فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ

رقم الحديث 185 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ، مَوْلَى عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَهُوَ يُصَلِّي، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ لَحِقَهُ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى يَدِهِ.
وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ.
فَقَالَ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى تَعْلَمَ سُورَةً، مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ، وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ، وَلَا فِي الْقُرْآنِ مِثْلَهَا، قَالَ أُبَيٌّ فَجَعَلْتُ أُبْطِئُ فِي الْمَشْيِ رَجَاءَ ذَلِكَ.
ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ السُّورَةَ الَّتِي وَعَدْتَنِي، قَالَ: كَيْفَ تَقْرَأُ إِذَا افْتَتَحْتَ الصَّلَاةَ؟ قَالَ فَقَرَأْتُ { { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } } حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيَ هَذِهِ السُّورَةُ وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُ.


( مَالِكٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ) المدني ( أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ) قال ابن عبد البر: هو تابعي مدني لا يوقف له على اسم.
وفي تهذيب المزي: أنه روى عن أبي هريرة والحسن البصري - ولم يذكر لهما ثالثًا - مع أن من الرواة عن مالك من قال عن العلاء بن عبد الرحمن أن أبا سعيد مولى عامر أخبره أنه سمع أبي بن كعب يقول: أن النبي صلى الله عليه وسلم ناداه أخرجه الحاكم.
قال الحافظ: ووهم ابن الأثير حيث ظن أن أبا سعيد هو ابن المعلى فإنه صحابي أنصاري مدني وهذا تابعي مكي من موالي قريش كما قال.

( مَوْلَى عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ) بضم الكاف بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي صحابي من مسلمة الفتح، وعاش حتى قدم البصرة على ابنه عبد الله وله صحبة لما كان أميرًا عليها من جهة عثمان، وقد اختلف فيه على العلاء فأخرجه الترمذي من طريق الدراوردي والنسائي من طريق روح بن القاسم وأحمد من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم، وابن خزيمة من طريق حفص بن ميسرة كلهم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب الحديث.

وأخرجه الترمذي وابن خزيمة من طريق عبد الحميد بن جعفر، والحاكم من طريق شعبة كلاهما عن العلاء عن أبيه عن أبي، ورجح الترمذي أنه من مسند أبي هريرة انتهى، ولكن حيث صحت الطريق عن أبي بن كعب أيضًا فأي مانع من كونهما جميعًا رويا الحديث.

( أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَهُوَ يُصَلِّي) وفي حديث أبي هريرة خرج صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فقال: أي أبي فالتفت فلم يجبه ثم صلى فخفف ( فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ لَحِقَهُ) زاد في رواية أبي هريرة فقال: سلام عليك يا رسول الله.
قال: ويحك ما منعك إذ دعوتك أن تجيبني أوليس تجد فيما أوحى الله إلي أن: { { اسْتَجِيبُوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ } } الآية فقلت: بلى يا رسول الله لا أعود إن شاء الله.

( فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى يَدِهِ) للتأنيس وتأكيد الود وهذا يستحسن من الكبير للصغير ( وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى تَعْلَمَ سُورَةً) أي تعلم من حالها ما لم تكن تعلمه قبل ذلك وإلا فقد كان عالمًا بالسورة وحافظًا لها وعبر بأرجو على معنى التسليم لأمر الله والإقرار بقدرته، وأنه وإن كان يعلم ذلك يسيرًا إلا أنه لا يقطع بتمامه إلا أن يعلمه الله بذلك قاله الباجي.
وقال غيره قال العلماء: الرجاء من الله ومن نبيه واقع، وفي حديث أبي هريرة أتحب أن أعلمك سورة ( مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ) زاد في رواية أبي هريرة ولا في الزبور ( وَلَا فِي الْقُرْآنِ مِثْلَهَا) .

قال ابن عبد البر: يعني في جمعها لمعاني الخير لأن فيها الثناء على الله بالحمد الذي هو له حقيقة لأن كل خير منه وإن حمد غيره فإليه يعود الحمد وفيها التعظيم له وأنه الرب للعالم أجمع ومالك الدنيا والآخرة المعبود المستعان وفيها الدعاء إلى الهدى ومجانبة من ضل والدعاء باب العبادة فهي أجمع سورة للخير، وقيل معناه تجزي في الصلاة دون غيرها ولا يجزي غيرها عنها وليس هذا بتأويل مجمع عليه.

وقال الباجي: ذكر بعض شيوخنا أن معنى ذلك أنها تجزي عن غيرها في الصلاة ولا يجزي عنها غيرها وسائر السور يجزي بعضها عن بعض وهي سورة قسمها الله تعالى بينه وبين عبده، ويحتمل أن تكون هذه من الصفات التي تختص بها ولها مع ذلك صفات تختص بها من أنها السبع المثاني وغير ذلك من كثرة ثواب أو حسنة.

وأيده السيوطي بما أخرجه عبد بن حميد عن ابن عباس رفعه: فاتحة الكتاب تعدل بثلثي القرآن ولم يرد في سورة مثل ذلك، وإنما ورد أن { { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ } } تعدل ثلث القرآن وفي { { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } } أنها ربع القرآن انتهى.
وفيه نظر فقد روى البيهقي في الشعب عن أبي هريرة يرفعه: من قرأ يس مرة فكأنما قرأ القرآن عشر مرات.
وقد أورده هو في جامعيه.

وقال ابن التين: معناه أن ثوابها أعظم من غيرها، واستدل به على جواز تفضيل بعض القرآن على بعض وقد منع ذلك الأشعري وجماعة لأن المفضول ناقص عن درجة الأفضل وأسماء الله وصفاته وكلامه لا نقص فيها.

وأجيب: بأن معنى التفاضل أن ثواب بعضه أعظم من ثواب بعض، فالتفضيل إنما هو من حيث المعاني لا من حيث الصفة ويؤيد التفضيل قوله تعالى { { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } } وقد روى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: بخير منها أي في المنفعة والرفعة وفي هذا رد على من قال فيه تقديم وتأخير والتقدير نأت منها بخير وهو كقوله: { { مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا } } لكن قوله في الآية { { أَوْ مِثْلِهَا } } يرجح الاحتمال الأول فهو المعتمد.

( قَالَ أُبَيٌّ) هذا يشعر بأن أبا سعيد حمل الحديث عن أبي ( فَجَعَلْتُ أُبْطِئُ فِي الْمَشْيِ رَجَاءَ ذَلِكَ) قال الداودي: إبطاؤه خوفًا على النبي صلى الله عليه وسلم من النسيان ( ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ) علمني ( السُّورَةَ الَّتِي وَعَدْتَنِي، قَالَ: كَيْفَ تَقْرَأُ إِذَا افْتَتَحْتَ الصَّلَاةَ؟ قَالَ) أبي ( فَقَرَأْتُ) عليه ( { { الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } } حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهَا) .

قال ابن عبد البر: استدل به بعض أصحابنا على أن البسملة ليست منها ولا حجة فيه لأن الحمد لله رب العالمين اسم لها كما يقال: قرأت يس وغيرها من أسماء السور انتهى.
وتعقب بأنها تسمى سورة الحمد ولا تسمى الحمد لله رب العالمين.

وأجيب: بأن هذا الحديث يرد هذا التعقب ورد بقوله: ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيَ هَذِهِ السُّورَةُ) وقد قرأها أبي بلا بسملة على المتبادر الظاهر منه فثبت المدعى لا سيما مع قوله صلى الله عليه وسلم ( وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي) المذكورة في قوله تعالى: { { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي } } فالمراد السبع الآي لأنها سبع آيات سميت مثاني لأنها تثنى في كل ركعة أي تعاد، أو لأنها يثنى بها على الله، أو لأنها استثنيت لهذه الأمة ولم تنزل على من قبلها.

وروى النسائي والطبري والحاكم بإسناد صحيح عن ابن عباس أن السبع المثاني هي السبع الطول أي السور من أول البقرة إلى آخر الأعراف ثم براءة، وفي لفظ الطبري البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف.
قال الراوي: وذكر السابعة فنسيتها، وفي رواية صحيحة عند ابن أبي حاتم عن مجاهد وسعيد بن جبير أنها، يونس، وعند الحاكم أنها الكهف وزاد قيل له ما المثاني؟ قال: تثنى فيهن القصص وقيل غير ذلك في تفسيرها.
ورجح ابن جرير القول الأول لصحة الخبر فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا معدل عنه، وقال ابن عبد البر: وهو الصحيح وإلا ثبت عن ابن عباس.

وقد روى الطبري بإسناد حسن عن ابن عباس أنه قرأ فاتحة الكتاب ثم قال: { { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي } } فقال: هي فاتحة الكتاب.
وبإسنادين جيدين عن عمر ثم عن علي السبع المثاني فاتحة الكتاب.
زاد عن عمر تثنى في كل ركعة، ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية السبع المثاني الفاتحة.
قلت للربيع: إنهم يقولون إنها السبع الطوال.
قال لقد أنزلت هذه الآية وما أنزل من الطوال شيء.

( وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُ) مبتدأ وخبر أي هو الذي أعطيته فهو معطوف على قوله وهي السبع وليس معطوفًا على السبع، لأن الفاتحة ليست هي القرآن العظيم وإن جاز إطلاقه عليها لأنها منه، لكنها ليست هي القرآن كله، وقد روى ابن أبي حاتم من طريق أخرى عن أبي هريرة الحديث بلفظ: والقرآن العظيم الذي أعطيتموه أي هو الذي أعطيتموه فيكون هذا هو الخبر ذكره الحافظ.

وقال ابن عبد البر: معناه عندي هي السبع المثاني وخرج والقرآن العظيم على معنى التلاوة اهـ.
لكن فيه أنه قال: الذي أعطيت فلا يكون مجرد تلاوة فتعين أنه من عطف الجمل وعلم أنه لا حاجة لقول الباجي إنما قيل لها القرآن العظيم على معنى التخصيص لها بهذا الاسم وإن كان كل شيء من القرآن عظيمًا كما يقال: الكعبة بيت الله وإن كانت البيوت كلها لله ولكن على سبيل التخصيص والتعظيم لها اهـ.

وقد روى البخاري عن أبي سعيد بن المعلى قال: كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه، وفي رواية فلم آته حتى صليت ثم أتيته فقلت: إني كنت أصلي.
فقال: ألم يقل الله { { اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } } ثم قال: لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له: ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟ قال: الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته.

وجمع البيهقي: فإن القصة وقعت لأبي بن كعب ولأبي سعيد بن المعلى ويتعين المصير إلى ذلك لاختلاف مخرج الحديثين واختلاف سياقهما كما رأيته.

وفي الحديث من الفوائد استعمال صيغة العموم في الأحوال كلها وإجراء لفظ العموم على جميع مقتضاه، وأن الخاص والعام إذا تقابلا كان العام منزلاً على الخاص لأنه حرم الكلام في الصلاة على العموم ثم استثنى منه إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قاله الخطابي.

وقال ابن عبد البر: الإجماع على تحريم الكلام في الصلاة يدل على خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وكذا قال القاضي عبد الوهاب وأبو الوليد أن إجابته فيها فرض يعصي المرء بتركه وأنه حكم مختص به، وصرح جماعة بأن الصلاة لا تبطل بذلك وهو المعتمد عند الشافعية والمالكية وبحث فيه الحافظ لاحتمال أن إجابته واجبة مطلقًا سواء كان المخاطب مصليًا أو غير مصل؛ أما كونه يخرج بالإجابة من الصلاة أو لا يخرج فليس في الحديث ما يستلزمه، فيحتمل أن تجب الإجابة ولو خرج المجيب من الصلاة، وإلى ذلك جنح بعضهم وهل يختص هذا الحكم بالنداء أو يشمل ما هو أعم حتى تجب إجابته إذا سأل فيه بحث؟ وقد جزم ابن حبان بأن إجابة الصحابة في قصة ذي اليدين كان كذلك.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ مَنْ صَلَّى رَكْعَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَلَمْ يُصَلِّ) لأنه ترك ركنًا من الصلاة وفيه وجوبها في كل ركعة ( إِلَّا وَرَاءَ الْإِمَامِ) فقد صلى ففيه أنها لا تجب على المأموم.

قال أحمد: فهذا صحابي تأول قوله صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب على ما إذا كان وحده نقله الترمذي يعني أو كان إمامًا لأن الاستثناء معيار العموم، وقال أبو عبد الملك: هذا الحديث موقوف على جابر وقد أسنده بعضهم أي رفعه، ورواه الترمذي من طريق معن عن مالك به موقوفًا وقال: حسن صحيح.



رقم الحديث 185 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا السَّائِبِ، مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ هِيَ خِدَاجٌ هِيَ خِدَاجٌ غَيْرُ تَمَامٍ، قَالَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنِّي أَحْيَانًا أَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ.
قَالَ: فَغَمَزَ ذِرَاعِي، ثُمَّ قَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ يَا فَارِسِيُّ،
فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي بِنِصْفَيْنِ، فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْرَءُوا يَقُولُ الْعَبْدُ: { { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } } يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي.
وَيَقُولُ الْعَبْدُ: { { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } } يَقُولُ اللَّهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَيَقُولُ الْعَبْدُ: { { مالِكٍ يَوْمِ الدِّينِ } } يَقُولُ اللَّهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، يَقُولُ الْعَبْدُ: { { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } } فَهَذِهِ الْآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، يَقُولُ الْعَبْدُ: { { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } } فَهَؤُلَاءِ لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ.


( مَالِكٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ) هكذا في الموطأ عند جميع الرواة عن العلاء وانفرد مطرف في غير الموطأ فرواه عن مالك عن ابن شهاب عن أبي السائب بلفظ الموطأ سواء وليس بمحفوظ.
قال الدارقطني: غريب لم يروه غير مطرف قاله أبو عمر.

( أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا السَّائِبِ) الأنصاري المدني.
قال الحافظ: يقال اسمه عبد الله بن السائب ثقة روى له مسلم والأربعة والبخاري في جزء القراءة ( مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ) ويقال مولى عبد الله بن هشام بن زهرة، ويقال مولى بني زهرة.
روى عن أبي هريرة وأبي سعيد والمغيرة بن شعبة وعنه الزهري وشريك وجماعة.

( يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ) الفاتحة لأنها أصله أو لتقدمها عليه كأنها تؤمه أو لاشتمالها على المعاني التي فيه من الثناء على الله والتعبد بالأمر والنهي والوعد والوعيد وذكر الذات والصفات والفعل والمبدأ والمعاد والمعاش بطريق الإجمال، وفيه رد على من كره تسميتها: أم القرآن ولعله وقف عند لفظ أم وإذا ثبت النص النبوي سقط ما دونه ( فَهِيَ خِدَاجٌ) بكسر الخاء المعجمة ودال مهملة فألف فجيم أي ذات خداج أي نقصان ( هِيَ خِدَاجٌ هِيَ خِدَاجٌ) ذكره ثلاثًا للتأكيد، يقال: خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج وإن كان تام الخلق، وأخدجته إذا ولدته ناقصًا وإن كان لتمام الولادة هذا قول الخليل والأصمعي وأبي حاتم وآخرين.
وقال جماعة من أهل اللغة خدجت وأخدجت إذا ولدت لغير تمام.
( غَيْرُ تَمَامٍ) تأكيد فهو حجة قوية على وجوب قراءتها في كل صلاة لكنه محمول عند مالك ومن وافقه على الإمام والفذ لقوله صلى الله عليه وسلم: وإذا قرأ فأنصتوا رواه مسلم.

قال ابن عبد البر: وزعم من لم يوجب قراءتها في الصلاة أن قوله خداج يدل على جوازها لأن الصلاة الناقصة جائزة وهذا تحكم فاسد لأن الناقص لم يتم ومن خرج من صلاته قبل أن يتمها فعليه إعادتها تامة كما أمر ومن ادعى أنها تجوز مع إقراره بنقصها فعليه الدليل.

( قَالَ) أبو السائب ( فَقُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنِّي أَحْيَانًا أَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ قَالَ فَغَمَزَ ذِرَاعِي) قال الباجي: هو على معنى التأنيس له وتنبيهه على فهم مراده والبعث له على جمع ذهنه وفهمه لجوابه ( ثُمَّ قَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ يَا فَارِسِيُّ) قال الباجي: أي بتحريك اللسان بالتكلم وإن لم يسمع نفسه رواه سحنون عن ابن القاسم في العتبية.
قال: ولو أسمع نفسه يسيرًا كان أحب إلي.
وقال عيسى وابن نافع ليس العمل على قوله اقرأ بها في نفسك ولعله أراد إجراءها على قلبه دون أن يقرأها بلسانه، ورد بأنه ليس بقراءة لجوازه للجنب وقيل معناه تدبرها إذا سمعت الإمام يقرؤها.

( فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ) أي الفاتحة سميت صلاة لأنها لا تصح إلا بها كقوله: الحج عرفة أو لأنها في معنى الدعاء قاله ابن عبد البر وجماعة من العلماء.
وقال المنذري: أي قراءتها بدليل تفسيره بها.
وقال غيره: الصلاة من أسماء الفاتحة فهي المعنية في الحديث والمراد قسمتها من جهة المعنى لأن نصفها الأول تحميد لله وتمجيد وثناء عليه وتفويض إليه والنصف الثاني سؤال وتضرع وافتقار ( بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي) قدم نفسه فقال: بيني لأنه الواجب الوجود لنفسه وإنما استفاد العبد الوجود منه ( بِنِصْفَيْنِ) كذا في نسخ صحيحة بالباء قبل النون وفي أخرى بحذفها وهي التي في مسلم عن قتيبة عن مالك والباء يحتمل أنها زائدة وأنها للملابسة أي متلبسًا قسمها بنصفين باعتبار المعنى لا اللفظ لأن نصف الدعاء يزيد على نصف الثناء فلا ضير في ذلك لأن كل شيء تحته نوعان فأحدهما نصف له وإن لم يتحد عددهما أو المراد قسمين والنصف قد يراد به أحد قسمي الشيء ( فَنِصْفُهَا لِي) خاصة وهو الثلاث آيات: { { الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } } ( وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي) وهو من { { اهْدِنَا } } إلى آخرها { { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } } بينه وبين عبده ( وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ) أي سؤاله ومني الإعطاء.

( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْرَءُوا يَقُولُ الْعَبْدُ) ولمسلم من رواية ابن عيينة عن العلاء إسقاط هذه الجملة، وقال عقب قوله ما سأل فإذا قال العبد { { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين } } فيه حجة قوية على أن البسملة ليست من الفاتحة قال النووي وهو من أوضح ما احتجوا به لأنها سبع آيات بالإجماع فثلاث في أولها ثناء أولها الحمد لله وثلاث دعاء أولها اهدنا والسابعة متوسطة وهي إياك نعبد وإياك نستعين ولأنه لم يذكر البسملة فيما عدده ولو كانت منها لذكرها.

وأجيب: بأن التنصيف عائد على جملة الصلاة لا إلى الفاتحة هذا حقيقة اللفظ أو عائد إلى ما يختص بالفاتحة من الآيات الكاملة، والأول تعسف باطل سببه الحماية المذهبية لأنا أجمعنا على أن المراد بالصلاة الفاتحة أو قراءتها ولا يصح إرادة الحقيقة بوجه بعد قوله فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين، والثاني إن عوده إلى ما يختص بالفاتحة دليل لنا على أنها ليست منها إذ هي بدونها سبع آيات بإجماع كما قال وقالوا أيضًا أن معنى يقول العبد الحمد لله أي إذا انتهى إلى ذلك وهذا مجاز لا دليل عليه، وبعد ذلك لا دلالة فيه على أن البسملة منها.

( يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي) أثنى علي بجميل الفعال وبما أنا أهله ( وَيَقُولُ الْعَبْدُ { { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } } ) أي الموصوف بكمال الإنعام ( يَقُولُ اللَّهُ أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي) جعل جوابًا لهما لاشتمال اللفظين على الصفات الذاتية والفعلية.
( يَقُولُ الْعَبْدُ { { مالِكٍ يَوْمِ الدِّينِ } } ) أي الجزاء وهو يوم القيامة وخص بالذكر لأنه لا ملك ظاهرًا فيه لأحد إلا لله تعالى.
لمن الملك اليوم؟ لله.
ومن قرأ مالك فمعناه مالك الأمر كله في يوم القيامة أي هو موصوف بذلك دائمًا كغافر الذنب فصح وقوعه صفة للمعرفة ( يَقُولُ اللَّهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي) أي عظمني زاد مسلم وقال مرة فوض إلي عبدي.
قال العلماء: إنما قال حمدني وأثنى علي ومجدني لأن الحمد الثناء بجميل الفعال والتمجيد الثناء بصفات الجلال، ويقال أثنى عليه فيهما ولهذا جاء جوابًا للرحمن الرحيم لاشتمال اللفظين على الصفات الذاتية والفعلية ( يَقُولُ الْعَبْدُ: { { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } } ) أي نخصك بالعبادة من توحيد وغيره وقدم المعمول إفادة للاختصاص والحصر { { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } } نطلب المعونة على العبادة وغيرها.

( فَهَذِهِ الْآيَةُ) ولمسلم قال هذا ( بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي) قال الباجي: معناه أن بعضها تعظيم لله تعالى وبعضها استعانة للعبد على أمر دينه ودنياه اهـ.
فالذي لله منها إياك نعبد والذي للعبد وإياك نستعين ( وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ) من العون.
قال بعض الصوفية: ومن هو العبد حتى يقول الله تعالى يقول العبد كذا فيقول الله كذا لولا العناية الإلهية والفضل الرباني لما وقع الاشتراك في المناجاة ( يَقُولُ الْعَبْدُ { { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } } ) أي أرشدنا إلى المنهاج الواضح الذي لا اعوجاج فيه ويبدل منه { { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } } بالهداية ويبدل من الذين بصلته { { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } } وهم اليهود { { وَلَا } } بمعنى غير { { الضَّالِّينَ } } وهم النصارى ونكتة البدل إفادة أن المهتدين ليسوا بيهود ولا نصارى.

( فَهَؤُلَاءِ) الآيات ولمسلم قال هذا ( لِعَبْدِي) أي هؤلاء الآيات مختصة به لأنها دعاؤه بالتوفيق إلى صراط من أنعم عليه والعصمة من صراط المغضوب عليهم والضالين.
قال عياض: هذا يدل أن من اهدنا إلى آخرها ثلاث آيات وأن صراط الذين أنعمت عليهم آية وهو عداد المدنيين والبصريين والشاميين، وبه تتم القسمة المتقدمة ولو كانت على عداد الكوفيين والمكيين أن صراط الذين أنعمت عليهم إلى آخرها آية واحدة وجعلوا السابعة البسملة لم تصح تلك القسمة لأن أربعة أولاً لله تعالى وواحدة مشتركة وثنتان للعبد ( وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ) من الهداية وما بعدها.

قال بعض العارفين: وإذا حققت وجدت الآيات كلها لله تعالى فإنك إنما عبدته بإرادته ومشيئته ومعونته إذ العبد لا حول له ولا قوة ولا إرادة إلا بحول الله وإرادته.

وقال البخاري في كتاب خلق أفعال العباد: قد بين بهذا الحديث أن القراءة غير المقروء فالقراءة هي التلاوة والتلاوة غير المتلو، فبين أن سؤال العبد غير ما يعطيه الله، وأن قول الغير كلام الرب والقراءة فعل العبد اهـ.

وهذا الحديث أخرجه مسلم عن قتيبة بن سعيد عن مالك به وتابعه ابن جريج عند مسلم، ورواه أيضًا من طريق سفيان بن عيينة عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة فذكره بتغيير بعض ألفاظ قد بينتها لك، وبه تعلم أن للعلاء فيه شيخين هما أبوه وأبو السائب، وبه صرح في رواية أبي أويس قال: أخبرني العلاء قال: سمعته من أبي ومن أبي السائب وكانا جليسين لأبي هريرة قالا: قال أبو هريرة: فذكره بمثل حديثهم رواه مسلم أيضًا.

( مالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ) ولا يقرأ فيما جهر فيه.

( مالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ) بن أبي بكر الصديق ( كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ) كفعل عروة وهما من الفقهاء.

( مالِكٍ عَنْ يَزِيدَ) بتحتية أوله ( بْنِ رُومَانَ) بضم الراء ( أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ) التابعي ابن الصحابي ( كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ) ولا يقرأ فيما جهر ( قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) أي أن اجتهاده وافق اجتهاد هؤلاء الثلاثة التابعين فيما فعلوه وترجم بمفهوم ما ذكر فقال:



رقم الحديث 186 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ: وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى رَكْعَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَلَمْ يُصَلِّ إِلَّا وَرَاءَ الْإِمَامِ.


( مَالِكٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ) المدني ( أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ) قال ابن عبد البر: هو تابعي مدني لا يوقف له على اسم.
وفي تهذيب المزي: أنه روى عن أبي هريرة والحسن البصري - ولم يذكر لهما ثالثًا - مع أن من الرواة عن مالك من قال عن العلاء بن عبد الرحمن أن أبا سعيد مولى عامر أخبره أنه سمع أبي بن كعب يقول: أن النبي صلى الله عليه وسلم ناداه أخرجه الحاكم.
قال الحافظ: ووهم ابن الأثير حيث ظن أن أبا سعيد هو ابن المعلى فإنه صحابي أنصاري مدني وهذا تابعي مكي من موالي قريش كما قال.

( مَوْلَى عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ) بضم الكاف بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي صحابي من مسلمة الفتح، وعاش حتى قدم البصرة على ابنه عبد الله وله صحبة لما كان أميرًا عليها من جهة عثمان، وقد اختلف فيه على العلاء فأخرجه الترمذي من طريق الدراوردي والنسائي من طريق روح بن القاسم وأحمد من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم، وابن خزيمة من طريق حفص بن ميسرة كلهم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب الحديث.

وأخرجه الترمذي وابن خزيمة من طريق عبد الحميد بن جعفر، والحاكم من طريق شعبة كلاهما عن العلاء عن أبيه عن أبي، ورجح الترمذي أنه من مسند أبي هريرة انتهى، ولكن حيث صحت الطريق عن أبي بن كعب أيضًا فأي مانع من كونهما جميعًا رويا الحديث.

( أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَهُوَ يُصَلِّي) وفي حديث أبي هريرة خرج صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فقال: أي أبي فالتفت فلم يجبه ثم صلى فخفف ( فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ لَحِقَهُ) زاد في رواية أبي هريرة فقال: سلام عليك يا رسول الله.
قال: ويحك ما منعك إذ دعوتك أن تجيبني أوليس تجد فيما أوحى الله إلي أن: { { اسْتَجِيبُوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ } } الآية فقلت: بلى يا رسول الله لا أعود إن شاء الله.

( فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى يَدِهِ) للتأنيس وتأكيد الود وهذا يستحسن من الكبير للصغير ( وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى تَعْلَمَ سُورَةً) أي تعلم من حالها ما لم تكن تعلمه قبل ذلك وإلا فقد كان عالمًا بالسورة وحافظًا لها وعبر بأرجو على معنى التسليم لأمر الله والإقرار بقدرته، وأنه وإن كان يعلم ذلك يسيرًا إلا أنه لا يقطع بتمامه إلا أن يعلمه الله بذلك قاله الباجي.
وقال غيره قال العلماء: الرجاء من الله ومن نبيه واقع، وفي حديث أبي هريرة أتحب أن أعلمك سورة ( مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ) زاد في رواية أبي هريرة ولا في الزبور ( وَلَا فِي الْقُرْآنِ مِثْلَهَا) .

قال ابن عبد البر: يعني في جمعها لمعاني الخير لأن فيها الثناء على الله بالحمد الذي هو له حقيقة لأن كل خير منه وإن حمد غيره فإليه يعود الحمد وفيها التعظيم له وأنه الرب للعالم أجمع ومالك الدنيا والآخرة المعبود المستعان وفيها الدعاء إلى الهدى ومجانبة من ضل والدعاء باب العبادة فهي أجمع سورة للخير، وقيل معناه تجزي في الصلاة دون غيرها ولا يجزي غيرها عنها وليس هذا بتأويل مجمع عليه.

وقال الباجي: ذكر بعض شيوخنا أن معنى ذلك أنها تجزي عن غيرها في الصلاة ولا يجزي عنها غيرها وسائر السور يجزي بعضها عن بعض وهي سورة قسمها الله تعالى بينه وبين عبده، ويحتمل أن تكون هذه من الصفات التي تختص بها ولها مع ذلك صفات تختص بها من أنها السبع المثاني وغير ذلك من كثرة ثواب أو حسنة.

وأيده السيوطي بما أخرجه عبد بن حميد عن ابن عباس رفعه: فاتحة الكتاب تعدل بثلثي القرآن ولم يرد في سورة مثل ذلك، وإنما ورد أن { { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ } } تعدل ثلث القرآن وفي { { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } } أنها ربع القرآن انتهى.
وفيه نظر فقد روى البيهقي في الشعب عن أبي هريرة يرفعه: من قرأ يس مرة فكأنما قرأ القرآن عشر مرات.
وقد أورده هو في جامعيه.

وقال ابن التين: معناه أن ثوابها أعظم من غيرها، واستدل به على جواز تفضيل بعض القرآن على بعض وقد منع ذلك الأشعري وجماعة لأن المفضول ناقص عن درجة الأفضل وأسماء الله وصفاته وكلامه لا نقص فيها.

وأجيب: بأن معنى التفاضل أن ثواب بعضه أعظم من ثواب بعض، فالتفضيل إنما هو من حيث المعاني لا من حيث الصفة ويؤيد التفضيل قوله تعالى { { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } } وقد روى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: بخير منها أي في المنفعة والرفعة وفي هذا رد على من قال فيه تقديم وتأخير والتقدير نأت منها بخير وهو كقوله: { { مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا } } لكن قوله في الآية { { أَوْ مِثْلِهَا } } يرجح الاحتمال الأول فهو المعتمد.

( قَالَ أُبَيٌّ) هذا يشعر بأن أبا سعيد حمل الحديث عن أبي ( فَجَعَلْتُ أُبْطِئُ فِي الْمَشْيِ رَجَاءَ ذَلِكَ) قال الداودي: إبطاؤه خوفًا على النبي صلى الله عليه وسلم من النسيان ( ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ) علمني ( السُّورَةَ الَّتِي وَعَدْتَنِي، قَالَ: كَيْفَ تَقْرَأُ إِذَا افْتَتَحْتَ الصَّلَاةَ؟ قَالَ) أبي ( فَقَرَأْتُ) عليه ( { { الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } } حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهَا) .

قال ابن عبد البر: استدل به بعض أصحابنا على أن البسملة ليست منها ولا حجة فيه لأن الحمد لله رب العالمين اسم لها كما يقال: قرأت يس وغيرها من أسماء السور انتهى.
وتعقب بأنها تسمى سورة الحمد ولا تسمى الحمد لله رب العالمين.

وأجيب: بأن هذا الحديث يرد هذا التعقب ورد بقوله: ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيَ هَذِهِ السُّورَةُ) وقد قرأها أبي بلا بسملة على المتبادر الظاهر منه فثبت المدعى لا سيما مع قوله صلى الله عليه وسلم ( وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي) المذكورة في قوله تعالى: { { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي } } فالمراد السبع الآي لأنها سبع آيات سميت مثاني لأنها تثنى في كل ركعة أي تعاد، أو لأنها يثنى بها على الله، أو لأنها استثنيت لهذه الأمة ولم تنزل على من قبلها.

وروى النسائي والطبري والحاكم بإسناد صحيح عن ابن عباس أن السبع المثاني هي السبع الطول أي السور من أول البقرة إلى آخر الأعراف ثم براءة، وفي لفظ الطبري البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف.
قال الراوي: وذكر السابعة فنسيتها، وفي رواية صحيحة عند ابن أبي حاتم عن مجاهد وسعيد بن جبير أنها، يونس، وعند الحاكم أنها الكهف وزاد قيل له ما المثاني؟ قال: تثنى فيهن القصص وقيل غير ذلك في تفسيرها.
ورجح ابن جرير القول الأول لصحة الخبر فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا معدل عنه، وقال ابن عبد البر: وهو الصحيح وإلا ثبت عن ابن عباس.

وقد روى الطبري بإسناد حسن عن ابن عباس أنه قرأ فاتحة الكتاب ثم قال: { { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي } } فقال: هي فاتحة الكتاب.
وبإسنادين جيدين عن عمر ثم عن علي السبع المثاني فاتحة الكتاب.
زاد عن عمر تثنى في كل ركعة، ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية السبع المثاني الفاتحة.
قلت للربيع: إنهم يقولون إنها السبع الطوال.
قال لقد أنزلت هذه الآية وما أنزل من الطوال شيء.

( وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُ) مبتدأ وخبر أي هو الذي أعطيته فهو معطوف على قوله وهي السبع وليس معطوفًا على السبع، لأن الفاتحة ليست هي القرآن العظيم وإن جاز إطلاقه عليها لأنها منه، لكنها ليست هي القرآن كله، وقد روى ابن أبي حاتم من طريق أخرى عن أبي هريرة الحديث بلفظ: والقرآن العظيم الذي أعطيتموه أي هو الذي أعطيتموه فيكون هذا هو الخبر ذكره الحافظ.

وقال ابن عبد البر: معناه عندي هي السبع المثاني وخرج والقرآن العظيم على معنى التلاوة اهـ.
لكن فيه أنه قال: الذي أعطيت فلا يكون مجرد تلاوة فتعين أنه من عطف الجمل وعلم أنه لا حاجة لقول الباجي إنما قيل لها القرآن العظيم على معنى التخصيص لها بهذا الاسم وإن كان كل شيء من القرآن عظيمًا كما يقال: الكعبة بيت الله وإن كانت البيوت كلها لله ولكن على سبيل التخصيص والتعظيم لها اهـ.

وقد روى البخاري عن أبي سعيد بن المعلى قال: كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه، وفي رواية فلم آته حتى صليت ثم أتيته فقلت: إني كنت أصلي.
فقال: ألم يقل الله { { اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } } ثم قال: لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له: ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟ قال: الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته.

وجمع البيهقي: فإن القصة وقعت لأبي بن كعب ولأبي سعيد بن المعلى ويتعين المصير إلى ذلك لاختلاف مخرج الحديثين واختلاف سياقهما كما رأيته.

وفي الحديث من الفوائد استعمال صيغة العموم في الأحوال كلها وإجراء لفظ العموم على جميع مقتضاه، وأن الخاص والعام إذا تقابلا كان العام منزلاً على الخاص لأنه حرم الكلام في الصلاة على العموم ثم استثنى منه إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قاله الخطابي.

وقال ابن عبد البر: الإجماع على تحريم الكلام في الصلاة يدل على خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وكذا قال القاضي عبد الوهاب وأبو الوليد أن إجابته فيها فرض يعصي المرء بتركه وأنه حكم مختص به، وصرح جماعة بأن الصلاة لا تبطل بذلك وهو المعتمد عند الشافعية والمالكية وبحث فيه الحافظ لاحتمال أن إجابته واجبة مطلقًا سواء كان المخاطب مصليًا أو غير مصل؛ أما كونه يخرج بالإجابة من الصلاة أو لا يخرج فليس في الحديث ما يستلزمه، فيحتمل أن تجب الإجابة ولو خرج المجيب من الصلاة، وإلى ذلك جنح بعضهم وهل يختص هذا الحكم بالنداء أو يشمل ما هو أعم حتى تجب إجابته إذا سأل فيه بحث؟ وقد جزم ابن حبان بأن إجابة الصحابة في قصة ذي اليدين كان كذلك.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ مَنْ صَلَّى رَكْعَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَلَمْ يُصَلِّ) لأنه ترك ركنًا من الصلاة وفيه وجوبها في كل ركعة ( إِلَّا وَرَاءَ الْإِمَامِ) فقد صلى ففيه أنها لا تجب على المأموم.

قال أحمد: فهذا صحابي تأول قوله صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب على ما إذا كان وحده نقله الترمذي يعني أو كان إمامًا لأن الاستثناء معيار العموم، وقال أبو عبد الملك: هذا الحديث موقوف على جابر وقد أسنده بعضهم أي رفعه، ورواه الترمذي من طريق معن عن مالك به موقوفًا وقال: حسن صحيح.