فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ لِلصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ

رقم الحديث 639 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ، فَقَالَ: لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ.


( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال لا تصوموا حتى تروا الهلال) أي إذا لم يكمل شعبان ثلاثين يومًا وظاهره إيجاب الصوم متى وجدت الرؤية ليلاً أو نهارًا لكنه محمول على صوم اليوم المستقبل وفرق بعض العلماء بين ما قبل الزوال وما بعده وخالف الشيعة الإجماع فأوجبوه مطلقًا وظاهره أيضًا النهي عن ابتداء صوم رمضان قبل رؤية الهلال فيدخل فيه صورة الغيم وغيرها قال الباجي مقتضاه منع صوم آخر شعبان يريد على معنى التلقي لرمضان أو الاحتياط وأما نفلاً فيجوز قال ابن عبد البر عند مالك والجمهور واستحب ابن عباس وجماعة الفصل بين شعبان ورمضان بفطر يوم أو يومين أو أيام كما استحبوا الفصل بين صلاة الفريضة والنافلة بكلام أو مشي أو تقدم أو تأخر من المكان وصح مرفوعًا إذا بقي نصف شعبان فلا تصوموا ولم يأخذ به أئمة الفتوى لأنه صلى الله عليه وسلم صام شعبان كله قالت عائشة ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صيامًا منه في شعبان كان يصومه إلا قليلاً بل كان يصومه كله وقالت أم سلمة ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان وقال عبد الله بن المبارك جائز في كلام العرب أن يقال صام الشهر كله إذا صام أكثره ( ولا تفطروا) من صومه ( حتى تروه) أي الهلال وليس المراد رؤية جميع الناس بحيث يحتاج كل فرد فرد إلى رؤيته بل المعتبر رؤية بعضهم وهو العدد الذي يثبت به الحقوق وهو عدلان ولا يثبت رمضان بعدل واحد خلافًا لأبي حنيفة والشافعي لحديث ابن عباس في السنن قال جاء إعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت الهلال فقال أتشهد أن لا إله إلا الله أتشهد أن محمدًا رسول الله قال نعم قال يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غدًا لكن أعله ابن عبد البر بأن أكثر الرواة يرسله عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بدون ابن عباس وروى أبو داود وابن حبان عن ابن عمر قال تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم إني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه وهذا أشهر قولي الشافعي عند أصحابه وأصحهما لكن آخر قوليه إنه لا بد من عدلين قال في الأم لا يجوز على هلال رمضان إلا شاهدان ولا يثبت شوال بواحد عند الجميع إلا أبا ثور ( فإن غم عليكم) بضم الغين المعجمة وشد الميم أي حال بينكم وبين الهلال غيم في صومكم أو فطركم ( فاقدروا له) بهمزة وصل وضم الدال تأكيد لقوله لا تصوموا حتى تروا الهلال إذ المقصود حاصل به وقد أورثت هذه الزيادة المؤكدة عند المخالف شبهة بحسب تفسيره لقوله فاقدروا له فقال الأئمة الثلاثة والجمهور معناه قدروا له تمام العدد ثلاثين يومًا يقال قدرت الشيء وأقدرته وقدرته بمعنى التقدير أي انظروا في أول الشهر واحسبوا ثلاثين يومًا كما جاء مفسرًا في الحديث اللاحق ولذا أتى به الإمام للإشارة إلى أنه مفسر ولذا لم يجتمعا في رواية بل تارة يذكر هذا وتارة يذكر هذا وقالت طائفة معناه ضيقوا له وقدروه تحت السحاب وبه قال أحمد وغيره ممن يجوز صوم ليلة الغيم عن رمضان وقال ابن سريج معناه قدروه بحسب المنازل وكذا قاله ابن قتيبة من المحدثين ومطرف بن عبد الله من التابعين قال ابن عبد البر لا يصح عن مطرف وأما ابن قتيبة فليس هو ممن يعرج عليه في مثل هذا قال ونقله ابن خويز منداد عن الشافعي والمعروف عنه مثل الجمهور ونقل الباجي هذا التفسير عن الداودي وقال لا يعلم أحدًا قاله إلا بعض أصحاب الشافعي أنه يعتبر في ذلك بقول المنجمين والإجماع حجة عليهم فإن فعل ذلك أحد رجع إلى الرؤية ولم يعتد بما صام على الحساب فإن اقتضى ذلك قضاء شيء من صومه قضاه وسبقه إلى ذلك ابن المنذر فقال صوم يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال مع الصحو لا يجب بإجماع الأمة وقد صح عن أكثر الصحابة والتابعين كراهته هكذا أطلق ولم يفصل بين حاسب وغيره فمن فرق بينهما كان محجوجًا بالإجماع قبله ونقل ابن العربي عن ابن سريج أن قوله فاقدروا له خطاب لمن خصه الله بهذا العلم وأن قوله ولتكملوا العدة خطاب للعامة قال ابن العربي فصار وجوب رمضان عنده مختلف الحال يجب على قوم بحساب الشمس والقمر وعلى آخرين بحساب العدد وهذا بعيد عن النبلاء انتهى بل هو تحكم محجوج بالإجماع وقال ابن الصلاح معرفة منازل القمر هو معرفة سير الأهلة وأما معرفة الحساب فأمر دقيق يختص بمعرفته آحاد فمعرفة منازل القمر تدرك بأمر محسوس يدركه مراقب النجوم وهذا هو الذي أراده ابن سريج وقال به في حق العارف بها في خاصة نفسه ونقل الروياني عنه أنه لم يقل بوجوبه بل بجوازه وقال المازري احتج من قال معناه بحساب المنجمين بقوله تعالى { { وبالنجم هم يهتدون } } والآية عند الجمهور محمولة على الاهتداء في السير في البر والبحر قالوا ولا يصح أن المراد حساب المنجمين لأن الناس لو كلفوا ذلك لشق عليهم لأنه لا يعرفه إلا أفراد والشرع إنما يكلف الناس بما يعرفه جماهيرهم وأيضًا فإن الأقاليم على رأيهم مختلفة ويصح أن يرى في إقليم دون آخر فيؤدي ذلك إلى اختلاف الصوم عند أهلها مع كون الصائمين منهم لا يصومون على طريق مقطوع به ولا يلزم قومًا ما ثبت عند غيرهم والشهر على مذهب الجمهور مقطوع به لقوله الشهر تسع وعشرون فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين فالتسع وعشرون مقطوع بها وإن غم كمل ثلاثين وهي غايته وقال النووي عدم البناء على حساب المنجمين لأنه حدس وتخمين وإنما يعتبر منه ما يعرف به القبلة والوقت قال وفيه دليل لمالك والشافعي والجمهور أنه لا يجوز صوم يوم الشك ولا يوم الثلاثين من شعبان عن رمضان إذا كانت ليلة الثلاثين ليلة غيم وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن مسلمة ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشهر تسع وعشرون) قال عياض معناه أنه قد يكون تسعًا وعشرين كما صرح به في رواية يعني في الصحيحين أن الشهر يكون تسعة وعشرين يومًا قال الحافظ أو اللام للعهد والمراد شهر بعينه أو هو محمول على الأكثر الأغلب لقول ابن مسعود صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعًا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين رواه أبو داود والترمذي ومثله عن عائشة عند أحمد بإسناد جيد وقال ابن العربي معناه حصره من جهة أحد طرفيه أي أنه يكون تسعة وعشرين وهو أقله ويكون ثلاثين وهو أكثره فلا تأخذوا أنفسكم بصوم الأكثر احتياطًا ولا تقتصروا على الأقل تخفيفًا ولكن اجعلوا عبادتكم مرتبطة ابتداءً وانتهاءً باستهلاله كما قال ( فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له) قال الحافظ اتفق الرواة عن مالك على قوله فاقدروا له وكذا رواه إسحاق الحربي وغيره في الموطأ عن القعنبي والزعفراني وغيره عن الشافعي عن مالك به ورواه البخاري عن القعنبي والمزني عن الشافعي كلاهما عن مالك بلفظ فأكملوا العدة ثلاثين قال البيهقي إن كانت رواية القعنبي والشافعي من هذين الوجهين محفوظة فيكون مالك قد رواه باللفظين عن عبد الله بن دينار قلت ومع غرابة هذا اللفظ من هذا الوجه فله متابعات منها ما رواه الشافعي من طريق سالم عن ابن عمر بتعيين الثلاثين ومنها ما رواه ابن خزيمة من وجه آخر عن ابن عمر بلفظ فإن غم عليكم فكملوا ثلاثين وله شواهد عن حذيفة عند ابن خزيمة وأبي هريرة وابن عباس عند أبي داود والنسائي وغيرهما وعن أبي بكرة وطلق بن علي عند البيهقي وأخرجه من طرق أخرى عنهم وعن غيرهم اهـ وتابع مالكًا عليه إسماعيل بن جعفر عن ابن دينار بلفظ فاقدروا له عند مسلم ( مالك عن ثور) بلفظ الحيوان ( ابن زيد الديلي) بكسر الدال المهملة فتحتية ساكنة ( عن عبد الله بن عباس) هذا منقطع وقد رواه روح بن عبادة عن مالك عن ثور عن عكرمة عنه متصلاً وزعم أن مالكًا أسقط عكرمة لكلام سعيد بن المسيب وغيره فيه لا يصح لأن مالكًا ذكره في الحج وصرح باسمه قاله ابن عبد البر وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه) أي اربطوا عبادتكم برؤيته ابتداءً وانتهاءً ( فإن غم عليكم فأكملوا العدد) وفي رواية العدة أي عدة شعبان ( ثلاثين) وهذا أتى به الإمام مفسرًا ومبينًا لقوله في الروايتين قبله فاقدروا له وخير ما فسرته بالوارد ولذا لما فسره مطرف بن عبد الله بن الشخير من تابعي البصرة العلماء الفضلاء بنحو قول ابن سريج أنه إذا غم يستدل بالنجوم ويبيت الصوم ويجزيه قال ابن سيرين كان أفضل له لو لم يقله كذا في الاستذكار وتقدم قوله أنه لا يصح عن مطرف ( مالك أنه بلغه أن الهلال رؤي) بضم الراء وكسر الهمزة ( في زمان عثمان بن عفان بعشي) ما بعد الزوال إلى آخر النهار ( فلم يفطر عثمان حتى أمسى وغابت الشمس) ولا خلاف أن رؤيته بعد الزوال لليلة القادمة وأما قبله فكذلك عند الجمهور لحديث أبي وائل أتانا كتاب عمر أن الأهلة بعضها أكبر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارًا فلا تفطروا حتى يشهد رجلان أنهما أهلاه بالأمس وقال الثوري وابن وهب وأبو يوسف وابن حبيب للماضية لما رواه النخعي عن عمر إذا رأيتم الهلال قبل الزوال فأفطروا وإذا رأيتموه بعده فلا تفطروا وهذا مفصل والأول مجمل لأنه قال نهارًا لكن قال ابن عبد البر والأول أصح لأنه متصل والثاني منقطع فالنخعي لم يدرك عمر قال الباجي وراويه عن النخعي مجهول ( قال يحيى سمعت مالكًا يقول في الذي يرى هلال رمضان وحده أنه يصوم) وجوبًا ( لا ينبغي) لا يجوز ( له أن يفطر وهو يعلم أن ذلك اليوم من رمضان) وبه قال الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة عملاً بالأحاديث السابقة وقال عطاء والحسن وشريك وإسحاق لا يصوم حتى يحكم الإمام بأنه من رمضان وعلى الأول إن أفطر عمدًا كفر وقضى عند مالك وقال الأكثر لا كفارة للشبهة ( ومن رأى هلال شوال وحده فإنه لا يفطر لأن الناس يتهمون على أن يفطر منهم من ليس مأمونًا) من أهل الفسق والبدع ( ويقول أولئك إذا ظهر عليهم قد رأينا الهلال) فمنع منه سدًا للذريعة وبه قال أبو حنيفة وأحمد والأكثر وقال الشافعي وأبو ثور وأشهب يفطر وإن خاف التهمة لم يفطر ويعتقد الفطر الباجي وهذا هو الصحيح ( ومن رأى هلال شوال نهارًا فلا يفطر ويتم صيام يومه ذلك فإنما هو هلال الليلة التي تأتي) اتفاقًا فيما بعد الزوال وعلى الأصح فيما قبله كما مر ( قال يحيى وسمعت مالكًا يقول إذا صام الناس يوم الفطر وهم يظنون أنه من رمضان فجاءهم ثبت) بسكون الباء وفتحها ( أن هلال رمضان قد رؤي قبل أن يصوموا اليوم وأن يومهم ذلك أحد وثلاثون فإنهم يفطرون) وجوبًا ( من ذلك اليوم أية ساعة جاءهم الخبر غير أنهم لا يصلون صلاة العيد إن كان ذلك جاءهم بعد زوال الشمس) لا في اليوم ولا من الغد لخروج وقتها فلو قضيت لأشبهت الفرائض وقد أجمعوا على أن سائر السنن لا تقضى وقال أحمد وغيره يقضونها من الغد في الفطر والأضحى لما في النسائي وغيره أغمي علينا هلال شوال وأصبحنا صيامًا فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند النبي صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمر الناس أن يفطروا من يومهم ويخرجوا لصلاتهم من الغد وعن أبي حنيفة والشافعي القولان وقيل لا تصلى في الفطر لأنه يوم واحد وتصلى في الأضحى في الثالث لأنها أيام عيد.


رقم الحديث 639 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ.


( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال لا تصوموا حتى تروا الهلال) أي إذا لم يكمل شعبان ثلاثين يومًا وظاهره إيجاب الصوم متى وجدت الرؤية ليلاً أو نهارًا لكنه محمول على صوم اليوم المستقبل وفرق بعض العلماء بين ما قبل الزوال وما بعده وخالف الشيعة الإجماع فأوجبوه مطلقًا وظاهره أيضًا النهي عن ابتداء صوم رمضان قبل رؤية الهلال فيدخل فيه صورة الغيم وغيرها قال الباجي مقتضاه منع صوم آخر شعبان يريد على معنى التلقي لرمضان أو الاحتياط وأما نفلاً فيجوز قال ابن عبد البر عند مالك والجمهور واستحب ابن عباس وجماعة الفصل بين شعبان ورمضان بفطر يوم أو يومين أو أيام كما استحبوا الفصل بين صلاة الفريضة والنافلة بكلام أو مشي أو تقدم أو تأخر من المكان وصح مرفوعًا إذا بقي نصف شعبان فلا تصوموا ولم يأخذ به أئمة الفتوى لأنه صلى الله عليه وسلم صام شعبان كله قالت عائشة ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صيامًا منه في شعبان كان يصومه إلا قليلاً بل كان يصومه كله وقالت أم سلمة ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان وقال عبد الله بن المبارك جائز في كلام العرب أن يقال صام الشهر كله إذا صام أكثره ( ولا تفطروا) من صومه ( حتى تروه) أي الهلال وليس المراد رؤية جميع الناس بحيث يحتاج كل فرد فرد إلى رؤيته بل المعتبر رؤية بعضهم وهو العدد الذي يثبت به الحقوق وهو عدلان ولا يثبت رمضان بعدل واحد خلافًا لأبي حنيفة والشافعي لحديث ابن عباس في السنن قال جاء إعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت الهلال فقال أتشهد أن لا إله إلا الله أتشهد أن محمدًا رسول الله قال نعم قال يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غدًا لكن أعله ابن عبد البر بأن أكثر الرواة يرسله عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بدون ابن عباس وروى أبو داود وابن حبان عن ابن عمر قال تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم إني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه وهذا أشهر قولي الشافعي عند أصحابه وأصحهما لكن آخر قوليه إنه لا بد من عدلين قال في الأم لا يجوز على هلال رمضان إلا شاهدان ولا يثبت شوال بواحد عند الجميع إلا أبا ثور ( فإن غم عليكم) بضم الغين المعجمة وشد الميم أي حال بينكم وبين الهلال غيم في صومكم أو فطركم ( فاقدروا له) بهمزة وصل وضم الدال تأكيد لقوله لا تصوموا حتى تروا الهلال إذ المقصود حاصل به وقد أورثت هذه الزيادة المؤكدة عند المخالف شبهة بحسب تفسيره لقوله فاقدروا له فقال الأئمة الثلاثة والجمهور معناه قدروا له تمام العدد ثلاثين يومًا يقال قدرت الشيء وأقدرته وقدرته بمعنى التقدير أي انظروا في أول الشهر واحسبوا ثلاثين يومًا كما جاء مفسرًا في الحديث اللاحق ولذا أتى به الإمام للإشارة إلى أنه مفسر ولذا لم يجتمعا في رواية بل تارة يذكر هذا وتارة يذكر هذا وقالت طائفة معناه ضيقوا له وقدروه تحت السحاب وبه قال أحمد وغيره ممن يجوز صوم ليلة الغيم عن رمضان وقال ابن سريج معناه قدروه بحسب المنازل وكذا قاله ابن قتيبة من المحدثين ومطرف بن عبد الله من التابعين قال ابن عبد البر لا يصح عن مطرف وأما ابن قتيبة فليس هو ممن يعرج عليه في مثل هذا قال ونقله ابن خويز منداد عن الشافعي والمعروف عنه مثل الجمهور ونقل الباجي هذا التفسير عن الداودي وقال لا يعلم أحدًا قاله إلا بعض أصحاب الشافعي أنه يعتبر في ذلك بقول المنجمين والإجماع حجة عليهم فإن فعل ذلك أحد رجع إلى الرؤية ولم يعتد بما صام على الحساب فإن اقتضى ذلك قضاء شيء من صومه قضاه وسبقه إلى ذلك ابن المنذر فقال صوم يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال مع الصحو لا يجب بإجماع الأمة وقد صح عن أكثر الصحابة والتابعين كراهته هكذا أطلق ولم يفصل بين حاسب وغيره فمن فرق بينهما كان محجوجًا بالإجماع قبله ونقل ابن العربي عن ابن سريج أن قوله فاقدروا له خطاب لمن خصه الله بهذا العلم وأن قوله ولتكملوا العدة خطاب للعامة قال ابن العربي فصار وجوب رمضان عنده مختلف الحال يجب على قوم بحساب الشمس والقمر وعلى آخرين بحساب العدد وهذا بعيد عن النبلاء انتهى بل هو تحكم محجوج بالإجماع وقال ابن الصلاح معرفة منازل القمر هو معرفة سير الأهلة وأما معرفة الحساب فأمر دقيق يختص بمعرفته آحاد فمعرفة منازل القمر تدرك بأمر محسوس يدركه مراقب النجوم وهذا هو الذي أراده ابن سريج وقال به في حق العارف بها في خاصة نفسه ونقل الروياني عنه أنه لم يقل بوجوبه بل بجوازه وقال المازري احتج من قال معناه بحساب المنجمين بقوله تعالى { { وبالنجم هم يهتدون } } والآية عند الجمهور محمولة على الاهتداء في السير في البر والبحر قالوا ولا يصح أن المراد حساب المنجمين لأن الناس لو كلفوا ذلك لشق عليهم لأنه لا يعرفه إلا أفراد والشرع إنما يكلف الناس بما يعرفه جماهيرهم وأيضًا فإن الأقاليم على رأيهم مختلفة ويصح أن يرى في إقليم دون آخر فيؤدي ذلك إلى اختلاف الصوم عند أهلها مع كون الصائمين منهم لا يصومون على طريق مقطوع به ولا يلزم قومًا ما ثبت عند غيرهم والشهر على مذهب الجمهور مقطوع به لقوله الشهر تسع وعشرون فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين فالتسع وعشرون مقطوع بها وإن غم كمل ثلاثين وهي غايته وقال النووي عدم البناء على حساب المنجمين لأنه حدس وتخمين وإنما يعتبر منه ما يعرف به القبلة والوقت قال وفيه دليل لمالك والشافعي والجمهور أنه لا يجوز صوم يوم الشك ولا يوم الثلاثين من شعبان عن رمضان إذا كانت ليلة الثلاثين ليلة غيم وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن مسلمة ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشهر تسع وعشرون) قال عياض معناه أنه قد يكون تسعًا وعشرين كما صرح به في رواية يعني في الصحيحين أن الشهر يكون تسعة وعشرين يومًا قال الحافظ أو اللام للعهد والمراد شهر بعينه أو هو محمول على الأكثر الأغلب لقول ابن مسعود صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعًا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين رواه أبو داود والترمذي ومثله عن عائشة عند أحمد بإسناد جيد وقال ابن العربي معناه حصره من جهة أحد طرفيه أي أنه يكون تسعة وعشرين وهو أقله ويكون ثلاثين وهو أكثره فلا تأخذوا أنفسكم بصوم الأكثر احتياطًا ولا تقتصروا على الأقل تخفيفًا ولكن اجعلوا عبادتكم مرتبطة ابتداءً وانتهاءً باستهلاله كما قال ( فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له) قال الحافظ اتفق الرواة عن مالك على قوله فاقدروا له وكذا رواه إسحاق الحربي وغيره في الموطأ عن القعنبي والزعفراني وغيره عن الشافعي عن مالك به ورواه البخاري عن القعنبي والمزني عن الشافعي كلاهما عن مالك بلفظ فأكملوا العدة ثلاثين قال البيهقي إن كانت رواية القعنبي والشافعي من هذين الوجهين محفوظة فيكون مالك قد رواه باللفظين عن عبد الله بن دينار قلت ومع غرابة هذا اللفظ من هذا الوجه فله متابعات منها ما رواه الشافعي من طريق سالم عن ابن عمر بتعيين الثلاثين ومنها ما رواه ابن خزيمة من وجه آخر عن ابن عمر بلفظ فإن غم عليكم فكملوا ثلاثين وله شواهد عن حذيفة عند ابن خزيمة وأبي هريرة وابن عباس عند أبي داود والنسائي وغيرهما وعن أبي بكرة وطلق بن علي عند البيهقي وأخرجه من طرق أخرى عنهم وعن غيرهم اهـ وتابع مالكًا عليه إسماعيل بن جعفر عن ابن دينار بلفظ فاقدروا له عند مسلم ( مالك عن ثور) بلفظ الحيوان ( ابن زيد الديلي) بكسر الدال المهملة فتحتية ساكنة ( عن عبد الله بن عباس) هذا منقطع وقد رواه روح بن عبادة عن مالك عن ثور عن عكرمة عنه متصلاً وزعم أن مالكًا أسقط عكرمة لكلام سعيد بن المسيب وغيره فيه لا يصح لأن مالكًا ذكره في الحج وصرح باسمه قاله ابن عبد البر وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه) أي اربطوا عبادتكم برؤيته ابتداءً وانتهاءً ( فإن غم عليكم فأكملوا العدد) وفي رواية العدة أي عدة شعبان ( ثلاثين) وهذا أتى به الإمام مفسرًا ومبينًا لقوله في الروايتين قبله فاقدروا له وخير ما فسرته بالوارد ولذا لما فسره مطرف بن عبد الله بن الشخير من تابعي البصرة العلماء الفضلاء بنحو قول ابن سريج أنه إذا غم يستدل بالنجوم ويبيت الصوم ويجزيه قال ابن سيرين كان أفضل له لو لم يقله كذا في الاستذكار وتقدم قوله أنه لا يصح عن مطرف ( مالك أنه بلغه أن الهلال رؤي) بضم الراء وكسر الهمزة ( في زمان عثمان بن عفان بعشي) ما بعد الزوال إلى آخر النهار ( فلم يفطر عثمان حتى أمسى وغابت الشمس) ولا خلاف أن رؤيته بعد الزوال لليلة القادمة وأما قبله فكذلك عند الجمهور لحديث أبي وائل أتانا كتاب عمر أن الأهلة بعضها أكبر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارًا فلا تفطروا حتى يشهد رجلان أنهما أهلاه بالأمس وقال الثوري وابن وهب وأبو يوسف وابن حبيب للماضية لما رواه النخعي عن عمر إذا رأيتم الهلال قبل الزوال فأفطروا وإذا رأيتموه بعده فلا تفطروا وهذا مفصل والأول مجمل لأنه قال نهارًا لكن قال ابن عبد البر والأول أصح لأنه متصل والثاني منقطع فالنخعي لم يدرك عمر قال الباجي وراويه عن النخعي مجهول ( قال يحيى سمعت مالكًا يقول في الذي يرى هلال رمضان وحده أنه يصوم) وجوبًا ( لا ينبغي) لا يجوز ( له أن يفطر وهو يعلم أن ذلك اليوم من رمضان) وبه قال الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة عملاً بالأحاديث السابقة وقال عطاء والحسن وشريك وإسحاق لا يصوم حتى يحكم الإمام بأنه من رمضان وعلى الأول إن أفطر عمدًا كفر وقضى عند مالك وقال الأكثر لا كفارة للشبهة ( ومن رأى هلال شوال وحده فإنه لا يفطر لأن الناس يتهمون على أن يفطر منهم من ليس مأمونًا) من أهل الفسق والبدع ( ويقول أولئك إذا ظهر عليهم قد رأينا الهلال) فمنع منه سدًا للذريعة وبه قال أبو حنيفة وأحمد والأكثر وقال الشافعي وأبو ثور وأشهب يفطر وإن خاف التهمة لم يفطر ويعتقد الفطر الباجي وهذا هو الصحيح ( ومن رأى هلال شوال نهارًا فلا يفطر ويتم صيام يومه ذلك فإنما هو هلال الليلة التي تأتي) اتفاقًا فيما بعد الزوال وعلى الأصح فيما قبله كما مر ( قال يحيى وسمعت مالكًا يقول إذا صام الناس يوم الفطر وهم يظنون أنه من رمضان فجاءهم ثبت) بسكون الباء وفتحها ( أن هلال رمضان قد رؤي قبل أن يصوموا اليوم وأن يومهم ذلك أحد وثلاثون فإنهم يفطرون) وجوبًا ( من ذلك اليوم أية ساعة جاءهم الخبر غير أنهم لا يصلون صلاة العيد إن كان ذلك جاءهم بعد زوال الشمس) لا في اليوم ولا من الغد لخروج وقتها فلو قضيت لأشبهت الفرائض وقد أجمعوا على أن سائر السنن لا تقضى وقال أحمد وغيره يقضونها من الغد في الفطر والأضحى لما في النسائي وغيره أغمي علينا هلال شوال وأصبحنا صيامًا فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند النبي صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمر الناس أن يفطروا من يومهم ويخرجوا لصلاتهم من الغد وعن أبي حنيفة والشافعي القولان وقيل لا تصلى في الفطر لأنه يوم واحد وتصلى في الأضحى في الثالث لأنها أيام عيد.


رقم الحديث 640 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ.


( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال لا تصوموا حتى تروا الهلال) أي إذا لم يكمل شعبان ثلاثين يومًا وظاهره إيجاب الصوم متى وجدت الرؤية ليلاً أو نهارًا لكنه محمول على صوم اليوم المستقبل وفرق بعض العلماء بين ما قبل الزوال وما بعده وخالف الشيعة الإجماع فأوجبوه مطلقًا وظاهره أيضًا النهي عن ابتداء صوم رمضان قبل رؤية الهلال فيدخل فيه صورة الغيم وغيرها قال الباجي مقتضاه منع صوم آخر شعبان يريد على معنى التلقي لرمضان أو الاحتياط وأما نفلاً فيجوز قال ابن عبد البر عند مالك والجمهور واستحب ابن عباس وجماعة الفصل بين شعبان ورمضان بفطر يوم أو يومين أو أيام كما استحبوا الفصل بين صلاة الفريضة والنافلة بكلام أو مشي أو تقدم أو تأخر من المكان وصح مرفوعًا إذا بقي نصف شعبان فلا تصوموا ولم يأخذ به أئمة الفتوى لأنه صلى الله عليه وسلم صام شعبان كله قالت عائشة ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صيامًا منه في شعبان كان يصومه إلا قليلاً بل كان يصومه كله وقالت أم سلمة ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان وقال عبد الله بن المبارك جائز في كلام العرب أن يقال صام الشهر كله إذا صام أكثره ( ولا تفطروا) من صومه ( حتى تروه) أي الهلال وليس المراد رؤية جميع الناس بحيث يحتاج كل فرد فرد إلى رؤيته بل المعتبر رؤية بعضهم وهو العدد الذي يثبت به الحقوق وهو عدلان ولا يثبت رمضان بعدل واحد خلافًا لأبي حنيفة والشافعي لحديث ابن عباس في السنن قال جاء إعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت الهلال فقال أتشهد أن لا إله إلا الله أتشهد أن محمدًا رسول الله قال نعم قال يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غدًا لكن أعله ابن عبد البر بأن أكثر الرواة يرسله عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بدون ابن عباس وروى أبو داود وابن حبان عن ابن عمر قال تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم إني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه وهذا أشهر قولي الشافعي عند أصحابه وأصحهما لكن آخر قوليه إنه لا بد من عدلين قال في الأم لا يجوز على هلال رمضان إلا شاهدان ولا يثبت شوال بواحد عند الجميع إلا أبا ثور ( فإن غم عليكم) بضم الغين المعجمة وشد الميم أي حال بينكم وبين الهلال غيم في صومكم أو فطركم ( فاقدروا له) بهمزة وصل وضم الدال تأكيد لقوله لا تصوموا حتى تروا الهلال إذ المقصود حاصل به وقد أورثت هذه الزيادة المؤكدة عند المخالف شبهة بحسب تفسيره لقوله فاقدروا له فقال الأئمة الثلاثة والجمهور معناه قدروا له تمام العدد ثلاثين يومًا يقال قدرت الشيء وأقدرته وقدرته بمعنى التقدير أي انظروا في أول الشهر واحسبوا ثلاثين يومًا كما جاء مفسرًا في الحديث اللاحق ولذا أتى به الإمام للإشارة إلى أنه مفسر ولذا لم يجتمعا في رواية بل تارة يذكر هذا وتارة يذكر هذا وقالت طائفة معناه ضيقوا له وقدروه تحت السحاب وبه قال أحمد وغيره ممن يجوز صوم ليلة الغيم عن رمضان وقال ابن سريج معناه قدروه بحسب المنازل وكذا قاله ابن قتيبة من المحدثين ومطرف بن عبد الله من التابعين قال ابن عبد البر لا يصح عن مطرف وأما ابن قتيبة فليس هو ممن يعرج عليه في مثل هذا قال ونقله ابن خويز منداد عن الشافعي والمعروف عنه مثل الجمهور ونقل الباجي هذا التفسير عن الداودي وقال لا يعلم أحدًا قاله إلا بعض أصحاب الشافعي أنه يعتبر في ذلك بقول المنجمين والإجماع حجة عليهم فإن فعل ذلك أحد رجع إلى الرؤية ولم يعتد بما صام على الحساب فإن اقتضى ذلك قضاء شيء من صومه قضاه وسبقه إلى ذلك ابن المنذر فقال صوم يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال مع الصحو لا يجب بإجماع الأمة وقد صح عن أكثر الصحابة والتابعين كراهته هكذا أطلق ولم يفصل بين حاسب وغيره فمن فرق بينهما كان محجوجًا بالإجماع قبله ونقل ابن العربي عن ابن سريج أن قوله فاقدروا له خطاب لمن خصه الله بهذا العلم وأن قوله ولتكملوا العدة خطاب للعامة قال ابن العربي فصار وجوب رمضان عنده مختلف الحال يجب على قوم بحساب الشمس والقمر وعلى آخرين بحساب العدد وهذا بعيد عن النبلاء انتهى بل هو تحكم محجوج بالإجماع وقال ابن الصلاح معرفة منازل القمر هو معرفة سير الأهلة وأما معرفة الحساب فأمر دقيق يختص بمعرفته آحاد فمعرفة منازل القمر تدرك بأمر محسوس يدركه مراقب النجوم وهذا هو الذي أراده ابن سريج وقال به في حق العارف بها في خاصة نفسه ونقل الروياني عنه أنه لم يقل بوجوبه بل بجوازه وقال المازري احتج من قال معناه بحساب المنجمين بقوله تعالى { { وبالنجم هم يهتدون } } والآية عند الجمهور محمولة على الاهتداء في السير في البر والبحر قالوا ولا يصح أن المراد حساب المنجمين لأن الناس لو كلفوا ذلك لشق عليهم لأنه لا يعرفه إلا أفراد والشرع إنما يكلف الناس بما يعرفه جماهيرهم وأيضًا فإن الأقاليم على رأيهم مختلفة ويصح أن يرى في إقليم دون آخر فيؤدي ذلك إلى اختلاف الصوم عند أهلها مع كون الصائمين منهم لا يصومون على طريق مقطوع به ولا يلزم قومًا ما ثبت عند غيرهم والشهر على مذهب الجمهور مقطوع به لقوله الشهر تسع وعشرون فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين فالتسع وعشرون مقطوع بها وإن غم كمل ثلاثين وهي غايته وقال النووي عدم البناء على حساب المنجمين لأنه حدس وتخمين وإنما يعتبر منه ما يعرف به القبلة والوقت قال وفيه دليل لمالك والشافعي والجمهور أنه لا يجوز صوم يوم الشك ولا يوم الثلاثين من شعبان عن رمضان إذا كانت ليلة الثلاثين ليلة غيم وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن مسلمة ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشهر تسع وعشرون) قال عياض معناه أنه قد يكون تسعًا وعشرين كما صرح به في رواية يعني في الصحيحين أن الشهر يكون تسعة وعشرين يومًا قال الحافظ أو اللام للعهد والمراد شهر بعينه أو هو محمول على الأكثر الأغلب لقول ابن مسعود صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعًا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين رواه أبو داود والترمذي ومثله عن عائشة عند أحمد بإسناد جيد وقال ابن العربي معناه حصره من جهة أحد طرفيه أي أنه يكون تسعة وعشرين وهو أقله ويكون ثلاثين وهو أكثره فلا تأخذوا أنفسكم بصوم الأكثر احتياطًا ولا تقتصروا على الأقل تخفيفًا ولكن اجعلوا عبادتكم مرتبطة ابتداءً وانتهاءً باستهلاله كما قال ( فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له) قال الحافظ اتفق الرواة عن مالك على قوله فاقدروا له وكذا رواه إسحاق الحربي وغيره في الموطأ عن القعنبي والزعفراني وغيره عن الشافعي عن مالك به ورواه البخاري عن القعنبي والمزني عن الشافعي كلاهما عن مالك بلفظ فأكملوا العدة ثلاثين قال البيهقي إن كانت رواية القعنبي والشافعي من هذين الوجهين محفوظة فيكون مالك قد رواه باللفظين عن عبد الله بن دينار قلت ومع غرابة هذا اللفظ من هذا الوجه فله متابعات منها ما رواه الشافعي من طريق سالم عن ابن عمر بتعيين الثلاثين ومنها ما رواه ابن خزيمة من وجه آخر عن ابن عمر بلفظ فإن غم عليكم فكملوا ثلاثين وله شواهد عن حذيفة عند ابن خزيمة وأبي هريرة وابن عباس عند أبي داود والنسائي وغيرهما وعن أبي بكرة وطلق بن علي عند البيهقي وأخرجه من طرق أخرى عنهم وعن غيرهم اهـ وتابع مالكًا عليه إسماعيل بن جعفر عن ابن دينار بلفظ فاقدروا له عند مسلم ( مالك عن ثور) بلفظ الحيوان ( ابن زيد الديلي) بكسر الدال المهملة فتحتية ساكنة ( عن عبد الله بن عباس) هذا منقطع وقد رواه روح بن عبادة عن مالك عن ثور عن عكرمة عنه متصلاً وزعم أن مالكًا أسقط عكرمة لكلام سعيد بن المسيب وغيره فيه لا يصح لأن مالكًا ذكره في الحج وصرح باسمه قاله ابن عبد البر وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه) أي اربطوا عبادتكم برؤيته ابتداءً وانتهاءً ( فإن غم عليكم فأكملوا العدد) وفي رواية العدة أي عدة شعبان ( ثلاثين) وهذا أتى به الإمام مفسرًا ومبينًا لقوله في الروايتين قبله فاقدروا له وخير ما فسرته بالوارد ولذا لما فسره مطرف بن عبد الله بن الشخير من تابعي البصرة العلماء الفضلاء بنحو قول ابن سريج أنه إذا غم يستدل بالنجوم ويبيت الصوم ويجزيه قال ابن سيرين كان أفضل له لو لم يقله كذا في الاستذكار وتقدم قوله أنه لا يصح عن مطرف ( مالك أنه بلغه أن الهلال رؤي) بضم الراء وكسر الهمزة ( في زمان عثمان بن عفان بعشي) ما بعد الزوال إلى آخر النهار ( فلم يفطر عثمان حتى أمسى وغابت الشمس) ولا خلاف أن رؤيته بعد الزوال لليلة القادمة وأما قبله فكذلك عند الجمهور لحديث أبي وائل أتانا كتاب عمر أن الأهلة بعضها أكبر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارًا فلا تفطروا حتى يشهد رجلان أنهما أهلاه بالأمس وقال الثوري وابن وهب وأبو يوسف وابن حبيب للماضية لما رواه النخعي عن عمر إذا رأيتم الهلال قبل الزوال فأفطروا وإذا رأيتموه بعده فلا تفطروا وهذا مفصل والأول مجمل لأنه قال نهارًا لكن قال ابن عبد البر والأول أصح لأنه متصل والثاني منقطع فالنخعي لم يدرك عمر قال الباجي وراويه عن النخعي مجهول ( قال يحيى سمعت مالكًا يقول في الذي يرى هلال رمضان وحده أنه يصوم) وجوبًا ( لا ينبغي) لا يجوز ( له أن يفطر وهو يعلم أن ذلك اليوم من رمضان) وبه قال الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة عملاً بالأحاديث السابقة وقال عطاء والحسن وشريك وإسحاق لا يصوم حتى يحكم الإمام بأنه من رمضان وعلى الأول إن أفطر عمدًا كفر وقضى عند مالك وقال الأكثر لا كفارة للشبهة ( ومن رأى هلال شوال وحده فإنه لا يفطر لأن الناس يتهمون على أن يفطر منهم من ليس مأمونًا) من أهل الفسق والبدع ( ويقول أولئك إذا ظهر عليهم قد رأينا الهلال) فمنع منه سدًا للذريعة وبه قال أبو حنيفة وأحمد والأكثر وقال الشافعي وأبو ثور وأشهب يفطر وإن خاف التهمة لم يفطر ويعتقد الفطر الباجي وهذا هو الصحيح ( ومن رأى هلال شوال نهارًا فلا يفطر ويتم صيام يومه ذلك فإنما هو هلال الليلة التي تأتي) اتفاقًا فيما بعد الزوال وعلى الأصح فيما قبله كما مر ( قال يحيى وسمعت مالكًا يقول إذا صام الناس يوم الفطر وهم يظنون أنه من رمضان فجاءهم ثبت) بسكون الباء وفتحها ( أن هلال رمضان قد رؤي قبل أن يصوموا اليوم وأن يومهم ذلك أحد وثلاثون فإنهم يفطرون) وجوبًا ( من ذلك اليوم أية ساعة جاءهم الخبر غير أنهم لا يصلون صلاة العيد إن كان ذلك جاءهم بعد زوال الشمس) لا في اليوم ولا من الغد لخروج وقتها فلو قضيت لأشبهت الفرائض وقد أجمعوا على أن سائر السنن لا تقضى وقال أحمد وغيره يقضونها من الغد في الفطر والأضحى لما في النسائي وغيره أغمي علينا هلال شوال وأصبحنا صيامًا فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند النبي صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمر الناس أن يفطروا من يومهم ويخرجوا لصلاتهم من الغد وعن أبي حنيفة والشافعي القولان وقيل لا تصلى في الفطر لأنه يوم واحد وتصلى في الأضحى في الثالث لأنها أيام عيد.


رقم الحديث 641 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ الْهِلَالَ رُئِيَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِعَشِيٍّ فَلَمْ يُفْطِرْ عُثْمَانُ حَتَّى أَمْسَى وَغَابَتِ الشَّمْسُ قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: فِي الَّذِي يَرَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ: أَنَّهُ يَصُومُ.
لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ.
قَالَ: وَمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ.
لِأَنَّ النَّاسَ يَتَّهِمُونَ عَلَى أَنْ يُفْطِرَ مِنْهُمْ مَنْ لَيْسَ مَأْمُونًا، وَيَقُولُ أُولَئِكَ إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ: قَدْ رَأَيْنَا الْهِلَالَ.
وَمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ نَهَارًا فَلَا يُفْطِرْ.
وَيُتِمُّ صِيَامَ يَوْمِهِ ذَلِكَ.
فَإِنَّمَا هُوَ هِلَالُ اللَّيْلَةِ الَّتِي تَأْتِي قَالَ يَحْيَى: وسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: إِذَا صَامَ النَّاسُ يَوْمَ الْفِطْرِ، وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، فَجَاءَهُمْ ثَبَتٌ أَنَّ هِلَالَ رَمَضَانَ قَدْ رُئِيَ قَبْلَ أَنْ يَصُومُوا بِيَوْمٍ، وَأَنَّ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ أَحَدٌ وَثَلَاثُونَ، فَإِنَّهُمْ يُفْطِرُونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ.
أَيَّةَ سَاعَةٍ جَاءَهُمُ الْخَبَرُ.
غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْعِيدِ، إِنْ كَانَ ذَلِكَ جَاءَهُمْ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ.


( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال لا تصوموا حتى تروا الهلال) أي إذا لم يكمل شعبان ثلاثين يومًا وظاهره إيجاب الصوم متى وجدت الرؤية ليلاً أو نهارًا لكنه محمول على صوم اليوم المستقبل وفرق بعض العلماء بين ما قبل الزوال وما بعده وخالف الشيعة الإجماع فأوجبوه مطلقًا وظاهره أيضًا النهي عن ابتداء صوم رمضان قبل رؤية الهلال فيدخل فيه صورة الغيم وغيرها قال الباجي مقتضاه منع صوم آخر شعبان يريد على معنى التلقي لرمضان أو الاحتياط وأما نفلاً فيجوز قال ابن عبد البر عند مالك والجمهور واستحب ابن عباس وجماعة الفصل بين شعبان ورمضان بفطر يوم أو يومين أو أيام كما استحبوا الفصل بين صلاة الفريضة والنافلة بكلام أو مشي أو تقدم أو تأخر من المكان وصح مرفوعًا إذا بقي نصف شعبان فلا تصوموا ولم يأخذ به أئمة الفتوى لأنه صلى الله عليه وسلم صام شعبان كله قالت عائشة ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صيامًا منه في شعبان كان يصومه إلا قليلاً بل كان يصومه كله وقالت أم سلمة ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان وقال عبد الله بن المبارك جائز في كلام العرب أن يقال صام الشهر كله إذا صام أكثره ( ولا تفطروا) من صومه ( حتى تروه) أي الهلال وليس المراد رؤية جميع الناس بحيث يحتاج كل فرد فرد إلى رؤيته بل المعتبر رؤية بعضهم وهو العدد الذي يثبت به الحقوق وهو عدلان ولا يثبت رمضان بعدل واحد خلافًا لأبي حنيفة والشافعي لحديث ابن عباس في السنن قال جاء إعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت الهلال فقال أتشهد أن لا إله إلا الله أتشهد أن محمدًا رسول الله قال نعم قال يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غدًا لكن أعله ابن عبد البر بأن أكثر الرواة يرسله عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بدون ابن عباس وروى أبو داود وابن حبان عن ابن عمر قال تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم إني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه وهذا أشهر قولي الشافعي عند أصحابه وأصحهما لكن آخر قوليه إنه لا بد من عدلين قال في الأم لا يجوز على هلال رمضان إلا شاهدان ولا يثبت شوال بواحد عند الجميع إلا أبا ثور ( فإن غم عليكم) بضم الغين المعجمة وشد الميم أي حال بينكم وبين الهلال غيم في صومكم أو فطركم ( فاقدروا له) بهمزة وصل وضم الدال تأكيد لقوله لا تصوموا حتى تروا الهلال إذ المقصود حاصل به وقد أورثت هذه الزيادة المؤكدة عند المخالف شبهة بحسب تفسيره لقوله فاقدروا له فقال الأئمة الثلاثة والجمهور معناه قدروا له تمام العدد ثلاثين يومًا يقال قدرت الشيء وأقدرته وقدرته بمعنى التقدير أي انظروا في أول الشهر واحسبوا ثلاثين يومًا كما جاء مفسرًا في الحديث اللاحق ولذا أتى به الإمام للإشارة إلى أنه مفسر ولذا لم يجتمعا في رواية بل تارة يذكر هذا وتارة يذكر هذا وقالت طائفة معناه ضيقوا له وقدروه تحت السحاب وبه قال أحمد وغيره ممن يجوز صوم ليلة الغيم عن رمضان وقال ابن سريج معناه قدروه بحسب المنازل وكذا قاله ابن قتيبة من المحدثين ومطرف بن عبد الله من التابعين قال ابن عبد البر لا يصح عن مطرف وأما ابن قتيبة فليس هو ممن يعرج عليه في مثل هذا قال ونقله ابن خويز منداد عن الشافعي والمعروف عنه مثل الجمهور ونقل الباجي هذا التفسير عن الداودي وقال لا يعلم أحدًا قاله إلا بعض أصحاب الشافعي أنه يعتبر في ذلك بقول المنجمين والإجماع حجة عليهم فإن فعل ذلك أحد رجع إلى الرؤية ولم يعتد بما صام على الحساب فإن اقتضى ذلك قضاء شيء من صومه قضاه وسبقه إلى ذلك ابن المنذر فقال صوم يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال مع الصحو لا يجب بإجماع الأمة وقد صح عن أكثر الصحابة والتابعين كراهته هكذا أطلق ولم يفصل بين حاسب وغيره فمن فرق بينهما كان محجوجًا بالإجماع قبله ونقل ابن العربي عن ابن سريج أن قوله فاقدروا له خطاب لمن خصه الله بهذا العلم وأن قوله ولتكملوا العدة خطاب للعامة قال ابن العربي فصار وجوب رمضان عنده مختلف الحال يجب على قوم بحساب الشمس والقمر وعلى آخرين بحساب العدد وهذا بعيد عن النبلاء انتهى بل هو تحكم محجوج بالإجماع وقال ابن الصلاح معرفة منازل القمر هو معرفة سير الأهلة وأما معرفة الحساب فأمر دقيق يختص بمعرفته آحاد فمعرفة منازل القمر تدرك بأمر محسوس يدركه مراقب النجوم وهذا هو الذي أراده ابن سريج وقال به في حق العارف بها في خاصة نفسه ونقل الروياني عنه أنه لم يقل بوجوبه بل بجوازه وقال المازري احتج من قال معناه بحساب المنجمين بقوله تعالى { { وبالنجم هم يهتدون } } والآية عند الجمهور محمولة على الاهتداء في السير في البر والبحر قالوا ولا يصح أن المراد حساب المنجمين لأن الناس لو كلفوا ذلك لشق عليهم لأنه لا يعرفه إلا أفراد والشرع إنما يكلف الناس بما يعرفه جماهيرهم وأيضًا فإن الأقاليم على رأيهم مختلفة ويصح أن يرى في إقليم دون آخر فيؤدي ذلك إلى اختلاف الصوم عند أهلها مع كون الصائمين منهم لا يصومون على طريق مقطوع به ولا يلزم قومًا ما ثبت عند غيرهم والشهر على مذهب الجمهور مقطوع به لقوله الشهر تسع وعشرون فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين فالتسع وعشرون مقطوع بها وإن غم كمل ثلاثين وهي غايته وقال النووي عدم البناء على حساب المنجمين لأنه حدس وتخمين وإنما يعتبر منه ما يعرف به القبلة والوقت قال وفيه دليل لمالك والشافعي والجمهور أنه لا يجوز صوم يوم الشك ولا يوم الثلاثين من شعبان عن رمضان إذا كانت ليلة الثلاثين ليلة غيم وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن مسلمة ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشهر تسع وعشرون) قال عياض معناه أنه قد يكون تسعًا وعشرين كما صرح به في رواية يعني في الصحيحين أن الشهر يكون تسعة وعشرين يومًا قال الحافظ أو اللام للعهد والمراد شهر بعينه أو هو محمول على الأكثر الأغلب لقول ابن مسعود صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعًا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين رواه أبو داود والترمذي ومثله عن عائشة عند أحمد بإسناد جيد وقال ابن العربي معناه حصره من جهة أحد طرفيه أي أنه يكون تسعة وعشرين وهو أقله ويكون ثلاثين وهو أكثره فلا تأخذوا أنفسكم بصوم الأكثر احتياطًا ولا تقتصروا على الأقل تخفيفًا ولكن اجعلوا عبادتكم مرتبطة ابتداءً وانتهاءً باستهلاله كما قال ( فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له) قال الحافظ اتفق الرواة عن مالك على قوله فاقدروا له وكذا رواه إسحاق الحربي وغيره في الموطأ عن القعنبي والزعفراني وغيره عن الشافعي عن مالك به ورواه البخاري عن القعنبي والمزني عن الشافعي كلاهما عن مالك بلفظ فأكملوا العدة ثلاثين قال البيهقي إن كانت رواية القعنبي والشافعي من هذين الوجهين محفوظة فيكون مالك قد رواه باللفظين عن عبد الله بن دينار قلت ومع غرابة هذا اللفظ من هذا الوجه فله متابعات منها ما رواه الشافعي من طريق سالم عن ابن عمر بتعيين الثلاثين ومنها ما رواه ابن خزيمة من وجه آخر عن ابن عمر بلفظ فإن غم عليكم فكملوا ثلاثين وله شواهد عن حذيفة عند ابن خزيمة وأبي هريرة وابن عباس عند أبي داود والنسائي وغيرهما وعن أبي بكرة وطلق بن علي عند البيهقي وأخرجه من طرق أخرى عنهم وعن غيرهم اهـ وتابع مالكًا عليه إسماعيل بن جعفر عن ابن دينار بلفظ فاقدروا له عند مسلم ( مالك عن ثور) بلفظ الحيوان ( ابن زيد الديلي) بكسر الدال المهملة فتحتية ساكنة ( عن عبد الله بن عباس) هذا منقطع وقد رواه روح بن عبادة عن مالك عن ثور عن عكرمة عنه متصلاً وزعم أن مالكًا أسقط عكرمة لكلام سعيد بن المسيب وغيره فيه لا يصح لأن مالكًا ذكره في الحج وصرح باسمه قاله ابن عبد البر وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه) أي اربطوا عبادتكم برؤيته ابتداءً وانتهاءً ( فإن غم عليكم فأكملوا العدد) وفي رواية العدة أي عدة شعبان ( ثلاثين) وهذا أتى به الإمام مفسرًا ومبينًا لقوله في الروايتين قبله فاقدروا له وخير ما فسرته بالوارد ولذا لما فسره مطرف بن عبد الله بن الشخير من تابعي البصرة العلماء الفضلاء بنحو قول ابن سريج أنه إذا غم يستدل بالنجوم ويبيت الصوم ويجزيه قال ابن سيرين كان أفضل له لو لم يقله كذا في الاستذكار وتقدم قوله أنه لا يصح عن مطرف ( مالك أنه بلغه أن الهلال رؤي) بضم الراء وكسر الهمزة ( في زمان عثمان بن عفان بعشي) ما بعد الزوال إلى آخر النهار ( فلم يفطر عثمان حتى أمسى وغابت الشمس) ولا خلاف أن رؤيته بعد الزوال لليلة القادمة وأما قبله فكذلك عند الجمهور لحديث أبي وائل أتانا كتاب عمر أن الأهلة بعضها أكبر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارًا فلا تفطروا حتى يشهد رجلان أنهما أهلاه بالأمس وقال الثوري وابن وهب وأبو يوسف وابن حبيب للماضية لما رواه النخعي عن عمر إذا رأيتم الهلال قبل الزوال فأفطروا وإذا رأيتموه بعده فلا تفطروا وهذا مفصل والأول مجمل لأنه قال نهارًا لكن قال ابن عبد البر والأول أصح لأنه متصل والثاني منقطع فالنخعي لم يدرك عمر قال الباجي وراويه عن النخعي مجهول ( قال يحيى سمعت مالكًا يقول في الذي يرى هلال رمضان وحده أنه يصوم) وجوبًا ( لا ينبغي) لا يجوز ( له أن يفطر وهو يعلم أن ذلك اليوم من رمضان) وبه قال الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة عملاً بالأحاديث السابقة وقال عطاء والحسن وشريك وإسحاق لا يصوم حتى يحكم الإمام بأنه من رمضان وعلى الأول إن أفطر عمدًا كفر وقضى عند مالك وقال الأكثر لا كفارة للشبهة ( ومن رأى هلال شوال وحده فإنه لا يفطر لأن الناس يتهمون على أن يفطر منهم من ليس مأمونًا) من أهل الفسق والبدع ( ويقول أولئك إذا ظهر عليهم قد رأينا الهلال) فمنع منه سدًا للذريعة وبه قال أبو حنيفة وأحمد والأكثر وقال الشافعي وأبو ثور وأشهب يفطر وإن خاف التهمة لم يفطر ويعتقد الفطر الباجي وهذا هو الصحيح ( ومن رأى هلال شوال نهارًا فلا يفطر ويتم صيام يومه ذلك فإنما هو هلال الليلة التي تأتي) اتفاقًا فيما بعد الزوال وعلى الأصح فيما قبله كما مر ( قال يحيى وسمعت مالكًا يقول إذا صام الناس يوم الفطر وهم يظنون أنه من رمضان فجاءهم ثبت) بسكون الباء وفتحها ( أن هلال رمضان قد رؤي قبل أن يصوموا اليوم وأن يومهم ذلك أحد وثلاثون فإنهم يفطرون) وجوبًا ( من ذلك اليوم أية ساعة جاءهم الخبر غير أنهم لا يصلون صلاة العيد إن كان ذلك جاءهم بعد زوال الشمس) لا في اليوم ولا من الغد لخروج وقتها فلو قضيت لأشبهت الفرائض وقد أجمعوا على أن سائر السنن لا تقضى وقال أحمد وغيره يقضونها من الغد في الفطر والأضحى لما في النسائي وغيره أغمي علينا هلال شوال وأصبحنا صيامًا فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند النبي صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمر الناس أن يفطروا من يومهم ويخرجوا لصلاتهم من الغد وعن أبي حنيفة والشافعي القولان وقيل لا تصلى في الفطر لأنه يوم واحد وتصلى في الأضحى في الثالث لأنها أيام عيد.