فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الزَّكَاةِ فِي الْمَعَادِنِ

رقم الحديث 593 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَطَعَ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ.
وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرُعِ.
فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا، إِلَى الْيَوْمِ إِلَّا الزَّكَاةُ قَالَ مَالِكٌ: أَرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنَ الْمَعَادِنِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا شَيْءٌ، حَتَّى يَبْلُغَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا قَدْرَ عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا، أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ.
فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَفِيهِ الزَّكَاةُ مَكَانَهُ.
وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ أُخِذَ بِحِسَابِ ذَلِكَ، مَادَامَ فِي الْمَعْدِنِ نَيْلٌ، فَإِذَا انْقَطَعَ عِرْقُهُ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ نَيْلٌ، فَهُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ يُبْتَدَأُ فِيهِ الزَّكَاةُ.
كَمَا ابْتُدِئَتْ فِي الْأَوَّلِ قَالَ مَالِكٌ: وَالْمَعْدِنُ بِمَنْزِلَةِ الزَّرْعِ.
يُؤْخَذُ مِنْهُ مِثْلُ مَا يُؤْخَذُ مِنَ الزَّرْعِ يُؤْخَذُ مِنْهُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْمَعْدِنِ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ الْحَوْلُ.
كَمَا يُؤْخَذُ مِنَ الزَّرْعِ، إِذَا حُصِدَ، الْعُشْرُ وَلَا يُنْتَظَرُ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ.


( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) واسمه فروخ المدني أحد الأعلام ( عن غير واحد) مرسل عند جميع الرواة ووصله البزار من طريق عبد العزيز الدراوردي عن ربيعة عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني عن أبيه وأبو داود من طريق ثور بن يزيد الديلي عن عكرمة عن ابن عباس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع لبلال بن الحارث) بن عاصم بن سعيد ( المزني) من أهل المدينة وكان صاحب لواء مزينة يوم فتح مكة وكان يسكن وراء المدينة ثم تحول إلى البصرة أحاديثه في السنن وصحيحي ابن خزيمة وابن حبان قال المدائني وغيره مات سنة ستين وله ثمانون سنة ( معادن القبلية) قال ابن الأثير نسبة إلى قبل بفتح القاف والباء هذا هو المحفوظ في الحديث وفي كتاب الأمكنة القلبة بكسر القاف وبعدها لام مفتوحة ثم باء ( وهي من ناحية الفرع) بضم الفاء والراء كما جزم به السهيلي وعياض في المشارق وقال في كتابه التنبيهات هكذا قيده الناس وكذا رويناه وحكى عبد الحق عن الأحول إسكان الراء ولم يذكره غيره انتهى فاقتصار النهاية والنووي في تهذيبه على الإسكان مرجوح قال في الروض بضمتين من ناحية بالمدينة يقال إنها أول قرية مارت إسماعيل وأمه التمر بمكة وفيها عينان يقال لهما الربض والتحف يسقيان عشرين ألف نخلة كانت لحمزة بن عبد الله بن الزبير والربض منابت الأراك في الرمل ( فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلى اليوم إلا الزكاة) فدل ذلك على وجوب زكاة المعدن ( قال مالك أرى والله أعلم أن لا يؤخذ من المعادن مما يخرج منها شيء حتى يبلغ ما يخرج منها قدر عشرين دينارًا عينًا) أي ذهبًا ( أو) قدر ( مائتي درهم) فضة وهي خمس أواق وبهذا قال جماعة وقال أبو حنيفة والثوري وغيرهما المعدن كالركاز وفيه الخمس يؤخذ من قليله وكثيره وتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم قال في المعدن جبار وفي الركاز الخمس فغاير بينما ولو كانا بمعنى واحد لجمعهما والفرق بينهما أن المعدن يحتاج إلى عمل ومؤنة ومعالجة لاستخراجه بخلاف الركاز وقد جرت عادة الشرع أن ما عظمت مؤنته خفف عنه في قدر الزكاة وما خفت زيد فيه ( فإذا بلغ ذلك ففيه الزكاة) ربع العشر ( مكانه) يريد عند أخذه من المعدن واجتماعه عند العامل ويحتمل أن يريد عند تصفيته واقتسامه والأظهر عندي أن الزكاة تجب فيه عند انفصاله من معدنه كالزرع تجب فيه الزكاة ببدو صلاحه قاله الباجي ( وما زاد على ذلك أخذ بحساب ذلك ما دام في المعدن نيل) فيضم إلى الأول الذي بلغ النصاب ويزكى لأنه بقية عرقه ( فإذا انقطع عرقه ثم جاء بعد ذلك نيل) آخر ( فهو مثل الأول يبتدأ فيه الزكاة كما ابتدئت في الأول) فإن كان نصابًا زكي وإلا فلا ويضم بقية عرقه إن بلغ كالأول فلا يضاف الثاني إلى الأول بلغ الأول نصابًا أم لا كما لا يضاف زرع عام إلى زرع عام آخر ( والمعدن) ولابن وضاح والمعادن ( بمنزلة الزرع) لأن الله ينبته في الأرض كما ينبت الزرع ( يؤخذ منه) ولابن وضاح منها ( مثل ما يؤخذ من الزرع) ليس المراد بالمثلية في القدر المخرج بل في تزكيته مكانه كما أفاده قوله ( يؤخذ منه إذا خرج من المعدن من يومه ذلك ولا ينتظر به الحول كما يؤخذ من الزرع إذا حصد العشر) أو نصفه ( ولا ينتظر أن يحول عليه الحول) فاستدل بالقياس على الحكم الذي أعطاه أولاً بقوله مكانه ووافقه الشافعي في القديم وقال في الجديد كأبي حنيفة لا زكاة حتى يحول عليه الحول لأنه فائدة يستقبل بها.


رقم الحديث 593 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا هَلَكَ، وَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاةَ مَالِهِ، إِنِّي أَرَى أَنْ يُؤْخَذَ ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَلَا يُجَاوَزُ بِهَا الثُّلُثُ.
وَتُبَدَّى عَلَى الْوَصَايَا.
وَأَرَاهَا بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ.
فَلِذَلِكَ رَأَيْتُ أَنْ تُبَدَّى عَلَى الْوَصَايَا، قَالَ: وَذَلِكَ إِذَا أَوْصَى بِهَا الْمَيِّتُ.
قَالَ: فَإِنْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ الْمَيِّتُ فَفَعَلَ ذَلِكَ أَهْلُهُ.
فَذَلِكَ حَسَنٌ.
وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَهْلُهُ.
لَمْ يَلْزَمْهُمْ ذَلِكَ قَالَ: وَالسُّنَّةُ عِنْدَنَا الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا، أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى وَارِثٍ زَكَاةٌ، فِي مَالٍ وَرِثَهُ فِي دَيْنٍ، وَلَا عَرْضٍ، وَلَا دَارٍ، وَلَا عَبْدٍ، وَلَا وَلِيدَةٍ.
حَتَّى يَحُولَ عَلَى ثَمَنِ مَا بَاعَ مِنْ ذَلِكَ، أَوِ اقْتَضَى، الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ بَاعَهُ وَقَبَضَهُ وقَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَى وَارِثٍ، فِي مَالٍ وَرِثَهُ، الزَّكَاةُ.
حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ.



( زكاة الميراث)

( مالك أنه قال إن الرجل إذا هلك) مات ( ولم يؤد زكاة ماله إني أرى أن يؤخذ ذلك من ثلث ماله ولا يجاوز بها الثلث) لأنه يتهم أن يقر على نفسه بالزكاة ليحرم وارثه ماله فلا يشاء أحد أن يمنع وارثه إلا منعه وقال ( وتبدى على الوصايا) تأكيدًا وقد قال إنه يبدى عليها مدبر الصحة وقال بعض أصحابه يبدى عليها صداق المريض ( وأراها بمنزلة الدين عليه) ليس على ظاهره لأن الدين من رأس المال إجماعًا وإنما أراد تبدية الزكاة على الوصايا كتبدية الدين عليها كما قال ( فلذلك رأيت أن تبدى على الوصايا) ولم يشكل عنده فلم يحصل فيه لفظه قاله ابن عبد البر ( قال وذلك إذا أوصى بها الميت فإن لم يوص بذلك الميت ففعل ذلك أهله فذلك حسن وإن لم يفعل ذلك أهله لم يلزمهم ذلك) وقال الشافعي تبدى الزكاة قبل الديون لأن من وجبت عليه زكاة ليس له أن يحدث فيه شيئًا حتى يخرجها وله التصرف فيه وإن مدينًا ما لم يوقف للغرماء ( والسنة عندنا التي لا اختلاف فيها) بالمدينة ( أنه لا تجب على وارث زكاة في مال ورثه في دين ولا عرض ولا دار ولا عبد ولا وليدة) أي أمة ( حتى يحول على ثمن ما باع من ذلك أو اقتضى) قبض ( الحول) فاعل يحول ( من يوم باعه وقبضه) لأنه فائدة ( قال مالك السنة عندنا أنه لا تجب على وارث في مال ورثه الزكاة حتى يحول عليه الحول) لأنه فائدة يستقبل به الحول من يوم يقبض قال أبو عمر هذا إجماع لا خلاف فيه إلا ما جاء عن ابن عباس ومعاوية وقد تقدم انتهى لكن الذي جاء عنهما إنما هو في العطاء تنزيلاً له منزلة المال المشترك لأن له حقًا في بيت المال، بخلاف الإرث فلا شركة، والله سبحانه وتعالى أعلم.