فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا تَفْعَلُ الْحَائِضُ فِي الْحَجِّ

رقم الحديث 765 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَنْزِلُ مِنْ عَرَفَةَ بِنَمِرَةَ ثُمَّ تَحَوَّلَتْ إِلَى الْأَرَاكِ.
قَالَتْ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تُهِلُّ مَا كَانَتْ فِي مَنْزِلِهَا، وَمَنْ كَانَ مَعَهَا، فَإِذَا رَكِبَتْ فَتَوَجَّهَتْ إِلَى الْمَوْقِفِ تَرَكَتِ الْإِهْلَالَ.
قَالَتْ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَعْتَمِرُ بَعْدَ الْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، ثُمَّ تَرَكَتْ ذَلِكَ، فَكَانَتْ تَخْرُجُ قَبْلَ هِلَالِ الْمُحَرَّمِ.
حَتَّى تَأْتِيَ الْجُحْفَةَ فَتُقِيمَ بِهَا حَتَّى تَرَى الْهِلَالَ، فَإِذَا رَأَتِ الْهِلَالَ، أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ.


( قطع التلبية)

( مالك عن محمد بن أبي بكر بن عوف الثقفي) الحجازي الثقة وليس له عن أنس ولا غيره سوى هذا الحديث الواحد ( أنه سأل أنس بن مالك وهما غاديان) جملة اسمية حالية أي ذاهبان غدوة ( من منى إلى عرفة كيف كنتم تصنعون) أي من الذكر طول الطريق ( في هذا اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولمسلم من طريق موسى بن عقبة عن محمد بن أبي بكر قلت لأنس غداة عرفة ما تقول في التلبية في هذا اليوم ( قال كان يهل المهل منا) أي يرفع صوته بالتلبية ( فلا ينكر عليه) بضم أوله على البناء للمجهول وفي رواية موسى بن عقبة لا يعيب أحدنا صاحبه وفي مسلم عن ابن عمر غدونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفات منا الملبي ومنا المكبر ( ويكبر المكبر فلا ينكر عليه) بالبناء للفاعل فيهما أي النبي صلى الله عليه وسلم وفي نسخة بالبناء للمفعول كذا قال بعض الشراح واقتصر الحافظ على الثاني قال الشيخ ولي الدين ظاهر كلام الخطابي أن العلماء أجمعوا على ترك العمل بهذا الحديث وأن السنة في الغدو من منى إلى عرفات التلبية فقط وحكى المنذري أن بعض العلماء أخذ بظاهره لكنه لا يدل على فضل التكبير على التلبية بل على جوازه فقط لأن غاية ما فيه تقريره صلى الله عليه وسلم على التكبير وذلك لا يدل على استحبابه فقد قام الدليل الصريح على أن التلبية حينئذٍ أفضل لمداومته صلى الله عليه وسلم عليها وقال غيره يحتمل أن تكبيره هذا كان ذكرًا يتخلل التلبية من غير ترك لها وفيه بعد وهذا الحديث رواه البخاري هنا عن عبد الله بن يوسف وفي العيد عن أبي نعيم الفضل بن دكين ومسلم عن يحيى الثلاثة عن مالك به وتابعه موسى بن عقبة عن محمد عند مسلم ورواه من طريق عبد الله بن أبي سلمة عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه كنا مع رسول الله في غداة عرفة فمنا المكبر ومنا المهل فأما نحن فنكبر قال قلت والله لعجبًا منكم كيف لم تقولوا له ماذا رأيت رسول الله يصنع وأراد عبد الله بن أبي سلمة بذلك الوقوف على الأفضل لأن الحديث يدل على التخيير بين التكبير والتلبية من تقريره صلى الله عليه وسلم لهم فأراد أن يعرف ما كان يصنع هو ليعرف الأفضل منهما والذي كان يصنعه هو التلبية ( مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب) جده الأعلى وفيه انقطاع لأن محمدًا لم يدرك عليًا ( كان يلبي في الحج حتى إذا زاغت) زالت ( الشمس من يوم عرفة قطع التلبية قال مالك وذلك) أي فعل علي ( الأمر الذي لم يزل) أي استمر ( عليه أهل العلم ببلدنا) المدينة النبوية وقاله ابن عمر وعائشة وجماعة وقال الجمهور يلبي حتى يرمي جمرة العقبة لما في الصحيحين عن الفضل بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة ثم اختلفوا فقال أصحاب الرأي وسفيان الثوري والشافعي يقطعها مع أول حصاة لظاهر قوله حتى بلغ الجمرة وقال أحمد وإسحاق يلبي إلى فراغ رميها لرواية أبي داود حديث الفضل لبى حتى رمى جمرة العقبة ولابن خزيمة عن الفضل أفضت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يكبر مع كل حصاة ثم قطع التلبية مع آخر حصاة قال ابن خزيمة حديث صحيح مفسر لما أبهم في الرواية الأخرى وأن المراد بقوله حتى رمى الجمرة أي أتم رميها ( مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن) عمته ( عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت تترك التلبية إذا رجعت إلى الموقف) بعرفة بعد الزوال ففي فعلها وفعل علي ذلك وهما بالمكانة من النبي صلى الله عليه وسلم أقوى دليل على ترك العمل بحديث الفضل وإن كان صحيحًا قال أبو عبد الملك والمعنى في ذلك والله أعلم أن التلبية إجابة فهو يجيب إلى الأخذ في انتهاء المناسك ثم بعد ذلك التكبير والتهليل على ما بين عليه السلام ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقطع التلبية في الحج إذا انتهى إلى الحرم) ويستمر على ذلك ( حتى يطوف بالبيت و) يسعى ( بين الصفا والمروة ثم) بعد السعي ( يلبي حتى يغدو من منى إلى عرفة فإذا غدا) أي ذهب ( ترك التلبية) هذا في الحج ( وكان يترك التلبية في العمرة إذا دخل الحرم) وبه قال مالك في المحرم من الميقات كما يأتي ( مالك عن ابن شهاب أنه كان يقول كان عبد الله بن عمر لا يلبي وهو يطوف بالبيت) لعدم مشروعيتها في الطواف ولذا كرهها ابنه سالم ومالك وقال ابن عيينة ما رأيت أحدًا يقتدي به يلبي حول البيت إلا عطاء بن السائب وأجازه الشافعي سرًا وأحمد وكان ربيعة يلبي إذا طاف وقال إسماعيل القاضي لا يزال الرجل ملبيًا حتى يبلغ الغاية التي يكون إليها استجابته وهي الوقوف بعرفة قاله أبو عمر ( مالك عن علقمة بن أبي علقمة) بلال المدني ثقة علامة ( عن أمه) مرجانة مولاة عائشة تكنى أم علقمة مقبولة الرواية ( عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت تنزل من عرفة بنمرة) بفتح النون وكسر الميم موضع قيل من عرفات وقيل بقربها خارج عنها ( ثم تحولت إلى الأراك) موضع بعرفة من ناحية الشام ( قالت وكانت عائشة تهل) تلبي ( ما كانت في منزلها) الموضع الذي نزلت فيه ( و) يهل ( من كان معها فإذا ركبت فتوجهت إلى الموقف) بعرفة ( تركت الإهلال) التلبية ( قالت وكانت عائشة تعتمر بعد الحج من مكة في ذي الحجة) كما فعلت مع النبي صلى الله عليه وسلم ( ثم تركت ذلك فكانت تخرج قبل هلال المحرم حتى تأتي الجحفة فتقيم بها حتى ترى الهلال فإذا رأت الهلال أهلت بعمرة) فتأتي مكة تفعل العمرة ثم تعود إلى المدينة لقوله تعالى { { الحج أشهر معلومات } } فيستحب تخليص أشهره كلها للحج وخروجها للجحفة لفضل الإحرام من الميقات والإحرام من التنعيم إنما هو رخصة والميقات أفضل قاله أبو عبد الملك ( مالك عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري ( أن عمر بن عبد العزيز) الإمام العادل ( غدًا يوم عرفة من منى فسمع التكبير عاليًا فبعث الحرس) بفتحتين جمع حارس أي الأعوان ( يصيحون) يصرخون ( في الناس أيها الناس إنها التلبية) فلا تبدلوها بالتكبير وفيه إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم إنما لم ينكر على من كبر يومئذ لبيان الجواز.



رقم الحديث 765 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: الْمَرْأَةُ الْحَائِضُ الَّتِي تُهِلُّ بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ، إِنَّهَا تُهِلُّ بِحَجِّهَا أَوْ عُمْرَتِهَا إِذَا أَرَادَتْ.
وَلَكِنْ لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَهِيَ تَشْهَدُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا مَعَ النَّاسِ.
غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَا تَقْرَبُ الْمَسْجِدَ حَتَّى تَطْهُرَ.


( ما تفعل الحائض في الحج)

( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول المرأة الحائض) أو النفساء ( التي تهل) تحرم ( بالحج أو العمرة إنها) بكسر الهمزة ( تهل بحجها أو عمرتها إذا أرادت ولكن لا تطوف بالبيت) لأن الطهارة شرط في صحته ( ولا بين الصفا والمروة) أي ولا تسعى فهو من باب علفتها تبنًا وماء باردًا أو التقدير ولا تطوف مجازًا ( وهي تشهد) تحضر ( المناسك كلها) عرفة وغيرها ( مع الناس غير أنها لا تطوف بالبيت ولا بين الصفا والمروة) لأن السعي بتوقف على تقدم طواف قبله فإذا امتنع الطواف امتنع السعي لأجله لا لأن الطهارة شرط في السعي إذ لا تشترط عند الكافة إلا ما حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري والمجد بن تيمية رواية عن أحمد وحكى ابن المنذر عن عطاء قولين فيمن بدأ بالسعي قبل الطواف قال بعض أهل الحديث لحديث أسامة بن شريك أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال سعيت قبل أن أطوف قال طف ولا حرج وقال الجمهور لا يجزيه وأولوا حديث أسامة على من سعى بعد طواف القدوم وقبل طواف الإفاضة ( ولا تقرب المسجد حتى تطهر) بسكون الطاء وضم الهاء أو بفتح التاء والطاء المشددة وشد الهاء أيضًا على حذف إحدى التاءين أي حتى ينقطع دمها وتغتسل وقول ابن عمر هذا سيأتي عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال لها افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى تطهري.