فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الْعَمَلِ فِي الْوُضُوءِ

رقم الحديث 13 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيلِ بْنِ مَالكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: كُنتُ أَرَى طِنْفَسَةً لِعَقِيلِ بنِ أَبِي طَالِبٍ، يومَ الْجُمُعَةِ تُطرَحُ إِلى جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْغَرْبِيِّ، فَإِذَا غَشِيَ الطِّنْفِسَةَ كُلَّهَا ظِلُّ الْجِدَارِ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَصَلَّى الْجُمُعَةَ، قَالَ مَالِكٌ وَالِدُ أَبِي سُهَيلٍ: ثُمَّ نَرْجِعُ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَنَقِيلُ قَائِلَةَ الضَّحَاءِ.


وَقْتِ الْجُمُعَةِ أي إذا زالت الشمس كالظهر عند الجمهور وشذ بعض الأئمة فجوز صلاتها قبل الزوال واحتج مالك بفعل عمر وعثمان لأنهما من الخلفاء الراشدين الذين أمرنا بالاقتداء بهم فقال: ( مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيلِ) واسمه نافع ( بْنِ مَالكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: كُنتُ أَرَى طِنْفَسَةً) بكسر الطاء والفاء وبضمهما وبكسر الطاء وفتح الفاء بساط له خمل رقيق قاله في النهاية وفي المطالع الأفصح كسر الطاء وفتح الفاء ويجوز ضمهما وكسرهما وحكى أبو حاتم فتح الطاء مع كسر الفاء وقال أبو علي القالي بفتح الفاء لا غير وهي بساط صغير وقيل حصير من سعف أو دوم عرضه ذراع وقيل قدر عظم الذراع.

( لِعَقِيلِ) بفتح العين ( بنِ أَبِي طَالِبٍ) الهاشمي أخي علي وجعفر، وكان الأسن صحابي عالم بالنسب مات سنة ستين وقيل بعدها ( يومَ الْجُمُعَةِ تُطرَحُ إِلى جِدَارِ الْمَسْجِدِ) النبوي ( الْغَرْبِيِّ) صفة جدار.

( فَإِذَا غَشِيَ الطِّنْفِسَةَ كُلَّهَا ظِلُّ الْجِدَارِ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَصَلَّى الْجُمُعَةَ) بالناس في خلافته قال في فتح الباري: هذا إسناد صحيح وهو ظاهر في أن عمر كان يخرج بعد زوال الشمس وفهم بعضهم عكس ذلك ولا يتجه إلا أن حمل على أن الطنفسة كانت تفرش خارج المسجد وهو بعيد والذي يظهر أنها كانت تفرش له داخل المسجد وعلى هذا فكان عمر يتأخر بعد الزوال قليلاً وفي حديث السقيفة عن ابن عباس فلما كان يوم الجمعة وزالت الشمس خرج عمر فجلس على المنبر.

( قَالَ مَالِكٌ) والد أبي سهيل ( ثُمَّ نَرْجِعُ) بالنون ( بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَنَقِيلُ قَائِلَةَ الضَّحَاءِ) قال البوني بفتح الضاد والمد وهو اشتداد النهار مذكر فأما بالضم والقصر فعند طلوع الشمس مؤنث أي أنهم كانوا يقيلون في غير الجمعة قبل الصلاة وقت القائلة ويوم الجمعة يشتغلون بالغسل وغيره عن ذلك فيقيلون بعد صلاتها القائلة التي يقيلونها في غير يومها قبل الصلاة.

وقال في الاستذكار أي أنهم يستدركون ما فاتهم من النوم وقت قائلة الضحاء على ما جرت به عادتهم انتهى.
وعلى هذا حملوا حديث أنس في البخاري وغيره كنا نبكر بالجمعة ونقيل بعد الجمعة معناه أنهم كانوا يبدؤون بالصلاة قبل القيلولة بخلاف ما جرت به عادتهم في الظهر في الحر فكانوا يقيلون ثم يصلون لمشروعية الإبراد فلا يعارض حديث أنس في البخاري وغيره أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين تزول الشمس والتبكير يطلق على فعل الشيء أول وقته وتقديمه على غيره وهو المراد هنا لأن الجمع أولى من دعوى التعارض.

( مَالِكٍ عَنْ عَمْرِو) بفتح العين ( بْنِ يَحْيَى) بن عمارة بن أبي حسن ( الْمَازِنِيِّ) بالزاي المدني ثقة مات بعد الثلاثين ومائة.

( عنِ ابْنِ أَبِي سَلِيطٍ) بفتح السين وكسر اللام اسم لابن عبد الله والأب أسيد بالتصغير ودال آخره وقيل راء وقيل بزيادة هاء آخره فهو عبد الله بن أسيد بن عمرو بن قيس البخاري روى عن أبيه الصحابي البدري وعن عثمان ومحمد بن كعب وعنه عبد الله بن عمرو بن ضميرة وعمرو بن يحيى وغيرهما وذكره ابن حبان في ثقات التابعين.

( أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ) بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي أمير المؤمنين ذا النورين أحد السابقين الأولين والخلفاء الأربعة والعشرة المبشرة والستة أصحاب الشورى استشهد في ذي الحجة بعد عيد الأضحى سنة خمس وثلاثين وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة وعمره ثمانون وقيل أكثر وقيل أقل ( صَلَّى الْجُمُعَةَ بِالْمَدِينَةِ وَصَلَّى الْعَصْرَ) من يومها ( بِمَلَلٍ) بفتح الميم ولامين بوزن جمل موضع بين مكة والمدينة على سبعة عشر ميلاً من المدينة كذا في النهاية.
وقال بعضهم على ثمانية عشر ميلاً.
وقال ابن وضاح: على اثنين وعشرين ميلاً حكاهما ابن رشيق.

( قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ لِلتَّهْجِير) أي صلاة الجمعة وقت الهاجرة وهي انتصاف النهار بعد الزوال ( وَسُرْعَةِ السَّيْرِ) فيدرك ملل بعد صلاة الجمعة فدل كل من فعل عمر وعثمان على أن ابتداء وقت الجمعة من الزوال كالظهر وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي إسحاق أنه صلى خلف علي الجمعة بعد ما زالت الشمس إسناده صحيح وما رواه أيضًا عن أبي رزين كنا نصلي مع علي الجمعة فأحيانا نجد فيئًا وأحيانًا لا نجد فمحمول على المبادرة عند الزوال أو التأخير قليلاً.

وعن سماك بن حرب كان النعمان بن بشير يصلي بنا الجمعة بعد ما تزول الشمس رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح وكان النعمان أميرًا على الكوفة في أول إمارة يزيد.

وكذا روى ابن شيبة أن عمرو بن حريث الصحابي كان يصليها إذا زالت الشمس وكان ينوب عن زياد وعن ولده في الكوفة.

وأما ما يعارض ذلك عن الصحابة فقال عبد الله بن سلمة بكسر اللام صلى بنا ابن مسعود الجمعة ضحى وقال: خشيت عليكم الحر.

وقال سعيد بن سويد صلى بنا معاوية الجمعة ضحى رواهما ابن أبي شيبة وسعيد ذكره ابن حبان في الضعفاء وابن سلمة صدوق إلا أنه تغير لما كبر قاله شعبة وغيره فأغرب ابن العربي في نقله الإجماع على أنها لا تجب حتى تزول الشمس إلا قول أحمد إن صلاها قبل الزوال أجزأ انتهى.

واحتج له بعض الحنابلة بقوله صلى الله عليه وسلم: إن هذا يوم جعله الله عيدًا للمسلمين فلما سماه عيدًا جازت صلاتها في وقت العيد، وتعقب بأنه لا يلزم من تسميته عيدًا أن يشتمل على جميع أحكام العيد بدليل أن يوم العيد يحرم صومه مطلقًا سواء صام قبله أو بعده بخلاف يوم الجمعة اتفاقًا.