فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ

رقم الحديث 51 وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَكَلَ خُبْزًا وَلَحْمًا، ثُمَّ مَضْمَضَ، وَغَسَلَ يَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.


( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) العدوي مولى عمر ( عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) بلفظ ضد يمين ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ) أي لحمه.
وفي رواية للبخاري معرق أي أكل ما على العرق بفتح المهملة وسكون الراء وهو العظم ويقال له أيضًا العراق بالضم، وأفاد القاضي إسماعيل أن ذلك في بيت ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وهي بنت عمه صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أنه كان في بيت ميمونة كما في الصحيحين عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل عندها كتفًا ثم صلى ولم يتوضأ ولا مانع من التعدد كما في الفتح.

( ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) فهذا نص في أن لا وضوء مما مست النار، وأما خبر زيد بن ثابت مرفوعًا: الوضوء مما مست النار، وحديث أبي هريرة وعائشة رفعاه: توضئوا مما مست النار أخرج الثلاثة مسلم، وحديث جابر بن سمرة عند مسلم أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم أتوضأ من لحم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ قال: أتوضأ من لحم الإبل؟ قال: نعم توضأ من لحوم الإبل فقد حمل ذلك الوضوء على غسل اليد والمضمضة لزيادة دسومته وزهومة لحم الإبل، وقد نهى صلى الله عليه وسلم أن يبيت وفي يده أو فمه دسم خوفًا من عقرب ونحوها وبأنها منسوخة بقول جابر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار رواه أبو داود وغيره.
وقد أومأ مسلم إلى النسخ فروى أولاً أحاديث زيد وأبي هريرة وعائشة، ثم عقبها بحديث ابن عباس هذا فرواه عن القعنبي والبخاري عن ابن يوسف كلاهما عن مالك به.

( مالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) بكسر العين الأنصاري ( عَنْ بُشَيْرِ) بضم الموحدة وفتح المعجمة ( بْنِ يَسَارٍ) بتحتية ومهملة ( مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ) من الأنصار الأنصاري الحارثي المدني وثقه ابن معين.
قال ابن سعد: كان شيخًا كبيرًا فقيهًا أدرك عامة الصحابة وكان قليل الحديث.

( عَنْ سُوَيْدِ) بضم السين ( بْنِ النُّعْمَانِ) بضم النون ابن مالك الأنصاري صحابي شهد أحدًا وما بعدها ما روى عنه سوى بشير، وذكر العسكري أنه استشهد بالقادسية قال في الإصابة: وفيه نظر لأن بشير بن يسار سمع منه وهو لم يلحق ذلك الزمان ( أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ) بخاء معجمة مفتوحة وتحتية ساكنة وموحدة مفتوحة وراء غير منصرف للعلمية والتأنيث وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع ونخل كثير على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام.
ذكر أبو عبيد البكري أنها سميت باسم رجل من العماليق نزلها وهو خيبر أخو يثرب ابنا قانية بن مهاييل، وقيل الخيبر بلسان اليهود الحصن ولذا سميت خيابر أيضًا ذكره الحازمي.

( حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ) بفتح المهملة والمد ( وَهِيَ مِنْ أَدْنَى) أي أسفل ( خَيْبَرَ) أي طرفها مما يلي المدينة وفي رواية للبخاري وهي على روحة من خيبر، وقال أبو عبيد البكري: هي على بريد، وبين البخاري في الأطعمة من حديث ابن عيينة أن قوله وهي أدنى خيبر من قول يحيى بن سعيد أدرجت ( نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَعَا بِالْأَزْوَادِ) جمع زاد وهو ما يؤكل في السفر ( فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ) قال الداودي: وهو دقيق الشعير أو السلت المقلو، وقال غيره يكون من القمح وقد وصفه أعرابي فقال عدة المسافر وطعام العجلان وبلغة المريض ( فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ) بضم المثلثة وشد الراء ويجوز تخفيفها أي بل بالماء لما لحقه من اليبس ( فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) منه ( وَأَكَلْنَا) منه.
زاد في رواية للبخاري وشربنا وله في أخرى فلكنا وأكلنا وشربنا أي من الماء أو من مائع السويق.

( ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ) قبل الدخول في الصلاة ( وَمَضْمَضْنَا) وفائدتها وإن كان لا دسم في السويق أنه يحتبس بقاياه بين الأسنان ونواحي الفم فيشغله ببلعه عن الصلاة ( ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) بسبب أكل السويق.

قال الخطابي: فيه أن الوضوء مما مست النار منسوخ لأنه متقدم، وخيبر كانت سنة سبع.
قال الحافظ: لا دلالة فيه لأن أبا هريرة حضر بعد فتحها، وروي الأمر بالوضوء كما في مسلم، وكان يفتي به بعد النبي صلى الله عليه وسلم، واستدل به البخاري على جواز صلاتين فأكثر بوضوء واحد وعلى استحباب المضمضة بعد الطعام وفيه جمع الرفقاء على الزاد في السفر وإن كان بعضهم أكثر أكلاً وحمل الأزواد في السفر وأنه لا يقدح في التوكل، وأخذ منه المهلب أن الإمام يأخذ المحتكرين بإخراج الطعام عند قلته ليبيعوه من أهل الحاجة، وأن الإمام ينظر لأهل العسكر فيجمع الزاد ليصيب منه من لا زاد معه.

وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به ولم يخرجه مسلم.

( مالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) بن عبد الله بن الهدير بالتصغير التيمي المدني عن أبيه وجابر وابن عمر وابن عباس وأبي أيوب وأبي هريرة وعائشة وخلق، وعنه الزهري وأبو حنيفة ومالك والسفيانان وخلق.
قال ابن عيينة: كان من معادن الصدق ويجتمع إليه الصالحون، وثقه ابن معين وأبو حاتم مات سنة ثلاثين ومائة أو بعدها بسنة.

( وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ) بضم السين ( أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ) أي مالكًا ( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ) أي تيم قريش ( عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ) بالتصغير ابن عبد العزى بن عامر بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بن مرة التيمي، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وله عن أبي بكر وعمر وغيرهما وهو معدود في كبار التابعين قاله أبو عمر، ومنهم من أدخل بين عبد الله والهدير ربيعة آخر، وذكره ابن حبان فقال: له صحبة ثم ذكره في ثقات التابعين.
وقال الدارقطني: تابع كبير قليل المسند وكان ثقة من خيار الناس مات سنة ثلاث وتسعين.

( أَنَّهُ تَعَشَّى مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) طعامًا مسته النار ( ثُمَّ صَلَّى) عمر ( وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) ففيه دلالة على النسخ.
وقد روى الطبراني في مسند الشاميين بإسناد حسن عن مسلم بن عامر قال: رأيت أبا بكر وعمر وعثمان أكلوا مما مست النار ولم يتوضئوا وجاء من طرق كثيرة عن جابر مرفوعًا وموقوفًا على الثلاثة مفرقًا ومجموعًا.

( مالِكٍ عَنْ ضَمْرَةَ) بفتح المعجمة وإسكان الميم ( بْنِ سَعِيدٍ) بن أبي حنة بمهملة ثم نون وقيل موحدة الأنصاري ( الْمَازِنِيِّ) نسبة إلى مازن بن النجار المدني تابع صغير ثقة ( عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ) الأموي أبي سعيد أو أبي عبد الله المدني ثقة مات سنة خمس ومائة.

( أَنَّ) أباه ( عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ) أمير المؤمنين ( أَكَلَ خُبْزًا وَلَحْمًا ثُمَّ مَضْمَضَ) فاه ( وَغَسَلَ يَدَيْهِ وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ) لعله خشي أن يعلق به شيء من الطعام ( ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) فهو دليل أيضًا على نسخ الوضوء مما مست النار.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ) أبا الحسن الهاشمي أمير المؤمنين كثير الفضائل ( وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَا لَا يَتَوَضَّآَنِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ) لأنه ليس بناقض.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاري ( أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ) العنزي حليف بني عدي ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ووثقه العجلي مات سنة بضع وثمانين.

( عَنِ الرَّجُلِ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يُصِيبُ طَعَامًا قَدْ مَسَّتْهُ النَّارُ أَيَتَوَضَّأُ؟ قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي) عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك العنزي بفتح المهملة وسكون النون وزاي حليف آل الخطاب صحابي مشهور أسلم قديمًا وهاجر وشهد بدرًا مات ليالي قتل عثمان ( يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَا يَتَوَضَّأُ) فدل ذلك على النسخ أيضًا.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ) بضم النون ( وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ) القرشي مولاهم المدني المعلم عن جابر وابن عباس وابن الزبير وأسماء وعدة، وعنه مالك وابن إسحاق وأيوب السختياني وآخرون، وثقه النسائي وغيره، وروى له الجميع ومات سنة سبع وعشرين ومائة.

( أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ) بن عمرو بن حرام بمهملة وراء ( الْأَنْصَارِيَّ) السلمي بفتحتين صحابي ابن صحابي غزا تسع عشرة غزوة مع المصطفى ولم يشهد بدرًا ولا أحدًا منعه أبوه واستغفر له النبي صلى الله عليه وسلم ليلة البعير خمسًا وعشرين مرة، وكانت له حلقة في المسجد النبوي يؤخذ عنه، ومات بالمدينة وقيل بمكة وقيل بقبا سنة ثمان وسبعين أو سنة تسع أو سبع أو أربع أو ثلاث أو اثنين وهو ابن أربع وتسعين سنة.

( يَقُولُ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ) لسبقه لتصديق النبي صلى الله عليه وسلم وكان علي يحلف أن الله أنزل اسم أبي بكر من السماء الصديق ( أَكَلَ لَحْمًا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) فهؤلاء الخلفاء الأربع وعامر بن ربيعة وابن عباس فعلوا ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم فدل على نسخ الوضوء مما مست النار، وقد قال مالك: إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان مختلفان وعمل أبو بكر وعمر بأحدهما دل على أن الحق ما عملا به، وكان مكحول يتوضأ مما مست النار فأخبره عطاء بن أبي رباح بحديث جابر هذا عن أبي بكر فترك الوضوء وقال: لأن يقع أبو بكر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتى الإمام بذلك لرد قول شيخه ابن شهاب أنه ناسخ لحديث الإباحة.

روى البخاري ومسلم عن عمرو بن أمية أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يحتز كتف شاة يأكل منها فدعي إلى الصلاة فألقاها والسكين وصلى ولم يتوضأ.
زاد البيهقي قال الزهري: فذهبت تلك القصة في الناس ثم أخبر رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونساء من أزواجه أنه قال: توضئوا مما مست النار قال: وكان الزهري يرى أن الأمر بذلك ناسخ لأحاديث الإباحة لأن الإباحة سابقة واعترض عليه بحديث جابر قال: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وصححه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما، لكن قال أبو داود وغيره: المراد بالأمر هنا الشأن والقصة لا مقابل النهي وأن هذا اللفظ مختصر من حديث جابر المشهور في قصة المرأة التي صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فأكل منها ثم توضأ وصلى الظهر ثم أكل منها وصلى العصر ولم يتوضأ، فيحتمل أن هذه القصة وقعت قبل الأمر بالوضوء مما مست النار، وأن وضوءه لصلاة الظهر كان لحدث لا للأكل من الشاة.

وحكى البيهقي عن عثمان الدارمي أنه قال: لما اختلفت أحاديث الباب ولم يتبين الراجح منها نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون بعد النبي صلى الله عليه وسلم فرجحنا به أحد الجانبين، وبهذا يظهر حكمة ذكر الإمام لفعل الخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة بعد تصديره بحديثي ابن عباس وسويد في أن المصطفى أكل مما مست النار ولم يتوضأ.

وجمع الخطابي بوجه آخر وهو أن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب لا على الوجوب.

( مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) وصله أبو داود من طريق ابن جريج والترمذي من طريق سفيان بن عيينة كلاهما عن محمد بن المنكدر عن جابر ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُعِيَ لِطَعَامٍ) أي دعته امرأة من الأنصار كما في الطريق الموصولة ( فَقُرِّبَ إِلَيْهِ لَحْمٌ) من شاة ذبحتها له الأنصارية ( وَخُبْزٌ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ تَوَضَّأَ) للأكل من الشاة أو لأنه كان محدثًا فلا دلالة فيه على وجوب الوضوء مما مست النار ولا على ندبه ( وَصَلَّى) الظهر ( ثُمَّ أُتِيَ بِفَضْلِ) أي باقي ( ذَلِكَ الطَّعَامِ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ صَلَّى) العصر ( وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) .

وفي رواية ابن القاسم وابن بكير: ثم دعي بفضل ذلك الطعام فقال: دعي مكان أتي فيحتمل أن صاحب الطعام سأله ذلك فأجابه لإدخال السرور عليه ويكون وقت قيامه للصلاة لم ينو الرجوع لحديث: إذا حضر الطعام فابدءوا به قبل الصلاة أي لئلا يشتغل به عن الإقبال إليها، وإن كان صلى الله عليه وسلم ليس كغيره لكنه مشرع وفيه: أنه أكل اللحم في يوم مرتين ولا يلزم أنه شبع منه فلا يعارضه قول عائشة: ما شبع من لحم في يوم مرتين كما توهم.

( مالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ) بالقاف ابن أبي عياش بتحتية ومعجمة القرشي مولاهم المدني عن أم خالد بنت خالد ولها صحبة ونافع وسالم والزهري وخلق، وعنه مالك وشعبة والسفيانان وابن جريج وغيرهم، وثقه أحمد ويحيى وأبو حاتم وغيرهم ولم يصح أن ابن معين لينه وقال معن وغيره: وكان مالك إذا سئل عن المغازي يقول: عليك بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة فإنها أصح المغازي مات سنة إحدى وأربعين ومائة وقيل بعدها.

( عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ) بتحتية قبل الزاي ابن جارية بجيم وتحتية ( الْأَنْصَارِيِّ) أبي محمد المدني أخي عاصم بن عمر لأمه يقال ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين مات سنة ثلاث وتسعين وأبوه صحابي مشهور.

( أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَدِمَ مِنَ الْعِرَاقِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ) زوج أمه ( أَبُو طَلْحَةَ) زيد بن سهل الأنصاري النجاري مشهور بكنيته من كبار الصحابة شهد بدرًا وما بعدها مات سنة أربع وثلاثين.
وقال أبو زرعة الدمشقي: عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة.

( وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ) الأنصاري الخزرجي أبو المنذر سيد القراء من فضلاء الصحابة في سنة موته خلف كثير فقيل سنة تسع عشرة وقيل اثنين وثلاثين وقيل غير ذلك ( فَقَرَّبَ لَهُمَا طَعَامًا قَدْ مَسَّتْهُ النَّارُ فَأَكَلُوا مِنْهُ فَقَامَ أَنَسٌ فَتَوَضَّأَ فَقَالَ) له ( أَبُو طَلْحَةَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: مَا هَذَا) الفعل ( يَا أَنَسُ أَعِرَاقِيَّةٌ؟) أي أبالعراق استفدت هذا العلم وتركت عمل أهل المدينة المتلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم ( فَقَالَ أَنَسٌ: لَيْتَنِي لَمْ أَفْعَلْ) أي لأنه يوهم للشبهة.

( وَقَامَ أَبُو طَلْحَةَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَصَلَّيَا وَلَمْ يَتَوَضَّآَ) فدل فعلهما وإنكارهما وهما منهما على أنس ورجوعه إليهما على أن إجماع أهل المدينة على أن لا وضوء مما مست النار وهو من الحجج القوية الدالة على نسخ الوضوء منه، ومن ثم ختم به هذا الباب وهو يفيد أيضًا رد ما ذهب إليه الخطابي من حمل أحاديث الأمر على الاستحباب إذ لو كان مستحبًا ما ساغ إنكارهما عليه، والله أعلم.



رقم الحديث 139 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ.


مَا جَاءَ فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أم المؤمنين) وفي نسخة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ( أَنَّهَا قَالَتْ: أُتِيَ) بضم الهمزة وكسر التاء ( رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَبِيٍّ) .

قال الحافظ: يظهر لي أنه ابن أم قيس المذكور بعده، ويحتمل أنه الحسن بن علي أو الحسين، فقد روى الطبراني في الأوسط بإسناد حسن عن أم سلمة قالت: بال الحسن أو الحسين على بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركه حتى قضى بوله ثم دعا بماء فصبه عليه، ولأحمد عن أبي ليلى نحوه، ورواه الطحاوي من طريقه قال: فجيء بالحسن ولم يتردد، وكذا للطبراني عن أبي أمامة، وإنما رجحت أنه غيره لأن في البخاري من طريق يحيى القطان عن هشام أتي النبي صلى الله عليه وسلم بصبي يحنكه فبال على ثوبه، وأما الحسن فبال على بطنه صلى الله عليه وسلم، وللطبراني عن زينب بنت جحش أنه جاء وهو يحبو والنبي صلى الله عليه وسلم نائم فصعد على بطنه ووضع ذكره في سرته فذكر الحديث بتمامه فظهرت التفرقة بينهما.

وزعم العيني أن أظهر الأقوال أنه عبد الله بن الزبير لأن أمه قالت فأخذته أخذًا عنيفًا فقال صلى الله عليه وسلم: أنه لم يأكل الطعام فلا يضر بوله وفي لفظ لم يطعم الطعام فلا يقذر بوله انتهى.
وليس في قول أمه ذلك ما يقضي بأنه الأظهر، وقيل المراد به سليمان بن هشام حكاه الزركشي.

( فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ) أي ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ) بفتح الهمزة وسكون الفوقية وفتح الموحدة ( إِيَّاهُ) أي أتبع رسول الله البول الذي على الثوب الماء بصبه عليه، فالضمير المتصل للبول والمنفصل للماء ويجوز عكسه لأن إتباع الماء البول هو النضح دون الغسل.
زاد مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن هشام ولم يغسله، وللطحاوي من رواية زائدة الثقفي عن هشام فنضحه عليه، ولابن المنذر من طريق الثوري عن هشام فصب عليه الماء.

وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به.
وتابعه عبد الله بن نمير وجرير وعيسى ثلاثتهم عن هشام نحوه في مسلم.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بضم العين ( بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بفتحها ( بْنِ عُتْبَةَ) بإسكان الفوقية ( بْنِ مَسْعُودٍ) الهذلي المدني ثقة ثبت فقيه من كبار التابعين كثير الحديث أحد السبعة مات سنة أربع وتسعين وقيل سنة ثمان وقيل غير ذلك.

( عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ) بكسر الميم وإسكان الحاء وفتح الصاد المهملتين.
قال ابن عبد البر: اسمها جذامة يعني بالجيم والذال المعجمة.
وقال السهيلي: اسمها آمنة.
وحكى مثله أبو القاسم الجوهري في مسند الموطأ، أسلمت قديمًا بمكة وهاجرت ولها أحاديث، وقد زاد مسلم من طريق يونس وكانت من المهاجرات الأول اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أخت عكاشة بن محصن أحد بني أسد بن خزيمة.

( أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ) قال الحافظ: لم أقف على اسمه ومات في عهده صلى الله عليه وسلم وهو صغير كما رواه النسائي عنها قالت: توفي ابن لي فجزعت فقلت للذي يغسله لا تغسل ابني بالماء البارد فغسله فذكر ذلك عكاشة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ما لها طال عمرها قال فلا يعلم امرأة عمرت ما عمرت.

( لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ) قال ابن التين: يحتمل أنها أرادت أنه لم يتقوت بالطعام ولم يستغن به عن الرضاع، ويحتمل أنها جاءت به عند ولادته ليحنكه صلى الله عليه وسلم فيحمل النفي على عمومه، ويؤيده رواية البخاري في العقيقة أتي بصبي يحنكه ( إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَسَهُ فِي حَجْرِهِ) بفتح الحاء على الأشهر وتكسر وتضم كما في المحكم وغيره الحضن أي وضعه إن قلنا كان كما ولد، ويحتمل أن الجلوس حصل منه على العادة إن قلنا كان في سن من يحبو كما في قصة الحسن.

( فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ) أي ثوب النبي صلى الله عليه وسلم، وأغرب ابن شعبان من المالكية فقال: المراد ثوب الصبي والصواب الأول كذا قال الحافظ، وتعقب بأنه أفهم أن الثاني خطأ وليس كذلك فمعناه أن الابن بال على ثوب نفسه وهو في حجره صلى الله عليه وسلم فنضح الماء عليه خوفًا أن يكون طار على ثوبه منه شيء وبهذا يكون دليلاً للقائلين بنجاسة بوله وإن لم يأكل الطعام.

( فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ) صب الماء عليه ( وَلَمْ يَغْسِلْهُ) أي لم يعركه والنضح لغة يقال للرش ولصب الماء أيضًا كقوله صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم أرضًا يقال لها عمان ينضح بناحيتها البحر بها حي من العرب لو أتاهم رسولي ما رموه بسهم ولا حجر قاله ابن عبد البر، وادعى الأصيلي أن قوله ولم يغسله مدرج من ابن شهاب وأن المرفوع انتهى بقوله فنضحه قال: وكذلك روى معمر عن ابن شهاب فقال فنضحه ولم يزد، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عيينة عن ابن شهاب قال: فرشه ولم يزد على ذلك.

قال الحافظ: ليس في سياق معمر ما يدل على الإدراج، وقد أخرجه عبد الرزاق بنحو سياق مالك لكنه لم يقل ولم يغسله وقد قالها مع ذلك الليث وعمرو بن الحارث ويونس بن يزيد كلهم عن ابن شهاب أخرجه ابن خزيمة والإسماعيلي وغيرهما من طريق ابن وهب عنه، وهو في مسلم عن يونس وحده نعم في رواية معمر.
قال ابن شهاب: فمضت السنة أن يرش بول الصبي ويغسل بول الجارية، فلو كانت هذه الزيادة هي التي زادها مالك ومن تبعه لأمكن دعوى الإدراج لكنها غيرها فلا إدراج، وأما ما ذكره عن ابن أبي شيبة فلا اختصاص له بذلك فإنها لفظ رواية ابن عيينة عن ابن شهاب في مسلم وغيره وليست مخالفة لرواية مالك.

وفي هذا الحديث من الفوائد الندب إلى حسن المعاشرة والتواضع والرفق بالصغار وتحنيك المولود والتبرك بأهل الفضل وحمل الأطفال إليهم حال الولادة وبعدها وحكم بول الغلام والجارية قبل أن يطعما وهو مقصود الباب.

واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب.
أصحها عند الشافعية الاكتفاء بالنضح أي الرش في بول الصبي لا الصبية وهو قول علي وعطاء والحسن والزهري وأحمد وإسحاق وابن وهب وغيرهم، ورواه الوليد بن مسلم عن مالك لكن قال أصحابه هي رواية شاذة.

والثاني: يكفي النضح فيهما وهو مذهب الأوزاعي، وحكي عن مالك والشافعي، وخصص ابن العربي النقل في هذا بما إذا كانا لم يدخل في أجوافهما شيء أصلاً.

والثالث: هما سواء في وجوب الغسل، وهو المشهور عن مالك وأبي حنيفة وأتباعهما وبه قال جماعة.

قال ابن عبد البر: وأحاديث التفرقة بين بول الصبي والصبية ليست بالقوية.

وقال الحافظ: في الفرق أحاديث ليست على شرط الصحيح منها حديث علي مرفوعًا ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية أخرجه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي وروي موقوفًا.

ومنها حديث لبابة بنت الحارث مرفوعًا: إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وغيره.

ومنها حديث أبي السمح نحوه بلفظ يرش رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة أيضًا.

قال ابن دقيق العيد: وفي وجه التفرقة بينهما أوجه ركيكة وأقواها ما قيل إن النفوس أعلق بالذكر منها بالإناث يعني فحصلت الرخصة في الذكور لكثرة المشقة، وقد احتج الحنفية والمالكية بأن الغسل منهما هو القياس والأصل في إزالة النجاسة وقياس الصبي على الصبية لاتفاق العلماء على استواء الحكم فيهما بعد أكل غير اللبن فلا بد من غسل بولهما بالإجماع.

وأجابوا عن هذا الحديث بأجوبة تقدمت الإشارة إلى بعضها.

أحدها: أن المراد بالنضح هنا الغسل وذلك معروف في لسان العرب، ومنه الحديث السابق: إني لأعرف قرية ينضح البحر بناحيتها وقال صلى الله عليه وسلم في المذي فلينضح فرجه رواه أبو داود وغيره والمراد الغسل كما في مسلم والقصة واحدة كالراوي، وحديث أسماء في غسل الدم وانضحيه، وقد جاء الرش وأريد به الغسل كما في الصحيح عن ابن عباس لما حكى الوضوء النبوي قال: أخذ غرفة من ماء ورش على رجله اليمنى حتى غسلها وأراد بالرش هنا الصب قليلاً قليلاً، وتأولوا قوله ولم يغسله أي غسلاً مبالغًا فيه كغيره، ويؤيده رواية مسلم من طريق يونس بن يزيد ولم يغسله غسلاً فدل بالمصدر المنون على نفي الكثير البليغ مع وجود أصل الغسل.

ثانيها: أن معنى ولم يغسله لم يعركه فأريد بالغسل العرك قال ابن العربي: والغسل في كلام العرب هو عرك المغسول وقد يسمى زوال القذر غسلاً وإن لم يتصل به عرك وذلك مجاز بدليل قول الراوي ولم يغسله، وإنما لم يحتج هنا إلى عرك لأن البول إذا اتبع بالماء بقرب ملاقاته الثوب خرج منه من غير عرك.

ثالثها: أن ضمير على ثوبه عائد على الصغير كما مر.

رابعها: أن قولها لم يأكل الطعام ليس علة للحكم وإنما هو وصف حال وحكاية قضية كما قال في الحديث الآخر رضيع واللبن طعام وحكمه حكمه في كل حال فأي شيء فرق بينه وبين الطعام والنبي صلى الله عليه وسلم لم يعلل بهذا ولا أشار إليه فَنَكِلُ الحكم فيه إليه.

خامسها: أن الأبهري نقل عن مالك ليس هذا الحديث بالمتواطأ عليه أي على العمل به.

وأما أحاديث التفرقة بين بول الأنثى فيغسل وبول الصبي ينضح فليست بقوية وعلى فرض صحتها فالمراد بالنضح الغسل.
قال الطحاوي: وإنما فرق بينهما لأن بول الذكر يكون في موضع واحد لضيق مخرجه، وبول الجارية يتفرق لسعة مخرجه فأمر في بول الغلام بالنضح يريد صب الماء في موضع واحد، وأراد بغسل الجارية أن يتبع بالماء لأنه يقع في مواضع متفرقة.

( تنبيه)

قال الخطابي: ليس تجويز من جوز النضح بمعنى الرش من أجل أن بول الصبي غير نجس ولكنه لتخفيف نجاسته انتهى.
وجزم ابن عبد البر وابن بطال وغيرهما بأن الشافعي وأحمد قالا بطهارته رد بأنه لا يعرف عنهما.
قال النووي: هذه حكاية باطلة وكأنهم أخذوا ذلك من طريق اللازم وأصحاب صاحب المذهب أعلم بمراده من غيرهم انتهى.
نعم نقل الطحاوي عن قوم القول بطهارة بول الصبي قبل الطعام.

وحديث الباب أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، وأبو داود عن عبد الله بن مسلمة، والنسائي عن قتيبة الثلاثة عن مالك به.
وتابعه ابن عيينة والليث ويونس كلهم عن ابن شهاب بنحوه عند مسلم.



رقم الحديث 140 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ، أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ، لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ، إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَجْلَسَهُ فِي حَجْرِهِ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ.


مَا جَاءَ فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أم المؤمنين) وفي نسخة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ( أَنَّهَا قَالَتْ: أُتِيَ) بضم الهمزة وكسر التاء ( رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَبِيٍّ) .

قال الحافظ: يظهر لي أنه ابن أم قيس المذكور بعده، ويحتمل أنه الحسن بن علي أو الحسين، فقد روى الطبراني في الأوسط بإسناد حسن عن أم سلمة قالت: بال الحسن أو الحسين على بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركه حتى قضى بوله ثم دعا بماء فصبه عليه، ولأحمد عن أبي ليلى نحوه، ورواه الطحاوي من طريقه قال: فجيء بالحسن ولم يتردد، وكذا للطبراني عن أبي أمامة، وإنما رجحت أنه غيره لأن في البخاري من طريق يحيى القطان عن هشام أتي النبي صلى الله عليه وسلم بصبي يحنكه فبال على ثوبه، وأما الحسن فبال على بطنه صلى الله عليه وسلم، وللطبراني عن زينب بنت جحش أنه جاء وهو يحبو والنبي صلى الله عليه وسلم نائم فصعد على بطنه ووضع ذكره في سرته فذكر الحديث بتمامه فظهرت التفرقة بينهما.

وزعم العيني أن أظهر الأقوال أنه عبد الله بن الزبير لأن أمه قالت فأخذته أخذًا عنيفًا فقال صلى الله عليه وسلم: أنه لم يأكل الطعام فلا يضر بوله وفي لفظ لم يطعم الطعام فلا يقذر بوله انتهى.
وليس في قول أمه ذلك ما يقضي بأنه الأظهر، وقيل المراد به سليمان بن هشام حكاه الزركشي.

( فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ) أي ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ) بفتح الهمزة وسكون الفوقية وفتح الموحدة ( إِيَّاهُ) أي أتبع رسول الله البول الذي على الثوب الماء بصبه عليه، فالضمير المتصل للبول والمنفصل للماء ويجوز عكسه لأن إتباع الماء البول هو النضح دون الغسل.
زاد مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن هشام ولم يغسله، وللطحاوي من رواية زائدة الثقفي عن هشام فنضحه عليه، ولابن المنذر من طريق الثوري عن هشام فصب عليه الماء.

وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به.
وتابعه عبد الله بن نمير وجرير وعيسى ثلاثتهم عن هشام نحوه في مسلم.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بضم العين ( بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بفتحها ( بْنِ عُتْبَةَ) بإسكان الفوقية ( بْنِ مَسْعُودٍ) الهذلي المدني ثقة ثبت فقيه من كبار التابعين كثير الحديث أحد السبعة مات سنة أربع وتسعين وقيل سنة ثمان وقيل غير ذلك.

( عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ) بكسر الميم وإسكان الحاء وفتح الصاد المهملتين.
قال ابن عبد البر: اسمها جذامة يعني بالجيم والذال المعجمة.
وقال السهيلي: اسمها آمنة.
وحكى مثله أبو القاسم الجوهري في مسند الموطأ، أسلمت قديمًا بمكة وهاجرت ولها أحاديث، وقد زاد مسلم من طريق يونس وكانت من المهاجرات الأول اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أخت عكاشة بن محصن أحد بني أسد بن خزيمة.

( أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ) قال الحافظ: لم أقف على اسمه ومات في عهده صلى الله عليه وسلم وهو صغير كما رواه النسائي عنها قالت: توفي ابن لي فجزعت فقلت للذي يغسله لا تغسل ابني بالماء البارد فغسله فذكر ذلك عكاشة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ما لها طال عمرها قال فلا يعلم امرأة عمرت ما عمرت.

( لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ) قال ابن التين: يحتمل أنها أرادت أنه لم يتقوت بالطعام ولم يستغن به عن الرضاع، ويحتمل أنها جاءت به عند ولادته ليحنكه صلى الله عليه وسلم فيحمل النفي على عمومه، ويؤيده رواية البخاري في العقيقة أتي بصبي يحنكه ( إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَسَهُ فِي حَجْرِهِ) بفتح الحاء على الأشهر وتكسر وتضم كما في المحكم وغيره الحضن أي وضعه إن قلنا كان كما ولد، ويحتمل أن الجلوس حصل منه على العادة إن قلنا كان في سن من يحبو كما في قصة الحسن.

( فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ) أي ثوب النبي صلى الله عليه وسلم، وأغرب ابن شعبان من المالكية فقال: المراد ثوب الصبي والصواب الأول كذا قال الحافظ، وتعقب بأنه أفهم أن الثاني خطأ وليس كذلك فمعناه أن الابن بال على ثوب نفسه وهو في حجره صلى الله عليه وسلم فنضح الماء عليه خوفًا أن يكون طار على ثوبه منه شيء وبهذا يكون دليلاً للقائلين بنجاسة بوله وإن لم يأكل الطعام.

( فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ) صب الماء عليه ( وَلَمْ يَغْسِلْهُ) أي لم يعركه والنضح لغة يقال للرش ولصب الماء أيضًا كقوله صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم أرضًا يقال لها عمان ينضح بناحيتها البحر بها حي من العرب لو أتاهم رسولي ما رموه بسهم ولا حجر قاله ابن عبد البر، وادعى الأصيلي أن قوله ولم يغسله مدرج من ابن شهاب وأن المرفوع انتهى بقوله فنضحه قال: وكذلك روى معمر عن ابن شهاب فقال فنضحه ولم يزد، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عيينة عن ابن شهاب قال: فرشه ولم يزد على ذلك.

قال الحافظ: ليس في سياق معمر ما يدل على الإدراج، وقد أخرجه عبد الرزاق بنحو سياق مالك لكنه لم يقل ولم يغسله وقد قالها مع ذلك الليث وعمرو بن الحارث ويونس بن يزيد كلهم عن ابن شهاب أخرجه ابن خزيمة والإسماعيلي وغيرهما من طريق ابن وهب عنه، وهو في مسلم عن يونس وحده نعم في رواية معمر.
قال ابن شهاب: فمضت السنة أن يرش بول الصبي ويغسل بول الجارية، فلو كانت هذه الزيادة هي التي زادها مالك ومن تبعه لأمكن دعوى الإدراج لكنها غيرها فلا إدراج، وأما ما ذكره عن ابن أبي شيبة فلا اختصاص له بذلك فإنها لفظ رواية ابن عيينة عن ابن شهاب في مسلم وغيره وليست مخالفة لرواية مالك.

وفي هذا الحديث من الفوائد الندب إلى حسن المعاشرة والتواضع والرفق بالصغار وتحنيك المولود والتبرك بأهل الفضل وحمل الأطفال إليهم حال الولادة وبعدها وحكم بول الغلام والجارية قبل أن يطعما وهو مقصود الباب.

واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب.
أصحها عند الشافعية الاكتفاء بالنضح أي الرش في بول الصبي لا الصبية وهو قول علي وعطاء والحسن والزهري وأحمد وإسحاق وابن وهب وغيرهم، ورواه الوليد بن مسلم عن مالك لكن قال أصحابه هي رواية شاذة.

والثاني: يكفي النضح فيهما وهو مذهب الأوزاعي، وحكي عن مالك والشافعي، وخصص ابن العربي النقل في هذا بما إذا كانا لم يدخل في أجوافهما شيء أصلاً.

والثالث: هما سواء في وجوب الغسل، وهو المشهور عن مالك وأبي حنيفة وأتباعهما وبه قال جماعة.

قال ابن عبد البر: وأحاديث التفرقة بين بول الصبي والصبية ليست بالقوية.

وقال الحافظ: في الفرق أحاديث ليست على شرط الصحيح منها حديث علي مرفوعًا ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية أخرجه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي وروي موقوفًا.

ومنها حديث لبابة بنت الحارث مرفوعًا: إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وغيره.

ومنها حديث أبي السمح نحوه بلفظ يرش رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة أيضًا.

قال ابن دقيق العيد: وفي وجه التفرقة بينهما أوجه ركيكة وأقواها ما قيل إن النفوس أعلق بالذكر منها بالإناث يعني فحصلت الرخصة في الذكور لكثرة المشقة، وقد احتج الحنفية والمالكية بأن الغسل منهما هو القياس والأصل في إزالة النجاسة وقياس الصبي على الصبية لاتفاق العلماء على استواء الحكم فيهما بعد أكل غير اللبن فلا بد من غسل بولهما بالإجماع.

وأجابوا عن هذا الحديث بأجوبة تقدمت الإشارة إلى بعضها.

أحدها: أن المراد بالنضح هنا الغسل وذلك معروف في لسان العرب، ومنه الحديث السابق: إني لأعرف قرية ينضح البحر بناحيتها وقال صلى الله عليه وسلم في المذي فلينضح فرجه رواه أبو داود وغيره والمراد الغسل كما في مسلم والقصة واحدة كالراوي، وحديث أسماء في غسل الدم وانضحيه، وقد جاء الرش وأريد به الغسل كما في الصحيح عن ابن عباس لما حكى الوضوء النبوي قال: أخذ غرفة من ماء ورش على رجله اليمنى حتى غسلها وأراد بالرش هنا الصب قليلاً قليلاً، وتأولوا قوله ولم يغسله أي غسلاً مبالغًا فيه كغيره، ويؤيده رواية مسلم من طريق يونس بن يزيد ولم يغسله غسلاً فدل بالمصدر المنون على نفي الكثير البليغ مع وجود أصل الغسل.

ثانيها: أن معنى ولم يغسله لم يعركه فأريد بالغسل العرك قال ابن العربي: والغسل في كلام العرب هو عرك المغسول وقد يسمى زوال القذر غسلاً وإن لم يتصل به عرك وذلك مجاز بدليل قول الراوي ولم يغسله، وإنما لم يحتج هنا إلى عرك لأن البول إذا اتبع بالماء بقرب ملاقاته الثوب خرج منه من غير عرك.

ثالثها: أن ضمير على ثوبه عائد على الصغير كما مر.

رابعها: أن قولها لم يأكل الطعام ليس علة للحكم وإنما هو وصف حال وحكاية قضية كما قال في الحديث الآخر رضيع واللبن طعام وحكمه حكمه في كل حال فأي شيء فرق بينه وبين الطعام والنبي صلى الله عليه وسلم لم يعلل بهذا ولا أشار إليه فَنَكِلُ الحكم فيه إليه.

خامسها: أن الأبهري نقل عن مالك ليس هذا الحديث بالمتواطأ عليه أي على العمل به.

وأما أحاديث التفرقة بين بول الأنثى فيغسل وبول الصبي ينضح فليست بقوية وعلى فرض صحتها فالمراد بالنضح الغسل.
قال الطحاوي: وإنما فرق بينهما لأن بول الذكر يكون في موضع واحد لضيق مخرجه، وبول الجارية يتفرق لسعة مخرجه فأمر في بول الغلام بالنضح يريد صب الماء في موضع واحد، وأراد بغسل الجارية أن يتبع بالماء لأنه يقع في مواضع متفرقة.

( تنبيه)

قال الخطابي: ليس تجويز من جوز النضح بمعنى الرش من أجل أن بول الصبي غير نجس ولكنه لتخفيف نجاسته انتهى.
وجزم ابن عبد البر وابن بطال وغيرهما بأن الشافعي وأحمد قالا بطهارته رد بأنه لا يعرف عنهما.
قال النووي: هذه حكاية باطلة وكأنهم أخذوا ذلك من طريق اللازم وأصحاب صاحب المذهب أعلم بمراده من غيرهم انتهى.
نعم نقل الطحاوي عن قوم القول بطهارة بول الصبي قبل الطعام.

وحديث الباب أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، وأبو داود عن عبد الله بن مسلمة، والنسائي عن قتيبة الثلاثة عن مالك به.
وتابعه ابن عيينة والليث ويونس كلهم عن ابن شهاب بنحوه عند مسلم.