فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ غُسْلِ الْمُحْرِمِ

رقم الحديث 714 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالْأَبْوَاءِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ.
.

     وَقَالَ  الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ لَا يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ.
قَالَ فَأَرْسَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ وَهُوَ يُسْتَرُ بِثَوْبٍ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ.
أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَسْأَلُكَ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ قَالَ، فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ، ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ: اصْبُبْ.
فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ.
ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ.


( غسل المحرم)

( مالك عن زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر ( عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين) بضم الحاء وفتح النون الأولى الهاشمي مولاهم المدني أبي إسحاق مات بعد المائة ( عن أبيه) مولى العباس بن عبد المطلب المدني مات في أوائل المائة الثانية قال ابن عبد البر أدخل يحيى بن زيد وإبراهيم نافعًا وهو خطأ لا شك فيه مما يحفظ من خطأ يحيى وغلطه في الموطأ ولم يتابعه أحد من رواته وقد طرحه ابن وضاح وغيره وهو الصواب ( أن عبد الله بن عباس والمسور) بكسر الميم وسكون السين المهملة وخفة الواو ( ابن مخرمة) بفتح الميم وسكون المعجمة ابن نوفل القرشي له ولأبيه صحبة ( اختلفا) وهما نازلان ( بالأبواء) بفتح الهمزة وسكون الموحدة والمد جبل قرب مكة وعنده بلدة تنسب إليه قيل سمي بذلك لوبائه وهو على القلب وإلا لقيل الأوباء وقيل لأن السيول تتبوؤه أي تحله ( فقال عبد الله) بن عباس ( يغسل المحرم رأسه وقال المسور بن مخرمة لا يغسل المحرم رأسه) قال الأبي الظن بهما أنهما لا يختلفان إلا ولكل منهما مستند قال عياض ودل كلامهما أنهما اختلفا في تحريك الشعر إذ لا خلاف في غسل المحرم رأسه في غسل الجنابة ولا بد من صب الماء فخاف المسور أن يكون في تحريكه باليد قتل بعض دواب أو طرحها وعلم ابن عباس أن عند أبي أيوب علم ذلك ( قال) عبد الله بن حنين ( فأرسلني عبد الله بن عباس إلى أبي أيوب) خالد بن زيد ( الأنصاري فوجدته يغتسل بين القرنين) بفتح القاف تثنية قرن وهما الخشبتان القائمتان على رأس البئر وشبههما من البناء ويمد بينهما خشبة يجر عليها الحبل المستقى به ويعلق عليها البكرة وقال القتبي هما منارتان تبنيان من حجارة أو مدر على رأس البئر من جانبيها فإن كانتا من خشب فهما نوقان ( وهو يستر بثوب) ففيه التستر في الغسل ( فسلمت عليه) قال عياض والنووي وغيرهما فيه جواز السلام على المتطهر في حال طهارته بخلاف من هو على الحدث وتعقبه الولي العراقي بأنه لم يصرح بأنه رد عليه السلام بل ظاهره أنه لم يرد لقوله ( فقال من هذا) بفاء التعقيب الدالة على أنه لم يفصل بين سلامه وبينها بشيء فيدل على عكس ما استدل به فإن قيل الظاهر أنه رد السلام وترك ذكره لوضوحه فإنه أمر مقرر لا يحتاج إلى نقل وقوعه وأما الفاء فهي مثل قوله تعالى { { أن اضرب بعصاك البحر فانفلق } } أي فضرب فانفلق فالانفلاق معقب للضرب لا للأمر بالضرب وإن لم يصرح به في الآية ويدل على ذلك هنا أنه لم يذكر رد السلام على المسيء صلاته في أكثر الطرق وفي بعضها أنه رد عليه قلت لما لم يصرح بذكر رد السلام احتمل الرد وعدمه فسقط الاستدلال للجانبين انتهى وفيه وقفة ( فقلت أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك عبد الله بن عباس أسألك) وفي رواية يسألك ( كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم) قال ابن عبد البر فيه أن ابن عباس كان عنده علم غسل رأس المحرم عنه صلى الله عليه وسلم أنبأه أبو أيوب أو غيره لأنه كان يأخذ عن الصحابة ألا ترى أنه قال كيف كان يغسل رأسه ولم يقل هل كان يغسل وقال ابن دقيق العيد هذا يشعر بأن ابن عباس كان عنده علم بأصل الغسل فإن السؤال عن كيفية الشيء إنما يكون بعد العلم بأصله وأن غسل البدن كان عنده متقرر الجواز إذ لم يسأل عنه وإنما سأل عن كيفية غسل الرأس ويحتمل أن يكون ذلك لأنه موضع الإشكال إذ الشعر عليه وتحريك اليد يخاف منه نتف الشعر وتعقب بأن النزاع بينهما إنما وقع في غسل الرأس وقال الحافظ لم يقل هل كان يغسل رأسه ليوافق اختلافهما بل سأل عن الكيفية لاحتمال أنه لما رآه يغتسل وهو محرم فهم من ذلك الجواب ثم أحب أن لا يرجع إلا بفائدة أخرى فسأله عن الكيفية ( قال فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه) أي خفض الثوب وأزاله عن رأسه ( حتى بدا) بالتخفيف أي ظهر ( لي رأسه ثم قال لإنسان) لم يسم ( يصب عليه) زاد في رواية ابن وضاح الماء ( أصبب فصب على رأسه ثم حرك) أبو أيوب ( رأسه بيديه) بالتثنية ( فأقبل بهما وأدبر) فدل على جواز ذلك ما لم يؤد إلى نتف الشعر والبيان بالفعل وهو أبلغ من القول ( ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل) وفي رواية ابن جريج عن زيد بن أسلم بهذا الإسناد فأمر أبو أيوب بيديه على رأسه جميعًا على جميع رأسه فأقبل بهما وأدبر وزاد سفيان بن عيينة فرجعت إليهما فأخبرتهما فقال المسور لابن عباس لا أماريك أبدًا أي لا أجادلك وفيه رجوع المختلفين إلى من يظنان أن عنده علم ما اختلفا فيه وقبول خبر الواحد وأنه كان مشهورًا عند الصحابة لأن ابن عباس أرسل ابن حنين ليسأل أبا أيوب ومن ضرورة ذلك قبول خبر أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم وقبول خبر ابن حنين عن أبي أيوب والرجوع إلى النص عند الاختلاف وترك الاجتهاد والقياس عند النص قال ابن عبد البر وفيه أن الصحابة إذا اختلفوا لم يكن أحدهما حجة على الآخر إلا بدليل وأن حديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم محله في النقل عنه صلى الله عليه وسلم كما قال أهل النظر كالمزني لأن كلاً منهم ثقة مأمون عدل رضا لا في الاجتهاد والرأي وإلا لقال ابن عباس للمسور أنت نجم وأنا نجم فبأينا اقتدى اهتدى ولم يحتج إلى طلب البرهان من السنة على صحة قوله وكذا حكم سائر الصحابة إذا اختلفوا وفيه الاستعانة في الطهارة لقوله أصبب قال عياض والأولى تركها إلا لحاجة وقال ابن دقيق العيد ورد في الاستعانة أحاديث صحيحة وفي تركها شيء لا يقابلها في الصحة وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن قتيبة بن سعيد وأبو داود عن القعنبي الثلاثة عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة وابن جريج عن زيد بن أسلم عند مسلم ( مالك عن حميد بن قيس) المكي ( عن عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء والموحدة أسلم القرشي مولاهم المكي فقيه ثقة فاضل لكنه كثير الإرسال مات سنة أربع عشرة ومائة على المشهور ( أن عمر بن الخطاب قال ليعلى بن منية) بضم الميم وسكون النون وفتح التحتية وهي أمه واسم أبيه أمية بن أبي عبيدة بن همام التميمي حليف قريش صحابي مات سنة بضع وأربعين ( وهو يصب على عمر بن الخطاب ماء وهو يغتسل) وهو محرم ( أصبب على رأسي فقال يعلى أتريد أن تجعلها بي) قال البوني أي تجعلني أفتيك وتنحي الفتيا عن نفسك إن كان في هذا شيء وقال ابن وهب معناه إنما أفعله طوعًا لك لفضلك وأمانتك ولا أرى لي فيه انتهى.
وقال أبو عمر أي الفدية إن مات شيء من دواب رأسك أو زوال شيء من الشعر لزمتني الفدية فإن أمرتني كانت عليك ( إن أمرتني صببت فقال له عمر بن الخطاب أصبب فلن يزيده الماء إلا شعثًا) لأن الماء يلبد الشعر ويدخله مع ذلك الغبار فأخبره عمر أنه لا فدية على الفاعل ولا على الآمر به وهذا يقتضي أن غسله لم يكن لجنابة إذ الإجماع على أن المحرم إذا كان جنبًا أو المرأة حائضًا أو نفساء وطهرت يغسل رأسه واختلف في غسل المحرم تبردا أو غسل رأسه فأجازه الجمهور بلا كراهة كما قال عمر لا يزيده الماء إلا شعثًا قال عياض وتؤول عن مالك مثله وتؤول عليه الكراهة أيضًا وقد كره غمر المحرم رأسه في الماء وعللت الكراهة بأنه في تحريك يده عليه في غسله أو في غمسه قد يقتل بعض الدواب أو يسقط بعض الشعر وقيل لعله رآه من تغطية الرأس وكره فقهاء الأمصار غسل الرأس بالخطمى والسدر وأوجب مالك وأبو حنيفة فيه الفدية وأجازه بعض السلف إذا كان ملبدًا انتهى.
وقال الشافعية لا فدية عليه إذا لم ينتف الشعر ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا دنا) قرب ( من مكة بات بذي طوى) مثلث الطاء والفتح أشهر مقصور منون وقد لا ينون واد بقرب مكة يعرف اليوم ببئر الزاهد ( بين الثنيتين حتى يصبح) أي إلى أن يدخل في الصباح ( ثم يصلي الصبح) وفي رواية أيوب عن نافع فإذا صلى الغداة اغتسل ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك رواه البخاري ومسلم وغيرهما أي المذكور من البيات والصلاة والغسل ( ثم يدخل) مكة ( من الثنية التي بأعلى مكة) التي ينزل منها إلى المعلى ومقابر مكة بجنب المحصب وهي التي يقال لها الحجون بفتح الحاء المهملة وضم الجيم وكانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية ثم عبد الملك ثم المهدي على ما ذكره الأزرقي ثم سهل في سنة إحدى عشرة وثمانمائة موضع ثم سهلت كلها في زمن سلطان مصر الملك المؤيد في حدود العشرين وثمانمائة وكل عقبة في جبل أو طريق تسمى ثنية بفتح المثلثة والنون والتحتية الثقيلة كما في الفتح وغيره وابن عمر اقتدى في ذلك بالمصطفى ففي البخاري عن إبراهيم بن المنذر وأبي داود عن عبد الله بن جعفر البرمكي كلاهما عن معن عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى قال الحافظ ليس هذا الحديث في الموطأ ولا رأيته في غرائب مالك للدارقطني ولم أقف عليه إلا من رواية معن بن عيسى وقد عز على الإسماعيلي استخراجه فرواه عن ابن ناجية عن البخاري مثله وفي الصحيحين من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة من كداء من الثنية العليا التي بالبطحاء وخرج من الثنية السفلى وكداء بفتح الكاف والدال المهملة ممدود منون وقيل لا يصرف على إرادة البقعة للعلمية والتأنيث ( ولا يدخل) مكة ( إذا خرج حاجًا أو معتمرًا حتى يغتسل قبل أن يدخل مكة إذا دنا من مكة بذي طوى) اقتداءً بقوله صلى الله عليه وسلم وهو كان من اتبع الناس له ( ويأمر من معه فيغتسلون قبل أن يدخلوا) تحصيلاً للمستحب فإنه يندب لغير حائض ونفساء لأنه للطواف وهما لا يدخلان المسجد كما قال صلى الله عليه وسلم وافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ويغتسلان للإحرام والوقوف ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من الاحتلام) وظاهره أن غسله لدخول مكة كان لجسده دون رأسه قاله الحافظ ( قال مالك سمعت أهل العلم يقولون لا بأس أن يغسل الرجل المحرم رأسه بالغسول) بالغين المعجمة بوزن صبور وهو كالغسل بالكسر ما يغسل به الرأس من سدر وخطمى ونحوهما ( بعد أن يرمي جمرة العقبة وقبل أن يحلق رأسه وذلك أنه إذا رمى جمرة العقبة) يوم النحر ( فقد حل له قتل القمل وحلق الشعر وإلقاء التفث) بفوقية ففاء فمثلثة الوسخ ( ولبس الثياب) ولم يبق عليه من محرمات الإحرام سوى النساء والصيد وكره الطيب حتى يطوف للإفاضة فيحل له كل شيء.



رقم الحديث 715 وحَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِيَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ وَهُوَ يَصُبُّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَاءً، وَهُوَ يَغْتَسِلُ: اصْبُبْ عَلَى رَأْسِي، فَقَالَ يَعْلَى: أَتُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَهَا بِي؟ إِنْ أَمَرْتَنِي صَبَبْتُ.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اصْبُبْ فَلَنْ يَزِيدَهُ الْمَاءُ إِلَّا شَعَثًا.


( غسل المحرم)

( مالك عن زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر ( عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين) بضم الحاء وفتح النون الأولى الهاشمي مولاهم المدني أبي إسحاق مات بعد المائة ( عن أبيه) مولى العباس بن عبد المطلب المدني مات في أوائل المائة الثانية قال ابن عبد البر أدخل يحيى بن زيد وإبراهيم نافعًا وهو خطأ لا شك فيه مما يحفظ من خطأ يحيى وغلطه في الموطأ ولم يتابعه أحد من رواته وقد طرحه ابن وضاح وغيره وهو الصواب ( أن عبد الله بن عباس والمسور) بكسر الميم وسكون السين المهملة وخفة الواو ( ابن مخرمة) بفتح الميم وسكون المعجمة ابن نوفل القرشي له ولأبيه صحبة ( اختلفا) وهما نازلان ( بالأبواء) بفتح الهمزة وسكون الموحدة والمد جبل قرب مكة وعنده بلدة تنسب إليه قيل سمي بذلك لوبائه وهو على القلب وإلا لقيل الأوباء وقيل لأن السيول تتبوؤه أي تحله ( فقال عبد الله) بن عباس ( يغسل المحرم رأسه وقال المسور بن مخرمة لا يغسل المحرم رأسه) قال الأبي الظن بهما أنهما لا يختلفان إلا ولكل منهما مستند قال عياض ودل كلامهما أنهما اختلفا في تحريك الشعر إذ لا خلاف في غسل المحرم رأسه في غسل الجنابة ولا بد من صب الماء فخاف المسور أن يكون في تحريكه باليد قتل بعض دواب أو طرحها وعلم ابن عباس أن عند أبي أيوب علم ذلك ( قال) عبد الله بن حنين ( فأرسلني عبد الله بن عباس إلى أبي أيوب) خالد بن زيد ( الأنصاري فوجدته يغتسل بين القرنين) بفتح القاف تثنية قرن وهما الخشبتان القائمتان على رأس البئر وشبههما من البناء ويمد بينهما خشبة يجر عليها الحبل المستقى به ويعلق عليها البكرة وقال القتبي هما منارتان تبنيان من حجارة أو مدر على رأس البئر من جانبيها فإن كانتا من خشب فهما نوقان ( وهو يستر بثوب) ففيه التستر في الغسل ( فسلمت عليه) قال عياض والنووي وغيرهما فيه جواز السلام على المتطهر في حال طهارته بخلاف من هو على الحدث وتعقبه الولي العراقي بأنه لم يصرح بأنه رد عليه السلام بل ظاهره أنه لم يرد لقوله ( فقال من هذا) بفاء التعقيب الدالة على أنه لم يفصل بين سلامه وبينها بشيء فيدل على عكس ما استدل به فإن قيل الظاهر أنه رد السلام وترك ذكره لوضوحه فإنه أمر مقرر لا يحتاج إلى نقل وقوعه وأما الفاء فهي مثل قوله تعالى { { أن اضرب بعصاك البحر فانفلق } } أي فضرب فانفلق فالانفلاق معقب للضرب لا للأمر بالضرب وإن لم يصرح به في الآية ويدل على ذلك هنا أنه لم يذكر رد السلام على المسيء صلاته في أكثر الطرق وفي بعضها أنه رد عليه قلت لما لم يصرح بذكر رد السلام احتمل الرد وعدمه فسقط الاستدلال للجانبين انتهى وفيه وقفة ( فقلت أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك عبد الله بن عباس أسألك) وفي رواية يسألك ( كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم) قال ابن عبد البر فيه أن ابن عباس كان عنده علم غسل رأس المحرم عنه صلى الله عليه وسلم أنبأه أبو أيوب أو غيره لأنه كان يأخذ عن الصحابة ألا ترى أنه قال كيف كان يغسل رأسه ولم يقل هل كان يغسل وقال ابن دقيق العيد هذا يشعر بأن ابن عباس كان عنده علم بأصل الغسل فإن السؤال عن كيفية الشيء إنما يكون بعد العلم بأصله وأن غسل البدن كان عنده متقرر الجواز إذ لم يسأل عنه وإنما سأل عن كيفية غسل الرأس ويحتمل أن يكون ذلك لأنه موضع الإشكال إذ الشعر عليه وتحريك اليد يخاف منه نتف الشعر وتعقب بأن النزاع بينهما إنما وقع في غسل الرأس وقال الحافظ لم يقل هل كان يغسل رأسه ليوافق اختلافهما بل سأل عن الكيفية لاحتمال أنه لما رآه يغتسل وهو محرم فهم من ذلك الجواب ثم أحب أن لا يرجع إلا بفائدة أخرى فسأله عن الكيفية ( قال فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه) أي خفض الثوب وأزاله عن رأسه ( حتى بدا) بالتخفيف أي ظهر ( لي رأسه ثم قال لإنسان) لم يسم ( يصب عليه) زاد في رواية ابن وضاح الماء ( أصبب فصب على رأسه ثم حرك) أبو أيوب ( رأسه بيديه) بالتثنية ( فأقبل بهما وأدبر) فدل على جواز ذلك ما لم يؤد إلى نتف الشعر والبيان بالفعل وهو أبلغ من القول ( ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل) وفي رواية ابن جريج عن زيد بن أسلم بهذا الإسناد فأمر أبو أيوب بيديه على رأسه جميعًا على جميع رأسه فأقبل بهما وأدبر وزاد سفيان بن عيينة فرجعت إليهما فأخبرتهما فقال المسور لابن عباس لا أماريك أبدًا أي لا أجادلك وفيه رجوع المختلفين إلى من يظنان أن عنده علم ما اختلفا فيه وقبول خبر الواحد وأنه كان مشهورًا عند الصحابة لأن ابن عباس أرسل ابن حنين ليسأل أبا أيوب ومن ضرورة ذلك قبول خبر أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم وقبول خبر ابن حنين عن أبي أيوب والرجوع إلى النص عند الاختلاف وترك الاجتهاد والقياس عند النص قال ابن عبد البر وفيه أن الصحابة إذا اختلفوا لم يكن أحدهما حجة على الآخر إلا بدليل وأن حديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم محله في النقل عنه صلى الله عليه وسلم كما قال أهل النظر كالمزني لأن كلاً منهم ثقة مأمون عدل رضا لا في الاجتهاد والرأي وإلا لقال ابن عباس للمسور أنت نجم وأنا نجم فبأينا اقتدى اهتدى ولم يحتج إلى طلب البرهان من السنة على صحة قوله وكذا حكم سائر الصحابة إذا اختلفوا وفيه الاستعانة في الطهارة لقوله أصبب قال عياض والأولى تركها إلا لحاجة وقال ابن دقيق العيد ورد في الاستعانة أحاديث صحيحة وفي تركها شيء لا يقابلها في الصحة وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن قتيبة بن سعيد وأبو داود عن القعنبي الثلاثة عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة وابن جريج عن زيد بن أسلم عند مسلم ( مالك عن حميد بن قيس) المكي ( عن عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء والموحدة أسلم القرشي مولاهم المكي فقيه ثقة فاضل لكنه كثير الإرسال مات سنة أربع عشرة ومائة على المشهور ( أن عمر بن الخطاب قال ليعلى بن منية) بضم الميم وسكون النون وفتح التحتية وهي أمه واسم أبيه أمية بن أبي عبيدة بن همام التميمي حليف قريش صحابي مات سنة بضع وأربعين ( وهو يصب على عمر بن الخطاب ماء وهو يغتسل) وهو محرم ( أصبب على رأسي فقال يعلى أتريد أن تجعلها بي) قال البوني أي تجعلني أفتيك وتنحي الفتيا عن نفسك إن كان في هذا شيء وقال ابن وهب معناه إنما أفعله طوعًا لك لفضلك وأمانتك ولا أرى لي فيه انتهى.
وقال أبو عمر أي الفدية إن مات شيء من دواب رأسك أو زوال شيء من الشعر لزمتني الفدية فإن أمرتني كانت عليك ( إن أمرتني صببت فقال له عمر بن الخطاب أصبب فلن يزيده الماء إلا شعثًا) لأن الماء يلبد الشعر ويدخله مع ذلك الغبار فأخبره عمر أنه لا فدية على الفاعل ولا على الآمر به وهذا يقتضي أن غسله لم يكن لجنابة إذ الإجماع على أن المحرم إذا كان جنبًا أو المرأة حائضًا أو نفساء وطهرت يغسل رأسه واختلف في غسل المحرم تبردا أو غسل رأسه فأجازه الجمهور بلا كراهة كما قال عمر لا يزيده الماء إلا شعثًا قال عياض وتؤول عن مالك مثله وتؤول عليه الكراهة أيضًا وقد كره غمر المحرم رأسه في الماء وعللت الكراهة بأنه في تحريك يده عليه في غسله أو في غمسه قد يقتل بعض الدواب أو يسقط بعض الشعر وقيل لعله رآه من تغطية الرأس وكره فقهاء الأمصار غسل الرأس بالخطمى والسدر وأوجب مالك وأبو حنيفة فيه الفدية وأجازه بعض السلف إذا كان ملبدًا انتهى.
وقال الشافعية لا فدية عليه إذا لم ينتف الشعر ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا دنا) قرب ( من مكة بات بذي طوى) مثلث الطاء والفتح أشهر مقصور منون وقد لا ينون واد بقرب مكة يعرف اليوم ببئر الزاهد ( بين الثنيتين حتى يصبح) أي إلى أن يدخل في الصباح ( ثم يصلي الصبح) وفي رواية أيوب عن نافع فإذا صلى الغداة اغتسل ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك رواه البخاري ومسلم وغيرهما أي المذكور من البيات والصلاة والغسل ( ثم يدخل) مكة ( من الثنية التي بأعلى مكة) التي ينزل منها إلى المعلى ومقابر مكة بجنب المحصب وهي التي يقال لها الحجون بفتح الحاء المهملة وضم الجيم وكانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية ثم عبد الملك ثم المهدي على ما ذكره الأزرقي ثم سهل في سنة إحدى عشرة وثمانمائة موضع ثم سهلت كلها في زمن سلطان مصر الملك المؤيد في حدود العشرين وثمانمائة وكل عقبة في جبل أو طريق تسمى ثنية بفتح المثلثة والنون والتحتية الثقيلة كما في الفتح وغيره وابن عمر اقتدى في ذلك بالمصطفى ففي البخاري عن إبراهيم بن المنذر وأبي داود عن عبد الله بن جعفر البرمكي كلاهما عن معن عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى قال الحافظ ليس هذا الحديث في الموطأ ولا رأيته في غرائب مالك للدارقطني ولم أقف عليه إلا من رواية معن بن عيسى وقد عز على الإسماعيلي استخراجه فرواه عن ابن ناجية عن البخاري مثله وفي الصحيحين من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة من كداء من الثنية العليا التي بالبطحاء وخرج من الثنية السفلى وكداء بفتح الكاف والدال المهملة ممدود منون وقيل لا يصرف على إرادة البقعة للعلمية والتأنيث ( ولا يدخل) مكة ( إذا خرج حاجًا أو معتمرًا حتى يغتسل قبل أن يدخل مكة إذا دنا من مكة بذي طوى) اقتداءً بقوله صلى الله عليه وسلم وهو كان من اتبع الناس له ( ويأمر من معه فيغتسلون قبل أن يدخلوا) تحصيلاً للمستحب فإنه يندب لغير حائض ونفساء لأنه للطواف وهما لا يدخلان المسجد كما قال صلى الله عليه وسلم وافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ويغتسلان للإحرام والوقوف ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من الاحتلام) وظاهره أن غسله لدخول مكة كان لجسده دون رأسه قاله الحافظ ( قال مالك سمعت أهل العلم يقولون لا بأس أن يغسل الرجل المحرم رأسه بالغسول) بالغين المعجمة بوزن صبور وهو كالغسل بالكسر ما يغسل به الرأس من سدر وخطمى ونحوهما ( بعد أن يرمي جمرة العقبة وقبل أن يحلق رأسه وذلك أنه إذا رمى جمرة العقبة) يوم النحر ( فقد حل له قتل القمل وحلق الشعر وإلقاء التفث) بفوقية ففاء فمثلثة الوسخ ( ولبس الثياب) ولم يبق عليه من محرمات الإحرام سوى النساء والصيد وكره الطيب حتى يطوف للإفاضة فيحل له كل شيء.



رقم الحديث 716 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَنَا مِنْ مَكَّةَ بَاتَ بِذِي طُوًى بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ حَتَّى يُصْبِحَ.
ثُمَّ يُصَلِّي الصُّبْحَ.
ثُمَّ يَدْخُلُ مِنَ الثَّنِيَّةِ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ.
وَلَا يَدْخُلُ إِذَا خَرَجَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، حَتَّى يَغْتَسِلَ، قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ، إِذَا دَنَا مِنْ مَكَّةَ بِذِي طُوًى، وَيَأْمُرُ مَنْ مَعَهُ فَيَغْتَسِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا.


( غسل المحرم)

( مالك عن زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر ( عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين) بضم الحاء وفتح النون الأولى الهاشمي مولاهم المدني أبي إسحاق مات بعد المائة ( عن أبيه) مولى العباس بن عبد المطلب المدني مات في أوائل المائة الثانية قال ابن عبد البر أدخل يحيى بن زيد وإبراهيم نافعًا وهو خطأ لا شك فيه مما يحفظ من خطأ يحيى وغلطه في الموطأ ولم يتابعه أحد من رواته وقد طرحه ابن وضاح وغيره وهو الصواب ( أن عبد الله بن عباس والمسور) بكسر الميم وسكون السين المهملة وخفة الواو ( ابن مخرمة) بفتح الميم وسكون المعجمة ابن نوفل القرشي له ولأبيه صحبة ( اختلفا) وهما نازلان ( بالأبواء) بفتح الهمزة وسكون الموحدة والمد جبل قرب مكة وعنده بلدة تنسب إليه قيل سمي بذلك لوبائه وهو على القلب وإلا لقيل الأوباء وقيل لأن السيول تتبوؤه أي تحله ( فقال عبد الله) بن عباس ( يغسل المحرم رأسه وقال المسور بن مخرمة لا يغسل المحرم رأسه) قال الأبي الظن بهما أنهما لا يختلفان إلا ولكل منهما مستند قال عياض ودل كلامهما أنهما اختلفا في تحريك الشعر إذ لا خلاف في غسل المحرم رأسه في غسل الجنابة ولا بد من صب الماء فخاف المسور أن يكون في تحريكه باليد قتل بعض دواب أو طرحها وعلم ابن عباس أن عند أبي أيوب علم ذلك ( قال) عبد الله بن حنين ( فأرسلني عبد الله بن عباس إلى أبي أيوب) خالد بن زيد ( الأنصاري فوجدته يغتسل بين القرنين) بفتح القاف تثنية قرن وهما الخشبتان القائمتان على رأس البئر وشبههما من البناء ويمد بينهما خشبة يجر عليها الحبل المستقى به ويعلق عليها البكرة وقال القتبي هما منارتان تبنيان من حجارة أو مدر على رأس البئر من جانبيها فإن كانتا من خشب فهما نوقان ( وهو يستر بثوب) ففيه التستر في الغسل ( فسلمت عليه) قال عياض والنووي وغيرهما فيه جواز السلام على المتطهر في حال طهارته بخلاف من هو على الحدث وتعقبه الولي العراقي بأنه لم يصرح بأنه رد عليه السلام بل ظاهره أنه لم يرد لقوله ( فقال من هذا) بفاء التعقيب الدالة على أنه لم يفصل بين سلامه وبينها بشيء فيدل على عكس ما استدل به فإن قيل الظاهر أنه رد السلام وترك ذكره لوضوحه فإنه أمر مقرر لا يحتاج إلى نقل وقوعه وأما الفاء فهي مثل قوله تعالى { { أن اضرب بعصاك البحر فانفلق } } أي فضرب فانفلق فالانفلاق معقب للضرب لا للأمر بالضرب وإن لم يصرح به في الآية ويدل على ذلك هنا أنه لم يذكر رد السلام على المسيء صلاته في أكثر الطرق وفي بعضها أنه رد عليه قلت لما لم يصرح بذكر رد السلام احتمل الرد وعدمه فسقط الاستدلال للجانبين انتهى وفيه وقفة ( فقلت أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك عبد الله بن عباس أسألك) وفي رواية يسألك ( كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم) قال ابن عبد البر فيه أن ابن عباس كان عنده علم غسل رأس المحرم عنه صلى الله عليه وسلم أنبأه أبو أيوب أو غيره لأنه كان يأخذ عن الصحابة ألا ترى أنه قال كيف كان يغسل رأسه ولم يقل هل كان يغسل وقال ابن دقيق العيد هذا يشعر بأن ابن عباس كان عنده علم بأصل الغسل فإن السؤال عن كيفية الشيء إنما يكون بعد العلم بأصله وأن غسل البدن كان عنده متقرر الجواز إذ لم يسأل عنه وإنما سأل عن كيفية غسل الرأس ويحتمل أن يكون ذلك لأنه موضع الإشكال إذ الشعر عليه وتحريك اليد يخاف منه نتف الشعر وتعقب بأن النزاع بينهما إنما وقع في غسل الرأس وقال الحافظ لم يقل هل كان يغسل رأسه ليوافق اختلافهما بل سأل عن الكيفية لاحتمال أنه لما رآه يغتسل وهو محرم فهم من ذلك الجواب ثم أحب أن لا يرجع إلا بفائدة أخرى فسأله عن الكيفية ( قال فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه) أي خفض الثوب وأزاله عن رأسه ( حتى بدا) بالتخفيف أي ظهر ( لي رأسه ثم قال لإنسان) لم يسم ( يصب عليه) زاد في رواية ابن وضاح الماء ( أصبب فصب على رأسه ثم حرك) أبو أيوب ( رأسه بيديه) بالتثنية ( فأقبل بهما وأدبر) فدل على جواز ذلك ما لم يؤد إلى نتف الشعر والبيان بالفعل وهو أبلغ من القول ( ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل) وفي رواية ابن جريج عن زيد بن أسلم بهذا الإسناد فأمر أبو أيوب بيديه على رأسه جميعًا على جميع رأسه فأقبل بهما وأدبر وزاد سفيان بن عيينة فرجعت إليهما فأخبرتهما فقال المسور لابن عباس لا أماريك أبدًا أي لا أجادلك وفيه رجوع المختلفين إلى من يظنان أن عنده علم ما اختلفا فيه وقبول خبر الواحد وأنه كان مشهورًا عند الصحابة لأن ابن عباس أرسل ابن حنين ليسأل أبا أيوب ومن ضرورة ذلك قبول خبر أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم وقبول خبر ابن حنين عن أبي أيوب والرجوع إلى النص عند الاختلاف وترك الاجتهاد والقياس عند النص قال ابن عبد البر وفيه أن الصحابة إذا اختلفوا لم يكن أحدهما حجة على الآخر إلا بدليل وأن حديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم محله في النقل عنه صلى الله عليه وسلم كما قال أهل النظر كالمزني لأن كلاً منهم ثقة مأمون عدل رضا لا في الاجتهاد والرأي وإلا لقال ابن عباس للمسور أنت نجم وأنا نجم فبأينا اقتدى اهتدى ولم يحتج إلى طلب البرهان من السنة على صحة قوله وكذا حكم سائر الصحابة إذا اختلفوا وفيه الاستعانة في الطهارة لقوله أصبب قال عياض والأولى تركها إلا لحاجة وقال ابن دقيق العيد ورد في الاستعانة أحاديث صحيحة وفي تركها شيء لا يقابلها في الصحة وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن قتيبة بن سعيد وأبو داود عن القعنبي الثلاثة عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة وابن جريج عن زيد بن أسلم عند مسلم ( مالك عن حميد بن قيس) المكي ( عن عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء والموحدة أسلم القرشي مولاهم المكي فقيه ثقة فاضل لكنه كثير الإرسال مات سنة أربع عشرة ومائة على المشهور ( أن عمر بن الخطاب قال ليعلى بن منية) بضم الميم وسكون النون وفتح التحتية وهي أمه واسم أبيه أمية بن أبي عبيدة بن همام التميمي حليف قريش صحابي مات سنة بضع وأربعين ( وهو يصب على عمر بن الخطاب ماء وهو يغتسل) وهو محرم ( أصبب على رأسي فقال يعلى أتريد أن تجعلها بي) قال البوني أي تجعلني أفتيك وتنحي الفتيا عن نفسك إن كان في هذا شيء وقال ابن وهب معناه إنما أفعله طوعًا لك لفضلك وأمانتك ولا أرى لي فيه انتهى.
وقال أبو عمر أي الفدية إن مات شيء من دواب رأسك أو زوال شيء من الشعر لزمتني الفدية فإن أمرتني كانت عليك ( إن أمرتني صببت فقال له عمر بن الخطاب أصبب فلن يزيده الماء إلا شعثًا) لأن الماء يلبد الشعر ويدخله مع ذلك الغبار فأخبره عمر أنه لا فدية على الفاعل ولا على الآمر به وهذا يقتضي أن غسله لم يكن لجنابة إذ الإجماع على أن المحرم إذا كان جنبًا أو المرأة حائضًا أو نفساء وطهرت يغسل رأسه واختلف في غسل المحرم تبردا أو غسل رأسه فأجازه الجمهور بلا كراهة كما قال عمر لا يزيده الماء إلا شعثًا قال عياض وتؤول عن مالك مثله وتؤول عليه الكراهة أيضًا وقد كره غمر المحرم رأسه في الماء وعللت الكراهة بأنه في تحريك يده عليه في غسله أو في غمسه قد يقتل بعض الدواب أو يسقط بعض الشعر وقيل لعله رآه من تغطية الرأس وكره فقهاء الأمصار غسل الرأس بالخطمى والسدر وأوجب مالك وأبو حنيفة فيه الفدية وأجازه بعض السلف إذا كان ملبدًا انتهى.
وقال الشافعية لا فدية عليه إذا لم ينتف الشعر ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا دنا) قرب ( من مكة بات بذي طوى) مثلث الطاء والفتح أشهر مقصور منون وقد لا ينون واد بقرب مكة يعرف اليوم ببئر الزاهد ( بين الثنيتين حتى يصبح) أي إلى أن يدخل في الصباح ( ثم يصلي الصبح) وفي رواية أيوب عن نافع فإذا صلى الغداة اغتسل ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك رواه البخاري ومسلم وغيرهما أي المذكور من البيات والصلاة والغسل ( ثم يدخل) مكة ( من الثنية التي بأعلى مكة) التي ينزل منها إلى المعلى ومقابر مكة بجنب المحصب وهي التي يقال لها الحجون بفتح الحاء المهملة وضم الجيم وكانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية ثم عبد الملك ثم المهدي على ما ذكره الأزرقي ثم سهل في سنة إحدى عشرة وثمانمائة موضع ثم سهلت كلها في زمن سلطان مصر الملك المؤيد في حدود العشرين وثمانمائة وكل عقبة في جبل أو طريق تسمى ثنية بفتح المثلثة والنون والتحتية الثقيلة كما في الفتح وغيره وابن عمر اقتدى في ذلك بالمصطفى ففي البخاري عن إبراهيم بن المنذر وأبي داود عن عبد الله بن جعفر البرمكي كلاهما عن معن عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى قال الحافظ ليس هذا الحديث في الموطأ ولا رأيته في غرائب مالك للدارقطني ولم أقف عليه إلا من رواية معن بن عيسى وقد عز على الإسماعيلي استخراجه فرواه عن ابن ناجية عن البخاري مثله وفي الصحيحين من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة من كداء من الثنية العليا التي بالبطحاء وخرج من الثنية السفلى وكداء بفتح الكاف والدال المهملة ممدود منون وقيل لا يصرف على إرادة البقعة للعلمية والتأنيث ( ولا يدخل) مكة ( إذا خرج حاجًا أو معتمرًا حتى يغتسل قبل أن يدخل مكة إذا دنا من مكة بذي طوى) اقتداءً بقوله صلى الله عليه وسلم وهو كان من اتبع الناس له ( ويأمر من معه فيغتسلون قبل أن يدخلوا) تحصيلاً للمستحب فإنه يندب لغير حائض ونفساء لأنه للطواف وهما لا يدخلان المسجد كما قال صلى الله عليه وسلم وافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ويغتسلان للإحرام والوقوف ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من الاحتلام) وظاهره أن غسله لدخول مكة كان لجسده دون رأسه قاله الحافظ ( قال مالك سمعت أهل العلم يقولون لا بأس أن يغسل الرجل المحرم رأسه بالغسول) بالغين المعجمة بوزن صبور وهو كالغسل بالكسر ما يغسل به الرأس من سدر وخطمى ونحوهما ( بعد أن يرمي جمرة العقبة وقبل أن يحلق رأسه وذلك أنه إذا رمى جمرة العقبة) يوم النحر ( فقد حل له قتل القمل وحلق الشعر وإلقاء التفث) بفوقية ففاء فمثلثة الوسخ ( ولبس الثياب) ولم يبق عليه من محرمات الإحرام سوى النساء والصيد وكره الطيب حتى يطوف للإفاضة فيحل له كل شيء.



رقم الحديث 717 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ إِلَّا مِنَ الِاحْتِلَامِ قَالَ مَالِكٌ: سَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَغْسِلَ الرَّجُلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ بِالْغَسُولِ بَعْدَ أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَقَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَدْ حَلَّ لَهُ قَتْلُ الْقَمْلِ، وَحَلْقُ الشَّعْرِ، وَإِلْقَاءُ التَّفَثِ، وَلُبْسُ الثِّيَابِ.


( غسل المحرم)

( مالك عن زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر ( عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين) بضم الحاء وفتح النون الأولى الهاشمي مولاهم المدني أبي إسحاق مات بعد المائة ( عن أبيه) مولى العباس بن عبد المطلب المدني مات في أوائل المائة الثانية قال ابن عبد البر أدخل يحيى بن زيد وإبراهيم نافعًا وهو خطأ لا شك فيه مما يحفظ من خطأ يحيى وغلطه في الموطأ ولم يتابعه أحد من رواته وقد طرحه ابن وضاح وغيره وهو الصواب ( أن عبد الله بن عباس والمسور) بكسر الميم وسكون السين المهملة وخفة الواو ( ابن مخرمة) بفتح الميم وسكون المعجمة ابن نوفل القرشي له ولأبيه صحبة ( اختلفا) وهما نازلان ( بالأبواء) بفتح الهمزة وسكون الموحدة والمد جبل قرب مكة وعنده بلدة تنسب إليه قيل سمي بذلك لوبائه وهو على القلب وإلا لقيل الأوباء وقيل لأن السيول تتبوؤه أي تحله ( فقال عبد الله) بن عباس ( يغسل المحرم رأسه وقال المسور بن مخرمة لا يغسل المحرم رأسه) قال الأبي الظن بهما أنهما لا يختلفان إلا ولكل منهما مستند قال عياض ودل كلامهما أنهما اختلفا في تحريك الشعر إذ لا خلاف في غسل المحرم رأسه في غسل الجنابة ولا بد من صب الماء فخاف المسور أن يكون في تحريكه باليد قتل بعض دواب أو طرحها وعلم ابن عباس أن عند أبي أيوب علم ذلك ( قال) عبد الله بن حنين ( فأرسلني عبد الله بن عباس إلى أبي أيوب) خالد بن زيد ( الأنصاري فوجدته يغتسل بين القرنين) بفتح القاف تثنية قرن وهما الخشبتان القائمتان على رأس البئر وشبههما من البناء ويمد بينهما خشبة يجر عليها الحبل المستقى به ويعلق عليها البكرة وقال القتبي هما منارتان تبنيان من حجارة أو مدر على رأس البئر من جانبيها فإن كانتا من خشب فهما نوقان ( وهو يستر بثوب) ففيه التستر في الغسل ( فسلمت عليه) قال عياض والنووي وغيرهما فيه جواز السلام على المتطهر في حال طهارته بخلاف من هو على الحدث وتعقبه الولي العراقي بأنه لم يصرح بأنه رد عليه السلام بل ظاهره أنه لم يرد لقوله ( فقال من هذا) بفاء التعقيب الدالة على أنه لم يفصل بين سلامه وبينها بشيء فيدل على عكس ما استدل به فإن قيل الظاهر أنه رد السلام وترك ذكره لوضوحه فإنه أمر مقرر لا يحتاج إلى نقل وقوعه وأما الفاء فهي مثل قوله تعالى { { أن اضرب بعصاك البحر فانفلق } } أي فضرب فانفلق فالانفلاق معقب للضرب لا للأمر بالضرب وإن لم يصرح به في الآية ويدل على ذلك هنا أنه لم يذكر رد السلام على المسيء صلاته في أكثر الطرق وفي بعضها أنه رد عليه قلت لما لم يصرح بذكر رد السلام احتمل الرد وعدمه فسقط الاستدلال للجانبين انتهى وفيه وقفة ( فقلت أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك عبد الله بن عباس أسألك) وفي رواية يسألك ( كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم) قال ابن عبد البر فيه أن ابن عباس كان عنده علم غسل رأس المحرم عنه صلى الله عليه وسلم أنبأه أبو أيوب أو غيره لأنه كان يأخذ عن الصحابة ألا ترى أنه قال كيف كان يغسل رأسه ولم يقل هل كان يغسل وقال ابن دقيق العيد هذا يشعر بأن ابن عباس كان عنده علم بأصل الغسل فإن السؤال عن كيفية الشيء إنما يكون بعد العلم بأصله وأن غسل البدن كان عنده متقرر الجواز إذ لم يسأل عنه وإنما سأل عن كيفية غسل الرأس ويحتمل أن يكون ذلك لأنه موضع الإشكال إذ الشعر عليه وتحريك اليد يخاف منه نتف الشعر وتعقب بأن النزاع بينهما إنما وقع في غسل الرأس وقال الحافظ لم يقل هل كان يغسل رأسه ليوافق اختلافهما بل سأل عن الكيفية لاحتمال أنه لما رآه يغتسل وهو محرم فهم من ذلك الجواب ثم أحب أن لا يرجع إلا بفائدة أخرى فسأله عن الكيفية ( قال فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه) أي خفض الثوب وأزاله عن رأسه ( حتى بدا) بالتخفيف أي ظهر ( لي رأسه ثم قال لإنسان) لم يسم ( يصب عليه) زاد في رواية ابن وضاح الماء ( أصبب فصب على رأسه ثم حرك) أبو أيوب ( رأسه بيديه) بالتثنية ( فأقبل بهما وأدبر) فدل على جواز ذلك ما لم يؤد إلى نتف الشعر والبيان بالفعل وهو أبلغ من القول ( ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل) وفي رواية ابن جريج عن زيد بن أسلم بهذا الإسناد فأمر أبو أيوب بيديه على رأسه جميعًا على جميع رأسه فأقبل بهما وأدبر وزاد سفيان بن عيينة فرجعت إليهما فأخبرتهما فقال المسور لابن عباس لا أماريك أبدًا أي لا أجادلك وفيه رجوع المختلفين إلى من يظنان أن عنده علم ما اختلفا فيه وقبول خبر الواحد وأنه كان مشهورًا عند الصحابة لأن ابن عباس أرسل ابن حنين ليسأل أبا أيوب ومن ضرورة ذلك قبول خبر أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم وقبول خبر ابن حنين عن أبي أيوب والرجوع إلى النص عند الاختلاف وترك الاجتهاد والقياس عند النص قال ابن عبد البر وفيه أن الصحابة إذا اختلفوا لم يكن أحدهما حجة على الآخر إلا بدليل وأن حديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم محله في النقل عنه صلى الله عليه وسلم كما قال أهل النظر كالمزني لأن كلاً منهم ثقة مأمون عدل رضا لا في الاجتهاد والرأي وإلا لقال ابن عباس للمسور أنت نجم وأنا نجم فبأينا اقتدى اهتدى ولم يحتج إلى طلب البرهان من السنة على صحة قوله وكذا حكم سائر الصحابة إذا اختلفوا وفيه الاستعانة في الطهارة لقوله أصبب قال عياض والأولى تركها إلا لحاجة وقال ابن دقيق العيد ورد في الاستعانة أحاديث صحيحة وفي تركها شيء لا يقابلها في الصحة وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن قتيبة بن سعيد وأبو داود عن القعنبي الثلاثة عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة وابن جريج عن زيد بن أسلم عند مسلم ( مالك عن حميد بن قيس) المكي ( عن عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء والموحدة أسلم القرشي مولاهم المكي فقيه ثقة فاضل لكنه كثير الإرسال مات سنة أربع عشرة ومائة على المشهور ( أن عمر بن الخطاب قال ليعلى بن منية) بضم الميم وسكون النون وفتح التحتية وهي أمه واسم أبيه أمية بن أبي عبيدة بن همام التميمي حليف قريش صحابي مات سنة بضع وأربعين ( وهو يصب على عمر بن الخطاب ماء وهو يغتسل) وهو محرم ( أصبب على رأسي فقال يعلى أتريد أن تجعلها بي) قال البوني أي تجعلني أفتيك وتنحي الفتيا عن نفسك إن كان في هذا شيء وقال ابن وهب معناه إنما أفعله طوعًا لك لفضلك وأمانتك ولا أرى لي فيه انتهى.
وقال أبو عمر أي الفدية إن مات شيء من دواب رأسك أو زوال شيء من الشعر لزمتني الفدية فإن أمرتني كانت عليك ( إن أمرتني صببت فقال له عمر بن الخطاب أصبب فلن يزيده الماء إلا شعثًا) لأن الماء يلبد الشعر ويدخله مع ذلك الغبار فأخبره عمر أنه لا فدية على الفاعل ولا على الآمر به وهذا يقتضي أن غسله لم يكن لجنابة إذ الإجماع على أن المحرم إذا كان جنبًا أو المرأة حائضًا أو نفساء وطهرت يغسل رأسه واختلف في غسل المحرم تبردا أو غسل رأسه فأجازه الجمهور بلا كراهة كما قال عمر لا يزيده الماء إلا شعثًا قال عياض وتؤول عن مالك مثله وتؤول عليه الكراهة أيضًا وقد كره غمر المحرم رأسه في الماء وعللت الكراهة بأنه في تحريك يده عليه في غسله أو في غمسه قد يقتل بعض الدواب أو يسقط بعض الشعر وقيل لعله رآه من تغطية الرأس وكره فقهاء الأمصار غسل الرأس بالخطمى والسدر وأوجب مالك وأبو حنيفة فيه الفدية وأجازه بعض السلف إذا كان ملبدًا انتهى.
وقال الشافعية لا فدية عليه إذا لم ينتف الشعر ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا دنا) قرب ( من مكة بات بذي طوى) مثلث الطاء والفتح أشهر مقصور منون وقد لا ينون واد بقرب مكة يعرف اليوم ببئر الزاهد ( بين الثنيتين حتى يصبح) أي إلى أن يدخل في الصباح ( ثم يصلي الصبح) وفي رواية أيوب عن نافع فإذا صلى الغداة اغتسل ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك رواه البخاري ومسلم وغيرهما أي المذكور من البيات والصلاة والغسل ( ثم يدخل) مكة ( من الثنية التي بأعلى مكة) التي ينزل منها إلى المعلى ومقابر مكة بجنب المحصب وهي التي يقال لها الحجون بفتح الحاء المهملة وضم الجيم وكانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية ثم عبد الملك ثم المهدي على ما ذكره الأزرقي ثم سهل في سنة إحدى عشرة وثمانمائة موضع ثم سهلت كلها في زمن سلطان مصر الملك المؤيد في حدود العشرين وثمانمائة وكل عقبة في جبل أو طريق تسمى ثنية بفتح المثلثة والنون والتحتية الثقيلة كما في الفتح وغيره وابن عمر اقتدى في ذلك بالمصطفى ففي البخاري عن إبراهيم بن المنذر وأبي داود عن عبد الله بن جعفر البرمكي كلاهما عن معن عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى قال الحافظ ليس هذا الحديث في الموطأ ولا رأيته في غرائب مالك للدارقطني ولم أقف عليه إلا من رواية معن بن عيسى وقد عز على الإسماعيلي استخراجه فرواه عن ابن ناجية عن البخاري مثله وفي الصحيحين من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة من كداء من الثنية العليا التي بالبطحاء وخرج من الثنية السفلى وكداء بفتح الكاف والدال المهملة ممدود منون وقيل لا يصرف على إرادة البقعة للعلمية والتأنيث ( ولا يدخل) مكة ( إذا خرج حاجًا أو معتمرًا حتى يغتسل قبل أن يدخل مكة إذا دنا من مكة بذي طوى) اقتداءً بقوله صلى الله عليه وسلم وهو كان من اتبع الناس له ( ويأمر من معه فيغتسلون قبل أن يدخلوا) تحصيلاً للمستحب فإنه يندب لغير حائض ونفساء لأنه للطواف وهما لا يدخلان المسجد كما قال صلى الله عليه وسلم وافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ويغتسلان للإحرام والوقوف ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من الاحتلام) وظاهره أن غسله لدخول مكة كان لجسده دون رأسه قاله الحافظ ( قال مالك سمعت أهل العلم يقولون لا بأس أن يغسل الرجل المحرم رأسه بالغسول) بالغين المعجمة بوزن صبور وهو كالغسل بالكسر ما يغسل به الرأس من سدر وخطمى ونحوهما ( بعد أن يرمي جمرة العقبة وقبل أن يحلق رأسه وذلك أنه إذا رمى جمرة العقبة) يوم النحر ( فقد حل له قتل القمل وحلق الشعر وإلقاء التفث) بفوقية ففاء فمثلثة الوسخ ( ولبس الثياب) ولم يبق عليه من محرمات الإحرام سوى النساء والصيد وكره الطيب حتى يطوف للإفاضة فيحل له كل شيء.