فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ تَيَمُّمِ الْجُنُبِ

رقم الحديث 45 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أُمِّ وَلَدٍ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهَا سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ أُطِيلُ ذَيْلِي، وَأَمْشِي فِي الْمَكَانِ الْقَذِرِ.
قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ.


( مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ) بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني.
وثقه ابن معين ولينه أبو حاتم، وفي التقريب: أنه صدوق ( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) التيمي المدني ( عَنْ أُمِّ وَلَدٍ) اسمها حميدة تابعية صغيرة مقبولة ( لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الزهري قيل له رؤية وسماعه من عمر أثبته يعقوب بن شيبة مات سنة خمس وقيل ست وتسعين، ورواه قتيبة عند الترمذي وهشام بن عمار عند ابن ماجه كلاهما عن مالك فقال أم ولد لعبد الرحمن بن عوف.
قال الترمذي: ورواه عبد الله بن المبارك فقال عن أم ولد لهود بن عبد الرحمن بن عوف قال وهو وهم وإنما هو لإبراهيم وهو الصحيح ( أَنَّهَا سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ) هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشية المخزومية أم المؤمنين ( زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) تزوجها بعد أبي سلمة سنة أربع وقيل ثلاث وعاشت بعد ذلك ستين سنة وماتت سنة اثنين وستين وقيل سنة إحدى وقيل قبل ذلك والأول أصح.
قال ابن عبد البر: رواه الحسين بن الوليد عن مالك فقال عن حميدة أنها سألت عائشة وهذا خطأ إنما هو لأم سلمة كما رواه الحفاظ في الموطأ وغيره عن مالك.

( فَقَالَتْ إِنِّي امْرَأَةٌ أُطِيلُ ذَيْلِي وَأَمْشِي فِي الْمَكَانِ الْقَذِرِ) بذال معجمة.
( قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ) قال ابن عبد البر وغيره، قال مالك: معناه في القشب اليابس والقذر الجاف الذي لا يلصق منه بالثوب شيء وإنما يعلق به فيزول المتعلق بما بعده لا أن النجاسة يطهرها غير الماء اهـ.

وعن مالك أيضًا إنما هو أن يطأ الأرض القذرة ثم يطأ اليابسة النظيفة فإن بعضها يطهر بعضًا وأما النجاسة مثل البول ونحوه يصيب الثوب أو بعض الجسد فلا يطهره إلا الغسل.
قال: وهذا إجماع الأمة.

وقال الشافعي: هذا إنما هو فيما جر على ما كان يابسًا لا يعلق بالثوب منه شيء فأما إذا جر على رطب فلا يطهر إلا بالغسل.

وقال أحمد: ليس معناه إذا أصابه بول ثم مر بعده على الأرض أنها تطهره ولكنه يمر بالمكان فيقذره ثم يمر بمكان أطيب منه فيكون هذا بذاك لا على أنه لا يصيبه منه شيء.

وذهب بعض العلماء إلى حمل القذر في الحديث على النجاسة ولو رطبة وقالوا يطهر بالأرض اليابسة لأن الذيل للمرأة كالخف والنعل للرجل، ويؤيده ما في ابن ماجه عن أبي هريرة قيل يا رسول الله إنا نريد المسجد فنطأ الطريق النجسة.
فقال صلى الله عليه وسلم: الأرض يطهر بعضها بعضًا لكنه حديث ضعيف كما قاله البيهقي وغيره.

وحديث مالك رواه أبو داود عن عبد الله بن مسلمة والترمذي عن قتيبة وابن ماجه عن هشام بن عمار ثلاثتهم عن مالك، وله شاهد عند أبي داود وابن ماجه عن امرأة من بني عبد الأشهل قالت قلت يا رسول الله إن لنا طريقًا إلى المسجد منتنة فكيف نفعل إذا مطرنا؟ قال: أليس بعدها طريق هي أطيب منها قلت: بلى.
قال: فهذه بهذه.

( مالِكٍ أَنَّهُ رَأَى رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) واسمه فروخ القرشي مولاهم المدني ( يَقْلِسُ) بكسر اللام من باب ضرب قال في النهاية: القلس بالتحريك وقيل بالسكون ما خرج من الجوف ملء الفم أو دونه وليس بقيء فإن عاد فهو القيء ( مِرَارًا وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ) النبوي ( فَلَا يَنْصَرِفُ وَلَا يَتَوَضَّأُ حَتَّى يُصَلِّيَ) لأنه ليس بناقض.

( وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ قَلَسَ طَعَامًا هَلْ عَلَيْهِ وُضُوءٌ؟ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ وَلْيَتَمَضْمَضْ مِنْ ذَلِكَ) فاه ( وَلْيَغْسِلْ فَاهُ) استحبابًا.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَنَّطَ) بفتح المهملة والنون الثقيلة والطاء المهملة أي طيب بالحنوط وهو كل شيء خلط من الطيب للميت خاصة ( ابْنًا) اسمه عبد الرحمن كما في رواية الليث عن نافع عند العلاء بن موسى بن الجهم في نسخته ( لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ) بن عمرو بن نفيل العدوي أحد العشرة مات سنة خمسين أو بعدها بسنة أو بسنتين ( وَحَمَلَهُ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) .

قال أبو عمر: أدخل مالك هذا الحديث إنكارًا لما روي مرفوعًا من غسل ميتًا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ وإعلامًا أن العمل عندهم بخلافه ولم يختلف قوله أنه لا وضوء على من حمل ميتًا، واختلف قوله في غسل من غسل ميتًا، ومعنى الحديث أن من حمل ميتًا أو شيعه فليكن على وضوء لئلا تفوته الصلاة عليه لا أن حمله حدث اهـ.

وحديث من غسل ميتًا إلخ رواه أبو داود من طريق عمرو بن عمير عن أبي هريرة مرفوعًا ورواته ثقات إلا عمرًا فليس بمعروف.
وقال أبو داود: إنه منسوخ ولم يبين ناسخه، وحكى الحاكم عن الذهلي ليس فيمن غسل ميتًا فليغتسل حديث ثابت.

( وَسُئِلَ مَالِكٌ هَلْ فِي الْقَيْءِ وُضُوءٌ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ لِيَتَمَضْمَضْ مِنْ ذَلِكَ وَلْيَغْسِلْ فَاهُ) ندبًا ( وَلَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ) زيادة إيضاح لأنه مفاد قوله: لا.



رقم الحديث 123 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، عَنِ الرَّجُلِ الْجُنُبِ يَتَيَمَّمُ ثُمَّ يُدْرِكُ الْمَاءَ؟ فَقَالَ: سَعِيدٌ: إِذَا أَدْرَكَ الْمَاءَ، فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ لِمَا يُسْتَقْبَلُ قَالَ مَالِكٌ: فِيمَنِ احْتَلَمَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ، وَلَا يَقْدِرُ مِنَ الْمَاءِ، إِلَّا عَلَى قَدْرِ الْوُضُوءِ، وَهُوَ لَا يَعْطَشُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَاءَ.
قَالَ: يَغْسِلُ بِذَلِكَ فَرْجَهُ، وَمَا أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ الْأَذَى، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ صَعِيدًا طَيِّبًا كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ جُنُبٍ، أَرَادَ أَنْ يَتَيَمَّمَ فَلَمْ يَجِدْ تُرَابًا إِلَّا تُرَابَ سَبَخَةٍ، هَلْ يَتَيَمَّمُ بِالسِّبَاخِ؟ وَهَلْ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي السِّبَاخِ؟ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي السِّبَاخِ، وَالتَّيَمُّمِ مِنْهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ { { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } } فَكُلُّ مَا كَانَ صَعِيدًا فَهُوَ يُتَيَمَّمُ بِهِ سِبَاخًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ.


تَيَمُّمِ الْجُنُبِ

( مالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنِ الرَّجُلِ الْجُنُبِ يَتَيَمَّمُ ثُمَّ يُدْرِكُ الْمَاءَ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: إِذَا أَدْرَكَ الْمَاءَ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ لِمَا يُسْتَقْبَلُ) من الصلوات، وقد قال صلى الله عليه وسلم للذي أجنب فلم يصل معه: عليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم لما وجد الماء أعطاه إناء من ماء قال: اذهب فأفرغه عليك كما في الصحيحين لأنه وجد الماء فبطل تيممه.

( قَالَ مَالِكٌ فِيمَنِ احْتَلَمَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ وَلَا يَقْدِرُ مِنَ الْمَاءِ إِلَّا عَلَى قَدْرِ الْوُضُوءِ وَهُوَ لَا يَعْطَشُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَاءَ؟ قَالَ: يَغْسِلُ بِذَلِكَ) الماء ( فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ الْأَذَى ثُمَّ يَتَيَمَّمُ صَعِيدًا طَيِّبًا) طاهرًا ( كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ) إذ ليس معه ما يكفيه لغسله.

( وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ جُنُبٍ أَرَادَ أَنْ يَتَيَمَّمَ فَلَمْ يَجِدْ تُرَابًا إِلَّا تُرَابَ سَبَخَةٍ) بمهملة وموحدة ثم معجمة مفتوحات أرض مالحة لا تكاد تنبت وإذا وصفت الأرض قلت أرض سبخة بكسر الموحدة أي ذات سباخ ( هَلْ يَتَيَمَّمُ بِالسِّبَاخِ وَهَلْ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي السِّبَاخِ؟ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي السِّبَاخِ) أي يجوز ( وَالتَّيَمُّمِ مِنْهَا) وبه قال جماعة الفقهاء إلا إسحاق بن راهويه قاله ابن عبد البر.
زاد الباجي: وهو مروي عن مجاهد انتهى.

واحتج ابن خزيمة لجوازه بالسبخة بقوله صلى الله عليه وسلم: أريت دار هجرتكم سبخة ذات نخل يعني المدينة قال: وقد سماها طيبة فدل على أن السبخة داخلة في الطيب، ولذا قال الإمام ( لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ { { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا } } ) والصعيد: وجه الأرض كان عليه تراب أو لم يكن قاله الخليل وابن الأعرابي والزجاج قائلاً لا أعلم فيه خلافًا بين أهل اللغة.
قال الله تعالى { { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا } } أي أرضًا غليظة لا تنبت شيئًا.
وقال { { فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا } } ومنه قول ذي الرمة:

كأنه بالضحى يرمى الصعيد به
ذبابه في خطام الرأس خرطوم

وإنما سمي صعيدًا لأنه نهاية ما يصعد إليه من الأرض { { طَيِّبًا } } أي طاهرًا باتفاق العلماء ( فَكُلُّ مَا كَانَ صَعِيدًا فَهُوَ يُتَيَمَّمُ بِهِ سِبَاخًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ) من وجه الأرض كلها لأنه مدلول الصعيد لغة.

وقال صلى الله عليه وسلم: وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا رواه الشيخان في حديث جابر فكل موضع جازت الصلاة فيه من الأرض جاز التيمم به.

وقال صلى الله عليه وسلم: يحشر الناس على صعيد واحد أي أرض واحدة.

وقال ابن عباس: أطيب الصعيد أرض الحرث فدل على أن الصعيد يكون غير أرض الحرث، وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد.
وعنه أيضًا كالشافعي هو التراب خاصة لحديث حذيفة عند مسلم وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا وجعلت تربتها طهورًا إذا لم نجد الماء وهذا خاص، فينبغي حمل العام عليه فيخص الطهورية بالتراب، ورد بأن تربة كل مكان ما فيه من تراب أو غيره.

وأجيب: بأنه ورد حديث حذيفة بلفظ وترابها رواه ابن خزيمة وغيره، وفي حديث علي وجعل التراب لي طهورًا أخرجه أحمد والبيهقي بإسناد حسن فقوي تخصيص عموم حديث جابر بالتراب.

قال القرطبي: وليس كذلك وإنما هو من باب النص على بعض أشخاص العموم كما قال تعالى: { { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } } انتهى.
أي لأن شرط المخصص أن يكون منافيًا والتراب ليس بمناف للصعيد لأنه بعض منه، فالنص عليه في حديث علي وحذيفة لبيان أفضليته على غيره لا لأنه لا يجزى غيره والصعيد اسم لوجه الأرض وهو نص القرآن وليس بعد بيان الله تعالى بيان، وقد قال صلى الله عليه وسلم للجنب: عليك بالصعيد فإنه يكفيك فنص له على العام في وقت البيان ودعوى أن الحديث سيق لإظهار التخصيص والتشريف فلو جاز بغير التراب لما اقتصر عليه في حديث حذيفة وعلي ممنوعة، وسنده عليه أن شأن الكريم الامتنان بالأعظم وترك الأدون على أنه قد امتن بالكل في حديث جابر فقد حصلت المنة بهذا تارة وبالآخر أخرى لمناسبة اقتضاء الحال، وكذا زعم أن افتراق اللفظ بالتأكيد في رواية وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا دون الآخر دال على افتراق الحكم وإلا لعطف أحدهما على الآخر بلا تأكيد كما في رواية جابر مدفوع بأن حديث جابر دل على عدم الافتراق، إذ لو كان المراد افتراق الحكم لما تركه في حديث جابر، وقد يكون المقام اقتضى تأكيد كون الأرض مسجدًا ردًا على منكر ذلك دون كونها صعيدًا لثبوته بالقرآن فلا دلالة فيه على افتراق الحكم البتة، والله تعالى أعلم.