خصائص الأنبياء كما ذكره غير واحد قال ابن العربي وهذا الحديث يرد قول الإسرائيلية أن يوسف نقله موسى من مصر إلى آبائه بفلسطين إلا أن يكون ذلك مستثنى إن صح أي ويكون محبة يوسف لدفنه بمصر مؤقتة بقصد من ينقله وذكر بعضهم أن هذا أول اختلاف وقع بين الصحابة ( فلما كان عند غسله أرادوا نزع قميصه) فيه أنه سنة الغسل عندهم إذ لو كان نزعه وإبقاؤه سواء لذهب إليه بعضهم كموضع الدفن واللحد قاله الباجي ( فسمعوا صوتًا يقول: لا تنزعوا القميص، فلم ينزع القميص، وغسل وهو عليه صلى الله عليه وسلم) وهذا أخرجه أبو داود عن عائشة وابن ماجه عن بريدة قال ابن عبد البر هذا الحديث لا أعلمه يروى على هذا النسق بوجه غير بلاغ مالك هذا ولكنه صحيح من وجوه مختلفة وأحاديث شتى جمعها مالك ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال) وصله ابن سعد من طريق حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت ( كان بالمدينة رجلان أحدهما) وهو أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري ( يلحد) بفتح أوله وثالثه كنفع ينفع من لحد وبضم أوله وكسر ثالثه من ألحد يشق في جانب القبر ( والآخر) وهو أبو عبيدة بن الجراح ( لا يلحد فقالوا أيهما جاء أول) بمنع الصرف للوصف ووزن الفعل وروي أولاً بالصرف على أنه ظرف ( عمل عمله فجاء الذي يلحد) أول ( فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم) وروى ابن سعد عن أبي طلحة قال اختلفوا في الشق واللحد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال المهاجرون شقوا كما تحفر أهل مكة وقالت الأنصار ألحدوا كما يحفر بأرضنا فلما اختلفوا في ذلك قالوا اللهم خر لنبيك ابعثوا إلى أبي عبيدة وأبي طلحة فأيهما جاء قبل الآخر فليعمل عمله فجاء أبو طلحة فقال والله إني لأرجو أن يكون قد خار لنبيه إنه كان يرى اللحد فيعجبه وروى ابن ماجه وابن سعد عن ابن عباس لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة رجلان كان أبو عبيدة بن الجراح يضرح كحفر أهل مكة وكان أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري هو الذي يحفر لأهل المدينة وكان يلحد فدعا العباس رجلين فقال لأحدهما اذهب إلى أبي عبيدة وقال للآخر اذهب إلى أبي طلحة اللهم خر لرسولك فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء به فألحد له ويضرح بضاد معجمة أي يشق في الأرض على الاستواء وفيه جواز الأمرين وأن اللحد أفضل لأنه الذي اختاره الله لنبيه قاله مالك ولأنه أستر للميت وفي مسلم عن سعد بن أبي وقاص ألحدوا لي لحدًا وانصبوا علي اللبن نصبًا كما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم وروى أبو داود وغيره عن ابن عباس مرفوعًا اللحد لنا والشق لغيرنا قال الزين العراقي أي أهل الكتاب لكن الحديث ضعيف وليس فيه نهي عن الشق غايته تفضيل اللحد والإجماع على جوازهما انتهى وقال ابن عبد البر من هذا الحديث كره الشق من كرهه ولا وجه لكراهته ( مالك أنه بلغه أن أم سلمة) هند بنت أبي أمية ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول ما صدقت بموت النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمعت وقع الكرازين) بكاف فراء فألف فزاي منقوطة فتحتية فنون أي المساحي جمع كرزين بفتح الكاف وتكسر ومعنى ذلك أنها أخذتها دهشة وبهتة كما وقع لعمر أنه قال لم يمت النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عبد البر لا أحفظه عن أم سلمة متصلاً وإنما هو عن عائشة وهو تقصير فقد رواه الواقدي عن ابن أبي سبرة عن الحليس بن هشام عن عبد الله بن موهب بميم قبل الواو عن أم سلمة نحوه وفي التقريب عبد الله بن موهب عن أم سلمة كذا وقع في أحكام عبد الحق وهو وهم والصواب عثمان بن عبد الله بن موهب وقول عائشة أخرجه ابن سعد من طريق عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة عن عائشة قالت ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي ليلة الأربعاء في السحر ( مالك عن يحيى بن سعيد أن عائشة) كذا لأكثر رواة الموطأ مرسلاً ووصله قتيبة بن سعيد عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة وكذا أخرجه ابن سعد من طريق يزيد بن هارون والبيهقي من طريق ابن عيينة كلاهما عن يحيى عن ابن المسيب عن عائشة ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت رأيت ثلاثة أقمار سقطن في حجري) وفي رواية القاسم عنها في حجرتي ( فقصصت رؤياي على أبي بكر الصديق) لأنه كان عالمًا بالتعبير قال ابن عبد البر يحتمل أنه لم يجبها حين قصت عليه ويحتمل أنه أجمل لها الجواب وروى ابن سعد عن القاسم بن محمد قال قالت عائشة رأيت في حجرتي ثلاثة أقمار فأتيت أبا بكر فقال ما أولتها قلت أولتها ولدًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت أبو بكر حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فقال خير أقمارك ذهب به ثم كان أبو بكر وعمر دفنوا جميعًا في بيتها قال الباجي أمسك عن تعبيرها لأنه تبين له منها موت النبي صلى الله عليه وسلم لأن القمر يدل على السلطان وعلى العلم الذي يهتدى به وعلى الزوج والولد وسقوطهم في حجرها دليل على دفنهم في حجرتها وسنة الرؤيا إذا كان فيها ما يكره أن لا تعبر ( قالت فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفن في بيتها قال لها أبو بكر هذا أحد أقمارك وهو خيرها) وقد كان أبو بكر معبرًا محسنًا وفيه ما كانوا عليه في الرؤيا واعتقاد صحتها وحسبك أنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ما لم يكن أضغاث أحلام ( مالك عن غير واحد ممن يثق به أن سعد بن أبي وقاص) مالك الزهري آخر العشرة موتًا ( وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) بضم النون وفتح الفاء العدوي أحد العشرة مات سنة خمسين أو بعدها بسنة أو سنتين ( توفيا بالعقيق) موضع بقرب المدينة ( وحملا إلى المدينة) كل بعد موته وموت سعد سنة خمس وخمسين ( ودفنا بها) قال الباجي يحتمل نقلهما لكثرة من كان بالمدينة من الصحابة ليتولوا الصلاة عليهما أو لفضل اعتقدوه في الدفن بالبقيع أو ليقرب على أهلهما زيارة قبورهما والدعاء لهما انتهى واختلف في جواز نقل الميت من بلد إلى بلد فقيل يكره لما فيه من تأخير دفنه وتعريضه لهتك حرمته وقيل يستحب والأولى تنزيل ذلك على حالين فالمنع حيث لا يكون هناك غرض راجح كالدفن في البقاع الفاضلة وتختلف الكراهة في ذلك فقد تبلغ التحريم والاستحباب حيث يكون ذلك قال ابن عبد البر واحتج من كره ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم أمر برد القتلى إلى مضاجعهم وبحديث تدفن الأجساد حيث تقبض الأرواح والإجماع على نقل الميت من داره إلى المقابر ولكل مدينة جبانة يدل على فساد نقل هذا الحديث إلا أن يريد البلد وحديث ما دفن نبي إلا حيث يقبض دليل على تخصيص ذلك بالأنبياء وليس في النقل إجماع ولا سنة فيجوز ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال ما أحب أن أدفن بالبقيع) بالموحدة اتفاقًا مقبرة المدينة ( لأن أدفن في غيره أحب إلي من أن أدفن به) وبين وجه كراهته لذلك بقوله ( إنما هو أحد رجلين إما ظالم فلا أحب أن أدفن معه) لأنه قد يعذب في قبره بظلمه فأتأذى بذلك ( وإما صالح فلا أحب أن تنبش لي عظامه) فلم يكره مجاورته فعلق الكراهة بنبش عظامه وكره مجاورة الظالم فعلقها بذلك وإن كان لعظامه حرمة قاله الباجي وبه يرد قول أبي عمر ظاهر كلام عروة أنه لم يكره نبش عظام الظالم وليس كذلك فلعظامه حرمة قال وقد بنى عروة قصره بالعقيق وخرج من المدينة لما رأى من تغير أهلها فمات هناك والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.



رقم الحديث 554 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا يَلْحَدُ، وَالْآخَرُ لَا يَلْحَدُ فَقَالُوا: أَيُّهُمَا جَاءَ أَوَّلُ، عَمِلَ عَمَلَهُ.
فَجَاءَ الَّذِي يَلْحَدُ فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


( ما جاء في دفن الميت)

( مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الإثنين) كما في الصحيح عن عائشة وأنس ولا خلاف فيه بين العلماء زاد ابن سعد في الطبقات عن علي وعائشة لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول وعنده عن الزهري حين زاغت الشمس وفيه فضل الموت في يومه على غيره كما أشار إليه البخاري وروى الترمذي عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر إسناده ضعيف وأخرجه أبو يعلى من حديث أنس نحوه بإسناد ضعيف قال الزين بن المنير تعيين وقت للموت ليس لأحد فيه اختيار لكن التسبب في حصوله كالرغبة إلى الله لقصد التبرك فمن لم يحصل له الإجابة أثيب على اعتقاده ( ودفن يوم الثلاثاء) أخرجه ابن سعد عن علي قال اشتكى صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لليلة بقيت من صفر وتوفي يوم الإثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول ودفن يوم الثلاثاء وكذا أخرج دفنه يوم الثلاثاء عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وابن المسيب وعنده عن سهل بن سعد دفن يوم الأربعاء قال ابن كثير القول بدفنه يوم الثلاثاء غريب والمشهور عن الجمهور أنه دفن ليلة الأربعاء انتهى ولا غرابة فيه وقد جاء عن علي وابن المسيب وأبي سلمة وإنما أخروا دفنه لاختلافهم في موته أو في محل دفنه أو لاشتغالهم في أمر البيعة بالخلافة حتى استقر الأمر على الصديق أو لدهشتهم من ذلك الأمر الهائل الذي ما وقع قبله ولا بعده مثله فصار بعضهم كجسد بلا روح وبعضهم عاجزًا عن النطق وبعضهم عن المشي أو لخوف هجوم عدو أو لصلاة جم غفير عليه ( وصلى الناس عليه أفذاذًا لا يؤمهم أحد) أخرجه البيهقي عن ابن عباس وابن سعد عن سهل بن سعد وعن ابن المسيب وغيره وللترمذي أن الناس قالوا لأبي بكر أنصلي على رسول الله قال نعم قالوا وكيف نصلي قال يدخل قوم فيكبرون ويصلون ويدعون ثم يدخل قوم فيصلون فيكبرون ويدعون فرادى ولابن سعد عن علي قال هو إمامكم حيًا وميتًا فلا يقوم عليه أحد فكان الناس تدخل رسلاً فرسلاً فيصلون صفًا صفًا ليس لهم إمام ويكبرون وعلي قائم بحيال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهم إنا نشهد أن قد بلغ ما أنزل إليه ونصح لأمته وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه وتمت كلمته اللهم فاجعلنا ممن يتبع ما أنزل إليه وثبتنا بعده وأجمع بيننا وبينه فيقول الناس آمين حتى صلى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان وظاهر هذا أن المراد بالصلاة عليه ما ذهب إليه جماعة أن من خصائصه أنه لم يصل عليه أصلاً وإنما كان الناس يدخلون فيدعون ويصدقون قال الباجي ولهذا وجه وهو أنه أفضل من كل شهيد والشهيد يغنيه فضله عن الصلاة عليه وإنما فارق الشهيد في الغسل لأنه حذر من غسله إزالة الدم عنه وهو مطلوب بقاؤه لطيبه ولأنه عنوان بشهادته في الآخرة وليس على النبي صلى الله عليه وسلم ما يكره إزالته عنه فافترقا انتهى.
وأجيب بأن المقصود من الصلاة عليه عود التشريف على المسلمين مع أن الكامل يقبل زيادة التكميل وقد قال عياض الصحيح الذي عليه الجمهور أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كانت صلاة حقيقية لا مجرد الدعاء فقط اهـ نعم لا خلاف أنه لم يؤمهم عليه أحد فقيل تعبدي وقيل ليباشر كل واحد الصلاة عليه منه إليه وقال السهيلي أخبر الله أنه وملائكته يصلون عليه وأمر كل واحد من المؤمنين أن يصلي عليه فوجب على كل واحد أن يباشر الصلاة عليه منه إليه والصلاة عليه بعد موته من هذا القبيل وأيضًا فإن الملائكة لنا في ذلك أئمة انتهى وقال الشافعي في الأم وذلك لعظم أمره صلى الله عليه وسلم وتنافسهم فيمن يتولى الصلاة عليه وقيل لعدم اتفاقهم على خليفة وقيل لوصيته بذلك روى البزار والحاكم بسند فيه مجهول أنه صلى الله عليه وسلم لما جمع أهله في بيت عائشة قالوا فمن يصلي عليك قال إذا غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري ثم أخرجوا عني فإن أول من يصلي علي جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنوده من الملائكة بأجمعهم ثم ادخلوا علي فوجًا بعد فوج فصلوا علي وسلموا تسليمًا وعند ابن سعد فلما فرغوا من الصلاة تكلموا في موضع قبره ( فقال ناس يدفن عند المنبر) لأن عنده روضة من رياض الجنة فناسب دفنه عنده ( وقال آخرون يدفن بالبقيع) لأنه دفن فيه جماعة من أصحابه ( فجاء أبو بكر الصديق فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه فحفر له فيه) أخرجه ابن سعد من طريق داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وأخرج الترمذي عن أبي بكر مرفوعًا ما قبض الله تعالى نبيًا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه وأخرجه ابن ماجه عنه بلفظ ما مات نبي إلا دفن حيث قبض ولذا سأل موسى ربه عند موته أن يدنيه من الأرض المقدسة لأنه لا يمكن نقله إليها بعد موته بخلاف غير الأنبياء فينقلون من بيوتهم التي ماتوا فيها إلى المدائن فالأفضل في حق من عداهم الدفن في المقبرة فهذا من خصائص الأنبياء كما ذكره غير واحد قال ابن العربي وهذا الحديث يرد قول الإسرائيلية أن يوسف نقله موسى من مصر إلى آبائه بفلسطين إلا أن يكون ذلك مستثنى إن صح أي ويكون محبة يوسف لدفنه بمصر مؤقتة بقصد من ينقله وذكر بعضهم أن هذا أول اختلاف وقع بين الصحابة ( فلما كان عند غسله أرادوا نزع قميصه) فيه أنه سنة الغسل عندهم إذ لو كان نزعه وإبقاؤه سواء لذهب إليه بعضهم كموضع الدفن واللحد قاله الباجي ( فسمعوا صوتًا يقول: لا تنزعوا القميص، فلم ينزع القميص، وغسل وهو عليه صلى الله عليه وسلم) وهذا أخرجه أبو داود عن عائشة وابن ماجه عن بريدة قال ابن عبد البر هذا الحديث لا أعلمه يروى على هذا النسق بوجه غير بلاغ مالك هذا ولكنه صحيح من وجوه مختلفة وأحاديث شتى جمعها مالك ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال) وصله ابن سعد من طريق حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت ( كان بالمدينة رجلان أحدهما) وهو أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري ( يلحد) بفتح أوله وثالثه كنفع ينفع من لحد وبضم أوله وكسر ثالثه من ألحد يشق في جانب القبر ( والآخر) وهو أبو عبيدة بن الجراح ( لا يلحد فقالوا أيهما جاء أول) بمنع الصرف للوصف ووزن الفعل وروي أولاً بالصرف على أنه ظرف ( عمل عمله فجاء الذي يلحد) أول ( فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم) وروى ابن سعد عن أبي طلحة قال اختلفوا في الشق واللحد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال المهاجرون شقوا كما تحفر أهل مكة وقالت الأنصار ألحدوا كما يحفر بأرضنا فلما اختلفوا في ذلك قالوا اللهم خر لنبيك ابعثوا إلى أبي عبيدة وأبي طلحة فأيهما جاء قبل الآخر فليعمل عمله فجاء أبو طلحة فقال والله إني لأرجو أن يكون قد خار لنبيه إنه كان يرى اللحد فيعجبه وروى ابن ماجه وابن سعد عن ابن عباس لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة رجلان كان أبو عبيدة بن الجراح يضرح كحفر أهل مكة وكان أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري هو الذي يحفر لأهل المدينة وكان يلحد فدعا العباس رجلين فقال لأحدهما اذهب إلى أبي عبيدة وقال للآخر اذهب إلى أبي طلحة اللهم خر لرسولك فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء به فألحد له ويضرح بضاد معجمة أي يشق في الأرض على الاستواء وفيه جواز الأمرين وأن اللحد أفضل لأنه الذي اختاره الله لنبيه قاله مالك ولأنه أستر للميت وفي مسلم عن سعد بن أبي وقاص ألحدوا لي لحدًا وانصبوا علي اللبن نصبًا كما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم وروى أبو داود وغيره عن ابن عباس مرفوعًا اللحد لنا والشق لغيرنا قال الزين العراقي أي أهل الكتاب لكن الحديث ضعيف وليس فيه نهي عن الشق غايته تفضيل اللحد والإجماع على جوازهما انتهى وقال ابن عبد البر من هذا الحديث كره الشق من كرهه ولا وجه لكراهته ( مالك أنه بلغه أن أم سلمة) هند بنت أبي أمية ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول ما صدقت بموت النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمعت وقع الكرازين) بكاف فراء فألف فزاي منقوطة فتحتية فنون أي المساحي جمع كرزين بفتح الكاف وتكسر ومعنى ذلك أنها أخذتها دهشة وبهتة كما وقع لعمر أنه قال لم يمت النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عبد البر لا أحفظه عن أم سلمة متصلاً وإنما هو عن عائشة وهو تقصير فقد رواه الواقدي عن ابن أبي سبرة عن الحليس بن هشام عن عبد الله بن موهب بميم قبل الواو عن أم سلمة نحوه وفي التقريب عبد الله بن موهب عن أم سلمة كذا وقع في أحكام عبد الحق وهو وهم والصواب عثمان بن عبد الله بن موهب وقول عائشة أخرجه ابن سعد من طريق عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة عن عائشة قالت ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي ليلة الأربعاء في السحر ( مالك عن يحيى بن سعيد أن عائشة) كذا لأكثر رواة الموطأ مرسلاً ووصله قتيبة بن سعيد عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة وكذا أخرجه ابن سعد من طريق يزيد بن هارون والبيهقي من طريق ابن عيينة كلاهما عن يحيى عن ابن المسيب عن عائشة ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت رأيت ثلاثة أقمار سقطن في حجري) وفي رواية القاسم عنها في حجرتي ( فقصصت رؤياي على أبي بكر الصديق) لأنه كان عالمًا بالتعبير قال ابن عبد البر يحتمل أنه لم يجبها حين قصت عليه ويحتمل أنه أجمل لها الجواب وروى ابن سعد عن القاسم بن محمد قال قالت عائشة رأيت في حجرتي ثلاثة أقمار فأتيت أبا بكر فقال ما أولتها قلت أولتها ولدًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت أبو بكر حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فقال خير أقمارك ذهب به ثم كان أبو بكر وعمر دفنوا جميعًا في بيتها قال الباجي أمسك عن تعبيرها لأنه تبين له منها موت النبي صلى الله عليه وسلم لأن القمر يدل على السلطان وعلى العلم الذي يهتدى به وعلى الزوج والولد وسقوطهم في حجرها دليل على دفنهم في حجرتها وسنة الرؤيا إذا كان فيها ما يكره أن لا تعبر ( قالت فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفن في بيتها قال لها أبو بكر هذا أحد أقمارك وهو خيرها) وقد كان أبو بكر معبرًا محسنًا وفيه ما كانوا عليه في الرؤيا واعتقاد صحتها وحسبك أنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ما لم يكن أضغاث أحلام ( مالك عن غير واحد ممن يثق به أن سعد بن أبي وقاص) مالك الزهري آخر العشرة موتًا ( وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) بضم النون وفتح الفاء العدوي أحد العشرة مات سنة خمسين أو بعدها بسنة أو سنتين ( توفيا بالعقيق) موضع بقرب المدينة ( وحملا إلى المدينة) كل بعد موته وموت سعد سنة خمس وخمسين ( ودفنا بها) قال الباجي يحتمل نقلهما لكثرة من كان بالمدينة من الصحابة ليتولوا الصلاة عليهما أو لفضل اعتقدوه في الدفن بالبقيع أو ليقرب على أهلهما زيارة قبورهما والدعاء لهما انتهى واختلف في جواز نقل الميت من بلد إلى بلد فقيل يكره لما فيه من تأخير دفنه وتعريضه لهتك حرمته وقيل يستحب والأولى تنزيل ذلك على حالين فالمنع حيث لا يكون هناك غرض راجح كالدفن في البقاع الفاضلة وتختلف الكراهة في ذلك فقد تبلغ التحريم والاستحباب حيث يكون ذلك قال ابن عبد البر واحتج من كره ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم أمر برد القتلى إلى مضاجعهم وبحديث تدفن الأجساد حيث تقبض الأرواح والإجماع على نقل الميت من داره إلى المقابر ولكل مدينة جبانة يدل على فساد نقل هذا الحديث إلا أن يريد البلد وحديث ما دفن نبي إلا حيث يقبض دليل على تخصيص ذلك بالأنبياء وليس في النقل إجماع ولا سنة فيجوز ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال ما أحب أن أدفن بالبقيع) بالموحدة اتفاقًا مقبرة المدينة ( لأن أدفن في غيره أحب إلي من أن أدفن به) وبين وجه كراهته لذلك بقوله ( إنما هو أحد رجلين إما ظالم فلا أحب أن أدفن معه) لأنه قد يعذب في قبره بظلمه فأتأذى بذلك ( وإما صالح فلا أحب أن تنبش لي عظامه) فلم يكره مجاورته فعلق الكراهة بنبش عظامه وكره مجاورة الظالم فعلقها بذلك وإن كان لعظامه حرمة قاله الباجي وبه يرد قول أبي عمر ظاهر كلام عروة أنه لم يكره نبش عظام الظالم وليس كذلك فلعظامه حرمة قال وقد بنى عروة قصره بالعقيق وخرج من المدينة لما رأى من تغير أهلها فمات هناك والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.



رقم الحديث 555 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُولُ: مَا صَدَّقْتُ بِمَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْتُ وَقْعَ الْكَرَازِينِ.


( ما جاء في دفن الميت)

( مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الإثنين) كما في الصحيح عن عائشة وأنس ولا خلاف فيه بين العلماء زاد ابن سعد في الطبقات عن علي وعائشة لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول وعنده عن الزهري حين زاغت الشمس وفيه فضل الموت في يومه على غيره كما أشار إليه البخاري وروى الترمذي عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر إسناده ضعيف وأخرجه أبو يعلى من حديث أنس نحوه بإسناد ضعيف قال الزين بن المنير تعيين وقت للموت ليس لأحد فيه اختيار لكن التسبب في حصوله كالرغبة إلى الله لقصد التبرك فمن لم يحصل له الإجابة أثيب على اعتقاده ( ودفن يوم الثلاثاء) أخرجه ابن سعد عن علي قال اشتكى صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لليلة بقيت من صفر وتوفي يوم الإثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول ودفن يوم الثلاثاء وكذا أخرج دفنه يوم الثلاثاء عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وابن المسيب وعنده عن سهل بن سعد دفن يوم الأربعاء قال ابن كثير القول بدفنه يوم الثلاثاء غريب والمشهور عن الجمهور أنه دفن ليلة الأربعاء انتهى ولا غرابة فيه وقد جاء عن علي وابن المسيب وأبي سلمة وإنما أخروا دفنه لاختلافهم في موته أو في محل دفنه أو لاشتغالهم في أمر البيعة بالخلافة حتى استقر الأمر على الصديق أو لدهشتهم من ذلك الأمر الهائل الذي ما وقع قبله ولا بعده مثله فصار بعضهم كجسد بلا روح وبعضهم عاجزًا عن النطق وبعضهم عن المشي أو لخوف هجوم عدو أو لصلاة جم غفير عليه ( وصلى الناس عليه أفذاذًا لا يؤمهم أحد) أخرجه البيهقي عن ابن عباس وابن سعد عن سهل بن سعد وعن ابن المسيب وغيره وللترمذي أن الناس قالوا لأبي بكر أنصلي على رسول الله قال نعم قالوا وكيف نصلي قال يدخل قوم فيكبرون ويصلون ويدعون ثم يدخل قوم فيصلون فيكبرون ويدعون فرادى ولابن سعد عن علي قال هو إمامكم حيًا وميتًا فلا يقوم عليه أحد فكان الناس تدخل رسلاً فرسلاً فيصلون صفًا صفًا ليس لهم إمام ويكبرون وعلي قائم بحيال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهم إنا نشهد أن قد بلغ ما أنزل إليه ونصح لأمته وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه وتمت كلمته اللهم فاجعلنا ممن يتبع ما أنزل إليه وثبتنا بعده وأجمع بيننا وبينه فيقول الناس آمين حتى صلى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان وظاهر هذا أن المراد بالصلاة عليه ما ذهب إليه جماعة أن من خصائصه أنه لم يصل عليه أصلاً وإنما كان الناس يدخلون فيدعون ويصدقون قال الباجي ولهذا وجه وهو أنه أفضل من كل شهيد والشهيد يغنيه فضله عن الصلاة عليه وإنما فارق الشهيد في الغسل لأنه حذر من غسله إزالة الدم عنه وهو مطلوب بقاؤه لطيبه ولأنه عنوان بشهادته في الآخرة وليس على النبي صلى الله عليه وسلم ما يكره إزالته عنه فافترقا انتهى.
وأجيب بأن المقصود من الصلاة عليه عود التشريف على المسلمين مع أن الكامل يقبل زيادة التكميل وقد قال عياض الصحيح الذي عليه الجمهور أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كانت صلاة حقيقية لا مجرد الدعاء فقط اهـ نعم لا خلاف أنه لم يؤمهم عليه أحد فقيل تعبدي وقيل ليباشر كل واحد الصلاة عليه منه إليه وقال السهيلي أخبر الله أنه وملائكته يصلون عليه وأمر كل واحد من المؤمنين أن يصلي عليه فوجب على كل واحد أن يباشر الصلاة عليه منه إليه والصلاة عليه بعد موته من هذا القبيل وأيضًا فإن الملائكة لنا في ذلك أئمة انتهى وقال الشافعي في الأم وذلك لعظم أمره صلى الله عليه وسلم وتنافسهم فيمن يتولى الصلاة عليه وقيل لعدم اتفاقهم على خليفة وقيل لوصيته بذلك روى البزار والحاكم بسند فيه مجهول أنه صلى الله عليه وسلم لما جمع أهله في بيت عائشة قالوا فمن يصلي عليك قال إذا غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري ثم أخرجوا عني فإن أول من يصلي علي جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنوده من الملائكة بأجمعهم ثم ادخلوا علي فوجًا بعد فوج فصلوا علي وسلموا تسليمًا وعند ابن سعد فلما فرغوا من الصلاة تكلموا في موضع قبره ( فقال ناس يدفن عند المنبر) لأن عنده روضة من رياض الجنة فناسب دفنه عنده ( وقال آخرون يدفن بالبقيع) لأنه دفن فيه جماعة من أصحابه ( فجاء أبو بكر الصديق فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه فحفر له فيه) أخرجه ابن سعد من طريق داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وأخرج الترمذي عن أبي بكر مرفوعًا ما قبض الله تعالى نبيًا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه وأخرجه ابن ماجه عنه بلفظ ما مات نبي إلا دفن حيث قبض ولذا سأل موسى ربه عند موته أن يدنيه من الأرض المقدسة لأنه لا يمكن نقله إليها بعد موته بخلاف غير الأنبياء فينقلون من بيوتهم التي ماتوا فيها إلى المدائن فالأفضل في حق من عداهم الدفن في المقبرة فهذا من خصائص الأنبياء كما ذكره غير واحد قال ابن العربي وهذا الحديث يرد قول الإسرائيلية أن يوسف نقله موسى من مصر إلى آبائه بفلسطين إلا أن يكون ذلك مستثنى إن صح أي ويكون محبة يوسف لدفنه بمصر مؤقتة بقصد من ينقله وذكر بعضهم أن هذا أول اختلاف وقع بين الصحابة ( فلما كان عند غسله أرادوا نزع قميصه) فيه أنه سنة الغسل عندهم إذ لو كان نزعه وإبقاؤه سواء لذهب إليه بعضهم كموضع الدفن واللحد قاله الباجي ( فسمعوا صوتًا يقول: لا تنزعوا القميص، فلم ينزع القميص، وغسل وهو عليه صلى الله عليه وسلم) وهذا أخرجه أبو داود عن عائشة وابن ماجه عن بريدة قال ابن عبد البر هذا الحديث لا أعلمه يروى على هذا النسق بوجه غير بلاغ مالك هذا ولكنه صحيح من وجوه مختلفة وأحاديث شتى جمعها مالك ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال) وصله ابن سعد من طريق حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت ( كان بالمدينة رجلان أحدهما) وهو أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري ( يلحد) بفتح أوله وثالثه كنفع ينفع من لحد وبضم أوله وكسر ثالثه من ألحد يشق في جانب القبر ( والآخر) وهو أبو عبيدة بن الجراح ( لا يلحد فقالوا أيهما جاء أول) بمنع الصرف للوصف ووزن الفعل وروي أولاً بالصرف على أنه ظرف ( عمل عمله فجاء الذي يلحد) أول ( فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم) وروى ابن سعد عن أبي طلحة قال اختلفوا في الشق واللحد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال المهاجرون شقوا كما تحفر أهل مكة وقالت الأنصار ألحدوا كما يحفر بأرضنا فلما اختلفوا في ذلك قالوا اللهم خر لنبيك ابعثوا إلى أبي عبيدة وأبي طلحة فأيهما جاء قبل الآخر فليعمل عمله فجاء أبو طلحة فقال والله إني لأرجو أن يكون قد خار لنبيه إنه كان يرى اللحد فيعجبه وروى ابن ماجه وابن سعد عن ابن عباس لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة رجلان كان أبو عبيدة بن الجراح يضرح كحفر أهل مكة وكان أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري هو الذي يحفر لأهل المدينة وكان يلحد فدعا العباس رجلين فقال لأحدهما اذهب إلى أبي عبيدة وقال للآخر اذهب إلى أبي طلحة اللهم خر لرسولك فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء به فألحد له ويضرح بضاد معجمة أي يشق في الأرض على الاستواء وفيه جواز الأمرين وأن اللحد أفضل لأنه الذي اختاره الله لنبيه قاله مالك ولأنه أستر للميت وفي مسلم عن سعد بن أبي وقاص ألحدوا لي لحدًا وانصبوا علي اللبن نصبًا كما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم وروى أبو داود وغيره عن ابن عباس مرفوعًا اللحد لنا والشق لغيرنا قال الزين العراقي أي أهل الكتاب لكن الحديث ضعيف وليس فيه نهي عن الشق غايته تفضيل اللحد والإجماع على جوازهما انتهى وقال ابن عبد البر من هذا الحديث كره الشق من كرهه ولا وجه لكراهته ( مالك أنه بلغه أن أم سلمة) هند بنت أبي أمية ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول ما صدقت بموت النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمعت وقع الكرازين) بكاف فراء فألف فزاي منقوطة فتحتية فنون أي المساحي جمع كرزين بفتح الكاف وتكسر ومعنى ذلك أنها أخذتها دهشة وبهتة كما وقع لعمر أنه قال لم يمت النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عبد البر لا أحفظه عن أم سلمة متصلاً وإنما هو عن عائشة وهو تقصير فقد رواه الواقدي عن ابن أبي سبرة عن الحليس بن هشام عن عبد الله بن موهب بميم قبل الواو عن أم سلمة نحوه وفي التقريب عبد الله بن موهب عن أم سلمة كذا وقع في أحكام عبد الحق وهو وهم والصواب عثمان بن عبد الله بن موهب وقول عائشة أخرجه ابن سعد من طريق عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة عن عائشة قالت ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي ليلة الأربعاء في السحر ( مالك عن يحيى بن سعيد أن عائشة) كذا لأكثر رواة الموطأ مرسلاً ووصله قتيبة بن سعيد عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة وكذا أخرجه ابن سعد من طريق يزيد بن هارون والبيهقي من طريق ابن عيينة كلاهما عن يحيى عن ابن المسيب عن عائشة ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت رأيت ثلاثة أقمار سقطن في حجري) وفي رواية القاسم عنها في حجرتي ( فقصصت رؤياي على أبي بكر الصديق) لأنه كان عالمًا بالتعبير قال ابن عبد البر يحتمل أنه لم يجبها حين قصت عليه ويحتمل أنه أجمل لها الجواب وروى ابن سعد عن القاسم بن محمد قال قالت عائشة رأيت في حجرتي ثلاثة أقمار فأتيت أبا بكر فقال ما أولتها قلت أولتها ولدًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت أبو بكر حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فقال خير أقمارك ذهب به ثم كان أبو بكر وعمر دفنوا جميعًا في بيتها قال الباجي أمسك عن تعبيرها لأنه تبين له منها موت النبي صلى الله عليه وسلم لأن القمر يدل على السلطان وعلى العلم الذي يهتدى به وعلى الزوج والولد وسقوطهم في حجرها دليل على دفنهم في حجرتها وسنة الرؤيا إذا كان فيها ما يكره أن لا تعبر ( قالت فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفن في بيتها قال لها أبو بكر هذا أحد أقمارك وهو خيرها) وقد كان أبو بكر معبرًا محسنًا وفيه ما كانوا عليه في الرؤيا واعتقاد صحتها وحسبك أنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ما لم يكن أضغاث أحلام ( مالك عن غير واحد ممن يثق به أن سعد بن أبي وقاص) مالك الزهري آخر العشرة موتًا ( وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) بضم النون وفتح الفاء العدوي أحد العشرة مات سنة خمسين أو بعدها بسنة أو سنتين ( توفيا بالعقيق) موضع بقرب المدينة ( وحملا إلى المدينة) كل بعد موته وموت سعد سنة خمس وخمسين ( ودفنا بها) قال الباجي يحتمل نقلهما لكثرة من كان بالمدينة من الصحابة ليتولوا الصلاة عليهما أو لفضل اعتقدوه في الدفن بالبقيع أو ليقرب على أهلهما زيارة قبورهما والدعاء لهما انتهى واختلف في جواز نقل الميت من بلد إلى بلد فقيل يكره لما فيه من تأخير دفنه وتعريضه لهتك حرمته وقيل يستحب والأولى تنزيل ذلك على حالين فالمنع حيث لا يكون هناك غرض راجح كالدفن في البقاع الفاضلة وتختلف الكراهة في ذلك فقد تبلغ التحريم والاستحباب حيث يكون ذلك قال ابن عبد البر واحتج من كره ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم أمر برد القتلى إلى مضاجعهم وبحديث تدفن الأجساد حيث تقبض الأرواح والإجماع على نقل الميت من داره إلى المقابر ولكل مدينة جبانة يدل على فساد نقل هذا الحديث إلا أن يريد البلد وحديث ما دفن نبي إلا حيث يقبض دليل على تخصيص ذلك بالأنبياء وليس في النقل إجماع ولا سنة فيجوز ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال ما أحب أن أدفن بالبقيع) بالموحدة اتفاقًا مقبرة المدينة ( لأن أدفن في غيره أحب إلي من أن أدفن به) وبين وجه كراهته لذلك بقوله ( إنما هو أحد رجلين إما ظالم فلا أحب أن أدفن معه) لأنه قد يعذب في قبره بظلمه فأتأذى بذلك ( وإما صالح فلا أحب أن تنبش لي عظامه) فلم يكره مجاورته فعلق الكراهة بنبش عظامه وكره مجاورة الظالم فعلقها بذلك وإن كان لعظامه حرمة قاله الباجي وبه يرد قول أبي عمر ظاهر كلام عروة أنه لم يكره نبش عظام الظالم وليس كذلك فلعظامه حرمة قال وقد بنى عروة قصره بالعقيق وخرج من المدينة لما رأى من تغير أهلها فمات هناك والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.



رقم الحديث 556 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: رَأَيْتُ ثَلَاثَةَ أَقْمَارٍ سَقَطْنَ فِي حُجْرَتِي فَقَصَصْتُ رُؤْيَايَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدُفِنَ فِي بَيْتِهَا، قَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: هَذَا أَحَدُ أَقْمَارِكِ وَهُوَ خَيْرُهَا.


( ما جاء في دفن الميت)

( مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الإثنين) كما في الصحيح عن عائشة وأنس ولا خلاف فيه بين العلماء زاد ابن سعد في الطبقات عن علي وعائشة لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول وعنده عن الزهري حين زاغت الشمس وفيه فضل الموت في يومه على غيره كما أشار إليه البخاري وروى الترمذي عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر إسناده ضعيف وأخرجه أبو يعلى من حديث أنس نحوه بإسناد ضعيف قال الزين بن المنير تعيين وقت للموت ليس لأحد فيه اختيار لكن التسبب في حصوله كالرغبة إلى الله لقصد التبرك فمن لم يحصل له الإجابة أثيب على اعتقاده ( ودفن يوم الثلاثاء) أخرجه ابن سعد عن علي قال اشتكى صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لليلة بقيت من صفر وتوفي يوم الإثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول ودفن يوم الثلاثاء وكذا أخرج دفنه يوم الثلاثاء عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وابن المسيب وعنده عن سهل بن سعد دفن يوم الأربعاء قال ابن كثير القول بدفنه يوم الثلاثاء غريب والمشهور عن الجمهور أنه دفن ليلة الأربعاء انتهى ولا غرابة فيه وقد جاء عن علي وابن المسيب وأبي سلمة وإنما أخروا دفنه لاختلافهم في موته أو في محل دفنه أو لاشتغالهم في أمر البيعة بالخلافة حتى استقر الأمر على الصديق أو لدهشتهم من ذلك الأمر الهائل الذي ما وقع قبله ولا بعده مثله فصار بعضهم كجسد بلا روح وبعضهم عاجزًا عن النطق وبعضهم عن المشي أو لخوف هجوم عدو أو لصلاة جم غفير عليه ( وصلى الناس عليه أفذاذًا لا يؤمهم أحد) أخرجه البيهقي عن ابن عباس وابن سعد عن سهل بن سعد وعن ابن المسيب وغيره وللترمذي أن الناس قالوا لأبي بكر أنصلي على رسول الله قال نعم قالوا وكيف نصلي قال يدخل قوم فيكبرون ويصلون ويدعون ثم يدخل قوم فيصلون فيكبرون ويدعون فرادى ولابن سعد عن علي قال هو إمامكم حيًا وميتًا فلا يقوم عليه أحد فكان الناس تدخل رسلاً فرسلاً فيصلون صفًا صفًا ليس لهم إمام ويكبرون وعلي قائم بحيال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهم إنا نشهد أن قد بلغ ما أنزل إليه ونصح لأمته وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه وتمت كلمته اللهم فاجعلنا ممن يتبع ما أنزل إليه وثبتنا بعده وأجمع بيننا وبينه فيقول الناس آمين حتى صلى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان وظاهر هذا أن المراد بالصلاة عليه ما ذهب إليه جماعة أن من خصائصه أنه لم يصل عليه أصلاً وإنما كان الناس يدخلون فيدعون ويصدقون قال الباجي ولهذا وجه وهو أنه أفضل من كل شهيد والشهيد يغنيه فضله عن الصلاة عليه وإنما فارق الشهيد في الغسل لأنه حذر من غسله إزالة الدم عنه وهو مطلوب بقاؤه لطيبه ولأنه عنوان بشهادته في الآخرة وليس على النبي صلى الله عليه وسلم ما يكره إزالته عنه فافترقا انتهى.
وأجيب بأن المقصود من الصلاة عليه عود التشريف على المسلمين مع أن الكامل يقبل زيادة التكميل وقد قال عياض الصحيح الذي عليه الجمهور أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كانت صلاة حقيقية لا مجرد الدعاء فقط اهـ نعم لا خلاف أنه لم يؤمهم عليه أحد فقيل تعبدي وقيل ليباشر كل واحد الصلاة عليه منه إليه وقال السهيلي أخبر الله أنه وملائكته يصلون عليه وأمر كل واحد من المؤمنين أن يصلي عليه فوجب على كل واحد أن يباشر الصلاة عليه منه إليه والصلاة عليه بعد موته من هذا القبيل وأيضًا فإن الملائكة لنا في ذلك أئمة انتهى وقال الشافعي في الأم وذلك لعظم أمره صلى الله عليه وسلم وتنافسهم فيمن يتولى الصلاة عليه وقيل لعدم اتفاقهم على خليفة وقيل لوصيته بذلك روى البزار والحاكم بسند فيه مجهول أنه صلى الله عليه وسلم لما جمع أهله في بيت عائشة قالوا فمن يصلي عليك قال إذا غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري ثم أخرجوا عني فإن أول من يصلي علي جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنوده من الملائكة بأجمعهم ثم ادخلوا علي فوجًا بعد فوج فصلوا علي وسلموا تسليمًا وعند ابن سعد فلما فرغوا من الصلاة تكلموا في موضع قبره ( فقال ناس يدفن عند المنبر) لأن عنده روضة من رياض الجنة فناسب دفنه عنده ( وقال آخرون يدفن بالبقيع) لأنه دفن فيه جماعة من أصحابه ( فجاء أبو بكر الصديق فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه فحفر له فيه) أخرجه ابن سعد من طريق داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وأخرج الترمذي عن أبي بكر مرفوعًا ما قبض الله تعالى نبيًا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه وأخرجه ابن ماجه عنه بلفظ ما مات نبي إلا دفن حيث قبض ولذا سأل موسى ربه عند موته أن يدنيه من الأرض المقدسة لأنه لا يمكن نقله إليها بعد موته بخلاف غير الأنبياء فينقلون من بيوتهم التي ماتوا فيها إلى المدائن فالأفضل في حق من عداهم الدفن في المقبرة فهذا من خصائص الأنبياء كما ذكره غير واحد قال ابن العربي وهذا الحديث يرد قول الإسرائيلية أن يوسف نقله موسى من مصر إلى آبائه بفلسطين إلا أن يكون ذلك مستثنى إن صح أي ويكون محبة يوسف لدفنه بمصر مؤقتة بقصد من ينقله وذكر بعضهم أن هذا أول اختلاف وقع بين الصحابة ( فلما كان عند غسله أرادوا نزع قميصه) فيه أنه سنة الغسل عندهم إذ لو كان نزعه وإبقاؤه سواء لذهب إليه بعضهم كموضع الدفن واللحد قاله الباجي ( فسمعوا صوتًا يقول: لا تنزعوا القميص، فلم ينزع القميص، وغسل وهو عليه صلى الله عليه وسلم) وهذا أخرجه أبو داود عن عائشة وابن ماجه عن بريدة قال ابن عبد البر هذا الحديث لا أعلمه يروى على هذا النسق بوجه غير بلاغ مالك هذا ولكنه صحيح من وجوه مختلفة وأحاديث شتى جمعها مالك ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال) وصله ابن سعد من طريق حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت ( كان بالمدينة رجلان أحدهما) وهو أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري ( يلحد) بفتح أوله وثالثه كنفع ينفع من لحد وبضم أوله وكسر ثالثه من ألحد يشق في جانب القبر ( والآخر) وهو أبو عبيدة بن الجراح ( لا يلحد فقالوا أيهما جاء أول) بمنع الصرف للوصف ووزن الفعل وروي أولاً بالصرف على أنه ظرف ( عمل عمله فجاء الذي يلحد) أول ( فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم) وروى ابن سعد عن أبي طلحة قال اختلفوا في الشق واللحد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال المهاجرون شقوا كما تحفر أهل مكة وقالت الأنصار ألحدوا كما يحفر بأرضنا فلما اختلفوا في ذلك قالوا اللهم خر لنبيك ابعثوا إلى أبي عبيدة وأبي طلحة فأيهما جاء قبل الآخر فليعمل عمله فجاء أبو طلحة فقال والله إني لأرجو أن يكون قد خار لنبيه إنه كان يرى اللحد فيعجبه وروى ابن ماجه وابن سعد عن ابن عباس لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة رجلان كان أبو عبيدة بن الجراح يضرح كحفر أهل مكة وكان أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري هو الذي يحفر لأهل المدينة وكان يلحد فدعا العباس رجلين فقال لأحدهما اذهب إلى أبي عبيدة وقال للآخر اذهب إلى أبي طلحة اللهم خر لرسولك فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء به فألحد له ويضرح بضاد معجمة أي يشق في الأرض على الاستواء وفيه جواز الأمرين وأن اللحد أفضل لأنه الذي اختاره الله لنبيه قاله مالك ولأنه أستر للميت وفي مسلم عن سعد بن أبي وقاص ألحدوا لي لحدًا وانصبوا علي اللبن نصبًا كما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم وروى أبو داود وغيره عن ابن عباس مرفوعًا اللحد لنا والشق لغيرنا قال الزين العراقي أي أهل الكتاب لكن الحديث ضعيف وليس فيه نهي عن الشق غايته تفضيل اللحد والإجماع على جوازهما انتهى وقال ابن عبد البر من هذا الحديث كره الشق من كرهه ولا وجه لكراهته ( مالك أنه بلغه أن أم سلمة) هند بنت أبي أمية ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول ما صدقت بموت النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمعت وقع الكرازين) بكاف فراء فألف فزاي منقوطة فتحتية فنون أي المساحي جمع كرزين بفتح الكاف وتكسر ومعنى ذلك أنها أخذتها دهشة وبهتة كما وقع لعمر أنه قال لم يمت النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عبد البر لا أحفظه عن أم سلمة متصلاً وإنما هو عن عائشة وهو تقصير فقد رواه الواقدي عن ابن أبي سبرة عن الحليس بن هشام عن عبد الله بن موهب بميم قبل الواو عن أم سلمة نحوه وفي التقريب عبد الله بن موهب عن أم سلمة كذا وقع في أحكام عبد الحق وهو وهم والصواب عثمان بن عبد الله بن موهب وقول عائشة أخرجه ابن سعد من طريق عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة عن عائشة قالت ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي ليلة الأربعاء في السحر ( مالك عن يحيى بن سعيد أن عائشة) كذا لأكثر رواة الموطأ مرسلاً ووصله قتيبة بن سعيد عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة وكذا أخرجه ابن سعد من طريق يزيد بن هارون والبيهقي من طريق ابن عيينة كلاهما عن يحيى عن ابن المسيب عن عائشة ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت رأيت ثلاثة أقمار سقطن في حجري) وفي رواية القاسم عنها في حجرتي ( فقصصت رؤياي على أبي بكر الصديق) لأنه كان عالمًا بالتعبير قال ابن عبد البر يحتمل أنه لم يجبها حين قصت عليه ويحتمل أنه أجمل لها الجواب وروى ابن سعد عن القاسم بن محمد قال قالت عائشة رأيت في حجرتي ثلاثة أقمار فأتيت أبا بكر فقال ما أولتها قلت أولتها ولدًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت أبو بكر حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فقال خير أقمارك ذهب به ثم كان أبو بكر وعمر دفنوا جميعًا في بيتها قال الباجي أمسك عن تعبيرها لأنه تبين له منها موت النبي صلى الله عليه وسلم لأن القمر يدل على السلطان وعلى العلم الذي يهتدى به وعلى الزوج والولد وسقوطهم في حجرها دليل على دفنهم في حجرتها وسنة الرؤيا إذا كان فيها ما يكره أن لا تعبر ( قالت فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفن في بيتها قال لها أبو بكر هذا أحد أقمارك وهو خيرها) وقد كان أبو بكر معبرًا محسنًا وفيه ما كانوا عليه في الرؤيا واعتقاد صحتها وحسبك أنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ما لم يكن أضغاث أحلام ( مالك عن غير واحد ممن يثق به أن سعد بن أبي وقاص) مالك الزهري آخر العشرة موتًا ( وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) بضم النون وفتح الفاء العدوي أحد العشرة مات سنة خمسين أو بعدها بسنة أو سنتين ( توفيا بالعقيق) موضع بقرب المدينة ( وحملا إلى المدينة) كل بعد موته وموت سعد سنة خمس وخمسين ( ودفنا بها) قال الباجي يحتمل نقلهما لكثرة من كان بالمدينة من الصحابة ليتولوا الصلاة عليهما أو لفضل اعتقدوه في الدفن بالبقيع أو ليقرب على أهلهما زيارة قبورهما والدعاء لهما انتهى واختلف في جواز نقل الميت من بلد إلى بلد فقيل يكره لما فيه من تأخير دفنه وتعريضه لهتك حرمته وقيل يستحب والأولى تنزيل ذلك على حالين فالمنع حيث لا يكون هناك غرض راجح كالدفن في البقاع الفاضلة وتختلف الكراهة في ذلك فقد تبلغ التحريم والاستحباب حيث يكون ذلك قال ابن عبد البر واحتج من كره ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم أمر برد القتلى إلى مضاجعهم وبحديث تدفن الأجساد حيث تقبض الأرواح والإجماع على نقل الميت من داره إلى المقابر ولكل مدينة جبانة يدل على فساد نقل هذا الحديث إلا أن يريد البلد وحديث ما دفن نبي إلا حيث يقبض دليل على تخصيص ذلك بالأنبياء وليس في النقل إجماع ولا سنة فيجوز ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال ما أحب أن أدفن بالبقيع) بالموحدة اتفاقًا مقبرة المدينة ( لأن أدفن في غيره أحب إلي من أن أدفن به) وبين وجه كراهته لذلك بقوله ( إنما هو أحد رجلين إما ظالم فلا أحب أن أدفن معه) لأنه قد يعذب في قبره بظلمه فأتأذى بذلك ( وإما صالح فلا أحب أن تنبش لي عظامه) فلم يكره مجاورته فعلق الكراهة بنبش عظامه وكره مجاورة الظالم فعلقها بذلك وإن كان لعظامه حرمة قاله الباجي وبه يرد قول أبي عمر ظاهر كلام عروة أنه لم يكره نبش عظام الظالم وليس كذلك فلعظامه حرمة قال وقد بنى عروة قصره بالعقيق وخرج من المدينة لما رأى من تغير أهلها فمات هناك والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.



رقم الحديث 557 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ تُوُفِّيَا بِالْعَقِيقِ وَحُمِلَا إِلَى الْمَدِينَةِ وَدُفِنَا بِهَا.


( ما جاء في دفن الميت)

( مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الإثنين) كما في الصحيح عن عائشة وأنس ولا خلاف فيه بين العلماء زاد ابن سعد في الطبقات عن علي وعائشة لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول وعنده عن الزهري حين زاغت الشمس وفيه فضل الموت في يومه على غيره كما أشار إليه البخاري وروى الترمذي عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر إسناده ضعيف وأخرجه أبو يعلى من حديث أنس نحوه بإسناد ضعيف قال الزين بن المنير تعيين وقت للموت ليس لأحد فيه اختيار لكن التسبب في حصوله كالرغبة إلى الله لقصد التبرك فمن لم يحصل له الإجابة أثيب على اعتقاده ( ودفن يوم الثلاثاء) أخرجه ابن سعد عن علي قال اشتكى صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لليلة بقيت من صفر وتوفي يوم الإثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول ودفن يوم الثلاثاء وكذا أخرج دفنه يوم الثلاثاء عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وابن المسيب وعنده عن سهل بن سعد دفن يوم الأربعاء قال ابن كثير القول بدفنه يوم الثلاثاء غريب والمشهور عن الجمهور أنه دفن ليلة الأربعاء انتهى ولا غرابة فيه وقد جاء عن علي وابن المسيب وأبي سلمة وإنما أخروا دفنه لاختلافهم في موته أو في محل دفنه أو لاشتغالهم في أمر البيعة بالخلافة حتى استقر الأمر على الصديق أو لدهشتهم من ذلك الأمر الهائل الذي ما وقع قبله ولا بعده مثله فصار بعضهم كجسد بلا روح وبعضهم عاجزًا عن النطق وبعضهم عن المشي أو لخوف هجوم عدو أو لصلاة جم غفير عليه ( وصلى الناس عليه أفذاذًا لا يؤمهم أحد) أخرجه البيهقي عن ابن عباس وابن سعد عن سهل بن سعد وعن ابن المسيب وغيره وللترمذي أن الناس قالوا لأبي بكر أنصلي على رسول الله قال نعم قالوا وكيف نصلي قال يدخل قوم فيكبرون ويصلون ويدعون ثم يدخل قوم فيصلون فيكبرون ويدعون فرادى ولابن سعد عن علي قال هو إمامكم حيًا وميتًا فلا يقوم عليه أحد فكان الناس تدخل رسلاً فرسلاً فيصلون صفًا صفًا ليس لهم إمام ويكبرون وعلي قائم بحيال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهم إنا نشهد أن قد بلغ ما أنزل إليه ونصح لأمته وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه وتمت كلمته اللهم فاجعلنا ممن يتبع ما أنزل إليه وثبتنا بعده وأجمع بيننا وبينه فيقول الناس آمين حتى صلى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان وظاهر هذا أن المراد بالصلاة عليه ما ذهب إليه جماعة أن من خصائصه أنه لم يصل عليه أصلاً وإنما كان الناس يدخلون فيدعون ويصدقون قال الباجي ولهذا وجه وهو أنه أفضل من كل شهيد والشهيد يغنيه فضله عن الصلاة عليه وإنما فارق الشهيد في الغسل لأنه حذر من غسله إزالة الدم عنه وهو مطلوب بقاؤه لطيبه ولأنه عنوان بشهادته في الآخرة وليس على النبي صلى الله عليه وسلم ما يكره إزالته عنه فافترقا انتهى.
وأجيب بأن المقصود من الصلاة عليه عود التشريف على المسلمين مع أن الكامل يقبل زيادة التكميل وقد قال عياض الصحيح الذي عليه الجمهور أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كانت صلاة حقيقية لا مجرد الدعاء فقط اهـ نعم لا خلاف أنه لم يؤمهم عليه أحد فقيل تعبدي وقيل ليباشر كل واحد الصلاة عليه منه إليه وقال السهيلي أخبر الله أنه وملائكته يصلون عليه وأمر كل واحد من المؤمنين أن يصلي عليه فوجب على كل واحد أن يباشر الصلاة عليه منه إليه والصلاة عليه بعد موته من هذا القبيل وأيضًا فإن الملائكة لنا في ذلك أئمة انتهى وقال الشافعي في الأم وذلك لعظم أمره صلى الله عليه وسلم وتنافسهم فيمن يتولى الصلاة عليه وقيل لعدم اتفاقهم على خليفة وقيل لوصيته بذلك روى البزار والحاكم بسند فيه مجهول أنه صلى الله عليه وسلم لما جمع أهله في بيت عائشة قالوا فمن يصلي عليك قال إذا غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري ثم أخرجوا عني فإن أول من يصلي علي جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنوده من الملائكة بأجمعهم ثم ادخلوا علي فوجًا بعد فوج فصلوا علي وسلموا تسليمًا وعند ابن سعد فلما فرغوا من الصلاة تكلموا في موضع قبره ( فقال ناس يدفن عند المنبر) لأن عنده روضة من رياض الجنة فناسب دفنه عنده ( وقال آخرون يدفن بالبقيع) لأنه دفن فيه جماعة من أصحابه ( فجاء أبو بكر الصديق فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه فحفر له فيه) أخرجه ابن سعد من طريق داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وأخرج الترمذي عن أبي بكر مرفوعًا ما قبض الله تعالى نبيًا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه وأخرجه ابن ماجه عنه بلفظ ما مات نبي إلا دفن حيث قبض ولذا سأل موسى ربه عند موته أن يدنيه من الأرض المقدسة لأنه لا يمكن نقله إليها بعد موته بخلاف غير الأنبياء فينقلون من بيوتهم التي ماتوا فيها إلى المدائن فالأفضل في حق من عداهم الدفن في المقبرة فهذا من خصائص الأنبياء كما ذكره غير واحد قال ابن العربي وهذا الحديث يرد قول الإسرائيلية أن يوسف نقله موسى من مصر إلى آبائه بفلسطين إلا أن يكون ذلك مستثنى إن صح أي ويكون محبة يوسف لدفنه بمصر مؤقتة بقصد من ينقله وذكر بعضهم أن هذا أول اختلاف وقع بين الصحابة ( فلما كان عند غسله أرادوا نزع قميصه) فيه أنه سنة الغسل عندهم إذ لو كان نزعه وإبقاؤه سواء لذهب إليه بعضهم كموضع الدفن واللحد قاله الباجي ( فسمعوا صوتًا يقول: لا تنزعوا القميص، فلم ينزع القميص، وغسل وهو عليه صلى الله عليه وسلم) وهذا أخرجه أبو داود عن عائشة وابن ماجه عن بريدة قال ابن عبد البر هذا الحديث لا أعلمه يروى على هذا النسق بوجه غير بلاغ مالك هذا ولكنه صحيح من وجوه مختلفة وأحاديث شتى جمعها مالك ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال) وصله ابن سعد من طريق حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت ( كان بالمدينة رجلان أحدهما) وهو أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري ( يلحد) بفتح أوله وثالثه كنفع ينفع من لحد وبضم أوله وكسر ثالثه من ألحد يشق في جانب القبر ( والآخر) وهو أبو عبيدة بن الجراح ( لا يلحد فقالوا أيهما جاء أول) بمنع الصرف للوصف ووزن الفعل وروي أولاً بالصرف على أنه ظرف ( عمل عمله فجاء الذي يلحد) أول ( فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم) وروى ابن سعد عن أبي طلحة قال اختلفوا في الشق واللحد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال المهاجرون شقوا كما تحفر أهل مكة وقالت الأنصار ألحدوا كما يحفر بأرضنا فلما اختلفوا في ذلك قالوا اللهم خر لنبيك ابعثوا إلى أبي عبيدة وأبي طلحة فأيهما جاء قبل الآخر فليعمل عمله فجاء أبو طلحة فقال والله إني لأرجو أن يكون قد خار لنبيه إنه كان يرى اللحد فيعجبه وروى ابن ماجه وابن سعد عن ابن عباس لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة رجلان كان أبو عبيدة بن الجراح يضرح كحفر أهل مكة وكان أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري هو الذي يحفر لأهل المدينة وكان يلحد فدعا العباس رجلين فقال لأحدهما اذهب إلى أبي عبيدة وقال للآخر اذهب إلى أبي طلحة اللهم خر لرسولك فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء به فألحد له ويضرح بضاد معجمة أي يشق في الأرض على الاستواء وفيه جواز الأمرين وأن اللحد أفضل لأنه الذي اختاره الله لنبيه قاله مالك ولأنه أستر للميت وفي مسلم عن سعد بن أبي وقاص ألحدوا لي لحدًا وانصبوا علي اللبن نصبًا كما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم وروى أبو داود وغيره عن ابن عباس مرفوعًا اللحد لنا والشق لغيرنا قال الزين العراقي أي أهل الكتاب لكن الحديث ضعيف وليس فيه نهي عن الشق غايته تفضيل اللحد والإجماع على جوازهما انتهى وقال ابن عبد البر من هذا الحديث كره الشق من كرهه ولا وجه لكراهته ( مالك أنه بلغه أن أم سلمة) هند بنت أبي أمية ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول ما صدقت بموت النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمعت وقع الكرازين) بكاف فراء فألف فزاي منقوطة فتحتية فنون أي المساحي جمع كرزين بفتح الكاف وتكسر ومعنى ذلك أنها أخذتها دهشة وبهتة كما وقع لعمر أنه قال لم يمت النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عبد البر لا أحفظه عن أم سلمة متصلاً وإنما هو عن عائشة وهو تقصير فقد رواه الواقدي عن ابن أبي سبرة عن الحليس بن هشام عن عبد الله بن موهب بميم قبل الواو عن أم سلمة نحوه وفي التقريب عبد الله بن موهب عن أم سلمة كذا وقع في أحكام عبد الحق وهو وهم والصواب عثمان بن عبد الله بن موهب وقول عائشة أخرجه ابن سعد من طريق عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة عن عائشة قالت ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي ليلة الأربعاء في السحر ( مالك عن يحيى بن سعيد أن عائشة) كذا لأكثر رواة الموطأ مرسلاً ووصله قتيبة بن سعيد عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة وكذا أخرجه ابن سعد من طريق يزيد بن هارون والبيهقي من طريق ابن عيينة كلاهما عن يحيى عن ابن المسيب عن عائشة ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت رأيت ثلاثة أقمار سقطن في حجري) وفي رواية القاسم عنها في حجرتي ( فقصصت رؤياي على أبي بكر الصديق) لأنه كان عالمًا بالتعبير قال ابن عبد البر يحتمل أنه لم يجبها حين قصت عليه ويحتمل أنه أجمل لها الجواب وروى ابن سعد عن القاسم بن محمد قال قالت عائشة رأيت في حجرتي ثلاثة أقمار فأتيت أبا بكر فقال ما أولتها قلت أولتها ولدًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت أبو بكر حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فقال خير أقمارك ذهب به ثم كان أبو بكر وعمر دفنوا جميعًا في بيتها قال الباجي أمسك عن تعبيرها لأنه تبين له منها موت النبي صلى الله عليه وسلم لأن القمر يدل على السلطان وعلى العلم الذي يهتدى به وعلى الزوج والولد وسقوطهم في حجرها دليل على دفنهم في حجرتها وسنة الرؤيا إذا كان فيها ما يكره أن لا تعبر ( قالت فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفن في بيتها قال لها أبو بكر هذا أحد أقمارك وهو خيرها) وقد كان أبو بكر معبرًا محسنًا وفيه ما كانوا عليه في الرؤيا واعتقاد صحتها وحسبك أنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ما لم يكن أضغاث أحلام ( مالك عن غير واحد ممن يثق به أن سعد بن أبي وقاص) مالك الزهري آخر العشرة موتًا ( وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) بضم النون وفتح الفاء العدوي أحد العشرة مات سنة خمسين أو بعدها بسنة أو سنتين ( توفيا بالعقيق) موضع بقرب المدينة ( وحملا إلى المدينة) كل بعد موته وموت سعد سنة خمس وخمسين ( ودفنا بها) قال الباجي يحتمل نقلهما لكثرة من كان بالمدينة من الصحابة ليتولوا الصلاة عليهما أو لفضل اعتقدوه في الدفن بالبقيع أو ليقرب على أهلهما زيارة قبورهما والدعاء لهما انتهى واختلف في جواز نقل الميت من بلد إلى بلد فقيل يكره لما فيه من تأخير دفنه وتعريضه لهتك حرمته وقيل يستحب والأولى تنزيل ذلك على حالين فالمنع حيث لا يكون هناك غرض راجح كالدفن في البقاع الفاضلة وتختلف الكراهة في ذلك فقد تبلغ التحريم والاستحباب حيث يكون ذلك قال ابن عبد البر واحتج من كره ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم أمر برد القتلى إلى مضاجعهم وبحديث تدفن الأجساد حيث تقبض الأرواح والإجماع على نقل الميت من داره إلى المقابر ولكل مدينة جبانة يدل على فساد نقل هذا الحديث إلا أن يريد البلد وحديث ما دفن نبي إلا حيث يقبض دليل على تخصيص ذلك بالأنبياء وليس في النقل إجماع ولا سنة فيجوز ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال ما أحب أن أدفن بالبقيع) بالموحدة اتفاقًا مقبرة المدينة ( لأن أدفن في غيره أحب إلي من أن أدفن به) وبين وجه كراهته لذلك بقوله ( إنما هو أحد رجلين إما ظالم فلا أحب أن أدفن معه) لأنه قد يعذب في قبره بظلمه فأتأذى بذلك ( وإما صالح فلا أحب أن تنبش لي عظامه) فلم يكره مجاورته فعلق الكراهة بنبش عظامه وكره مجاورة الظالم فعلقها بذلك وإن كان لعظامه حرمة قاله الباجي وبه يرد قول أبي عمر ظاهر كلام عروة أنه لم يكره نبش عظام الظالم وليس كذلك فلعظامه حرمة قال وقد بنى عروة قصره بالعقيق وخرج من المدينة لما رأى من تغير أهلها فمات هناك والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.



رقم الحديث 558 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ أُدْفَنَ بِالْبَقِيعِ، لَأَنْ أُدْفَنَ بِغَيْرِهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدْفَنَ بِهِ، إِنَّمَا هُوَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ: إِمَّا ظَالِمٌ فَلَا أُحِبُّ أَنْ أُدْفَنَ مَعَهُ، وَإِمَّا صَالِحٌ فَلَا أُحِبُّ أَنْ تُنْبَشَ لِي عِظَامُهُ.


( ما جاء في دفن الميت)

( مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الإثنين) كما في الصحيح عن عائشة وأنس ولا خلاف فيه بين العلماء زاد ابن سعد في الطبقات عن علي وعائشة لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول وعنده عن الزهري حين زاغت الشمس وفيه فضل الموت في يومه على غيره كما أشار إليه البخاري وروى الترمذي عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر إسناده ضعيف وأخرجه أبو يعلى من حديث أنس نحوه بإسناد ضعيف قال الزين بن المنير تعيين وقت للموت ليس لأحد فيه اختيار لكن التسبب في حصوله كالرغبة إلى الله لقصد التبرك فمن لم يحصل له الإجابة أثيب على اعتقاده ( ودفن يوم الثلاثاء) أخرجه ابن سعد عن علي قال اشتكى صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لليلة بقيت من صفر وتوفي يوم الإثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول ودفن يوم الثلاثاء وكذا أخرج دفنه يوم الثلاثاء عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وابن المسيب وعنده عن سهل بن سعد دفن يوم الأربعاء قال ابن كثير القول بدفنه يوم الثلاثاء غريب والمشهور عن الجمهور أنه دفن ليلة الأربعاء انتهى ولا غرابة فيه وقد جاء عن علي وابن المسيب وأبي سلمة وإنما أخروا دفنه لاختلافهم في موته أو في محل دفنه أو لاشتغالهم في أمر البيعة بالخلافة حتى استقر الأمر على الصديق أو لدهشتهم من ذلك الأمر الهائل الذي ما وقع قبله ولا بعده مثله فصار بعضهم كجسد بلا روح وبعضهم عاجزًا عن النطق وبعضهم عن المشي أو لخوف هجوم عدو أو لصلاة جم غفير عليه ( وصلى الناس عليه أفذاذًا لا يؤمهم أحد) أخرجه البيهقي عن ابن عباس وابن سعد عن سهل بن سعد وعن ابن المسيب وغيره وللترمذي أن الناس قالوا لأبي بكر أنصلي على رسول الله قال نعم قالوا وكيف نصلي قال يدخل قوم فيكبرون ويصلون ويدعون ثم يدخل قوم فيصلون فيكبرون ويدعون فرادى ولابن سعد عن علي قال هو إمامكم حيًا وميتًا فلا يقوم عليه أحد فكان الناس تدخل رسلاً فرسلاً فيصلون صفًا صفًا ليس لهم إمام ويكبرون وعلي قائم بحيال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهم إنا نشهد أن قد بلغ ما أنزل إليه ونصح لأمته وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه وتمت كلمته اللهم فاجعلنا ممن يتبع ما أنزل إليه وثبتنا بعده وأجمع بيننا وبينه فيقول الناس آمين حتى صلى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان وظاهر هذا أن المراد بالصلاة عليه ما ذهب إليه جماعة أن من خصائصه أنه لم يصل عليه أصلاً وإنما كان الناس يدخلون فيدعون ويصدقون قال الباجي ولهذا وجه وهو أنه أفضل من كل شهيد والشهيد يغنيه فضله عن الصلاة عليه وإنما فارق الشهيد في الغسل لأنه حذر من غسله إزالة الدم عنه وهو مطلوب بقاؤه لطيبه ولأنه عنوان بشهادته في الآخرة وليس على النبي صلى الله عليه وسلم ما يكره إزالته عنه فافترقا انتهى.
وأجيب بأن المقصود من الصلاة عليه عود التشريف على المسلمين مع أن الكامل يقبل زيادة التكميل وقد قال عياض الصحيح الذي عليه الجمهور أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كانت صلاة حقيقية لا مجرد الدعاء فقط اهـ نعم لا خلاف أنه لم يؤمهم عليه أحد فقيل تعبدي وقيل ليباشر كل واحد الصلاة عليه منه إليه وقال السهيلي أخبر الله أنه وملائكته يصلون عليه وأمر كل واحد من المؤمنين أن يصلي عليه فوجب على كل واحد أن يباشر الصلاة عليه منه إليه والصلاة عليه بعد موته من هذا القبيل وأيضًا فإن الملائكة لنا في ذلك أئمة انتهى وقال الشافعي في الأم وذلك لعظم أمره صلى الله عليه وسلم وتنافسهم فيمن يتولى الصلاة عليه وقيل لعدم اتفاقهم على خليفة وقيل لوصيته بذلك روى البزار والحاكم بسند فيه مجهول أنه صلى الله عليه وسلم لما جمع أهله في بيت عائشة قالوا فمن يصلي عليك قال إذا غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري ثم أخرجوا عني فإن أول من يصلي علي جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنوده من الملائكة بأجمعهم ثم ادخلوا علي فوجًا بعد فوج فصلوا علي وسلموا تسليمًا وعند ابن سعد فلما فرغوا من الصلاة تكلموا في موضع قبره ( فقال ناس يدفن عند المنبر) لأن عنده روضة من رياض الجنة فناسب دفنه عنده ( وقال آخرون يدفن بالبقيع) لأنه دفن فيه جماعة من أصحابه ( فجاء أبو بكر الصديق فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه فحفر له فيه) أخرجه ابن سعد من طريق داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وأخرج الترمذي عن أبي بكر مرفوعًا ما قبض الله تعالى نبيًا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه وأخرجه ابن ماجه عنه بلفظ ما مات نبي إلا دفن حيث قبض ولذا سأل موسى ربه عند موته أن يدنيه من الأرض المقدسة لأنه لا يمكن نقله إليها بعد موته بخلاف غير الأنبياء فينقلون من بيوتهم التي ماتوا فيها إلى المدائن فالأفضل في حق من عداهم الدفن في المقبرة فهذا من خصائص الأنبياء كما ذكره غير واحد قال ابن العربي وهذا الحديث يرد قول الإسرائيلية أن يوسف نقله موسى من مصر إلى آبائه بفلسطين إلا أن يكون ذلك مستثنى إن صح أي ويكون محبة يوسف لدفنه بمصر مؤقتة بقصد من ينقله وذكر بعضهم أن هذا أول اختلاف وقع بين الصحابة ( فلما كان عند غسله أرادوا نزع قميصه) فيه أنه سنة الغسل عندهم إذ لو كان نزعه وإبقاؤه سواء لذهب إليه بعضهم كموضع الدفن واللحد قاله الباجي ( فسمعوا صوتًا يقول: لا تنزعوا القميص، فلم ينزع القميص، وغسل وهو عليه صلى الله عليه وسلم) وهذا أخرجه أبو داود عن عائشة وابن ماجه عن بريدة قال ابن عبد البر هذا الحديث لا أعلمه يروى على هذا النسق بوجه غير بلاغ مالك هذا ولكنه صحيح من وجوه مختلفة وأحاديث شتى جمعها مالك ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال) وصله ابن سعد من طريق حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت ( كان بالمدينة رجلان أحدهما) وهو أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري ( يلحد) بفتح أوله وثالثه كنفع ينفع من لحد وبضم أوله وكسر ثالثه من ألحد يشق في جانب القبر ( والآخر) وهو أبو عبيدة بن الجراح ( لا يلحد فقالوا أيهما جاء أول) بمنع الصرف للوصف ووزن الفعل وروي أولاً بالصرف على أنه ظرف ( عمل عمله فجاء الذي يلحد) أول ( فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم) وروى ابن سعد عن أبي طلحة قال اختلفوا في الشق واللحد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال المهاجرون شقوا كما تحفر أهل مكة وقالت الأنصار ألحدوا كما يحفر بأرضنا فلما اختلفوا في ذلك قالوا اللهم خر لنبيك ابعثوا إلى أبي عبيدة وأبي طلحة فأيهما جاء قبل الآخر فليعمل عمله فجاء أبو طلحة فقال والله إني لأرجو أن يكون قد خار لنبيه إنه كان يرى اللحد فيعجبه وروى ابن ماجه وابن سعد عن ابن عباس لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة رجلان كان أبو عبيدة بن الجراح يضرح كحفر أهل مكة وكان أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري هو الذي يحفر لأهل المدينة وكان يلحد فدعا العباس رجلين فقال لأحدهما اذهب إلى أبي عبيدة وقال للآخر اذهب إلى أبي طلحة اللهم خر لرسولك فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء به فألحد له ويضرح بضاد معجمة أي يشق في الأرض على الاستواء وفيه جواز الأمرين وأن اللحد أفضل لأنه الذي اختاره الله لنبيه قاله مالك ولأنه أستر للميت وفي مسلم عن سعد بن أبي وقاص ألحدوا لي لحدًا وانصبوا علي اللبن نصبًا كما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم وروى أبو داود وغيره عن ابن عباس مرفوعًا اللحد لنا والشق لغيرنا قال الزين العراقي أي أهل الكتاب لكن الحديث ضعيف وليس فيه نهي عن الشق غايته تفضيل اللحد والإجماع على جوازهما انتهى وقال ابن عبد البر من هذا الحديث كره الشق من كرهه ولا وجه لكراهته ( مالك أنه بلغه أن أم سلمة) هند بنت أبي أمية ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول ما صدقت بموت النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمعت وقع الكرازين) بكاف فراء فألف فزاي منقوطة فتحتية فنون أي المساحي جمع كرزين بفتح الكاف وتكسر ومعنى ذلك أنها أخذتها دهشة وبهتة كما وقع لعمر أنه قال لم يمت النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عبد البر لا أحفظه عن أم سلمة متصلاً وإنما هو عن عائشة وهو تقصير فقد رواه الواقدي عن ابن أبي سبرة عن الحليس بن هشام عن عبد الله بن موهب بميم قبل الواو عن أم سلمة نحوه وفي التقريب عبد الله بن موهب عن أم سلمة كذا وقع في أحكام عبد الحق وهو وهم والصواب عثمان بن عبد الله بن موهب وقول عائشة أخرجه ابن سعد من طريق عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة عن عائشة قالت ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي ليلة الأربعاء في السحر ( مالك عن يحيى بن سعيد أن عائشة) كذا لأكثر رواة الموطأ مرسلاً ووصله قتيبة بن سعيد عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة وكذا أخرجه ابن سعد من طريق يزيد بن هارون والبيهقي من طريق ابن عيينة كلاهما عن يحيى عن ابن المسيب عن عائشة ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت رأيت ثلاثة أقمار سقطن في حجري) وفي رواية القاسم عنها في حجرتي ( فقصصت رؤياي على أبي بكر الصديق) لأنه كان عالمًا بالتعبير قال ابن عبد البر يحتمل أنه لم يجبها حين قصت عليه ويحتمل أنه أجمل لها الجواب وروى ابن سعد عن القاسم بن محمد قال قالت عائشة رأيت في حجرتي ثلاثة أقمار فأتيت أبا بكر فقال ما أولتها قلت أولتها ولدًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت أبو بكر حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فقال خير أقمارك ذهب به ثم كان أبو بكر وعمر دفنوا جميعًا في بيتها قال الباجي أمسك عن تعبيرها لأنه تبين له منها موت النبي صلى الله عليه وسلم لأن القمر يدل على السلطان وعلى العلم الذي يهتدى به وعلى الزوج والولد وسقوطهم في حجرها دليل على دفنهم في حجرتها وسنة الرؤيا إذا كان فيها ما يكره أن لا تعبر ( قالت فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفن في بيتها قال لها أبو بكر هذا أحد أقمارك وهو خيرها) وقد كان أبو بكر معبرًا محسنًا وفيه ما كانوا عليه في الرؤيا واعتقاد صحتها وحسبك أنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ما لم يكن أضغاث أحلام ( مالك عن غير واحد ممن يثق به أن سعد بن أبي وقاص) مالك الزهري آخر العشرة موتًا ( وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) بضم النون وفتح الفاء العدوي أحد العشرة مات سنة خمسين أو بعدها بسنة أو سنتين ( توفيا بالعقيق) موضع بقرب المدينة ( وحملا إلى المدينة) كل بعد موته وموت سعد سنة خمس وخمسين ( ودفنا بها) قال الباجي يحتمل نقلهما لكثرة من كان بالمدينة من الصحابة ليتولوا الصلاة عليهما أو لفضل اعتقدوه في الدفن بالبقيع أو ليقرب على أهلهما زيارة قبورهما والدعاء لهما انتهى واختلف في جواز نقل الميت من بلد إلى بلد فقيل يكره لما فيه من تأخير دفنه وتعريضه لهتك حرمته وقيل يستحب والأولى تنزيل ذلك على حالين فالمنع حيث لا يكون هناك غرض راجح كالدفن في البقاع الفاضلة وتختلف الكراهة في ذلك فقد تبلغ التحريم والاستحباب حيث يكون ذلك قال ابن عبد البر واحتج من كره ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم أمر برد القتلى إلى مضاجعهم وبحديث تدفن الأجساد حيث تقبض الأرواح والإجماع على نقل الميت من داره إلى المقابر ولكل مدينة جبانة يدل على فساد نقل هذا الحديث إلا أن يريد البلد وحديث ما دفن نبي إلا حيث يقبض دليل على تخصيص ذلك بالأنبياء وليس في النقل إجماع ولا سنة فيجوز ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال ما أحب أن أدفن بالبقيع) بالموحدة اتفاقًا مقبرة المدينة ( لأن أدفن في غيره أحب إلي من أن أدفن به) وبين وجه كراهته لذلك بقوله ( إنما هو أحد رجلين إما ظالم فلا أحب أن أدفن معه) لأنه قد يعذب في قبره بظلمه فأتأذى بذلك ( وإما صالح فلا أحب أن تنبش لي عظامه) فلم يكره مجاورته فعلق الكراهة بنبش عظامه وكره مجاورة الظالم فعلقها بذلك وإن كان لعظامه حرمة قاله الباجي وبه يرد قول أبي عمر ظاهر كلام عروة أنه لم يكره نبش عظام الظالم وليس كذلك فلعظامه حرمة قال وقد بنى عروة قصره بالعقيق وخرج من المدينة لما رأى من تغير أهلها فمات هناك والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.