فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي أَخْذِ الصَّدَقَاتِ وَالتَّشْدِيدِ فِيهَا

رقم الحديث 613 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ: لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا لَجَاهَدْتُهُمْ عَلَيْهِ.


( ما جاء في الصدقات والتشديد فيها)

( مالك أنه بلغه أن أبا بكر الصديق قال: لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه) وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك: أن العقال هو القلوص.
وقال محمد بن عيسى: هو واحد العقل التي يعقل بها الإبل لأن الذي يعطي البعير في الزكاة يلزمه أن يعطي معه عقاله أي لو أعطوني البعير ومنعوني ما يعقل به لجاهدتهم أو أراد المبالغة في تتبع الحق أو التقليل كما يقال والله لا تركت منها شعرة وقال أبو عبيدة العقال صدقة عام كما قال:

سعى عقالاً فلم يترك لنا سيدًا
فكيف لو قد سعى عمرو عقالين

وروي عناقًا أراد أيضًا التقليل لأن العناق لا تؤخذ في الصدقة عند طائفة من العلماء ولو كانت عناقًا كلها، قاله الباجي: واستبعد بعضهم قول أبي عبيدة بأنه تعسف وذهاب عن طريقة العرب لأن الكلام خرج مخرج التضييق والتشديد والمبالغة فيقتضي قلة ما علق به العقال وحقارته لا صدقة عام، وهذا البلاغ أخرجه الشيخان وغيرهما من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا هريرة قال: لما توفي صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر وكفر من كفر من العرب.
فقال عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله فقال: والله لأقاتلنّ من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها.
قال عمر: فوالله ما هو إلا أن شرح الله صدر أبي بكر فعرفت أنه الحق.
وبسط أبو داود وغيره اختلاف الرواة في أنه قال عناقًا أو عقالاً.

( مالك عن زيد بن أسلم أنه قال: شرب عمر بن الخطاب لبنًا فأعجبه فسأل الذي سقاه من أين هذا اللبن فأخبره أنه ورد على ماء قد سماه) ونسي اسمه أو لم يتعلق غرضه بتسميته ( فإذا نعم من نعم الصدقة وهم يسقون) النعم من ذلك الماء ( فحلبوا لي من ألبانها فجعلته في سقائي) بكسر السين وعائي ( فهو هذا فأدخل عمر بن الخطاب يده فاستقاءه) قال ابن عبد البر: مجمله عند أهل العلم أن الذي سقاه ليس ممن تحل له الصدقة إذ لعله غني أو مملوك فاستقاءه لئلا ينتفع به وأصله محظور وإن لم يأته قصدًا وهذا نهاية الورع ولعله أعطى مثل ذلك أو قيمته للمساكين، ولو كان الذي حلب هذا اللبن مستحقًا للصدقة لما حرم على عمر قصد شربه كما لم يحرم على النبي صلى الله عليه وسلم أكل اللحم الذي تصدق به على بريرة.
وقال: هو عليها صدقة ولنا هدية وما فعله عمر ليس بواجب لأنه استهلكه بالشرب ولا فائدة في قذفه إلا المبالغة في الورع وقد قال تعالى: { { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } } وسأل ابن مزين عيسى بن دينار: أيفعل ذلك رجل أصابه مثل هذا؟ فقال: نعم ما أحسن ذلك.
( قال مالك: الأمر عندنا) بالمدينة ( أن كل من منع فريضة من فرائض الله تعالى فلم يستطع المسلمون أخذها) منه ( كان حقًا) واجبًا ( عليهم جهاده حتى يأخذوها منه) بقتاله وأصل ذلك قتال الصديق مانعي الزكاة ثم إن كان مقرًّا بها فمسلم وإن جحدها فكافر إجماعًا.

( مالك أنه بلغه أن عاملاً) لم يسم ( لعمر بن عبد العزيز كتب إليه يذكر أن رجلاً منع زكاة ماله فكتب إليه أن دعه) اتركه ( ولا تأخذ منه زكاة مع المسلمين قال فبلغ ذلك الرجل فاشتدّ) قوي وعظم ( عليه) ذلك ( وأدّى بعد ذلك زكاة ماله فكتب عامل عمر إليه يذكر له ذلك فكتب إليه عمر أن خذها منه) قال ابن عبد البر: يحتمل أنه علم من الرجل منعها من العامل دون منعها من أهلها، ولم يكن عنده ممن يمنع الزكاة وتفرس فيه أنه لا يخالف جماعة المسلمين الدافعين لها إلى الإمام فكان كما ظن ولو صح عنده منعه للزكاة ما جاز له تركها عنده لأنها حق للمساكين يلزمه القيام لهم به وهذا فيمن منعها مقرًا بها إما جاحدًا فردة إجماعًا.
قال: والواجب أن يعظ الإمام من منع الزكاة ويوبخه فإن أصرّ على المنع أخذها منه جبرًا.



رقم الحديث 614 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ: شَرِبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَبَنًا فَأَعْجَبَهُ.
فَسَأَلَ الَّذِي سَقَاهُ، مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ؟ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَاءٍ، قَدْ سَمَّاهُ، فَإِذَا نَعَمٌ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ وَهُمْ يَسْقُونَ.
فَحَلَبُوا لِي مِنْ أَلْبَانِهَا، فَجَعَلْتُهُ فِي سِقَائِي فَهُوَ هَذَا، فَأَدْخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَدَهُ فَاسْتَقَاءَهُ.
قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ مَنَعَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمْ يَسْتَطِعِ الْمُسْلِمُونَ أَخْذَهَا، كَانَ حَقًّا عَلَيْهِمْ جِهَادُهُ حَتَّى يَأْخُذُوهَا مِنْهُ.


( ما جاء في الصدقات والتشديد فيها)

( مالك أنه بلغه أن أبا بكر الصديق قال: لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه) وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك: أن العقال هو القلوص.
وقال محمد بن عيسى: هو واحد العقل التي يعقل بها الإبل لأن الذي يعطي البعير في الزكاة يلزمه أن يعطي معه عقاله أي لو أعطوني البعير ومنعوني ما يعقل به لجاهدتهم أو أراد المبالغة في تتبع الحق أو التقليل كما يقال والله لا تركت منها شعرة وقال أبو عبيدة العقال صدقة عام كما قال:

سعى عقالاً فلم يترك لنا سيدًا
فكيف لو قد سعى عمرو عقالين

وروي عناقًا أراد أيضًا التقليل لأن العناق لا تؤخذ في الصدقة عند طائفة من العلماء ولو كانت عناقًا كلها، قاله الباجي: واستبعد بعضهم قول أبي عبيدة بأنه تعسف وذهاب عن طريقة العرب لأن الكلام خرج مخرج التضييق والتشديد والمبالغة فيقتضي قلة ما علق به العقال وحقارته لا صدقة عام، وهذا البلاغ أخرجه الشيخان وغيرهما من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا هريرة قال: لما توفي صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر وكفر من كفر من العرب.
فقال عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله فقال: والله لأقاتلنّ من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها.
قال عمر: فوالله ما هو إلا أن شرح الله صدر أبي بكر فعرفت أنه الحق.
وبسط أبو داود وغيره اختلاف الرواة في أنه قال عناقًا أو عقالاً.

( مالك عن زيد بن أسلم أنه قال: شرب عمر بن الخطاب لبنًا فأعجبه فسأل الذي سقاه من أين هذا اللبن فأخبره أنه ورد على ماء قد سماه) ونسي اسمه أو لم يتعلق غرضه بتسميته ( فإذا نعم من نعم الصدقة وهم يسقون) النعم من ذلك الماء ( فحلبوا لي من ألبانها فجعلته في سقائي) بكسر السين وعائي ( فهو هذا فأدخل عمر بن الخطاب يده فاستقاءه) قال ابن عبد البر: مجمله عند أهل العلم أن الذي سقاه ليس ممن تحل له الصدقة إذ لعله غني أو مملوك فاستقاءه لئلا ينتفع به وأصله محظور وإن لم يأته قصدًا وهذا نهاية الورع ولعله أعطى مثل ذلك أو قيمته للمساكين، ولو كان الذي حلب هذا اللبن مستحقًا للصدقة لما حرم على عمر قصد شربه كما لم يحرم على النبي صلى الله عليه وسلم أكل اللحم الذي تصدق به على بريرة.
وقال: هو عليها صدقة ولنا هدية وما فعله عمر ليس بواجب لأنه استهلكه بالشرب ولا فائدة في قذفه إلا المبالغة في الورع وقد قال تعالى: { { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } } وسأل ابن مزين عيسى بن دينار: أيفعل ذلك رجل أصابه مثل هذا؟ فقال: نعم ما أحسن ذلك.
( قال مالك: الأمر عندنا) بالمدينة ( أن كل من منع فريضة من فرائض الله تعالى فلم يستطع المسلمون أخذها) منه ( كان حقًا) واجبًا ( عليهم جهاده حتى يأخذوها منه) بقتاله وأصل ذلك قتال الصديق مانعي الزكاة ثم إن كان مقرًّا بها فمسلم وإن جحدها فكافر إجماعًا.

( مالك أنه بلغه أن عاملاً) لم يسم ( لعمر بن عبد العزيز كتب إليه يذكر أن رجلاً منع زكاة ماله فكتب إليه أن دعه) اتركه ( ولا تأخذ منه زكاة مع المسلمين قال فبلغ ذلك الرجل فاشتدّ) قوي وعظم ( عليه) ذلك ( وأدّى بعد ذلك زكاة ماله فكتب عامل عمر إليه يذكر له ذلك فكتب إليه عمر أن خذها منه) قال ابن عبد البر: يحتمل أنه علم من الرجل منعها من العامل دون منعها من أهلها، ولم يكن عنده ممن يمنع الزكاة وتفرس فيه أنه لا يخالف جماعة المسلمين الدافعين لها إلى الإمام فكان كما ظن ولو صح عنده منعه للزكاة ما جاز له تركها عنده لأنها حق للمساكين يلزمه القيام لهم به وهذا فيمن منعها مقرًا بها إما جاحدًا فردة إجماعًا.
قال: والواجب أن يعظ الإمام من منع الزكاة ويوبخه فإن أصرّ على المنع أخذها منه جبرًا.



رقم الحديث 614 قَالَ مَالِكٌ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَانَ لَهُ مَا يَجُدُّ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ، وَمَا يَقْطُفُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ مِنَ الزَّبِيبِ، وَمَا يَحْصُدُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ مِنَ الْحِنْطَةِ، وَمَا يَحْصُدُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ مِنَ الْقِطْنِيَّةِ إِنَّهُ لَا يُجْمَعُ عَلَيْهِ بَعْضُ ذَلِكَ إِلَى بَعْضٍ.
وَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ زَكَاةٌ.
حَتَّى يَكُونَ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنَ التَّمْرِ، أَوْ فِي الزَّبِيبِ، أَوْ فِي الْحِنْطَةِ، أَوْ فِي الْقِطْنِيَّةِ، مَا يَبْلُغُ الصِّنْفُ الْوَاحِدُ مِنْهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْ تِلْكَ الْأَصْنَافِ مَا يَبْلُغُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ.
فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ.
وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَجُذَّ الرَّجُلُ مِنَ التَّمْرِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ.
وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهُ وَأَلْوَانُهُ، فَإِنَّهُ يُجْمَعُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ الزَّكَاةُ.
فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ.
وَكَذَلِكَ الْحِنْطَةُ كُلُّهَا السَّمْرَاءُ وَالْبَيْضَاءُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ، كُلُّ ذَلِكَ صِنْفٌ وَاحِدٌ.
فَإِذَا حَصَدَ الرَّجُلُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، جُمِعَ عَلَيْهِ بَعْضُ ذَلِكَ إِلَى بَعْضٍ، وَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ.
فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ.
وَكَذَلِكَ الزَّبِيبُ كُلُّهُ، أَسْوَدُهُ وَأَحْمَرُهُ، فَإِذَا قَطَفَ الرَّجُلُ مِنْهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ.
فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ.
وَكَذَلِكَ الْقِطْنِيَّةُ هِيَ صِنْفٌ وَاحِدٌ.
مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهَا وَأَلْوَانُهَا.
وَالْقِطْنِيَّةُ: الْحِمَّصُ وَالْعَدَسُ وَاللُّوبِيَا وَالْجُلْبَانُ وَكُلُّ مَا ثَبَتَ مَعْرِفَتُهُ عِنْدَ النَّاسِ أَنَّهُ قِطْنِيَّةٌ.
فَإِذَا حَصَدَ الرَّجُلُ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ بِالصَّاعِ الْأَوَّلِ، صَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَإِنْ كَانَ مِنْ أَصْنَافِ الْقِطْنِيَّةِ كُلِّهَا، لَيْسَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنَ الْقِطْنِيَّةِ فَإِنَّهُ يُجْمَعُ ذَلِكَ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ، وَعَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ فَرَّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَيْنَ الْقِطْنِيَّةِ وَالْحِنْطَةِ فِيمَا أُخِذَ مِنَ النَّبَطِ.
وَرَأَى أَنَّ الْقِطْنِيَّةَ كُلَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ.
فَأَخَذَ مِنْهَا الْعُشْرَ، وَأَخَذَ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالزَّبِيبِ نِصْفَ الْعُشْرِ قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ يُجْمَعُ الْقِطْنِيَّةُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ حَتَّى تَكُونَ صَدَقَتُهَا وَاحِدَةً، وَالرَّجُلُ يَأْخُذُ مِنْهَا اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحِنْطَةِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ؟ قِيلَ لَهُ: فَإِنَّ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ يُجْمَعَانِ فِي الصَّدَقَةِ.
وَقَدْ يُؤْخَذُ بِالدِّينَارِ أَضْعَافُهُ فِي الْعَدَدِ مِنَ الْوَرِقِ يَدًا بِيَدٍ قَالَ مَالِكٌ: فِي النَّخِيلِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيَجُذَّانِ مِنْهَا ثَمَانِيَةَ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ: إِنَّهُ لَا صَدَقَةَ عَلَيْهِمَا فِيهَا.
وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا مِنْهَا مَا يَجُذُّ مِنْهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَلِلْآخَرِ مَا يَجُذُّ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ، كَانَتِ الصَّدَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ وَلَيْسَ عَلَى الَّذِي جَذَّ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا، صَدَقَةٌ.
وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ فِي الشُّرَكَاءِ كُلِّهِمْ.
فِي كُلِّ زَرْعٍ مِنَ الْحُبُوبِ كُلِّهَا يُحْصَدُ، أَوِ النَّخْلُ يُجَدُّ أَوِ الْكَرْمُ يُقْطَفُ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَجُدُّ مِنَ التَّمْرِ، أَوْ يَقْطِفُ مِنَ الزَّبِيبِ، خَمْسَةَ أَوْسُقٍ.
أَوْ يَحْصُدُ مِنَ الْحِنْطَةِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ.
فَعَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَمَنْ كَانَ حَقُّهُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلَا صَدَقَةَ عَلَيْهِ.
وَإِنَّمَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَى مَنْ بَلَغَ جُدَادُهُ أَوْ قِطَافُهُ أَوْ حَصَادُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا، أَنَّ كُلَّ مَا أُخْرِجَتْ زَكَاتُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا، الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْحُبُوبِ كُلِّهَا، ثُمَّ أَمْسَكَهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ أَنْ أَدَّى صَدَقَتَهُ سِنِينَ.
ثُمَّ بَاعَهُ، أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِهِ زَكَاةٌ، حَتَّى يَحُولَ عَلَى ثَمَنِهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ بَاعَهُ.
إِذَا كَانَ أَصْلُ تِلْكَ الْأَصْنَافِ مِنْ فَائِدَةٍ أَوْ غَيْرِهَا.
وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ.
وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ وَالْحُبُوبِ وَالْعُرُوضِ يُفِيدُهَا الرَّجُلُ ثُمَّ يُمْسِكُهَا سِنِينَ.
ثُمَّ يَبِيعُهَا بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ، فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِهَا زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ بَاعَهَا.
فَإِنْ كَانَ أَصْلُ تِلْكَ الْعُرُوضِ لِلتِّجَارَةِ فَعَلَى صَاحِبِهَا فِيهَا الزَّكَاةُ حِينَ يَبِيعُهَا، إِذَا كَانَ قَدْ حَبَسَهَا سَنَةً، مِنْ يَوْمَ زَكَّى الْمَالَ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ.



( ما لا زكاة فيه من الثمار)

( قال مالك: إن الرجل إذا كان له ما يجد) بضم الجيم ودال مهملة ومعجمة يصرم ويقطع ( منه أربعة أوسق من التمر) قال في القاموس في باب الذال المعجمة الجذ الإسراع والقطع المستأصل وقال في الدال المهملة من جملة معان والقطع وصرام النخل كالجداد انتهى والصرام قطع الثمرة قال تعالى: { { لَيَصْرِمُنَّهَا } } أي يقطعون ثمرها ( وما يقطف) بكسر الطاء وضمها يقطع ( منه أربعة أوسق من الزبيب وما يحصد) بكسر الصاد وضمها ( منه أربعة أوسق من الحنطة وما يحصد منه أربعة أوسق من القطنية) بكسر القاف وضمها لغة ( أنه لا يجمع عليه بعض ذلك إلى بعض) لاختلاف الجنس ( وأنه ليس عليه في شيء من ذلك زكاة حتى تكون في الصنف الواحد من التمر) بفوقية ( أو في الزبيب أو في الحنطة أو في القطنية ما يبلغ النصف الواحد منه خمسة أوسق) ستين صاعًا ( بصاع النبي صلى الله عليه وسلم) لأنها أصناف مختلفة المنافع متباينة الأغراض فلا يضاف بعضها إلى بعض ليكمل النصاب ( كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة) ومن عنده خمسة أوسق من تمر أو زبيب ليس عنده خمسة من تمر ( وإن كان في الصنف الواحد من تلك الأصناف) على اختلاف أنواعها ( ما يبلغ خمسة أوسق ففيه الزكاة فإن لم يبلغ خمسة أوسق فلا زكاة فيه وتفسير ذلك أن يجذ) يقطع ( الرجل من التمر) للنخل ( خمسة أوسق وإن اختلف أسماؤه) كبرني وصيحاني ( وألوانه) أجناسه قال بعضهم وأهل المدينة يسمون النخل كله الألوان ما خلا البرني والعجوة وقال أبو حاتم الألوان الدقل ( فإنه يجمع بعضه إلى بعض ثم يؤخذ من ذلك الزكاة فإن لم يبلغ ذلك) أي خمسة أوسق وفي نسخة فإن لم يبلغها ( فلا زكاة فيه) لنقص النصاب ( وكذلك الحنطة كلها السمراء) تأنيث أسمر سميت به لسمرتها ( والبيضاء) تأنيث الأبيض لبياضها ( والشعير والسلت كل ذلك صنف واحد) لتقارب منافعها ( فإذا حصد الرجل من ذلك كله خمسة أوسق جمع عليه بعض ذلك إلى بعض ووجبت فيه الزكاة فإن لم يبلغ ذلك فلا زكاة فيه) وبهذا قال الحسن وطاوس والزهري وعكرمة وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وأبو ثور لا تضم كل حبة عرفت باسم منفرد دون صاحبتها وهي خلافها في الخلقة والطعم إلى غيرها قال الباجي ولا يتجه بيننا وبين أبي حنيفة اختلاف في الحكم لأنه لا يراعى النصاب في الحبوب فهو يزكي القليل والكثير منها قال ورأى مالك ومن وافقه أنها متقاربة المنافع مثل الذهب الجيد والرديء والضأن والمعز والبخت والعراب فمنافع القمح والشعير والسلت متقاربة ولا ينفك بعضها عن بعض في المنبت والمحصد والأظهر عندي تعليل ذلك بتشابه الحنطة والسلت في الصورة والمنفعة وهما أقرب تشابها من الحنطة والعلس وقد سلم لنا المخالف العلس فيلزمه تسليم السلت ويلحق به الشعير فإن الأمة على قولين الثلاثة صنف واحد أو أصناف فمن قال السلت والحنطة صنف والشعير صنف ثان فقد خالف الإجماع فإذا ثبت ذلك فالزكاة مبنية على المواساة فإذا قصر صنف عن احتمالها وعنده صنف منفعته مع المقصر واحدة ومقصودهما سواء وبلغا جميعًا قدرًا يحمل المواساة وهو النصاب جمعًا واحتملا المواساة ولا ينظر إلى اختلاف الأسماء مع اتفاق المنافع ( وكذلك الزبيب كله أسوده وأحمره فإذا قطف الرجل منه خمسة أوسق وجبت فيه الزكاة فإن لم يبلغ ذلك فلا زكاة فيه) لنقصه عن النصاب ( وكذلك القطنية هي صنف واحد) كلها في الزكاة يجمع بعضها إلى بعض ( مثل الحنطة) كلها صنف ( والتمر والزبيب) كل واحد منهما صنف ( وإن اختلفت أسماؤها وألوانها) أجناسها قال أبو عمر أجمعوا على أنه لا يجمع تمرًا إلى زبيب فصار أصلاً يقاس عليه ( والقطنية الحمص) بكسر الحاء وشد الميم مكسورة عند البصريين مفتوحة عند الكوفيين ( والعدس واللوبيا والجلبان) وترمس وبسيلة والفول كما أفاده بقوله ( وكل ما ثبت معرفته عند الناس أنه قطنية) لإقامته وهو الفول والبسيلة والترمس وليس منها الكرسنة على المذهب كما مر ( فإذا حصد الرجل من ذلك خمسة أوسق بالصاع الأول صاع النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان) المحصود ( من أصناف القطنية) السبعة ( كلها ليس من صنف واحد من القطنية فإنه يجمع ذلك بعض إلى بعض) بدل من ذلك ( وعليه فيه الزكاة) لتقارب المنافع ( قال مالك وقد فرق عمر بن الخطاب بين القطنية والحنطة فيما أخذ من النبط) بفتح النون والموحدة النصارى التجار لما قدموا المدينة بالتجارة ( ورأى أن القطنية كلها صنف واحد فأخذ منها العشر وأخذ من الحنطة والزبيب نصف العشر) يريد أن يكثر الحمل إلى المدينة كما يأتي في عشور أهل الذمة ( قال مالك فإن قال قائل كيف يجمع القطنية بعضها إلى بعض في الزكاة حتى تكون صدقتها واحدة والرجل يأخذ) أي يشتري ( منها) من القطاني ( اثنين بواحد) كأردبين لوبيا بأردب عدس ( يدًا بيد) أي مناجزة ( ولا يؤخذ من الحنطة اثنان بواحد يدًا بيد قيل له) في الجواب لا تلازم بين البابين ( فإن الذهب والورق يجمعان في الصدقة وقد يؤخذ بالدينار أضعافه في العدد من الورق يدًا بيد) فليست المسألة مبنية على تحريم التفاضل فيها حتى يأتي سؤالك فقد يحرم التفاضل في أشياء وليست بجنس واحد في الزكاة وقد يباح وهو جنس واحد كالذهب والفضة فالزكاة لا تعتبر فيها المجانسة العينية بل تقارب المنفعة وإن اختلفت العين رفقًا بالفقراء بخلاف البيع بدليل أن الذهب والفضة جنس واحد في الزكاة وهما جنسان في البيع كما أشار له الإمام رحمه الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب والفضة بالفضة إلى أن قال فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان ذلك يدًا بيد ( قال مالك في النخيل يكون بين الرجلين فيجذان منها ثمانية أوسق من التمر أنه لا صدقة عليهما فيها) لنقص كل عن النصاب ( وأنه إن كان لأحدهما منها ما يجذ منه خمسة أوسق وللآخر ما يجذ أربعة أوسق أو أقل من ذلك) أو أزيد ولم يبلغ خمسة ( في أرض واحدة كانت الصدقة على صاحب الخمسة الأوسق) لبلوغ النصاب ( وليس على الذي جذ أربعة أوسق أو أقل منها صدقة) لأنه لم يملك نصابًا ( وكذلك العمل في الشركاء كلهم في كل زرع من الحبوب كلها) التي فيها الزكاة ( يحصد أو النخل يجذ أو الكرم يقطف) زبيبه ( فإنه إذا كان كل رجل منهم يجذ من التمر أو يقطف من الزبيب خمسة أوسق أو يحصد من الحنطة) وما ضاهاها في أن فيه الزكاة ( خمسة أوسق فعليه فيه الزكاة ومن كان حقه أقل من خمسة أوسق فلا صدقة عليه وإنما تجب الصدقة على من بلغ جذاذه أو قطافه أو حصاده خمسة أوسق) فالمعتبر ملك كل رجل خاصة وبهذا قال الكوفيون وأحمد وأبو ثور وحجتهم حديث ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة وهو أصح ما في الباب وقال الشافعي الشركاء في الزرع والذهب والورق والماشية يزكون زكاة الواحد واحتج بأن السلف كانوا يأخذون الزكاة من الحوائط الموقوفة على جماعة وليس في حصة كل واحد منهم ما تجب فيه الزكاة والشركاء أولى بهذا المعنى من خلطاء الماشية وأجاب ابن زرقون بأن زكاة الحائط الموقوف على ملك الواقف وهو واحد ولا كذلك الشركاء انتهى.
وأما الخلطاء فقد اشترطنا أيضًا أن يملك كل نصابًا وإنما زكوا كالواحد تنزيلاً لهم منزلته لنص وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية وظهرت حكمة ذلك بالارتفاق في الراعي ونحوه ( قال مالك السنة عندنا أن كل ما أخرجت زكاته من هذه الأصناف كلها الحنطة والتمر والزبيب والحبوب كلها ثم أمسكه صاحبه بعد أن أدى صدقته) يوم حصاده ( سنين) ظرف لأمسكه ( ثم باعه أنه ليس عليه في ثمنه زكاة حتى يحول على ثمنه الحول من يوم باعه إذا كان أصل تلك الأصناف من فائدة أو غيرها) يعني لا فرق بين كون أصلها فائدة أو غيرها في أنه يستقبل بثمنها ( و) الحال ( أنه لم يكن للتجارة وإنما ذلك بمنزلة الطعام والحبوب والعروض يفيدها الرجل ثم يمسكها سنين ثم يبيعها بذهب أو ورق فلا تكون عليه في ثمنها زكاة حتى يحول عليها الحول من يوم باعها) وهذا إذا كان للقنية كما قال ولم يكن للتجارة وذكر مفهومه بقوله ( فإن كان أصل تلك العروض للتجارة فعلى صاحبها فيها الزكاة حين يبيعها إذا كان قد حبسها سنة من يوم زكى المال الذي ابتاعها به) إن كان محتكرًا فإن كان مديرًا قومه بعد حول من يوم زكاه كما في المدوّنة عن ابن القاسم.



رقم الحديث 615 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ عَامِلًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَيْهِ يَذْكُرُ: أَنَّ رَجُلًا مَنَعَ زَكَاةَ مَالِهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَنْ دَعْهُ وَلَا تَأْخُذْ مِنْهُ زَكَاةً مَعَ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ.
فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ.
وَأَدَّى بَعْدَ ذَلِكَ زَكَاةَ مَالِهِ.
فَكَتَبَ عَامِلُ عُمَرَ إِلَيْهِ يَذْكُرُ لَهُ ذَلِكَ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ أَنْ خُذْهَا مِنْهُ.


( ما جاء في الصدقات والتشديد فيها)

( مالك أنه بلغه أن أبا بكر الصديق قال: لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه) وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك: أن العقال هو القلوص.
وقال محمد بن عيسى: هو واحد العقل التي يعقل بها الإبل لأن الذي يعطي البعير في الزكاة يلزمه أن يعطي معه عقاله أي لو أعطوني البعير ومنعوني ما يعقل به لجاهدتهم أو أراد المبالغة في تتبع الحق أو التقليل كما يقال والله لا تركت منها شعرة وقال أبو عبيدة العقال صدقة عام كما قال:

سعى عقالاً فلم يترك لنا سيدًا
فكيف لو قد سعى عمرو عقالين

وروي عناقًا أراد أيضًا التقليل لأن العناق لا تؤخذ في الصدقة عند طائفة من العلماء ولو كانت عناقًا كلها، قاله الباجي: واستبعد بعضهم قول أبي عبيدة بأنه تعسف وذهاب عن طريقة العرب لأن الكلام خرج مخرج التضييق والتشديد والمبالغة فيقتضي قلة ما علق به العقال وحقارته لا صدقة عام، وهذا البلاغ أخرجه الشيخان وغيرهما من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا هريرة قال: لما توفي صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر وكفر من كفر من العرب.
فقال عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله فقال: والله لأقاتلنّ من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها.
قال عمر: فوالله ما هو إلا أن شرح الله صدر أبي بكر فعرفت أنه الحق.
وبسط أبو داود وغيره اختلاف الرواة في أنه قال عناقًا أو عقالاً.

( مالك عن زيد بن أسلم أنه قال: شرب عمر بن الخطاب لبنًا فأعجبه فسأل الذي سقاه من أين هذا اللبن فأخبره أنه ورد على ماء قد سماه) ونسي اسمه أو لم يتعلق غرضه بتسميته ( فإذا نعم من نعم الصدقة وهم يسقون) النعم من ذلك الماء ( فحلبوا لي من ألبانها فجعلته في سقائي) بكسر السين وعائي ( فهو هذا فأدخل عمر بن الخطاب يده فاستقاءه) قال ابن عبد البر: مجمله عند أهل العلم أن الذي سقاه ليس ممن تحل له الصدقة إذ لعله غني أو مملوك فاستقاءه لئلا ينتفع به وأصله محظور وإن لم يأته قصدًا وهذا نهاية الورع ولعله أعطى مثل ذلك أو قيمته للمساكين، ولو كان الذي حلب هذا اللبن مستحقًا للصدقة لما حرم على عمر قصد شربه كما لم يحرم على النبي صلى الله عليه وسلم أكل اللحم الذي تصدق به على بريرة.
وقال: هو عليها صدقة ولنا هدية وما فعله عمر ليس بواجب لأنه استهلكه بالشرب ولا فائدة في قذفه إلا المبالغة في الورع وقد قال تعالى: { { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } } وسأل ابن مزين عيسى بن دينار: أيفعل ذلك رجل أصابه مثل هذا؟ فقال: نعم ما أحسن ذلك.
( قال مالك: الأمر عندنا) بالمدينة ( أن كل من منع فريضة من فرائض الله تعالى فلم يستطع المسلمون أخذها) منه ( كان حقًا) واجبًا ( عليهم جهاده حتى يأخذوها منه) بقتاله وأصل ذلك قتال الصديق مانعي الزكاة ثم إن كان مقرًّا بها فمسلم وإن جحدها فكافر إجماعًا.

( مالك أنه بلغه أن عاملاً) لم يسم ( لعمر بن عبد العزيز كتب إليه يذكر أن رجلاً منع زكاة ماله فكتب إليه أن دعه) اتركه ( ولا تأخذ منه زكاة مع المسلمين قال فبلغ ذلك الرجل فاشتدّ) قوي وعظم ( عليه) ذلك ( وأدّى بعد ذلك زكاة ماله فكتب عامل عمر إليه يذكر له ذلك فكتب إليه عمر أن خذها منه) قال ابن عبد البر: يحتمل أنه علم من الرجل منعها من العامل دون منعها من أهلها، ولم يكن عنده ممن يمنع الزكاة وتفرس فيه أنه لا يخالف جماعة المسلمين الدافعين لها إلى الإمام فكان كما ظن ولو صح عنده منعه للزكاة ما جاز له تركها عنده لأنها حق للمساكين يلزمه القيام لهم به وهذا فيمن منعها مقرًا بها إما جاحدًا فردة إجماعًا.
قال: والواجب أن يعظ الإمام من منع الزكاة ويوبخه فإن أصرّ على المنع أخذها منه جبرًا.



رقم الحديث 615 قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا، وَالَّذِي سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْفَوَاكِهِ كُلِّهَا صَدَقَةٌ: الرُّمَّانِ، وَالْفِرْسِكِ وَالتِّينِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَمَا لَمْ يُشْبِهْهُ.
إِذَا كَانَ مِنَ الْفَوَاكِهِ.
قَالَ: وَلَا فِي الْقَضْبِ وَلَا فِي الْبُقُولِ كُلِّهَا صَدَقَةٌ.
وَلَا فِي أَثْمَانِهَا إِذَا بِيعَتْ صَدَقَةٌ، حَتَّى يَحُولَ عَلَى أَثْمَانِهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ بَيْعِهَا، وَيَقْبِضُ صَاحِبُهَا ثَمَنَهَا وَهُوَ نِصَابٌ.



( ما لا زكاة فيه من الفواكه والقضب)

بضاد معجمة ساكنة ( والبقول)

جمع فاكهة، وهي ما يتفكه أي يتنعم بأكله رطبًا كان أو يابسًا كالتين والبطيخ والزبيب والرطب والرمان وقوله تعالى: { { فيهما فاكهة ونخل ورمان } } قال أهل اللغة: إنما خص ذلك بالذكر لأن العرب تذكر الأشياء مجملة ثم تخص منها شيئًا بالتسمية تنبيهًا على فضل فيه، ومثله قوله: { { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم } } وكذلك: { { من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال } } فكما أنّ إخراج محمد ومن بعده من النبيين وجبريل وميكال من الملائكة ممتنع كذلك إخراج النخل والرمان من الفاكهة ممتنع.
قال الأزهري: ولم أعلم أحدًا من العرب قال النخل والرمان ليسا من الفاكهة، ومن قال ذلك من الفقهاء فلجهله بلغة العرب وبتأويل القرآن.
وكما يجوز ذكر الخاص بعد العامّ للتفضيل كذلك يجوز ذكر العامّ بعد الخاص للتفضيل قال تعالى: { { ولقد آتيناك سبعًا من المثاني والقرآن العظيم } }

( قال مالك: السنة التي لا اختلاف فيها عندنا والذي سمعت من أهل العلم أنه ليس في شيء من الفواكه كلها) سوى التمر والزبيب ( صدقة الرمان والفرسك) بكسر الفاء والسين بينهما راء ساكنة آخره كاف الخوخ أو ضرب منه أحمر أجود أو ما ينفلق عن نواه ( والتين) قال الباجي عده من الفواكه التي لا زكاة فيها لأنها إنما شرعت فيما يقتات ولم يكن التين يقتات بالمدينة وإنما يستعملونه تفكهًا وإن كان بالأندلس قوتًا ويحتمل أصله تعلق الزكاة بالتين قياسًا على الزبيب والتمر قال ابن عبد البر أظنه لم يعلم أنه ييبس ويدخر ويقتات كالتمر والزبيب والأشهر عند أهل المغرب لا زكاة في التين إلا ابن حبيب وذهب جماعة من البغداديين إسماعيل والأبهري وغيرهما إلى أن فيه الزكاة وكانوا يفتون به ويرونه مذهب مالك على أصوله وهو مكيل يراعى فيه خمسة أوسق وما كان مثلها وزنًا كالتمر والزبيب ( وما أشبه ذلك وما لم يشبهه إذا كان من الفواكه) كإجاص وكمثرى وقثاء وبطيخ وشبهها مما لا ييبس وجوز ولوز وبندق وشبه ذلك وإن ادخر قال أبو عمر لا زكاة باتفاق مالك وأصحابه ابن زرقون أظنه لم ير قول ابن حبيب في إيجابه الزكاة في ذلك كله انتهى أو أراد بأصحابه خصوص من لقيه لا أهل مذهبه وهذا أمثل بمزيد حفظ ابن عبد البر ووسع اطلاعه ( قال ولا في القضب) بفتح القاف وإسكان الضاد المعجمة الفصفصة نبات يشبه البرسيم يعلف للدواب وليس بصاد مهملة لأن قصب السكر داخل في الفواكه ( ولا في البقول) جمع بقل وهو كل نبات اخضرت به الأرض قاله ابن فارس ( كلها صدقة ولا في أثمانها إذا بيعت صدقة حتى يحول على أثمانها الحول من يوم بيعها ويقبض صاحبها ثمنها) وهو نصاب.