فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَوَاقِيتِ الْإِهْلَالِ

رقم الحديث 735 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ.


( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) وللبخاري من طريق الليث عن نافع عن ابن عمر أن رجلاً قام في المسجد فقال يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل قال ( يهل) بضم أوله يحرم ( أهل المدينة) بصيغة الخبر مرادًا به الأمر أي مدينته صلى الله عليه وسلم ( من ذي الحليفة) بالحاء المهملة والفاء مصغر حلفة نبات معروف وهي قرية خربة بينها وبين مكة مائتا ميل قاله ابن حزم وقال غيره بينهما عشرة مراحل أو تسعة وبينها وبين المدينة ستة أميال وقول ابن الصباغ ميل واحد وهم يرده الحس وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب وبها بئر يقال لها بئر علي وهي أبعد المواقيت من مكة فقيل حكمة ذلك أن يعظم أجور أهل المدينة وقيل رفقًا بأهل الآفاق لأن المدينة أقرب الآفاق إلى مكة أي من له ميقات معين ( ويهل أهل الشام) زاد النسائي من حديث عائشة ومصر وزاد الشافعي في روايته والمغرب ( من الجحفة) بضم الجيم وسكون المهملة وهي قرية خربة بينها وبين مكة خمس مراحل أو ستة وقول النووي ثلاث مراحل فيه نظر وهي مهيعة بفتح الميم وسكون الهاء وفتح التحتية بوزن علقمة وقيل بوزن لطيفة والمشهور الأول وسميت الجحفة لأن السيل أجحف بها قال ابن الكلبي كان العماليق يسكنون يثرب فوقع بينهم وبين بني عبيل بفتح المهملة وكسر الموحدة وهم إخوة عاد فأخرجوهم من يثرب فنزلوا مهيعة فجاء سيل فأجحفهم أي استأصلهم فسميت الجحفة والمصريون الآن يحرمون من رابغ براء وموحدة وغين معجمة قرب الجحفة لكثرة حماها فلا ينزلها أحد إلا حم ( ويهل أهل نجد) كل مكان مرتفع وهو اسم لعشرة مواضع والمراد هنا التي أعلى تهامة واليمن وأسفلها الشام والعراق ( من قرن) بفتح القاف وسكون الراء فنون بلا إضافة وفي حديث ابن عباس في الصحيحين قرن المنازل بلفظ جمع المنزل والمركب الإضافي هو اسم المكان وضبط الجوهري قرن بفتح الراء وغلطوه وبالغ النووي فحكى الاتفاق على تخطئته في ذلك وفي نسبة أويس القرني إليه وإنما هو منسوب إلى قبيلة بني قرن بطن من مراد لكن حكى عياض عن القابسي أن من سكن الراء أراد الجبل ومن فتح أراد الطريق والجبل المذكور بينه وبين مكة من جهة المشرق مرحلتان وفي أخبار مكة للفاكهي أن قرن الثعالب جبل مشرف على أسفل منى بينه وبين مسجد منى ألف وخمسمائة ذراع سمي قرن الثعالب لكثرة ما كان يأوي إليه من الثعالب فقد ظهر أنه ليس من المواقيت ( قال عبد الله بن عمر) بن الخطاب راوي الحديث ( وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويهل أهل اليمن من يلملم) بفتح التحتية واللام وسكون الميم وفتح اللام مكان على مرحلتين من مكة بينهما ثلاثون ميلاً ويقال ألملم بالهمزة وهو الأصل والياء تسهيل لها وحكى ابن السيد فيه يرمرم براءين بدل اللامين وللبخاري من طريق الليث عن نافع عن ابن عمر لم أفقه هذه من النبي صلى الله عليه وسلم وفي الصحيحين عن سالم عن أبيه وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ولم أسمعه ويهل أهل اليمن من يلملم وهو من استعمال الزعم على القول المحقق وهو يشعر بأن الذي بلغ ابن عمر ذلك جماعة وقد ثبت ذلك عن ابن عباس في الصحيحين وجابر عند مسلم إلا أنه قال أحسبه رفعه وعائشة عند النسائي والحارث بن عمر والسهمي عند أحمد وأبي داود والنسائي قال ابن عبد البر اتفقوا على أن ابن عمر لم يسمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلاف بين العلماء أن مرسل الصاحب صحيح حجة وكأنه لم يعتبر قول أبي إسحاق الأسفرايني أنه ليس بحجة وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي وأحمد بن يونس كلهم عن مالك به ( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل المدينة أن يهلوا من ذي الحليفة) ففي هذا أن الخبر في رواية نافع مراد به الأمر ولذا أتى به الإمام تلوه فهو من حسن التأليف ( وأهل الشام) ومصر والمغرب ( من الجحفة وأهل نجد من قرن) أي قرن المنازل لا قرن الثعالب ( قال عبد الله بن عمر أما هؤلاء الثلاث فسمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويهل أهل اليمن من يلملم) ولم أسمع ذلك منه وحكى الأثرم عن أحمد أنه سئل أي سنة وقت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت فقال عام حج وفي الحديثين حرمة مجاوزة هذه المواقيت لمريد الحج أو العمرة بلا إحرام وبه قال الأئمة الأربعة والجمهور وقالوا عليه الدم لكن بدليل آخر وذهب عطاء والنخعي إلى عدم الوجوب وقال سعيد بن جبير لا يصح حجه وقال الحسن يجب عليه العود للميقات فإن لم يعد حتى تم حجه رجع للميقات وأهل منه بعمرة قال ابن عبد البر وهذه الأقاويل الثلاثة شاذة ضعيفة فلو رجع للميقات قبل التلبس بالنسك سقط عنه الدم عند الجمهور قال مالك بشرط أن لا يبعد وأبو حنيفة بشرط أن يعود ملبيًا وقال أحمد لا يسقط وهذا فيمن لم يكن بين يديه ميقاته فأما كمصري وشامي أراد النسك فمر بالمدينة فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها ولا يؤخر حتى يأتي الجحفة التي هي ميقاته الأصلي فإن أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور وقول النووي بلا خلاف قال الأبي والولي العراقي والحافظ لعله أراد في مذهب الشافعي وإلا فالمعروف عند المالكية أن الشامي مثلاً إذا جاوز ذا الحليفة بلا إحرام إلى ميقاته الأصلي وهو الجحفة جاز له ذلك وإن كان الأفضل خلافه وبه قال الحنفية وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية كذا قالوا ولا يصح الاعتذار مع وجود قول هذين من الشافعية قال عياض فيه رفق النبي صلى الله عليه وسلم بأمته في توقيت هذه المواقيت فجعل الأمر لأهل الآفاق بالقرب ولأهل المدينة أبعد المواقيت لأنها أقرب الآفاق إلى مكة قال وقال بعض علمائنا في المواقيت حجة لنا أن أقل ما تقصر فيه الصلاة سفر يوم وليلة لأنه أقل مقادير المواقيت لأهل الآفاق والمسافرين حتى يمر بهم سفر وهم محرمون وذلك أن قرن أقرب المواقيت من مكة على يوم وليلة وفيه معجزة من معجزاته صلى الله عليه وسلم وهو ما تضمنه توقيت الجحفة لأهل الشام من الإشارة إلى فتحها وأنها تصير دار الإسلام تحج المسلمون منها ولم تكن ذلك الوقت فتحت ولا شيء منها وهذا الحديث تابع فيه مالكًا إسماعيل بن جعفر عند مسلم وسفيان بن عيينة عند البخاري في الاعتصام كلاهما عن ابن دينار به وزاد فذكر العراق فقال أي ابن عمر لم يكن عراق يومئذ ولأحمد عن صدقة فقال له قائل فأين العراق فقال ابن عمر لم يكن يومئذ عراق وروى الشافعي عن طاوس قال لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات عرق ولم يكن حينئذ أهل المشرق وكذا قال مالك في المدونة والشافعي في الأم فميقات ذات عرق ليس منصوصًا عليه وإنما أجمع عليه وبه قطع الغزالي والرافعي في شرح المسند والنووي في شرح مسلم ويدل له ما في البخاري أن أهل العراق أتوا عمر فوقت لهم ذات عرق وصحح الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية والرافعي في الشرح الصغير والنووي في شرح المهذب أنه منصوص وفي مسلم من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر ومهل أهل العراق ذات عرق إلا أنه مشكوك في رفعه لأن أبا الزبير قال سمعت جابرًا قال سمعت أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكره لكن قال ابن العراقي قوله أحسبه أي أظنه والظن في باب الرواية يتنزل منزلة اليقين فليس ذلك قادحًا في رفعه وأيضًا فلو لم يصرح برفعه لا يقينًا ولا ظنًا فهو منزل منزلة المرفوع لأنه لا يقال من قبل الرأي وإنما يؤخذ توقيفًا من الشارع لا سيما وقد ضمه جابر إلى المواقيت المنصوص عليها وقد أخرجه أحمد من رواية ابن لهيعة وابن ماجه من رواية إبراهيم بن يزيد كلاهما عن أبي الزبير فلم يشكا في رفعه وروى أحمد وأبو داود والنسائي عن عائشة وعن الحارث بن عمر والسهمي قالا وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل العراق ذات عرق قال الحافظ وهذا يدل على أن للحديث أصلاً فلعل من قال إنه غير منصوص لم يبلغه أو رأى ضعف الحديث باعتبار أن كل طريق منها لا تخلو عن مقال ولذا قال ابن خزيمة روي في ذات عرق أخبار لا يثبت منها شيء عند أهل الحديث وقال ابن المنذر لم نجد فيها حديثًا ثابتًا لكن الحديث بمجموع الطرق يقوى كما ذكرنا وأما من أعله بأن العراق لم تكن فتحت يومئذ فقال ابن عبد البر هي غفلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت لأهل النواحي قبل الفتوح لأنه علم أنها ستفتح فلا فرق بين الشام والعراق وبهذا أجاب الماوردي وآخرون لكن يظهر أن مراد ابن عمر بقوله لم يكن عراق يومئذٍ أي لم يكن في تلك الجهة ناس مسلمون وسبب ذلك أنه روى الحديث بلفظ أن رجلاً قال يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل فأجابه وكل جهة عينها كان من قبلها ناس مسلمون بخلاف المشرق وأما ما أخرجه أبو داود والترمذي من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق فقد تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف وإن كان حفظه فقد جمع بينه وبين حديث جابر بأن ذات عرق ميقات الوجوب والعقيق ميقات الاستحباب لأنه أبعد من ذات عرق وبأن العقيق ميقات بعض العراقيين وهم أهل المدائن والعقيق ميقات لأهل البصرة كما جاء ذلك في حديث أنس عند الطبراني وإسناده ضعيف وبأن ذات عرق كانت في موضع العقيق الآن ثم حولت وقربت إلى مكة فعلى هذا فذات عرق والعقيق شيء واحد ويتعين الإحرام من العقيق ولم يقل به أحد وإنما قالوا يستحب احتياطًا واستدل به على أن من ليس له ميقات عليه أن يحرم إذا حاذى ميقاتًا من هذه الخمسة ولا شك أن هذه محيطة بالحرم فذو الحليفة شامية ويلملم يمانية فهي تقابله وإن كانت إحداهما أقرب إلى مكة من الأخرى وقرن شرقية والجحفة غربية فهي تقابلها وإن كانت إحداهما كذلك وذات عرق تحاذي قرنا فعلى هذا لا تخلو بقعة من بقاع الأرض من أن تحاذي ميقاتًا من هذه المواقيت ثم المحاذاة مختصة بمن ليس ميقاته أمامه كالمصري يمر ببدر وهي تحاذي ذا الحليفة فليس عليه الإحرام منها بل يؤخر إلى الجحفة والعقيق المذكور هنا واد يتدفق ماؤه في غور تهامة وهو غير العقيق الوارد في حديث أتاني آت من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك يعني العقيق وهو بقرب البقيع بينه وبين المدينة أربعة أميال ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أهل) أحرم ( من الفرع) بضم الفاء والراء وبإسكانها موضع بناحية المدينة يقال هي أول قرية مارت إسماعيل وأمه التمر بمكة وفيها عينان يقال لهما الربض والتحف كانتا يسقيان عشرين ألف نخلة كانت لحمزة بن عبد الله بن الزبير والربض منابت الأراك في الأرض قال ابن عبد البر محمله عند العلماء أنه مر بميقات لا يريد إحرامًا ثم بدا له فأهل منه أو جاء إلى الفرع من مكة أو غيرها ثم بدا له في الإحرام كما قاله الشافعي وغيره وقد روى حديث المواقيت ومحال أن يتعداه مع علمه به فيوجب على نفسه دمًا هذا لا يظنه عالم انتهى ( مالك عن الثقة عنده) قيل هو نافع ( أن عبد الله بن عمر أهل من إيلياء) بالمد أي بيت المقدس عام الحكمين لما افترق أبو موسى وعمرو بن العاصي عن غير اتفاق بدومة الجندل فنهض ابن عمر إلى بيت المقدس فأحرم منه كما رواه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما مع كونه روى حديث المواقيت فدل على أنه فهم أن المراد منع مجاوزتها حلالاً لا منع الإحرام قبلها وأما الكراهة فقدر آخر لعلة أخرى هي خوف أن يعرض للمحرم إذا بعدت مسافته ما يفسد إحرامه وأما قصيرها فلما فيه من التباس الميقات والتضليل عنه وهذا مذهب مالك وجماعة من السلف فأنكر عمر على عمران بن حصين إحرامه من البصرة وأنكر عثمان على عبد الله بن عامر إحرامه قبل الميقات قال ابن عبد البر وهذا من هؤلاء والله أعلم كراهة أن يضيق المرء على نفسه ما وسع الله عليه وأن يتعرض لما لا يؤمن أن يحدث في إحرامه وكلهم ألزمه الإحرام إذا فعل لأنه زاد ولم ينقص وذهب جماعة إلى جوازه من غير كراهة وقال به الشافعية وإن كان الأفضل الإحرام من الميقات اقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم وأما حديث أبي داود عن أم سلمة مرفوعًا من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أو وجبت له الجنة ورواه ابن ماجه بلفظ من أهل بعمرة من بيت المقدس كانت كفارة لما قبلها من الذنوب وفي لفظ له من أهل بعمرة من بيت المقدس غفر له فحديث معلول قال المنذري اختلف الرواة في متنه وإسناده اختلافًا كثيرًا وضعفه عبد الحق وغيره ( مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل) في ذي القعدة سنة ثمان بعد قسمه غنائم حنين ( من الجعرانة بعمرة) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث محرش الكعبي الخزاعي عداده في أهل مكة وهو بضم الميم وفتح المهملة وقيل إنها معجمة وكسر الراء الثقيلة بعدها معجمة ضبطه الأمير ابن ماكولا تبعًا لهشام بن يوسف ويحيى بن معين ويقال بسكون الحاء المهملة وفتح الراء وصوبه ابن السكن تبعًا لابن المديني ولفظه عند النسائي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة ليلة فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة فاعتمر وأصبح بها كبائت ولفظه عند الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة ليلاً معتمرًا فدخل مكة ليلاً فقضى عمرته ثم خرج من ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت فلما زالت الشمس من الغد خرج في بطن سرف حتى جامع الطريق طريق جمع ببطن سرف فمن أجل ذلك خفيت عمرته على الناس قال الترمذي حسن غريب ولا يعرف لمحرش عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث، وقال ابن عبد البر: حديث صحيح انتهى.


رقم الحديث 736 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَهَلَّ مِنَ الْفُرُعِ.


( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) وللبخاري من طريق الليث عن نافع عن ابن عمر أن رجلاً قام في المسجد فقال يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل قال ( يهل) بضم أوله يحرم ( أهل المدينة) بصيغة الخبر مرادًا به الأمر أي مدينته صلى الله عليه وسلم ( من ذي الحليفة) بالحاء المهملة والفاء مصغر حلفة نبات معروف وهي قرية خربة بينها وبين مكة مائتا ميل قاله ابن حزم وقال غيره بينهما عشرة مراحل أو تسعة وبينها وبين المدينة ستة أميال وقول ابن الصباغ ميل واحد وهم يرده الحس وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب وبها بئر يقال لها بئر علي وهي أبعد المواقيت من مكة فقيل حكمة ذلك أن يعظم أجور أهل المدينة وقيل رفقًا بأهل الآفاق لأن المدينة أقرب الآفاق إلى مكة أي من له ميقات معين ( ويهل أهل الشام) زاد النسائي من حديث عائشة ومصر وزاد الشافعي في روايته والمغرب ( من الجحفة) بضم الجيم وسكون المهملة وهي قرية خربة بينها وبين مكة خمس مراحل أو ستة وقول النووي ثلاث مراحل فيه نظر وهي مهيعة بفتح الميم وسكون الهاء وفتح التحتية بوزن علقمة وقيل بوزن لطيفة والمشهور الأول وسميت الجحفة لأن السيل أجحف بها قال ابن الكلبي كان العماليق يسكنون يثرب فوقع بينهم وبين بني عبيل بفتح المهملة وكسر الموحدة وهم إخوة عاد فأخرجوهم من يثرب فنزلوا مهيعة فجاء سيل فأجحفهم أي استأصلهم فسميت الجحفة والمصريون الآن يحرمون من رابغ براء وموحدة وغين معجمة قرب الجحفة لكثرة حماها فلا ينزلها أحد إلا حم ( ويهل أهل نجد) كل مكان مرتفع وهو اسم لعشرة مواضع والمراد هنا التي أعلى تهامة واليمن وأسفلها الشام والعراق ( من قرن) بفتح القاف وسكون الراء فنون بلا إضافة وفي حديث ابن عباس في الصحيحين قرن المنازل بلفظ جمع المنزل والمركب الإضافي هو اسم المكان وضبط الجوهري قرن بفتح الراء وغلطوه وبالغ النووي فحكى الاتفاق على تخطئته في ذلك وفي نسبة أويس القرني إليه وإنما هو منسوب إلى قبيلة بني قرن بطن من مراد لكن حكى عياض عن القابسي أن من سكن الراء أراد الجبل ومن فتح أراد الطريق والجبل المذكور بينه وبين مكة من جهة المشرق مرحلتان وفي أخبار مكة للفاكهي أن قرن الثعالب جبل مشرف على أسفل منى بينه وبين مسجد منى ألف وخمسمائة ذراع سمي قرن الثعالب لكثرة ما كان يأوي إليه من الثعالب فقد ظهر أنه ليس من المواقيت ( قال عبد الله بن عمر) بن الخطاب راوي الحديث ( وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويهل أهل اليمن من يلملم) بفتح التحتية واللام وسكون الميم وفتح اللام مكان على مرحلتين من مكة بينهما ثلاثون ميلاً ويقال ألملم بالهمزة وهو الأصل والياء تسهيل لها وحكى ابن السيد فيه يرمرم براءين بدل اللامين وللبخاري من طريق الليث عن نافع عن ابن عمر لم أفقه هذه من النبي صلى الله عليه وسلم وفي الصحيحين عن سالم عن أبيه وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ولم أسمعه ويهل أهل اليمن من يلملم وهو من استعمال الزعم على القول المحقق وهو يشعر بأن الذي بلغ ابن عمر ذلك جماعة وقد ثبت ذلك عن ابن عباس في الصحيحين وجابر عند مسلم إلا أنه قال أحسبه رفعه وعائشة عند النسائي والحارث بن عمر والسهمي عند أحمد وأبي داود والنسائي قال ابن عبد البر اتفقوا على أن ابن عمر لم يسمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلاف بين العلماء أن مرسل الصاحب صحيح حجة وكأنه لم يعتبر قول أبي إسحاق الأسفرايني أنه ليس بحجة وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي وأحمد بن يونس كلهم عن مالك به ( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل المدينة أن يهلوا من ذي الحليفة) ففي هذا أن الخبر في رواية نافع مراد به الأمر ولذا أتى به الإمام تلوه فهو من حسن التأليف ( وأهل الشام) ومصر والمغرب ( من الجحفة وأهل نجد من قرن) أي قرن المنازل لا قرن الثعالب ( قال عبد الله بن عمر أما هؤلاء الثلاث فسمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويهل أهل اليمن من يلملم) ولم أسمع ذلك منه وحكى الأثرم عن أحمد أنه سئل أي سنة وقت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت فقال عام حج وفي الحديثين حرمة مجاوزة هذه المواقيت لمريد الحج أو العمرة بلا إحرام وبه قال الأئمة الأربعة والجمهور وقالوا عليه الدم لكن بدليل آخر وذهب عطاء والنخعي إلى عدم الوجوب وقال سعيد بن جبير لا يصح حجه وقال الحسن يجب عليه العود للميقات فإن لم يعد حتى تم حجه رجع للميقات وأهل منه بعمرة قال ابن عبد البر وهذه الأقاويل الثلاثة شاذة ضعيفة فلو رجع للميقات قبل التلبس بالنسك سقط عنه الدم عند الجمهور قال مالك بشرط أن لا يبعد وأبو حنيفة بشرط أن يعود ملبيًا وقال أحمد لا يسقط وهذا فيمن لم يكن بين يديه ميقاته فأما كمصري وشامي أراد النسك فمر بالمدينة فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها ولا يؤخر حتى يأتي الجحفة التي هي ميقاته الأصلي فإن أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور وقول النووي بلا خلاف قال الأبي والولي العراقي والحافظ لعله أراد في مذهب الشافعي وإلا فالمعروف عند المالكية أن الشامي مثلاً إذا جاوز ذا الحليفة بلا إحرام إلى ميقاته الأصلي وهو الجحفة جاز له ذلك وإن كان الأفضل خلافه وبه قال الحنفية وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية كذا قالوا ولا يصح الاعتذار مع وجود قول هذين من الشافعية قال عياض فيه رفق النبي صلى الله عليه وسلم بأمته في توقيت هذه المواقيت فجعل الأمر لأهل الآفاق بالقرب ولأهل المدينة أبعد المواقيت لأنها أقرب الآفاق إلى مكة قال وقال بعض علمائنا في المواقيت حجة لنا أن أقل ما تقصر فيه الصلاة سفر يوم وليلة لأنه أقل مقادير المواقيت لأهل الآفاق والمسافرين حتى يمر بهم سفر وهم محرمون وذلك أن قرن أقرب المواقيت من مكة على يوم وليلة وفيه معجزة من معجزاته صلى الله عليه وسلم وهو ما تضمنه توقيت الجحفة لأهل الشام من الإشارة إلى فتحها وأنها تصير دار الإسلام تحج المسلمون منها ولم تكن ذلك الوقت فتحت ولا شيء منها وهذا الحديث تابع فيه مالكًا إسماعيل بن جعفر عند مسلم وسفيان بن عيينة عند البخاري في الاعتصام كلاهما عن ابن دينار به وزاد فذكر العراق فقال أي ابن عمر لم يكن عراق يومئذ ولأحمد عن صدقة فقال له قائل فأين العراق فقال ابن عمر لم يكن يومئذ عراق وروى الشافعي عن طاوس قال لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات عرق ولم يكن حينئذ أهل المشرق وكذا قال مالك في المدونة والشافعي في الأم فميقات ذات عرق ليس منصوصًا عليه وإنما أجمع عليه وبه قطع الغزالي والرافعي في شرح المسند والنووي في شرح مسلم ويدل له ما في البخاري أن أهل العراق أتوا عمر فوقت لهم ذات عرق وصحح الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية والرافعي في الشرح الصغير والنووي في شرح المهذب أنه منصوص وفي مسلم من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر ومهل أهل العراق ذات عرق إلا أنه مشكوك في رفعه لأن أبا الزبير قال سمعت جابرًا قال سمعت أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكره لكن قال ابن العراقي قوله أحسبه أي أظنه والظن في باب الرواية يتنزل منزلة اليقين فليس ذلك قادحًا في رفعه وأيضًا فلو لم يصرح برفعه لا يقينًا ولا ظنًا فهو منزل منزلة المرفوع لأنه لا يقال من قبل الرأي وإنما يؤخذ توقيفًا من الشارع لا سيما وقد ضمه جابر إلى المواقيت المنصوص عليها وقد أخرجه أحمد من رواية ابن لهيعة وابن ماجه من رواية إبراهيم بن يزيد كلاهما عن أبي الزبير فلم يشكا في رفعه وروى أحمد وأبو داود والنسائي عن عائشة وعن الحارث بن عمر والسهمي قالا وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل العراق ذات عرق قال الحافظ وهذا يدل على أن للحديث أصلاً فلعل من قال إنه غير منصوص لم يبلغه أو رأى ضعف الحديث باعتبار أن كل طريق منها لا تخلو عن مقال ولذا قال ابن خزيمة روي في ذات عرق أخبار لا يثبت منها شيء عند أهل الحديث وقال ابن المنذر لم نجد فيها حديثًا ثابتًا لكن الحديث بمجموع الطرق يقوى كما ذكرنا وأما من أعله بأن العراق لم تكن فتحت يومئذ فقال ابن عبد البر هي غفلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت لأهل النواحي قبل الفتوح لأنه علم أنها ستفتح فلا فرق بين الشام والعراق وبهذا أجاب الماوردي وآخرون لكن يظهر أن مراد ابن عمر بقوله لم يكن عراق يومئذٍ أي لم يكن في تلك الجهة ناس مسلمون وسبب ذلك أنه روى الحديث بلفظ أن رجلاً قال يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل فأجابه وكل جهة عينها كان من قبلها ناس مسلمون بخلاف المشرق وأما ما أخرجه أبو داود والترمذي من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق فقد تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف وإن كان حفظه فقد جمع بينه وبين حديث جابر بأن ذات عرق ميقات الوجوب والعقيق ميقات الاستحباب لأنه أبعد من ذات عرق وبأن العقيق ميقات بعض العراقيين وهم أهل المدائن والعقيق ميقات لأهل البصرة كما جاء ذلك في حديث أنس عند الطبراني وإسناده ضعيف وبأن ذات عرق كانت في موضع العقيق الآن ثم حولت وقربت إلى مكة فعلى هذا فذات عرق والعقيق شيء واحد ويتعين الإحرام من العقيق ولم يقل به أحد وإنما قالوا يستحب احتياطًا واستدل به على أن من ليس له ميقات عليه أن يحرم إذا حاذى ميقاتًا من هذه الخمسة ولا شك أن هذه محيطة بالحرم فذو الحليفة شامية ويلملم يمانية فهي تقابله وإن كانت إحداهما أقرب إلى مكة من الأخرى وقرن شرقية والجحفة غربية فهي تقابلها وإن كانت إحداهما كذلك وذات عرق تحاذي قرنا فعلى هذا لا تخلو بقعة من بقاع الأرض من أن تحاذي ميقاتًا من هذه المواقيت ثم المحاذاة مختصة بمن ليس ميقاته أمامه كالمصري يمر ببدر وهي تحاذي ذا الحليفة فليس عليه الإحرام منها بل يؤخر إلى الجحفة والعقيق المذكور هنا واد يتدفق ماؤه في غور تهامة وهو غير العقيق الوارد في حديث أتاني آت من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك يعني العقيق وهو بقرب البقيع بينه وبين المدينة أربعة أميال ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أهل) أحرم ( من الفرع) بضم الفاء والراء وبإسكانها موضع بناحية المدينة يقال هي أول قرية مارت إسماعيل وأمه التمر بمكة وفيها عينان يقال لهما الربض والتحف كانتا يسقيان عشرين ألف نخلة كانت لحمزة بن عبد الله بن الزبير والربض منابت الأراك في الأرض قال ابن عبد البر محمله عند العلماء أنه مر بميقات لا يريد إحرامًا ثم بدا له فأهل منه أو جاء إلى الفرع من مكة أو غيرها ثم بدا له في الإحرام كما قاله الشافعي وغيره وقد روى حديث المواقيت ومحال أن يتعداه مع علمه به فيوجب على نفسه دمًا هذا لا يظنه عالم انتهى ( مالك عن الثقة عنده) قيل هو نافع ( أن عبد الله بن عمر أهل من إيلياء) بالمد أي بيت المقدس عام الحكمين لما افترق أبو موسى وعمرو بن العاصي عن غير اتفاق بدومة الجندل فنهض ابن عمر إلى بيت المقدس فأحرم منه كما رواه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما مع كونه روى حديث المواقيت فدل على أنه فهم أن المراد منع مجاوزتها حلالاً لا منع الإحرام قبلها وأما الكراهة فقدر آخر لعلة أخرى هي خوف أن يعرض للمحرم إذا بعدت مسافته ما يفسد إحرامه وأما قصيرها فلما فيه من التباس الميقات والتضليل عنه وهذا مذهب مالك وجماعة من السلف فأنكر عمر على عمران بن حصين إحرامه من البصرة وأنكر عثمان على عبد الله بن عامر إحرامه قبل الميقات قال ابن عبد البر وهذا من هؤلاء والله أعلم كراهة أن يضيق المرء على نفسه ما وسع الله عليه وأن يتعرض لما لا يؤمن أن يحدث في إحرامه وكلهم ألزمه الإحرام إذا فعل لأنه زاد ولم ينقص وذهب جماعة إلى جوازه من غير كراهة وقال به الشافعية وإن كان الأفضل الإحرام من الميقات اقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم وأما حديث أبي داود عن أم سلمة مرفوعًا من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أو وجبت له الجنة ورواه ابن ماجه بلفظ من أهل بعمرة من بيت المقدس كانت كفارة لما قبلها من الذنوب وفي لفظ له من أهل بعمرة من بيت المقدس غفر له فحديث معلول قال المنذري اختلف الرواة في متنه وإسناده اختلافًا كثيرًا وضعفه عبد الحق وغيره ( مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل) في ذي القعدة سنة ثمان بعد قسمه غنائم حنين ( من الجعرانة بعمرة) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث محرش الكعبي الخزاعي عداده في أهل مكة وهو بضم الميم وفتح المهملة وقيل إنها معجمة وكسر الراء الثقيلة بعدها معجمة ضبطه الأمير ابن ماكولا تبعًا لهشام بن يوسف ويحيى بن معين ويقال بسكون الحاء المهملة وفتح الراء وصوبه ابن السكن تبعًا لابن المديني ولفظه عند النسائي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة ليلة فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة فاعتمر وأصبح بها كبائت ولفظه عند الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة ليلاً معتمرًا فدخل مكة ليلاً فقضى عمرته ثم خرج من ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت فلما زالت الشمس من الغد خرج في بطن سرف حتى جامع الطريق طريق جمع ببطن سرف فمن أجل ذلك خفيت عمرته على الناس قال الترمذي حسن غريب ولا يعرف لمحرش عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث، وقال ابن عبد البر: حديث صحيح انتهى.