فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي السِّوَاكِ

رقم الحديث 53 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الرَّجُلِ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُصِيبُ طَعَامًا قَدْ مَسَّتْهُ النَّارُ، أَيَتَوَضَّأُ؟ قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَا يَتَوَضَّأُ.


( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) العدوي مولى عمر ( عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) بلفظ ضد يمين ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ) أي لحمه.
وفي رواية للبخاري معرق أي أكل ما على العرق بفتح المهملة وسكون الراء وهو العظم ويقال له أيضًا العراق بالضم، وأفاد القاضي إسماعيل أن ذلك في بيت ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وهي بنت عمه صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أنه كان في بيت ميمونة كما في الصحيحين عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل عندها كتفًا ثم صلى ولم يتوضأ ولا مانع من التعدد كما في الفتح.

( ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) فهذا نص في أن لا وضوء مما مست النار، وأما خبر زيد بن ثابت مرفوعًا: الوضوء مما مست النار، وحديث أبي هريرة وعائشة رفعاه: توضئوا مما مست النار أخرج الثلاثة مسلم، وحديث جابر بن سمرة عند مسلم أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم أتوضأ من لحم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ قال: أتوضأ من لحم الإبل؟ قال: نعم توضأ من لحوم الإبل فقد حمل ذلك الوضوء على غسل اليد والمضمضة لزيادة دسومته وزهومة لحم الإبل، وقد نهى صلى الله عليه وسلم أن يبيت وفي يده أو فمه دسم خوفًا من عقرب ونحوها وبأنها منسوخة بقول جابر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار رواه أبو داود وغيره.
وقد أومأ مسلم إلى النسخ فروى أولاً أحاديث زيد وأبي هريرة وعائشة، ثم عقبها بحديث ابن عباس هذا فرواه عن القعنبي والبخاري عن ابن يوسف كلاهما عن مالك به.

( مالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) بكسر العين الأنصاري ( عَنْ بُشَيْرِ) بضم الموحدة وفتح المعجمة ( بْنِ يَسَارٍ) بتحتية ومهملة ( مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ) من الأنصار الأنصاري الحارثي المدني وثقه ابن معين.
قال ابن سعد: كان شيخًا كبيرًا فقيهًا أدرك عامة الصحابة وكان قليل الحديث.

( عَنْ سُوَيْدِ) بضم السين ( بْنِ النُّعْمَانِ) بضم النون ابن مالك الأنصاري صحابي شهد أحدًا وما بعدها ما روى عنه سوى بشير، وذكر العسكري أنه استشهد بالقادسية قال في الإصابة: وفيه نظر لأن بشير بن يسار سمع منه وهو لم يلحق ذلك الزمان ( أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ) بخاء معجمة مفتوحة وتحتية ساكنة وموحدة مفتوحة وراء غير منصرف للعلمية والتأنيث وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع ونخل كثير على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام.
ذكر أبو عبيد البكري أنها سميت باسم رجل من العماليق نزلها وهو خيبر أخو يثرب ابنا قانية بن مهاييل، وقيل الخيبر بلسان اليهود الحصن ولذا سميت خيابر أيضًا ذكره الحازمي.

( حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ) بفتح المهملة والمد ( وَهِيَ مِنْ أَدْنَى) أي أسفل ( خَيْبَرَ) أي طرفها مما يلي المدينة وفي رواية للبخاري وهي على روحة من خيبر، وقال أبو عبيد البكري: هي على بريد، وبين البخاري في الأطعمة من حديث ابن عيينة أن قوله وهي أدنى خيبر من قول يحيى بن سعيد أدرجت ( نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَعَا بِالْأَزْوَادِ) جمع زاد وهو ما يؤكل في السفر ( فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ) قال الداودي: وهو دقيق الشعير أو السلت المقلو، وقال غيره يكون من القمح وقد وصفه أعرابي فقال عدة المسافر وطعام العجلان وبلغة المريض ( فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ) بضم المثلثة وشد الراء ويجوز تخفيفها أي بل بالماء لما لحقه من اليبس ( فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) منه ( وَأَكَلْنَا) منه.
زاد في رواية للبخاري وشربنا وله في أخرى فلكنا وأكلنا وشربنا أي من الماء أو من مائع السويق.

( ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ) قبل الدخول في الصلاة ( وَمَضْمَضْنَا) وفائدتها وإن كان لا دسم في السويق أنه يحتبس بقاياه بين الأسنان ونواحي الفم فيشغله ببلعه عن الصلاة ( ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) بسبب أكل السويق.

قال الخطابي: فيه أن الوضوء مما مست النار منسوخ لأنه متقدم، وخيبر كانت سنة سبع.
قال الحافظ: لا دلالة فيه لأن أبا هريرة حضر بعد فتحها، وروي الأمر بالوضوء كما في مسلم، وكان يفتي به بعد النبي صلى الله عليه وسلم، واستدل به البخاري على جواز صلاتين فأكثر بوضوء واحد وعلى استحباب المضمضة بعد الطعام وفيه جمع الرفقاء على الزاد في السفر وإن كان بعضهم أكثر أكلاً وحمل الأزواد في السفر وأنه لا يقدح في التوكل، وأخذ منه المهلب أن الإمام يأخذ المحتكرين بإخراج الطعام عند قلته ليبيعوه من أهل الحاجة، وأن الإمام ينظر لأهل العسكر فيجمع الزاد ليصيب منه من لا زاد معه.

وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به ولم يخرجه مسلم.

( مالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) بن عبد الله بن الهدير بالتصغير التيمي المدني عن أبيه وجابر وابن عمر وابن عباس وأبي أيوب وأبي هريرة وعائشة وخلق، وعنه الزهري وأبو حنيفة ومالك والسفيانان وخلق.
قال ابن عيينة: كان من معادن الصدق ويجتمع إليه الصالحون، وثقه ابن معين وأبو حاتم مات سنة ثلاثين ومائة أو بعدها بسنة.

( وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ) بضم السين ( أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ) أي مالكًا ( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ) أي تيم قريش ( عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ) بالتصغير ابن عبد العزى بن عامر بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بن مرة التيمي، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وله عن أبي بكر وعمر وغيرهما وهو معدود في كبار التابعين قاله أبو عمر، ومنهم من أدخل بين عبد الله والهدير ربيعة آخر، وذكره ابن حبان فقال: له صحبة ثم ذكره في ثقات التابعين.
وقال الدارقطني: تابع كبير قليل المسند وكان ثقة من خيار الناس مات سنة ثلاث وتسعين.

( أَنَّهُ تَعَشَّى مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) طعامًا مسته النار ( ثُمَّ صَلَّى) عمر ( وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) ففيه دلالة على النسخ.
وقد روى الطبراني في مسند الشاميين بإسناد حسن عن مسلم بن عامر قال: رأيت أبا بكر وعمر وعثمان أكلوا مما مست النار ولم يتوضئوا وجاء من طرق كثيرة عن جابر مرفوعًا وموقوفًا على الثلاثة مفرقًا ومجموعًا.

( مالِكٍ عَنْ ضَمْرَةَ) بفتح المعجمة وإسكان الميم ( بْنِ سَعِيدٍ) بن أبي حنة بمهملة ثم نون وقيل موحدة الأنصاري ( الْمَازِنِيِّ) نسبة إلى مازن بن النجار المدني تابع صغير ثقة ( عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ) الأموي أبي سعيد أو أبي عبد الله المدني ثقة مات سنة خمس ومائة.

( أَنَّ) أباه ( عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ) أمير المؤمنين ( أَكَلَ خُبْزًا وَلَحْمًا ثُمَّ مَضْمَضَ) فاه ( وَغَسَلَ يَدَيْهِ وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ) لعله خشي أن يعلق به شيء من الطعام ( ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) فهو دليل أيضًا على نسخ الوضوء مما مست النار.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ) أبا الحسن الهاشمي أمير المؤمنين كثير الفضائل ( وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَا لَا يَتَوَضَّآَنِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ) لأنه ليس بناقض.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاري ( أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ) العنزي حليف بني عدي ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ووثقه العجلي مات سنة بضع وثمانين.

( عَنِ الرَّجُلِ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يُصِيبُ طَعَامًا قَدْ مَسَّتْهُ النَّارُ أَيَتَوَضَّأُ؟ قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي) عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك العنزي بفتح المهملة وسكون النون وزاي حليف آل الخطاب صحابي مشهور أسلم قديمًا وهاجر وشهد بدرًا مات ليالي قتل عثمان ( يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَا يَتَوَضَّأُ) فدل ذلك على النسخ أيضًا.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ) بضم النون ( وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ) القرشي مولاهم المدني المعلم عن جابر وابن عباس وابن الزبير وأسماء وعدة، وعنه مالك وابن إسحاق وأيوب السختياني وآخرون، وثقه النسائي وغيره، وروى له الجميع ومات سنة سبع وعشرين ومائة.

( أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ) بن عمرو بن حرام بمهملة وراء ( الْأَنْصَارِيَّ) السلمي بفتحتين صحابي ابن صحابي غزا تسع عشرة غزوة مع المصطفى ولم يشهد بدرًا ولا أحدًا منعه أبوه واستغفر له النبي صلى الله عليه وسلم ليلة البعير خمسًا وعشرين مرة، وكانت له حلقة في المسجد النبوي يؤخذ عنه، ومات بالمدينة وقيل بمكة وقيل بقبا سنة ثمان وسبعين أو سنة تسع أو سبع أو أربع أو ثلاث أو اثنين وهو ابن أربع وتسعين سنة.

( يَقُولُ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ) لسبقه لتصديق النبي صلى الله عليه وسلم وكان علي يحلف أن الله أنزل اسم أبي بكر من السماء الصديق ( أَكَلَ لَحْمًا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) فهؤلاء الخلفاء الأربع وعامر بن ربيعة وابن عباس فعلوا ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم فدل على نسخ الوضوء مما مست النار، وقد قال مالك: إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان مختلفان وعمل أبو بكر وعمر بأحدهما دل على أن الحق ما عملا به، وكان مكحول يتوضأ مما مست النار فأخبره عطاء بن أبي رباح بحديث جابر هذا عن أبي بكر فترك الوضوء وقال: لأن يقع أبو بكر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتى الإمام بذلك لرد قول شيخه ابن شهاب أنه ناسخ لحديث الإباحة.

روى البخاري ومسلم عن عمرو بن أمية أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يحتز كتف شاة يأكل منها فدعي إلى الصلاة فألقاها والسكين وصلى ولم يتوضأ.
زاد البيهقي قال الزهري: فذهبت تلك القصة في الناس ثم أخبر رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونساء من أزواجه أنه قال: توضئوا مما مست النار قال: وكان الزهري يرى أن الأمر بذلك ناسخ لأحاديث الإباحة لأن الإباحة سابقة واعترض عليه بحديث جابر قال: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وصححه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما، لكن قال أبو داود وغيره: المراد بالأمر هنا الشأن والقصة لا مقابل النهي وأن هذا اللفظ مختصر من حديث جابر المشهور في قصة المرأة التي صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فأكل منها ثم توضأ وصلى الظهر ثم أكل منها وصلى العصر ولم يتوضأ، فيحتمل أن هذه القصة وقعت قبل الأمر بالوضوء مما مست النار، وأن وضوءه لصلاة الظهر كان لحدث لا للأكل من الشاة.

وحكى البيهقي عن عثمان الدارمي أنه قال: لما اختلفت أحاديث الباب ولم يتبين الراجح منها نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون بعد النبي صلى الله عليه وسلم فرجحنا به أحد الجانبين، وبهذا يظهر حكمة ذكر الإمام لفعل الخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة بعد تصديره بحديثي ابن عباس وسويد في أن المصطفى أكل مما مست النار ولم يتوضأ.

وجمع الخطابي بوجه آخر وهو أن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب لا على الوجوب.

( مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) وصله أبو داود من طريق ابن جريج والترمذي من طريق سفيان بن عيينة كلاهما عن محمد بن المنكدر عن جابر ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُعِيَ لِطَعَامٍ) أي دعته امرأة من الأنصار كما في الطريق الموصولة ( فَقُرِّبَ إِلَيْهِ لَحْمٌ) من شاة ذبحتها له الأنصارية ( وَخُبْزٌ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ تَوَضَّأَ) للأكل من الشاة أو لأنه كان محدثًا فلا دلالة فيه على وجوب الوضوء مما مست النار ولا على ندبه ( وَصَلَّى) الظهر ( ثُمَّ أُتِيَ بِفَضْلِ) أي باقي ( ذَلِكَ الطَّعَامِ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ صَلَّى) العصر ( وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) .

وفي رواية ابن القاسم وابن بكير: ثم دعي بفضل ذلك الطعام فقال: دعي مكان أتي فيحتمل أن صاحب الطعام سأله ذلك فأجابه لإدخال السرور عليه ويكون وقت قيامه للصلاة لم ينو الرجوع لحديث: إذا حضر الطعام فابدءوا به قبل الصلاة أي لئلا يشتغل به عن الإقبال إليها، وإن كان صلى الله عليه وسلم ليس كغيره لكنه مشرع وفيه: أنه أكل اللحم في يوم مرتين ولا يلزم أنه شبع منه فلا يعارضه قول عائشة: ما شبع من لحم في يوم مرتين كما توهم.

( مالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ) بالقاف ابن أبي عياش بتحتية ومعجمة القرشي مولاهم المدني عن أم خالد بنت خالد ولها صحبة ونافع وسالم والزهري وخلق، وعنه مالك وشعبة والسفيانان وابن جريج وغيرهم، وثقه أحمد ويحيى وأبو حاتم وغيرهم ولم يصح أن ابن معين لينه وقال معن وغيره: وكان مالك إذا سئل عن المغازي يقول: عليك بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة فإنها أصح المغازي مات سنة إحدى وأربعين ومائة وقيل بعدها.

( عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ) بتحتية قبل الزاي ابن جارية بجيم وتحتية ( الْأَنْصَارِيِّ) أبي محمد المدني أخي عاصم بن عمر لأمه يقال ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين مات سنة ثلاث وتسعين وأبوه صحابي مشهور.

( أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَدِمَ مِنَ الْعِرَاقِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ) زوج أمه ( أَبُو طَلْحَةَ) زيد بن سهل الأنصاري النجاري مشهور بكنيته من كبار الصحابة شهد بدرًا وما بعدها مات سنة أربع وثلاثين.
وقال أبو زرعة الدمشقي: عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة.

( وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ) الأنصاري الخزرجي أبو المنذر سيد القراء من فضلاء الصحابة في سنة موته خلف كثير فقيل سنة تسع عشرة وقيل اثنين وثلاثين وقيل غير ذلك ( فَقَرَّبَ لَهُمَا طَعَامًا قَدْ مَسَّتْهُ النَّارُ فَأَكَلُوا مِنْهُ فَقَامَ أَنَسٌ فَتَوَضَّأَ فَقَالَ) له ( أَبُو طَلْحَةَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: مَا هَذَا) الفعل ( يَا أَنَسُ أَعِرَاقِيَّةٌ؟) أي أبالعراق استفدت هذا العلم وتركت عمل أهل المدينة المتلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم ( فَقَالَ أَنَسٌ: لَيْتَنِي لَمْ أَفْعَلْ) أي لأنه يوهم للشبهة.

( وَقَامَ أَبُو طَلْحَةَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَصَلَّيَا وَلَمْ يَتَوَضَّآَ) فدل فعلهما وإنكارهما وهما منهما على أنس ورجوعه إليهما على أن إجماع أهل المدينة على أن لا وضوء مما مست النار وهو من الحجج القوية الدالة على نسخ الوضوء منه، ومن ثم ختم به هذا الباب وهو يفيد أيضًا رد ما ذهب إليه الخطابي من حمل أحاديث الأمر على الاستحباب إذ لو كان مستحبًا ما ساغ إنكارهما عليه، والله أعلم.



رقم الحديث 143 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ السَّبَّاقِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي جُمُعَةٍ مِنَ الْجُمَعِ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ عِيدًا فَاغْتَسِلُوا، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ.


( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ) عبيد بضم العين بلا إضافة ( ابْنِ السَّبَّاقِ) بسين مهملة وموحدة المدني أبي سعيد من ثقات التابعين وأشرافهم روى له الستة وذكر في التقصي أنه من بني عبد الدار بن قصي وفي التقريب وغيره أنه ثقفي وهو مرسل.

وقد وصله ابن ماجه من طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عبيد بن السباق عن ابن عباس ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي) يوم ( جُمُعَةٍ) بضم الميم لغة الحجاز وفتحها لغة تميم وإسكانها لغة عقيل وبها قرأ الأعمش ( مِنَ الْجُمَعِ) جمع جمعة وتجمع أيضًا على جمعات مثل غرفة وغرفات في وجوهها وأما الجمعة بسكون الميم فاسم لأيام الأسبوع وأولها السبت وأول الأيام يوم الأحد هكذا عند العرب قاله ابن الأعرابي.

( يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ) قال النووي: المعشر الطائفة الذين يشملهم وصف فالشباب معشر والشيوخ معشر والنساء معشر والأنبياء معشر وما أشبهه ( إِنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ عِيدًا) لهذه الأمة خاصة جزم به أبو سعيد في شرف المصطفى وابن سراقة وذلك أنه سبحانه خلق العالم في ستة أيام وكسا كل يوم منها اسمًا يخصه وخص كل يوم بصنف من الخلق أوجده فيه وجعل يوم كمال الخلق مجمعًا وعيدًا للمؤمنين يجتمعون فيه لعبادته وذكره والتفرغ لشكره والإقبال على خدمته وذكر ما كان في ذلك اليوم وما يكون من المعاد.

قال الراغب: والعيد ما يعاود مرة بعد أخرى وخصه الشرع بيومي الأضحى والفطر ولما كان ذلك اليوم مجعولاً في الشرع للسرور استعمل العيد في كل يوم مسرة أيًا ما كان.

قال ابن عبد البر: فيه أن من حلف أن يوم الجمعة يوم عيد لم يحنث وكذا لو حلف على فعل شيء يوم عيد ولا نية له بر بفعله يوم الجمعة لكن قال عبد الحق في شرح الأحكام: العرف لا يقتضيه.

( فَاغْتَسِلُوا) استنانًا مؤكدًا ( وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ) إذ هو مستحب للقادر عليه وقد كان يعرف خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة برائحة الطيب إذا مشى وأوجبه أبو هريرة يوم الجمعة ولعله إيجاب سنة وأدب وإن كان حقيقة فالجمهور على خلافه قاله أبو عمر.

( وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ) أي الزموه لتأكد استحبابه قالت عائشة: كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل علي أول ما يبدأ بالسواك وسمعته يقول: السواك مطهرة للفم مرضاة للرب وكان ربما استاك في الليلة مرارًا، وقد علم أن هذا الحديث مرسل وأن ابن ماجه وصله بذكر ابن عباس لكن عورض بما في الصحيح أنه ذكر عند ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اغتسلوا يوم الجمعة وإن لم تكونوا جنبًا وأصيبوا من الطيب قال ابن عباس: أما الغسل فنعم وأما الطيب فلا أدري فكيف ينفي درايته مع روايته هذا الحديث ومن كان عنده طيب إلخ وصالح بن أبي الأخضر الذي رواه عن الزهري موصولاً ضعيف، وقد خالفه مالك فرواه عن الزهري عن عبيد مرسلاً قال الحافظ: فإن كان صالح حفظ فيه ابن عباس احتمل أن يكون ذكره بعد ما نسيه أو عكس ذلك.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بكسر الزاي وخفة النون ( عَنِ الْأَعْرَجِ) عبد الرحمن بن هرمز ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ) أي أثقل يقال: شققت عليه إذا أدخلت عليه المشقة أشق شقًا بالفتح ( عَلَى أُمَّتِي) كذا رواه يحيى الليثي: ورواه أكثر رواة الموطأ على المؤمنين ورواه كثير منهم: لولا أن أشق على أمتي أو على الناس بالشك وللبخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك: لولا أن أشق على أمتي أو لولا أن أشق على الناس.

قال الحافظ: ولم أقف عليه بهذا اللفظ في شيء من الروايات عن مالك ولا عن غيره.

وقد أخرجه الدارقطني في الموطآت من طريق الموطأ لعبد الله بن يوسف شيخ البخاري فيه بلفظ: أو على الناس فلم يعد قوله: لولا أن أشق.

( لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ) أي باستعماله لا الآلة زاد البخاري مع كل صلاة ولم أرها أيضًا في شيء من روايات الموطأ إلا عن معن بن عيسى لكن بلفظ: عند كل صلاة وكذا للنسائي عن قتيبة عن مالك وكذا رواه مسلم من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد وخالفه سعيد بن أبي هلال عن الأعرج فقال: مع الوضوء بدل الصلاة أخرجه أحمد.

قال البيضاوي: لولا كلمة تدل على انتفاء الشيء لثبوت غيره والحق أنها مركبة من لو الدالة على انتفاء الشيء لانتفاء غيره ولا النافية فدل الحديث على انتفاء الأمر لثبوت المشقة لأن انتفاء النفي ثبوت فيكون الأمر منفيًا لثبوت المشقة فيه، وفيه دليل على أن الأمر للوجوب من وجهين أحدهما: أنه نفي الأمر مع ثبوت الندبية ولو كان للندب لما جاز النفي ثانيهما: أنه جعل الأمر للمشقة عليهم وإنما يتحقق إذا كان للوجوب إذ الندب لا مشقة فيه لأنه جائز الترك.

وقال الشيخ أبو إسحاق في شرح اللمع: في الحديث دليل على أن الاستدعاء على جهة الندب ليس بأمر حقيقة لأن السواك عند كل صلاة مندوب إليه، وقد أخبر الشارع أنه لم يأمر به انتهى.

ويؤيده قوله في رواية سعيد المقبري عن أبي هريرة عند النسائي بلفظ لفرضت عليهم بدل لأمرتهم وقال الشافعي: فيه دليل على أن السواك ليس بواجب لأنه لو كان واجبًا لأمرهم به شق عليهم أو لم يشق انتهى.

وإلى القول بعدم وجوبه صار أكثر أهل العلم بل ادعى بعضهم فيه الإجماع لكن حكى أبو حامد وتبعه الماوردي عن إسحاق بن راهويه أنه قال: هو واجب لكل صلاة فمن تركه عامدًا بطلت صلاته.
وعن داود واجب لكن ليس شرطًا واحتج من قال بوجوبه بورود الأمر به، فعند ابن ماجه عن أبي أمامة مرفوعًا: تسوكوا.
ولأحمد نحوه في حديث العباس ولا يثبت شيء منها وعلى تقدير الصحة فالمنفي في مفهوم حديث الباب الأمر به مقيدًا بكل صلاة لا مطلق الأمر ولا يلزم من نفي المقيد نفي المطلق ولا من ثبوت المطلق التكرار كما قال من احتج به على أن الأمر يقتضي التكرار لأن الحديث دل على كون المشقة هي المانعة من الأمر بالسواك ولا مشقة في وجوبه مرة، وإنما المشقة في وجوب التكرار وفيه نظر لأن التكرار لم يؤخذ هنا من مجرد الأمر، وإنما أخذ من تقييده بكل صلاة.

وقال المهلب فيه إن المندوبات ترتفع إذا خشي منها الحرج وفيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من الشفقة على أمته وجواز اجتهاده فيما لم ينزل عليه فيه نص لأنه جعل المشقة سببًا لعدم أمره فلو توقف الحكم على النص لكان سبب انتفاء الوجوب عدم ورود النص لا وجود المشقة، وفيه بحث لجواز أنه إخبار منه صلى الله عليه وسلم بأن سبب عدم ورود النص وجود المشقة فيكون معنى لأمرتهم أي عن الله بأنه واجب انتهى.

قال السيوطي: وفي الحديث اختصار من أثنائه وآخره، فقد أخرجه الشافعي في الأم عن سفيان عن أبي الزناد بسنده: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء والسواك عند كل صلاة وقد علم أن هذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف والنسائي عن قتيبة بن سعيد كلاهما عن مالك وتابعه سفيان بن عيينة عند مسلم.

( مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ) بضم المهملة ( بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الزهري المدني من كبار التابعين ثقة من رجال الجميع مات سنة خمس ومائة على الصحيح ( عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لوْلَا أَنْ يَشُقَّ) وفي نسخة: لولا أن أشق ( عَلَى أُمَّتِهِ) صلى الله عليه وسلم وإن مصدرية في محل رفع على الابتداء والخبر محذوف وجوبًا أي لولا المشقة موجودة ( لَأَمَرَهُمْ) صلى الله عليه وسلم على نسخة يشق وفي نسخة لأمرتهم على نسخة أشق ( بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ) أي مصاحبًا له كقوله في رواية عند كل وضوء، ويحتمل أن معناه لأمرتهم به كما أمرتهم بالوضوء وهذا الحديث موقوف لفظًا مرفوع حكمًا.

قال ابن عبد البر: هذا الحديث يدخل في المسند أي المرفوع لاتصاله من غير وجه ولما يدل عليه اللفظ قال: وبهذا اللفظ رواه يحيى وأبو مصعب وابن بكير والقعنبي وابن القاسم وابن وهب وابن نافع وأكثر الرواة ورواه معن بن عيسى وأيوب بن صالح وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم عن مالك عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء انتهى.

وكذا أخرجه الشافعي في مسنده مصرحًا برفعه، والبيهقي وأخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن من حديث علي مرفوعًا بهذا اللفظ وللحاكم والبيهقي عن أبي هريرة رفعه: لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك مع الوضوء قال الحاكم صحيح على شروطهما وليس له علة.

وفي مسند أحمد من حديث قثم بن العباس أو تمام بن العباس: لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك كما فرضت عليهم الوضوء.

وروى البزار والطبراني وأبو يعلى والحاكم عن العباس بن عبد المطلب مرفوعًا: لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك عند كل صلاة كما فرضت عليهم الوضوء.

ولابن ماجه عن أبي أمامة: ما جاءني جبريل إلا وأوصاني بالسواك حتى خشيت أن يفرض علي وعلى أمتي ولولا أني أخاف على أمتي لفرضته عليهم.

ولسعيد بن منصور من مرسل مكحول: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك والطيب عند كل صلاة.

ولأبي نعيم عن ابن عمرو بن العاص: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يستاكوا بالأسحار، وتمسك بعموم هذه الأحاديث كلها من لم يكره السواك للصائم بعد الزوال لدخول الصائم فيها وغيره شهر رمضان وغيره وهو جلي والله أعلم.



رقم الحديث 144 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ.


( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ) عبيد بضم العين بلا إضافة ( ابْنِ السَّبَّاقِ) بسين مهملة وموحدة المدني أبي سعيد من ثقات التابعين وأشرافهم روى له الستة وذكر في التقصي أنه من بني عبد الدار بن قصي وفي التقريب وغيره أنه ثقفي وهو مرسل.

وقد وصله ابن ماجه من طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عبيد بن السباق عن ابن عباس ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي) يوم ( جُمُعَةٍ) بضم الميم لغة الحجاز وفتحها لغة تميم وإسكانها لغة عقيل وبها قرأ الأعمش ( مِنَ الْجُمَعِ) جمع جمعة وتجمع أيضًا على جمعات مثل غرفة وغرفات في وجوهها وأما الجمعة بسكون الميم فاسم لأيام الأسبوع وأولها السبت وأول الأيام يوم الأحد هكذا عند العرب قاله ابن الأعرابي.

( يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ) قال النووي: المعشر الطائفة الذين يشملهم وصف فالشباب معشر والشيوخ معشر والنساء معشر والأنبياء معشر وما أشبهه ( إِنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ عِيدًا) لهذه الأمة خاصة جزم به أبو سعيد في شرف المصطفى وابن سراقة وذلك أنه سبحانه خلق العالم في ستة أيام وكسا كل يوم منها اسمًا يخصه وخص كل يوم بصنف من الخلق أوجده فيه وجعل يوم كمال الخلق مجمعًا وعيدًا للمؤمنين يجتمعون فيه لعبادته وذكره والتفرغ لشكره والإقبال على خدمته وذكر ما كان في ذلك اليوم وما يكون من المعاد.

قال الراغب: والعيد ما يعاود مرة بعد أخرى وخصه الشرع بيومي الأضحى والفطر ولما كان ذلك اليوم مجعولاً في الشرع للسرور استعمل العيد في كل يوم مسرة أيًا ما كان.

قال ابن عبد البر: فيه أن من حلف أن يوم الجمعة يوم عيد لم يحنث وكذا لو حلف على فعل شيء يوم عيد ولا نية له بر بفعله يوم الجمعة لكن قال عبد الحق في شرح الأحكام: العرف لا يقتضيه.

( فَاغْتَسِلُوا) استنانًا مؤكدًا ( وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ) إذ هو مستحب للقادر عليه وقد كان يعرف خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة برائحة الطيب إذا مشى وأوجبه أبو هريرة يوم الجمعة ولعله إيجاب سنة وأدب وإن كان حقيقة فالجمهور على خلافه قاله أبو عمر.

( وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ) أي الزموه لتأكد استحبابه قالت عائشة: كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل علي أول ما يبدأ بالسواك وسمعته يقول: السواك مطهرة للفم مرضاة للرب وكان ربما استاك في الليلة مرارًا، وقد علم أن هذا الحديث مرسل وأن ابن ماجه وصله بذكر ابن عباس لكن عورض بما في الصحيح أنه ذكر عند ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اغتسلوا يوم الجمعة وإن لم تكونوا جنبًا وأصيبوا من الطيب قال ابن عباس: أما الغسل فنعم وأما الطيب فلا أدري فكيف ينفي درايته مع روايته هذا الحديث ومن كان عنده طيب إلخ وصالح بن أبي الأخضر الذي رواه عن الزهري موصولاً ضعيف، وقد خالفه مالك فرواه عن الزهري عن عبيد مرسلاً قال الحافظ: فإن كان صالح حفظ فيه ابن عباس احتمل أن يكون ذكره بعد ما نسيه أو عكس ذلك.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بكسر الزاي وخفة النون ( عَنِ الْأَعْرَجِ) عبد الرحمن بن هرمز ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ) أي أثقل يقال: شققت عليه إذا أدخلت عليه المشقة أشق شقًا بالفتح ( عَلَى أُمَّتِي) كذا رواه يحيى الليثي: ورواه أكثر رواة الموطأ على المؤمنين ورواه كثير منهم: لولا أن أشق على أمتي أو على الناس بالشك وللبخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك: لولا أن أشق على أمتي أو لولا أن أشق على الناس.

قال الحافظ: ولم أقف عليه بهذا اللفظ في شيء من الروايات عن مالك ولا عن غيره.

وقد أخرجه الدارقطني في الموطآت من طريق الموطأ لعبد الله بن يوسف شيخ البخاري فيه بلفظ: أو على الناس فلم يعد قوله: لولا أن أشق.

( لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ) أي باستعماله لا الآلة زاد البخاري مع كل صلاة ولم أرها أيضًا في شيء من روايات الموطأ إلا عن معن بن عيسى لكن بلفظ: عند كل صلاة وكذا للنسائي عن قتيبة عن مالك وكذا رواه مسلم من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد وخالفه سعيد بن أبي هلال عن الأعرج فقال: مع الوضوء بدل الصلاة أخرجه أحمد.

قال البيضاوي: لولا كلمة تدل على انتفاء الشيء لثبوت غيره والحق أنها مركبة من لو الدالة على انتفاء الشيء لانتفاء غيره ولا النافية فدل الحديث على انتفاء الأمر لثبوت المشقة لأن انتفاء النفي ثبوت فيكون الأمر منفيًا لثبوت المشقة فيه، وفيه دليل على أن الأمر للوجوب من وجهين أحدهما: أنه نفي الأمر مع ثبوت الندبية ولو كان للندب لما جاز النفي ثانيهما: أنه جعل الأمر للمشقة عليهم وإنما يتحقق إذا كان للوجوب إذ الندب لا مشقة فيه لأنه جائز الترك.

وقال الشيخ أبو إسحاق في شرح اللمع: في الحديث دليل على أن الاستدعاء على جهة الندب ليس بأمر حقيقة لأن السواك عند كل صلاة مندوب إليه، وقد أخبر الشارع أنه لم يأمر به انتهى.

ويؤيده قوله في رواية سعيد المقبري عن أبي هريرة عند النسائي بلفظ لفرضت عليهم بدل لأمرتهم وقال الشافعي: فيه دليل على أن السواك ليس بواجب لأنه لو كان واجبًا لأمرهم به شق عليهم أو لم يشق انتهى.

وإلى القول بعدم وجوبه صار أكثر أهل العلم بل ادعى بعضهم فيه الإجماع لكن حكى أبو حامد وتبعه الماوردي عن إسحاق بن راهويه أنه قال: هو واجب لكل صلاة فمن تركه عامدًا بطلت صلاته.
وعن داود واجب لكن ليس شرطًا واحتج من قال بوجوبه بورود الأمر به، فعند ابن ماجه عن أبي أمامة مرفوعًا: تسوكوا.
ولأحمد نحوه في حديث العباس ولا يثبت شيء منها وعلى تقدير الصحة فالمنفي في مفهوم حديث الباب الأمر به مقيدًا بكل صلاة لا مطلق الأمر ولا يلزم من نفي المقيد نفي المطلق ولا من ثبوت المطلق التكرار كما قال من احتج به على أن الأمر يقتضي التكرار لأن الحديث دل على كون المشقة هي المانعة من الأمر بالسواك ولا مشقة في وجوبه مرة، وإنما المشقة في وجوب التكرار وفيه نظر لأن التكرار لم يؤخذ هنا من مجرد الأمر، وإنما أخذ من تقييده بكل صلاة.

وقال المهلب فيه إن المندوبات ترتفع إذا خشي منها الحرج وفيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من الشفقة على أمته وجواز اجتهاده فيما لم ينزل عليه فيه نص لأنه جعل المشقة سببًا لعدم أمره فلو توقف الحكم على النص لكان سبب انتفاء الوجوب عدم ورود النص لا وجود المشقة، وفيه بحث لجواز أنه إخبار منه صلى الله عليه وسلم بأن سبب عدم ورود النص وجود المشقة فيكون معنى لأمرتهم أي عن الله بأنه واجب انتهى.

قال السيوطي: وفي الحديث اختصار من أثنائه وآخره، فقد أخرجه الشافعي في الأم عن سفيان عن أبي الزناد بسنده: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء والسواك عند كل صلاة وقد علم أن هذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف والنسائي عن قتيبة بن سعيد كلاهما عن مالك وتابعه سفيان بن عيينة عند مسلم.

( مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ) بضم المهملة ( بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الزهري المدني من كبار التابعين ثقة من رجال الجميع مات سنة خمس ومائة على الصحيح ( عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لوْلَا أَنْ يَشُقَّ) وفي نسخة: لولا أن أشق ( عَلَى أُمَّتِهِ) صلى الله عليه وسلم وإن مصدرية في محل رفع على الابتداء والخبر محذوف وجوبًا أي لولا المشقة موجودة ( لَأَمَرَهُمْ) صلى الله عليه وسلم على نسخة يشق وفي نسخة لأمرتهم على نسخة أشق ( بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ) أي مصاحبًا له كقوله في رواية عند كل وضوء، ويحتمل أن معناه لأمرتهم به كما أمرتهم بالوضوء وهذا الحديث موقوف لفظًا مرفوع حكمًا.

قال ابن عبد البر: هذا الحديث يدخل في المسند أي المرفوع لاتصاله من غير وجه ولما يدل عليه اللفظ قال: وبهذا اللفظ رواه يحيى وأبو مصعب وابن بكير والقعنبي وابن القاسم وابن وهب وابن نافع وأكثر الرواة ورواه معن بن عيسى وأيوب بن صالح وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم عن مالك عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء انتهى.

وكذا أخرجه الشافعي في مسنده مصرحًا برفعه، والبيهقي وأخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن من حديث علي مرفوعًا بهذا اللفظ وللحاكم والبيهقي عن أبي هريرة رفعه: لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك مع الوضوء قال الحاكم صحيح على شروطهما وليس له علة.

وفي مسند أحمد من حديث قثم بن العباس أو تمام بن العباس: لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك كما فرضت عليهم الوضوء.

وروى البزار والطبراني وأبو يعلى والحاكم عن العباس بن عبد المطلب مرفوعًا: لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك عند كل صلاة كما فرضت عليهم الوضوء.

ولابن ماجه عن أبي أمامة: ما جاءني جبريل إلا وأوصاني بالسواك حتى خشيت أن يفرض علي وعلى أمتي ولولا أني أخاف على أمتي لفرضته عليهم.

ولسعيد بن منصور من مرسل مكحول: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك والطيب عند كل صلاة.

ولأبي نعيم عن ابن عمرو بن العاص: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يستاكوا بالأسحار، وتمسك بعموم هذه الأحاديث كلها من لم يكره السواك للصائم بعد الزوال لدخول الصائم فيها وغيره شهر رمضان وغيره وهو جلي والله أعلم.



رقم الحديث 145 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِهِ لَأَمَرَهُمْ بِالسِّوَاكِ، مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ.


( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ) عبيد بضم العين بلا إضافة ( ابْنِ السَّبَّاقِ) بسين مهملة وموحدة المدني أبي سعيد من ثقات التابعين وأشرافهم روى له الستة وذكر في التقصي أنه من بني عبد الدار بن قصي وفي التقريب وغيره أنه ثقفي وهو مرسل.

وقد وصله ابن ماجه من طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عبيد بن السباق عن ابن عباس ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي) يوم ( جُمُعَةٍ) بضم الميم لغة الحجاز وفتحها لغة تميم وإسكانها لغة عقيل وبها قرأ الأعمش ( مِنَ الْجُمَعِ) جمع جمعة وتجمع أيضًا على جمعات مثل غرفة وغرفات في وجوهها وأما الجمعة بسكون الميم فاسم لأيام الأسبوع وأولها السبت وأول الأيام يوم الأحد هكذا عند العرب قاله ابن الأعرابي.

( يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ) قال النووي: المعشر الطائفة الذين يشملهم وصف فالشباب معشر والشيوخ معشر والنساء معشر والأنبياء معشر وما أشبهه ( إِنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ عِيدًا) لهذه الأمة خاصة جزم به أبو سعيد في شرف المصطفى وابن سراقة وذلك أنه سبحانه خلق العالم في ستة أيام وكسا كل يوم منها اسمًا يخصه وخص كل يوم بصنف من الخلق أوجده فيه وجعل يوم كمال الخلق مجمعًا وعيدًا للمؤمنين يجتمعون فيه لعبادته وذكره والتفرغ لشكره والإقبال على خدمته وذكر ما كان في ذلك اليوم وما يكون من المعاد.

قال الراغب: والعيد ما يعاود مرة بعد أخرى وخصه الشرع بيومي الأضحى والفطر ولما كان ذلك اليوم مجعولاً في الشرع للسرور استعمل العيد في كل يوم مسرة أيًا ما كان.

قال ابن عبد البر: فيه أن من حلف أن يوم الجمعة يوم عيد لم يحنث وكذا لو حلف على فعل شيء يوم عيد ولا نية له بر بفعله يوم الجمعة لكن قال عبد الحق في شرح الأحكام: العرف لا يقتضيه.

( فَاغْتَسِلُوا) استنانًا مؤكدًا ( وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ) إذ هو مستحب للقادر عليه وقد كان يعرف خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة برائحة الطيب إذا مشى وأوجبه أبو هريرة يوم الجمعة ولعله إيجاب سنة وأدب وإن كان حقيقة فالجمهور على خلافه قاله أبو عمر.

( وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ) أي الزموه لتأكد استحبابه قالت عائشة: كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل علي أول ما يبدأ بالسواك وسمعته يقول: السواك مطهرة للفم مرضاة للرب وكان ربما استاك في الليلة مرارًا، وقد علم أن هذا الحديث مرسل وأن ابن ماجه وصله بذكر ابن عباس لكن عورض بما في الصحيح أنه ذكر عند ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اغتسلوا يوم الجمعة وإن لم تكونوا جنبًا وأصيبوا من الطيب قال ابن عباس: أما الغسل فنعم وأما الطيب فلا أدري فكيف ينفي درايته مع روايته هذا الحديث ومن كان عنده طيب إلخ وصالح بن أبي الأخضر الذي رواه عن الزهري موصولاً ضعيف، وقد خالفه مالك فرواه عن الزهري عن عبيد مرسلاً قال الحافظ: فإن كان صالح حفظ فيه ابن عباس احتمل أن يكون ذكره بعد ما نسيه أو عكس ذلك.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بكسر الزاي وخفة النون ( عَنِ الْأَعْرَجِ) عبد الرحمن بن هرمز ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ) أي أثقل يقال: شققت عليه إذا أدخلت عليه المشقة أشق شقًا بالفتح ( عَلَى أُمَّتِي) كذا رواه يحيى الليثي: ورواه أكثر رواة الموطأ على المؤمنين ورواه كثير منهم: لولا أن أشق على أمتي أو على الناس بالشك وللبخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك: لولا أن أشق على أمتي أو لولا أن أشق على الناس.

قال الحافظ: ولم أقف عليه بهذا اللفظ في شيء من الروايات عن مالك ولا عن غيره.

وقد أخرجه الدارقطني في الموطآت من طريق الموطأ لعبد الله بن يوسف شيخ البخاري فيه بلفظ: أو على الناس فلم يعد قوله: لولا أن أشق.

( لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ) أي باستعماله لا الآلة زاد البخاري مع كل صلاة ولم أرها أيضًا في شيء من روايات الموطأ إلا عن معن بن عيسى لكن بلفظ: عند كل صلاة وكذا للنسائي عن قتيبة عن مالك وكذا رواه مسلم من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد وخالفه سعيد بن أبي هلال عن الأعرج فقال: مع الوضوء بدل الصلاة أخرجه أحمد.

قال البيضاوي: لولا كلمة تدل على انتفاء الشيء لثبوت غيره والحق أنها مركبة من لو الدالة على انتفاء الشيء لانتفاء غيره ولا النافية فدل الحديث على انتفاء الأمر لثبوت المشقة لأن انتفاء النفي ثبوت فيكون الأمر منفيًا لثبوت المشقة فيه، وفيه دليل على أن الأمر للوجوب من وجهين أحدهما: أنه نفي الأمر مع ثبوت الندبية ولو كان للندب لما جاز النفي ثانيهما: أنه جعل الأمر للمشقة عليهم وإنما يتحقق إذا كان للوجوب إذ الندب لا مشقة فيه لأنه جائز الترك.

وقال الشيخ أبو إسحاق في شرح اللمع: في الحديث دليل على أن الاستدعاء على جهة الندب ليس بأمر حقيقة لأن السواك عند كل صلاة مندوب إليه، وقد أخبر الشارع أنه لم يأمر به انتهى.

ويؤيده قوله في رواية سعيد المقبري عن أبي هريرة عند النسائي بلفظ لفرضت عليهم بدل لأمرتهم وقال الشافعي: فيه دليل على أن السواك ليس بواجب لأنه لو كان واجبًا لأمرهم به شق عليهم أو لم يشق انتهى.

وإلى القول بعدم وجوبه صار أكثر أهل العلم بل ادعى بعضهم فيه الإجماع لكن حكى أبو حامد وتبعه الماوردي عن إسحاق بن راهويه أنه قال: هو واجب لكل صلاة فمن تركه عامدًا بطلت صلاته.
وعن داود واجب لكن ليس شرطًا واحتج من قال بوجوبه بورود الأمر به، فعند ابن ماجه عن أبي أمامة مرفوعًا: تسوكوا.
ولأحمد نحوه في حديث العباس ولا يثبت شيء منها وعلى تقدير الصحة فالمنفي في مفهوم حديث الباب الأمر به مقيدًا بكل صلاة لا مطلق الأمر ولا يلزم من نفي المقيد نفي المطلق ولا من ثبوت المطلق التكرار كما قال من احتج به على أن الأمر يقتضي التكرار لأن الحديث دل على كون المشقة هي المانعة من الأمر بالسواك ولا مشقة في وجوبه مرة، وإنما المشقة في وجوب التكرار وفيه نظر لأن التكرار لم يؤخذ هنا من مجرد الأمر، وإنما أخذ من تقييده بكل صلاة.

وقال المهلب فيه إن المندوبات ترتفع إذا خشي منها الحرج وفيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من الشفقة على أمته وجواز اجتهاده فيما لم ينزل عليه فيه نص لأنه جعل المشقة سببًا لعدم أمره فلو توقف الحكم على النص لكان سبب انتفاء الوجوب عدم ورود النص لا وجود المشقة، وفيه بحث لجواز أنه إخبار منه صلى الله عليه وسلم بأن سبب عدم ورود النص وجود المشقة فيكون معنى لأمرتهم أي عن الله بأنه واجب انتهى.

قال السيوطي: وفي الحديث اختصار من أثنائه وآخره، فقد أخرجه الشافعي في الأم عن سفيان عن أبي الزناد بسنده: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء والسواك عند كل صلاة وقد علم أن هذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف والنسائي عن قتيبة بن سعيد كلاهما عن مالك وتابعه سفيان بن عيينة عند مسلم.

( مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ) بضم المهملة ( بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الزهري المدني من كبار التابعين ثقة من رجال الجميع مات سنة خمس ومائة على الصحيح ( عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لوْلَا أَنْ يَشُقَّ) وفي نسخة: لولا أن أشق ( عَلَى أُمَّتِهِ) صلى الله عليه وسلم وإن مصدرية في محل رفع على الابتداء والخبر محذوف وجوبًا أي لولا المشقة موجودة ( لَأَمَرَهُمْ) صلى الله عليه وسلم على نسخة يشق وفي نسخة لأمرتهم على نسخة أشق ( بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ) أي مصاحبًا له كقوله في رواية عند كل وضوء، ويحتمل أن معناه لأمرتهم به كما أمرتهم بالوضوء وهذا الحديث موقوف لفظًا مرفوع حكمًا.

قال ابن عبد البر: هذا الحديث يدخل في المسند أي المرفوع لاتصاله من غير وجه ولما يدل عليه اللفظ قال: وبهذا اللفظ رواه يحيى وأبو مصعب وابن بكير والقعنبي وابن القاسم وابن وهب وابن نافع وأكثر الرواة ورواه معن بن عيسى وأيوب بن صالح وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم عن مالك عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء انتهى.

وكذا أخرجه الشافعي في مسنده مصرحًا برفعه، والبيهقي وأخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن من حديث علي مرفوعًا بهذا اللفظ وللحاكم والبيهقي عن أبي هريرة رفعه: لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك مع الوضوء قال الحاكم صحيح على شروطهما وليس له علة.

وفي مسند أحمد من حديث قثم بن العباس أو تمام بن العباس: لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك كما فرضت عليهم الوضوء.

وروى البزار والطبراني وأبو يعلى والحاكم عن العباس بن عبد المطلب مرفوعًا: لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك عند كل صلاة كما فرضت عليهم الوضوء.

ولابن ماجه عن أبي أمامة: ما جاءني جبريل إلا وأوصاني بالسواك حتى خشيت أن يفرض علي وعلى أمتي ولولا أني أخاف على أمتي لفرضته عليهم.

ولسعيد بن منصور من مرسل مكحول: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك والطيب عند كل صلاة.

ولأبي نعيم عن ابن عمرو بن العاص: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يستاكوا بالأسحار، وتمسك بعموم هذه الأحاديث كلها من لم يكره السواك للصائم بعد الزوال لدخول الصائم فيها وغيره شهر رمضان وغيره وهو جلي والله أعلم.