فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ إِعَادَةِ الْجُنُبِ الصَّلَاةَ . وَغُسْلِهِ إِذَا صَلَّى وَلَمْ يَذْكُرْ .

رقم الحديث 38 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إِذَا نَامَ أَحَدُكُمْ مُضْطَجِعًا فَلْيَتَوَضَّأْ.


وُضُوءِ النَّائِمِ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عبد الله بن ذكوان ( عَنِ الْأَعْرَجِ) عبد الرحمن بن هرمز ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ) ندبًا ( يَدَهُ) بالإفراد زاد مسلم وغيره ثلاثًا وفي رواية ثلاث مرات ( قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ) بفتح الواو الماء الذي يتوضأ به أي في الإناء المعد للوضوء، ولمسلم في الإناء ولابن خزيمة في إنائه أو وضوئه على الشك، ولمسلم وابن خزيمة وغيرهما من طرق فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها وهي أبين في المراد من رواية الإدخال لأن مطلق الإدخال لا يترتب عليه كراهة كمن أدخل يده في إناء واسع فاغترف منه بإناء صغير لم يلامس يده الماء.

قال الحافظ: والظاهر اختصاص ذلك بإناء الوضوء ويلحق به إناء الغسل وكذا في الآنية قياسًا لكن في الاستحباب بلا كراهة لعدم النهي فيها عن ذلك وخرج بالإناء البرك والحياض التي لا تفسد بغمس اليد فيها على تقدير نجاستها فلا يتناولها الأمر والنهي للاستحباب عند الجمهور لأنه علله بالشك في قوله ( فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ) أي كفه لا ما زاد عليه اتفاقًا.
زاد ابن خزيمة والدارقطني منه أي من جسده أي هل لاقت مكانًا طاهرًا منه أو نجسًا أو بثرة أو جرحًا أو أثر الاستنجاء بالأحجار بعد بلل الماء أو اليد بنحو عرق، ومقتضاه إلحاق من شك في ذلك ولو مستيقظًا.
ومفهومه أن من درى أين باتت يده كمن لف عليها خرقة مثلاً فاستيقظ وهي على حالها لا كراهة وإن سن غسلها كالمستيقظ، ومن قال الأمر للتعبد كمالك لا يفرق بين شاك ومتيقن وحمله أحمد على الوجوب في نوم الليل دون النهار وعنه في رواية استحبابه في نوم النهار واتفقوا على أنه لو غمس يده لم يضر الماء.

وقال إسحاق وداود والطبري: ينجس لأمره بإراقته بلفظ فإن غمس يده في الإناء قبل أن يغسلها فليرق ذلك الماء لكنه حديث ضعيف أخرجه ابن عدي وقال هذه زيادة منكرة لا تحفظ والقرينة الصارفة للأمر عن الوجوب التعليل بأمر يقتضي الشك لأنه لا يقتضي وجوبًا استصحابًا لأصل الطهارة.

واحتج أبو عوانة بوضوئه صلى الله عليه وسلم من الشن بعد قيامه من الليل وتعقب بأن قوله أحدكم يقتضي اختصاصه بغيره.
وأجيب: بأنه صح عنه غسل يديه قبل إدخالهما الإناء في حديث اليقظة فبعد النوم أولى ويكون تركه لبيان الجواز وأيضًا فقد قال في روايات لمسلم وأبي داود وغيرهما فليغسلهما ثلاثًا، وفي رواية ثلاث مرات والتقييد بالعدد في غير النجاسة العينية يدل على السنية.

وفي رواية لأحمد فلا يضع يده في الوضوء حتى يغسلها والنهي للتنزيه فإن ترك كره وهذا لمن قام من النوم كما دل عليه مفهوم الشرط وهذا حجة عند الجمهور، أما المستيقظ فيطلب بالفعل ولا يكره الترك لعدم ورود نهي عنه.
وقال البيضاوي: فيه إيماء إلى أن الباعث على الأمر بذلك احتمال النجاسة لأن الشارع إذا ذكر حكمًا وعقبه بعلة دل على أن ثبوت الحكم لأجلها ومثله قوله في حديث المحرم الذي سقط فمات فإنه يبعث ملبيًا بعد نهيهم عن تطييبه فنبه على علة النهي وهي كونه محرمًا.

وعبارة الشيخ أكمل الدين: إذا ذكر الشارع حكمًا وعقبه أمرًا مصدرًا بالفاء كان ذلك إيماء إلى ثبوت الحكم لأجله نظيره قوله: الهرة ليست نجسة فإنها من الطوافين عليكم والطوافات وعموم قوله من نومه يشمل النهار.

وبه قال الجمهور وخصه أحمد بنوم الليل لقوله باتت لأن حقيقة البيات بالليل ولأبي داود والترمذي من وجه آخر إذا قام أحدكم من الليل، ولأبي عوانة إذا قام أحدكم إلى الصلاة حين يصبح لكن التعليل يقتضي إلحاق نوم النهار بنوم الليل وإنما خصه للغلبة.

قال الرافعي في شرح المسند: يمكن أن يقال الكراهة في الغمس لمن نام ليلاً أشد لمن نام نهارًا لأن الاحتمال في نوم الليل أقرب لطوله عادة.

وفي الدارقطني عن جابر فإنه لا يدري أين باتت يده ولا على ما وضعها.

ولأبي داود عن أبي هريرة فإنه لا يدري أين باتت يده أو أين كانت تطوف.
قال الولي العراقي: يحتمل أنه شك من بعض رواته وهو الأقرب ويحتمل أنه ترديد من النبي صلى الله عليه وسلم وذكر غير واحد أن بات بمعنى صار وإن كان أصلها للكون ليلاً كما قاله الخليل وغيره.

واستشكل هذا التركيب بأن انتفاء الدراية لا يتعلق بلفظ أين باتت يده ولا بمعناه لأن معناه الاستفهام ولا يقال إنه لا يدري الاستفهام.
وأجيب: بأن معناه لا يدري تعيين الموضع الذي باتت فيه يده ففيه مضاف محذوف وليس استفهامًا وإن كان على صورته وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به لكنه وصله بالحديث السابق إذا توضأ أحدكم فقال عقب فليوتر وإذا استيقظ قال الحافظ فاقتضى سياقه أنه حديث واحد وليس هو كذلك في الموطأ.

وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من الموطأ من رواية عبد الله بن يوسف شيخ البخاري مفرقًا وكذا هو في موطأ يحيى بن بكير وغيره وكذا فرقه الإسماعيلي من حديث مالك وأخرج مسلم الحديث الأول من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد والثاني من طريق المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد وعلى هذا فكان البخاري يرى جمع الحديثين إذا اتحد سندهما في سياق واحد كما يرى جواز تفريق الحديث الواحد إذا اشتمل على حكمين مستقلين انتهى.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ إِذَا نَامَ أَحَدُكُمْ مُضْطَجِعًا فَلْيَتَوَضَّأْ) وجوبًا لانتقاض وضوئه وهذا ونحوه محمول عند مالك على ما إذا كان ثقيلاً ولو قصر لا إن خف إلا أن يطول فيستحب الوضوء لأن العبرة عنده بصفة النوم لا النائم واعتبر الشافعي صفة النائم لا النوم.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) العدوي وكان من العلماء بالتفسير وله كتاب فيه ( أَنَّ تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ) وهي { { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ } } أي معها كما بينته السنة ففي مسلم وغيره أن أبا هريرة توضأ فغسل وجهه ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد الحديث.
ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وكذا الإجماع كما حكاه الشافعي فهو حجة على زفر لانعقاد الإجماع قبله على خلافه كما مر { { وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ } } أي رؤوسكم كلها بالماء فزيدت الباء لتفيد ممسوحًا به { { وَأَرْجُلَكُمْ } } بالنصب عطفًا على أيديكم والجر على الجوار { { إِلَى الْكَعْبَينِ } } أي معهما كما بينته السنة ( أَنَّ ذَلِكَ إِذَا قُمْتُمْ مِنَ الْمَضَاجِعِ يَعْنِي النَّوْمَ) .
وهذا التفسير موافق لقول أكثر السلف أن التقدير إذا قمتم محدثين وقيل لا تقدير بل الأمر على عمومه لكنه في حق المحدث على الإيجاب وفي غيره على الندب واختلف العلماء أيضًا في موجب الوضوء فقيل يجب بالحدث وجوبًا موسعًا وقيل به وبالقيام إلى الصلاة معًا، ورجحه جماعة من الشافعية وقيل بالقيام إلى الصلاة فقط لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة رواه أصحاب السنن عن ابن عباس، واستنبط بعض العلماء من الآية إيجاب النية في الوضوء لأن التقدير إذا أردتم القيام إلى الصلاة فتوضؤوا لأجلها ومثله قولهم إذا رأيت الأمير فقم لأجله.

( قَالَ مالِكٍ: الْأَمْرُ) المعمول به ( عِنْدَنَا) بالمدينة ( أَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ رُعَافٍ) خروج الدم من الأنف ( وَلَا مِنْ دَمٍ) خرج من الجسد ولو بحجامة وفصد ( وَلَا مِنْ قَيْحٍ يَسِيلُ مِنَ الْجَسَدِ) وفي رواية ولا من شيء يسيل وهي أعم وسواء كان طاهرًا أو نجسًا لأن الوضوء المجمع عليه لا ينتقض إلا بسنة أو إجماع ولم يرد في ذلك سنة ولا إجماع.

( وَلَا يَتَوَضَّأُ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ يَخْرُجُ مِنْ ذَكَرٍ) وهو البول والمذي والمني في بعض أحواله ( أَوْ دُبُرٍ) وهو الغائط والريح ولو بلا صوت ( أَوْ نَوْمٍ) ثقيل.
زاد ابن بكير أو مباشرة أي لمس بلذة أو قصد وذكر النوم مع الحدث لأن النوم إذا ثقل كان من باب الحدث في الأغلب، وكذا يتوضأ من مس الذكر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ فقال رجل من حضرموت ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط رواه البخاري وغيره، وإنما فسره أبو هريرة بهما تنبيهًا بالأخف على الأغلظ، وأنه أجاب السائل بما يحتاج إلى معرفته في غالب الأمور وإلا فالحدث يطلق على الخارج المعتاد وعلى نفس الخروج وعلى الوصف الحكمي المقدر قيامه بالأعضاء قيام الأوصاف الحسية وعلى المنع من العبادة المترتب على كل واحد من الثلاثة، وقد جعل في الحديث الوضوء رافعًا للحدث فلا يعني به الخارج ولا نفس الخروج لأن الواقع لا يرتفع فلم يبق إلا أنه يعني المنع والصفة.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَنَامُ جَالِسًا ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ) لأن النوم ليس بحدث وإنما هو سبب وقد كان نومه خفيفًا أو أنه كان مستثفرًا سادًّا مخرجه والله أعلم.



رقم الحديث 110 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَبَّرَ فِي صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنِ امْكُثُوا، فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَى جِلْدِهِ أَثَرُ الْمَاءِ.


( مَالِكٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) القرشي مولاهم المدني روى عن ابن المسيب وعروة والقاسم وغيرهم، وعنه مالك وابن إسحاق، وثقه ابن معين والنسائي، وروى له هو ومسلم وأبو داود وابن ماجه، وكان عاملاً لعمر بن عبد العزيز، مات سنة ثلاثين ومائة.
له مرفوعًا في الموطأ أربعة أحاديث.

( أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ) أخا سليمان وعبد الله وعبد الملك موالي ميمونة أم المؤمنين كاتبتهم وكلهم أخذ عنه العلم، وعطاء أكثرهم حديثًا، وسليمان أفقههم، والآخران قليلا الحديث وكلهم ثقة رضى.

( أَخْبَرَهُ) مرسل رواه الشيخان وأبو داود والنسائي من طريق الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة بنحوه، وأخرجه أبو داود من حديث أبي بكرة ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فِي صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ) هي الصبح روى أبو داود وابن حبان عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فكبر ثم أومأ إليهم، ويعارضه ما في الصحيحين عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم خرج وقد أقيمت الصلاة وعدّلت الصفوف حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر فانصرف، وفي رواية فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب فقال لنا مكانكم فظاهره أنه انصرف قبل أن يدخل في الصلاة ويمكن الجمع بينهما بحمل قوله كبر على أنه أراد أن يكبر أو بأنهما واقعتان أبداه عياض والقرطبي احتمالاً، وقال النووي: إنه الأظهر، وجزم به ابن حبان كعادته فإن ثبت وإلاّ فما في الصحيح أصح كذا في الفتح.
وقال أبو عمر: من قال إنه كبّر زاد زيادة حافظ يجب قبولها.

( ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنِ امْكُثُوا) مثله في رواية أبي هريرة عند الإسماعيلي فقوله في رواية الصحيحين فقال لنا مكانكم من إطلاق القول على الفعل، ويحتمل أنه جمع بين الإشارة والكلام ( فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَى جِلْدِهِ أَثَرُ الْمَاءِ) .
وفي حديث أبي هريرة ثم رجع فاغتسل ثم رجع إلينا ورأسه يقطر فكبّر.
وفي رواية فمكثنا على هيئتنا حتى خرج إلينا رأسه ينطف ماء وقد اغتسل، وفي رواية فصلى بهم كما في الصحيحين زاد الدارقطني فقال: إني كنت جنبًا فنسيت أن أغتسل وفيه جواز النسيان على الأنبياء في أمر العبادة للتشريع وطهارة الماء المستعمل وجواز الفصل بين الإقامة والصلاة لأنه قوله فكبر وقوله فصلى بهم ظاهر في أن الإقامة لم تعد، والظاهر أنه مقيد بالضرورة وبأمن خروج الوقت.

وعن مالك: إذا بعدت الإقامة من الإحرام تعاد وينبغي حمله على ما إذا لم يكن عذر كذا في الفتح.

وقال النووي: هذا محمول على قرب الزمان فإن طال فلا بدّ من إعادة الإقامة قال ويدل على قرب الزمان في هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم مكانكم.
وقوله وخرج إلينا ورأسه يقطر.

وقال أبو العباس القرطبي: مذهب مالك أن التفريق إن كان لغير عذر ابتدأ الإقامة طال التفريق أو لا كما قال في المدونة في المصلي بثوب نجس يقطع الصلاة ويستأنف الإقامة، وكذلك قال في القهقهة وإن كان لعذر فإن طال استأنف الإقامة وإلا بنى عليها وفيه أنه لا حياء في الدين، وسبيل من غلب أن يأتي بأمر موهم كأن يمسك بأنفه ليوهم أنه رعف وفيه أنه لا يتيمم قبل الخروج من المسجد خلافًا للثوري وإسحاق وبعض المالكية من نام في المسجد فاحتلم وجب عليه التيمم قبل الخروج.

واحتج به الشافعي ومن وافقه على جواز تكبير المأموم قبل الإمام لأنهم لم يكبروا بعد تكبيره الواقع بعدما اغتسل بل اكتفوا بتكبيرهم أولاً.
وقال علي عن مالك هذا خاص للنبي صلى الله عليه وسلم، ودعوى ابن بطال أن الشافعي ناقض أصله في الاحتجاج بالمرسل متعقبة بأنه لا يرد المرسل مطلقًا بل يحتج منه بما اعتضد، وهنا كذلك لاعتضاده بحديث أبي بكرة وفيه تخصيص ما رواه مسلم وأبو داود وغيرهما عن أبي هريرة أنه رأى رجلاً قد خرج من المسجد بعد أن أذن المؤذن فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم بمن ليست له ضرورة فيلحق بالجنب المحدث والراعف والحاقن ونحوهم وكذا من يكون إمامًا بمسجد آخر، وقد رواه الطبراني في الأوسط فصرح برفعه وبالتخصيص فقال عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يسمع النداء في مسجدي ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق.

( مالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ زُيَيْدِ) بضم الزاي ومثناتين من تحت ( بْنِ الصَّلْتِ) بن معد يكرب الكندي أخو كثير بن الصلت المولود في العهد النبوي وقدم عمومتهم على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا ورجعوا إلى اليمن ثم ارتدوا وقتلوا زمن الصديق، وهاجر كثير وأخواه زبيد وعبد الرحمن إلى المدينة فسكنوها.
روى زبيد عن أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم قال ابن الحذاء: هو قاضي المدينة زمن هشام بن عبد الملك.
قال الحافظ: وهو بعيد وأظن قاضي المدينة ولده الصلت بن زييد يعني شيخ مالك تقدمت روايته عنه في المذي.

( أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَى الْجُرُفِ) بضم الجيم والراء وفاء.
قال الرافعي: على ثلاثة أميال من المدينة من جانب الشام كذا ضبطه بضمتين الحافظ والسيوطي وغيرهما واقتصر المجد على أنه بسكون الراء وكذا المصباح فقال: الجرف بضم الراء وتسكن للتخفيف ما جرفته السيول وأكلته من الأرض وبالمخفف تسمى ناحية قريبة من أعمال المدينة على نحو من ثلاثة أميال.

( فَنَظَرَ) في ثوبه كما في الرواية التالية ( فَإِذَا هُوَ قَدِ احْتَلَمَ) رأى في منامه رؤيا أي رأى في ثوبه أثر الاحتلام وهو المني ( وَصَلَّى وَلَمْ يَغْتَسِلْ) لعدم رؤيته لذلك قبل الصلاة ( فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَانِي إِلَّا احْتَلَمْتُ وَمَا شَعَرْتُ) بفتحتين أي علمت ( وَصَلَّيْتُ وَمَا اغْتَسَلْتُ.
قَالَ: فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ)
من أثر الاحتلام ( وَنَضَحَ) أي رش ( مَا لَمْ يَرَ) فيه أذى لأنه شك هل أصابه المني أم لا.
ومن شك في إصابة النجاسة لثوب وجب نضحه تطييبًا للنفس ومدافعة للشيطان ففيه دليل على نجاسة المني عنده، ولو لم يكن علته إلا خروجه من مخرج البول والمذي والودي لكفى، وقول الرافعي يحتمل أن غسله لأنه استنجى بالحجر وأنه كان نظيفًا ولذا نضح ما لم ير فيه شيئًا مبالغة في التنظيف بناءً على مذهبه من طهارة المني وفي احتماله بعد إذ لم يكن يشتغل بغسل شيء طاهر قبل الصلاة خصوصًا وكان الوقت قد ضاق لأن وقت الفائتة ذكرها وقد قال: ( وَأَذَّنَ أَوْ أَقَامَ) بالشك ( ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى مُتَمَكِّنًا) في الارتفاع هذا ظاهره، وقال أبو عبد الملك: يريد متمكنًا في غسله وفي فعله كله.

( مَالِكٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) السابق ( عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) الهلالي المدني أحد الفقهاء السبعة ( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا) ذهب أول النهار ( إِلَى أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا فَقَالَ: لَقَدِ ابْتُلِيتُ بِالِاحْتِلَامِ مُنْذُ وُلِّيتُ أَمْرَ النَّاسِ) .
قال ابن عبد البر: ذلك والله أعلم لاشتغاله بأمرهم ليلاً ونهارًا عن النساء فكثر عليه الاحتلام.
وقال الباجي: يحتمل ذلك، ويحتمل أن ذلك كان وقتًا لابتلائه به لمعنى من المعاني ووقته بما ذكر من ولايته.

( فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ مِنَ الِاحْتِلَامِ) وهو المني وهذا صريح في دفع احتمال الرافعي في سابقه ( ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ) وعلت في ارتفاعها كما في الذي قبله.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ) فصرح في هذا الطريق بأن صلاته كانت بالناس ( ثُمَّ غَدَا إِلَى أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ) فيه أن الإمام ومن ولي شيئًا من أمر المسلمين له أن يتعاهد ضيعته وأمور دنياه.
وروى ابن حبيب عن مالك: لا بأس أن يطلع القاضي ضيعته ويقيم في إصلاحها يومين وثلاثة وأكثر ( فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا) أثره وهو المني ( فَقَالَ: إِنَّا لَمَّا أَصَبْنَا الْوَدَكَ) بفتحتين دسم اللحم والشحم وهو ما يتحلب من ذلك ( لَانَتِ الْعُرُوقُ) فنشأ من ذلك الاحتلام.
قيل أن عمر كان يطعمه الوفود ويأكل معهم استئلافًا، والمشهور عنه أنه لم يتغير عن حاله وأنه لم يصنع لهم إلا ما كان يأكله تعليمًا لهم وإنكارًا للسرف، ويحتمل أن يكون الناس قبل ذلك في جهد من الجدب فامتنع من أكل الودك والسمن ليكون حاله في القلة كالمسلمين حتى ضر بطنه وقال لتمرني على أكل الزيت مادام السمن يباع بالأواقي وجعل على نفسه ألا يأكل سمنًا حتى يأكله الناس، ثم أخصب الناس فعاد فأكل السمن والودك ذكره الباجي.

( فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ الِاحْتِلَامَ مِنْ ثَوْبِهِ وَعَادَ لِصَلَاتِهِ) أي أعادها لبطلانها وفي إعادته وحده دون من صلى خلفه دليل على أنه لا إعادة على من صلى خلف جنب أو محدث إذا لم يعلموا وكان الإمام ناسيًا فإن كان عالمًا بطلت صلاتهم.
وقال الشافعي وابن نافع صحيحة في الوجهين إذا لم يعلموا لأنهم لم يكلفوا علم حال الإمام ويأثم هو في العمد لا السهو.
وقال أبو حنيفة: باطلة في الوجهين لارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام.

قال الباجي وابن عبد البر: ذكر مالك حديث عمر من أربعة طرق ليس في شيء منها أنه صلى بالناس إلا في طريق يحيى بن سعيد وهو أحسنها انتهى، لكن هذه الطرق الثلاثة واقعة واحدة بخلاف الرابعة فقصة أخرى وهي التي ذكرها بقوله.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ) بن أبي بلتعة بفتح الموحدة والفوقية بينهما لام ساكنة ثم مهملة تابعي ثقة روى له مسلم والأربعة، مات سنة أربع ومائة، ولأبيه عبد الرحمن رؤية وعدوه في كبار الثقات التابعين من حيث الرواية، وجده صحابي شهير بدري.
قال أبو عبد الملك: هذا مما عد أن مالكًا وهم فيه لأن أصحاب هشام الفضل بن فضالة وحماد بن سلمة ومعمرًا قالوا عن هشام عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه فسقط لمالك عن أبيه.

( أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي) أي مع ( رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ) بالياء وحذفها والصحيح بالياء ( وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَرَّسَ) بمهملات مثقلاً نزل آخر الليل للاستراحة ( بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَرِيبًا مِنْ بَعْضِ الْمِيَاهِ) رفقًا بالركب ( فَاحْتَلَمَ عُمَرُ وَقَدْ كَادَ أَنْ يُصْبِحَ فَلَمْ يَجِدْ مَعَ الرَّكْبِ مَاءً) يغتسل به ويغسل ثوبه ( فَرَكِبَ حَتَّى جَاءَ الْمَاءَ) الذي عرس بقربه ( فَجَعَلَ يَغْسِلُ مَا رَأَى مِنْ ذَلِكَ الِاحْتِلَامِ حَتَّى أَسْفَرَ فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَصْبَحْتَ) دخلت في الصباح ( وَمَعَنَا ثِيَابٌ فَدَعْ ثَوْبَكَ يُغْسَلُ) بتمامه والبس ثوبًا من ثيابنا ( فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَاعَجَبًا لَكَ يَا عَمْرُو بْنَ الْعَاصِ لَئِنْ كُنْتَ) بفتح تاء الخطاب ( تَجِدُ ثِيَابًا أَفَكُلُّ النَّاسِ يَجِدُ ثِيَابًا وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُهَا) أنا ( لَكَانَتْ سُنَّةً) طريقة أتبع يها فيشق على الناس الذين لا يجدون ثيابًا.

قال الباجي: قول عمر ذلك لعلمه بمكانه من قلوب المسلمين ولاشتهار قوله صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي فخشي التضييق على من ليس له إلا ثوب واحد.

( بَلْ أَغْسِلُ مَا رَأَيْتُ وَأَنْضِحُ مَا لَمْ أَرَ) أي أرشه.
وهو عند العلماء طهر لما شك فيه كأنه دفع للوسوسة وأباه بعضهم وقال لا يزيده النضح إلا انتشارًا قاله ابن عبد البر.
وقال الباجي: مقتضاه وجوب النضح لأنه لا يشتغل عن الصلاة بالناس مع ضيق الوقت إلا بأمر واجب مانع للصلاة.
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا ينضح بالشك وهو على طهارته.

( قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ أَثَرَ احْتِلَامٍ وَلَا يَدْرِي مَتَى كَانَ وَلَا يَذْكُرُ شَيْئًا رَأَى فِي مَنَامِهِ؟ قَالَ: لِيَغْتَسِلْ مِنْ أَحْدَثِ) أقرب أي آخر ( نَوْمٍ نَامَهُ فَإِنْ كَانَ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّوْمِ) الأخير ( فَلْيُعِدْ مَا كَانَ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّوْمِ) لا ما صلاه قبل النوم الأخير فلا إعادة لأنه شك طرأ بعد كمال الصلاة وبراءة الذمة فلا يؤثر فيها لحدوثه بعد تيقن سلامة العبادة، وعلل ذلك أي عدم إعادته ما صلاه قبل آخر نوم بقوله ( مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا احْتَلَمَ) رأى أنه يجامع ( وَلَا يَرَى شَيْئًا) أي منيًا ( وَيَرَى) المني في ثوبه ( وَلَا يَحْتَلِمُ) لا يرى أنه يجامع ( فَإِذَا وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَاءً فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ) وجوبًا ( وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ أَعَادَ مَا كَانَ صَلَّى لِآخِرِ نَوْمٍ نَامَهُ وَلَمْ يُعِدْ مَا كَانَ قَبْلَهُ) ولا فرق بين أن يكون لا ينام إلا في ذلك الثوب الذي رأى فيه المني أو كان ينام فيه في بعض الأوقات لأن الذي ينام فيه أبدًا تيقن أن ما صلى بعد آخر نومة على حدث وشك فيما قبل، وكذلك حال ما نام فيه مرة وفي غيره أخرى قاله الباجي.



رقم الحديث 110 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا إِلَى أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا فَقَالَ: لَقَدِ ابْتُلِيتُ بِالِاحْتِلَامِ مُنْذُ وُلِّيتُ أَمْرَ النَّاسِ، فَاغْتَسَلَ، وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ مِنَ الِاحْتِلَامِ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ.


( مَالِكٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) القرشي مولاهم المدني روى عن ابن المسيب وعروة والقاسم وغيرهم، وعنه مالك وابن إسحاق، وثقه ابن معين والنسائي، وروى له هو ومسلم وأبو داود وابن ماجه، وكان عاملاً لعمر بن عبد العزيز، مات سنة ثلاثين ومائة.
له مرفوعًا في الموطأ أربعة أحاديث.

( أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ) أخا سليمان وعبد الله وعبد الملك موالي ميمونة أم المؤمنين كاتبتهم وكلهم أخذ عنه العلم، وعطاء أكثرهم حديثًا، وسليمان أفقههم، والآخران قليلا الحديث وكلهم ثقة رضى.

( أَخْبَرَهُ) مرسل رواه الشيخان وأبو داود والنسائي من طريق الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة بنحوه، وأخرجه أبو داود من حديث أبي بكرة ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فِي صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ) هي الصبح روى أبو داود وابن حبان عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فكبر ثم أومأ إليهم، ويعارضه ما في الصحيحين عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم خرج وقد أقيمت الصلاة وعدّلت الصفوف حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر فانصرف، وفي رواية فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب فقال لنا مكانكم فظاهره أنه انصرف قبل أن يدخل في الصلاة ويمكن الجمع بينهما بحمل قوله كبر على أنه أراد أن يكبر أو بأنهما واقعتان أبداه عياض والقرطبي احتمالاً، وقال النووي: إنه الأظهر، وجزم به ابن حبان كعادته فإن ثبت وإلاّ فما في الصحيح أصح كذا في الفتح.
وقال أبو عمر: من قال إنه كبّر زاد زيادة حافظ يجب قبولها.

( ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنِ امْكُثُوا) مثله في رواية أبي هريرة عند الإسماعيلي فقوله في رواية الصحيحين فقال لنا مكانكم من إطلاق القول على الفعل، ويحتمل أنه جمع بين الإشارة والكلام ( فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَى جِلْدِهِ أَثَرُ الْمَاءِ) .
وفي حديث أبي هريرة ثم رجع فاغتسل ثم رجع إلينا ورأسه يقطر فكبّر.
وفي رواية فمكثنا على هيئتنا حتى خرج إلينا رأسه ينطف ماء وقد اغتسل، وفي رواية فصلى بهم كما في الصحيحين زاد الدارقطني فقال: إني كنت جنبًا فنسيت أن أغتسل وفيه جواز النسيان على الأنبياء في أمر العبادة للتشريع وطهارة الماء المستعمل وجواز الفصل بين الإقامة والصلاة لأنه قوله فكبر وقوله فصلى بهم ظاهر في أن الإقامة لم تعد، والظاهر أنه مقيد بالضرورة وبأمن خروج الوقت.

وعن مالك: إذا بعدت الإقامة من الإحرام تعاد وينبغي حمله على ما إذا لم يكن عذر كذا في الفتح.

وقال النووي: هذا محمول على قرب الزمان فإن طال فلا بدّ من إعادة الإقامة قال ويدل على قرب الزمان في هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم مكانكم.
وقوله وخرج إلينا ورأسه يقطر.

وقال أبو العباس القرطبي: مذهب مالك أن التفريق إن كان لغير عذر ابتدأ الإقامة طال التفريق أو لا كما قال في المدونة في المصلي بثوب نجس يقطع الصلاة ويستأنف الإقامة، وكذلك قال في القهقهة وإن كان لعذر فإن طال استأنف الإقامة وإلا بنى عليها وفيه أنه لا حياء في الدين، وسبيل من غلب أن يأتي بأمر موهم كأن يمسك بأنفه ليوهم أنه رعف وفيه أنه لا يتيمم قبل الخروج من المسجد خلافًا للثوري وإسحاق وبعض المالكية من نام في المسجد فاحتلم وجب عليه التيمم قبل الخروج.

واحتج به الشافعي ومن وافقه على جواز تكبير المأموم قبل الإمام لأنهم لم يكبروا بعد تكبيره الواقع بعدما اغتسل بل اكتفوا بتكبيرهم أولاً.
وقال علي عن مالك هذا خاص للنبي صلى الله عليه وسلم، ودعوى ابن بطال أن الشافعي ناقض أصله في الاحتجاج بالمرسل متعقبة بأنه لا يرد المرسل مطلقًا بل يحتج منه بما اعتضد، وهنا كذلك لاعتضاده بحديث أبي بكرة وفيه تخصيص ما رواه مسلم وأبو داود وغيرهما عن أبي هريرة أنه رأى رجلاً قد خرج من المسجد بعد أن أذن المؤذن فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم بمن ليست له ضرورة فيلحق بالجنب المحدث والراعف والحاقن ونحوهم وكذا من يكون إمامًا بمسجد آخر، وقد رواه الطبراني في الأوسط فصرح برفعه وبالتخصيص فقال عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يسمع النداء في مسجدي ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق.

( مالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ زُيَيْدِ) بضم الزاي ومثناتين من تحت ( بْنِ الصَّلْتِ) بن معد يكرب الكندي أخو كثير بن الصلت المولود في العهد النبوي وقدم عمومتهم على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا ورجعوا إلى اليمن ثم ارتدوا وقتلوا زمن الصديق، وهاجر كثير وأخواه زبيد وعبد الرحمن إلى المدينة فسكنوها.
روى زبيد عن أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم قال ابن الحذاء: هو قاضي المدينة زمن هشام بن عبد الملك.
قال الحافظ: وهو بعيد وأظن قاضي المدينة ولده الصلت بن زييد يعني شيخ مالك تقدمت روايته عنه في المذي.

( أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَى الْجُرُفِ) بضم الجيم والراء وفاء.
قال الرافعي: على ثلاثة أميال من المدينة من جانب الشام كذا ضبطه بضمتين الحافظ والسيوطي وغيرهما واقتصر المجد على أنه بسكون الراء وكذا المصباح فقال: الجرف بضم الراء وتسكن للتخفيف ما جرفته السيول وأكلته من الأرض وبالمخفف تسمى ناحية قريبة من أعمال المدينة على نحو من ثلاثة أميال.

( فَنَظَرَ) في ثوبه كما في الرواية التالية ( فَإِذَا هُوَ قَدِ احْتَلَمَ) رأى في منامه رؤيا أي رأى في ثوبه أثر الاحتلام وهو المني ( وَصَلَّى وَلَمْ يَغْتَسِلْ) لعدم رؤيته لذلك قبل الصلاة ( فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَانِي إِلَّا احْتَلَمْتُ وَمَا شَعَرْتُ) بفتحتين أي علمت ( وَصَلَّيْتُ وَمَا اغْتَسَلْتُ.
قَالَ: فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ)
من أثر الاحتلام ( وَنَضَحَ) أي رش ( مَا لَمْ يَرَ) فيه أذى لأنه شك هل أصابه المني أم لا.
ومن شك في إصابة النجاسة لثوب وجب نضحه تطييبًا للنفس ومدافعة للشيطان ففيه دليل على نجاسة المني عنده، ولو لم يكن علته إلا خروجه من مخرج البول والمذي والودي لكفى، وقول الرافعي يحتمل أن غسله لأنه استنجى بالحجر وأنه كان نظيفًا ولذا نضح ما لم ير فيه شيئًا مبالغة في التنظيف بناءً على مذهبه من طهارة المني وفي احتماله بعد إذ لم يكن يشتغل بغسل شيء طاهر قبل الصلاة خصوصًا وكان الوقت قد ضاق لأن وقت الفائتة ذكرها وقد قال: ( وَأَذَّنَ أَوْ أَقَامَ) بالشك ( ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى مُتَمَكِّنًا) في الارتفاع هذا ظاهره، وقال أبو عبد الملك: يريد متمكنًا في غسله وفي فعله كله.

( مَالِكٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) السابق ( عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) الهلالي المدني أحد الفقهاء السبعة ( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا) ذهب أول النهار ( إِلَى أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا فَقَالَ: لَقَدِ ابْتُلِيتُ بِالِاحْتِلَامِ مُنْذُ وُلِّيتُ أَمْرَ النَّاسِ) .
قال ابن عبد البر: ذلك والله أعلم لاشتغاله بأمرهم ليلاً ونهارًا عن النساء فكثر عليه الاحتلام.
وقال الباجي: يحتمل ذلك، ويحتمل أن ذلك كان وقتًا لابتلائه به لمعنى من المعاني ووقته بما ذكر من ولايته.

( فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ مِنَ الِاحْتِلَامِ) وهو المني وهذا صريح في دفع احتمال الرافعي في سابقه ( ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ) وعلت في ارتفاعها كما في الذي قبله.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ) فصرح في هذا الطريق بأن صلاته كانت بالناس ( ثُمَّ غَدَا إِلَى أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ) فيه أن الإمام ومن ولي شيئًا من أمر المسلمين له أن يتعاهد ضيعته وأمور دنياه.
وروى ابن حبيب عن مالك: لا بأس أن يطلع القاضي ضيعته ويقيم في إصلاحها يومين وثلاثة وأكثر ( فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا) أثره وهو المني ( فَقَالَ: إِنَّا لَمَّا أَصَبْنَا الْوَدَكَ) بفتحتين دسم اللحم والشحم وهو ما يتحلب من ذلك ( لَانَتِ الْعُرُوقُ) فنشأ من ذلك الاحتلام.
قيل أن عمر كان يطعمه الوفود ويأكل معهم استئلافًا، والمشهور عنه أنه لم يتغير عن حاله وأنه لم يصنع لهم إلا ما كان يأكله تعليمًا لهم وإنكارًا للسرف، ويحتمل أن يكون الناس قبل ذلك في جهد من الجدب فامتنع من أكل الودك والسمن ليكون حاله في القلة كالمسلمين حتى ضر بطنه وقال لتمرني على أكل الزيت مادام السمن يباع بالأواقي وجعل على نفسه ألا يأكل سمنًا حتى يأكله الناس، ثم أخصب الناس فعاد فأكل السمن والودك ذكره الباجي.

( فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ الِاحْتِلَامَ مِنْ ثَوْبِهِ وَعَادَ لِصَلَاتِهِ) أي أعادها لبطلانها وفي إعادته وحده دون من صلى خلفه دليل على أنه لا إعادة على من صلى خلف جنب أو محدث إذا لم يعلموا وكان الإمام ناسيًا فإن كان عالمًا بطلت صلاتهم.
وقال الشافعي وابن نافع صحيحة في الوجهين إذا لم يعلموا لأنهم لم يكلفوا علم حال الإمام ويأثم هو في العمد لا السهو.
وقال أبو حنيفة: باطلة في الوجهين لارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام.

قال الباجي وابن عبد البر: ذكر مالك حديث عمر من أربعة طرق ليس في شيء منها أنه صلى بالناس إلا في طريق يحيى بن سعيد وهو أحسنها انتهى، لكن هذه الطرق الثلاثة واقعة واحدة بخلاف الرابعة فقصة أخرى وهي التي ذكرها بقوله.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ) بن أبي بلتعة بفتح الموحدة والفوقية بينهما لام ساكنة ثم مهملة تابعي ثقة روى له مسلم والأربعة، مات سنة أربع ومائة، ولأبيه عبد الرحمن رؤية وعدوه في كبار الثقات التابعين من حيث الرواية، وجده صحابي شهير بدري.
قال أبو عبد الملك: هذا مما عد أن مالكًا وهم فيه لأن أصحاب هشام الفضل بن فضالة وحماد بن سلمة ومعمرًا قالوا عن هشام عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه فسقط لمالك عن أبيه.

( أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي) أي مع ( رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ) بالياء وحذفها والصحيح بالياء ( وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَرَّسَ) بمهملات مثقلاً نزل آخر الليل للاستراحة ( بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَرِيبًا مِنْ بَعْضِ الْمِيَاهِ) رفقًا بالركب ( فَاحْتَلَمَ عُمَرُ وَقَدْ كَادَ أَنْ يُصْبِحَ فَلَمْ يَجِدْ مَعَ الرَّكْبِ مَاءً) يغتسل به ويغسل ثوبه ( فَرَكِبَ حَتَّى جَاءَ الْمَاءَ) الذي عرس بقربه ( فَجَعَلَ يَغْسِلُ مَا رَأَى مِنْ ذَلِكَ الِاحْتِلَامِ حَتَّى أَسْفَرَ فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَصْبَحْتَ) دخلت في الصباح ( وَمَعَنَا ثِيَابٌ فَدَعْ ثَوْبَكَ يُغْسَلُ) بتمامه والبس ثوبًا من ثيابنا ( فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَاعَجَبًا لَكَ يَا عَمْرُو بْنَ الْعَاصِ لَئِنْ كُنْتَ) بفتح تاء الخطاب ( تَجِدُ ثِيَابًا أَفَكُلُّ النَّاسِ يَجِدُ ثِيَابًا وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُهَا) أنا ( لَكَانَتْ سُنَّةً) طريقة أتبع يها فيشق على الناس الذين لا يجدون ثيابًا.

قال الباجي: قول عمر ذلك لعلمه بمكانه من قلوب المسلمين ولاشتهار قوله صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي فخشي التضييق على من ليس له إلا ثوب واحد.

( بَلْ أَغْسِلُ مَا رَأَيْتُ وَأَنْضِحُ مَا لَمْ أَرَ) أي أرشه.
وهو عند العلماء طهر لما شك فيه كأنه دفع للوسوسة وأباه بعضهم وقال لا يزيده النضح إلا انتشارًا قاله ابن عبد البر.
وقال الباجي: مقتضاه وجوب النضح لأنه لا يشتغل عن الصلاة بالناس مع ضيق الوقت إلا بأمر واجب مانع للصلاة.
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا ينضح بالشك وهو على طهارته.

( قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ أَثَرَ احْتِلَامٍ وَلَا يَدْرِي مَتَى كَانَ وَلَا يَذْكُرُ شَيْئًا رَأَى فِي مَنَامِهِ؟ قَالَ: لِيَغْتَسِلْ مِنْ أَحْدَثِ) أقرب أي آخر ( نَوْمٍ نَامَهُ فَإِنْ كَانَ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّوْمِ) الأخير ( فَلْيُعِدْ مَا كَانَ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّوْمِ) لا ما صلاه قبل النوم الأخير فلا إعادة لأنه شك طرأ بعد كمال الصلاة وبراءة الذمة فلا يؤثر فيها لحدوثه بعد تيقن سلامة العبادة، وعلل ذلك أي عدم إعادته ما صلاه قبل آخر نوم بقوله ( مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا احْتَلَمَ) رأى أنه يجامع ( وَلَا يَرَى شَيْئًا) أي منيًا ( وَيَرَى) المني في ثوبه ( وَلَا يَحْتَلِمُ) لا يرى أنه يجامع ( فَإِذَا وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَاءً فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ) وجوبًا ( وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ أَعَادَ مَا كَانَ صَلَّى لِآخِرِ نَوْمٍ نَامَهُ وَلَمْ يُعِدْ مَا كَانَ قَبْلَهُ) ولا فرق بين أن يكون لا ينام إلا في ذلك الثوب الذي رأى فيه المني أو كان ينام فيه في بعض الأوقات لأن الذي ينام فيه أبدًا تيقن أن ما صلى بعد آخر نومة على حدث وشك فيما قبل، وكذلك حال ما نام فيه مرة وفي غيره أخرى قاله الباجي.



رقم الحديث 112 وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ زُيَيْدِ بْنِ الصَّلْتِ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَى الْجُرُفِ فَنَظَرَ فَإِذَا هُوَ قَدِ احْتَلَمَ، وَصَلَّى وَلَمْ يَغْتَسِلْ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَانِي إِلَّا احْتَلَمْتُ وَمَا شَعَرْتُ، وَصَلَّيْتُ وَمَا اغْتَسَلْتُ.
قَالَ: فَاغْتَسَلَ، وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ، وَنَضَحَ مَا لَمْ يَرَ، وَأَذَّنَ أَوْ أَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى مُتَمَكِّنًا.


( مَالِكٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) القرشي مولاهم المدني روى عن ابن المسيب وعروة والقاسم وغيرهم، وعنه مالك وابن إسحاق، وثقه ابن معين والنسائي، وروى له هو ومسلم وأبو داود وابن ماجه، وكان عاملاً لعمر بن عبد العزيز، مات سنة ثلاثين ومائة.
له مرفوعًا في الموطأ أربعة أحاديث.

( أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ) أخا سليمان وعبد الله وعبد الملك موالي ميمونة أم المؤمنين كاتبتهم وكلهم أخذ عنه العلم، وعطاء أكثرهم حديثًا، وسليمان أفقههم، والآخران قليلا الحديث وكلهم ثقة رضى.

( أَخْبَرَهُ) مرسل رواه الشيخان وأبو داود والنسائي من طريق الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة بنحوه، وأخرجه أبو داود من حديث أبي بكرة ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فِي صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ) هي الصبح روى أبو داود وابن حبان عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فكبر ثم أومأ إليهم، ويعارضه ما في الصحيحين عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم خرج وقد أقيمت الصلاة وعدّلت الصفوف حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر فانصرف، وفي رواية فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب فقال لنا مكانكم فظاهره أنه انصرف قبل أن يدخل في الصلاة ويمكن الجمع بينهما بحمل قوله كبر على أنه أراد أن يكبر أو بأنهما واقعتان أبداه عياض والقرطبي احتمالاً، وقال النووي: إنه الأظهر، وجزم به ابن حبان كعادته فإن ثبت وإلاّ فما في الصحيح أصح كذا في الفتح.
وقال أبو عمر: من قال إنه كبّر زاد زيادة حافظ يجب قبولها.

( ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنِ امْكُثُوا) مثله في رواية أبي هريرة عند الإسماعيلي فقوله في رواية الصحيحين فقال لنا مكانكم من إطلاق القول على الفعل، ويحتمل أنه جمع بين الإشارة والكلام ( فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَى جِلْدِهِ أَثَرُ الْمَاءِ) .
وفي حديث أبي هريرة ثم رجع فاغتسل ثم رجع إلينا ورأسه يقطر فكبّر.
وفي رواية فمكثنا على هيئتنا حتى خرج إلينا رأسه ينطف ماء وقد اغتسل، وفي رواية فصلى بهم كما في الصحيحين زاد الدارقطني فقال: إني كنت جنبًا فنسيت أن أغتسل وفيه جواز النسيان على الأنبياء في أمر العبادة للتشريع وطهارة الماء المستعمل وجواز الفصل بين الإقامة والصلاة لأنه قوله فكبر وقوله فصلى بهم ظاهر في أن الإقامة لم تعد، والظاهر أنه مقيد بالضرورة وبأمن خروج الوقت.

وعن مالك: إذا بعدت الإقامة من الإحرام تعاد وينبغي حمله على ما إذا لم يكن عذر كذا في الفتح.

وقال النووي: هذا محمول على قرب الزمان فإن طال فلا بدّ من إعادة الإقامة قال ويدل على قرب الزمان في هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم مكانكم.
وقوله وخرج إلينا ورأسه يقطر.

وقال أبو العباس القرطبي: مذهب مالك أن التفريق إن كان لغير عذر ابتدأ الإقامة طال التفريق أو لا كما قال في المدونة في المصلي بثوب نجس يقطع الصلاة ويستأنف الإقامة، وكذلك قال في القهقهة وإن كان لعذر فإن طال استأنف الإقامة وإلا بنى عليها وفيه أنه لا حياء في الدين، وسبيل من غلب أن يأتي بأمر موهم كأن يمسك بأنفه ليوهم أنه رعف وفيه أنه لا يتيمم قبل الخروج من المسجد خلافًا للثوري وإسحاق وبعض المالكية من نام في المسجد فاحتلم وجب عليه التيمم قبل الخروج.

واحتج به الشافعي ومن وافقه على جواز تكبير المأموم قبل الإمام لأنهم لم يكبروا بعد تكبيره الواقع بعدما اغتسل بل اكتفوا بتكبيرهم أولاً.
وقال علي عن مالك هذا خاص للنبي صلى الله عليه وسلم، ودعوى ابن بطال أن الشافعي ناقض أصله في الاحتجاج بالمرسل متعقبة بأنه لا يرد المرسل مطلقًا بل يحتج منه بما اعتضد، وهنا كذلك لاعتضاده بحديث أبي بكرة وفيه تخصيص ما رواه مسلم وأبو داود وغيرهما عن أبي هريرة أنه رأى رجلاً قد خرج من المسجد بعد أن أذن المؤذن فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم بمن ليست له ضرورة فيلحق بالجنب المحدث والراعف والحاقن ونحوهم وكذا من يكون إمامًا بمسجد آخر، وقد رواه الطبراني في الأوسط فصرح برفعه وبالتخصيص فقال عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يسمع النداء في مسجدي ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق.

( مالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ زُيَيْدِ) بضم الزاي ومثناتين من تحت ( بْنِ الصَّلْتِ) بن معد يكرب الكندي أخو كثير بن الصلت المولود في العهد النبوي وقدم عمومتهم على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا ورجعوا إلى اليمن ثم ارتدوا وقتلوا زمن الصديق، وهاجر كثير وأخواه زبيد وعبد الرحمن إلى المدينة فسكنوها.
روى زبيد عن أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم قال ابن الحذاء: هو قاضي المدينة زمن هشام بن عبد الملك.
قال الحافظ: وهو بعيد وأظن قاضي المدينة ولده الصلت بن زييد يعني شيخ مالك تقدمت روايته عنه في المذي.

( أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَى الْجُرُفِ) بضم الجيم والراء وفاء.
قال الرافعي: على ثلاثة أميال من المدينة من جانب الشام كذا ضبطه بضمتين الحافظ والسيوطي وغيرهما واقتصر المجد على أنه بسكون الراء وكذا المصباح فقال: الجرف بضم الراء وتسكن للتخفيف ما جرفته السيول وأكلته من الأرض وبالمخفف تسمى ناحية قريبة من أعمال المدينة على نحو من ثلاثة أميال.

( فَنَظَرَ) في ثوبه كما في الرواية التالية ( فَإِذَا هُوَ قَدِ احْتَلَمَ) رأى في منامه رؤيا أي رأى في ثوبه أثر الاحتلام وهو المني ( وَصَلَّى وَلَمْ يَغْتَسِلْ) لعدم رؤيته لذلك قبل الصلاة ( فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَانِي إِلَّا احْتَلَمْتُ وَمَا شَعَرْتُ) بفتحتين أي علمت ( وَصَلَّيْتُ وَمَا اغْتَسَلْتُ.
قَالَ: فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ)
من أثر الاحتلام ( وَنَضَحَ) أي رش ( مَا لَمْ يَرَ) فيه أذى لأنه شك هل أصابه المني أم لا.
ومن شك في إصابة النجاسة لثوب وجب نضحه تطييبًا للنفس ومدافعة للشيطان ففيه دليل على نجاسة المني عنده، ولو لم يكن علته إلا خروجه من مخرج البول والمذي والودي لكفى، وقول الرافعي يحتمل أن غسله لأنه استنجى بالحجر وأنه كان نظيفًا ولذا نضح ما لم ير فيه شيئًا مبالغة في التنظيف بناءً على مذهبه من طهارة المني وفي احتماله بعد إذ لم يكن يشتغل بغسل شيء طاهر قبل الصلاة خصوصًا وكان الوقت قد ضاق لأن وقت الفائتة ذكرها وقد قال: ( وَأَذَّنَ أَوْ أَقَامَ) بالشك ( ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى مُتَمَكِّنًا) في الارتفاع هذا ظاهره، وقال أبو عبد الملك: يريد متمكنًا في غسله وفي فعله كله.

( مَالِكٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) السابق ( عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) الهلالي المدني أحد الفقهاء السبعة ( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا) ذهب أول النهار ( إِلَى أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا فَقَالَ: لَقَدِ ابْتُلِيتُ بِالِاحْتِلَامِ مُنْذُ وُلِّيتُ أَمْرَ النَّاسِ) .
قال ابن عبد البر: ذلك والله أعلم لاشتغاله بأمرهم ليلاً ونهارًا عن النساء فكثر عليه الاحتلام.
وقال الباجي: يحتمل ذلك، ويحتمل أن ذلك كان وقتًا لابتلائه به لمعنى من المعاني ووقته بما ذكر من ولايته.

( فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ مِنَ الِاحْتِلَامِ) وهو المني وهذا صريح في دفع احتمال الرافعي في سابقه ( ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ) وعلت في ارتفاعها كما في الذي قبله.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ) فصرح في هذا الطريق بأن صلاته كانت بالناس ( ثُمَّ غَدَا إِلَى أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ) فيه أن الإمام ومن ولي شيئًا من أمر المسلمين له أن يتعاهد ضيعته وأمور دنياه.
وروى ابن حبيب عن مالك: لا بأس أن يطلع القاضي ضيعته ويقيم في إصلاحها يومين وثلاثة وأكثر ( فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا) أثره وهو المني ( فَقَالَ: إِنَّا لَمَّا أَصَبْنَا الْوَدَكَ) بفتحتين دسم اللحم والشحم وهو ما يتحلب من ذلك ( لَانَتِ الْعُرُوقُ) فنشأ من ذلك الاحتلام.
قيل أن عمر كان يطعمه الوفود ويأكل معهم استئلافًا، والمشهور عنه أنه لم يتغير عن حاله وأنه لم يصنع لهم إلا ما كان يأكله تعليمًا لهم وإنكارًا للسرف، ويحتمل أن يكون الناس قبل ذلك في جهد من الجدب فامتنع من أكل الودك والسمن ليكون حاله في القلة كالمسلمين حتى ضر بطنه وقال لتمرني على أكل الزيت مادام السمن يباع بالأواقي وجعل على نفسه ألا يأكل سمنًا حتى يأكله الناس، ثم أخصب الناس فعاد فأكل السمن والودك ذكره الباجي.

( فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ الِاحْتِلَامَ مِنْ ثَوْبِهِ وَعَادَ لِصَلَاتِهِ) أي أعادها لبطلانها وفي إعادته وحده دون من صلى خلفه دليل على أنه لا إعادة على من صلى خلف جنب أو محدث إذا لم يعلموا وكان الإمام ناسيًا فإن كان عالمًا بطلت صلاتهم.
وقال الشافعي وابن نافع صحيحة في الوجهين إذا لم يعلموا لأنهم لم يكلفوا علم حال الإمام ويأثم هو في العمد لا السهو.
وقال أبو حنيفة: باطلة في الوجهين لارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام.

قال الباجي وابن عبد البر: ذكر مالك حديث عمر من أربعة طرق ليس في شيء منها أنه صلى بالناس إلا في طريق يحيى بن سعيد وهو أحسنها انتهى، لكن هذه الطرق الثلاثة واقعة واحدة بخلاف الرابعة فقصة أخرى وهي التي ذكرها بقوله.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ) بن أبي بلتعة بفتح الموحدة والفوقية بينهما لام ساكنة ثم مهملة تابعي ثقة روى له مسلم والأربعة، مات سنة أربع ومائة، ولأبيه عبد الرحمن رؤية وعدوه في كبار الثقات التابعين من حيث الرواية، وجده صحابي شهير بدري.
قال أبو عبد الملك: هذا مما عد أن مالكًا وهم فيه لأن أصحاب هشام الفضل بن فضالة وحماد بن سلمة ومعمرًا قالوا عن هشام عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه فسقط لمالك عن أبيه.

( أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي) أي مع ( رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ) بالياء وحذفها والصحيح بالياء ( وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَرَّسَ) بمهملات مثقلاً نزل آخر الليل للاستراحة ( بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَرِيبًا مِنْ بَعْضِ الْمِيَاهِ) رفقًا بالركب ( فَاحْتَلَمَ عُمَرُ وَقَدْ كَادَ أَنْ يُصْبِحَ فَلَمْ يَجِدْ مَعَ الرَّكْبِ مَاءً) يغتسل به ويغسل ثوبه ( فَرَكِبَ حَتَّى جَاءَ الْمَاءَ) الذي عرس بقربه ( فَجَعَلَ يَغْسِلُ مَا رَأَى مِنْ ذَلِكَ الِاحْتِلَامِ حَتَّى أَسْفَرَ فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَصْبَحْتَ) دخلت في الصباح ( وَمَعَنَا ثِيَابٌ فَدَعْ ثَوْبَكَ يُغْسَلُ) بتمامه والبس ثوبًا من ثيابنا ( فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَاعَجَبًا لَكَ يَا عَمْرُو بْنَ الْعَاصِ لَئِنْ كُنْتَ) بفتح تاء الخطاب ( تَجِدُ ثِيَابًا أَفَكُلُّ النَّاسِ يَجِدُ ثِيَابًا وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُهَا) أنا ( لَكَانَتْ سُنَّةً) طريقة أتبع يها فيشق على الناس الذين لا يجدون ثيابًا.

قال الباجي: قول عمر ذلك لعلمه بمكانه من قلوب المسلمين ولاشتهار قوله صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي فخشي التضييق على من ليس له إلا ثوب واحد.

( بَلْ أَغْسِلُ مَا رَأَيْتُ وَأَنْضِحُ مَا لَمْ أَرَ) أي أرشه.
وهو عند العلماء طهر لما شك فيه كأنه دفع للوسوسة وأباه بعضهم وقال لا يزيده النضح إلا انتشارًا قاله ابن عبد البر.
وقال الباجي: مقتضاه وجوب النضح لأنه لا يشتغل عن الصلاة بالناس مع ضيق الوقت إلا بأمر واجب مانع للصلاة.
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا ينضح بالشك وهو على طهارته.

( قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ أَثَرَ احْتِلَامٍ وَلَا يَدْرِي مَتَى كَانَ وَلَا يَذْكُرُ شَيْئًا رَأَى فِي مَنَامِهِ؟ قَالَ: لِيَغْتَسِلْ مِنْ أَحْدَثِ) أقرب أي آخر ( نَوْمٍ نَامَهُ فَإِنْ كَانَ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّوْمِ) الأخير ( فَلْيُعِدْ مَا كَانَ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّوْمِ) لا ما صلاه قبل النوم الأخير فلا إعادة لأنه شك طرأ بعد كمال الصلاة وبراءة الذمة فلا يؤثر فيها لحدوثه بعد تيقن سلامة العبادة، وعلل ذلك أي عدم إعادته ما صلاه قبل آخر نوم بقوله ( مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا احْتَلَمَ) رأى أنه يجامع ( وَلَا يَرَى شَيْئًا) أي منيًا ( وَيَرَى) المني في ثوبه ( وَلَا يَحْتَلِمُ) لا يرى أنه يجامع ( فَإِذَا وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَاءً فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ) وجوبًا ( وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ أَعَادَ مَا كَانَ صَلَّى لِآخِرِ نَوْمٍ نَامَهُ وَلَمْ يُعِدْ مَا كَانَ قَبْلَهُ) ولا فرق بين أن يكون لا ينام إلا في ذلك الثوب الذي رأى فيه المني أو كان ينام فيه في بعض الأوقات لأن الذي ينام فيه أبدًا تيقن أن ما صلى بعد آخر نومة على حدث وشك فيما قبل، وكذلك حال ما نام فيه مرة وفي غيره أخرى قاله الباجي.



رقم الحديث 113 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ.
ثُمَّ غَدَا إِلَى أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا.
فَقَالَ: إِنَّا لَمَّا أَصَبْنَا الْوَدَكَ لَانَتِ الْعُرُوقُ.
فَاغْتَسَلَ، وَغَسَلَ الِاحْتِلَامَ مِنْ ثَوْبِهِ، وَعَادَ لِصَلَاتِهِ.


( مَالِكٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) القرشي مولاهم المدني روى عن ابن المسيب وعروة والقاسم وغيرهم، وعنه مالك وابن إسحاق، وثقه ابن معين والنسائي، وروى له هو ومسلم وأبو داود وابن ماجه، وكان عاملاً لعمر بن عبد العزيز، مات سنة ثلاثين ومائة.
له مرفوعًا في الموطأ أربعة أحاديث.

( أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ) أخا سليمان وعبد الله وعبد الملك موالي ميمونة أم المؤمنين كاتبتهم وكلهم أخذ عنه العلم، وعطاء أكثرهم حديثًا، وسليمان أفقههم، والآخران قليلا الحديث وكلهم ثقة رضى.

( أَخْبَرَهُ) مرسل رواه الشيخان وأبو داود والنسائي من طريق الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة بنحوه، وأخرجه أبو داود من حديث أبي بكرة ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فِي صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ) هي الصبح روى أبو داود وابن حبان عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فكبر ثم أومأ إليهم، ويعارضه ما في الصحيحين عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم خرج وقد أقيمت الصلاة وعدّلت الصفوف حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر فانصرف، وفي رواية فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب فقال لنا مكانكم فظاهره أنه انصرف قبل أن يدخل في الصلاة ويمكن الجمع بينهما بحمل قوله كبر على أنه أراد أن يكبر أو بأنهما واقعتان أبداه عياض والقرطبي احتمالاً، وقال النووي: إنه الأظهر، وجزم به ابن حبان كعادته فإن ثبت وإلاّ فما في الصحيح أصح كذا في الفتح.
وقال أبو عمر: من قال إنه كبّر زاد زيادة حافظ يجب قبولها.

( ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنِ امْكُثُوا) مثله في رواية أبي هريرة عند الإسماعيلي فقوله في رواية الصحيحين فقال لنا مكانكم من إطلاق القول على الفعل، ويحتمل أنه جمع بين الإشارة والكلام ( فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَى جِلْدِهِ أَثَرُ الْمَاءِ) .
وفي حديث أبي هريرة ثم رجع فاغتسل ثم رجع إلينا ورأسه يقطر فكبّر.
وفي رواية فمكثنا على هيئتنا حتى خرج إلينا رأسه ينطف ماء وقد اغتسل، وفي رواية فصلى بهم كما في الصحيحين زاد الدارقطني فقال: إني كنت جنبًا فنسيت أن أغتسل وفيه جواز النسيان على الأنبياء في أمر العبادة للتشريع وطهارة الماء المستعمل وجواز الفصل بين الإقامة والصلاة لأنه قوله فكبر وقوله فصلى بهم ظاهر في أن الإقامة لم تعد، والظاهر أنه مقيد بالضرورة وبأمن خروج الوقت.

وعن مالك: إذا بعدت الإقامة من الإحرام تعاد وينبغي حمله على ما إذا لم يكن عذر كذا في الفتح.

وقال النووي: هذا محمول على قرب الزمان فإن طال فلا بدّ من إعادة الإقامة قال ويدل على قرب الزمان في هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم مكانكم.
وقوله وخرج إلينا ورأسه يقطر.

وقال أبو العباس القرطبي: مذهب مالك أن التفريق إن كان لغير عذر ابتدأ الإقامة طال التفريق أو لا كما قال في المدونة في المصلي بثوب نجس يقطع الصلاة ويستأنف الإقامة، وكذلك قال في القهقهة وإن كان لعذر فإن طال استأنف الإقامة وإلا بنى عليها وفيه أنه لا حياء في الدين، وسبيل من غلب أن يأتي بأمر موهم كأن يمسك بأنفه ليوهم أنه رعف وفيه أنه لا يتيمم قبل الخروج من المسجد خلافًا للثوري وإسحاق وبعض المالكية من نام في المسجد فاحتلم وجب عليه التيمم قبل الخروج.

واحتج به الشافعي ومن وافقه على جواز تكبير المأموم قبل الإمام لأنهم لم يكبروا بعد تكبيره الواقع بعدما اغتسل بل اكتفوا بتكبيرهم أولاً.
وقال علي عن مالك هذا خاص للنبي صلى الله عليه وسلم، ودعوى ابن بطال أن الشافعي ناقض أصله في الاحتجاج بالمرسل متعقبة بأنه لا يرد المرسل مطلقًا بل يحتج منه بما اعتضد، وهنا كذلك لاعتضاده بحديث أبي بكرة وفيه تخصيص ما رواه مسلم وأبو داود وغيرهما عن أبي هريرة أنه رأى رجلاً قد خرج من المسجد بعد أن أذن المؤذن فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم بمن ليست له ضرورة فيلحق بالجنب المحدث والراعف والحاقن ونحوهم وكذا من يكون إمامًا بمسجد آخر، وقد رواه الطبراني في الأوسط فصرح برفعه وبالتخصيص فقال عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يسمع النداء في مسجدي ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق.

( مالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ زُيَيْدِ) بضم الزاي ومثناتين من تحت ( بْنِ الصَّلْتِ) بن معد يكرب الكندي أخو كثير بن الصلت المولود في العهد النبوي وقدم عمومتهم على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا ورجعوا إلى اليمن ثم ارتدوا وقتلوا زمن الصديق، وهاجر كثير وأخواه زبيد وعبد الرحمن إلى المدينة فسكنوها.
روى زبيد عن أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم قال ابن الحذاء: هو قاضي المدينة زمن هشام بن عبد الملك.
قال الحافظ: وهو بعيد وأظن قاضي المدينة ولده الصلت بن زييد يعني شيخ مالك تقدمت روايته عنه في المذي.

( أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَى الْجُرُفِ) بضم الجيم والراء وفاء.
قال الرافعي: على ثلاثة أميال من المدينة من جانب الشام كذا ضبطه بضمتين الحافظ والسيوطي وغيرهما واقتصر المجد على أنه بسكون الراء وكذا المصباح فقال: الجرف بضم الراء وتسكن للتخفيف ما جرفته السيول وأكلته من الأرض وبالمخفف تسمى ناحية قريبة من أعمال المدينة على نحو من ثلاثة أميال.

( فَنَظَرَ) في ثوبه كما في الرواية التالية ( فَإِذَا هُوَ قَدِ احْتَلَمَ) رأى في منامه رؤيا أي رأى في ثوبه أثر الاحتلام وهو المني ( وَصَلَّى وَلَمْ يَغْتَسِلْ) لعدم رؤيته لذلك قبل الصلاة ( فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَانِي إِلَّا احْتَلَمْتُ وَمَا شَعَرْتُ) بفتحتين أي علمت ( وَصَلَّيْتُ وَمَا اغْتَسَلْتُ.
قَالَ: فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ)
من أثر الاحتلام ( وَنَضَحَ) أي رش ( مَا لَمْ يَرَ) فيه أذى لأنه شك هل أصابه المني أم لا.
ومن شك في إصابة النجاسة لثوب وجب نضحه تطييبًا للنفس ومدافعة للشيطان ففيه دليل على نجاسة المني عنده، ولو لم يكن علته إلا خروجه من مخرج البول والمذي والودي لكفى، وقول الرافعي يحتمل أن غسله لأنه استنجى بالحجر وأنه كان نظيفًا ولذا نضح ما لم ير فيه شيئًا مبالغة في التنظيف بناءً على مذهبه من طهارة المني وفي احتماله بعد إذ لم يكن يشتغل بغسل شيء طاهر قبل الصلاة خصوصًا وكان الوقت قد ضاق لأن وقت الفائتة ذكرها وقد قال: ( وَأَذَّنَ أَوْ أَقَامَ) بالشك ( ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى مُتَمَكِّنًا) في الارتفاع هذا ظاهره، وقال أبو عبد الملك: يريد متمكنًا في غسله وفي فعله كله.

( مَالِكٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) السابق ( عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) الهلالي المدني أحد الفقهاء السبعة ( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا) ذهب أول النهار ( إِلَى أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا فَقَالَ: لَقَدِ ابْتُلِيتُ بِالِاحْتِلَامِ مُنْذُ وُلِّيتُ أَمْرَ النَّاسِ) .
قال ابن عبد البر: ذلك والله أعلم لاشتغاله بأمرهم ليلاً ونهارًا عن النساء فكثر عليه الاحتلام.
وقال الباجي: يحتمل ذلك، ويحتمل أن ذلك كان وقتًا لابتلائه به لمعنى من المعاني ووقته بما ذكر من ولايته.

( فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ مِنَ الِاحْتِلَامِ) وهو المني وهذا صريح في دفع احتمال الرافعي في سابقه ( ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ) وعلت في ارتفاعها كما في الذي قبله.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ) فصرح في هذا الطريق بأن صلاته كانت بالناس ( ثُمَّ غَدَا إِلَى أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ) فيه أن الإمام ومن ولي شيئًا من أمر المسلمين له أن يتعاهد ضيعته وأمور دنياه.
وروى ابن حبيب عن مالك: لا بأس أن يطلع القاضي ضيعته ويقيم في إصلاحها يومين وثلاثة وأكثر ( فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا) أثره وهو المني ( فَقَالَ: إِنَّا لَمَّا أَصَبْنَا الْوَدَكَ) بفتحتين دسم اللحم والشحم وهو ما يتحلب من ذلك ( لَانَتِ الْعُرُوقُ) فنشأ من ذلك الاحتلام.
قيل أن عمر كان يطعمه الوفود ويأكل معهم استئلافًا، والمشهور عنه أنه لم يتغير عن حاله وأنه لم يصنع لهم إلا ما كان يأكله تعليمًا لهم وإنكارًا للسرف، ويحتمل أن يكون الناس قبل ذلك في جهد من الجدب فامتنع من أكل الودك والسمن ليكون حاله في القلة كالمسلمين حتى ضر بطنه وقال لتمرني على أكل الزيت مادام السمن يباع بالأواقي وجعل على نفسه ألا يأكل سمنًا حتى يأكله الناس، ثم أخصب الناس فعاد فأكل السمن والودك ذكره الباجي.

( فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ الِاحْتِلَامَ مِنْ ثَوْبِهِ وَعَادَ لِصَلَاتِهِ) أي أعادها لبطلانها وفي إعادته وحده دون من صلى خلفه دليل على أنه لا إعادة على من صلى خلف جنب أو محدث إذا لم يعلموا وكان الإمام ناسيًا فإن كان عالمًا بطلت صلاتهم.
وقال الشافعي وابن نافع صحيحة في الوجهين إذا لم يعلموا لأنهم لم يكلفوا علم حال الإمام ويأثم هو في العمد لا السهو.
وقال أبو حنيفة: باطلة في الوجهين لارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام.

قال الباجي وابن عبد البر: ذكر مالك حديث عمر من أربعة طرق ليس في شيء منها أنه صلى بالناس إلا في طريق يحيى بن سعيد وهو أحسنها انتهى، لكن هذه الطرق الثلاثة واقعة واحدة بخلاف الرابعة فقصة أخرى وهي التي ذكرها بقوله.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ) بن أبي بلتعة بفتح الموحدة والفوقية بينهما لام ساكنة ثم مهملة تابعي ثقة روى له مسلم والأربعة، مات سنة أربع ومائة، ولأبيه عبد الرحمن رؤية وعدوه في كبار الثقات التابعين من حيث الرواية، وجده صحابي شهير بدري.
قال أبو عبد الملك: هذا مما عد أن مالكًا وهم فيه لأن أصحاب هشام الفضل بن فضالة وحماد بن سلمة ومعمرًا قالوا عن هشام عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه فسقط لمالك عن أبيه.

( أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي) أي مع ( رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ) بالياء وحذفها والصحيح بالياء ( وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَرَّسَ) بمهملات مثقلاً نزل آخر الليل للاستراحة ( بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَرِيبًا مِنْ بَعْضِ الْمِيَاهِ) رفقًا بالركب ( فَاحْتَلَمَ عُمَرُ وَقَدْ كَادَ أَنْ يُصْبِحَ فَلَمْ يَجِدْ مَعَ الرَّكْبِ مَاءً) يغتسل به ويغسل ثوبه ( فَرَكِبَ حَتَّى جَاءَ الْمَاءَ) الذي عرس بقربه ( فَجَعَلَ يَغْسِلُ مَا رَأَى مِنْ ذَلِكَ الِاحْتِلَامِ حَتَّى أَسْفَرَ فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَصْبَحْتَ) دخلت في الصباح ( وَمَعَنَا ثِيَابٌ فَدَعْ ثَوْبَكَ يُغْسَلُ) بتمامه والبس ثوبًا من ثيابنا ( فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَاعَجَبًا لَكَ يَا عَمْرُو بْنَ الْعَاصِ لَئِنْ كُنْتَ) بفتح تاء الخطاب ( تَجِدُ ثِيَابًا أَفَكُلُّ النَّاسِ يَجِدُ ثِيَابًا وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُهَا) أنا ( لَكَانَتْ سُنَّةً) طريقة أتبع يها فيشق على الناس الذين لا يجدون ثيابًا.

قال الباجي: قول عمر ذلك لعلمه بمكانه من قلوب المسلمين ولاشتهار قوله صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي فخشي التضييق على من ليس له إلا ثوب واحد.

( بَلْ أَغْسِلُ مَا رَأَيْتُ وَأَنْضِحُ مَا لَمْ أَرَ) أي أرشه.
وهو عند العلماء طهر لما شك فيه كأنه دفع للوسوسة وأباه بعضهم وقال لا يزيده النضح إلا انتشارًا قاله ابن عبد البر.
وقال الباجي: مقتضاه وجوب النضح لأنه لا يشتغل عن الصلاة بالناس مع ضيق الوقت إلا بأمر واجب مانع للصلاة.
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا ينضح بالشك وهو على طهارته.

( قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ أَثَرَ احْتِلَامٍ وَلَا يَدْرِي مَتَى كَانَ وَلَا يَذْكُرُ شَيْئًا رَأَى فِي مَنَامِهِ؟ قَالَ: لِيَغْتَسِلْ مِنْ أَحْدَثِ) أقرب أي آخر ( نَوْمٍ نَامَهُ فَإِنْ كَانَ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّوْمِ) الأخير ( فَلْيُعِدْ مَا كَانَ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّوْمِ) لا ما صلاه قبل النوم الأخير فلا إعادة لأنه شك طرأ بعد كمال الصلاة وبراءة الذمة فلا يؤثر فيها لحدوثه بعد تيقن سلامة العبادة، وعلل ذلك أي عدم إعادته ما صلاه قبل آخر نوم بقوله ( مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا احْتَلَمَ) رأى أنه يجامع ( وَلَا يَرَى شَيْئًا) أي منيًا ( وَيَرَى) المني في ثوبه ( وَلَا يَحْتَلِمُ) لا يرى أنه يجامع ( فَإِذَا وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَاءً فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ) وجوبًا ( وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ أَعَادَ مَا كَانَ صَلَّى لِآخِرِ نَوْمٍ نَامَهُ وَلَمْ يُعِدْ مَا كَانَ قَبْلَهُ) ولا فرق بين أن يكون لا ينام إلا في ذلك الثوب الذي رأى فيه المني أو كان ينام فيه في بعض الأوقات لأن الذي ينام فيه أبدًا تيقن أن ما صلى بعد آخر نومة على حدث وشك فيما قبل، وكذلك حال ما نام فيه مرة وفي غيره أخرى قاله الباجي.



رقم الحديث 114 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَرَّسَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قَرِيبًا مِنْ بَعْضِ الْمِيَاهِ.
فَاحْتَلَمَ عُمَرُ وَقَدْ كَادَ أَنْ يُصْبِحَ، فَلَمْ يَجِدْ مَعَ الرَّكْبِ مَاءً.
فَرَكِبَ، حَتَّى جَاءَ الْمَاءَ، فَجَعَلَ يَغْسِلُ مَا رَأَى مِنْ ذَلِكَ الِاحْتِلَامِ، حَتَّى أَسْفَرَ.
فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: أَصْبَحْتَ وَمَعَنَا ثِيَابٌ، فَدَعْ ثَوْبَكَ يُغْسَلُ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَاعَجَبًا لَكَ يَا عَمْرُو بْنَ الْعَاصِ لَئِنْ كُنْتَ تَجِدُ ثِيَابًا أَفَكُلُّ النَّاسِ يَجِدُ ثِيَابًا؟ وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُهَا لَكَانَتْ سُنَّةً.
بَلْ أَغْسِلُ مَا رَأَيْتُ، وَأَنْضِحُ مَا لَمْ أَرَ قَالَ مَالِكٌ، فِي رَجُلٍ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ أَثَرَ احْتِلَامٍ، وَلَا يَدْرِي مَتَى كَانَ؟ وَلَا يَذْكُرُ شَيْئًا رَأَى فِي مَنَامِهِ، قَالَ: لِيَغْتَسِلْ مِنْ أَحْدَثِ نَوْمٍ نَامَهُ.
فَإِنْ كَانَ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّوْمِ، فَلْيُعِدْ مَا كَانَ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّوْمِ.
مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا احْتَلَمَ، وَلَا يَرَى شَيْئًا، وَيَرَى وَلَا يَحْتَلِمُ، فَإِذَا وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَاءً، فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ.
وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ أَعَادَ مَا كَانَ صَلَّى، لِآخِرِ نَوْمٍ نَامَهُ، وَلَمْ يُعِدْ مَا كَانَ قَبْلَهُ.


( مَالِكٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) القرشي مولاهم المدني روى عن ابن المسيب وعروة والقاسم وغيرهم، وعنه مالك وابن إسحاق، وثقه ابن معين والنسائي، وروى له هو ومسلم وأبو داود وابن ماجه، وكان عاملاً لعمر بن عبد العزيز، مات سنة ثلاثين ومائة.
له مرفوعًا في الموطأ أربعة أحاديث.

( أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ) أخا سليمان وعبد الله وعبد الملك موالي ميمونة أم المؤمنين كاتبتهم وكلهم أخذ عنه العلم، وعطاء أكثرهم حديثًا، وسليمان أفقههم، والآخران قليلا الحديث وكلهم ثقة رضى.

( أَخْبَرَهُ) مرسل رواه الشيخان وأبو داود والنسائي من طريق الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة بنحوه، وأخرجه أبو داود من حديث أبي بكرة ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فِي صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ) هي الصبح روى أبو داود وابن حبان عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فكبر ثم أومأ إليهم، ويعارضه ما في الصحيحين عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم خرج وقد أقيمت الصلاة وعدّلت الصفوف حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر فانصرف، وفي رواية فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب فقال لنا مكانكم فظاهره أنه انصرف قبل أن يدخل في الصلاة ويمكن الجمع بينهما بحمل قوله كبر على أنه أراد أن يكبر أو بأنهما واقعتان أبداه عياض والقرطبي احتمالاً، وقال النووي: إنه الأظهر، وجزم به ابن حبان كعادته فإن ثبت وإلاّ فما في الصحيح أصح كذا في الفتح.
وقال أبو عمر: من قال إنه كبّر زاد زيادة حافظ يجب قبولها.

( ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنِ امْكُثُوا) مثله في رواية أبي هريرة عند الإسماعيلي فقوله في رواية الصحيحين فقال لنا مكانكم من إطلاق القول على الفعل، ويحتمل أنه جمع بين الإشارة والكلام ( فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَى جِلْدِهِ أَثَرُ الْمَاءِ) .
وفي حديث أبي هريرة ثم رجع فاغتسل ثم رجع إلينا ورأسه يقطر فكبّر.
وفي رواية فمكثنا على هيئتنا حتى خرج إلينا رأسه ينطف ماء وقد اغتسل، وفي رواية فصلى بهم كما في الصحيحين زاد الدارقطني فقال: إني كنت جنبًا فنسيت أن أغتسل وفيه جواز النسيان على الأنبياء في أمر العبادة للتشريع وطهارة الماء المستعمل وجواز الفصل بين الإقامة والصلاة لأنه قوله فكبر وقوله فصلى بهم ظاهر في أن الإقامة لم تعد، والظاهر أنه مقيد بالضرورة وبأمن خروج الوقت.

وعن مالك: إذا بعدت الإقامة من الإحرام تعاد وينبغي حمله على ما إذا لم يكن عذر كذا في الفتح.

وقال النووي: هذا محمول على قرب الزمان فإن طال فلا بدّ من إعادة الإقامة قال ويدل على قرب الزمان في هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم مكانكم.
وقوله وخرج إلينا ورأسه يقطر.

وقال أبو العباس القرطبي: مذهب مالك أن التفريق إن كان لغير عذر ابتدأ الإقامة طال التفريق أو لا كما قال في المدونة في المصلي بثوب نجس يقطع الصلاة ويستأنف الإقامة، وكذلك قال في القهقهة وإن كان لعذر فإن طال استأنف الإقامة وإلا بنى عليها وفيه أنه لا حياء في الدين، وسبيل من غلب أن يأتي بأمر موهم كأن يمسك بأنفه ليوهم أنه رعف وفيه أنه لا يتيمم قبل الخروج من المسجد خلافًا للثوري وإسحاق وبعض المالكية من نام في المسجد فاحتلم وجب عليه التيمم قبل الخروج.

واحتج به الشافعي ومن وافقه على جواز تكبير المأموم قبل الإمام لأنهم لم يكبروا بعد تكبيره الواقع بعدما اغتسل بل اكتفوا بتكبيرهم أولاً.
وقال علي عن مالك هذا خاص للنبي صلى الله عليه وسلم، ودعوى ابن بطال أن الشافعي ناقض أصله في الاحتجاج بالمرسل متعقبة بأنه لا يرد المرسل مطلقًا بل يحتج منه بما اعتضد، وهنا كذلك لاعتضاده بحديث أبي بكرة وفيه تخصيص ما رواه مسلم وأبو داود وغيرهما عن أبي هريرة أنه رأى رجلاً قد خرج من المسجد بعد أن أذن المؤذن فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم بمن ليست له ضرورة فيلحق بالجنب المحدث والراعف والحاقن ونحوهم وكذا من يكون إمامًا بمسجد آخر، وقد رواه الطبراني في الأوسط فصرح برفعه وبالتخصيص فقال عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يسمع النداء في مسجدي ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق.

( مالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ زُيَيْدِ) بضم الزاي ومثناتين من تحت ( بْنِ الصَّلْتِ) بن معد يكرب الكندي أخو كثير بن الصلت المولود في العهد النبوي وقدم عمومتهم على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا ورجعوا إلى اليمن ثم ارتدوا وقتلوا زمن الصديق، وهاجر كثير وأخواه زبيد وعبد الرحمن إلى المدينة فسكنوها.
روى زبيد عن أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم قال ابن الحذاء: هو قاضي المدينة زمن هشام بن عبد الملك.
قال الحافظ: وهو بعيد وأظن قاضي المدينة ولده الصلت بن زييد يعني شيخ مالك تقدمت روايته عنه في المذي.

( أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَى الْجُرُفِ) بضم الجيم والراء وفاء.
قال الرافعي: على ثلاثة أميال من المدينة من جانب الشام كذا ضبطه بضمتين الحافظ والسيوطي وغيرهما واقتصر المجد على أنه بسكون الراء وكذا المصباح فقال: الجرف بضم الراء وتسكن للتخفيف ما جرفته السيول وأكلته من الأرض وبالمخفف تسمى ناحية قريبة من أعمال المدينة على نحو من ثلاثة أميال.

( فَنَظَرَ) في ثوبه كما في الرواية التالية ( فَإِذَا هُوَ قَدِ احْتَلَمَ) رأى في منامه رؤيا أي رأى في ثوبه أثر الاحتلام وهو المني ( وَصَلَّى وَلَمْ يَغْتَسِلْ) لعدم رؤيته لذلك قبل الصلاة ( فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَانِي إِلَّا احْتَلَمْتُ وَمَا شَعَرْتُ) بفتحتين أي علمت ( وَصَلَّيْتُ وَمَا اغْتَسَلْتُ.
قَالَ: فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ)
من أثر الاحتلام ( وَنَضَحَ) أي رش ( مَا لَمْ يَرَ) فيه أذى لأنه شك هل أصابه المني أم لا.
ومن شك في إصابة النجاسة لثوب وجب نضحه تطييبًا للنفس ومدافعة للشيطان ففيه دليل على نجاسة المني عنده، ولو لم يكن علته إلا خروجه من مخرج البول والمذي والودي لكفى، وقول الرافعي يحتمل أن غسله لأنه استنجى بالحجر وأنه كان نظيفًا ولذا نضح ما لم ير فيه شيئًا مبالغة في التنظيف بناءً على مذهبه من طهارة المني وفي احتماله بعد إذ لم يكن يشتغل بغسل شيء طاهر قبل الصلاة خصوصًا وكان الوقت قد ضاق لأن وقت الفائتة ذكرها وقد قال: ( وَأَذَّنَ أَوْ أَقَامَ) بالشك ( ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى مُتَمَكِّنًا) في الارتفاع هذا ظاهره، وقال أبو عبد الملك: يريد متمكنًا في غسله وفي فعله كله.

( مَالِكٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) السابق ( عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) الهلالي المدني أحد الفقهاء السبعة ( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا) ذهب أول النهار ( إِلَى أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا فَقَالَ: لَقَدِ ابْتُلِيتُ بِالِاحْتِلَامِ مُنْذُ وُلِّيتُ أَمْرَ النَّاسِ) .
قال ابن عبد البر: ذلك والله أعلم لاشتغاله بأمرهم ليلاً ونهارًا عن النساء فكثر عليه الاحتلام.
وقال الباجي: يحتمل ذلك، ويحتمل أن ذلك كان وقتًا لابتلائه به لمعنى من المعاني ووقته بما ذكر من ولايته.

( فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ مِنَ الِاحْتِلَامِ) وهو المني وهذا صريح في دفع احتمال الرافعي في سابقه ( ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ) وعلت في ارتفاعها كما في الذي قبله.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ) فصرح في هذا الطريق بأن صلاته كانت بالناس ( ثُمَّ غَدَا إِلَى أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ) فيه أن الإمام ومن ولي شيئًا من أمر المسلمين له أن يتعاهد ضيعته وأمور دنياه.
وروى ابن حبيب عن مالك: لا بأس أن يطلع القاضي ضيعته ويقيم في إصلاحها يومين وثلاثة وأكثر ( فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا) أثره وهو المني ( فَقَالَ: إِنَّا لَمَّا أَصَبْنَا الْوَدَكَ) بفتحتين دسم اللحم والشحم وهو ما يتحلب من ذلك ( لَانَتِ الْعُرُوقُ) فنشأ من ذلك الاحتلام.
قيل أن عمر كان يطعمه الوفود ويأكل معهم استئلافًا، والمشهور عنه أنه لم يتغير عن حاله وأنه لم يصنع لهم إلا ما كان يأكله تعليمًا لهم وإنكارًا للسرف، ويحتمل أن يكون الناس قبل ذلك في جهد من الجدب فامتنع من أكل الودك والسمن ليكون حاله في القلة كالمسلمين حتى ضر بطنه وقال لتمرني على أكل الزيت مادام السمن يباع بالأواقي وجعل على نفسه ألا يأكل سمنًا حتى يأكله الناس، ثم أخصب الناس فعاد فأكل السمن والودك ذكره الباجي.

( فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ الِاحْتِلَامَ مِنْ ثَوْبِهِ وَعَادَ لِصَلَاتِهِ) أي أعادها لبطلانها وفي إعادته وحده دون من صلى خلفه دليل على أنه لا إعادة على من صلى خلف جنب أو محدث إذا لم يعلموا وكان الإمام ناسيًا فإن كان عالمًا بطلت صلاتهم.
وقال الشافعي وابن نافع صحيحة في الوجهين إذا لم يعلموا لأنهم لم يكلفوا علم حال الإمام ويأثم هو في العمد لا السهو.
وقال أبو حنيفة: باطلة في الوجهين لارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام.

قال الباجي وابن عبد البر: ذكر مالك حديث عمر من أربعة طرق ليس في شيء منها أنه صلى بالناس إلا في طريق يحيى بن سعيد وهو أحسنها انتهى، لكن هذه الطرق الثلاثة واقعة واحدة بخلاف الرابعة فقصة أخرى وهي التي ذكرها بقوله.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ) بن أبي بلتعة بفتح الموحدة والفوقية بينهما لام ساكنة ثم مهملة تابعي ثقة روى له مسلم والأربعة، مات سنة أربع ومائة، ولأبيه عبد الرحمن رؤية وعدوه في كبار الثقات التابعين من حيث الرواية، وجده صحابي شهير بدري.
قال أبو عبد الملك: هذا مما عد أن مالكًا وهم فيه لأن أصحاب هشام الفضل بن فضالة وحماد بن سلمة ومعمرًا قالوا عن هشام عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه فسقط لمالك عن أبيه.

( أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي) أي مع ( رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ) بالياء وحذفها والصحيح بالياء ( وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَرَّسَ) بمهملات مثقلاً نزل آخر الليل للاستراحة ( بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَرِيبًا مِنْ بَعْضِ الْمِيَاهِ) رفقًا بالركب ( فَاحْتَلَمَ عُمَرُ وَقَدْ كَادَ أَنْ يُصْبِحَ فَلَمْ يَجِدْ مَعَ الرَّكْبِ مَاءً) يغتسل به ويغسل ثوبه ( فَرَكِبَ حَتَّى جَاءَ الْمَاءَ) الذي عرس بقربه ( فَجَعَلَ يَغْسِلُ مَا رَأَى مِنْ ذَلِكَ الِاحْتِلَامِ حَتَّى أَسْفَرَ فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَصْبَحْتَ) دخلت في الصباح ( وَمَعَنَا ثِيَابٌ فَدَعْ ثَوْبَكَ يُغْسَلُ) بتمامه والبس ثوبًا من ثيابنا ( فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَاعَجَبًا لَكَ يَا عَمْرُو بْنَ الْعَاصِ لَئِنْ كُنْتَ) بفتح تاء الخطاب ( تَجِدُ ثِيَابًا أَفَكُلُّ النَّاسِ يَجِدُ ثِيَابًا وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُهَا) أنا ( لَكَانَتْ سُنَّةً) طريقة أتبع يها فيشق على الناس الذين لا يجدون ثيابًا.

قال الباجي: قول عمر ذلك لعلمه بمكانه من قلوب المسلمين ولاشتهار قوله صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي فخشي التضييق على من ليس له إلا ثوب واحد.

( بَلْ أَغْسِلُ مَا رَأَيْتُ وَأَنْضِحُ مَا لَمْ أَرَ) أي أرشه.
وهو عند العلماء طهر لما شك فيه كأنه دفع للوسوسة وأباه بعضهم وقال لا يزيده النضح إلا انتشارًا قاله ابن عبد البر.
وقال الباجي: مقتضاه وجوب النضح لأنه لا يشتغل عن الصلاة بالناس مع ضيق الوقت إلا بأمر واجب مانع للصلاة.
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا ينضح بالشك وهو على طهارته.

( قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ أَثَرَ احْتِلَامٍ وَلَا يَدْرِي مَتَى كَانَ وَلَا يَذْكُرُ شَيْئًا رَأَى فِي مَنَامِهِ؟ قَالَ: لِيَغْتَسِلْ مِنْ أَحْدَثِ) أقرب أي آخر ( نَوْمٍ نَامَهُ فَإِنْ كَانَ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّوْمِ) الأخير ( فَلْيُعِدْ مَا كَانَ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّوْمِ) لا ما صلاه قبل النوم الأخير فلا إعادة لأنه شك طرأ بعد كمال الصلاة وبراءة الذمة فلا يؤثر فيها لحدوثه بعد تيقن سلامة العبادة، وعلل ذلك أي عدم إعادته ما صلاه قبل آخر نوم بقوله ( مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا احْتَلَمَ) رأى أنه يجامع ( وَلَا يَرَى شَيْئًا) أي منيًا ( وَيَرَى) المني في ثوبه ( وَلَا يَحْتَلِمُ) لا يرى أنه يجامع ( فَإِذَا وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَاءً فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ) وجوبًا ( وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ أَعَادَ مَا كَانَ صَلَّى لِآخِرِ نَوْمٍ نَامَهُ وَلَمْ يُعِدْ مَا كَانَ قَبْلَهُ) ولا فرق بين أن يكون لا ينام إلا في ذلك الثوب الذي رأى فيه المني أو كان ينام فيه في بعض الأوقات لأن الذي ينام فيه أبدًا تيقن أن ما صلى بعد آخر نومة على حدث وشك فيما قبل، وكذلك حال ما نام فيه مرة وفي غيره أخرى قاله الباجي.