فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الْعَمَلِ فِي التَّيَمُّمِ

رقم الحديث 44 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِنْ كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيَتَوَضَّئُونَ جَمِيعًا.


الطَّهُورِ لِلْوُضُوءِ

( مَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ) بضم السين المدني الزهري مولاهم أبي عبد الله روى عن مولاه حميد بن عبد الرحمن بن عوف وعن ابن عمر وأنس وأبي أمامة بن سهل وعبد الله بن جعفر وأم سعد الجمحية ولها صحبة وجماعة عنه وعنه الليث ومالك والسفيانان وخلق قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث عابدًا وذكر عند أحمد فقال هذا رجل يستشفى بحديثه وينزل القطر من السماء بذكره مات سنة اثنين وثلاثين ومائة وله اثنتان وسبعون سنة.

( عَنْ سَعِيدِ) بفتح السين وكسر العين ( بْنِ سَلَمَةَ) المخزومي ( مِنْ آلِ بَنِي الْأَزْرَقِ) وثقه النسائي وقول ابن عبد البر لم يرو عنه فيما علمت إلا صفوان ومن كانت هذه حالته فهو مجهول لا تقوم به حجة تعقب بأنه روى عنه الجلاح أبو كبير وحديثه عنه في مستدرك الحاكم قال الرافعي: وعكس بعض الرواة الاسمين فقال: سلمة بن سعيد وبدل بعضهم فقال: عبد الله بن سعيد.

( عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ) ويقال ابن عبد الله بن أبي بردة من أوسط التابعين وثقه النسائي وقد ولي إمرة الغزو بالمغرب مات بعد المائة قال في الإكمال سئل أبو زرعة الرازي عن اسم أبي بردة والد المغيرة فقال لا أعرفه.

( وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ) بن قصي فهو قرشي كذا في رواية يحيى قال ابن وضاح: ليس هو من بني عبد الدار وطرحه ولم يقع ذلك في موطأ محمد بن الحسن قال ابن عبد البر: سأل الترمذي البخاري عن حديث مالك هذا فقال حديث صحيح.
قلت: هشيم يقول فيه المغيرة بن أبي بزرة يعني بفتح الموحدة والزاي فقال وهم فيه.

( أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ) قال الرافعي: رواه بعضهم عن المغيرة عن أبيه عن أبي هريرة ولا يوهم إرسالاً في الإسناد للتصريح فيه بسماع المغيرة من أبي هريرة يعني فرواية هذا البعض من المزيد في متصل الأسانيد.

( يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ) من بني مدلج كما في مسند أحمد وللطبراني أن اسمه عبد الله، وفي رواية له ولابن عبد البر أنه الفراسي وفي الإصابة عبد بسكون الموحدة بغير إضافة العركي بفتح المهملة والراء بعدها كاف هو الملاح ووهم من قال إنه اسم بلفظ النسب قيل هو اسم الذي سأل عن ماء البحر في هذا الحديث، وحكى ابن بشكوال أن اسمه عبد الله المدلجي، وقال الطبراني اسمه عبيد بالتصغير، وقال البغوي اسمه حميد بن صخر قال: وبلغني أن اسمه عبد ود انتهى.

( إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ) الملح لأنه المتوهم فيه لأنه مالح ومر وريحه منتن قال أبو عبد الملك فيه جواز ركوبه لغير حج ولا عمرة ولا جهاد لأن السائل إنما ركبه للصيد كما جاء من غير طريق مالك.

( وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ) بقدر الاكتفاء ( فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا) بكسر الطاء ( أَفَنَتَوَضَّأُ بِهِ) أي بماء البحر ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ) أي البحر ( الطَّهُورُ مَاؤُهُ) بفتح الطاء البالغ الطهارة ومنه قوله تعالى: { { وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا } } أي طاهرًا في ذاته مطهرًا لغيره ولم يقل في جوابه نعم مع حصول الغرض به ليقرن الحكم بعلته وهي الطهورية المتناهية في بابها ودفعًا لتوهم حمل لفظة نعم على الجواز ولما وقع جوابًا للسائل بين أن ذلك وصف لازم له ولم يقل ماؤه الطهور لأنه أشد اهتمامًا بذكر الوصف الذي اتصف به الماء المجوز للوضوء وهو الطهورية فالطهور به حلال صحيح كما عليه جمهور السلف والخلف وما نقل عن بعضهم من عدم الإجزاء به مزيف أو مؤول بأنه أراد عدم الإجزاء على وجه الكمال عنده ( الْحِلُّ) أي الحلال كما في رواية الدارقطني عن جابر وأنس وابن عمرو ( مَيْتَتُهُ) .

قال الرافعي: لما عرف صلى الله عليه وسلم اشتباه الأمر على السائل في ماء البحر أشفق أن يشتبه عليه حكم ميتته وقد يبتلى بها راكب البحر فعقب الجواب عن سؤاله ببيان حكم الميتة وقال غيره: سأله عن مائه فأجابه عن مائه وطعامه لعلمه بأنه قد يعوزهم الزاد فيه كما يعوزهم الماء فلما جمعتهم الحاجة انتظم الجواب بهما.

قال ابن العربي: وذلك من محاسن الفتوى بأكثر مما يسئل عنه تتميمًا للفائدة وإفادة لعلم آخر غير المسئول عنه ويتأكد ذلك عند ظهور الحاجة إلى الحكم كما هنا لأن من توقف في طهورية ماء البحر فهو عن العلم بحل ميتته مع تقدم تحريم الميتة أشد توقفًا.

قال اليعمري: وهذان الحكمان عامان وليسا في مرتبة واحدة إذ لا خلاف في العموم في حل ميتته لأنه عام مبتدأ لا في معرض جواب بخلاف الأول لأنه في معرض الجواب عن مسئول عنه، والثاني ورد بطريق الاستقلال فلا خلاف في عمومه عند القائلين به، ولو قيل في الأول أن السؤال وقع عن الوضوء وكون مائه طهورًا يفيد الوضوء وغيره فهو أعم من المسئول عنه لكان له وجه ولفظ الميتة مضاف إلى البحر ولا يجوز حمله على مطلق ما يجوز إضافته إليه مما يطلق عليه اسم الميتة وإن ساغت الإضافة فيه لغة بل محمول على الميتة من دوابه المنسوبة إليه مما لا يعيش إلا فيه وإن كان على غير صورة السمك ككلب وخنزير، وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام تلقته الأئمة بالقبول وتداولته فقهاء الأمصار في سائر الأعصار في جميع الأقطار، ورواه الأئمة الكبار مالك والشافعي وأحمد وأصحاب السنن الأربعة والدارقطني والبيهقي والحاكم وغيرهم من عدة طرق، وصححه ابن خزيمة وابن حبان وابن منده وغيرهم.
وقال الترمذي حسن صحيح، وسألت عنه البخاري فقال: حديث صحيح والله أعلم.

( مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) زيد بن سهل الأنصاري ( عَنْ) زوجته ( حُمَيْدَةَ) بضم الحاء المهملة وفتح الميم عند رواة الموطأ إلا يحيى الليثي فقال: إنها بفتح الحاء وكسر الميم نبه عليه أبو عمر ( بِنْت أبي عُبَيْدِ بْنِ فروة) كذا قال يحيى وهو غلط منه لم يتابعه عليه أحد، وإنما يقول رواة الموطأ كلهم ابنة عبيد بن رفاعة إلا أن زيد بن الحباب قال فيه عن مالك حميدة بنت عبيد بن رافع نسب أباها إلى جده وهو عبيد بن رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان، وحميدة هذه امرأة إسحاق، وبه صرح في رواية يحيى القطان ومحمد بن الحسن وابن المبارك عن مالك عن إسحاق قال: حدثتني امرأتي حميدة وتكنى أم يحيى قاله ابن عبد البر أي باسم ابنها يحيى بن إسحاق وهي أنصارية مدنية مقبولة من التابعيات روى لها أصحاب السنن ( عَنْ خَالَتِهَا كَبْشَةَ) بفتح الكاف والشين المعجمة بينهما موحدة ساكنة ( بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) الأنصارية قال ابن حبان: لها صحبة وتبعه المستغفري ( وَكَانَتْ تَحْتَ) عبد الله ( ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ) المدني الثقة التابعي المتوفى سنة خمس وتسعين.
وقال ابن سعد: تزوجها ثابت بن أبي قتادة فولدت له، وفي رواية ابن المبارك عن مالك وكانت امرأة أبي قتادة.

قال ابن عبد البر: وهو وهم منه إنما هي امرأة ابنه، ووقع في الأم للشافعي عن مالك وكانت تحت ابن أبي قتادة أو أبي قتادة الشك من الربيع كذا وقع في الأصل.

قال الرافعي: وفي نسبة الشك إليه شبهة لأن عبد الملك بن محمد بن عدي روى عن الحسن بن محمد الزعفراني عن الشافعي عن مالك الحديث وقال فيه كذلك، وهذا يوهم أن الشك من غير الربيع، وفي رواية عبد الرزاق وغيره عن مالك وكانت عند أبي قتادة وهذا يصدق على التقديرين قال: والواقع على ما رواه الأكثرون الأولى أي أنها زوج ابنه وكذا رواه الربيع عن الشافعي في موضع آخر بلا شك ويدل عليه قوله لها: يا ابنة أخي ولا يحسن تسمية الزوجة باسم المحارم.

( أَنَّهَا) أي كبشة ( أَخْبَرَتْهَا) أي حميدة ( أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ) الأنصاري اسمه الحارث ويقال عمرو ويقال النعمان بن ربعي بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها مهملة السلمي بفتحتين المدني شهد أحدًا وما بعدها ولم يصح شهوده بدرًا ومات سنة أربع وخمسين على الأصح الأشهر ( دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَكَبَتْ) أي صبت ( لَهُ وَضُوءًا) أي الماء الذي يتوضأ به ( فَجَاءَتْ هِرَّةٌ لِتَشْرَبَ مِنْهُ فَأَصْغَى) بغين معجمة أي أمال ( لَهَا الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ) منه ( قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ) نظر المنكر أو المتعجب ( فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي؟) في الصحبة لأن أباها صحابي مثله وسلمي من قبيلته وهو أحد الثلاثة ( قَالَتْ فَقُلْتُ) له ( نَعَمْ) أعجب ( فَقَالَ) لا تعجبي ( إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ) وصف بالمصدر فيستوي فيه المذكر والمؤنث قاله الرافعي وضبطه المنذري والنووي وابن دقيق العيد وابن سيد الناس بفتح الجيم من النجاسة قال تعالى: { { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } } ذكره السيوطي على النسائي ( إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ) أي الذين يداخلونكم ويخالطونكم قاله أبو عمر ( أَوِ الطَّوَّافَاتِ) شك من الراوي أو تنويع أي ذكورها من ذكور من يطوف وإناثها من الإناث.
ويؤيده أن في رواية بالواو قاله الرافعي وهي رواية محمد بن الحسن للموطأ، وقال البوني: الطوافين الخدم والطوافات الخادمات ونظيره قوله تعالى: { { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ } } فالهر في اختلاطه كبعض الخدم.

وروى ابن ماجه والحاكم وابن عدي عن أبي هريرة مرفوعًا: الهرة لا تقطع الصلاة إنما هي من متاع البيت، والدارقطني عن عائشة مرفوعًا إنها ليست بنجس هي كبعض أهل البيت.

قال الرافعي: ولو قرئ تنجس أي بفوقية قبل النون وشد الجيم أي ما تلغ فيه لصح معناه، وكان قوله إنما هي من الطوافين حسن الموقع أي إذا كانت تطوف في البيت ولا يستغنى عنها يخفف الأمر فيما ولغت فيه، ولذا صار بعضهم إلى العفو مع تيقن نجاسة فمها لكن الرواية لا تساعده اهـ.

وهذا الحديث أخرجه الشافعي في الأم عن مالك به ورواه أصحاب السنن الأربعة، وأخرج أحمد والدارقطني والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دعي إلى دار قوم فأجاب ودعي إلى دار آخرين فلم يجب فقيل له في ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: إن في دار فلان كلبًا وفي دار الآخر هرة والهرة ليست بنجسة إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات.

( قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِهِ) أي يجوز الوضوء بما شربت منه ( إِلَّا أَنْ يُرَى عَلَى فَمِهَا نَجَاسَةٌ) فإن غيرت الماء منع.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاري ( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ) بن خالد القرشي ( التَّيْمِيِّ) أبي عبد الله المدني ثقة له أفراد من صغار التابعين، روى عن جابر وعائشة وأنس وخلق، وعنه ابنه موسى ويحيى الأنصاري والأوزاعي وجماعة، وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وغيرهم.
وقال أحمد: في أحاديثه شيء يروي أحاديث مناكير مات سنة عشرين ومائة على الصحيح وقيل قبلها بسنة.

( عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ) بن أبي بلتعة ثقة من التابعين مات سنة أربع ومائة روى له مسلم والأربعة ( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ فِي رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ) بن وائل السهمي الصحابي المشهور أسلم عام الحديبية وولي إمرة مصر مرتين وهو الذي فتحها وبها مات سنة نيف وأربعين وقيل بعد الخمسين ( حَتَّى وَرَدُوا حَوْضًا فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِصَاحِبِ الْحَوْضِ: يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ هَلْ تَرِدُ حَوْضَكَ السِّبَاعُ؟) للشرب منه فنمتنع عنه ( فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لَا تُخْبِرْنَا) واتركنا على اليقين الأصلي الذي لا يزول بالشك العارض أي فكل ذلك عندنا سواء أخبرتنا أم لم تخبرنا بدليل قوله ( فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ وَتَرِدُ عَلَيْنَا) أي أنه أمر لا بد منه وهي طاهرة لا ينجس الماء بشربها منه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لها ما حملت ولنا ما بقي شراب وطهور رواه عبد الرزاق، وقال صلى الله عليه وسلم: الماء لا ينجسه شيء رواه الطيالسي والشافعي وأحمد وغيرهم.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِنْ) مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن أي أنه ( كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ) ظاهره التعميم فاللام للجنس لا للاستغراق كذا في فتح الباري، ومراده بالتعميم أن اللفظ لا يختص بالمحارم والزوجات بل يشمل غيرهم لأن هذا كان قبل الحجاب وإلا نافى كلامه بعضه بعضًا ( فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فيه أن الصحابي إذا أضاف الفعل إلى زمان المصطفى يكون حكمه الرفع وهو الصحيح وقال قوم: لا لاحتمال أنه لم يطلع عليه وهو ضعيف لتوفر دواعي الصحابة على سؤالهم إياه عن الأمور التي تقع لهم ومنهم ولو لم يسألوه لم يقروا على فعل غير جائز في زمن التشريع ( لَيَتَوَضَّئُونَ جَمِيعًا) أي حال كونهم مجتمعين لا مفترقين.
زاد ابن ماجه عن هشام بن عروة عن مالك في هذا الحديث من إناء واحد، وزاد أبو داود من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ندلي فيه أيدينا، وظاهر قوله جميعًا أنهم كانوا يتناوبون الماء في حالة واحدة ولا مانع من ذلك قبل نزول الحجاب وأما بعده فيختص بالزوجات والمحارم قاله الحافظ.

وقال الرافعي يريد كل رجل مع امرأته وأنهما كانا يأخذان من إناء واحد وكذلك ورد في بعض الروايات واستحسنه السيوطي وقال إن غيره تخليط.
وقال قوم: معناه كانوا يتوضئون جميعًا في موضع واحد الرجال على حدة والنساء على حدة.

قال الحافظ: والزيادة المتقدمة في قوله من إناء واحد ترد عليه وكان هذا القائل استبعد اجتماع الرجال والنساء الأجانب.
وأجاب ابن التين بما حكاه عن سحنون.
أن معناه كان الرجال يتوضئون ويذهبون ثم يأتي النساء فيتوضئون وهو خلاف الظاهر من قوله جميعًا.

قال أهل اللغة: الجميع ضد المتفرق وقد صرح بوحدة الإناء في صحيح ابن خزيمة من طريق معمر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه أبصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم في إناء واحد كلهم يتطهرون منه، وفيه دلالة على جواز الوضوء بفضل وضوء المرأة لأنهما إذا توضآ جميعًا منه صدق أن الباقي في الإناء فضل وضوء المرأة، وإليه ذهب الجمهور ومنهم الأئمة الثلاثة.
وقال أحمد وداود: لا يجوز إذا خلت به، ووجهه شيخنا حافظ العصر البابلي بأنها ناقصة عقل ودين، فربما إذا خلت به أدخلت فيه شيئًا لم يطلع عليه الرجل، ونقضه شيخنا العلامة الشمرلسي لما ذكرته له بأن المرأة لها الوضوء بما خلت به المرأة بلا كراهة عند أحمد وعن الحسن وابن المسيب كراهة فضلها مطلقًا.

وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به.



رقم الحديث 121 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّهُ أَقْبَلَ هُوَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنَ الْجُرُفِ حَتَّى إِذَا كَانَا بِالْمِرْبَدِ نَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ فَتَيَمَّمَ صَعِيدًا طَيِّبًا، فَمَسَحَ وَجْهَهُ، وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ صَلَّى.


الْعَمَلِ فِي التَّيَمُّمِ

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ أَقْبَلَ هُوَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنَ الْجُرُفِ) بضم فسكون أو بضمتين موضع على ثلاثة أميال من المدينة كما تقدم ( حَتَّى إِذَا كَانَا بِالْمِرْبَدِ) بكسر الميم وسكون الراء وموحدة مفتوحة ومهملة على ميل أو ميلين من المدينة قاله الباجي وهما قولان جزم الحافظ بأنه على ميل وغيره بأنه على ميلين ( نَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ فَتَيَمَّمَ صَعِيدًا طَيِّبًا فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ صَلَّى) حفظًا للوقت.

قال ابن سحنون في شرح الموطأ عن أبيه: معناه أن ابن عمر كان على وضوء لأنه روى أنه كان يتوضأ لكل صلاة، فجعل التيمم حين عدم الماء عوضًا من الوضوء.

وقال الباجي فيه: التيمم في الحضر لعدم الماء إذ من قصره على السفر لا يجيزه إلا في مسافة قصر وليس بين الجرف والمدينة مسافة القصر.

قال محمد بن مسلمة: وإنما تيمم بالمربد لأنه خاف فوات الوقت يعني المستحب.
وروى يعني في البخاري أنه دخل المدينة والشمس مرتفعة ولم يعد، ويحتمل أن تكون مرتفعة إلا أن الصفرة دخلتها أو لعله رأى أنه في ضيق من الوقت ثم تبين غير ذلك.

وقال البوني: يحتمل أنه يرى حل التيمم بدخول الوقت وأنه ليس عليه التأخير انتهى.

وإلى جوازه في الحضر ذهب مالك وأصحابه وأبو حنيفة والشافعي لأنه شرع لإدراك الوقت فإذا لم يجد الحاضر الماء تيمم، والآية خرجت على الأغلب أن المسافر لا يجد الماء كما أن الأغلب أن الحاضر يجده فلا مفهوم لها.

وقال أبو يوسف وزفر: لا يجوز التيمم في الحضر بحال ولو خرج الوقت حتى يجد الماء وعلى التيمم ففي الإعادة روايتان المشهور لا إعادة قياسًا على المسافر والمريض بجامع أنه شرع لهما لإدراك الوقت فيلحق بهما الحاضر إذا لم يجد الماء في عدم الإعادة كما ألحق بهما في التيمم، والرواية الثانية وجوب الإعادة وقال بها ابن عبد الحكم وابن حبيب والشافعي لندور ذلك.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَيَمَّمُ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ) ليجمع بين الفرض والسنة أو أن مذهبه أنه فرض إليهما.

( وَسُئِلَ مَالِكٌ كَيْفَ التَّيَمُّمُ وَأَيْنَ يَبْلُغُ بِهِ فَقَالَ يَضْرِبُ ضَرْبَةً لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةً لِلْيَدَيْنِ) ليجمع بين الفرض والسنة، فلو اقتصر على ضربة واحدة لهما كفاه ولا إعادة على المذهب ( وَيَمْسَحُهُمَا إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ) .
تحصيلاً للسنة ولو مسحهما إلى الكوع صح ويستحب الإعادة في الوقت، فأجاب رحمه الله بالصفة الكاملة وإن كان الواجب عنده ضربة لهما، وإلى الكوعين لما في الصحيحين من حديث عمار أنه أجنب فتمعك أي تمرغ في التراب وصلى قال: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما كان يكفيك هكذا فضرب صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه، وفي رواية فقال صلى الله عليه وسلم: يكفيك الوجه والكفان فعلمه فعلاً وقولاً، ففيه أن الزائد عليهما ليس بفرض، وإليه ذهب أحمد وأصحاب الحديث والشافعي في القديم، وأنكره الماوردي وغيره.

قال النووي في شرح المهذب: وهو إنكار مردود فقد رواه عنه أبو ثور وغيره، وأبو ثور إمام ثقة وهذا القول وإن كان مرجوحًا عند الأصحاب فهو القوي في الدليل.
وقال في شرح مسلم جوابًا عن حديث عمار بأن المراد به بيان صورة الضرب للتعليم لا بيان جميع ما يحصل به التيمم.

قال الحافظ: وتعقب بأن سياق القصة يدل على أن المراد جميع ذلك لأنه الظاهر من قوله إنما كان يكفيك، وأما ما استدل به لاشتراط بلوغ المسح إلى المرفقين بأن ذلك شرط في الوضوء، فجوابه أنه قياس مع وجود النص فهو فاسد الاعتبار، وقد عارضه من لم يشترط ذلك بقياس آخر وهو الإطلاق في آية السرقة ولا حاجة لذلك مع وجود هذا النص انتهى.

وذهب أبو حنيفة والشافعي في الجديد وغيرهما إلى وجوب ضربتين ووجوبه إلى المرفقين لحديث أبي داود أنه صلى الله عليه وسلم تيمم ضربتين مسح بإحداهما وجهه والأخرى يديه إلى المرفقين.

وروى الحاكم والدارقطني عن ابن عمر مرفوعًا: التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين، وتعقب بأن الصواب وقفه على ابن عمر، وخبر أبي داود ليس بالقوي، ولو ثبت بالأمر دل على النسخ فيلزم قبوله لكن إنما ورد بالفعل فيحمل على الأكمل جمعًا بينه وبين حديث عمار.



رقم الحديث 122 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَيَمَّمُ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَسُئِلَ مَالِكٌ كَيْفَ التَّيَمُّمُ وَأَيْنَ يَبْلُغُ بِهِ؟ فَقَالَ: يَضْرِبُ ضَرْبَةً لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةً لِلْيَدَيْنِ، وَيَمْسَحُهُمَا إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ.


الْعَمَلِ فِي التَّيَمُّمِ

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ أَقْبَلَ هُوَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنَ الْجُرُفِ) بضم فسكون أو بضمتين موضع على ثلاثة أميال من المدينة كما تقدم ( حَتَّى إِذَا كَانَا بِالْمِرْبَدِ) بكسر الميم وسكون الراء وموحدة مفتوحة ومهملة على ميل أو ميلين من المدينة قاله الباجي وهما قولان جزم الحافظ بأنه على ميل وغيره بأنه على ميلين ( نَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ فَتَيَمَّمَ صَعِيدًا طَيِّبًا فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ صَلَّى) حفظًا للوقت.

قال ابن سحنون في شرح الموطأ عن أبيه: معناه أن ابن عمر كان على وضوء لأنه روى أنه كان يتوضأ لكل صلاة، فجعل التيمم حين عدم الماء عوضًا من الوضوء.

وقال الباجي فيه: التيمم في الحضر لعدم الماء إذ من قصره على السفر لا يجيزه إلا في مسافة قصر وليس بين الجرف والمدينة مسافة القصر.

قال محمد بن مسلمة: وإنما تيمم بالمربد لأنه خاف فوات الوقت يعني المستحب.
وروى يعني في البخاري أنه دخل المدينة والشمس مرتفعة ولم يعد، ويحتمل أن تكون مرتفعة إلا أن الصفرة دخلتها أو لعله رأى أنه في ضيق من الوقت ثم تبين غير ذلك.

وقال البوني: يحتمل أنه يرى حل التيمم بدخول الوقت وأنه ليس عليه التأخير انتهى.

وإلى جوازه في الحضر ذهب مالك وأصحابه وأبو حنيفة والشافعي لأنه شرع لإدراك الوقت فإذا لم يجد الحاضر الماء تيمم، والآية خرجت على الأغلب أن المسافر لا يجد الماء كما أن الأغلب أن الحاضر يجده فلا مفهوم لها.

وقال أبو يوسف وزفر: لا يجوز التيمم في الحضر بحال ولو خرج الوقت حتى يجد الماء وعلى التيمم ففي الإعادة روايتان المشهور لا إعادة قياسًا على المسافر والمريض بجامع أنه شرع لهما لإدراك الوقت فيلحق بهما الحاضر إذا لم يجد الماء في عدم الإعادة كما ألحق بهما في التيمم، والرواية الثانية وجوب الإعادة وقال بها ابن عبد الحكم وابن حبيب والشافعي لندور ذلك.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَيَمَّمُ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ) ليجمع بين الفرض والسنة أو أن مذهبه أنه فرض إليهما.

( وَسُئِلَ مَالِكٌ كَيْفَ التَّيَمُّمُ وَأَيْنَ يَبْلُغُ بِهِ فَقَالَ يَضْرِبُ ضَرْبَةً لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةً لِلْيَدَيْنِ) ليجمع بين الفرض والسنة، فلو اقتصر على ضربة واحدة لهما كفاه ولا إعادة على المذهب ( وَيَمْسَحُهُمَا إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ) .
تحصيلاً للسنة ولو مسحهما إلى الكوع صح ويستحب الإعادة في الوقت، فأجاب رحمه الله بالصفة الكاملة وإن كان الواجب عنده ضربة لهما، وإلى الكوعين لما في الصحيحين من حديث عمار أنه أجنب فتمعك أي تمرغ في التراب وصلى قال: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما كان يكفيك هكذا فضرب صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه، وفي رواية فقال صلى الله عليه وسلم: يكفيك الوجه والكفان فعلمه فعلاً وقولاً، ففيه أن الزائد عليهما ليس بفرض، وإليه ذهب أحمد وأصحاب الحديث والشافعي في القديم، وأنكره الماوردي وغيره.

قال النووي في شرح المهذب: وهو إنكار مردود فقد رواه عنه أبو ثور وغيره، وأبو ثور إمام ثقة وهذا القول وإن كان مرجوحًا عند الأصحاب فهو القوي في الدليل.
وقال في شرح مسلم جوابًا عن حديث عمار بأن المراد به بيان صورة الضرب للتعليم لا بيان جميع ما يحصل به التيمم.

قال الحافظ: وتعقب بأن سياق القصة يدل على أن المراد جميع ذلك لأنه الظاهر من قوله إنما كان يكفيك، وأما ما استدل به لاشتراط بلوغ المسح إلى المرفقين بأن ذلك شرط في الوضوء، فجوابه أنه قياس مع وجود النص فهو فاسد الاعتبار، وقد عارضه من لم يشترط ذلك بقياس آخر وهو الإطلاق في آية السرقة ولا حاجة لذلك مع وجود هذا النص انتهى.

وذهب أبو حنيفة والشافعي في الجديد وغيرهما إلى وجوب ضربتين ووجوبه إلى المرفقين لحديث أبي داود أنه صلى الله عليه وسلم تيمم ضربتين مسح بإحداهما وجهه والأخرى يديه إلى المرفقين.

وروى الحاكم والدارقطني عن ابن عمر مرفوعًا: التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين، وتعقب بأن الصواب وقفه على ابن عمر، وخبر أبي داود ليس بالقوي، ولو ثبت بالأمر دل على النسخ فيلزم قبوله لكن إنما ورد بالفعل فيحمل على الأكمل جمعًا بينه وبين حديث عمار.