فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ

رقم الحديث 672 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ، كَانَ هُوَ الْفَرِيضَةَ.
وَتُرِكَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ.


( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت كان يوم عاشوراء يومًا تصومه قريش في الجاهلية) يحتمل أنهم اقتدوا في صيامه بشرع سالف ولذا كانوا يعظمونه بكسوة الكعبة فيه لكن في المجلس الثالث من مجالس الباغندي الكبير عن عكرمة أنه سئل عن صوم قريش عاشوراء فقال أذنبت قريش في الجاهلية فعظم في صدورهم فقيل لهم صوموا عاشوراء يكفره وفي الإكمال اختلف العلماء في الحقائق الشرعية هل هي باقية على مسمياتها لغة أو نقلها الشارع عنها ووضعها على معان أخر والمختار أن سنن العرب قبل ورود الشرع يدل على أنهم كانوا يستعملون هذه الألفاظ في معانيها الشرعية من أقوال وأفعال فعرفوا الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة وتقربوا بجميع ذلك فما خاطبهم الشرع إلا بما عرفوه تحقيقًا لا أنه أتاهم بألفاظ ابتدعها لهم أو بألفاظ لغوية لا يعرف منها المقصود إلا رمزًا كما قال المخالف ( وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية) يحتمل بحكم الموافقة لهم كالحج أو أذن الله له في صيامه على أنه فعل خير قاله القرطبي ( فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة) في ربيع الأول بلا ريب ( صامه) على عادته ( وأمر بصيامه) بفتح الهمزة والميم وبضم الهمزة وكسر الميم روايتان اقتصر عياض على الثانية وقال النووي الأول أظهر وقال القرطبي يحتمل أن ذلك استئلافًا لليهود كما استألفهم باستقبال قبلتهم ويحتمل غير ذلك وعلى كل فلم يصمه اقتداء بهم فإنه كان يصومه قبل ذلك وكان ذلك في الوقت الذي يجب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه وقال الباجي يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم لما بعث ترك صومه فلما هاجر وعلم أنه من شريعة موسى صامه وأمر بصيامه وكل منهما يقتضي الوجوب ثم نسخ بقوله ( فلما فرض رمضان) أي صيامه في السنة الثانية في شهر شعبان ( كان هو الفريضة) بالنصب ( وترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه) لأنه ليس متحتمًا فعلى هذا لم يقع الأمر بصومه إلا في سنة واحدة وعلى القول بفرضيته فقد نسخ ولم يرو أنه صلى الله عليه وسلم جدد للناس أمرًا بصيامه بعد فرض رمضان بل تركهم على ما كانوا عليه من غير نهي عن صيامه فإن كان أمره بصيامه قبل فرض رمضان للوجوب ففي نسخ الاستحباب إذا نسخ الوجوب خلاف مشهور وإن كان للاستحباب كان باقيًا على استحبابه وفي الإكمال قيل كان صومه في صدر الإسلام قبل رمضان واجبًا ثم نسخ على ظاهر هذا الحديث وقيل كان سنة مرغبًا فيه ثم خفف فصار مخيرًا فيه وقال بعض السلف لم يزل فرضه باقيًا لم ينسخ وانقرض القائلون بهذا وحصل الإجماع اليوم على خلافه وكره ابن عمر قصد صيامه بالتعيين لحديث جاء في ذلك وقوله فمن شاء إلخ وحديث هل علي غيرها قال: لا إلا أن تطوع.
ظاهران في عدم وجوبه والحديث رواه البخاري وأبو داود عن عبد الله بن مسلمة عن مالك به وتابعه جرير وغيره عن هشام عند مسلم ( مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف) قال الحافظ هكذا رواه مالك وتابعه يونس وصالح بن كيسان وابن عيينة وغيرهم وقال الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وقال النعمان بن راشد عن الزهري عن السائب بن يزيد كلاهما عن معاوية قال النسائي وغيره والمحفوظ رواية الزهري عن حميد بن عبد الرحمن ( أنه سمع معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب بن أمية الأموي وهو وأبوه من مسلمة الفتح وقيل أسلم معاوية في عمرة القضاء وكتم إسلامه وكان أميرًا عشرين سنة وخليفة عشرين وكان يقول أنا أول الملوك ( يوم عاشوراء عام حج) وكان أول حجة حجها بعد الخلافة سنة أربع وأربعين وآخر حجة حجها سنة سبع وخمسين ذكره ابن جرير قال الحافظ ويظهر أن المراد في هذا الحديث الحجة الأخيرة وكأنه تأخر بمكة أو المدينة بعد الحج إلى يوم عاشوراء ( وهو على المنبر) بالمدينة كما في رواية يونس وقال في قدمة قدمها يقول ( يا أهل المدينة أين علماؤكم) قال عياض وغيره يدل على أنه سمع من يوجبه أو يحرمه أو يكرهه فأراد إعلامهم أنه ليس كذلك واستدعاؤه العلماء تنبيهًا لهم على الحكم أو استعانة بما عندهم على ما عنده أو توبيخًا أنه رأى أو سمع من خالفه وقد خطب به في ذلك الجمع العظيم ولم ينكر عليه قال الحافظ وفيه إشعار بأنه لم ير لهم اهتمامًا بصيامه فلذا سأل عن علمائهم ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهذا اليوم هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم) بالبناء للمفعول ( صيامه) نائب الفاعل وفي رواية ولم يكتب الله عليكم صيامه ( وأنا صائم فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر) هذا من المرفوع ففي رواية النسائي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذا اليوم إني صائم فمن شاء منكم أن يصوم فليصم ومن شاء فليفطر واحتج به من قال إنه لم يفرض قط ولا نسخ برمضان وتعقب بأن معاوية من مسلمة الفتح فإن كان سمع هذا بعد إسلامه فإنما سمعه سنة تسع أو عشر وذلك بعد نسخه برمضان فمعنى لم يكتب لم يفرض بعد إيجاب رمضان جمعًا بينه وبين الأدلة الصريحة في وجوبه وإن كان سمعه قبل إسلامه فيجوز كونه قبل افتراضه ونسخ عاشوراء برمضان في حديث عائشة الذي قبله وكون لفظ أمر في قولها وأمر بصيامه مشتركًا بين الصيغة الطالبة ندبًا وإيجابًا ممنوع ولو سلم فقولها فرض رمضان إلخ دليل على أنه مستعمل هنا في الصيغة الموجبة للقطع بأن التخيير ليس باعتبار الندب لأنه مندوب إلى الآن فكان باعتبار الوجوب وهذا الحديث رواه البخاري عن القعنبي ومسلم من طريق ابن وهب كلاهما عن مالك به ( مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب أرسل إلى الحارث بن هشام) بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المكي من مسلمة الفتح وكان من الفضلاء سأل عن كيفية الوحي كما مر واستشهد بالشام في خلافة عمر ( أن غدًا يوم عاشوراء فصم وأمر أهلك أن يصوموا) كأن الإمام رحمه الله تعالى قصد بإيراد هذا بعد حديثي عائشة ومعاوية الإشارة إلى أن تخييره فيهما إنما كان لسقوط وجوب صيامه لا أنه لا فضل فيه فلما سقط وجوبه صيم على جهة الفضل ولأمر عمر به في خلافته وكذا علي روى قاسم بن أصبغ عن علي أنه كان يأمر بصوم يوم عاشوراء وقد صامه النبي صلى الله عليه وسلم بعد وجوب رمضان وأمر بصيامه تبررًا وفعل ذلك بعده أصحابه رضي الله عنهم أشار إليه أبو عمر.


رقم الحديث 673 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَامَ حَجَّ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِهَذَا الْيَوْمِ: هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ، وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ.


( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت كان يوم عاشوراء يومًا تصومه قريش في الجاهلية) يحتمل أنهم اقتدوا في صيامه بشرع سالف ولذا كانوا يعظمونه بكسوة الكعبة فيه لكن في المجلس الثالث من مجالس الباغندي الكبير عن عكرمة أنه سئل عن صوم قريش عاشوراء فقال أذنبت قريش في الجاهلية فعظم في صدورهم فقيل لهم صوموا عاشوراء يكفره وفي الإكمال اختلف العلماء في الحقائق الشرعية هل هي باقية على مسمياتها لغة أو نقلها الشارع عنها ووضعها على معان أخر والمختار أن سنن العرب قبل ورود الشرع يدل على أنهم كانوا يستعملون هذه الألفاظ في معانيها الشرعية من أقوال وأفعال فعرفوا الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة وتقربوا بجميع ذلك فما خاطبهم الشرع إلا بما عرفوه تحقيقًا لا أنه أتاهم بألفاظ ابتدعها لهم أو بألفاظ لغوية لا يعرف منها المقصود إلا رمزًا كما قال المخالف ( وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية) يحتمل بحكم الموافقة لهم كالحج أو أذن الله له في صيامه على أنه فعل خير قاله القرطبي ( فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة) في ربيع الأول بلا ريب ( صامه) على عادته ( وأمر بصيامه) بفتح الهمزة والميم وبضم الهمزة وكسر الميم روايتان اقتصر عياض على الثانية وقال النووي الأول أظهر وقال القرطبي يحتمل أن ذلك استئلافًا لليهود كما استألفهم باستقبال قبلتهم ويحتمل غير ذلك وعلى كل فلم يصمه اقتداء بهم فإنه كان يصومه قبل ذلك وكان ذلك في الوقت الذي يجب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه وقال الباجي يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم لما بعث ترك صومه فلما هاجر وعلم أنه من شريعة موسى صامه وأمر بصيامه وكل منهما يقتضي الوجوب ثم نسخ بقوله ( فلما فرض رمضان) أي صيامه في السنة الثانية في شهر شعبان ( كان هو الفريضة) بالنصب ( وترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه) لأنه ليس متحتمًا فعلى هذا لم يقع الأمر بصومه إلا في سنة واحدة وعلى القول بفرضيته فقد نسخ ولم يرو أنه صلى الله عليه وسلم جدد للناس أمرًا بصيامه بعد فرض رمضان بل تركهم على ما كانوا عليه من غير نهي عن صيامه فإن كان أمره بصيامه قبل فرض رمضان للوجوب ففي نسخ الاستحباب إذا نسخ الوجوب خلاف مشهور وإن كان للاستحباب كان باقيًا على استحبابه وفي الإكمال قيل كان صومه في صدر الإسلام قبل رمضان واجبًا ثم نسخ على ظاهر هذا الحديث وقيل كان سنة مرغبًا فيه ثم خفف فصار مخيرًا فيه وقال بعض السلف لم يزل فرضه باقيًا لم ينسخ وانقرض القائلون بهذا وحصل الإجماع اليوم على خلافه وكره ابن عمر قصد صيامه بالتعيين لحديث جاء في ذلك وقوله فمن شاء إلخ وحديث هل علي غيرها قال: لا إلا أن تطوع.
ظاهران في عدم وجوبه والحديث رواه البخاري وأبو داود عن عبد الله بن مسلمة عن مالك به وتابعه جرير وغيره عن هشام عند مسلم ( مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف) قال الحافظ هكذا رواه مالك وتابعه يونس وصالح بن كيسان وابن عيينة وغيرهم وقال الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وقال النعمان بن راشد عن الزهري عن السائب بن يزيد كلاهما عن معاوية قال النسائي وغيره والمحفوظ رواية الزهري عن حميد بن عبد الرحمن ( أنه سمع معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب بن أمية الأموي وهو وأبوه من مسلمة الفتح وقيل أسلم معاوية في عمرة القضاء وكتم إسلامه وكان أميرًا عشرين سنة وخليفة عشرين وكان يقول أنا أول الملوك ( يوم عاشوراء عام حج) وكان أول حجة حجها بعد الخلافة سنة أربع وأربعين وآخر حجة حجها سنة سبع وخمسين ذكره ابن جرير قال الحافظ ويظهر أن المراد في هذا الحديث الحجة الأخيرة وكأنه تأخر بمكة أو المدينة بعد الحج إلى يوم عاشوراء ( وهو على المنبر) بالمدينة كما في رواية يونس وقال في قدمة قدمها يقول ( يا أهل المدينة أين علماؤكم) قال عياض وغيره يدل على أنه سمع من يوجبه أو يحرمه أو يكرهه فأراد إعلامهم أنه ليس كذلك واستدعاؤه العلماء تنبيهًا لهم على الحكم أو استعانة بما عندهم على ما عنده أو توبيخًا أنه رأى أو سمع من خالفه وقد خطب به في ذلك الجمع العظيم ولم ينكر عليه قال الحافظ وفيه إشعار بأنه لم ير لهم اهتمامًا بصيامه فلذا سأل عن علمائهم ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهذا اليوم هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم) بالبناء للمفعول ( صيامه) نائب الفاعل وفي رواية ولم يكتب الله عليكم صيامه ( وأنا صائم فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر) هذا من المرفوع ففي رواية النسائي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذا اليوم إني صائم فمن شاء منكم أن يصوم فليصم ومن شاء فليفطر واحتج به من قال إنه لم يفرض قط ولا نسخ برمضان وتعقب بأن معاوية من مسلمة الفتح فإن كان سمع هذا بعد إسلامه فإنما سمعه سنة تسع أو عشر وذلك بعد نسخه برمضان فمعنى لم يكتب لم يفرض بعد إيجاب رمضان جمعًا بينه وبين الأدلة الصريحة في وجوبه وإن كان سمعه قبل إسلامه فيجوز كونه قبل افتراضه ونسخ عاشوراء برمضان في حديث عائشة الذي قبله وكون لفظ أمر في قولها وأمر بصيامه مشتركًا بين الصيغة الطالبة ندبًا وإيجابًا ممنوع ولو سلم فقولها فرض رمضان إلخ دليل على أنه مستعمل هنا في الصيغة الموجبة للقطع بأن التخيير ليس باعتبار الندب لأنه مندوب إلى الآن فكان باعتبار الوجوب وهذا الحديث رواه البخاري عن القعنبي ومسلم من طريق ابن وهب كلاهما عن مالك به ( مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب أرسل إلى الحارث بن هشام) بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المكي من مسلمة الفتح وكان من الفضلاء سأل عن كيفية الوحي كما مر واستشهد بالشام في خلافة عمر ( أن غدًا يوم عاشوراء فصم وأمر أهلك أن يصوموا) كأن الإمام رحمه الله تعالى قصد بإيراد هذا بعد حديثي عائشة ومعاوية الإشارة إلى أن تخييره فيهما إنما كان لسقوط وجوب صيامه لا أنه لا فضل فيه فلما سقط وجوبه صيم على جهة الفضل ولأمر عمر به في خلافته وكذا علي روى قاسم بن أصبغ عن علي أنه كان يأمر بصوم يوم عاشوراء وقد صامه النبي صلى الله عليه وسلم بعد وجوب رمضان وأمر بصيامه تبررًا وفعل ذلك بعده أصحابه رضي الله عنهم أشار إليه أبو عمر.


رقم الحديث 674 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَرْسَلَ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ: أَنَّ غَدًا يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَصُمْ، وَأْمُرْ أَهْلَكَ أَنْ يَصُومُوا.


( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت كان يوم عاشوراء يومًا تصومه قريش في الجاهلية) يحتمل أنهم اقتدوا في صيامه بشرع سالف ولذا كانوا يعظمونه بكسوة الكعبة فيه لكن في المجلس الثالث من مجالس الباغندي الكبير عن عكرمة أنه سئل عن صوم قريش عاشوراء فقال أذنبت قريش في الجاهلية فعظم في صدورهم فقيل لهم صوموا عاشوراء يكفره وفي الإكمال اختلف العلماء في الحقائق الشرعية هل هي باقية على مسمياتها لغة أو نقلها الشارع عنها ووضعها على معان أخر والمختار أن سنن العرب قبل ورود الشرع يدل على أنهم كانوا يستعملون هذه الألفاظ في معانيها الشرعية من أقوال وأفعال فعرفوا الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة وتقربوا بجميع ذلك فما خاطبهم الشرع إلا بما عرفوه تحقيقًا لا أنه أتاهم بألفاظ ابتدعها لهم أو بألفاظ لغوية لا يعرف منها المقصود إلا رمزًا كما قال المخالف ( وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية) يحتمل بحكم الموافقة لهم كالحج أو أذن الله له في صيامه على أنه فعل خير قاله القرطبي ( فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة) في ربيع الأول بلا ريب ( صامه) على عادته ( وأمر بصيامه) بفتح الهمزة والميم وبضم الهمزة وكسر الميم روايتان اقتصر عياض على الثانية وقال النووي الأول أظهر وقال القرطبي يحتمل أن ذلك استئلافًا لليهود كما استألفهم باستقبال قبلتهم ويحتمل غير ذلك وعلى كل فلم يصمه اقتداء بهم فإنه كان يصومه قبل ذلك وكان ذلك في الوقت الذي يجب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه وقال الباجي يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم لما بعث ترك صومه فلما هاجر وعلم أنه من شريعة موسى صامه وأمر بصيامه وكل منهما يقتضي الوجوب ثم نسخ بقوله ( فلما فرض رمضان) أي صيامه في السنة الثانية في شهر شعبان ( كان هو الفريضة) بالنصب ( وترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه) لأنه ليس متحتمًا فعلى هذا لم يقع الأمر بصومه إلا في سنة واحدة وعلى القول بفرضيته فقد نسخ ولم يرو أنه صلى الله عليه وسلم جدد للناس أمرًا بصيامه بعد فرض رمضان بل تركهم على ما كانوا عليه من غير نهي عن صيامه فإن كان أمره بصيامه قبل فرض رمضان للوجوب ففي نسخ الاستحباب إذا نسخ الوجوب خلاف مشهور وإن كان للاستحباب كان باقيًا على استحبابه وفي الإكمال قيل كان صومه في صدر الإسلام قبل رمضان واجبًا ثم نسخ على ظاهر هذا الحديث وقيل كان سنة مرغبًا فيه ثم خفف فصار مخيرًا فيه وقال بعض السلف لم يزل فرضه باقيًا لم ينسخ وانقرض القائلون بهذا وحصل الإجماع اليوم على خلافه وكره ابن عمر قصد صيامه بالتعيين لحديث جاء في ذلك وقوله فمن شاء إلخ وحديث هل علي غيرها قال: لا إلا أن تطوع.
ظاهران في عدم وجوبه والحديث رواه البخاري وأبو داود عن عبد الله بن مسلمة عن مالك به وتابعه جرير وغيره عن هشام عند مسلم ( مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف) قال الحافظ هكذا رواه مالك وتابعه يونس وصالح بن كيسان وابن عيينة وغيرهم وقال الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وقال النعمان بن راشد عن الزهري عن السائب بن يزيد كلاهما عن معاوية قال النسائي وغيره والمحفوظ رواية الزهري عن حميد بن عبد الرحمن ( أنه سمع معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب بن أمية الأموي وهو وأبوه من مسلمة الفتح وقيل أسلم معاوية في عمرة القضاء وكتم إسلامه وكان أميرًا عشرين سنة وخليفة عشرين وكان يقول أنا أول الملوك ( يوم عاشوراء عام حج) وكان أول حجة حجها بعد الخلافة سنة أربع وأربعين وآخر حجة حجها سنة سبع وخمسين ذكره ابن جرير قال الحافظ ويظهر أن المراد في هذا الحديث الحجة الأخيرة وكأنه تأخر بمكة أو المدينة بعد الحج إلى يوم عاشوراء ( وهو على المنبر) بالمدينة كما في رواية يونس وقال في قدمة قدمها يقول ( يا أهل المدينة أين علماؤكم) قال عياض وغيره يدل على أنه سمع من يوجبه أو يحرمه أو يكرهه فأراد إعلامهم أنه ليس كذلك واستدعاؤه العلماء تنبيهًا لهم على الحكم أو استعانة بما عندهم على ما عنده أو توبيخًا أنه رأى أو سمع من خالفه وقد خطب به في ذلك الجمع العظيم ولم ينكر عليه قال الحافظ وفيه إشعار بأنه لم ير لهم اهتمامًا بصيامه فلذا سأل عن علمائهم ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهذا اليوم هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم) بالبناء للمفعول ( صيامه) نائب الفاعل وفي رواية ولم يكتب الله عليكم صيامه ( وأنا صائم فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر) هذا من المرفوع ففي رواية النسائي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذا اليوم إني صائم فمن شاء منكم أن يصوم فليصم ومن شاء فليفطر واحتج به من قال إنه لم يفرض قط ولا نسخ برمضان وتعقب بأن معاوية من مسلمة الفتح فإن كان سمع هذا بعد إسلامه فإنما سمعه سنة تسع أو عشر وذلك بعد نسخه برمضان فمعنى لم يكتب لم يفرض بعد إيجاب رمضان جمعًا بينه وبين الأدلة الصريحة في وجوبه وإن كان سمعه قبل إسلامه فيجوز كونه قبل افتراضه ونسخ عاشوراء برمضان في حديث عائشة الذي قبله وكون لفظ أمر في قولها وأمر بصيامه مشتركًا بين الصيغة الطالبة ندبًا وإيجابًا ممنوع ولو سلم فقولها فرض رمضان إلخ دليل على أنه مستعمل هنا في الصيغة الموجبة للقطع بأن التخيير ليس باعتبار الندب لأنه مندوب إلى الآن فكان باعتبار الوجوب وهذا الحديث رواه البخاري عن القعنبي ومسلم من طريق ابن وهب كلاهما عن مالك به ( مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب أرسل إلى الحارث بن هشام) بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المكي من مسلمة الفتح وكان من الفضلاء سأل عن كيفية الوحي كما مر واستشهد بالشام في خلافة عمر ( أن غدًا يوم عاشوراء فصم وأمر أهلك أن يصوموا) كأن الإمام رحمه الله تعالى قصد بإيراد هذا بعد حديثي عائشة ومعاوية الإشارة إلى أن تخييره فيهما إنما كان لسقوط وجوب صيامه لا أنه لا فضل فيه فلما سقط وجوبه صيم على جهة الفضل ولأمر عمر به في خلافته وكذا علي روى قاسم بن أصبغ عن علي أنه كان يأمر بصوم يوم عاشوراء وقد صامه النبي صلى الله عليه وسلم بعد وجوب رمضان وأمر بصيامه تبررًا وفعل ذلك بعده أصحابه رضي الله عنهم أشار إليه أبو عمر.